قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

دلفت فتون الى مبنى الشركة بخطوات تبدو لناظريها واثقة بل تكاد تصل الى الغرور، ولكن لمن يعرفها جيدا سيلاحظ توترها الشديد من خلال احكامها غلق قبضتها على حقيبتها، فلقد كانت تجلس في سيارتها لمدة طويلة تنتظر اتصالا من نبيل ليجيئها هذا الاتصال منذ قليل، يخبرها أنهم قد اتفقوا على بنود العقد ولم يبقى سوى التوقيع وأن تحضر الى الشركة على الفور كي توقع العقود، وبالطبع هنأها نبيل على اقتراحها بعدم الحضور متعللين بذلك الميعاد الذى كانوا مضطرين لالغاءه في اللحظة الأخيرة، فقد قضي ذلك على أي أثر لشك قد سكن في قلب ياسين تجاههما، لا يعلم نبيل أنها ما لجأت لتلك الكذبة لدحض شكوك ياسين تجاههم، بل على الأحرى لتستطيع تمالك مشاعرها فمنذ الصباح وهي قلقة للغاية من لقائها بياسين، لذا احتاجت فقط بعض الوقت لتعود السيطرة مجددا لتلك الفتاة التى أقسمت على أن لا يهدأ لها بال حتى تجعل قاتل أختها ذليلا لها ليتمنى الموت على يدها ولا يجده، لتعود تلك التى لا تبغى شيئا في الحياة سوى انتقاما مشتعلا يليق بمصابها.

دلفت الى المصعد متجهة الى مكتب ياسين وقد امتلأ قلبها عزما على المضي في مخططها، طرقت الباب بهدوء ثم دلفت لتجد تلك الفتاة المتحذلقة والتى لا تطيقها جالسة على مقعدها خلف المكتب، لم تنبت فتون بكلمة وهي تنظر اليها ببرود، لتنهض الفتاة ثم تتجه الى ذلك الباب الجانبى والخاص بياسين تطرق بابه بهدوء ثم تدلف معلنة عن وصول فتون ثم تتنحى لها جانبا وتدلف فتون الى الحجرة تتأمل في هدوء أولئك الحاضرين و الذين وقفوا تحية لها، لتبتسم محيية إياهم برأسها حتى استقرت نظراتها على ياسين، شعرت برجفة في قلبها من تلك النظرات الباردة والتى حدقها بها، رسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقترب منه قائلة بأسف مصطنع:.

آسفة لو اتأخرت عليكم، بس الطريق كان زحمة جدا في وسط البلد.
أومأ ياسين برأسه متفهما وهو يقول:
محصلش حاجة يامدام فتون، اتفضلى اقعدى.
شابت ابتسامتها بعض السخرية وهي تقول:
آنسة فتون، وبعدين احنا مش قلنا بلاش الألقاب، احنا خلاص هنبقى شركا، ولا ايه؟

اومأ برأسه موافقا دون أن ينطق بكلمة، وهو يتجنب النظر إليها، جلست على المقعد المواجه لمكتب ياسين بهدوء تضع قدما فوق الأخرى، فاقترب منها محامى الشركة في تلك اللحظة يتأملها في اعجاب، ثم يمد يده اليها محييا وهو يقول:
ألف مبروك يافتون هانم، دى أول مرة أشوف حضرتك بس سمعت عنك كتير، احنا أكيد اتشرفنا بانضمامكم لينا.
ابتسمت فتون وهى تمد يدها بدورها تسلم عليه قائلة:
الشرف لينا أستاذ...

وتركت جملتها معلقة ليسرع المحامى بالتعريف عن نفسه قائلا:
محمود شاكر محامى الشركة.
أخفت ابتسامة داخلية عندما سمعت صوت ياسين وهو يقول بحدة:
ياريت نمضى العقود بسرعة ومنضيعش وقت ياأساتذة.
نظر إليه الجميع بدهشة من حدته ليشعر بالارتباك، ويقول متلعثما:
أنا، أنا، يعنى ورايا مواعيد تانية وبالشكل ده هتأخر عليهم.
التفتت اليه فتون تقول بنبرة آسفة مصطنعة:.

آسفة لتانى مرة ع التأخير، وأكيد مش هنأخرك أكتر من كدة على مواعيدك ياياسين.
أغلق ياسين أهدابه يخفى نارا تأججت بعيونه، فحتى طريقة نطقها لإسمه تشبهها كثيرا، ياالله، يبدوا أنه سيتعذب كثيرا، فلكي يستطيعوا تقوية مكانة شركتهم في السوق، حتى يستطيعوا التغلب بها على شركة الشيطان سيكون عليه أن يتعامل طويلا مع تلك الفتاة التى تذكره بها كثيرا، تذكره بحبيبته ومعذبته ميسون.

تناهى الى مسامع مروان صوت ضحكات تأتى من الحديقة، عقد حاجبيه وهو يميز صوت تلك الضحكات، يدرك أنها لها لتتسارع دقات قلبه على نبراتها الضاحكة، نهض مقتربا من النافذة لينظر الى مشهد خلب لبه ووجد رغما عنه ابتسامة تسللت الى شفتيه، كان فارس يمسك يد زينة يحاول أن يقنعها بالنزول الى الماء ولكنها كانت ترفض ليميل فارس ويحمل بعض الماء بين يديه، يقذفه باتجاهها فتتعالى ضحكاتها، كانت اشارات فارس تنبأه بأنه يحاول اقناعها بالنزول الى الماء وإشاراتها ترفض رفضا قاطعا، يعلم تماما سبب رفضها فقد أخبرته في احدى الليالى عن موت شقيقها غرقا وكم كانت مرتبطة بأخيها، حتى أصبح لديها عقدة مرضية تجاه الماء، لدرجة أنها عندما تستحم لا تغمر نفسها أبدا بالماء وتختنق بسرعة اذا سكبت الماء بكثرة على رأسها، ليقسم في نفسه وقتها أنه يوما ما سيقضى على تلك العقدة لديها وسيعلمها بنفسه السباحة، ابتسم في سخرية من نفسه، كم كان ساذجا في حينها.

أفاق من أفكاره في هلع على مرأى فارس يجذب يد زينة بشدة فتقع في الماء ليتعالى صريخها، أسرع بالخروج من المكتب مهرولا، و متجها الى حمام السباحة بسرعة البرق، ليقذف بنفسه في الماء بملابسه دون تفكير يقترب منها بسرعة ويحملها من خصرها لتضع يديها حول رقبته تتمسك به بشدة، هاله وجهها الذى تحول لونه الى الأزرق وشفتيها اللتان ترتعشان رغم أن المياه لم تكن عميقة ابدا ولكن لابد وأن يكون ذلك من تأثير خوفها المرضي، لم تنطق سوى اسمه بنبرة ضعيفة ليجد نفسه يضمها الى صدره بشدة، يغمض عينيه، وهو يمرر يده على شعرها المبتل بحنان يقول بهمس:.

انتى كويسة يازينة، كويسة ياحبيبتى.

ليهدأ ارتجافها رويدا، حتى توقفت عن الارتجاف تماما وسكنت حركتها ليدرك أنها قد أغشي عليها، حملها بين يديه بسرعة وهو يتجه الى السلم يصعد الى خارج المياه لتقع عيناه في تلك اللحظة على فارس الذى شحب لونه وظهرت عليه الصدمة ليشعر بما يعانيه ذلك الطفل الرقيق المحب لوالدته والذى ربما يشعر الآن بالذنب لما تعانيه هي، ليغير وضعية حملها ويحملها على كتفه وهو يمد يده الى فارس قائلا في حنان:
تعالى معايا يافارس.

نظر فارس الى يد مروان الممدودة اليه بنظرات زائغة ليكرر مروان طلبه ولكن بنبرة أكثر صرامة لتستقر نظرات فارس على يد مروان ويمد يده اليه بدوره ليتمسك بها مروان وهو يأخذه معه الى خارج حمام السباحة يسرعان بخطواتهما الى داخل الفيلا لتقابلهم دادة تحية على الباب وقد اصابها الفزع من مظهرهم لتقول بقلق:
خير ياسى مروان، مالها زينة.
قال مروان بسرعة:
تعالى معايا يادادة على أوضتها بسرعة.

اومأت تحية برأسها وهي تتبعهم بخطوات سريعة ليدلف مروان الى الحجرة ويترك يد فارس ثم يضعها على السرير برقة، أسرع الى طاولة الزينة وأحضر عطرا ونثره على يده ثم مرره على أنفها لتتململ زينة ويبدو انها على وشك الاستيقاظ، أحس مروان بالارتياح وهو يراها تفتح عينيها الجميلتين تنظر إليه ببراءة وضعف لطالما سحراه، أحس بضعفها يقتله، ليبعد ناظريه عنها يبتعد عن سحرها وهو يقول موجها حديثه لدادة تحية:.

هاتيلى هدوم لفارس يادادة وساعديها عشان تغير هدومها.

أسرعت دادة تحية تنفذ اوامره بينما ألقى هو نظرة أخيرة عليها تأمل فيها ملامحها لثانية قبل أن يبتعد وهو يأخذ الملابس من يد دادة تحية ويمسك يد الصبي الناظر الى والدته بخوف، فمازالت الصدمة تعتريه، ليتجه به مغادرا تلك الحجرة إلى حجرته و مغلقا الباب خلفه ولكن ليس قبل أن ينظر اليها ليجدها تتابعه بعينيها وقد ارتسمت في عينيها نظرة حملت إليه مشاعر عديدة تمنى لو صدقها، لو وثق بها ولكن للأسف، ذهبت الثقة ولكنه اكتشف أن العشق لم يذهب معها.

كانت سوزى تمشى بسيارتها في ذلك الممر الطويل والذى ينتهى بتلك القلعة المحصنة، يتناثر افراد الحراسة بها، لقد سمعت كثيرا عن تلك القلعة والتى يطلقون عليها جحر الشيطان، ولكن تلك هي المرة الأولى التى تراها فيها، أصابت جسدها قشعريرة وهى تدلف اليها، توقن من أن اسمها حقا يليق بها، فهى قلعة قاتمة تليق بشيطان مثل عدنان، أوقفت سيارتها ليقوم أفراد الحراسة بالتأكد من هويتها، لم يهمها اطلاقا نظرات الاعجاب التى رمقوها بها وهى تهبط من السيارة ليستقبلها هارون بنفسه بترحيب شديد، ابتسمت له قائلة:.

ازيك ياهارون.
قال هارون باحترام:
أنا تمام ياهانم، نورتى القلعة.
ابتسمت قائلة:
ميرسيه.
أشاراليها بيده أن تتقدمه قائلا:
اتفضلى ياهانم، عدنان باشا في انتظارك.
تقدمته سوزى وهى تقول:
انت اشتغلت مع عدنان من إمتى ياهارون؟
قال هارون:
من سنتين ياهانم.
قالت سوزى:
وسبت شاكر منصور ليه؟
قال هارون:
الباشا طلبنى أشتغل معاه، وأنا مقدرتش أرفض.
توقفت سوزى والتفتت لتنظر اليه قائلة:.

فرصة عظيمة طبعا، أنا اللى اعرفه ان شغلك ممتاز ياهارون بس مادام عدنان طلبك يبقى شغلك فوق الممتاز كمان.
ابتسم هارون قائلا:
دى شهادة كبيرة ياهانم، أشكرك عليها.
عادت سوزى لتتقدمه قائلة:
بس خلى بالك، مع عدنان مينفعش تغلط، هيوديك ورا الشمس لو ده حصل واسألنى أنا.
قال هارون بهدوء:
عارف ياهانم، عارف
ابتسمت سوزى في نفسها وهى تقول بصوت خافت لا يسمع:
لأ متعرفش، لأن لو تعرف اللى أنا أعرفه مش هتشتغل معاه أصلا.

قال هارون:
بتقولى حاجة ياهانم؟
توقفت سوزى أمام باب غرفة المكتب الخاصة بعدنان والذى أشار اليها بيده أنها الحجرة المقصودة وهى تقول:
لأ مبقلش حاجة ياهارون، فرصة سعيدة، سلام.
أومأ هارون برأسه محييا وهو يراها تدلف الى الحجرة دون أن تطرق بابها ليدرك عمق العلاقة بينها وبين عدنان، التفت مغادر بابتسامة خبيثة وهو يقول بصوت خافت ساخر:
لو تعرفى انتى اللى أنا أعرفه مكنتش رجلك هتخطى عتبة جحر الشيطان ياسوزى هانم.

لتتسع ابتسامته الساخرة تدريجيا وهو يغادر تلك القلعة ليتفقد الحراس ويتأكد من أن كل شئ طلبه منه عدنان قد تم، وأن كل شئ على مايرام وكما يريده سيده تماما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة