قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الخامس والعشرون

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الخامس والعشرون

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الخامس والعشرون

تطلعت فتون إلى المارة بهدوء ثم نظرت إلى فنجال قهوتها لتغمس طرف إصبعها الخنصر فيه ثم تتذوقه وهي تغمض عينيها إستمتاعا ثم تفتحهما وهي ترفع فنجال قهوتها إلى شفتيها ترتشف منه برقة، حانت منها في تلك اللحظة نظرة إلى ياسين الذى وجدته ينظر إليها بصدمة عاقدا حاجبيه، كادت أن تشرق ولكنها تمالكت نفسها وهي تنزل فنجالها من يدها قائلة في حيرة:
مالك ياياسين؟بتبصلى كدة ليه؟
قال ياسين دون وعي منه:.

الحركة اللى عملتيها دى.
قالت في حيرة:
حركة إيه؟
أشار إلى إصبعها الخنصر وهو يقول:
لما نزلتى صابعك في فنجال القهوة.
قالت بحيرة أكبر:
وفيها إيه دى؟
أغمض عينيه في ألم قائلا:
فكرتينى بواحدة كانت بتعمل كدة بالظبط.
ابتلعت ريقها في صعوبة وهي تقول:
والواحدة دى مين؟أختك؟
فتح عينيه وقد ظهر الألم بهما لتشعر فتون بالحيرة وهو يقول:
لأ مش أختى، بس هي كانت واحدة عزيزة علية أوى.
قالت فتون بأنفاس مختنقة:
كانت؟
أطرق برأسه قائلا:.

مع الأسف مبقتش موجودة معانا في الدنيا.
ليرفع إليها عينين تلمع فيهم الدموع لتشعر فتون بصدمة شديدة وهو يستطرد قائلا:
للأسف ماتت.
لم تدرى فتون سبب تلك الدموع الساكنة بعينيه، هل هي مزيفة أم أنها ناتجة عن ندمه الشديد، ترى هل قتلها بالخطأ وشعر بالندم بعدها، أم أنه فقط ممثل بارع؟هي حقا لم تعد تدرى.
قالت بحزن:
الله يرحمها.
اغمض ياسين عينيه ليتمالك نفسه ثم يفتحهما قائلا بصوته الرخيم:
الله يرحمها.

لينظر ياسين إلى عمق عينيها قائلا:
بتفكرينى بيها أوى يافتون، فيكى كتير منها.
أحست فتون بالخطر، تشعر بانه على وشك كشف سرها، لتحاول تغيير الموضوع وهي تلمح طفلا صغيرا يحمل باقة ورد فأسرعت تقول:
شايف الطفل اللى هناك ده؟
نظر ياسين بإتجاه ذلك الطفل ليومئ برأسه قائلا:
آه شايفه، ماله؟
نظرت إليه قائلة:.

كل ما بآجى هنا بشوفه، دايما كان في إيده الورد والبسمة على شفايفه، لكن لما بصيت جوة عينيه لقيت دمعة مستخبية، الدمعة دى من حزنه على والدته، مرة قعدته معايا وخليته يحكيلى، قاللى إنها مريضة وإنه بيشتغل عشان يساعدها، حاولت أديلو فلوس مرضاش، عزة نفسه مش قادرة أقولك أد إيه بتجنن رغم فقره، بقيت آجى مخصوص هنا عشان آخد منه كل الورد وأديلو فلوسه، دى الحاجة الوحيدة اللى قبل إنى أعملهاله.

نظر ياسين إلى نبرات صوتها الحانية الحزينة على حال الطفل الصغير وطيبة قلبها الظاهرة ليشعر بأنه يغرق أكثر في عشقها، ليقوم بالإشارة للطفل الذى جاء على الفور بإبتسامة مشرقة حين رأى فتون قائلا:
أهلا وسهلا ست فتون، طولتى الغيبة والله، نورتى المكان كلياته.
ابتسمت فتون قائلة:
ده نورك إنت ياجود.
نظر جود إلى ياسين قائلا:
وإنت يابيك نورت بيروت، إنت من مصر ما هيك؟
ابتسم ياسين قائلا:
هيك.
إبتسم الطفل قائلا:
أؤمرونى.

قال ياسين:
الحقيقة ياجود، أنا كنت بدور على عقد ورد عشان فتون ملقتش حد ممكن يعملهولى، تقدر تعملهولى إنت؟
قال جود في حماس:
طبعا يابيك، إذا بدك أنا بوصله لعندك
قال ياسين وهو يتظاهر بالحيرة قائلا:
مش هتعرف توصلى، طب هنعمل إيه؟أقولك، إدينى عنوانك وأنا ابعتلك واحد النهاردة ياخده منك، واللى تطلبه هتاخده، ها إيه رأيك؟
ظهرت الفرحة جلية على وجه الطفل وهو يقول:
تكرم عيونك يابيك، اكتب عندك العنوان.

ليخرج ياسين مفكرته ويدون بها العنوان، لتدرك فتون أخيرا ما يحاول فعله، تتساءل بحيرة شديدة عن طبيعة ذلك الرجل، والذى بداخله كل ذلك الذكاء إلى جانب ذلك الحنان وتلك الطيبة التى تعامل بها مع الصبي، قبل أن يأخذ منه الورد وينفحه مبلغا من المال ليغادر جود وقد ارتسمت على ملامحه السعادة جلية، ليلتفت ياسين إلى فتون قائلا:
النهاردة ياستى هيروحلهم فاعل خير وهيخلى مامته تتعالج على حسابه وبكدة مشكلة جود اتحلت،.

ليتنهد قائلا:
ياريت مشاكل الدنيا فلوس، مكنش هيبقى فيه حد مضايق أو زعلان.
نظرت فتون إليه في حيرة قائلة:
وإنت مشكلتك إيه ياياسين؟
نظر إليها لثوان يتأمل ملامحها الرقيقة قبل أن يزفر وهو يشير إلى قلبه قائلا:
مشكلتى ده، قلبى، مهوش مرتاح، أدامه الراحة ومش عارف يوصلها ولا قادر يطولها أو يقرب منها.
عقدت حاجبيها قائلة:
وإيه اللى مانعك؟
تراجع ياسين في مقعده قائلا:.

مش عارف، يمكن خايف أو متلخبط، يمكن حاسس بالذنب وعشان كدة مش مرتاح، يمكن ويمكن، بس الأكيد إنى تعبان، تعبان أوى يافتون.
أحست فتون بالألم، اذا هو الذنب، الذنب هو ما يعذب كليهما، فهو يشعر بالذنب لقتل أختها، وهي تشعر بالذنب لأنها أحبت قاتل أختها، تبا لذلك الإحساس البغيض، وتبا لذلك العشق الذى حملته بقلبها.

جلست سوزى أمام عدنان وهي تمنحه الفلاشة قائلة بغرور:
وآدى الفلاشة اللى عليها كل حاجة تخص فون مروان ياعدنان، قلتلك إنى هقدر أجيبها وبسهولة كمان.
قال عدنان وهو يأخذ الفلاشة منها:
متأكدة إن عليها كل حاجة ياسوزى؟
قغلت سوزى بثقة:
طبعا متأكدة.
إلتمعت عينا عدنان بإنتصار وهو يقول:
كدة تمام أوى، هتأكد من اللى عليها ولو اطمنت يبقى هنمضى العقد وبكدة هنعلى أوى في السوق ياسوزى، أنا ممكن أعتزل خالص بعد الصفقة دى.

التمعت عينا سوزى قائلة:
وانا كمان هعمل القرية السياحية اللى نفسى فيها.
نظر إليها عدنان قائلا:
هو لسة مصمم يدخلك شريكة معانا ياسوزى؟
قالت سوزى بحدة:
وانت عندك مانع ياعدنان؟
ابتسم عدنان ابتسامة شيطانية مثله وهو يقول:
لأ طبعا ياحبيبتى، إيه اللى هيخلينى أرفض بس؟
نظرت إليه سوزى قائلة بسخرية:
المليارات اللى هاخدها واللى أكيد كنت هتبقى عايزها لوحدك.
اتسعت ابتسامته الخبيثة قائلا:
وأنا وانتى إيه ياسوزى، مش واحد؟

تراجعت سوزى في مقعدها وهي تضع قدما فوق الأخرى قائلة:
مش عارفة ياعدنان، قول إنت.
مال ينظر إلى عينيها وهو يقول بغمزة:
تحب أثبتلك وحالا على المكتب ده، إن احنا واحد ياسوزى.
انطلقت ضحكتها لتقول بعدها:
مفيش فايدة فيك ياعدنان، دماغك دايما شمال.
ابتسم عدنان قائلا:
وماله الشمال، ماهو اللى معيشنا في العز ده كله، المهم خلينا في الشغل.

قام بالضغط على زر، ليسمع بعدها طرقات على الباب فيسمح للطارق بالدخول فإذا به هارون الذى قال بهدوء:
تحت أمرك ياعدنان باشا.
أشار له عدنان بالتقدم ليمد يده إليه بالفلاشة قائلا:
الفلاشة دى تتفرغ حالا وتتأكدوا من كل المعلومات اللى عليها، ولما تتأكد تدينى الأوكيه في خلال ساعة بالكتير.
تناولها منه هارون وهو يعقد حاجبيه قائلا:
مش هنلحق ياباشا.
طرق عدنان المكتب بقبضته في قوة وهو يقول:.

لما أقول ساعة تبقى هي ساعة، ولو مش هتقدر عليها ياهارون، أجيب اللى يحل محلك ويقدر عليها، مفهوم؟
جز هارون على أسنانه وهو يتمالك نفسه من غضب اشتعل بأحشائه قائلا:
مفهوم ياباشا، عن إذنكم.
وغادر الغرفة لتقول سوزى:
تؤ تؤ، مش كدة ياعدنان، هارون مساعد شاطر جدا وانت كدة هتخسره.
أشار عدنان بيده بلا إهتمام قائلا:.

هارون واللى زيه كلاب، موجودين في كل حتة، يغور واحد، ييجى عشرة، المهم أنا عايزك بكرة بعد مانمضى العقد مع مروان تبقى زي ضله، عينك متنزلش من عليه أبدا، مفهوم؟
أومأت برأسها في هدوء غافلين عن أذنين سمعت حديثهم وأدرك صاحبهما أنه بلا قيمة عند رب عمله، وأنه يجب أن يتخذ خطوة تجاه ذلك، ولكنه فقط سينتظر الوقت المناسب.

كانت دارين تسير خلف نبيل الذى سبقها بخطوة، تتساءل في حيرة عن سر عصبيته الشديدة اليوم، حتى إنه لم يتطلع إليها ولو لمرة واحدة لتنتابها الشكوك مجددا حول مشاعره تجاهها وها هما الآن في مرآب السيارات الخاص بشركة ذلك المدعو توفيق، لتلتمع الفكرة في رأسها فجأة وتتساءل أهذا ما يؤرقه، ذهابهما إلى توفيق؟، أكان من المفترض أن تقول له أنها لا تزد الذهاب معه؟لتقول بسرعة ودون تفكير:
نبيل!

إلتفت إليها فجأة فإصطدم بها وكادت أن تقع ليسرع بإسنادها لتقع بين ذراعيه تغمض عينيها بقوة تتناثر خصلاتها على وجهها في صورة خلبت لبه ليرفع يده يزيح خصلاتها خلف أذنها لتفتح عينيها ببطئ لتقابل عينيه اللتان تاهت في ملامحها، ابتلعت ريقها بصعوبة، وهي تتأمل ملامحه بدورها لتذوب كلية حين مرر يده على وجنتها قائلا بهمس ملئ بالمشاعر والتى ظهرت جلية في عينيه ونبراته:
مش تاخدى بالك يادارين.
قالت بتيه:
أنا، أنا...

تأمل شفتيها الجميلتين قائلا:
انتى إيه؟
حبست أنفاسها وهي تشعر بأن قلبها على وشك الإنفجار، لتغمض عينيها ثم تفتحهما مجددا وهي تعتدل ثم تبتعد عن مرمى ذراعيه ليتركها على الفور وهو يفيق بدوره من تلك المشاعر التى تملكته، لتقول هي بتوتر وهي تفرك يديها:
أنا مش عايزة أحضر الاجتماع ده.
تأمل ملامحها بهدوء قائلا:
ليه يادارين؟
نظرت إلى عينيه قائلة:.

لإنى مش حابة البنى آدم ده ومش برتاح لنظراته لية، والأهم إنك بتزعل لما بجامله حتى بابتسامة باردة وأنا مش عايزاك تزعل منى.
تأمل ملامحها قائلا:
ويهمك اوى زعلى يادارين؟
قالت في لهفة:
أكيد.
لتجده يبتسم فتطرق برأسها خجلا قائلة:
قصدى، يعنى، انت رئيسى في الشغل وأكيد مش هحب إنك تكون زعلان منى.
لتتسع إبتسامته وهو يرفع حاجبه قائلا:
رئيسك؟ماشى يادارين.
ليمسك يدها يتجه بها عائدا إلى السيارة لتقول بحيرة:.

انت رايح بينا على فين؟
قال وهو يضغط ذلك الجهاز في يده لتفتح السيارة:
هوصلك الشركة وأرجع تانى.
توقفت دارين مكانها ليتوقف نبيل بدوره ينظر إليها وهي تقول:
وليه بس تتعب نفسك، أنا ممكن أروح لوحدى على فكرة.
مال عليها قائلا:
وأنا مش هسيبك تروحى لوحدك، هوصلك.
نظرت إليه بحيرة قائلة:
بس إنت كدة هتتأخر على ميعادك مع توفيق.
إبتسم وهو ينظر إلى عمق عينيها قائلا:
مش مهم، المهم إنى أبقى مطمن عليكى يادارين.

حبست أنفاسها من كلماته التى جعلت قلبها ينتفض من السعادة، ليمرر يده على وجنتها قائلا بابتسامة:
هنفضل واقفين كدة كتير؟

أطلقت سراح أنفاسها وهي تترك يده متجهة إلى مقعدها بسرعة تضع يدها على وجنتيها التى اشتعلتا من الخجل يتابعها نبيل بعينيه قبل أن يتنهد وهو يتجه بدوره إلى مقعد القيادة، يشعر بأنه لن يستطيع الابتعاد عنها أكثر من ذلك، هو يحبها، يعشق تفاصيلها، يريدها في حياته وبقوة، ولكن يظل انتقامه من أخيها الحائل الأكبر بينهما، ولا سبيل لتفادى مرارة الفقدان.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة