قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث والعشرون

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث والعشرون

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثالث والعشرون

بائعة الحلم لديها من الأحلام الكثير ك بائعة الوردِ تبتهج إن أعطيتها وردة. الفكرة مُجرد إهتمام موجه ل ذات الإنسان...

جحظت الأعين ولاحت جميعها إليه، بين مصدوم وراض ومن هو مُدرك لأسباب قبوله بصفقة كهذه. افتر ثغر فداء عن إبتسامة ذات مغزى فهي تعلم تمامًا بأن قُصي يقتنص فرصة كهذه لإبقائها إلى جواره وفي كُل مرةً يزداد إعجابها بشخصه وإصراره، قطب سالم تقطيبة مُندهشة وهو يهتف باستفسار: تتجوزها علشان السفر!، وتتحسب عليها جوازة؟

قُصي عجل بالنفي مُضيفًا: لا يا عمي، إنت فهمتني غلط. انا عاوز أتجوز عنود وتبقى مراتي ونعيش سوى الباقي من عُمرنا، يعني مافيش طلاق أو أي إساءة ل حضرتك.

وفي هذه اللحظة هتفت عنود بنبرة جزوعة: جواز أيه يا مجنون إنت؟ ومين قالك إني عاوزة أتجوزك!، ومن ثم استأنفت حديثها وهي تتجه به إلى والدها: لو سمحت يا بابا، الموضوع مش مستاهل كُل اللي بيحصل دا. على الأقل حاول تفهمني واد أيه العرض دا هيفرق أوي معايا.

سارت فداء بخطوات مُتعجلة نحو شقيقتها التي تصلبت دموعها في محجريهما تستعجب من حال والدها وكيف وأنه استبد برأيه ولم يلتفت لوخزات قلبها. قامت فداء بإحتضانها ومن ثم أردفت بحنو: عنود إهدي. بابا مش قاصده يدمر أحلامك حبيبتي. ما إنتِ عارفة إن دا موقفه من زمان.

سالم وهو يقترب من ابنتيه مردفًا بحنو: أنا مش ضد أحلامك يا بنتي، بس أنا قلبي ما يطاوعنيش تخرجي برا مصر لوحدك وتروحي بلد ما تعرفيش فيها حد والأهم إنك لو كسبتي العرض وجالك عقود عمل خارج القُطر العربي. إحتمال تنسي إن ليكِ أهل، أسف يا بنتي. انا مش ناوي أخاطر بيكِ.

قُصي وهو يهتف بنبرة ثابتة واضعًا كفيه في جيبي بنطاله: قولت أيه يا عمي في كلامي؟
لم يحفل بنظراتها التي صوبتها إليه مُستنكرة وقد ثارت نفسها تكاد تصوب نيران أنفاسها المُلتهبة نحوه فيما أردف سالم وهو يتجه بخُطواته صوب مسار غرفته: القرار في الموضوع دا راجع لها يا بني.

نكست عنود ذقنها يائسةً تندب حظها العنيد والذي يشبه صاحبته، إبتلعت غصة في حلقها وهي تنظُر إلى قُصي الذي ارتأى خروجه إلى باحة القصر فضلًا عن البقاء، لتجد آسر يُردف بنبرة ثابتة: عمي سالم أدرى بشخصيتك أكتر منك يا أنسة عنود، وقُصي بيحاول يقف جنبك في كُل لحظة. قُصي راجل جدًا وواضح إنه بيحبك.
عنود بنبرة مُتحشرجة: بس أنا مش قادرة أحبه. مش هعرف؟

ضيق آسر عينيه في حالة توجس ليصل إلى أذنيه صوت أنين خافت. إلتفت إلى مصدره ليجد بيسان تجلس إلى إحدى درجات السلم بعدما إستمعت إلى حديث والدها ويُجاورها يامن الذي إحتضنها. تنهد آسر تنهيدًا ممدودًا بعُمقِ وكأنهن مسؤولية جديدة يرغب بصونها، جاب ببصره بين الثلاثة حيث إتخذن أماكن مُتفرقة من البهو وعلامات الهمّ سيطرت على ملامحهن. أحس برغبة في مؤازرتهن والوصول إلى حل في أقرب وقت ولكنه يرى أنها ستكون في مأمن إلى جوار ذاك الذي يعشقها، تنحنح آسر قليلًا وبنبرة ثابتة أردف: طيب خلونا نكمل البروا. وبعدين نشوف حل؟

تكلمت عنود من وسط شهقاتها وهي تضع وجهها بين كفيها: بروة أيه بقى، ما خلاص كُل حاجة راحت.

أحس آسر بوادر إنكسار في نبرة صوتها الواهية ل يقترب منها ومن ثم مد ذراعه إليها مردفًا بهدوء: هاتي إيدك. يالا نكمل البروا لنهايتها وربنا مُدبر الأمور. وكُل حاجة هتمري بيها من اللحظة دي تأكدي إنها خير ليكِ، حتى قُصي لما خاف على حلمك يضيع ف حب تكمليه وانتِ جنبه، ما يغركيش أنه مُتماسك طول الوقت. حاولي بس تقدري أنه حبك وعاوز علاقة رسمية بينكم حتى لو ما كانش فيه عرض من الأساس.

نحت ببصرها إلى ذراعه الممدود لها وقد أحست لوهلة بأنها إرتكبت ذنبًا فادحًا في حقه فلشد ما كان سروره في القُرب منها فجعلت هذه المُضغة بين ضلوعه أشد البلاد خرابًا جراء رفضها له طيلة الوقتِ، مدت عنود ذراعها حتى وضعت راحتها عليه لتستقيم واقفة في مكانها. تهللت أسارير وجه الأُخرى وهي تجدهُ يحتوي بأس شقيقتها بمرونة ورزانة. كم تمنت بأن يرزقهن الله ب شقيق يحتوي ضعفهن ويشدد عليه. لمست شعور الحُب والإنتماء في نبرة صوته الدافئة لتتنحنح قليلًا وبنبرة حانية أردفت: آسر معاه حق يا عنود، يالا حبيبتي خلينا نكمل اللي بدأنا فيه.

يامن مُتدخلًا بنبرة مازحة: يا جماعة حد يشوف الحجة دي، بتعيط وتمسح مناخيرها في التي شيرت.
افتر ثغر الجميع عن إبتسامة خفيفة وقد نجح يامن في تلطيف الجو بكلمات خفيفة، تنهدت عنود تنهيدة طويلة بعد أن نأت الدموع عن وِجنتيها وبنبرة خافتة قالت: تمام. يالا نكمل البروا.

إتجه الجميع إلى حديقة القصرِ، إشتعلت الأضواء وقد إمتلأت حديقة القصرِ بسيدات البلدة اللواتي إشتركن في إنهاء التصاميم بعدما تناول الجميع هذا الثريد الذي نال إعجابهم وقامت حُسنية بطهيه، كان يقف في زاوية من الحديقة وقد أشعل سيجارتهُ بعود ثِقاب وراح ينفث دُخانها بشراهة وضيق لم يتحمل إخفاقه في حُب جديد. هل العيبُ فيه أم أنهن لا يفهمن ما ينغرز في خلجات نفسه من آهات الماضي ومواجعه. وجدها في هذه اللحظة تقف في منطقة العرض، ثبت نظرهُ بها ولم يستطع أن يُنحيه عنها ف حُبه لها يفضحه على كُل حال. حار في أمره ولم يعُد يدري ما ينبغي فعله ولكنه آثر الصمت لحين الإنتهاء من هذا العرض الثانوي، عَلى صوت صفير مُصطفى وهو ينظُر إلى ثوبها الآخاذ ليصفق بكفيه وهو يهتف بإعجاب جمّ: أيييه الحيييلاوة ديه ياااا ست عنجودة؟، جمر 14.

افتر ثغرها عن إبتسامة خفيفة ومن ثم أردفت بنبرة هادئة: فداء هتوزع على كُل واحد وواحدة ورقة وقلم وكُل فستان هلبسه تقيموه من عشرة، تمام؟!

وقفت تعرض الفستان أمامهم في شيء من الثبات، تروح وتجيء في إنتظار تقييماتهم بشأن النموذج الذي ترتديه، تنحنح مُصطفى لوهلة حيث رغب وبشدة في الجلوس وسط السيدات ليبقى إلى جوار صديقته ومن ثم تابع وهو يتحدث إلى فداء التي تُدون شيء ما في ورقتها قائلًا: هو إنتِ بتكتبي أيه بجا؟، غششيني أي سؤال؟
قطبت فداء ما بين حاجبيها وبنبرة هادئة رددت: هو إحنا في إمتحان يا مُصطفى؟، صوت للفُستان علشان التصميم ينجح.

مُصطفى بتوجس ونبرة بلهاء: وهو انا لو صوت الفُستان يكسب!
فداء وهي توميء برأسها إيجابًا ولم تتخيل قط ما يدور في رأسه هذه المرة فقد فهم معنى كلمة تصويت بشكل خاطيء وهنا قام برفع صوته عاليًا وهو يصرخ: يالهووووووي. ياختاااااااي، وهنا إلتفت إلى فداء التي فغرت فاهها وهي تنظُر له ليقول بتساؤل وثقة: أصوت تاني ولا كفاية كِده!، ها كِسب؟

جمال وهو يطلق قهقهة عالية مُرددًا: كتر ألف خيرك يا تيفا. صويتك كفا ووفا يا حبيبي ومبروك الفستان كسب.
عَم الإبتهاج الحفل الصغير وصوت القهقهات يعلو في المكان، قرر قُصي الأنضمام إلى هذا الجمع ليقترب صوب دائرة الرجال ويجلس إلى جوار والده. وفي تلك اللحظة أردفت عنود بنبرة مُتوترة قليلًا: تصويت أول فُستان من عشرة!
الجميع في نفس واحد: عشرة.

أومأت عنود برأسها إيجابًا لتتجه من جديد داخل القصر حتى ترتدي نموذج آخر لعرضه وهنا أردف سمير بإبتسامة هادئة وهو يتوجه بحديثه إلى سالم العامري: ما شاء الله يا عمي أنا مبهور بتربية حضرتك حقيقي، كُل أنسه منهم وفيها حاجة مُميزة، ثقافة ونجاح وجمال.

باغته قُصي مُرددًا بنبرة حانقة وهو يعقد ذراعيه أمام صدره: جمال؟، كلم يا حج بينادي عليك.
افتر ثغر آسر عن إبتسامة خفيفة لم تصل إلى عينيه رغم الإنفجار العظيم الذي أوشك على مُداهمة ثغره مُقهقهًا ولكنه تماسك بشيء من الحزم وهُنا مال يامن إلى أذن آسر وراح يهمس بترقُب: ماله قُصي قرفان من الراجل ليه؟

أردف آسر بنبرة خافتة يشوبها القليل من الخُبث: شكل المُعيد دا بيخطط يناسب الحج سُلم وتقريبًا هيناسبه في بيسان.

عاد يامن برأسه للخلف قليلًا وقد تقلصت خلجات وجهه بنفور ليحدق بذاك الجالس إلى جوار جمال الدمنهوري وما كادت نظراته الناقمة توجه لعناتها إليه حتى وجده يُردف بنبرة مُتسائلة: بس حضرتك قولت إنهم تلات تؤام، فين التالتة بقى!
يامن بلهجة صارمة وهو يصر على أسنانه غيظًا: التالتة ما بتتكشفش على رجالة ومنورنا ويا بخت من زار وخفف.

في تلك اللحظة جاءت بيسان إليهم وبنبرة رقيقة أردفت: بابي ممكن ت.
هبّ يامن في مكانه واقفًا ليقطع حديثها قائلًا وهو يجذب ذراعها مُبتعدين: لا مش ممكن وتعالي معايا.

حاول سالم مليًا إلتزام الصمت ولكن أرغمه حديث يامن إلى إطلاق ضحكة خفيفة ف برغم من فرق العُمرِ ولكنه يظل يفهم من أمور الشباب ما لا يفهمه غيره فقد لاحظ ماذا يرغب كُل واحدٍ منهم، وهو على دراية ودراسة بشغف قُصي بابنته. وعشق فداء ل صرامة آسر وسعادة بيسان لإحتواء يامن لها. جاب ببصره بين الثلاثة يقرأ أفكارهم. فكم تمنى أن يرى صغيراته في ثوب زفافهن بعد أن يعشن من الحُب ما يجعلهن يتقبلن عيب أنصافهن الأُخرى دون تذمر وأن لا يكونن مجبورات على الزواج حتى يخرجن من تصنيف عانسات أو ما شابه.

عادت عنود إلى باحة العرض بفستانها الجديد والذي يقصر طوله قليلًا عن المُعتاد لها، أستقبلها الجميع بحماس شديد إلا هو فقد أظهر جزعًا لا حد له وخاصةً عندما تابع سمير بإعجاب ملحوظ وهو يتفحص الثوب على جسدها: دا مُميز جدًا. وتقريبًا لما لبسته بقى أحلى.
نفخ قُصي شدقه وراح يمسح على وجهه بنفاذ صبرٍ وهنا إلتفت إلى مصدر صوتها وهي تردف بترقب: كام؟
قُصي ببرود: صفر على عشرة.

لوت عنود شدقها وهي ترمقه بنظرة حانقة، أسرعت فداء بتخفيف حدة صراعهما الذي سيبدأ إن لم يتدخل أحد لتقول بهدوء وافر: آراء طبعًا يا عنقودتي، انا بصراحة شيفاه يستاهل فوق العشرة.
الجميع في نفس واحد: عشرة.

رمقتهُ عنود بنظرة مطولة من بروده تجاهها وإستخفافه بمجهودها دون داعٍ، أسرعت بالدلوف إلى القصر وهي تبتلع إهانته على مضض، انتصب واقفًا على الأثر ومن ثم سار بخُطواته إلى داخل القصر وقد تأججت النيران داخل قلبه. وما أن وصل إلى حُجرتها حتى طرق بقوة على بابها وبنبرة حازمة أردف: عنود؟!

أسرعت عنود بفتح الباب في توجس وخيفة من نبرته الحادة وما أن وجدت علامات الغضب تُغطي سائر وجهه حتى أردفت بقوة واهية: خير، لسه في حاجة تاني عاوز تقولها؟!
أسرع قُصي بالقبض على ذراعها بشراسة ليدفعها للداخل وبنبرة جامدة هتف: انا من رأيي كفاية عرضك لتصميمين ونلم الدور بقى.

عنود وهي تُحاول التملص من قبضته مُردفةً بنبرة صارخة: أيه اللي نلم الدور وما نلمش؟، ثم إنك بتدخل ليه؟ بتستخف بمجهودي قدام الناس خلاص مافيش إحساس بتعبي!

قُصي وقد افتر ثغرهُ عن إبتسامة ساخرة قائلًا: إنتِ أخر واحدة تتكلمي عن الإحساس يا عنود هانم. ولو كُنت موافق على طولة لسانك ف دا بشوقي. ومن النهاردا كُل كلمة هتقوليها بحساب.
عنود وهي تجابهه بتحدٍ: إنت فاكر بطريقتك دي هتخليني أوافق على جوازي منك؟ لما بتتحكم فيّا من دلوقتي تخيل بقى لو وافقت على حاجة تربطنا ببعض وغلطت في مرة. مش بعيد تضربني لأنك شخص مُتسلط وقاسي في التعامل والنقاش.

أحس قُصي بخطأ ما إرتكبهُ لتوه، ليُحرر معصمها من بين قبضته وهو يرى علامات غضبه منها تخط بقسوة على معصمها الصغير، تنشق الهواء داخله قليلًا وبنبرة قد خفف من حدتها أردف:.

أنا لا هقتل حلمك ولا رجولتي تسمح ليّ أضرب واحدة ست غريبة عني حتى، ولو فعلًا مُتسلط ما كُنتش أول واحد دورت على طريقة نقف بيها على رجلنا تاني وخصوصًا إنك عارفة إن شغل الشركة بالنسبة ليّ تضييع وقت وكان سهل أقول وانا مالي . حلو إن كُل واحد فينا يكون عندهُ حلم متبت فيه. بس هواجس الأحلام بتقتل حاجات كتير حلوة كان بإيدك تعيشيها. للعلم أنا حبيتك بشخصيتك العملية وطموحك وكُل تفصيلة حسيتها فيكِ ف مافيش سبب يخليني ادوس على كُل دا بمُجرد ما أضمنك ليّا. مش قُصي الدمنهوري اللي ياكل حق ست أو يستغل ضعفها علشان يقول للناس إنه قوي، أنهى حديثه الحازم لها. استدار يواليها ظهره وراح يخطو خُطوتين صوب الباب. وقبل أن يتجاوز عتبته إلتفت لها قائلًا بثبات:.

أنسي إني طلبت تكوني ليّا في يوم، وانا هعمل بأصلي وأقنع والدك بالسفر وأهي مُحاولة ودا طبعًا ما يمنعش إنك مش هتعرضي تصاميم تاني لأن الحاج جمال ربنا يسامحه عازم واحد مش راحمك فحص ومحص وشغل رخيص. ياريت نبقى إتفقنا على النقطة دي.

أسرع بالدلوف خارج الغرفة وسط نظراتها الثاقبة به ومن ثم صفق الباب خلفه، كانت ترمقهُ بنظرة مُستنكرة. إنتفض جسدها وهو يصفع الباب خلفه بحدة وما أن تذكرت حديثه حتى افتر ثغرها عن إبتسامة خفيفة وسرعان ما تبدل حالها وهي تهتف بنبرة طفولية باكية تتحدث إلى نفسها: إنتِ بتضحكي على أيه يا نيلة؟، مبسوطة بكلامه. تعالي يا ماما. شوفي بابا بيعمل أيه في الأمانة بتاعتك.

انصاعت عنود للأوامر الصادرة منه وانفض الحفل على الأثر وقف الثلاثة على باب القصرِ بصُحبة جمال يودع ضيفه، قام الضيف بمُصافحة قُصي الذي ضغط على كفه بأقصى قوة له وبنبرة ثابتة أردف: نورتنا.
أحس سمير بثُقل قبضته، لينتشل كفه سريعًا دون أن يصدُر أي نوعٍ من التاوه. ليمد كفه إلى آسر الذي شدد عليه بقوة لا تختلف عن قبضة الآخر ليتابع سمير بتنحنح: في أيه يا شباب؟ إنتوا بتسلموا بحرارة أوي ما شاء الله.

آسر ببرود: شرفتنا.
إلتقط (يامن) كفه وأخذ يرفع ويُنزله حتى أرهق ذراعه وبنبرة ساخرة: زيّ ما قالوا لك الشباب. نورتنا وشرفتنا ويا بخت من زار وخفف.
رجع الهدوء يسود المكان من جديد، تنهد قُصي بعُمقِ ومن ثم تابع بإرهاقٍ: أنا طالع أنام. تصبحوا على خير يا شباب.
الجميع في آن واحد: وانت بخير.
إتجه قُصي إلى داخل القصر وكذلك جمال ليأخذان قسطًا من الراحة بعد هذا اليوم الشاق.

إشتد الهواء قليلًا وقد تراقصت نسمات الهواء العليلة بين أروقة المكان ليهتف مُصطفى بمرح: أنا مچهزلكم مُفاجأة حلوة جوي.
فداء بتوجس: أستر يارب؟
سار مُصطفى بخُطواته السريعة خلف أحد جدران القصر ومن ثم عاد من جديد وهو يحمل أعواد من القصب هاتفًا بسعادة: چبتلكم جصب علشان نكمل حفلتنا.
بيسان بسعادة: الله. انا بحبه أوي يا مُصطفى. فاكرة يا فيدو لما كُنتِ بتقشريه ليّا علشان مش بعرف؟!

فداء بسعادة غامرة: واو. تصدق أول مرة تعمل حاجة حلوة في حياتك ياض يا درش!
أسرعت فداء بتناول أعواد القصب منه ومن ثم جلست القرفصاء أرضًا وبهمّة ونشاط بدأت في تقشيره بأسنانها وسط دهشة آسر الذي تابع بإبتسامة عريضة: إنتِ مش كُنتِ مفرهدة من التعب دلوقتي؟
فداء وهي ترفع كتفيها للأعلى ثم تنزلهما علامة الإستسلام: يؤ. بحبه يا ماسورتي. أقعد إنت كمان يالا.

افتر ثغرهُ عن إبتسامة خفيفة ليجلس إلى جوارها بعد أن تناول عودًا آخر. وهنا هتفت بيسان وهي تنضم إليهم أيضًا: وانا وانا وانا.
يامن بعد أن لحق بها قائلًا بحنو: هاتي، أقشر لك انا.
جلس الخمسة في دائرة، ساد الصمت والشرود في أجواء هذه الليلة المُكدسة بالأحداث وخوفهم من أن يروح تعبهم هدرًا لتقول فداء بنبرة مُترقبة: تفتكروا نقنع بابا إزاي، بدون ضغط على عنود؟

في تلك اللحظة رفع مُصطفى العود إلى فمه ليصطدم بجبهة فداء التي صرخت في تأوه: أآآه. يا بغل خبطتني!
مُصطفى بضحكة خفيفة: أنا أسف يا أحمريكا كُنتِ بتجولي أيه بجا؟
فداء وهي تُكرر طرح سؤالها: عاوزين نقنع بابا بسفر عنود بدون ما نجبرها على حاجة مش عاوزاها.

قام مُصطفى بتناول قطعة صغيرة يعتصرها في فمه ليردف بنبرة هادئة: وليه ما تتچوزش قُصي بيه، دا بنات البلد كُللياتها عيموته في دباديبه لما بمشي جنبه في الشارع. بحسهم هيتجوزوه وهم واجفين و.

توقف عن استكمال حديثه لوهلة ثم وضع انامله أسفل ذقنه مُردفًا بشرود وهو يتوجه بحديثه إلى فداء: هو ينفع حُرمة تطلب إيد راچل؟
آسر بإبتسامة ساخرة: لا يا حبيبي الحالات اللي زيّ دي استثنا ف بيطلبوا رجلينا.

قطب مُصطفى ما بين حاجبيه قائلًا بنبرة مُتحيرة: واشمعنا الرچلين؟
آسر بقهقهة خفيفة: في العادي إحنا بنطلب أيد البنت علشان هي اللي بتطبخ والبنات بيطلبوا رجل الراجل علشان هو اللي بيشيل يوم الفرح الأوزان الثقيلة دي.

أومأ مُصطفى برأسه مُتفهمًا ليرفع العود إلى فمه من جديد ليضرب أخر العود في عينها وهنا صرخت فداء بغيظٍ: عيني يا بغل!
بيسان بضحكة رقيقة: يا مُصطفى أقسمه على كذا جُزء لأنه كدا كبير اوي وعامل أزمة.
أنهت حديثها لتجد يامن يضع قطعة صغيرة في فمها وبنبرة ضاحكة تابع: يا حبيبتي الإتيكات دا ليكِ إنتِ أما إحنا رجاله بناكل أي حاجة وبأي طريقه.

فداء بغيظ: يا جماعة ركزوا في الموضوع الرئيسي. دلوقتي عنود مش عاوزة تتجوز قُصي. نعمل أيه؟

يامن بتساؤل: ما هو مافيش أمل في عمي ولا حتى واحد بالمية.
مُصطفى بهتاف: أنا عندي حل، بس أصبروا أكل العُجلة ديه.
همّ مُصطفى أن يرفع العود إلى فمه ليُسرع آسر بإحناء رأسها على الفور ومن ثم جذبها حتى جلست إلى جواره قائلًا: أقعدي جنبي ليعملك عاهة. دا بيفهم من عشر مرات وأنا ماليش خُلق.

توقف عن حديثه على الفور ومن ثم إلتفت بتوجس إلى مصدر هذا الشخير العال ليتبادلا نظرات مصدومة وراحت فداء تهتف بصدمة ضاحكة: مُصطفى! إنت نمت؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة