قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثاني عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثاني عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثاني عشر

ليس علي المُحبين حرج، إن ظلت مشاعرهم حبيسة الورقٍ. فيجهل الطرفان ما يخفق في صدورهما بلا ألم. ولكن كيف وأن أصبح في العلن؟! فالحُب أضعف من أن يجحد أحد أطرافه علي الآخر، هي فقط كلمة أُحبك تغفر الماضي وتبني حاضرًا مُشرقًا...

توترت قليلًا وهي تجلس إلى المقعد المواجه له، تنحنحت لوهلة وقد عَلت إبتسامة صفراء وجهها، قطب ما بين حاجبيه في حيّرة واستفهام ليردف بنبرة هادئه ثابتة قائلًا: فين نجوى؟!
إقشعر جسدها هلعًا جراء نظرته المُحدقه بها لتقول بنبرة مهزوزة يجتاحها قهقه خفيفة تائهه: في الحمام وقالت ليّ هتظبط الميك أب، ف أنا قُلت هكلمك في موضوع ضروري قبل ما تيجي؟

حانت منها إلتفاته إلى وجهه الذي طالعها بإستفهام وترقبٍ. تنشقت الهواء داخلها ومن ثم أردفت بشجاعه ضارية: آسر؟ إنت ليه بتشتغل حرامي!
ًاِفتر ثغرهُ عن إبتسامة خفيفة جعلتها في حالة توتر فادح لتهتف بإستئناف: قصدي يعني. إنك كاچول وابن ناس من هيئتك. لأ وكمان عندك بيت جميل جدًا، ليه لجأت للمجال دا وانت مش بحاجه له ك مُبرر يعني؟!

مال بجذعه العلوي للأمام قليلًا، ليستند بساعده إلى سطح الطاولة، يرمقها بنظرة ثابتة ومازالت تلك الإبتسامة الواثقة يتشبث طيفها بثغره: مين قالك أصلًا إني حرامي؟
إنكمشت معالم وجهها في جهل تام بما أفصح عنهُ، لتقول بإبتسامة خفيفة تتلهف لمعرفة أسبابه: أمال إنت أيه؟ وسرقت شنطتي بمناسبة أيه؟

في تلك اللحظه إلتفت برأسه جهة اليمين، يستفسر في عقل باله عن سبب تأخر ابنه خالته وكأنه يتهرب او يمتنع عن الإجابة، ذمت فداء شفتيها عبوسًا. أمدت ذراعها ناحية وجهه وراحت تضع أناملها أسفل ذقنه لتدير وجهه إليها قائله: إنت مين يا آسر؟!

عاد بظهره للخلف وقد إستقام في جلسته بعدما جدحها بنظرة غريبة جراء لمستها لهُ، ليشرد بنظراته للبعيد مُتخطيًا إياه ليردف بهدوء: آسر آيوب. ابن المعلم آيوب صاحب مخبز عيش كبير. كان راجل بيحب يتجوز كتير، ف كترت مسؤليته بسبب خلفته الكتير. فإتجه للسرقة هو ومجموعة من صحابه واتشهروا في البلد عندنا. هو طبعًا كان سايبني انا وأمي الله يرحمها لوحدنا. ولما مات بقيت انا (ابن الحرامي ). وصمة المُجتمع وصفني بيها وابن الحرامي لازم ولابد يكون حرامي حتى لو مش دا طريقه.

رمقتهُ فداء بعينين جاحظتين وهي تفغر فاهها شدوهًا لتقول: يعني إنت مش حرامي؟، أمال ليه سرقت شنطتي!

آسر بضحكة هادئه جراء صدمتها التي أضفت علي ملامحها طفولة خالصة: المهم الشاب الصغير دا، قرر يشتغل علشان يصرف علي أمه ويجيب لها علاج جنب دراستهُ. بس هي بعدها بفترة ماتت وهو جمع فلوس كتير بالحلال. أما سبب سرقتي للشنطة. إني حاولت أهرب من وصمة المجتمع ليا وما عرفتش ف قررت أساعد الناس وكدا كدا اسمي حرامي، بساعد واحدة وأرجع لها حقها. أو واحد إتظلم وأضعف من أنه يجيب حقه. بأستمتع بالمُخاطرة دي مش أكتر.

وضعت فداء كفها المتكور أسفل ذقنها، رمقتهُ بنظرة هائمة ومن ثم أردفت بصوتِ خفيض: معاك مؤهل أيه؟
آسر بقهقة خفيفة وكأنه يتذكر شيء ما: أنا بقى يا ستي خريج كُلية تجاره، إتشحتفت علشان أتخرج. بعد أُمي ما (ماتت) قعدت سنين نفسيتي متدمرة وبقيت بعيد سنة رابعة دي كتير، عيدتها أربع مرات، مش عارف أتخرج ومش قادر أخد خُطوة للمذاكرة نهائي، أصلها تعبت معايا أوي وكان روحي فيها.

افتر ثغرها عن إبتسامة حانية ولم تخل نظراتها من معاني الحُب والحنو ناحيته لتقول بنبرة صادقة تواسيه: ربنا يرحمها، بس إنت كُنت ناوي تبلط العمر كُله في الكُلية ولا أيه؟
آسر بإبتسامة هادئه: الظروف جات كدا بقى.
إنتِ واحدة حقيرة وشوارعية. أنا مش فاهمه إنتِ موجوده في حياتنا ليه؟

صرخت نجوى بنبرة باكية وهي تهرع ناحية الطاولة، فزع آسر من رؤيتها علي هذه الحالة ليلتقطها بين ذراعيه هاتفًا بقلق: نجوى، أيه اللي حصلك؟
صدحت نجوى بشهقة مُتقطعة، وهي ترمق فداء بنظرات عُداونية مُتأججة بنار الغيظ: الهانم اللي إنت دخلتها حياتنا، سلطت واحده عليا وضربتني في التواليت. مين المُقرفه دي يا آسر وجاي تقابلها بأي صفة! صداقة؟ مش عاوزينها. أنا ماشيه، جاي معايا ولا هتبقى؟

إلتفت آسر ببصره إليها وبنبرة صارمة تابع: انتِ فعلًا عملتي دا؟
نجوى بحدة: إنت لسه بتستفسر منها؟، تقدر بنفسك تسأل الست اللي كانت في التواليت.

تجنبت فداء النظر إليه، فيما هتف بها بنبرة جامدة أربكتها: ساكته ليه؟ إنتِ فاكر علشان تهاونت معاكِ دا يديكي حق التمادي؟، إنت بتعملي كدا ليه؟ أيه هدفك من دا؟

لم يتسنى لها فُرصة الرد علي إتهاماته لها، همّت بفتح فاهها لتتحدث لتجده يضع كفه خلف ظهر (نجوى) يدفعها بخفة للسير أمامه دون أن يلتفت لنظراتها التي ترقرقت الدموع بها...

( بعد مرور أسبوعين )، نُفخت البلالين ومن ثم أُلقيت داخل حوض السباحة بشكلِ مُبهج يتماشى مع هذا الحدث الجديد عليها، أُضيء المكان بأنور خافتة وقد عُج المكان بالكثير من الناس وعلي رأسهم مجموعة من رجال الأعمال الذين أتوا من كُل حدبٍ وصوبٍ لحضور إفتتاحية الشركة (PaSsion). الذي ذاع صيتها قبل أن تواكب مشاريعها الأولى حتي.

أخذت تسير بين ضيوفها بعنجهية وسعادة لا مُتناهية، تبتسم لذاك وتتبادل أطراف الحديث مع ذاك. وقف (قُصي) يستقبل الوفود أمام الباب الرئيسي للشركه، إلتفت يطالعها بعين الإعجاب فقد إنكبت علي العمل طيلة هذه الأسابيع تستعد لهذا اليوم كفراشة بكامل همتها فقد تحقق ما رغبت دون قيد أو شرط من أحد، إرتدت فستان من اللون النبيتي، يصل إلى نهاية القدمين ويطول طرفه من الخلف قليلًا ومن الأعلي مُحكم بطوق ألماسي حول الرقبه دون أكمام. قامت بلف شعرها كعكة أظهرت جمال ملامحها وبشرتها البيضاء الناصعة.

حانت منها إلتفاته صوب الباب الرئيسي للشركه لتجده يُطالعها بتأملِ وتركيزٍ. أشاحت بوجهها بعيدًا عنه. فقد رأت تغيره ناحيتها وكيف يُعاملها بحُسن تصرف منه ولكنها تسد طُرق النقاش أو المُصادقة كذلك في وجهه. فهي تبغضه حتى لو أنار بأنامله طريقها لتمر فهي لا تُقارن كبريائها بفظ مثله، كما أنها أبعد من أن تلتفت أو تُدرك أن نظراته لها بداية عشق فهي للحُبِ أشد الأعداء وتري في المُحبين ضعفًا لا يليق بقوة شخصيتها...

بس عنود دي طلعت ذكية ما شاء الله، دي الحفلة ما تتكررش. نيالك يا عم بشريكة زيّ دي. مال وجمال وذكاء.

أنهي فايز حديثه ليجد صديقه يجدحه بنظرة باردة كاتمه، ليهتف الآخر مستأنفًا حديثه: إنت ما بتضحكش يابني؟ إفرد ال 111 اللي علي وشك دي؟
توجه قُصي ببصره يستقبل الضيوف بإبتسامة صفراء، ليهتف من بين أسنانه المُطبقه: البت شايفه نفسها علي الأخر. دي أصرت إن مكتبها يبقي في دور ومكتبي في دور تاني خالص؟

وضع فايز كفه علي فمه كاتمًا ضحكته التي ظهرت جليًا في نبرته: وإنت زعلان ليه؟
صمت قُصي لوهلة. شرد في سؤال صديقه الآتي عن مزحة أغاظته ليرمقها بنظرة ثابتة وراح يقول: مش عارف.!
علي إحدي الطاولات
طيب إحلف بالله كدهون. إن الإزازة اللي لونها نبيتي دي مش مُنكر يا مُنير؟
زفر مُنير زفرة مُطولة ليهتف بغيظِ: يا ستي قولت لك مش مُنكر. مش مُنكر. هو إنتِ عازماني علي الحفلة علشان تقولي ليّ أشرب أيه ومأشربش أيه؟

صرت فداء علي أسنانها لتقترب منه وبنبرة صارخة تابعت: في أيه يا ولا؟ انت صديقي وانا لازم أوعيك، لأن المُنكر دهون بيُذهب العقل وانت أصلًا ما عندكش منه. ف هيُذهب أيه مثلًا؟!

ومن ثم ضربت علي الطاولة بقوة لتهتز الزجاجات عليها وبنبرة صارمة تابعت: إفرض تأثير البتاع دهون. مالقاش عندك عقل؟ ف قرر يتجه لنواحي تانية. ف قام داخل علي طول الطريق السريع عِدل لحد ما وصل للمجاري اللي عند كُل بني آدم. ف أثر عليها وحصلك من بعدها تبول لا إرادي. تبوظ ساعتها حفلة أُختي؟

جدحها مُنير بنظرة مُستنكره، ومن ثم رفع الكوب الزجاجي إلى فمه يرتشفه كاملًا ليردف: أنا فعلًا ما عنديش عقل علشان صاحبتك.
ذم مُنير شفتيه عبوسًا فيما لانت ملامحها وهي تبتسم له بنبرة بلهاء قائله: خلاص ما تزعلش يا light. ل الدنيا تعتم فجأه. ما إنت عارف إن إنت الكابل اللي مشغل الليلة دي كُلها. وبعدين سهلة يعني لو جالك تبول لا إرادي. هرميك في البيسين وما حدش هيدرى بحاجه. وأهو يبقى زيتنا في دقيقنا.

مُنير بنظرة غاضبة: إتكلي علي الله، شوفي بيسان بتنادي عليكِ.
فداء بنظرة تحد وقد أمدت رقبتها للأعلي قليلًا: عاوز تخلص مني؟، بردو مش همشي إلا لما تقولي إيه دا؟! مُنكر صح؟

صر مُنير علي أسنانه، ليهتف بنبرة حانقة: ما أنا شارب قدامك كوبايتين أهو. ما سكرتش ليه؟ دا مشروب اسمه (مشروب الشجاعه ). بيحفزك تعملي أي حاجة مُترددة فيها.
حدقت فداء به لتقترب من أُذنه هامسة بنبرة خفيضة: أي حاجة. أي حاجة؟!
أومأ مُنير برأسه إيجابًا، فيما أسرعت هي دون تفكير تلتقط إحدي الزجاجات القابعة علي الطاولة ومن ثم تضعها داخل حقيبتها قائله بحسمِ:.

خليها معايا بقى يمكن نحتاجها. أما أروح أشوف بيسو.

إتجهت فداء صوب الطاولة التي تجلس عليها شقيقتها، فقد تطورت حالتها بصورة سريعة ومُرضية للتخلي عن المكوث إلى ذاك المقعد المُتحرك وتبدأ في السير علي قدميها بإستخدام عكازين، خاصةً بعد خضوعها لعدة جلسات مُكثفه منه. كانت بيسان تجلس إلى جوار عمتها في شرود تام. ف مُنذ إنقطاع أحاديثه معها وهي تشعر بالذنب تجاهه، فلم يُقدم لها سوى الخير فقط. يتردد صدى كلماته علي مسامعها كُل ليلة. باتت تُدرك بأن خطيبها قد رحل بالفعل. صراخه بها أيقظ ذاك الجانب الثائر علي حالتها داخلها، وأكثر ما يؤلمها الآن. الفيض الواسع منه تجاه صحتها الجسدية في نظير ذلك فيض أكبر جراء تجافيه لها، كان يجلس إلى طاولة الرجال بصحبة جمال وسالم، نحت ببصرها إليه لتجده قد إنغمس في أحاديثهم دون أن يُعيرها إهتمامًا لتزفر بحنق وهنا قطع شرودها به صوت فداء التي لثمت جبينها قائله بحُب: الجميل سرحان في أيه؟

انتبهت بيسان لشقيقتها التي جاورتها في المقعد الآخر لتقول بنبرة هادئه: تقريبًا نعست.
مُنى بهدوء وهي تتوجه بحديثها إلى ابنها الأصغر: روح يا مراد هات لها قهوة. دا إحنا لسه في أول الحفله.

مُراد وهو ينظُر صوب الباب وقد أطلق صفيرًا عاليًا بعض الشيء: القمر نزل علي الأرض يا جدعان؟
إلتفتن حيث أشار مُراد، رمقتها بيسان بلا مُبالاة. فيما أطلقت فداء زفيرًا خاليًا من أي أنواع الأمل، فقد دعته لحضور هذه الحفلة وبذلت قصارى جُهدها في الإعتذار منه، والآن هو لا يُلبي دعوتها حتي، فقد إستغنى عن هذه الصداقة والتي في أصلها، حُب مكبوت.

علي النقيض من هذا، جدحتها عنود بنظرة عدوانية. ذأبت في سيرها حيث الباب لتقف في مجابهتها وبنبرة حادة تابعت: هانيا الرفاعي؟ بتعمل أيه هنا؟!
أطلقت هانيا قهقه خفيفة جراء حديثها مُستهنية به، وبنبرة مُتصنعة للبراءة رددت: بحضر حفلة صديقتي؟ ولا إحنا مش صحاب!

جدحهما قُصي بنظرة ثابتة. وضع كفيه في جيبي بنطاله يراقب هذه الشرارة النارية التي تصدر من شريكته في حين أردفت عنود بنبرة باردة: هو انتِ مين أصلًا علشان تنولي شرف صداقتي! إنتِ نكره يا ماما. نكره؟

أنهت عنود حديثها لتدفعها بقوة، فيما إرتدت الأخرى للخلف. ليقترب حارسها الشخصي من عنود وهمّ أن يضغط علي ذراعها يردعها عن الإقتراب. خرج قُصي من صومعة صمتهٍ بعراك يختص سيدات. ليهرع إليهما ومن ثم يضغط علي كف الرجل بحركة فُجائية آلمته ليهتف بصوتِ أجشٍ: عيب. تتدخل بين الحريم. مش كدا ولا أيه؟
وما أن تلفظ بجُملته تلك حتى فاجأه بلكمة علي وجهه، إرتد الرجل علي أثرها للخلف مُحاولًا الإتزان في وقفته...

شهقت عنود بفزعِ من تحوله هذا. فيما صرخت به هانيا بحدة: إنت مجنون؟ وبتدخل بصفتك أيه؟!
قُصي وهو يجدحها بنبرة قاسية: بصفتي صاحب المكان، يالا خُدي رجالتك وورينا جمال خطوتك. ولو عجبتينا نبقى نجيبك تشتغلي عندنا موديلز. يالا هنرأف بحالتك.

جحظت عيناي (هانيا) بإندهاش من طريقته الفظة معها. أثرت عنود الصمت ترمقها بإبتسامة ساخرة لتنسحب هانيا من المجابهة وتعود حيث أتت.

إلتفت قُصي ببصره إليها ليباغتها بسؤال كانت تتوقعه وهو يغمز لها: مين؟ ها!
افتر ثغرها عن إبتسامة خفيفة جاهدت في إخفائها، ومن ثم أردفت بثبات: واحدة ما عندهاش ضمير. كُنت بشتغل في شركتها. وكانت بتاخد تصاميمي وتنسبها لنفسها. ولما جبت أخري قررت أنهي شغلي معاها.
قُصي وهو يهز رأسه بتفهم: بس البت حلوة مافيش كلام!

جدحته عنود بإستنكار وإزدراء، تنحنح قليلًا قبل أن يرفع سبابته نافيًا: بس الشكل ما يغفرش عندي. طبعًا.
كانت فداء تُراقب شقيقتها عن بُعد مُنذ قدوم هذه الفتاة ذات الهيئه الغير مُريحة، أوشكت أن تشتبك مع حراستها حينما نهضت من مقعدها في ثورة وسرعان ما هدأت عندما وجدت قُصي ينوب عنها لتقف في مكانها...

تهللت أسارير وجهها وبدأ قلبها في الخفقان دُفعة واحدة، فقد رأتهُ يدلف من باب الشركه يتلفت حولهُ بحثًا عنها. أخذت تُهندم ملابسها إستعدادًا لإستقباله. تتنفس الهواء داخلها ثم تُخرجه ببطء. ف لم ترهُ مُنذ أسبوع أو أكثر، هرعت فداء إليه، وقد ظهر علي ثغرها إبتسامة عريضة لتقول بتوتر: آسر؟
افتر ثغرهُ عن إبتسامة هادئه، ليردف بنبرة ثابتة: إزيك يا فداء؟

فداء بتلقائية شديدة: كُنت مستنياك من بدري وفقدت الأمل. بس حاليًا أنا كويسه جدًا.

هزّ آسر رأسه عدة إيماءات خفيفة. تلعثمت في عباراتها قليلًا قبل ان تقوده إلى طاولة ما وبنبرة هادئه تابعت: آسر. إنت لسه زعلان مني؟
رمقها آسر بنظرة ثابته وبلهجة نافية أردف: لو مازلت زعلان. ما كُنتش هاجي أبدًا، أنا دلوقتي هنا علشان نفتح صفحة جديدة، أنا حبيت إنك موجوده في حياتي.

فداء بلهفة أردفت: بجد؟
آسر باستئناف: بجد. وحبيت أعزمك علي خطوبتي كمان، وعلشان تصلحي علاقتك ب نجوى. ف حابب تكوني معانا بُكرا وإحنا بنختار الدهب.

تسايرت السعادة عن وجهها. وقد ذبلت إشراقة وجهها ترمقهُ بحُزنِ خفيّ وما أن لاحظ صمتها حتى تصنعت إبتسامة لم تصل إلى عينيها لتقول بنبرة مُتحشرجة تحتبس الدموع بها: خطوبتكم؟! فرحت جدًا. مبروك.
آسر بإبتسامة خفيفة: الله يبارك فيكِ. ها هتكوني معانا بكرا؟
أخذت تفرك كفيها بألم داخلي، ألهب قلبها لتردف وهي تتجنب نظراته لها حيث أوشكت علي البكاء: مش عارفه هقدر ولا لأ. ربنا يسهل.

أومأ آسر برأسه في خفة. ليقف مُنتصبًا في مكانه يعلن إنتهاء حديثهما. ومن ثم سار مُغادرًا المكان. ابتلعت فداء غصة في حلقها
فرغم احساس الألم الذي يعتصر قلبها إلا أنها أظهرت رباطة جأش وضحت مدى ثباتها وإتساع قُدرة تحملها.

قامت بدفع يدها داخل حقيبتها لتلتقط هذه القنينة كرزية اللون وتبدأ في إرتشافها جُرعة بعد الأخري وهي تحسم أمرًا ما في قرارة نفسها...

إنشغل الجميع بالحفل، حينما أعاد (يامن) إقتراحه بشأن حملة التوعية من جديد. تذمر سالم في باديء الأمر فهو يعرف ان ابنته مُندفعه وغير أهل بهذه الخُطوة فيما نَاصر (جمال) رأي يامن بها قائلًا: انا بصراحة بوافق يامن في النقطة دي، معاك إن فداء مُندفعه بس مش هبلة!
سالم بتفكير أرهقه: مش عارف. هكون قلقان عليها؟! ولا هكون قلقان علي الناس منها. علي العموم هاخد بنصيحتكم وهتكلم معاها بخصوص الموضوع دا.

إلتفت يامن في تلك اللحظه إليها، تجلس إلى الطاولة المُجاورة له، ليجدها ترمقه بحُزن طفوليّ يفهمه وما أن لاحظت انتباهه لها حتى أخفضت بصرها بتوترِ ليتيه هو في وِجنتيها الورديتين. ناسيًا ألمه السابق منها. ف الآن يرى بؤرة أمل تدعوه لعالمها، إرتشفت ما بداخل القنينة بأكملها، أخذت تترنح في مشيتها صوب الباب تترجل منه بعدما تمكنت من الاستيلاء علي مفاتيح سيارة صديقها، دلفت داخل السيارة بجسد غير مُتزنٍ. نبشت مقدمة رأسها بأحد أظافرها لتقول بنبرة نصف واعية: هي دي عربية ولا طيارة؟! طيب هي بتمشي ولا بتطير! أنا هحرك البتاعة المدورة دي وخلاص بقى. وديني عند آسر عارفة المكان ولا لأ؟!

أطلقت قهقة عالية وهي تضغط علي مقود السيارة مُنطلقة بها. عَلت قهقهاتها رويدًا رويدًا لتقول بنبرة شاردة: هو انا شربت مُنكر ولا أيه؟ بس دا كان كركاديه!
أخذت هلوثاتها تزداد طوال مسافة الطريق، شعرت بثقلِ يداهم رأسها جراء إرتشافها للقنينة كاملة. وما أن وصلت أمام بيته حتى تابعت بنبرة آمرة تُخاطب السيارة: يالا أقفي هنا! أقفي يا عربية؟

في تلك اللحظه تذكرت أنها من المفترض ان تضغط علي دواسة السواقة ولكن بعد أن فات الوقت لتصطدم السيارة إلى أحد الأسوار، هرع آسر إلى شرفة بيته يتفقد هذا الصوت العالي الذي صدح في جنبات المكانٍ، رغم اصطدام رأسها بزجاج السيارة الأمامي إلا أنها تحاملت علي نفسها حتى ترجلت خارج السيارة، تجمع من بالمنزل علي أثر الصوت، منهم من يقف في فوهة البيت وآخرون في الشرفات لتقف هي فاردة ذراعيها وبنبرة واهنة أردفت وقد رفعت وجهها عاليًا ترمقهُ بحبِ:.

آسر؟ انا مش بحب نجوى دي خالص. بت مايعة وشبه التعلب المكار، عارف ليه؟!

فغرت نجوى فاهه بصدمة وحنقِ وهي تقف بجانبه في الشرفة، قطب ما بين حاجبيه بإندهاش يشك بأمر تصرفاتها. فيما استأنفت حديثها المُغيب عن عقلها قائله بنبرة أشبه لأنين ضعيف: علشان أخدتك مني. وأنا بحبك أكتر منها،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة