قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل التاسع والعشرون

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل التاسع والعشرون

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل التاسع والعشرون

وكُل حُب لا يرفعنا عن ذواتنا القديمة ليس بحُب، وكُل حُب لا يشدُد بأزرنا ليس بحُب. إنما الحُب ما بقى لك ولأجلك. ما سند معك صعابك، ما بقيت أثاره في النفس تأسُرها...
شدّ على خصرها بذراعيه وقد أنارت كلماتها وجهه، يستلذ بجمال نبرة صوتها وهي تقولها وبنبرة هائمة بها أردف: وانا بعشقك، وبفرح تلقائي لمّا بتفرحي.

إبتعدت عنود عنه قليلًا. تلاقت أعينهما في هذه اللحظة. داهمت شفتيها إبتسامة عذبة تتفحص ملامحه بدقة غير معهودة منها لتقول بنبرة هادئة: أنا إزاي كُنت فهماك غلط كدا؟!، وإزاي أصلًا كُنت أنانية ومش شيفاك من زمان! إنت حاجة عظيمة أوي وتفرح أي قلب. إنت سند لو كان ضاع مني، ما كُنتش هلاقيه تاني. ف الحمد لله.

رفع قُصي كفيه إلى وجهها وراح يلمس وجنتيها الناعمتين بأنامله، سرح قليلًا بها لينساق خلف اشتياقه لها وما أن قرب وجهه منها أكثر حتى قطع شروده بها صوت صابرين وهي تتنحنح بخجلٍ: أحم أحم. بعتذر. بس العارضات وصلوا.
افتر ثغر عنود عن إبتسامة مُتوترة توميء برأسها إيجابًا فيما نحا ببصره إلى الأُخرى وراح يرمقها بصلابة وصوت أجشٍ: هو دا وقته يا صابرين!، طيب مخصوم منك يومين.

حدقت عنود إليه في شدوه من جراءته لتعض على شفتيها خجلًا مما يقولهُ، اجتاحت حُمرة خجل وجنتاها لتلتفت إلى صابرين التي تقف على استحياءٍ تندب حظها بمجيئها في هذه اللحظة: بيهزر يا صابرين. طبعًا خليهم يدخلوا علشان نبدأ.

هزّت صابرين رأسها بتفهمٍ لتبدأ في اصطحاب العارضات إلى الغرفة الكبيرة وتبعهم مجيء مُصففي الشعر والتجميل. تنهد قُصي بثبات ليلتقط هاتفه مردفًا بهدوء: يالا، أمسكي الفون وكلمي البنات واتطمنوا على بعض.

إلتقطت عنود منه الهاتف على عجلة من أمرها لتتجه في زاوية من الغُرفة كي تُهاتف شقيقتها التي ما أن وجدته رقم غير مصري حتى تيقنت من أنها شقيقتها لتُجيب عليها بنبرة حانية: عنقووووودة!
عنود وهي تُجيب عليها بسعادة: قلبي؟! وحشتيني اليومين دول وبيسو وبابي ومُنمن ومراد ويامن.
فداء بإبتسامة خفيفة: وانا اللي كُنت فاكرة، إنك هتكوني متوترة وقاعدة قلقانة عليكِ.

عنود وهي تنظُر إلى زوجها بسعادة وعينين تلمعان ببريقٍ أمل: ما هو قُصي جنبي. هتوتر ليه؟!
ضيقت فداء عينيها بدهشة وراحت تُردف بنبرة متوجسة: إنتِ بتقولي عليه كدا، تحت تهديد السلاح؟، ولا إنتِ سُخنة ولا مالك؟!

أطلقت عنود قهقهة خفيفة وبنبرة حانية تابعت: هحكي لك بعدين يا قلبي، بس إنتِ إدعي ليّ كتير أووووي.
ربنا يعوض تعبك خير يا بنت سالم، وما يحرم قلبك من فرحة النجاح بعد تعب ومجهود.
قالت فداء دُعائها وهي ترفع وجهها للسماءٍ. تخرج كلماتها من بين ثنايا قلبها الناصع البياض. فقلبها بفرحة شقيقتها ونصفها الآخر، يتلهف للفرح والإحتفال. انتهى الحديث بينهما على موعد من حديث آخر بعد إنتهاء العرض...

ضمت فداء كفيها إلى قلبها وقد أغمضت عينيها بهدوء وافر وأخذت تُردد بصوتِ خافتٍ: خليك جنبها يارب، وكُل حاجة بعد كدا هتكون أحلى.
وجدت ذراعين يمتدان حول خصرها. فتحت عيناها على فجأة ومن ثم إلتفتت له وراح تتنفس الصعداء وهي تُردد بنبرة قلقة: خضتني؟!
قطب آسر ما بين حاجبيه بإستغراب ليُرخي كفيه عن خصرها ومن ثم إلتقط كفها ليرفعه على فمه مُقبلًا الدبلة بحنو جارف: طبعًا قلقانة علشان عنود؟!

فداء وهي توميء برأسها إيجابًا: قلقانة عليها أوي. خايفة ما تحققش اللي طول عُمرها بتحلم بيه. إدعيلها يا آسر!

رفع آسر ذراعه إلى مؤخرة رأسها يدفعها برقة حتى تستقر على صدره مردفًا بنبرة ثابتة: بدعي لها حبيبتي. يالا بقى علشان مُنير وصل وجمعوا الستات في الصالة.
جال الدمعُ في عينيها ولكنها إبتعدت عنه قليلًا تتنشق الهواء داخلها وبنبرة ثابتة تابعت: تمام، أنا جاهزة ويارب تعبي في الحملة دي ما يروحش هدر.

إنطلقت معهُ صوب صالة المُناقشة حيث قامت بإستدعاء سيدات البلدة بعد أن جاءها طاقم عملها صباح اليوم، فهي تنتوي دراسة الموضوع من جذوره حتى تصل إلى حلول متوغلة للمُشكلة وأكثر إفادةً في المُعالجة وما أن وصلت للداخل حتى وقفت أمامهن مُباشرة وبإبتسامة صافية أردفت: طبعًا مش محتاجين إن إحنا نتعرف على بعض نهائي. جمعنا مواقف كتير أوي. وماحدش فينا هينسى مُساعدتكم معانا في تصاميم العرض، انا جمعتكم النهاردا علشان نحاول نفهم أسبابك كأم واللي بتدفعك تجوزي بنتك قبل سن العشرين. وطبعًا حابه أسمع آرائكم كلكم!

بدأت فداء تتحرك بين السيدات بتفاعل وحماس وكذلك وجدت رغبة في التغيير من كثير من السيدات اللواتي أُجبرن على هذه الخُطوة بفعل الظروف لتتجه ببصره إلى سيدة ما وبنبرة هادئة قالت: إنتِ كأم، ليه توافقي تجوزي بنتك قبل سن العشرين؟!

السيدة بضيقٍ: الحِمل بيكون زايد علينا جوي، وإخواتها كتير ومصاريفهم أكتر ف اللي تبلغ نچوزها. يا فداء هانم دلوجتي اللُجمة مش بنلاجيها والفلوس مافيهاش بركة والعيشة بجت صعبة علينا وماحدش حاسس.

أومأت فداء برأسها في تفهم لتقول بنبرة ثابتة: العِيشة فعلًا بقيت صعبة، بس الحل مش في روح واحدة. ما أفتكرش إنها حِمل عليكم او إنها محور الأزمة. لازم تفهموا إن زيّ مافي عقوق والدين، في عقوق ابناء. والأم اللي تحرم بنتها من إنها تعيش سنها وتتعلم وتبني كيان وتحقق ذات بحجة انها بقيت حِمل تقيل عليهم، تبقى أُم عاقة.

عَلى صوت غمغماتهن في الصالة وقد توحشن هذه الكلمة وتجهمت وجوههن دون قبولها لتقول إحداهن بحُزنٍ: عقوق أيه يا ست فداء، إحنا بنأمن لهم مُستجبلهم مع راچل يصونهم وبعدين ديه سِلو بلدنا وما ينفعش نعصيه.

فداء وهي توميء برأسها بنفي مُنقطع النظير: سِلو بلدكم؟! هل إنتِ مُجبرة تمشي على سِلو بلدك علشان هو سِلو؟! ما تعصيهوش إزاي! هو قُرءان؟! ربنا ما خلقناش في الدُنيا دي مُسيرين. لا دا إحنا مُخيرين في كُل حاجة والدليل على كدا إنه ميزنا عن الحيوانات بالعقل والآدمية (وهديناهُ النجدين)، عندك طريق خير وشر وانتِ وعقلك والشيطان تالتكم هيتغلب عليكِ وتعملي الغلط تحت مُسمى السِلو واللي هو مش موجود في القرءان ولا هتستفتي قلبك وتدوري على الخير وتبقي فيه سبّاقة! كُل بلد وليها عادات وتقاليد ودورك تختاري منها اللي يناسبك ويناسب دينك. أقرب مثال، في دول أوروبا بيعترفوا بالشواذ وشايفين إن دي حُرية شخصي ولازم يدوهم حقوقهم وهناك في طبعًا مُسلمين. ف هل مُسلمي أوروبا مُعترفين بحاجة عكس دينهم لمُجرد إن سِلو بلدهم أقر دا؟! ولا هيبصوا للدين ويقارنوا ويشوفوا إن ربنا أباد قوم كامل بجهالتهم علشان كانوا عكس الفطرة وغير سويين!

هتفت إحداهن بنبرة سادرة: بس يا فداء هانم، إحنا لو سيبنا البت من دول تختار يبجا مش هتتچوز، بنات اليومين دول ما بجاش يعچبهم العچب وعاوزين الرچالة متفصلين وياريتهم بيجضوا مصالح ولا حاچة. دا إحنا زمان في عِز شبابنا كُنا بنهد بيوتنا ونبنيها. وكُنا بنتچوز وإحنا عندنا 12 سنه ونشيل مسؤولية بدري.

افتر ثغر فداء عن إبتسامة خفيفة لتقول بنبرة مازحة: بتهدي البيت وتبنيه؟!، ما إنتِ متغذيه على الزبدة البلدي واللبن الصباحي والوز والبط. أما دلوقتي ما بقاش في بركة في حاجة والأمراض كترت وأكترهم (الأنيميا ) ثم، إني ما ينفعش أعامل بنتي بزمني أنا. في مقولة حلوة أوي بتقول: لا تُكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم.

يعني المقصود بالكلام دا الفضائل اللي مش واجبة عليهم شرعًا لأن أكيد (الصوم، الصلاة، الحجاب، الزكاة، ) وكُل الفضائل دي لا تتغير من الزمن. ولكن هي مش مُجبرة تهد البيت وتبنيه علشان تعجب حضرتك وكُل واحد على أد طاقته طالما بتطيعك وهي بردو مش مُجبرة تقوم من النجمة زيّك زمان. وبعدين هو انتِ جيتي في مرة كدا لا قدر الله أخدتي بنتك في حُضنك وقولتي لها إحكيلي يومك كان عامل إزاي؟!، متضايقة من أيه؟! نفسك في أيه؟!، أو تاخدي رأيها في الجواز قبل ما تدبسوها وتلاقي نفسها تاني يوم مُجبرة تلبس فستان فرح وهي لسه بتعمل ضفاير ولا عقلها أقل من أنه يتخيل جواز وراجل وعيلة!، جربتي تكوني ل بنتك أُخت؟! ولا سِلو بلدكم محرم دا!

نكست السيدة ذقنها خجلًا وكأنها تُجيبها عن سؤالها دون أن تنطق شفاهها حرفًا واحدًا لتردف فداء بثبات وتنهيدة قوية: أكيد ما بيحصلش!، علشان إنتوا دايمًا بتستغلوا رخصة ربنا ليكم في أنكم أب وأم ضد أولادكم. ويوم ما يقولوا رأيهم فيكم أو يعبروا عن اللي جواهم بيكونوا (عاقين) أو مش بيطمر فيهم! التربية مش كدا، مش أكل وشُرب لأ. عاوزين ناخد بإيد بعض علشان نتغير!، عاوزين ندي ل بناتنا مساحة يعيشوا حياتهم ويختاروا بعقولهم اللي هيكملوا معاهم. عاوزين ننسى إن البنت حِمل ومالهاش غير الجواز. بلاش تزرعوا في نفس بناتكم إن أحلامهم تقتصر على راجل وإنها دُمية وهو سيدها، أيه رأيكن نبدأ نتسابق ببناتنا على اللي توصل لأحلامها وتعلى بتعليمها قبل التانية؟! وخليكم فاكرين. النصيب ما بيعرفش غير التوقيت الصحيح ويمكن انتوا بتسبقوا النصيب الخيّر ل بناتكم بجوازهم في وقت مش وقتهم.

كان يقف أمام باب الصالة يستند على بظهره إليه، افتر ثغرهُ عن إبتسامة عريضة وهو يحدق إليها بإنبهار تام. فقد راقت لهُ عقلانية أقاويلها ولم يتخيل بأنها لديها حَس حُر من الحكمة. لفت انتباهه صوت فايز مردفًا بثبات: هوزع عليكم ورقة وهتكتبوا فيها كُل المشاكل اللي بتواجهكم، وطلباتكم أيه؟!

إمتد ممر زُجاجي على طول صالة العرضِ كُلها، وقد أحاط الممر مقاعدًا كثيرة لزمها المُشتركين والمدعووين إلى هذا العرض الكبير والذي يأتي رواده من كُل حدبٍ وصوبٍ. جلست إلى المقعد بجواره بعد أن انتهت من إشرافها على كُل ما يخص تصاميمها. إلتقط أحد كفيها بين كفيه وراح يمسح عليه بلمسة هادئة لترفع بصرها إليه مُردفةً بقلقٍ: خايفة!

قُصي وهو يرمقها بنظرة لائمة: مافيش خوف، استمتعي فقط وانتِ بتتفرجي على أحلى تصاميم أتقنتها أحلى مُصممة في الدُنيا، هتكسبي بإذن الله وتعبك ربنا حافظه.

مالت برأسها امامه بخفة كطفلة تستجديه ببرائتها وبنبرة خافتة أردفت: بحبك.
قُصي بقهقهة خفيفة: مرتين في نفس اليوم؟!، بركاتك يا دُبي. جيبتي الديب من ديله.

قطع حديثهما إعلان مُقدمة العرض عن استقبال اولى عروضها الليلة، خفتت الأضواء فجأة وتركزت كشافات الإضاءة حيث ساحة العرض لتبدأ اول مجموعة بالعرض. استمتعت عنود بهذا كثيرًا وراقها ما يعرضه المنافسون الهنود وبدأت تميل إلى أحد الأطراف بإستخدام حدسها الفني، توالت العروض الواحد تلو الأخر. ليظهر فريقها إلى منصة العرض وبدأ قلبها يخفق بقلقٍ وهي تتفحص ملامح لجنة الحكم وردود أفعالهم تجاه معروضاتها. وقعت عيناها على هذه البغيضة وهي تجلس على الطرف الأخر من منصة العرض وكأنها أدركت مصيرها الآن وهي ترى تصاميم عنود مُقارنة بما أقبل فريقها على عرضه...

استمر العرض لكثير من الوقتِ حتى جاءت لحظة إعلان النتيجة، بدأت عنود تعض على شفتيها خوفًا ومن ثم ألقت برأسها بين أحضانه تستنجد به من هولٍ الموقف ليأتِ إلى أُذنها صوت المُقدمة وهي تمسك مظروف ما بين يدها وراحت تقول بثبات: الفائزة بمُسابقة عرض دُبي الدولي بين الخصوم المصرية هي شركة ((Passionلرئيستها السيدة (عنود العامري ). والتي حصلت على المركز الثاني على مستوى مُسابقة دُبي الدولية.

رفعت بصرها إلى عينيه مُباشرة ومن ثم رددت بشدوه وصدمة: إنت سمعت اسمي!
قُصي وهو يُحدق بها مثلما تفعل: أيوة، دول قالوا إنك كسبتي. هتفضلي مبحلقه لي كتير كدا ومش هتطلعي تستلمي الجايزة!

وضعت عنود كفيها على فمها في سعادة ومن ثم أبعدته وهي تصرخ بفرح وراحت تحتضنه: يعني أنا ما سمعتش غلط؟!، أنا حققت حلمي وتصاميمي وصلت ل دُبي والعالم كُله بيتفرج عليها دلوقت.

أخذت تهذي بالقرب من أذنه من فرط سعادتها ومازالت تحتضنه بقوة فيما همس لها بحُب: مبروك يا أحلى عنيدة دخلت حياتي ولونتها، تستاهلي الفرحة، يالا بقى روحي استلمي الجايزة وإلا هيرجعوا في كلامهم.

ما ان انهى جُملته حتى وجدها تنهض في مكانها على الفور ومن ثم ضمت كفه بين راحتها بثبات وبنبرة عاشقة قالت: هنستلمها سوا، اللحظات الحلوة زيّ دي. لازم نتشاركها.

رمقها بنظرة حانية لينهض واقفًا في مكانه على الفور، فيما جذبته هي معها حتى منصة التكريم. كادت تقفز فرحًا من شدة السعادة فيما يحثها هو على التروّي في سيرها بدلًا من اندفاعها كطفلة يُقدم لها أحدهم دُمية جديدة. تصافحا مع لجنة الحكم بسعادة مُطلقة لتبدأ هي في إلتقاط جائزتها وسط تصفيقات الجميع وفرحته بها، صرح قُصي خلال هذه المُسابقة عن سرقة التصاميم التي سبقت هذه وأن الشركة المُنافسة لهما قد دست أحد عامليها ل مُراقبة تصاميم المُسابقة ومع هذا الاعتراف قدم أدلته الدامغة ضد هانيا الرفاعي حيث أوصى صابرين بأن تأتي له بملف النماذج السابقة ليُقدمه لرؤساء العرض فيما أجبر شاهين على الإعتراف امام لجنة الحكم حتى لا يتعرض للمُسائلة القانونية ليعترف بالحقيقة كاملةً في رضوخٍ تام ونتيجة لذلك قررت اللجنة أن تحرم الاُخرى من جائزة اشتراكها بالمُسابقة والتي هي أسبوع كامل في أنحاء دُبي واشتراكات بمطاعم كبيرة، ماكناش نبغى هالشي يصير، ولكن في إدانة بحقك كاملة وراح يتم حرمانك من جائزة اشتراكك بالمُسابقة سيدة هانيا.

أردف مُنظم المُسابقة بتلك الكلمات من داخل غرفة مكتبه بنبرة أكثر حزمًا ليردف هو مُتابعًا بحزم: إحمدي ربك، لو كان هالكلام صار بمصر، كُنتِ هلأ مُعروضة على مُسائلة قانونية وأقسام. بس شروط مسابقتنا إنا بنحل الأزمات اللي متل هاي بين طاقم العرض فقط.

أومأت هانيا برأسها إيجابًا، جاهدت مليًا في إخفاء حنقها داخلها لتقف في مكانها ومن ثم رددت بنبرة ثابتة: شكرًا جدًا ل حضرتك، واشتراكِ بالمسابقة لوحده فوز.

على الجانب الاخر ، بالأخص داخل غرفتهما.
بابي؟! انا كسبت. كسبت الحمد لله. ما تعرفش أنا أد ايه فرحانة وهطير.
قالتها عنود وهي تقف بجانب زوجها ينظران من الشرفة فيما ردد سالم بسعادة: الحمد لله يا بنتي، ربنا يكتب لك الخير دايمًا يا عنود ومنها لدرجات نجاح أعلى يا بنت ملاك.

سمعت في هذه اللحظة صوت عائلتها بأكملها يستقبلون هذا الخبر بفرح غامر حيث وجدت الصفافير والتهليلات والمُباركات تصل إلى أذنيها ف تزيدها حيوية وسلام داخلي، كان العرض يُبث مُباشرة على قنوات التلفاز وما أن سمعوا بفوزها لحظة إعلان النتيجة حتى توالت عليها الاتصالات.

انتهت من حديثها مع عائلتها ومن ثم نحت ببصرها إليه وراحت تتشبث بذراعه مُردفةً بهدوء: قُصي؟!
رمقها قُصي بنصف عين ومن ثم أردف بنبرة عابثة: خير يا عنود هانم؟!
لوت عنود شدقها بإمتعاض، لتبتعد عنه قليلًا وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها مُردفة: عنود هانم؟! ثم إنك ما قولتليش ليه عن شاهين وهانيا الجربوعة.

افتر ثغره عن إبتسامة عريضة ليمد كفيه إلى ذراعيها يُفك عُقدتهما، تنهد بثبات ليرفع أحد حاجبيه قائلًا بنبرة هادئة: أقولك علشان تتجنني وتتصرفي غلط؟!، ولا أقولك علشان تتوتري وما تعرفيش تكملي وتشوفي شغلك؟! الكُنترول لحد بتحبه واجب مش أحرضه على الغلط يا عنقودة.
عنود بإبتسامة رقيقة: هو أنا ما كُنتش بحبك إزاي؟!

تنحنح قُصي في هدوء ليلف ذراعه حول كتفيها، يضمها إليه. استكمل سيرهُ إلى الداخل وهو يحتضنها معه ليُغلق الستار مردفًا بثبات: أنا هفهمك أكتر. الانسان مننا إتعود يُحكم على خلق الله قبل ما يعاشرهم ويعرف طباعهم. بس المُهم يبان جامد طحن وهو بيفتري على غيره بالكلام. وانتِ إفتريتي عليّا كتير، بس انا مسامح عارفه ليه؟!

رفعت عنود بصرها إليه لتقطب ما بين حاجبيها مُردفةً بتساؤل واندماج: ليه؟!
قُصي بعد أن أمسك أناملها وراح يدور حولها يتأمل الثوب عليها: علشان هتجيبي ليّ أطفال بينوروا في الضلمة ولا مصباح إديسون في زمانه. بس أيه الفستان الجامد دا!
عنود وهي تخفض بصرها تتفحص الفستان بسعادة وبنبرة تلقائية وهي تدور أمامه: عجبك؟!

رمقها بغمزة من إحدى عينيه ليُثبت جسدها أمامه بذراعيه التي داهمت خصرها وبنبرة ذات مغزى أردف: إلا عجبني، دا حلو حلاوة تموع يا جدع. ما تيجي هنا وانا أحبك!
عنود بإبتسامة رقيقة: هو في حاجة يا قُصي؟!
قُصي وهو يُقرب وجهه منها بمكر: بصراحة بقى، أه.

تعلمت من خلال تجربة نجاحها بأن لكُل مقام، مقال. لكُل كرب يضيق ذرة فرج تتسع رويدًا رويدًا حتى تتضح وكُل دعوة تنشُدها في علم الغيب عند الله، لها موعد ستتحقق فيه. وكُل طيب في الأرض ارتبط اسمه بنصفهُ الآخر قبل أن يُولد، ومن منا لم يتفاجأ يومًا من حبيب صار عدوًا وعدو داخل ثنايا قلوبنا، صار حبيبا.

انقضى ثلاثة أسابيع كاملة في رحلتهما ب دُبي، حيث منحتهما الشركة الراعية أحد الشاليهات المٌطلة على البحر ليقضيان به شهرعسلهما، توالى عليها دعم وعقود عمل بمصر ودُبي وأصبحت تصاميمها تملأ المولات الكبيرة يتهافت عليها الناس بكثرة، لم تنته رحلتهما بسعادة للنهاية حيث توترت العلاقة بينهما ما أن فاجأتهُ عنود بإمضائها على عقد ما لأحد الشركات الأمريكية والتي دعتها لزيارة مدينة بوسطن بالولايات المُتحدة الأمريكية لتوسيع رقعة عملها واكسابها شُهرة أكبر. فيما عملت فداء طيلة الثلاث أسابيع على حركتها التوعوية بالقرية ولشد ما اسعدها إستجابة الناس لما تقوله بين الحين والآخر فقد وجدت أن العامل الأكبر وراء هذه القضية ضيق المعيشة والفقر المُدقع ليأتي إلى عقلها فكرة فعالة فيما هو قادم. كما عاد مُراد إلى (قصر العامري ) حيث بدأت امتحاناته من يومٍ سابق، رغبت عنود في العودة إلى قصر والدها فيما انهيا جميع المُعاملات ب دُبي وعاد بها إلى قريته على الفور وفي نيته عقد جلسة تأديب لها.

تجمعوا جميعًا في بهو القصرٍ مُرحبين بهما في سعادة جمّة، أسرعت فداء بضم شقيقتها إلى صدرها بإشتياق ولهفة وبنبرة حُب رددت: وحشتيني يا عنقودة. كُل دا غياب. كُنت حاسه إني مش كاملة من غيرك.

أسرعت بيسان والتي أتت إلى القرية بصُحبة يامن وبتوصية من شقيقتها عنود لجلب دميتها معها حتى تحتضنها ليلًا أثناء خصامها بزوجها، إحتضنتها بيسان بلهفة وراحت تُردف بنبرة حانية: عنقودة العنيدة. الدنيا كانت كئيبة من غيرك.
عنود بفرحة عارمة: كُنت مفتقداكم أووووي يا بنات، كُل لحظة من غيركم مافيهاش روح.
قُصي بنبرة حانقة: نعم ياختي؟!، وهتلاقي روح منين ما إنتِ مطلعاها.

ضيقت عنود عينيها غيظًا لتُردف بنبرة حانقة: يعني انت اللي غلبان وما بتعملش حاجة!
حدق إليها قُصي بثبات وغموض وبلهجة صارمة أردف: أنا مش عاوز أسمع صوتك نهائي!

تدخل جمال في الحال بينهما ليردف بنبرة حانية: في أيه يا ولاد انتوا كمان، يعني انا أسكت آسر وفداء. الأقي عنود وقُصي!، والله دا شيطان ودخل بينكم. خُد يا بني مراتك راضيها وإرتاحوا من السفر لحد ميعاد العشا.
إلتفت قُصي إلى زوجته يرمقها بوجوم، ومن ثم أسرع بالقبض على ذراعها بقوة لتُصدر تأوهًا خافتًا ليردف بنبرة جامدة: أمشي قُدامي؟!

فداء وهي تهتف به في حنق: انت بتتعامل معاها كدا ليه؟، هي شغالة عندك علشان تُأمرها. ناقص تضربها كمان!

قُصي بثبات: ما تدخليش يا فداء!
همّت أن ترفع صوتها أكثر حنقًا من معاملته ل شقيقتها، فيما أسرع آسر بالقبض على ذراعها مُردفًا بلهجة آمره: وانا من رأيه. ما تدخليش بينه وبين مراته.

رمقتهُ فداء بغيظٍ واستنكار فيما استكملت الثالثة تمردها على ما يحدُث: مراته دي تبقى أُختنا. واحنا مش هنشوفه بيعاملها زيّ الخدامات وهنسكت!
يامن وهو يجدحها بحدة: إنتِ بتتكلمي ليه؟!، الله أعلم أيه المُشكلة اللي بينهم.
جمال بنبرة عالية بعض الشيء وهو يجوب ببصره بينهم: بسسسسسس، كفاية أوي خناق لحد كدا. كُل واحد يلم الدور بقى وانتِ يا ست حُسنية. ولعي بخور ومشي الشياطين، الله لا يسيئك.

حُسنية وهي توميء برأسها بتفهم: عندك حج يا چمال بيه، دول شوية وهياكلوا في لحم بعض.

أسرع قُصي بجذبها معه واستكمال سيره حتى الدرج يصعدانه. صرت فداء على أسنانها بوجه عابسٍ فيما تابع جمال بهدوء حانٍ: يابنتي أكيد في سبب للخلاف دا؟!، وأكيد هنعرفه. ف مش عاوزين نيجي في صف واحد على حساب التاني. وبعدين إغزي الشيطان وصالحي خطيبك. بلاش تضيعوا الأوقات الحلوة في خصام.

فداء بنبرة مُغتاظة: هو اللي طالب معاه خناق يا عمي. واحد إتصل بيا وبيقول ليّ محتاجك في موضوع. أيه اللي يخليني أرفض!، وبعدين انا أعرف منين إنه عاوز يقرب مني. المفروض يفهم اني ماليش نية من مُقابلته.

مُصطفى وهو يتناول قطعة من الحلاوة في فمه الذي إمتلأ بها مردفًا بحنق من خناقاتهم التي لا تنضب: الله يحرج سمير على ماسميرش! ما انا طفيت أنوار الجصر وجولت له إنكم ما عتوش حدانا. هو كان شافها ولا جابلها علشان التاني يتجمص!

آسر بنبرة جامدة: ولا، أخرس. لأحرمك من البسبوسة اللي بتطفحها دي.
ومن ثم إلتفت إليها هاتفًا بسخطٍ: تستأذنيني وتقولي ليّ أقابله ولا لأ.
جمال بتدخل: صلوا على سيد الخلق يا ولاد!
الجميع بهدوء: عليه الصلاة والسلام.

جمال بإستكمال وهو يتوجه بحديثه إلى بيسان: وانتِ يا ست بيسان عندك شكوة من جوزك؟! أصلي حاسك زعلانة كدا!

بيسان وقد افتر ثغرها عن إبتسامة خفيفة وهي تنظُر إلى زوجها مُردفةً بنبرة رقيقة: لأ، مش عندي شكوة. انا جاية هنا أساند إخواتي.

في تلك اللحظة سمعوا صفعة باب قوية. ليتجه قُصي صوب الدرج يهبطه وبنبرة ثابتة أردف: أنا رايح على القهوة حد جاي معايا؟!

قطب جمال ما بين حاجبيه بريبة وبنبرة متوجسة أردف: ما استريحتش يعني يا قُصي، وقهوة أيه دي!، طيب مش تتعشا!
قُصي وهو يتجه صوب باب القصر: معلش يا حج. بس من زمان ما قعدتش على قهوة. يالا يا رجالة.

آسر وهو يلتفت إلى يامن قائلًا بلهجة حازمة: يالا يابني. فكرة حلوة علشان نخلص من أم النكد دا.

رمقتهُ فداء بحدة لتتقافز شياطينها أمام وجهها فيما اصطحب يامن مُستتبعًا خطوات قُصي حتى المقهى القابعة على ناصية الشارع وما أن وصلا حتى تابع آسر بتساؤل: مالك يابني، وأيه اللي حاصل لكُل دا؟!
قُصي وهو يجلس إلى المقعد أمامهما: مضيت على عقد عمل في شركة أمريكية، ومن غير حتى ما تقولي. أقولها نفترض انه عقد مضروب او لا قدر الله هيضرك والمفروض انها تستناني اتعامل بنفسي.

يامن بنبرة مُتفهمة: تمام معاك حق، بس انت كُنت فين وهي بتمضي!
قُصي باستئناف: كُنت بحضر لها مُفاجأة وخرجت شوية، احنا كُنا ناويين نكمل أسبوع كمان بس هي جالها العرض على الفون واستقبلت الناس في ريسيبشن الفندق ومضوا العقد سوا. وانا اخر من يعلم.

آسر وهو يوميء برأسه في تفهم: تمام، بس حاول ما تكونش شديد في ردة فعلك. ما إنت عارف إن دا حلمها من زمان وانها في انتظار رفعة زيّ دي.
يامن بتنهيدة مُخانقة: انا كمان اتضغطت بسبب الخناف وزعقت ل بيسان، تفتكروا البنات عاملين أيه دلوقتي؟!
قُصي بضحكة خفيفة: زمان عنود مالية البيت نكد وعياط!

على الجانب الاخر، داخل حجرة الصالون بقصر الدمنهوري
انا مش مبينه له أنا ناويه له على أيه!، ساكتة ومستحلفه له مش قايله له ساكتة ليه؟!
أردفت عنود تصدح بصوتها تغني هذه الأغنية وهي تلتقط ريموت التلفاز بكفها فيما تراقصت الأُخريات على ألحان مُصطفى الذي يُصدرها بفمه مُستخدمًا الطبلة أيضًا ليردد بصدى صوت لكلماتها: ليه ليه ليه! ما تجوليلوش.

فداء وهي تلتقط طرف الخيط منها لتصدح بنبرة عالية: خليه يشوف بعنيه. ايه اللي ناوية عليه، خليه يخاف من خياله لما أغيب يوم عن عينيه.
وقف مُصطفى على الفور وراح يتمايل بينهن بجذعه العلوي للأمام قليلًا ثم يعود للخلف وهنا سقط أرضًا ليُردف بنبرة مُتلعثمة: معلش وجعت. يالا نكمل بجا علشان اعرف هنعمل فيه أيه.

بيسان وهي تهتف بإندماجٍ: كتر خيري اني قابلته واستحملته يا قلبي زمان.
قاطعها مُصطفى بزغرودة صدح صداها النشاز في جنبات القصر كُله، لتستكمل عنود وهي تمسح أنفها الذي تلون بالأحمر من شدة بكائها في السابق، بمنديلًا ورقيًا: ييجي عليّا وأعديها ويسوق فيها معايا كمان.
مُصطفى بنبرة مُغتاظة: يسوج إزاي يا اختشي. بالشبشب واديله.

هرع جمال على أصواتهن وتبعته السيدة حُسنية ليقف بالقُرب من الباب وقد جحظت عيناهُ بشدوه وراح يفغر فاهه مردفًا بقلقٍ: في حاجة غريبة بتحصل يا ست حُسنية، انا مش متطمن ل شارع الهرم اللي في القصر دا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة