قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث عشر

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث عشر

يتسلل الشوق بين أوتار قلوبنا ولا يؤذينا، كالعلقم المُر ولكنه يداوينا، تسأم ألم اللحظات في البعد وتتلاشى الأوجاع مع كلمة تنادينا ف تغمرنا حنينا...

مال بجذعه العُلوي للأمام قليلًا ليلتقط طرف الغطاء بأنامله ثم يبسطه علي كامل جسدها، رمقها بنظرة هادئة وقد نامت علي الأريكة كالحمل الوديع تتناثر خُصلاتها من حولها ليقطع عليه شروده صوتها وهي تهتف بحنق: ناوي تفضل تبص لها كدا كتير؟!
استقام في وقفته من جديد، ليجد نجوى تتخصر أمامه في غضب جمّ. هوى بجسده إلى الأريكة المجاورة، يمسح علي جبهته بطرف أصابعه في إرهاق ليقول بنبرة صارمة:.

بطلي هبل يا نجوى؟ وأحسبي كُل كلمة قبل ما تقوليها.
امتعق وجهها غيظًا لتردف بنبرة نارية ثائرة: أحسب أيه؟ انت خليتني أكلم أهلها علي إني صاحبتها وهتبات عندي. كُنت تقدر تبعتها مع أي واحد من رجالتك لحد البيت ما عملتش كدا ليه؟

إحتقن وجهه غضبًا، ليرفع بصره إليها يجدحها بنظرة حادة أربكتها ليردف بنبرة خفيضة جأشة: إنتِ مجنونة رجالة أيه؟، دي واحدة مش في وعيها أسيبها مع شوية عيال شاربين؟ ما تتخطيش حدودك بالكلام، إنتِ فاهمه؟

لانت ملامحها تستعطفه لتجلس إلى جواره ومن ثم إلتقطت كفه تقول في نبرة هادئة: شوفت؟ حتى بتوطي صوتك خايف علي مشاعرها؟
آسر بصوتٍ أجشٍ: أيوة خايف علي مشاعرها، وإتفضلي علي أوضتك. أنا دماغي مش فيّا.

نهضت في مكانها بحركة عصبية. لتتجه صوب الباب وقبل أن تترجل خارجه إلتفتت من جديد تردف بحنق: اللي بيحصل دلوقتي. مالهوش غير تفسير واحد، راجع نفسك يا آسر بيه قبل ما نبدأ مع بعض صفحة جديدة من حياتنا.

صفقت (نجوى) الباب خلفها. عاد بظهره للوراء قليلًا. حانت إلتفاتة منه إليها فأخذ يتفحص معالم وجهها النائم. فالتي أمامه الآن لا تمت لتلك العنيدة المُشاكسة بصلة. جأش صدره همًا ليتحدث في نفسه بنبرة متحيّرة: وبعدين معاك يا آسر؟ هو إحنا مش رافضين الحُب من زمان، أيه عاوز تجيب طفل ويتقال عليه زيّ ما إتقال عليك (حرامي)، وبعدين انت مش هتكون أب مُشرف في كُل الأحوال. وإنت عارف إن جوازك من نجوى علشان زنها عليك وإنت حابب تحمي بنت خالتك وتفضل قدام عينك، فوق ما تخليش قلبك ياخدك لمكان إنت مش حابه أو مش هتلاقي نفسك فيه.

نكس وجهه أرضًا يتأمل الفراغ حيث وضع رأسه بين كفيه، يرفض التفكير بها مليًا. فهي أحق أن تترك قلبها بين يدٍ لن تُسكت نبضاته يومًا، ألقى به تفكيره في نهاية المطاف بأنها كانت غائبة عن الوعي نصفيًا وأن ما ورد عنها لا يشترط أن يُعترف به...

في صباح اليوم التالي، إنتِ كويسه النهاردا؟
أردف آسر بتلك الكلمات وهو يرمقها بنظرة هادئة واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله، إبتلعت فداء ريقها بصعوبة فقد تذكرت ما قامت به بالأمس. لتردف بنبرة مُتوترة: آآ. الحمد لله.
تنهد آسر بعُمق، ليستأنف حديثه بثبات: نجوى كلمت أهلك علي إنها صاحبتك وقالت لهم إنك هتباتي عندها علشان حفلة خطوبتها.

شهقت فداء بصوتِ عال بعض الشيء، لتنهض في مكانها علي الفور وبنبرة حانقة تابعت: وهي جابت رقم أهلي منين؟
آسر بثبات: عنود إتصلت وهي ردت. مش أختك اسمها عنود بردو!
تلفتت فداء حولها تبحث عن حقيبتها وما أن وقعت عيناها عليها حتى إلتقطتها وذأبت في مشيتها صوب الباب، قطب ما بين حاجبيه ليلحق بها هاتفًا بجمود: إنتِ رايحة فين؟

نظرت إلى يده الممدودة إليها بألم داخلي، لتردف بنبرة باردة لا حياة بها: هرجع بيتي؟ في مشكلة يا آسر بيه!
ضيق عينيه في شرود بعصبيتها وعنادها ليردف بإبتسامة هادئة: هنروح نجيب الدبل إزاي وإنتِ مش معانا، وبعدين أنا عاوز سوء الفهم بينك إنتِ ونجوى ينتهي. وكمان هي حابة إنك تختاري معاها الفستان لحفلة بُكرا.
فداء وهي ترمقه بنظرة باردة من فوق كتفها: أختار معاها؟ معلش يا آسر أعذرني مش هينفع.

عَدل آسر من وضعية سترته لتمتد يده إلى رابطة عُنقه يرتبها بثبات. رمقتها هي بنظرة مرتبكة فيما باغتها مُتسائلًا: ما قولتليش، أيه تعليقك علي كلام إمبارح؟
توترت خلجات وجهها كثيرًا حيث سعت أن تواري رعبها من كلماته خلف إبتسامة باردة لتقول: بصراحة مش فاكرة أي حاجة عن إمبارح ولا عاوزة أفتكر.

أومأ آسر برأسه مُتفهمًا ومن ثم مرر رأيهُ دون نقاش حيث إمتدت ذراعه إلى ظهرها يدفعها بخفة وثبات قائلًا: هتروحي معانا ومافيش كلام بعد كلامي.
فداء بنبرة مُعترضة: آسر بعد إذنك ما تفرضش عليا رأي انا مش حاباه. يا آآآ.
قطع حديثها المعترض، كفه الذي إمتدت إلى فمها يمنع كلماتها الساخطة تجاه قراره، فما كان منها إلا أن صمتت وهي تنظُر له يبتسم إليها في حنو...

جلست إلى أرضية مكتبها. تناثرت الأوراق حولها بغير ترتيب. غطت زاوية عينيها جميع هذه الأوراق فهي لهم بالمرصاد، أخذت تفرك عنقها بإرهاق فقد إنكبت علي عملها هذا مُنذ أربعة ساعات دون توان لتلحق عرض الأزياء الذي سيتم في دبي الشهر القادم...

رفعت خُصلات شعرها عاليًا وراحت تستخدم أقلام الحبر في تثبيتهم حتى أصبحت كالتي طُعنت بالسيوف في رأسها وأصبح الأمر مُثير للضحك. وكذلك وضعت قلمًا آخر في فمها وهي تتحدث إلى نفسها بشرود قائلة: التصميم دا ناقصه حاجه، يا ترى ناقصه أيه؟
في تلك اللحظه هتف قُصي بنبرة ضاحكة بعد أن دلف إلى داخل المكتب في غفلة منها: خير يا عنقوده؟ بتكلمي نفسك!

ذمت عنود شفتيها بإستنكارِ لتجدحه بتلك النظرة التي يعشقها رافعة حاجبها دون أن تنبس ببنت شفةٍ. سار بخُطواته جالسًا بجوارها إلى الأرض ومن ثم شرع في نزع الأقلام عن رأسها مُرددًا بنبرة ثابتة:
إنتِ عارفه علبة الأقلام اللي حطاها في راسك دي بكام؟
عنود تهتف بحنقِ من بين أسنانها المطبقة: بكام يعني؟!

قُصي بثبات ونبرة أشبه للجد: العلبه دي ب 30 جنية للكتابة أما شعرك الأحمريكا دا. إشتري له بنس. وبعدين إنتِ قاعده علي الأرض كدا ليه؟ وفين صُبحي السكرتير!

إشتدت حدة عينيها غيظًا لترفع أحد كتفيها أمامه بعنجهية لا مُتناهية وراحت تردف بثبات: وديته ل طاقم الأمن الخاص بالشركة وجبت بنت مكانه.
مال قُصي بوجهه إليها ومن ثم تابع بنبرة هامسة بالقرب من أذنيها: ليه ها؟
شهقت خيفة وأصاب جسدها رعشة خفيفة أربكتها لمّا رأتهُ يقترب بجسده منها لتقول وهي مُحدقة العينين تنظُر أمامها بتوجسِ:.

ع ع، علشان أنا وقت شغلي بحب أقعد علي الأرض وأتصرف بتلقائية وأحيانًا بتخذ وضعيات بتساعدني علي الإبتكار والإلهام. ف لما أطلب قهوة ولا شاي، ألاقي بنوتة هي اللي جاية ف أفضل بتلقائيتي يعني. إنت فاهم حاجه؟

إبتعد قُصي بوجهه عنها قليلًا ليقول بنبرة هادئه: فهمتك. عندك حق، هكافأك علي التفكير دا.
عنود وهي تكز علي أسنانها غيظًا: مش عاوزة مُكافأه. عاوزاك تخرج من هنا وتقفل الباب دا وراك، العرض باقي عليه أقل من شهر.

أومأ قُصي برأسه إيجابًا، مد يده إلى كتفيها يحاوطهما بخُبث ونظرة مُتعاطفة معها، حجظت عيناها في صدمة لتجدهُ يضغط علي كتفها حتى وقعت رأسها علي صدره وراح يقول: ما تقلقيش. انا كلمت منسقين العرض وتم الإشتراك وبعد أسبوع بالظبط هيبعتوا لنا جواب فيه اسم الخصم في المواجهة وبعدها هيكون في تصفيات والشركة الحاصلة علي المركز الأول هتسافر أمريكا لإستلام الجوايز وهيتم فتح فرع خاص ل شركتها هناك علشان تسوق لتصاميمها.

تقهقرت بجذعها العلوي للوراء مُحاولة الابتعاد عن لمسته لتجده يضغط علي خصرها وعلامات البراءة المتصنعة تحتل خلجات وجهه وهنا أردفت بنبرة تحذيرية: شيل إيدك دي لأقطعها؟ قُصي؟
قُصي متصنعًا الدهشة وهو يبعد يده عنها: ها؟ ايه دا، ايه اللي جاب إيدي عند وسطك! أكيد تأثرت بالجايزة. أصلها حلوة أوي.
رمقتهُ عنود بنظرة جامدة ومن ثم أردفت بنبرة مُتسائلة: ممكن أفهم إنت كُنت جاي ليه؟

انتصب قُصي واقفًا في مكانه ليقول في شيء من البساطة: جاي أتطمن عليكِ. وبعدين أنا طلبت أكل ؛ علشان نتغدى سوا وتقدري تكملي شغل، ولا مش عاوزه تاكلي معايا!

عنود وهي تلحقه واقفةً، لتهتف بنبرة باردة: تمام. بس ياريت العمال ينتهوا من المطبخ وتجهيزاته علشان حرام العمال يشتروا أكل من برا.
تنحنح قُصي قليلًا. وضع كفيه في جيبي بنطاله وبنبرة ثابتة وهو يُصلب أنظاره بها: عنود؟ هتفضلي زعلانة مني؟، دا إحنا شركا وقريب هنبقى عيلة!
مالت بجسدها تلتقط الأوراق عن الأرض وما أن سمعت كلماته حتى توقفت لتردف بنبرة مُتسائلة: ونبقى عيلة ليه؟

قُصي ببساطة شديدة: أصلي ناويت أناسب (سالم العامري ).
هتفت وهي تنظُر إليه بعينين جاحظتين: تناسبه في مين؟
افتر ثغرهُ عن إبتسامة عابثة ليقترب منها بخُطوات وئيدة وسرعان ما أردف غامزًا بعينيه لها: هتجوز بنته عنود. تفتكري هتوافق!
ضغطت عنود علي عينيها بقوة، ومن ثم أشارت بذراعها إلى باب الغرفة لتقول بنبرة مُستشيطة: إتفضل علي مكتبك يا قُصي!، إتفضل.

كانت ماتزال مُغمضة العينين. حين سار واقفًا بجوارها وبعدها طبع قُبلة قصيرة علي وِجنتها ليردف ببرودة المعتاد: إنتِ مكسوفه؟ خلاص السكوت علامة الرضا إن شاء الله.

فتحت عينيها واسعًا تنظُر أمامها في صدمة ليتجه هو صوب الباب ثم يترجل منه بأريحية شديدة لقد آثر استخدام البرود معها لأنها ذات طبع حامي وعصبية مُفرطة. إلتفتت بوجهها ناحية الباب، أخذت تُلقى بالأقلام التي بين يديها صوب الباب المُغلق وبنبرة صارخة يُخالطها الحنق رددت: حيوان. نجوم السما أقرب لك مني يا تافه.

ارتدت نجوى الخاتم حول إصبعها لتتأكد من قياسه، تارة تنظُر للخاتم بسعادة وأخرى ناحية فداء بتشفِ. جلست فداء إلى المقعد البلاستيكي القابع في زاوية من المحل، تنظر للحوار الدائر بصمتِ شديدٍ ليردف آسر بثبات:
كويس دا يا نجوى؟ ولا تختاري شكل تاني؟!
نجوى بنبرة رقيقة: حلو أوي يا آسر. ربنا يخليك ليا. أنا بقى اللي هختار لك الدبله.

هزّ آسر رأسه بخفة ليتوجه بنظراته إلى تلك الصامته قائلًا: فداء. إنتِ جايه تقعدي ولا أيه؟
فداء بإبتسامة لم تصل إلى عينيها: هختار معاكم الفستان والبدلة. ما تقلقش.

أنهت جملتها هذه وراحت تنظُر أرضًا وكأنها تواسي نفسها حتى لا تنهار قدرة تحملها فتفشل في إخفاء دمعاتها. لا شك بأن داخلها قد اتقد من نيران الغيرة ولكن. ماذا وإن أظهرت ضعفها أكثر من ذلك؟، لن يتغير شيئًا. هو لا يُحبها ولن تنل سوى خسارة نفسها...

إنتهوا للتو من إنتقاء الدبل لتظل نجوى ترتدي خاتمها رفضًا منها بأن تنتظر حتى الغد مُعلقةً علي ذلك بأن مزاجيتها ستتغير إن لم تفرح بإرتدائه الآن، ليتجهوا معًا حيث الطابق العلوي الخاص بقسم الفساتين والسهرات بهذا المول. ولجت نجوى بين التصاميم تنتقي منها ما تشاء في سعادة غامرة، كانت فداء تتابع الفساتين بعينيها عندما هتفت نجوى بتذمر خفيف: آسر إختار معايا. أنا محتاره بجد؟

آسر بإبتسامة خفيفة: ممكن فداء تساعدك في الإختيار. أما أنا ما أعرفش في شغل الحريم دا. أنهي أحسن يا فداء؟

فداء وهي تشير بإصبعها السبابة تلقائيًا ناحية هذا الفستان الذي راقها من اللحظة الأولى لتردف: دا جميل أوي!
لوت نجوى شدقها بحنق لتقول بنبرة مُستخفة: ذوقك وحش جدًا. أنا هقيس دا.
أسرعت نجوى تلتقط أحد الفساتين، لتتجه به إلى غرفة تبديل الملابس وأثناء سيرها أردفت بحدة: آسر تعالى معايا علشان تقفلي سوستة الفستان؟

جحظت عيناي فداء في صدمة وهي تنظُر له، همّ آسر أن يهتف رافضًا للأمر حتى هتفت فداء بغيظِ ونبرة إنتقامية:
عيب يا حبيبتي، ما ينفعش يشوفك بالفستان إلا يوم الخطوبة.
رمقتهُ فداء بنظرة لائمة لم يفهمها قبل أن تستتبع خُطوات الآخرى. أزاحت الستار لتقف أمامها بجمود فيما أردفت نجوى وهي تنزع الخاتم عن إصبعها تثير إستفزاز فداء: إمسكِ الخاتم دا وحافظي عليه كويس، أصلي خايفه عليه ل الفص بتاعه يقع.

إندفعت فداء إليها تلتقطه منها بعُنف ومن ثم استدارت تواليها ظهرها قائلة: إلبسي الفستان وأبقي نادي عليا علشان أقفل لك السوسته.
ترجلت فداء خارج غرفة تبديل الملابس، مشت بخُطوات باردة حتى وقفت أمامه، مدت يدها داخل حقيبتها لتلتقط زجاجة المياة الخاصة بها. أمسكت الخاتم بين طرفي أصابعها تلوح به أمام وجهه...

قطب آسر ما بين حاجبيه في إستغراب مما تفعل، لتلقي الخاتم في فمها وتبدأ في رشف قطرات المياة من بعده. فغر آسر فاهه بينما مازالت هي ترتشف المياة حتى إنتهت، إنتابتها شهقة خفيفة نتيجة إبتلاع هذا الخاتم...
آسر مازال في حالة صدمة من أمره: أيه اللي انتِ عملتيه دا؟
فداء وهي تقترب منه تردف ببرود صقيعي: ما تستغربش أوي كدا يا أستاذ آسر، الخاتم دا رخصة ل وجع قلبي دلوقتي. اشتري لها واحد جديد. سلام؟

استدارت تواليه ظهرها ليهرع إليها ضاغطًا بقبضته علي ساعدها وبنبرة صارمة أردف: إنتِ عايزه أيه يا فداء؟ ليه مُصره تنهي صداقتنا مع إنك سعيت إنها تكون موجوده بينّا.
تلألأت قطرات الدموع في عينيها. مُحاولة التملص من قبضته فيما حدق الأخر بعينيها قائلًا بثبات: إنتِ ساكته ليه؟، ولا مافيش أي مبرر ل تصرفاتك دي؟

فداء بنبرة جامدة تتصارع ضد بكائها: لأ في يا آسر. وإنت عارف إنه في. عارف كُل حاجه بس بتأذيني زيهم، بتأذيني وإنت بتقولي تعالي معانا نختار الدبل؟ كُل الكلام اللي قولته إمبارح ما أثرش فيك أبدًا. إنت جبل ما بتتهزش؟

أخذت تضرب صدره بقبضتها الأخري، ظل يستمع إلى ما تقوله في ثبات فقد أدرك هذا سابقًا ولا داعي للإندهاش مما تقوله ليجد صوتها يتردد صداهُ بهذه الجملة مُجددًا:
عارف إني بحبك. وعارف إني ما كُنتش مُغيبه وأنا بقولها وما رحمتنيش. حتى لو مش بتحبني، ما تأذنيش بوجودي في لحظة زيّ دي.

دفعته بقوتها المُنهارة من فرط إختناقها ليُحرر قبضتها بتراخ داهم أعصابه، هرولت من أمامه في تلك اللحظه تُغادر المكان. حدق بها في وجع وتبكيت ضمير، حتى توارت خلف باب الخروج ولم يعُد لها أثر ليبتلع هو غصة في حلقه، وهنا قطع عليه حبل أفكارهِ بها مجيء هذه التي وقفت أمامها تهتف بسعادة فيما اتسعت عيناه المتعبتان في صدمة وهو ينظر إلى كتفيها العاريين تتمايل أمامه...

يا بيسان إتغدي بقى علشان خاطري. إنتِ ما أكلتيش حاجه النهاردا خالص.
أردفت مني بتلك الكلمات وهي تجلس بصحبة بيسان في حديقة القصرِ. عبست الآخرى تضع كفها الصغير أسفل ذقنها وراحت تقول بطفولة فذّة: مش هاكل خالص. يامن رافض تمامًا يكلمني ومش بيرد علي فونه!، أنا متضايقه إنه زعلان مني يا عمتو.

ربتت مني علي ظهرها بحنو جارف ومن ثم أردفت قائلة: أكيد مشغول بالمرضى في العيادة، إنتِ عارفه إن هو وصاحبه بيشتغلوا مع بعض فيها.
بيسان بتوجس وحُزن طفوليّ: يعني بيعالج بنات زيّ حالتي كدا؟
لم تفهم (مُنى) سبب سؤالها وبنبرة تلقائية أردفت: أكيد.
ذمت بيسان شفتيها حُزنًا لتضيق مني عينيها تبحث في سبب حزنها هذا وسرعان ما أجفلت عيناها ورفعت حاجبيها عاليًا لتقول: إنتِ غيرانة يا بيسان؟

نحت بيسان بوجهها إليها. عضت شفتها السُفلي بتوترِ لتقول بهدوء: بصراحة أنا ما بقيتش فاهمة نفسي، كُنتوا بتقولوا عليا مجنونة أكيد. وانا متوهمة بوجود واحد ميت. ولوقتي يمكن بتوهم إن قلبي بيتحرك لما بشوفه؟

مني وهي تهز رأسها نافيةً: مش بتتوهمي، إنتِ حبيتي إهتمام يامن وحُبه ليكِ. أنا دلوقتي بكلم بنتي عن واحد ما أعرفهوش، واحد شوفت كُل حُب الدُنيا في نظراته ليكِ.

فتحت بيسان شفتيها وهمّت أن تتفوه بشيء ما لتجده يدلف داخل الباب الرئيسي للقصر لتستعين بعكازيها ومن ثم تنهض واقفه تستند عليهما. سعت بخُطواتها ناحيته وهي تنوي اختبار مُسامحته لها لتهتف بنبرة رقيقة: إلحقيني يا عمتو. مش قادرة أحرك رجلي.
ارتاع قلبه هلعًا عليها ليهرع إليها ومن ثم يضمها إليه بخوفِ: بيسان، مالك؟ مالها رجلك حبيبتي!

افتر ثغرها عن إبتسامة عريضة وقد تلاقت أعينهما في تلك اللحظه لتقول بعفوية شديدة: كُنت بهزر. خوفت عليا؟!
صر يامن علي أسنانه غيظًا، ليحاوط خصرها جيدًا حتى تتوازن في وقفتها وبرفعة حاجب من عينيه تابع: ما خوفتش ولا حاجه. انا بس زعلت علي مجهودي في الجلسات.
أنعقدت قسمات وجهها ترمقهُ بنظرة حزينة. لتجدهُ يميل واضعًا أحد ذراعيه أسفل ساقيها والأخر أسفل ظهرها ثم يحملها عائدًا بها إلى مكانها من جديد...

بيسان بنبرة ساخطة علي تصرفاته معها: يامن لو سمحت خلاص بقى، أنا أسفة صدقني!
يامن بجدية مُصنعة وهو يضعها إلى مقعد الطاولة قائلًا: أسف دي مش بتأكل عيش.
لوت بيسان شدقها وبنبرة تائهة رددت: عيش أيه دا يا عمتو؟!
افتر ثغر مني عن إبتسامة حنونة، بينما جلس هو إلى جوارها وبنبرة ثابتة تابع: النهاردا يا أمي. شوفت بنت. ما شاء الله قمر. زيّ الفرنسيات بالظبط. بس أنا حبيبتي ماليا عيني.

انفرجت أسارير وجهها بخجلِ وأخذت تفرك كفيها من كلماته لتتساير السعادة عن وجهها وهي تستمع إلى النصف الآخر من حديثه عندما قال: حبيبتي الفرنسية في عيني، أجمل بنات الدنيا.
بيسان بحنقِ: ربنا يخليكم لبعض.
قطع حديثهم مجيء (فداء) التي رددت بنبرة هادئه علي غير عادتها: السلام عليكم.

رددوا جميعًا السلام، لتتجه فداء إلى شقيقتها ومن ثم إحتضنتها وهي تُقبل خصلات شعرها بحنو جارف قائلة: وحشتيني يا بيسو. أنا أسف مقصره معاكِ الأيام دول. بحبك أوي.
شددت بيسان علي خصر شقيقتها بكلتا ذراعيها، تسللت نبرات فداء الحزينة إليها، فتقول بتساؤل: فداء، إنتِ كويسة.

إبتعدت فداء قليلًا عنها ومن ثم بدأت تلثم وجنتيها تارة بالجانب الأيسر وبعده الأيمن في شيء من المرح الذي لا يليق بحالتها. لتقرر في نهاية المطاف الإتجاه إلى غرفتها...

إتجهت صوب الدرج تلتهمه صعودًا لتسير في أروقة القصر مُنكسة الوجهِ تخطت غرفة (مراد) بخُطوتين. لتجد نفسها تتقهقر للوراء مجددًا حتى وجدت نفسها تطرق الباب دالفةً للداخل، ترك مراد الكتاب جانبًا، ليردف بنبرة مرحة: بلاء في أوضتي؟ دا أنا أطلب قوات مُكافحة البلطجه.
رفعت فداء أحد حاجبيها بثبات وهي تتجه إلى الفراش ومن ثم هوت بجسدها عليه لتردف بإختناق: عامل أيه في مذاكرتك يا مودي؟ أوعي تكون مقصر!

ضيق مراد عينيه بقلقِ من تجمد ملامحها، ليتجه ناحيتها بتوجس قائلًا: إنتِ هادية كدا علشان انا أندمج وتروحي راشقاني قفا. دا أنا بقيت حافظك.
افتر ثغرها مُبتسمًا رغمًا عنها. ومن ثم تابعت بنبرة مرحة تتناسى ما يخنقها: بقولك أيه يا مراد. علميًا كدهون لو واحدة بلعت دبلة. يجرا لها أيه؟!

قطب مراد حاجبيه من غرابة سؤالها ليقرب مقعده جالسًا بالقرب منها: هيعمل لها تلبك معوي ومشاكل في الإخراج وممكن صديد في المعدة وممكن تموت، بس لو ربنا بيحبها هتتخلص منها علي خير.

فداء فاغرة فاهها: أموت؟
مراد بترقب: دبلة أيه اللي بلعتيها دي؟
فداء وقد شعرت بوعكة في معدتها، لتقف في مكانها وتثني جذعها العلوي قليلًا في ألم، إقترب مراد منها بقلقِ لترفع ذراعها عاليًا ثم تضرب عنقة من جديد وهي تهرول صوب الباب: أنفعلت ف ضربتك بالقفا. بيوحشني أوي أقسم بالله. أما ألحق أروح الحمام، مش قااااادرة.
مراد وهو يضرب كفًا بالآخر: إنتِ في أيه ولا أيه؟ بتموتي وماحدش قادر عليكِ بردو.

فداء وهي تترجل خارج الغرفة: أخرس يا حيوان سمعاك. وربنا لأتسلى على قفاك صُبح وليل بعد كدا.

غابت الشمس وراء الأصيل
تمددت إلى الفراش وعلي جانبيها تتواجد شقيقاتها. رفعن الثلاثة قدمًا فوق الأخرى وكذلك وضعن ذراعهن الأيمن أسفل رؤوسهن، يشاهدن أحد الأفلام الكرتونية لتنساب الدموع من جانب عيني فداء وهي تقول: مافيش حُب حقيقي. الكرتون دا كذب في كذب. اقفلوا التليفزيون دا وناموا.
إلتفتت الفتاتان بوجهيهما إليها، يرمقانها بدهشة لتقول عنود بترقب: فداء؟ إنتِ بتعيطي!

فداء وهي تعتدل جالسة في الفراش: يعني دلوقتي. يوچين بيحب روبانزل وقرر يخلصها من قوة الشريرة وعمل كُل حاجه علشانها. وكُل دا ما بيحصلش، يبقى يكذبوا علينا ليه؟ حسبي الله فيهم.

بيسان بتوجسِ: هم مين؟
توقفت فداء عن العويل. لتمسح عينيها ثم أنفها بمنديلًا ورقيًا مرددة بنفاذ صبر: وانا إيش عرفني يابيسان؟
عنود رافعة حاجبيها بثبات: إنتِ من أمتي بتتأثري بالكلام دا. ما طول عُمرك بتحبي الكرتون وعادي! في أيه يا فداء، الحرامي اللي إنتِ فرحانه بيه. أكيد عمل حاجه ضايقتك؟ وبعدين كُنتِ فين إمبارح وأيه حكاية خطوبة صاحبتك دي!، أنا عديتها إمبارح وحاولت أقنع بابا بالكلام.

همّت فداء أن تتحدث بكُل ما يعتصر قلبها، ف دائمًا ما تحكي ل شقيقاتها عن كُل ما يؤلمها فيحتضننانها ويزول ألمها قليلًا ولكنها لا تود تشويه صورته أمامهما. توقفت عن النطق عندما أطل والدهن من خلف الباب يردد بنبرة حانية: مساء الوردات الچوري؟ وحشتوني يا بنات.

إتجهت الفتيات إليه يحتضنانه في سعادة، فقد إنغمس في عملهِ طيلة الأيام السابقة، إلا هي بقيت جالسة في مكانها لا تُعينها قدماها علي النهوض ليردف سالم بهدوء: أيه يا فداء. ما وحشتكيش؟
فداء بنبرة حزينة لائمة: أزاي تقول كدا يا بابا؟ واحشني طبعًا. بس حاسة بألم في رجلي. بعتذر منك.
إتجه سالم ناحيتها جالسًا إلى طرف الفراش ليتابع بعد أن لثم جبينها بحنو قائلًا:.

طيب يا ستي أنا جاي أعرض عليكِ حاجه، ولكِ حق القبول أو الرفض.
فداء وشقيقاتها بترقب وهتاف في آن واحد: خير؟

افتر ثغر سالم عن إبتسامة عريضة ليتجه ببصره إلى فداء قائلًا: في حملة توعية. حبيت أعملها للقرية اللي كُنا عايشين فيها زمان وعايش فيها عمو جمال وابنه قُصي دلوقتي. القرية دي كتر فيها حكاية جواز البنات القاصر والموضوع مضايقني جدًا، ف كُنت عاوزك تروحي هناك لمدة 15 يوم بس. وعمك جمال هيستضيفك إنتِ وطقم التوعية في بيته. انا مُتأكد إن الحملة دي هتفرق معانا كتير!

فداء بنبرة حزينة: أقعد 15 يوم من غير ما أشوف إخواتي! إنت عارف إني ما أقدرش.
سالم وهو يربت علي كتفها بنبرة حانية: يعني هو إحنا اللي نقدر، تغيبي عننا ساعة واحدة. إنتِ هتروحي وتاخدي معاكِ بيسان علشان هي الكنترول. أصل انا عارف إنك مُندفعة. وكُل نهاية إسبوع هنيجي انا وعنود. ها؟

رمقتهُ فداء بنظرة مُستسلمة. فقد شعرت لوهلة بأنها بحاجه ماسة للهرب والإنشغال بأشياءً أُخرى. تنهدت بقوة تهرب من الألم الذي حاصر ثنايا قلبها لتقول بثبات: موافقه يا بابا. أنا فعلًا محتاجه أبعد وأغير جو،!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة