قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الثالث عشر

اندفع مروان باتجاه دادة تحية التى جلست على مقعدها في وهن، ليقول بقلق:
دادة تحية، انتى كويسة؟
رفعت دادة تحية عينيها اليه قائلة:
أنا كويسة ياابنى، متقلقش.
ثم نظرت الى زينة التى وقفت بجوار مروان وهي تقول بعتاب:
ليه بس يابنتى قلتيله؟، أنا مش قلتلك متقوليلوش.
قالت زينة بأسف:
والله يادادة غصب عنى...
قاطعها مروان وهو يجلس على ركبتيه يمسك بيدي تحية بين يديه قائلا في عتاب:.

ازاي بس مكنتيش عايزانى أعرف يادادة، انتى متعرفيش غلاوتك عندى ولا ايه؟انتى بقيتى في مكانة أمى الله يرحمها، وقلقى عليكى وعلى صحتك زي ماتكونى هي تمام.
ابتسمت دادة تحية وهي تقول بحنان:
الله يرحمها يامروان، ربنا يعلم انك كمان بقيت ابنى اللى مخلفتوش، ربنا يخليك لية ياحبيبى ويباركلى في عمرك.

نظرت زينة اليهما وقد اغروقت عيناها بالدموع، ترى معاملة مروان لدادة تحية لتدرك أن مروان من الممكن أن يحمل عاطفة لأحدهم ولكن بالتأكيد لم ولن يحملها لها، أفاقت من افكارها على صوت مروان يقول بحزم:
أنا هتصل بالدكتور سعد ييجى يطمنى عليكى يادادة.
قالت تحية بنفي:
ملوش لزوم يامروان، هي أيام بقضيها قبل ما أقابل رب كريم.
جلست زينة على ركبتيها بدورها تقول في لهفة وهي تمسك يد تحية:
بعيد الشر عنك يادا...

توقفت عن الكلام وهي تنظر بصدمة الى يدها التى بدلا من ان تضم يد دادة تحية وجدتها تضم يد مروان المتمسكة بيد الدادة، لتشعر بارتجافة هزت كيانها، تشعر بحرارة يديه التى انتقلت الى يديها ثم الى وجنتيها، و اللتان اشتعلتا وأصبحتا كالجمرة الحمراء، وجدت نفسها ترنو بعينيها باتجاه مروان لتتوقف الثوانى وهي تجده قريبا منها يتأمل وجنتيها المشتعلتين بعيون غائمة بالمشاعر ثم يرمقها بنظرة طويلة حملت لها ذبذبات قوية هزت كيانها، تاهت بين ثنايا تلك المشاعر التى حملتها عينيه إليها، كانت ظلال لمشاعر عديدة مضت، ذكرها هذا الرجل الغارق في ملامحها الآن بذلك الرجل الذى وقعت في حبه بالماضى، ظلا هكذا يتبادلان نظرات تحمل توقا وعشقا، ليتحول العشق فجأة ويصبح لوما ثم حنقا ليكون مروان هو أول من يشيح بنظراته عنها فأفاقت من سحر نظراته لترفع يدها ببطئ عن يده، تشعر بالبرد فجأة وهي تنهض بسرعة قائلة بارتباك وموجهة حديثها إلى تحية:.

أنا، هطمن على فارس وأرجعلك علطول يادادة.
قالت دادة تحية بابتسامة حانية:
روحى يابنتى.
غادرت تتبعها عيون مروان ليفيق من شروده على صوت تحية وهي تقول بحنان:
هي دى زينة اللى حكيتلى عنها يامروان، صح؟
نكس مروان رأسه في حزن قائلا:
أيوة هي.
مدت دادة تحية يدها لترفع بها ذقنه فتواجهها عيناه الحزينتين، لتقول بهدوء:
لسة بتحبها؟
نهض مروان في عصبية وهو يمرر يده في رأسه قائلا في ضيق:.

مش عارف يادادة، المفروض ميبقاش في قلبى غير مشاعر الكره من ناحيتها، بس غصب عنى بلاقى قلبى بيحنلها، كل ماعينى تيجى في عنيها بلاقينى بشتاق لذكريات بحاول امحيها من قلبى وعقلى بس مش قادر، مش قادر يادادة.
حاولت دادة تحية النهوض فلم تستطع وكادت ان تسقط ليسرع مروان باسنادها مجددا كي تجلس على كرسيها، وهو يقول بقلق:
يادادة انتى شكلك تعبان أوى، انا هكلم الدكتور ييجى يطمنى عليكى.

كاد ان يغادر كي يحضر هاتفه من حجرة مكتبه ولكنها استوقفته وهى تمسك بذراعه قائلة في ضعف:
استنى يامروان واسمعنى.
عاد اليها مروان يجلس مجددا على ركبتيه لتقول هي بهدوء:.

اسمع يامروان من واحدة شافت كتير في حياتها وعرفت اكتر، زينة اللى حكيتلى عنها مش زينة اللى عرفتها أنا، يمكن كانت كدة زمان بس اللى أنا متأكدة منه انها اتغيرت، زينة اللى حكيتلى عنها قاسية ومعندهاش قلب، انما زينة اللى عرفتها واللى أدامى دلوقتى طيبة وغلبانة أوى وكل اللى محتاجاه إيد تطبطب عليها، يمكن شافت كتير واللى شافته غيرها، بس اللى انا متأكدة منه كمان انها بتحبك.

نظر اليها مروان باستنكار لتقول بتأكيد:
زي ما بقولك كدة، بتحبك، وتعرف ايه الشئ الغريب في قصتكم دى؟
عقد حاجبيه لتستطرد قائلة:
ان هي كمان بتقاوم حبها ليك، زي ما بتعمل بالظبط يامروان.

ظهر التفكير على وجه مروان لثوان، يتساءل عن كلمات تحية والتى أثارت داخل عقله العديد من التساؤلات، والشكوك، لينفض أفكاره التى تضعفه مجددا وهو يدحض كل شكوكه فلو كانت تحبه ماتخلت عنه قط، لو كانت تحبه مافعلت ذلك مطلقا، ليأخذ نفسا عميقا وهو يهز رأسه قائلا في حزم:.

معتقدش يادادة، بس حتى لو كلامك صح رغم ان ده شئ عقلى مش قادر يصدقه، ففيه حواجز كتير عملت سد منيع بينى وبينها، فمبقاش ينفع يكون بينى وبينها أي قصة، أنا مبقتش قادر أثق فيها تانى، وغير كدة، فيه حاجة قضت على أي أمل انى أغفر لها غلطتها معايا زمان، دى واحدة نامت مع غيرى بدل المرة عشرة وعشرين، تفتكرى واحدة زي دى تنفعنى يادادة، مستحيل طبعا، سيبك منها ومن سيرتها وخلينا فيكى دلوقتى، انا هروح اجيب التليفون عشان اكلم الدكتور، ثوانى وأرجعلك.

أسرعت زينة باتجاه حجرتها، وهي تمسح دموعها المتساقطة بغزارة، لقد تعللت بالاطمئنان على فارس حتى تجد فرصة لتتمالك نفسها بعد تلك المشاعر التى غزت كيانها وعندما عادت لتطمئن على دادة تحية إستمعت اليه وهو يقول عبارته الأخيرة، عبارته التى مزقت فؤادها، كلماته عن أنها غانية استسلمت للعشرات غيره، حقا كم آلمتها كلماته، وآلمها انه قالها لدادة تحية، تلك السيدة الطيبة والتى تذكرها بدادة نجاة من جحر الشيطان، كليهما يتشابهان في طيبة القلب والحنان والمشاعر الكثيرة والتى أغدقاها عليها، ترى فيم تفكر الآن دادة تحية؟وكيف تراها؟، ثم حتى وان كانت كما وصفها مروان، ألم يكن هو السبب في كل ما حدث لها؟أينكر الآن أنه من ألقى بها الى المجهول لترى ألوانا من العذاب؟أيلقيها في جحر الشيطان ثم يلومها على ما أصبحت عليه؟حقا ياله من مغرور لا قلب له ولا ضمير، ربما سيمنحها الله القوة يوما ما لتجعله يدفع ثمن ما فعله بها، نعم ربما.

كانت فتون تجلس مع ياسين يتناقشان في بنود الصفقة، لتنظر فتون إلى ياسين وهو يتحدث بجدية وعملية وحرفية تليق برجل أعمال محنك، لتبدو في عينيها رغما عنها نظرة اعجاب شعرت بها في أعماقها، توقف ياسين عن الحديث وهو يلتقط تلك النظرة ليشعر بقلبه تزداد نبضاته، ناداها قائلا:
فتون.
كانت فتون شاردة فلم تنتبه إلى ندائه، مد يده يلمس يدها القابعة على مكتبه قائلا:
فتون، روحتى فين؟

أصابتها صاعقة حين شعرت بيده تلمس يدها فانتفضت بقوة وهي تبعد يدها عن يده قائلة:
ها، لا، أبدا، أنا هنا أهو، بس، الظاهر منمتش كويس وفنجال القهوة مفوقنيش، أنا، أنا بقول كفاية كدة النهاردة ونكمل بكرة، عن إذنك.
ونهضت بسرعة تنوى المغادرة ليستوقفها صوت ياسين وهو ينادى باسمها قائلا:
فتون، استنى.
التفتت إليه في حيرة لتراه يتفحص ملامحها المضطربة في هدوء قبل أن يقول:
نسيتى الفون بتاعك.

نظرت فتون إلى هاتفها الموضوع على المكتب لتضرب على رأسها بخفة قائلة:
شفت، مش قلتلك منمتش كويس.
لتتجه إليه تأخذ الهاتف ثم تقول:
سلام.
أومأ برأسه قائلا:
سلام.
غادرت الحجرة تتابعها عينا ياسين الذى قال في همس قلق:
ياترى خوفك من لمستى وقلقك ده هو خوف من الرجالة عموما؟، ياترى حصل في ماضيكى حاجة خوفتك مننا ولا الخوف ده يخصنى أنا لوحدى يافتون؟
ليظل سؤاله عالقا بلا إجابة تريح قلبه المتخبط بين أضلعه.

استمع نبيل الى طرقات خفيفة على الباب، ليأمر الطارق بالدخول وهو يخلع عن عينيه نظارته ويغمضها ممسكا ذلك الجسر بين عينييه بارهاق ليفتح عينيه على اتساعهما وهو يسمع صوتها الرقيق يسأله في رقة:
انت كويس يامستر نبيل؟
نظر اليها يتأمل ملامحها الرقيقة في دهشة، يتساءل هل وجودها حقيقة ام خيال؟ ليصيبها الارتباك والخجل من نظراته المتأملة لها، تنحنحت قائلة:
احم، مستر نبيل؟ إنت كويس؟

افاق من صدمته وهو يعتدل لابسا نظارته مجددا وهو يقول:
احم، أيوة، انا، كويس ياآنسة...؟
ترك جملته معلقة يتظاهر بنسيان اسمها لتقول هي برقة:
دارين، اسمى دارين.
اومأ براسه قائلا:
تشرفنا، خير ياآنسة دارين؟
قالت بهدوء:
مستر ياسين خلانى مديرة مكتبك من دلوقتى...
قاطعها قائلا:
هو مش ياسين أخوكى؟
نظرت اليه في دهشة قائلة:
ايوة، ليه؟
نهض نبيل من مقعده ليقترب منها قائلا:
ابدا، استغربت بس عشان بتقوليله مستر.

ابتسمت دارين برقة قائلة:
احنا في الشغل وده معناه منشيلش الرسميات ما بينا، هو رئيس الشركة وانا موظفة عنده.
تاه نبيل في ابتسامتها الساحرة ثم مالبث ان رنت كلماتها في رأسه لينتبه لها قائلا وقد عقد حاجبيه فجأة:
انتى بتقولى ياسين خلاكى مديرة مكتبى؟

اومأت برأسها في حيرة وهي تتعجب من تغير حالة ذلك المدعو نبيل ما بين الثانية والأخرى، تظن لبرهة انه سعيد لوجوده معها ليؤكد في اللحظة التالية أنه لا يطيق وجودها بجواره، بل يرفضه تماما، أفاقت على صوته وهو يسألها قائلا:
انا مطلبتش حاجة من ياسين، مين اللى قاله انى محتاج مديرة لمكتبى.
تأكد لدارين انه لايريدها ان تعمل معه لتقول في كبرياء يليق بفتاة من عائلة تاج الدين:.

آنسة فتون اللى قالتله بس لو حضرتك مش حابب إنى أشتغل معاك فأنا هبلغ مستر ياسين بالوضع حالا وأكيد هيلاقيلك حد تانى.
ثم التفتت مغادرة ليوقفها صوت نبيل الذى قال بلهفة ظهرت في نبراته:
استنى يادارين.
التفتت تشعر بالدهشة من نبراته الملهوفة ونطقه اسمها دون ألقاب وبتلك الصورة التى شعرت بها تزيد من دقات قلبها ليشعر نبيل بأنه قد تسرع ليقول بهدوء:.

أنا مقلتش انى مش عايز أشتغل معاكى، بالعكس، أنا، أنا آسف لو سؤالى وصلك الإحساس ده، بس اللى عايزك تكونى متأكدة منه إنى سعيد جدا بشغلك معايا.
ابتسمت وهي تشعر بالسعادة بداخلها لنظراته ونبرات صوته والتى استشعرت فيهم صدق كلماته، لتقول برقة:
تمام أوى، وأنا كمان...
لتشعر بالخجل ووجنتيها تشتعلان بالحمرة وهي تستطرد قائلة:
احممم، أنا كمان سعيدة بالشغل مع حضرتك، ثوانى وهجيب لحضرتك الورق وفنجال قهوة مظبوط.

أوما برأسه مبتسما، ثم غادرت تتبعها عيناه، ليعقد حاجبيه يتساءل كيف عرفت نوع فنجال قهوته...
ليهز رأسه وهو يدرك الإجابة واضحة، فتون، لابد وأنها فتون مجددا، مرر يده في رأسه بعصبية، إنها تضعه امام الأمر الواقع، حسنا سيلعبها على طريقتها ولكنه أبدا لن يؤذى تلك الفتاة الرقيقة، سيتأكد بنفسه ان تلك الفتاة لن ينالها أي أذى من خطتهم الانتقامية، ولو اضطر لمواجهة فتون نفسها كي يفعل ذلك.

قال مروان موجها حديثه الى ياسين:
زي ما توقعت، عمل ديل مع سوزى، وخرجها من القضية زي الشعرة من العجين، وكل ده عشان يلوى دراعها ويزقها علية تعرف أخبارى.
نظر اليه ياسين قائلا:
وعرفت منين؟
أمسك مروان بفلاشة صغيرة وهو يقول:
اجتماعهم كان متسجل صوت وصورة.
قال ياسين:
طب ما نقدم الفلاشة دى للبوليس يامروان ونخلص منهم بضربة واحدة.
قال مروان بصرامة:.

يمكن يطلعوا منها زي ما ظبطها عدنان لسوزى، و لو اتسجنوا، هياخدوا كام سنة سجن؟، تعرف، لو هياخدو مؤبد ياياسين، مش هيشفى غليلى وغليلك، مش هيعوضنا العذاب اللى شفناه في المعتقل، مش هيعوضنى موت بابا وانا بعيد عنه ولا موت جدك وانت في المعتقل مش قادر تشوفه لآخر مرة، اللى هيشفى غليلى حاجة واحدة وبس، موتهم يا ياسين، موتهم.
ربت ياسين على يده قائلا:.

معاك حق يا مروان، اهدى بس وأنا معاك في اي حاجة هتعملها، بس قوللى الأول هتعمل ايه في الحرباية سوزى واللى هتجيلك ترسم عليك من تانى عشان تعرف أخبارك وتقولهاله؟
نظر مروان الى البعيد قائلا:
هخليها تفتكر انها نجحت وهديها بس اللى عايزه يوصل لعدنان، بس أهم حاجة دلوقتى انى أكلمه وأقوله على تفاصيل صفقة العمر، آخر صفقة هيقوم بيها عدنان المسيرى في حياته كلها، وده وعد منى ياياسين.

نظر ياسين اليه ليتبادلا نظرة تصميم، تحمل قوة خرجت من رحم الظلم، فقد حان وقت الانتقام.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة