قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثلاثون والأخير

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثلاثون والأخير

رواية جميلتي الصهباء للكاتبة علياء شعبان الفصل الثلاثون والأخير

بين ما يُرضينا وما يؤرقنا خيط بالكاد يُرى، وبين راحتنا وأوجاعنا سكة سفر. إما أن تختار بتروٍ ما يُبقيك ذا قامة عالية لا تُنهيك المسافات او تبقى طوال حياتك تُصارع دون الوصول...

دلف مُصطفى إلى حجرة الصالون من جديد وهو يحمل بين يديه مجموعة عُصيان تشبه النبوت في غلظة سُمكها ومن ثم استمرت حفلة رقصهما التي تُديرها مجموعة من الأغانية التي تتميز بشعبيتها في كُل مرة ليُغني مُصطفى قائلًا: يا بتاع النعناع يا منعنع نعنعنعنعنعنعناااااااا
البنات في فم واحد: يا بتاع السكر يا مسكر، يا مسكرررر يا مساااااكر، نور عيني قلبي من جوا. مين غيره وغيره مين هو.

مُصطفى وهو يتمايل بجسده بعد أن وضع العُصي جانبًا: دا تاعبني وبردو عاچبني ولا حول ليّا ولا جوه، لولولولوي.

في تلك اللحظة أمسك مُصطفى العصيان من جديد وراح يوزع على كُل واحدة منهن مُردفًا بسعادة: تعالوا بجا نغني مافيش صاحب، طالما انتوا مچروحين.

فداء وهي تهتف عاليًا بفرحة: اووووه، حلوة أوي الأغنية دي. مافيش صاحب بيتصاحب مافيش راجل بقى راجل.
الجميع في نفس واحد وهم يضربوا العصا لتصطدم ببعض: هتتعامل، هنتعامل. طلع سلاحك مُتكامل، هتعورني هعورك. هبوظ لك منظرك.

أخذت فداء ترقُص رقصًا شبابيًا وهي تُقرب ذراعيها من بعضهما وراحت تُديرهما بحركة دائرية، كان جمال يُراقبهم من بعيد بعينين جاحظتين فقد استعجل مجيء الشباب بعد أن أخبرهم بما يحدُث لينظر إلى حُسنية التي لطمت وِجنتيها وهي تسمع صوت العُصي تصطدم ببعضها بضجيج عالٍ وراح يقول بتوحس: دول بيعوروا بعض.
حُسنية بتلعثم: إنت كلمت إچوازتهم يا چمال بيه!

في هذه اللحظة قطع تهامسهما صوت الشباب وهم يدلفون داخل باب القصر بتوجس. أشار لهم جمال بأن يقتربوا ليتحركون بخُطى وئيدة حيث باب حجرة الصالون ومن ثم اختبئوا خلف الحائط وأسرع الثلاثة بمد رؤوسهم يتفحصون الوضع، جحظت أعينهم في صدمة من هذا الوضع، كانوا يظنون بأنهم تركوا خلفهم من يبكين على الاطلال حتى تغشى الدموع أعينهن. وهنا أردف يامن بنبرة مشدوهة: نهار أبيض؟!، مافيش صاحب يتصاحب! فسدوا أخلاق مراتي.

آسر فاغرًا فاهه: أيه أُم الانشكاح اللي هم فيه دا؟!، ما حد يتحرك يا جماعة!

يامن بنبرة نافية: أنا مش داخل ولا هتحرك من مكاني علشان لو زعقت بيسو حبيبتي رقيقة وبتعيط بسُرعة.
آسر محدقًا إليهم بذات الصدمة: وانا لأ مش هدخل علشان فداء بتتهور؟!
نحا قُصي ببصره إليهما، ضيق عينيه بنفاذ صبرٍ ليهمس بنبرة حانقة: إنتوا هترموني أنا في وش المدفع!
آسر بنبرة مُنفعلة قليلًا: يا عم إخلص بقى، دول قربوا يدخلوا على شحط محط! طيب بذمتك يرضيك مراتك تغني شحط محط!

قُصي وهو يردف بنبرة ساخرة: اللي بيخليها تغني هبوظ لك منظرك. جات على شحط محط! أهو كُله من بلاء القصر دي.
آسر بنبرة حادة: لأ، بص بقى إحنا صحاب في كُل حاجة لكن تيجي على خطيبتي. انا اللي هبوظ لك منظرك.

جمال مُتدخلًا وهو يمسح على وجهه بنفاذ صبرٍ: انتوا بتتخانقوا على مين اللي يُدخل الأول؟! ياعيني على الرجالة والله. ما تتحرك يا بني إنت وهو.
استقام الشباب في وقفتهم في هذه اللحظة. تلعثم يامن قليلًا ومن ثم تنحنح قبل أن يقول بنبرة مُستسلمة: أنا من رأيي ندخل لهم مع بعض.

وافقهُ الآخرون في رأيّه. عدل قُصي من ياقة سُترته بثبات فيما أردف جمال بنبرة هادئة: بلاش خناق يا شباب. رفقًا بالقوارير دول مش قدكم، بلاش تستغلوا قوتهم في ضعف البنت.
يامن بتأثر: عندك حق يا حج، إحنا هنفهمهم غلطهم بس.
ربت جمال على كتفه بخفة. ليسير الثلاثة صوب باب الغرفة وبنبرة عالية أردفوا في صوت واحد: في أيه!

ساد الصمت لوهلة، إلتفتت الفتيات إليهم. ومن ثم جابوا ببصرهن بينهن وبصوت واحد أردفن وهن يهرولن صوب باب الغرفة تصطحب كُل واحدة عصاها أمامها: هجوووووووم!

جحظت أعينهم من شدة الصدمة. ليستديروا ثم هرولوا بأقصى جُهدًا لهم خارج الغرفة وعلى الفور أغلقوا الباب خلفهم وما هي إلا ثوانٍ حتى سمعوا أصوات العصا تضرب الباب المُغلق ليتنفس يامن الصعداء وهو يمسك مقبض الباب بقوة: كُنا هنموت أقسم بالله. مصاصين دماء!، وبيقولك قوارير!
جمال وهو ينظُر إليهم في صدمة: حابسينهم ليه؟!، أيه اللي حصل تاني؟!

آسر وهو يمسح العرق المُتصبب على جبينه: كان على عيني نراضي القوارير والله. كان فاضل تكة ونقلب إحنا قوارير.
حُسنية بنبرة مُتوترة: هتفضلوا جافلين عليهم الباب إكده!
تنشق قُصي الهواء داخلهُ ليصر على أسنانه بغيظٍ وبلهجة صارمة تابع: دول عاوزين الضرب بالنار قطعولي خلفي.
آسر بنبرة خافتة وهو يجوب ببصره بينهم: بقولكم أيه!، هم واقفين ورا الباب دلوقتي انا حاسس بيهم. أيه رأيك نفتح الباب جامد ف يقعوا؟!

اومأ الجميع برؤوسه في إعجاب بالفكرة، كانوا لايزالون يضعوا أيديهم على مقبض الباب وبحركة مُفاجئة قاموا بدفع الباب في قوة حتى انفتح على مصرعيه. جحظت أعين الشباب وهم يرون الأريكة التي وضعتها الفتيات حتى يمنعوهم من الدلوف مُجددًا وجلسن عليها، تندفع للبعيد و قد انقلبت راسًا على عقبٍ...

كانت رؤوسهن تميل أرضًا في اصطدام فيما بقيت أرجلهن تُحلق عاليًا في ذهول من قوة الدفعة ليُردف مُصطفى بتأوه: اتبطحت! راسي بتچيب دم. انا بموت!
فداء وهي تُجاهد مليًا في النهوض: أيه هزاركم البايخ دا؟!
أسرع يامن إلى زوجته على الفور ومن ثم أسندها من خصرها حتى نهضت تتكأ على ساعدهُ مُردفةً بتأوه رقيق: بص صوباعي إزرق إزاي؟!
يامن بنبرة حانية: يعني بذمتك الرقة دي، تسمع كلام إخواتها وتهزر هزار سواقين التكاتك دا.

بيسان بإبتسامة بلهاء: شوفتني وانا بغني هبوظ لك منظرك!
أومأ يامن برأسه إيجابًا وبنبرة مُغتاظة أردف: ويارتني ما شوفت والله.
اعتدلت الأُخريات جالسات على الأرض فيما انبطح مُصطفى على بطنه وراح يُرفرف بقدميه عاليًا يضع كفه أسفل ذقنه وبنبرة سعيدة تابع: انا سمعت جبل سابج إنت الرجص دهون بيخلي التُخان يخسوا، يعني انا هنام دلوجتي وأجوم. الاجي نفسي زيّ قُصي بيه والبنات تعاكَسني!

عنود وهي تضع كفها إلى مؤخرة رأسها وبنبرة حانقة أردفت: دوخت بجد، دا انا لو في الملاهي مش هتعب كدا؟!
اسرعت فداء بالنهوض على الفور من مكانها. ومن ثم أردفت بنبرة حانقة وهي تضع كفها خلف ظهرها: يعني يوم ما نقرر ننتقم منكم تعملوا لنا إصابات مُستديمة!
آسر وقد افتر ثغرهُ عن إبتسامة خفيفة: انتِ إتخبطتي يا وحش؟!، لا الشدة كدا.

اطلق قُصي قهقهة عالية استفزت زوجته التي لوت شدقها تجدحه بغيظٍ فيما تابع وهو يضرب كفًا بالآخر: شوفت منظرهم وهم مقلوبين زيّ براميل المخلل. مجانين بيتحدونا.

مُصطفى ومازال مُنبطحًا على بطنه يُردف بحنقٍ: لعلمك بجا يا قُصي بيه، إحنا كُنا بنرقص على أوچاعنا. أمال ايه. فدااااه جالت ليّ لازم أكون رجل مغوار.

قُصي وهو يرمقهُ قائلًا بترقُب: يعني أيه مغوار يأ مُصطفى!
مُصطفى بتحذلُق: يعني لما الناس يبجا مش وراهم غير يجولوا ليّ كلمة غور في الرايحة والچاية. ما يحذش في نفسويتي وأرجص على وچعي وابجا مغوار.
آسر وهو يُصفق بكفيه مُقهقهًا من فرط بلاهة الاخر: براو يا مُصطفى، حد يدي له شالوت جايزة. علشان تبقى (مقدام) ما يهزكش ريح.

جاهز لإمتحان بكرا يا وحش!
أردفت مُنى بهذه الكلمات وهي تضع الطعام أمامهُ على الطاولة، اومأ مُراد برأسه إيجابًا وبنبرة حماسية قال: جاهز بإذن الله. بس بنات خالي ومُصطفى كمان وحشوني.
مُنى وهي تربت على خصلاته القصيرة بحنو: راجعين الاسبوع الجاي يا سيدي. وخالك حدد الفرح تاني يوم ظهور نتيجتك لأ وكمان مجهز لك سفرية هتعجبك أوي علشان تغير جو، دا غير الهدايا بتاعتنا.

مُراد بتساؤل وترقُب: مُصطفى جاي معاهم مش كدا؟!
مُنى وقد افتر ثغرها عن ضحكة خفيفة: مش عارفه الحقيقة، بس حابة أتعرف عليه اللي كُلكم بتموتوا فيه دا!

مُراد بقهقهة خفيفة: هو قدي يا أُمي بس مش مُتعلم لأن عقلهُ على أده شوية، رغم إنه ناصح جدًا. وعليه خفة دم ماشوفتهاش غير في فداء من الآخر هم الاتنين دويتو كوميدي يقتل. قضيت يومين من أحلى الأيام هناك، ياريت يا ماما تطلبي منهم يجيبوه معاهم!

إقتربت مُنى منه وراحت تلثم جبينه بحُب جارف وقد أردفت بنبرة دافئة: من عيوني حاضر، هكلم خالك دلوقتي عنه.
على الجانب الآخر
يا خبر أبيض. أوعى ليكون في إصابات يا جمال؟!

استحال لون وجهه للإحمرار من فرط الضحك، وهو يُهاتف صديقهُ ومن ثم استكمل جمال بقهقهة خفيفة: لا، مافيش إصابات الحمد لله. دا انا كُنت حاسس إني عايش جوا فيلم أكشن دموي يا راجل. انت عايش مع شغلك وانا قاعد لهم هنا رقابة ومُصلح إجتماعي. انا ما عادش فيّا صحة ليهم.

سالم بإبتسامة خفيفة: ربنا يطول في عُمرك يا جمال وتعيش وتستحملهم، أهي هانت مش فاضل غير أسبوع ويرجعوا.
جمال بنبرة صادقة: دول منورني والله. انا مش عارف لما يسيبوا القرية. هعمل ايه؟! دول عاملين للقصر روح والضحكة ما بتغيبش عنهُ. ربنا يبارك لك فيهم ويكمل فرحتك بيهم على خير ونشيل أحفادنا.
سالم يؤمن على دعوته: أمين يارب.

نِعناع الچنينة، مسجي في حيضانااااه. شچر الموز طرح. ضلل على عيداناااااه.

جلس بين الشجرتين ينشد الأغنية وراح يضع جروه الصغير الذي أحضره له مُراد قبل عودته إلى القاهرة. مسك مشطًا بين كفه ليضعه بين فروة (الجرو) يُمشطها له ومن ثم سكت عن الأغنية قليلًا ثم رفع بصرهُ عاليًا ليردف بهدوء: هاتي موزاية تاني يا فداااااه.

في هذه اللحظة وجد ثمرة الموز تسقط على رأسه ليسرع بإلتقاطها ومن ثم ينزع قشرها عنها قبل أن يلتهمها دُفعة واحدة ليستكمل بدندنة ورواق بال: في عشج البنات انا كُنت حزلجوم.
هتف آسر بقهقهة خفيفة وهو يجلس فوق إحدى شُجيرات الموز وتُجاوره فداء بعد أن عاونها على تسلقها، قائلًا: ما قولتليش يا مُصطفى، إنت بتعمل ايه للكلب!

مُصطفى بنبرة ثابتة: بعملها زعارير، علشان مُراد جالي أسبحها واخُد بالي منها. وبعدين دي بنتا. إنت مش شايف عيونها فُحلجي زيّ فداااه إزاي!

صرت فداء على اسنانها ومن ثم ألقته بثمرة موز على رأسه وهي تهتف بحنقٍ: إنت بتقارني ب البوبي يا بغل المعيز!، طيب مخصوم منك تلات موزات.
أشاح مُصطفى بكفه في لا مُبالاة وراح يُردف بضحكة بلهاء: بيسو هتديني.
أردف (يامن) الذي يجلس على أغصان الشجرة الأُخرى وتُجاوره بيسان ليقول بنبرة ضاحكة: لو عاوز موز. إطلع خُده.

لوى مُصطفى شدقه بغيظٍ وبنبرة حزينة أردف: هو علشان أني تخين يعني ومش عارف اطلع السجره. تعملوا فيّا إكده!
آسر بتساؤل: كمل الأُغنية طيب علشان نديك موز تاني.
في هذه اللحظة نهض مُصطفى من مكانه على الفور. وضع ذراعيه حول خصره في باديء الأمر ليرفع أحد حاجبيه مردفًا بنبرة خبيثة: بجا مش هتأكلوني معاكم؟!
الجميع في نفس واحد: لأ.

اتجه مُصطفى مُبتعدًا لمسافة ليست بالكبيرة ومن ثم استدار ينظُر لهم نظرات ذات مغزى وما هي إلا ثوانٍ حتى هرع إلى الشجرتين بإندفاعٍ جارفٍ وراح يهزهما بقوة هاتفًا: أجعووووا. بجا، لا أني هاكل ولا انتوا كمان.
فداء وهي تتراقص فوق الشجرة بفزعٍ: ياما. يا ابن المجنونة. هقع هقع!

أخذت ثمرات الموز تسقط أرضًا فيما استمر هو بهزها كزلزال سبعه ريختر. ظلوا يتراقصون فوق الشُجيرات لتصرخ فداء بقوة وهي تحتضن جذع الشجرة: أمسك كويس يا آسر.
وما أن انهت جُملتها حتى وجدته يقفز من فوق الشجرة من شدة الهز لتهتف بصراخٍ وخضة: عاااااااااا. آسر! منك لله يا مُصطفى موت ليّ الراجل قبل ما نتجوز وندخل دُنيا. يا آسرررر!

على الجانب الآخر كانت بيسان تلتصق بعُنق زوجها وتدس وجهها في ملابسه فيما هتف هو بفزعٍ وهو يجد جسده على وشك السقوط: انا مش مهم عندي الموت. بس مراتي لأ. أشهد أن لا إله إلا الله.
سقط أرضًا على الفور وهو يحتضنها بين ذراعيه حتى تسقط فوقه دون أن يُصيبها شيئا فيما بقيت فداء في الأعلى وراحت تهتف بحنقٍ: أنزل بس وانت أخرك دبوس واحد معايا يا بغل يا بلونة.

كانت تتشبث بجذع الشجرة كالشمبانزي ولم تتأثر بهزات الشجرة، نهض آسر من مكانه بعد مُعاناة وهو يتحامل على ساقه ليقترب من مُصطفى ومن ثم يزيحه بعيدًا عن الشجرة بالكاد: ما مُتش، أيه رأيك في المُفاجأة دي!
مُصطفى بسعادة شديدة: فاضل واحدة. أصبر أوجعها. علشان ادخل على المستوى الچاي وأجابل الوحش.

في هذه اللحظة نزلت فداء عن الشجرة أثناء إلتفاتته إلى آسر وراحت ترفع كفها للأعلى ثم هوت به على عُنقه من الخلف مردفةً بغيظٍ: وأديك قابلت الوحش.

إنتِ يا ست هانم! بتعملي أيه؟!
أردف قُصي بتلك الكلمات في حنقٍ وهو يقف أمامها مُباشرة، حيث تمددت إلى الفراش وهي تحتضن دُميتها لتنظُر له بنظرة غاضبة وراحت تقول: عاوز أيه؟!
قِصي وهو يصر على أسنانه غيظًا: يا بنت الناس هو إنتِ متجوزاني انا ولا العروسة!
إعتدلت عنود في نومتها جالسةً. لوت شدقها بإمتعاض لتحتضن الدُمية أكثر إليها مُردفةً بثبات: أنا بحبها وباخدها في حُضني من زمان وما تقارنش ما بينكم.

قُصي وهو يجلس إلى طرف الفراش بجوارها: ربنا يخليكي ليّا يا قلبي، أكيد طبعًا أنا اللي هكسب!
عنود بنفي قاطع: لأ طبعًا. عروستي مش محتاجة فقاقة.
تنشق قُصي الهواء داخله بنفاذ صبرٍ ليمد يدهُ حتى أذني الدُميه وراح يشدها منها مُردفًا بغيظٍ: طيب هاتي بقى أُم العروسة دي بالذوق.

تشبثت بالدُميه موتًا وهي ترمقه بنظرة شرانية تحثه على تركها، ظلا يتشاجران ويشداها على الجانبين ووسط مُشاداتهما أصبحت رأس الدُمية القُطنية بين كفيه فيما جسدها بين كفيها هي. حدقت عنود إلى دُميتها بصدمةً ومن ثم تحولت ببصرها إليه وراحت تصرخ عاليًا بنبرة باكيةً: عاااااااااااا. عروستي!

جذبها قُصي إليه على الفور وراح يكتم صُراخها حتى لا يصل إلى مسامع الآخرين وبنبرة هامسة بجانب أذنيها: خلاص، خلاص. انا أسف هجيب لك واحدة غيرها وبلاش صويت.
هزّت عنود رأسها سلبًا وهي تُجاهد في نزع كفه عن فمها فيما أردف هو بنبرة مُترقبة: طيب بلاش أجيب لك واحدة غيرها. هخلي ماما حُسنية تخيطها لك.

أسرعت بهزّ رأسها سلبًا للمرة الثانية وراحت تُشير بسبابتها إليه ليقطب ما بين حاجبيه مُتسائلًا: مش فاهم، أنا أيه؟!

أبعد كفه عن فمها بتوجسٍ فيما أردفت ترمقه برفعة حاجبًا وظفر: إنت اللي تخيطها ليّ!
قُصي بنفي قاطع: نعم! انا ما بعرفش أخيط.
عنود بتحدٍ: يبقى هصوت ومش هسكت.
همّت بفتح فمها من جديد ليضغط عليه مُجددًا وراح يقول بنبرة مُغتاظة: هخيطها خلاص يا مُصيبة. بس وربنا ما هعديها لك.

مرّ أسبوعان كاملين. لم يمُر يومًا واحدًا دون مواقفهم الجنونية وانتقام كُل واحدة من رفيق دربها. عادوا جميعًا إلى القاهرة وبدأت التجهيزات لحفل الزفاف بعد فترة من عودتهم. حتى جاء ذاك اليوم الذي يوافق اليوم الرسمي لظهور نتائج الثانوية العامة لم يتلقيا فقط خبر سار واحد بل أصبحت الفرحة، فرحتين، أخذوا في اشعال الألعاب النارية في حديقة القصر وإنهالت المُباركات مُقسمة على عنود ومُراد بالتساوٍ حيث حصل مُراد على نجاح مُشرف بعد عام كامل من الجهدٍ والانفصام عن الواقع المُحيط به ليكتمل حلمه بتحقيق هدفه وحصوله على مجموع يؤهله إلى كُلية الهندسة وبجدارة، وعلى الجانب الآخر تلقوا خبر مولودٍ في طريقه إلى النور لتزيد العائلة فردًا حيث أصبحت عنود حاملًا في شهرها الأول...

مُنى وهي تضع أطباق الصودا الباردة وقطع الكيك أمامهم مُردفة بفرحة عارمة: ربنا يديم الفرحة على القصر. ودايمًا في زيادة ما ننقصش أبدًا.
الجميع يؤمن على دعوتها: أمييييين.
جلس قُصي يحتضن زوجته إليه ليلثم جبينها بسعادة لا مثيل لها مُقارنة بكُل ما مر به من جميل في حياتهُ، فاليوم هي لهُ وطفل يربطهما آملًا أن يشبهها. وهنا تابع بنبرة حانية متوجهًا بحديثه لها: أطلبي كُل اللي نفسك فيه، وفي ثواني تلاقيه.

عنود بإبتسامة رقيقة: ألبس فستان فرح مع إخواتي.
سالم بقهقهة سعيدة: بيقولك أطلبي وهو يستجيب. يعني استغلي الموقف وأطلبي حاجة من العيار التقيل. نفسك راضية زيّ (مامتك ) يا عنود كانت بسيطة وبترضا بأقل حاجة، ما خليتوش حاجة إلا وورثتوها عنها.

آسر مُردفًا بتساؤل: انا من رأيي بقى مافيش حاجة نأجل الفرح علشانها، وشايف ان بعد بُكرا مُناسب جدًا بما إننا مرتبين لكُل حاجة!

مُنى بتأييد: أنا مع آسر في رأيّه.
فداء وهي تُردف بتساؤل: لحظة طيب وهنعمل أيه في مشكلة البطالة اللي في القرية! حاولي يا عنود خلال اليومين دول تعيني كام واحد في الشركة عندك في أماكن مُختلف أهو نفك كرب ونساعدهم على تيسير المعيشه شوية وخصوصًا إن من اهم اسباب الزواج المُبكر عندهم، نقص الفلوس وانهم شايفين المهر هيرفع من مستواهم المادي لفترة ويحلوا بيه أزمتهم.

بيسان تؤيد فكرة شقيقتها: ياريت، بجد هتبقى خطوة حلوة جدًا وما تنسيش الستات اللي وقفت جنبنا في التصاميم.

وقف آسر في مكانه بثبات. تنحنح قليلًا قبل أن يستأذن بالذهاب مُردفًا: هستأذن انا علشان عندي مشوار مُهم وحجز شالية وتفصيل بدلة وبلاوي.
يامن بضحكة ماكرة: آه، ربنا معاك يا صاحبي.
جدحهُ آسر بنظرة جامدة فيما كتم قُصي ضحكته عندما فهم اللُغز بينهما ليميل على رأس فداء مُقبلًا جبينها بحنو: هكلمك بالليل بقى، وخلي بالك من نفسك.
فداء وهي تستشعر شيء ما من خلال نظراتهم لتوميء برأسها على مضض: ح حح حاضر.

( قاربت الساعة على الثانية عشرة مُنتصف الليل )، أسرع آسر بتسلُق الجدار وهو ينظُر حوله في ترقُب وتروّي. كان قُصي ينتظره خلف هذا الجدار بصُحبة فايز، حيث طلب منهما انتظاره بالخارج حتى لا يتأذيا إذا انكشف أمره فهو قادرًا على التعامُل...

مشى بخُطوات وئيدة ومحسوبة بذكاء حيث استخدم آلة حادة لفتح باب اليلا وما أن دلف للداخل حتى حدد وجهته على الفور مُنطلقًا إليه. تمكن عقب دلوفه إلى حجرة المكتب من افشال الرقم السري ببعض التقنيات الخاصة به حتى فُتحت الخزنة على مصرعيها. وهنا بدأ في جمع المال كُله دون أن يترك له جُنيهًا واحدًا يُعينه على الصدمة، انتهى من عمله ثم عاد من حيثُ آتى دون أن يشعُر به أحدًا وما أن تسلق الجدار مُجددًا حتى أردف قُصي بنبرة مشدوهة: خلصت؟

آسر وهو يغمز له بعينيه في ثقة: عيب عليك!، دا إحنا جامدين أوي.
ضيق فايز عينيه ثم أردف بنبرة مُتوجسة: إنت مُتأكد إن دي أول مرة تسرق فيها؟!
آسر وهو ينطلق معهما حيث السيارة: أه والله. قبل كدا كُنت باخد ورق ومُستندات مسروقة من حد وبرجعها لصاحبها. لكن فلوس، فربنا يغنينا من فضله. وعلى فكرة الفلوس دي أصلًا هو سارقها من ناس. هرجع لصاحبها حقه والباقي هسلمه ل دار أيتام هم أولى بيها. ثم إن سرقة الحرامي، حلال.

اُجريت الكثير من التحريات حول واقعة السرقة والتي تكلم عنها الكثير في تشفٍ وشماتة لهذا النصاب الكبير. كان (شُكري ) في حالة صدمة وقارب على أن يُصاب بالجنون. علمت فداء بما فعلهُ وكانت سعادتها لا تُوصف وقد منحت جميع هذه الأموال إلى دار الأيتام وأصحاب البطالة ليبدأوا بمشاريع صغيرة كدرجة صعود إلى مشروعٍ أكبر، حيّرت هذه القضية الضُباط العاملين عليها، حيث أردف أحدهم بيأس وهو يتوجه بحديثه إلى شكري نجيب: إحنا بنعمل اللي نقدر عليه وربنا يسهل، ولكن الموضوع دا ميؤس منه، الحرامي صايع أوي. ماسبش وراه هفوة واحدة توقعهُ. دماغ عالية وذكاء ما قابلناهوش في قضايا زيّ دي. أنا أنصحك تتنازل عن القضية لو مش عاوز شوشرة وناس تتبع أخبار زيّ ما قولت.

(ليلة حفل الزفاف )، إلحجووووووني!، ياما؟ عفاريت. عفاريت!
هتف مُصطفى بهذه الكلمات في فزعٍ وراح يختبيء خلف مُراد الذي وقف مُتجمدًا في مكانه وهو يفغر فاهه بريبة، فيما أطلقت عنود قهقهة عالية وهي تُردف بنبرة مُتعجلة تحثه على الهدوء: أهدى يا مُصطفى! هتبوظ لنا الخطة! وبعدين إحنا مش عفاريت. دا ميك أب من نوع فريد شوية.

مُراد وهو يبتلع ريقه خيفة: نوع ميك أب فريد، هو إنتِ مش شايفه نفسك؟! دا ميك أب زومبي!
فداء وهي توميء برأسها إيجابًا وبنبرة حماسية أردفت: ما دا إن شاء الله مقلب حلو للشباب.
مُصطفى وهو يطمأن لهن قليلًا ليردف بنبرة غاضبة: بس ديه مش مجلب! دا مش بعيد يغرجوا بناطيلهم وهم جاعدين في الفرح.
عنود بقهقهة خفيفة: يغرقوها يا مُصطفى، ماحدش غريب معانا. دي حفلة عائلية.

إلتفت مُراد ببصره إلى بيسان وراح يُردف بنبرة مصدومة: حتى إنتِ يا هادية يا كيوت؟!، أخويا عملك أيه!، علشان تقطعي خلفه. دا بيحبك.
بيسان بنبرة رقيقة لا تليق بمساحيق المومياوات التي تضعها على وجهها: بحط زيّ إخواتي.

في هذه اللحظة سمعوا طرقات خفيفة على باب الغرفة، ليسرعن بوضع الطرحة الخاصة بالفستان على وجوههن. دلف الثلاثة رجال إليهن لتتأبط كُل واحدة ذراع زوجها فقد عقد آسر قرانه عليها صباح يوم الحفل، ترجلوا خارج الغرفة تصطحبهم نظرات مُراد ومُصطفى المُشفقة عليهم، هبطوا الدرج بهدوء وسط الزغاريد الصادرة عن مُنى والسيدة حُسنية، ومن ثم جلسوا إلى المقاعد التي خُصصت لهم في مُنتصف بهوٍ القصر، إقترب آسر منها ثم همس لها بإستفهام: إنتِ حاطه الطرحة كدا ليه يا روحي؟!

فداء بإبتسامة شريرة: عملالك مُفاجأة
آسر وقد افتر ثغرهُ عن إبتسامة عريضة ليردف بفرحة: وانا بعشق مُفاجأتك.
قطب سالم ما بين حاجبيه بإستغراب ومن ثم هتف بهن بضيقٍ وتساؤل: إنتوا عاملين كدا ليه؟ أيه شغل الأفلام القديمة دا! شيلوا الطُرح دي حالًا.

أسرع الثلاثة برفع الطُرح عن وجوههن. لاحت كُل الأعين إليهن، تقهقر يامن في خطواته للوراء وكذلك فعل الباقية ليصرخ الجميع في صوت واحد: عااااااااااااا، يالهوووووووي...
أخذ الجميع يهرولون بعيدًا عنهن، يتخبطون من شدة الصدمة فيما رمقتهما مُنى بصدمة وراحت تسقط بين ذراعي حُسنية تُردف بخفوت قبل أن يُغشى عليها: عفاريت!
وهنا أطلق مُصطفى صُراخًا عاليًا: ياما. عفاااااريت.

إقترب منه مُراد ليقطب ما بين حاجبيه بشدوه وبنبرة ثابتة: إنت يابني مش لسه مصوت فوق، ولا هو فرح ابن العُمدة.
أسرع سالم إلى شقيقته يُحاول إفاقتها بعدما تفهم أن هذا مُجرد مقلب من بناته ليصر على أسنانه مُردفًا بسخطٍ: ماشي يا بنات سالم!
تلعثمت بيسان قليلًا قبل أن تلتقط منديلًا ورقيًا وتنزع عنها مكياچها مردفةً بريبة وهي تجد يامن يُحدق بها بفزعٍ: أنا أهوووو، دا مقلب. والله مقلب!

أغمض آسر عينيه وهو يقترب منها وراح يمسح وجهها بمنديلًا ورقيًا وهي يُردف بتوترٍ: أعوذ بالله من الخُبث والخباث.
فداء بضحكة عريضة: حلوة المُفاجأة!
أسرع آسر بمسح الخليط القاتل هذا عن وجهها ثم أضاف وهو يضغط على عينيه بنفاذ صبرٍ: جميلة أوي يا روحي، وياريت ما تتكررش!

قُصي مُردفًا بحنقٍ: دا الخُبث والخباث أرحم. أعمل فيكِ أيه دلوقتي!، أدفنك حية. كان على عيني بس إنتِ حامل.
عنود وهي تصرخ به بحنقٍ: ولو مش حامل هتدفني!
جدحها على الفور بنظرة نارية وراح يهتف بلهجة صارمة: لأ، بردو.
جمال بعد أن تدارك الأمر ليردف بهدوء عالية: خلاص يا شباب البنات بيتدلعوا عليكم ما حصلش حاجة!

صدرت قهقهات سعيدة عن الجميع، قام سالم بإلتقاط الكاميرا الخاصة به وبنبرة سعيدة أردف: يالا صورة تذكارية تجمعكم وانتوا بالأشكال الحلوة دي!

رحب الجميع بالفكرة كثيرًا. أسرعت عنود بالنهوض من مكانها في فرحة بينما جثى قُصي على أحد رُكبتيه وراح يُقبل بطنها في سعادة مُشيرًا إلى بيت جنينه القادم. فيما إلتقط آسر زوجته وألف ذراعه حول عُنقها وبكفه الآخر أشار إلى علامة المسدس وهو يوجهه صوب رأسها فيما مثلت هي مدى صدمتها من هذا. أما ثُنائي الكناري فقد أسرع يامن بحملها على عُنقه لتفرد ذراعيها في الهواء بسعادة غامرة، كانت وضعيات صورهم تُعبر عن شخصية كُل ثُنائي منهم فيأتي الحُب أولًا وجنونه يلحقه بنكهة تلونه وتبث الحياة في طرفي أي علاقة. لم يتراجع مُصطفى عن وضع اللمسة الخاصة به حيث أسرع بجذب مُراد ثم حمله بين ذراعيه ليهتف بنبرة عالية: بسرعة بجا يا عم الحچ سالم علشان الواد مُراد ديه، تجيل.

أطلق سالم قهقهة عالية وهو يلتقط الصورة على الفور ليتنهد بسعادة لا تُوصف وراح يُردف بنبرة حانية: وبكدا نقدر نقول (بنات العامري ) في إيد أمينة، علشان وقت ما لهفتي تاخدني ل حبيبتي أبقى صونت الأمانة. بالرفاءٍ والبنين.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة