قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

وقفت زينة أمام المرآة تتأمل شفتيها المنتفختين بشرود، مدت يدها تتلمسهما برقة، تتذكر كيف اجتاحهما مروان، والشعور الرائع الذى شعرت به يغمرها مع قبلته لتنفض أفكارها بعنف، ترفض مسارهم والذى يعيدها مجددا لقصة حب دمرت حياتها، فلم تعد قادرة على تحمل تبعات مشاعرها والتى ستودى بها إلى نهايتها، ولكن تلك المرة سيكون على فارس أن يواجه تلك النهاية معها، لذا يجب أن تقسى قلبها وأن لاتستسلم له مجددا، يجب ان تتعامل معه بكل برود، يجب أن تفعل ذلك، وإلا فلن تستطيع وقف طوفان مشاعرها والذى يهدد بالقضاء عليها تلك المرة نهائيا.

بحث ياسين بعينيه عن فتون فلم يجدها بين الحاضرين الى مكتبه تلبية لدعوته والذى دعا فيها رؤساء الشركة نبيل وفتون الى جانب محاميهم للاتفاق على البنود وتوقيع العقود، انتبه نبيل لتلك النظرات فابتسم خفية يدرك أن قرار فتون في اللحظة الأخيرة بعدم الحضور كان صائبا مائة بالمائة وأن عدم وجودها قد يدحض شكوك ياسين حول لهفتهم لإبرام ذلك العقد، ليسرع قائلا:.

فتون بتعتذر عن عدم حضورها النهاردة، الحقيقة احنا كنا مرتبطين بميعاد تانى ولما حددت حضرتك الميعاد ده اضطر حد فينا يروح و يعتذر شخصيا عن عدم الحضور، عموما على ما نراجع البنود مع المحاميين، هتكون هي على وصول عشان تمضى معانا العقد،.

أومأ ياسين برأسه يقاوم ذلك الاحساس بالفضول تجاه من ذهبت اليه فتون لتعتذر منه شخصيا، من ياترى قد يكون بهذه الأهمية لديها لتفعل ذلك، أتراه يكون عدنان؟أحرقته النيران فهو يدرك أن عدنان ضعيفا جدا أمام السيدات الجميلات ذوات المكانة الهامة في المجتمع، ربما يحاول الآن أن يضمها لقائمة نسائه، ياالله فيم يفكر الآن؟أوهام نسجها عقله وكلها تدور حول فتون؟ماالذى يحدث له؟لقد جن حتما خاصة وشعور بخيبة الأمل يجتاحه الآن لعدم وجودها في ذلك الاجتماع وحضورها الذى سيكون لدقائق معدودة في ختامه كي تمضى العقود، نعم بالتأكيد قد جن تماما.

كان مروان يجلس على كرسي مكتبه يحاول التركيز على خطته الانتقامية والتى لم يفكر فيها منذ وطئت اقدام تلك المرأة منزله، فأصبح كل ما يفكر فيه هو ذكرياتهم سويا، ليس هذا فحسب بل وجودها حوله يفقده تركيزه تماما يجعله دائم التساؤل عما تفعل الآن؟وفيم تفكر؟وحين يلمحها هنا أو هناك تتنازعه رغبتان، احداهما الاستسلام لمشاعره الخائنة والهروع اليها يضمها بين ذراعيه يشبع ظمأه اليها، والأخرى رغبته في الانتقام منها ليشفى غليله فمن المفترض أن تكون بالنسبة اليه كعدنان وسوزى تماما، ولكن في الواقع هي ليست كذلك، فهي الوحيدة من بين أعدائه من كان لها مكانة خاصة في قلبه لم يصل اليها غيرها،.

رفع يديه يتلمس شفتيه يتذكر قبلتهما سويا، مازال يشعر بها، يتذوقها، يشتاق إلى تكرارها مرارا حتى يشعر بأنه اكتفى منها، وأنه شفي من ادمانها، نعم فهي كالإدمان بالنسبة إليه، يعلم أنها سامة، ضارة بالنسبة إليه حد الموت ولكنه لا يستطيع الابتعاد عنها، إلى جانب وجود ذلك الطفل، فارس، لا يدرى كيف احتل هذا الصغير قلبه بتلك السرعة، ربما لأنه طفل رائع حاد الذكاء، أو ربما لأنه قطعة منها كان يتمنى أن تكون منه ايضا، أغمض عينيه ألما يتساءل، ترى من أي الرجال في حياتها أنجبت ذلك الصبي؟

فتح عينيه بسرعة يمسح دمعة تسللت منها حين تناهى الى مسامعه صوت طرقات على الباب، أمر الطارق بالدخول وهو يعتدل، ليتفاجأ بأنها زينة، كانت تدلف الى الحجرة تمسك بصينية عليها فنجال قهوة تسللت اليه رائحتها على الفور لتذكره بتلك القهوة التى كانت تعدها له خصيصا، تلك القهوة التى لم يعد يحتسيها بعد أن خرج من المعتقل فمذاق أي فنجال قهوة في فمه لا يصل أبدا الى ذلك المذاق الذى اعتاد عليه من يديها، اقتربت منه تحت نظراته المتفحصة لها، كانت مطرقة الرأس هادئة على غير طبيعتها، وضعت الصينية على المكتب في هدوء ثم التفتت تنوى المغادرة حين استوقفها صوته وهو يقول بصرامة:.

ممكن أعرف هو ايه ده؟
التفتت اليه تنظر الى عينيه مباشرة في دهشة قائلة:
هيكون ايه يعنى؟فنجال قهوة.
عقد حاجبيه قائلا في حدة:
ما أنا عارف انه زفت فنجال قهوة، هو أنا أعمى مثلا؟.
ليأخذ نفسا عميقا يهدئ به انفعاله وهو يقول بهدوء:
أنا مبشربش قهوة ودادة تحية عارفة كدة، وبعدين تجيبيهالى انتى ليه، ها؟
نظرت اليه بارتباك قائلة:.

أنا بدأت أساعد دادة تحية في شغل البيت من النهاردة، وهي نبهتنى فعلا انك مبتشربش قهوة بس اللى أنا أعرفه انك، يعنى، كنت بتشربها، فلما طلبت منها شاي قلت من باب التغيير أعملك قهوة، إنت شربت شاي كتير النهاردة.
نهض مروان واقترب منها بملامح جامدة أثارت اضطرابها وما ان وقف أمامها تماما حتى قال في برود:.

محدش طلب منك تشتغلى في البيت هنا أو تساعدى حد، ومحدش كان خلاكى وصية علية عشان تقوليلى أشرب ايه ومشربش ايه، منتيش مراتى ولا حتى عشيقتى، انتى يادوب واحدة جبتك بيتى عشان ابنك صعب علية يفضل هربان من عدنان وفى الآخر يلاقيه ويعاقبه بسبب واحدة أنانية زيك.
اطرقت برأسها لثوان تخفى أثر الألم الذى أصابها من جراء كلماته الجارحة، لتعود وترفع اليه عينان جامدتان خاليتان من المشاعر وهي تقول:.

متعودتش حد يكون ليه فضل علية وبما انك مرضيتش أقدملك خدماتى في مقابل حمايتك لينا، قلت أدور على حاجة تانية أدفعلك بيها تمن حمايتك، ملقتش أدامى غير الشغلانة اللى عرفتنى وأنا بشتغلها، الخدمة في البيوت، ويا ترضى أساعد دادة تحية ياهخرج أشوفلى أي شغلانة برة، واللى يحصل يحصل.
ثم اشارت الى جسدها وهى تستطرد قائلة:
وأظن انى هلاقى ألف مين يشغلنى.

ظهرت ملامح الغضب على وجه مروان وبرزت عروق رقبته من شدة انفعاله، ورفع يده ليصفعها فأغلقت عينيها بشدة تنتظر ألم تلك الصفعة، ولكنها انتظرت وانتظرت ولم تأتى صفعته لها، فتحت نصف عين تنظر اليه فوجدته قد عاد الى مكتبه يعطى لها ظهره ويستند بكلتا يديه على المكتب تبدو مفاصل أصابعه بيضاء من قوة ضغطه عليهم وكأنه يسيطر على نفسه بصعوبة، فتحت كلتا عينيها على صوته وهو يقول بصرامة:.

روحى اشتغلى مع دادة تحية زي ما انتى عايزة بس ياريت متورنيش وشك اليومين دول والا صدقينى، هتندمى يازينة.
التفتت تغادر بسرعة تدرك مدى غضبه الذى تصلها ذبذباته رغم بعده عنها ولكنها ما لبثت ان توقفت بجمود حين سمعت صوته يقول بصرامة:
استنى.
التفتت ببطئ لتراه ينظر اليها وقد عاد اليه قناع الجمود مجددا وهو يمسك فنجال القهوة يسكب محتوياته في سلة القمامة المجاورة للمكتب وهو يقول:.

زي ما النهاردة برمى القهوة دى في الزبالة، في يوم قريب هرميكى زيها، وده وعد منى يازينة.

أدمعت عيناها رغما عنها، فغامت تلك العينان الرماديتيان الجميلتان، فتحت فمها لتقول بألم(لن تكون أول مرة تلقينى في سلة مهملات حياتك ولكننى أعدك أنها ستكون الأخيرة)ولكنها أطبقت شفتيها بقوة والتفتت مغادرة المكان بسرعة ليغمض مروان عينيه بألم ليعود ويفتحهما مجددا ينظر الى فنجال قهوته بضعف، بحنين يغمره، وجد نفسه رغما عنه يمد يده ويمسكه، يقربه من أنفه، يغمض عينيه وهو يشم رائحة القهوة الجميلة بشغف، ليرفعه الى شفتيه يرتشف آخر رشفة ظلت به، يغلق فمه على مذاقه الذى أعاده سنوات الى الوراء، الى أول فنجال قهوة تذوقه من يديها وقتها استوقفها قبل أن تغادر قائلا:.

انتى حطالى ايه في القهوة دى؟
نظرت اليه ببراءة ودهشة قائلة:
محطيتش حاجة يا مروان بيه، القهوة والمية وبس.
قال بخبث:
يعنى محطتيش حاجة تانية غير القهوة والمية.
قالت في نفي سريع:
آه والله، أنا عارفة انك بتشربها سادة.
ابتسم قائلا:
يعنى محطتيش صابعك فيه؟
قالت باستنكار:
لا طبعا، وأحطه ليه بس؟
اقترب منها ليمسك يدها يرفعها أمام ناظريه وهو يتأمل اصابعها الجميلة بعينيه يقول هامسا بشغف:.

أصلها مسكرة اوى فقلت أكيد صوابعك الحلوة دى لمستها.
اتسعت عينا زينة وهي تنظر اليه بدهشة فقد كانت تلك هي المرة الأولى التى يعبر فيها مروان عن اعجابه بها، لتفلت يدها من يده وتسرع مغادرة تتبعها ابتسامته التى اتسعت في اعجاب.

فتح عينيه ينفض تلك الذكرى بعيدا يشعر بالغضب من نفسه لضعفه تجاهها، مازالت تنفذ الى أعماقه، مازالت في كيانه تقبع، مازالت تؤثر فيه، قذف ذلك الفنجال ليرتطم بالحائط بقوة متحطما الى مئات الشظايا لينظر بحزن الى أجزائه المكسورة كروحه تماما.

رن هاتف سوزى لتنظر الى شاشته فوجدته رقما غريبا، عقدت حاجبيها المنمقين بتساؤل ثم ما لبثت أن أجابت الهاتف قائلة في هدوء:
ألوو.
أجابها صوت رخيم يقول بشوق:
وحشتينى ياسوزى.
ازداد انعقاد حاجبيها وهي تقول:
مين معايا؟
قال صاحب الصوت في هدوء:
تؤ تؤ، مش معقول يا قطة، نسيتى صوتى؟
التمعت عينا سوزى وهي تقول:
عدنان، مش معقول؟
رنت ضحكاته ليقول من بينهم:
لأ معقول ياقطة، أخبارك ايه؟
ابتسمت سوزى قائلة:.

أحسن منك، ايه اللى فكرك بية ياعدنان؟
التمعت عيناه اعجابا وهو يقول:
وأنا من امتى نسيتك بس؟
قالت سوزى في عتاب:
لأ نسيتنى ياعدنان، سنتين مشفتكش ولا رفعت التليفون وكلمتنى، قطعت كل اتصال بينا، تبقى نسيتنى ولا لأ؟
ابتسم عدنان قائلا:
وانتى مكلمتنيش ليه ياسوزى لما أنا قطعت زي ما بتقولى؟
وضعت سوزى قدما فوق الأخرى وهى تتراجع في مقعدها قائلة بغرور:.

مش سوزى المنشاوى اللى تتصل بحد ياعدنان، انت نسيت انا ابقى مين ولا ايه؟
تعالت ضحكات عدنان ليقول بعدها:
تعرفى اكتر حاجة بحبها فيكى ايه ياسوزى؟
صمتت سوزى ليستطرد هو قائلا:
غير انك حلوة أوى وذكية أوى، بس ثقتك بنفسك أكتر حاجة بحبها فيكى.
زفرت سوزى قائلة:
عايز ايه ياعدنان؟قول وخلصنى.
ابتسم عدنان قائلا:
عايز أشوفك.
قالت سوزى في برود:
طب ما تيجى.
اتسعت ابتسامة عدنان قائلا:.

مش هينفع اخرج اليومين دول من البيت أصلى مستهدف ياقطة، تعالى انتى في مكانى السرى.
قالت سوزى في استنكار:
انت عايزنى آجى جحر الشيطان.
ضحك عدنان ثم قال:
انت عرفتى اسمه كمان.
قالت سوزى بثقة:
مش معنى انى بعيدة يبقى معرفش كل حاجة عن كل حبايبى، أنا برده سوزى ولا نسيت ياعدنان؟
ابتسم عدنان قائلا:
منسيتش ياسوزى بس انا مش واحد من حبايبك، أنا كنت أعز الحبايب، يظهر انتى اللى نسيتى، عموما أنا مستنيكى ياسوزى عشان أفكرك.

قالت سوزى في ملل:
خلاص ياعدنان، جاية، سلام
ثم أغلقت الهاتف وألقته على الطاولة لتنظر الى الأمام قائلة في حيرة:
ياترى ايه اللى فكرك بية ياعدنان؟، عموما ياخبر بفلوس بكرة هيكون ببلاش.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة