قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع والعشرون

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع والعشرون

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع والعشرون

كان ياسين يشتعل من الغضب وهو يرى ابتسامة فتون الساحرة لهذا المدعو وليد، والذى يوجه لها حديثه الآن يذكرها بماضيهم سويا، عندما كان يهدم قلاعها الرملية فتلاحقه هي حتى يصيبها الإنهاك وتبكى ليشفق عليها وليد، ويجلسان سويا يعيدان بنائهم من جديد، و تلك المرة التى كسر فيها زجاج سيارة والدها وتلقت هي تقريعه بدلا من وليد، أو تلك المرة التى كتب لها في المدرسة كلمات الاعجاب على ورقة وحين قذفها بها، ارتطمت بالمعلمة لتقرأها ويحمر وجهها خجلا وهي تظن أن تلك الكلمات تخصها، لتضحك فتون بشدة وإلى هنا وكفى، لم يعد ياسين يحتمل، ليقول في عصبية:.

مش كفاية كدة بقى ونركز في شغلنا؟الوقت ضيق، ولا إيه ياأساتذة؟
ابتسمت فتون بداخلها تدرك سر عصبيته بينما نظر إليه وليد قائلا بارتباك:
آه طبعا، اتفضل يااستاذ ياسين، إعرض شروطك عشان نتمم الديل.

رمق ياسين فتون شذرا ثم وجه انتباهه إلى وليد ليشرح له كل شئ بهدوء وعملية، لتجد فتون نفسها مجددا ورغما عنها منبهرة به، لتنفض عنها ذلك الشعور وهي تشيح بوجهها لتغمض عينيها تستحضر صورة أختها ميسون في عقلها بصعوبة فقد ظهرت لها كصورة باهتة لتركز أكثر حتى ظهرت صورتها بقوة، صورة لفتاة جميلة ضاحكة، ذهبت ضحكتها للأبد بسبب ذلك الرجل ليمتلئ قلبها بالحزن وتمتلئ عينيها بالدموع ولكنها تمالكت نفسها بسرعة ثم فتحت عينيها مجددا وقد اختفت نظرة الاعجاب من عينيها، تماما.

هتيجى جون، والله هتيجى جون
قال فارس تلك الجملة في حماس ليقول مروان وهو يناور لاعب فارس:
بأمارة إيه بس؟ده أنا قافل عليك من كل ناحية.
قال فارس وهو يميل بجهاز التحكم في يده:
طب شوف كدة.
ليفاجئ مروان بإلتفاتة من لاعب فارس ثم تصويب على المرمى ليحقق هدف الفوز، ليترك فارس الجهاز من يده وهو ينهض ويقفز فرحا قائلا بسعادة:
كسبت، أنا كسبت.

لينظر إليه مروان متأملا إياه بحنان، يشعر بقلبه ينتفض من الفرحة لرؤية تلك السعادة على ملامح طفله، فارس، من كان يصدق أن هذا الطفل الجميل والذى لطالما تمناه له ولدا أن يصبح بالفعل كذلك، من كان يصدق أن لديه طفل بهذا العمر ومن حبيبته الوحيدة زينة؟حقا إنها نعمة كبيرة يجب أن يحمد الله عليها كل يوم، لينوى إن مد الله في عمره بعد أن يحقق انتقامه أن يذهب هو وزينة وولده فارس لآداء الحج وسيقوم بالبحث في شركته عن غير القادرين على آداء تلك الفريضة العظيمة وسيجعلهم يؤدونها على نفقته الخاصة، هذا أقل ما يمكنه فعله ليحمد الله على نعمه الكثيرة عليه.

أفاق من افكاره على صوت فارس يقول بحيرة وهو يجلس بجواره مجددا:
انت زعلت يا آنكل عشان كسبتك؟
نظر إليه مروان قائلا في حنان:
لأ طبعا، ايه اللى خلاك تقول كدة ياحبيبى؟
قال فارس بصوت خافت:
أصلك سكت خالص ومتكلمتش.
ابتسم مروان قائلا:
عشان فرحان بيك يافارس، والفرحة مخلتنيش عارف أتكلم، أنا كدة، لما بفرح بسكت.
ابتسم فارس قائلا:
أنا العكس خالص، لما بفرح بخلى الدنيا كلها تعرف إنى فرحان.

اتسعت ابتسامة مروان وهو يمد يده يبعثر مقدمة شعر فارس قائلا:
طالع لمامتك يافارس، ودى أحلى حاجة فيك.
نظر إليه فارس قائلا بصوت يملؤه الرجاء مما أوجع قلب مروان:
يعنى انت مش زعلان من ماما ياآنكل ومش هتودينا للشيطان اللى بيضرب ماما تانى؟
ضمه مروان على الفور يشعر بقلبه الآن يحترق، وهو يقول بألم:.

لأ يافارس مش زعلان ومستحيل هوديكم عند الشيطان ده تانى وماما محدش هيقدر يمس شعرة منها طول ما أنا عايش، وأي حد آذاها أو حتى، أوعدك إنى هنتقم منه ومش هسيبه أبدا.

ضمه فارس بقوة يشعر لأول مرة في حياته بالأمان هنا بين ذراعي هذا الرجل الغريب عنه ولكنه أصبح أقرب الناس إليه بعد والدته، ليبتعدا عن أحضان بعضهما عندما سمعا حمحمة قريبة منهما ليلتفتا سويا لمصدر الصوت يطالعان تلك الفاتنة الرقيقة والتى يعشقانها سويا، لينهض فارس مسرعا إليها ومحيطا خصرها لتضمه بين أحضانها بحنان بينما يتابعهما مروان بعشق، لتلتقى عيناه بعينيها في تلك اللحظة ليقرأ تلك الكلمة الصامتة في عينيها ورسمتها شفتيها متمتمين، أحبك، ليهمس لها بصمت عاشق، أحبك أكثر، فتبتسم تلك العينان اللتان سحرتاه من اللحظة الأولى، ولكنها تتذكر فجأة ماجاءت لتخبره به وأنساها إياه هذا المشهد الحان بين الأب وولده، لتقول في صوت استشعر فيه الغيرة فابتسم بداخله:.

مدام سوزى تحت وطالبة تقابلك.
ابتسم وهو ينهض قائلا:
تمام، كملى مع فارس لعب يازينة وانا هخلص مع سوزى وأرجعلكم.
أومأت برأسها قائلة وهي تجز بأسنانها:
تحت أمرك يامروان بيه.
ليهلل فارس وهو يتجه إلى مكانه باللعب، بينما إقترب منها مروان ومع كل خطوة تزداد دقات قلبها سرعة حتى أصبح بجوارها تماما ليهمس قائلا:
وحشتى مروان بيه يازينة هانم.

نظرت إليه فوجدته يرسل إليها قبلة في الهواء قبل أن يغادر الغرفة مبتعدا لتشعر زينة وكأنها قد عادت إبنة الثامنة عشرة مجددا، تشعر بالذوبان من نظرته، همسته بل من صورته حتى إن مرت بخيالها، لتفيق على صوت فارس وهو يقول:
إيه ياماما، واقفة كدة ليه؟مش هتيجى تلعبى؟
ابتسمت قائلة:
جيم واحد بس يافارس عشان ماما مش فاضية.
اومأ برأسه موافقا لتتجه إليه وتجلس بجواره تمسك بجهاز التحكم خاصتها، ليبدأ اللعب.

جلست فتون إلى جوار ياسين في السيارة لتجده متجهما فابتسمت بداخلها، تدرك انه غاضبا للغاية من تباسطها مع وليد بالداخل وابتساماتها له ومازاد الطين بلة، حين قام وليد بدعوتهما للعشاء وعندما كاد ياسين أن يرفض، أسرعت هي بالموافقة لتشعر أن ياسين على وشك الغليان، من عروق جبهته ورقبته النافرين، مد ياسين يده يدير المفتاح لتوقفه يد فتون فانتفض مبعدا يده عن يدها وهو ينظر لها لتقول بنبرة إعتذار مصطنع:.

خلاص بقى ياياسين، ميبقاش قلبك إسود، عايزنى أعتذر، تمام، أنا آسفة ياسيدى.
نظر إليها متجهما وهو يقول:
انتى عارفة الأول انتى بتعتذرى عن إيه؟
إلتفتت إليه وهى تهز رأسها نفيا قائلة:
لأ مش عارفة، بس حاسة انك زعلان منى وانى عملت حاجة ضايقتك، وبصراحة مش حابة اشوفك وانت كدة.
رفع حاجبه قائلا:
كدة اللى هو إزاي يعنى؟
عقدت حاجبيها وهي تقول:
مكشر كدة، لأ ياسيدى، أنا عايزاك زي الصبح.

لتقترب منه وهى تمسك وجنتيه بيديها الإثنتين تمطهما وهي تقول:
الابتسامة كانت من هنا لهنا.

ليتوقف الزمن عند تلك اللحظة، الوجهين متقاربين والأنفاس متداخلة والعيون مسحورة كل منهما يتيه بعيون الآخر، يشعر بأنه يغرق ولكنه لا يتألم ولا يختنق، إنه غرق لذيذ لتترك فتون يديها ببطئ من على وجنتيه بينما ينظر هو إلى كرز شفتيها بأنفاس محبوسة، يدرك تماما أن مذاقهما كالشهد ولكنه حتى الآن شهد محرم عليه، ليغمض عينيه بقوة ليتمالك نفسه عن قبلة كانت آتية لا محالة، بينما تراجعت فتون إلى مقعدها تشعر بالخجل، بالإرتباك، بمشاعر عديدة ومختلطة، فآن الأوان أن تعترف لنفسها بعد أن أنكرت كثيرا أنها أرادت قبلته وبقوة، لتتنازعها المشاعر مجددا ولكن تلك المرة كانت الغلبة لمشاعر أخرى أدركت أنها لم يعد في إمكانها نكرانها، لتشعر بالتيه، أفاقت من افكارها على صوت ياسين يقول في هدوء:.

انتى، يعنى، مش كنتى واعدانى بجولة في بيروت؟غيرتى رأيك ولا إيه؟
لتلتفت إليه تنظر إلى عينيه قائلة بارتباك:
آه، لأ طبعا مغيرتش، احم، إطلع بينا يلا؟
نظر إلى عمق عينيها وهو يقول:
على فين؟
قال قلبها (جهنم) وقال لسانها (الروشة).

دلف مروان إلى حجرة المكتب ليجد سوزى التى نهضت على الفور لدى رؤيته واقتربت منه تمد يدها إليه قائلة في دلال:
ازيك يامروان، عامل إيه؟
سلم عليها وهو يضغط على يدها ليقفز قلبها فرحا وهو يقول:
أنا تمام ياسوزى، وحشتينى.
قالت في لهفة:
بجد يامروان وحشتك، ولا بتجاملنى؟
مال عليها ينظر إلى عينيها مباشرة، تلفحها أنفاسه الساخنة وهو يقول:.

لو مكنتيش وحشتينى مكنتش قلتهالك، وبعدين مش معقول تكونى شاكة في جمالك ورقتك اللى ممكن يأثروا على أي راجل.
اقتربت منه أكثر وهي ترفع يدها تمرر أظافرها الطويلة المطلية بعناية على وجنته قائلة:
أي راجل في الدنيا إلا أنت، ياما تعبتنى وسهرتنى الليالى عشان أسمع منك الكلمتين دول وإنت ولا إنت هنا، وده اللى محيرنى يامروان، إشمعنى دلوقتى؟

أمسك مروان بيدها يقبلها في نعومة خلبت لبها وأطارت عقلها لينظر إليها مجددا وهو يقول:
أياميها كنتى مرات بابا وكان مستحيل أبصلك ولو كنتى ملكة جمال، إنما دلوقتى...
وترك جملته معلقة لتظهر السعادة على وجهها وهي تقول:
بجد فرحتنى بكلامك يامروان، لدرجة إنى حاسة إنى طايرة في السما.
إبتسم داخله بسخرية ولكنه قال في نعومة وهو يترك يدها مشيرا إلى المقعد المواجه لمكتبه قائلا:.

طب إنزلى على الأرض يابرنسيسة وأقعدى عشان نتكلم في الشغل، مبقاش فيه وقت.
ليتركها ويتجه إلى مقعده بينما قالت هي بإحباط:
نزلت ياسيدى، ها، قول اللى عندك.
جلس يبتسم قائلا:
مش أنا اللى عندى كلام أقولهولك، انتى اللى عندك قرار هتقوليهولى حالا، معانا ولا مش معانا؟
جلست قائلة:
معاكم طبعا.
أحس بالإنتصار ليقول بإبتسامة حقيقية:
كدة تمام أوى، يبقى هنمضى العقود بكرة في جحر الشيطان.
عقدت حاجبيها قائلة:
بكرة كدة علطول؟

ابتسم قائلا:
طبعا علطول.
ليشير إلى هاتفه القابع على مكتبه وهو يقول:
الناس لسة مكلمينى النهاردة وهيبعتوا البضاعة على آخر الأسبوع فلازم نكون جاهزين ونمضى معاهم العقود بكرة.
قالت سوزى بهدوء:
تمام، بكرة نتقابل ونمضى العقود، و...

قاطع كلماتها صوت طرقات على الباب ليسمح مروان للطارق بالدخول وهو يعرف هويته مسبقا، لتظهر فاتنته على الباب، ترمق سوزى بنظرة حادة بادلتها إياها سوزى لتتجاهلها زينة تماما وهي تنظر إلى مروان قائلة:
ممكن كلمة على إنفراد؟
رمقتها سوزى بغل بينما قال مروان ببرود:
تمام بس بسرعة، إنتى شايفة إنى في إجتماع مهم.

أحست سوزى بالإنتصار لترمق زينة بنظرة فوز تجاهلتها الأخيرة وهي تغادر يتبعها مروان الذى أغلق باب المكتب خلفه، لتقول زينة بغيرة واضحة:
يعنى مش كفاية قافل عليكم باب المكتب، كمان بتكلمنى بالطريقة دى أدامها.
قال مروان بأسف:
معلش ياحبيبتى إنتى عارفة كل اللى بعمله ده عشان إيه؟
زفرت زينة قائلة:.

وده اللى مصبرنى، المهم، أنا عارفة إنك من ساعة ماعرفت الحقيقة ومانعنى أشتغل في البيت بس دادة تحية تعبانة ولازم أساعدها، ممكن؟
رفع يده يمررها على وجنتها بحنان قائلا:
ممكن، بس لغاية ما أجيب شغالة جديدة تريحك وتريح دادة تحية، مفهوم؟
أومأت برأسها بابتسامة ليبتسم إليها بدوره قائلا:
إمشى بقى من أدامى دلوقتى قبل ما أتهور وأبوسك وسوزى تشوفنا وكل اللى بعمله يبوظ.
ابتسمت قائلة:
لأ وعلى إيه، الطيب أحسن، سلام.

وأسرعت تمشى من أمامه ليوقفها صوته المنادى بإسمها التفتت اليه بحيرة ليقترب منها بسرعة يمسك رأسها بيده آخذا شفتيها في قبلة حبست أنفاسها ثم تركها لتبتلع ريقها بصعوبة تشعر بقلبها تتقاذف دقاته ليربت على وجنتها بحنان يدرك قوة مشاعرها الآن وضعفها اللذان يشعر بمثيلهما في قلبه قائلا:
امشى يازينة، ياإما هجازف بكل حاجة ومش هيهمنى سوزى، أنا على أخرى.

أسرعت تغادر ليتابعها بعينيه في عشق، ثم مالبث أن إلتفت متجها إلى تلك الحية، ليدلف مجددا إلى الغرفة، حيث وجد سوزى جالسة تنظر إلى أظافرها المطلية بملل، فقال لها بهدوء:
أنا آسف، طولت عليكى بس دادة تحية تعبانة شوية وكنت بطمن عليها.
قالت سوزى بأسف مصطنع وهي تنهض متجهة إليه:
لأ، سلامتها الف سلامة يامروان، عموما أنا كنت ماشية حالا لإنى إتأخرت على ميعاد مهم، أشوفك بكرة.

لتميل عليه مقبلة إياه في وجنته، قبل أن تغادر ليمد يده في جيبه يخرج منديله ويمسح به آثار قبلتها في إشمئزاز ملقيا نظرة على هاتفه الذى تغير وضعه ليبتسم في سخرية، وإنتصار.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة