قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

قال عدنان بهدوء:
زي ما بقولك كدة ياهارون.
جلس هارون قائلا:
انت عارف لو الصفقة دى تمت، مكسبها كام؟
نظر عدنان اليه قائلا في تقرير:
عارف طبعا، مليارات.
عقد هارون حاجبيه قائلا:
طب ايه اللى يخلى مروان يشاركنا صفقة ارباحها بالمليارات، ماكان قام بيها لوحده والمكسب يتقسم عليه هو وشريكه وبس.
تراجع عدنان في مقعده قائلا:.

مش هيقدر، مروان صحيح اتغير بس لسة زي ما هو ملوش في الشغل الشمال، ومحتاج حد معاه زينا يظبطله الدنيا.
ازداد انعقاد حاجبي هارون قائلا:
ولما مالوش في شغل الشمال، داخل صفقة زي دى ليه؟
أخرج عدنان غليونه وأشعله بهدوء، ثم أخذ منه نفسا عميقا ليطلقه ناظرا اليه وهو يقول بهدوء:.

الاحتمال الأرجح هو ان اللى شافه في المعتقل غير تفكيره خصوصا لما خرج ولقى ابوه اللى كان روحه فيه، ميت، وحارمه كمان من الميراث واللى كتبه لمراته وبس، ده في حد ذاته يقتل مشاعر كتير جوة البنى آدم، صحيح كان ليه ميراثه من أمه وميراث مش قليل، بس برده ده ميمنعش انها صدمة كبيرة خدها من ابوه تغير أي حد، والأغلب دلوقتى انه اكتشف أنه عشان يعيش في الغابة اللى احنا عايشين فيها، لازم يكون أسد، ولازم يكون معندوش رحمة ولا ضمير.

اومأ هارون برأسه قائلا:
احتمال فعلا، طيب واحنا هندخل الصفقة دى معاه كدة من غير ما نعمل احتياطاتنا.
ابتسم عدنان ابتسامة شيطانية وهو يقول:
متقلقش، أنا عامل احتياطاتى، وهاخد إمضته على كل ورقة تخص الصفقة عشان لو فكر بس يغدر يعرف انه هيروح معانا في ستين داهية، ولإنى عارف برده ان مروان لو كبر هياكلنى زي ما هياكل غيرى، أول ما الصفقة دى تخلص، هخليه يحصل أبوه.

نظر اليه هارون بدهشة لتتسع ابتسامة عدنان وتصبح ضحكة شيطانية، خشي منها هارون لأول مرة.

سمعت دارين طرقا على الباب لتدرك من الطارق قبل أن ترى وجهها الحبيب وهي تطل من الباب تبتسم بحنان قائلة:
فاضية يادارين؟
أغلقت دارين شاشة اللاب توب ووضعته جانبا وهي تقول بابتسامة:
تعالى ياتيتة، ده انا أفضالك مخصوص ياقمر.
اقتربت منها الجدة لتجلس بجوارها على السرير قائلة:.

بس يابكاشة، ده انا مبقيتش اشوفك من يوم ما اشتغلتى مع أخوكى غير الصبح قبل ماتنزلى وبس، حتى الغدا، بقيتى تتغدى في المكتب، والعشا تقوليلى تعبانة ياتيتة وعايزة أنام، الظاهر ان الشغل بتاعك ده هييجى على دماغى أنا وبس.
نهضت دارين وجلست على ركبتيها وهي تضم الجدة مقبلة اياها من وجنتها قائلة:.

حقك علية ياتيتة، انتى معاكى حق تزعلى بس غصب عنى والله، انتى عارفة انى لسة في البداية ومحتاجة أثبت للكل انى شاطرة ومجتهدة وانى متعينتش في الشركة لمجرد انى أبقى أخت صاحبها وبس، ده غير ان ياسين خلانى مديرة مكتب شريكه الجديد نبيل، فتلاقى الشغل كله فوق راسى.
عقدت الجدة حاجبيها قائلة:
شريك جديد، غريبة، اخوكى مجابليش سيرة عن الموضوع ده.

تراجعت دارين مكانها وهي تجلس متربعة القدمين عاقدة حاجبيها بدورها وهي تقول:
فعلا غريبة، بس زي ما انتى شايفة من يوم مامضوا العقود والشغل ما شاء الله في الشركة مش ملاحقين عليه، لدرجة انى انا كمان مبقتش اشوفه، أغلب الوقت برة الشركة في اجتماعات مع العملا اللى جابتهم فتون للشركة.
ازداد انعقاد حاجبي الجدة وهي تقول:
فتون؟فتون مين يادارين؟
قالت دارين:
شريكتنا الجديدة ياتيتة.
قالت الجدة:.

انتى مش بتقولى الشريك الجديد راجل واسمه نبيل.
ابتسمت دارين قائلة:
لأ ما هما اتنين، فتون ونبيل اصحاب شركة السلطانة للعطور في لبنان، واللى كنت بجيبلك منها البرفيوم بتاعك اللى بتحبيه.
قالت الجدة:
استنى كدة وبالراحة، احكيلى اكتر عن الشركا دول وبالتفصيل يادارين.
ابتسمت دارين قائلة:
بس كدة، اسمعى ياستى.

قال مروان بغضب:
انتى مش هتبطلى تعاندينى في كل حاجة اقولهالك.
نظرت زينة اليه في برود قائلة:
أنا مش بعاندك، انا كل اللى طالباه انى أخرج انا وابنى برة السجن اللى انت معيشنى فيه، أنا مخرجتش من سجن عشان اعيش في سجن تانى.
اقترب منها يقول في صرامة:
انا معيشك في سجن؟
ليشير الى المنزل قائلا:
انتى بتسمى البيت ده سجن؟
قالت زينة في مرارة لم تستطع اخفاءها:
أيوة سجن، يفرق ايه عن جحر الشيطان اللى كنت عايشة فيه؟

اقترب منها حتى أصبح قبالتها تماما ليميل بوجهه قائلا في سخرية:
لأ يفرق كتير، انتى وابنك هنا في أمان بعيد عن عدنان ورجالته، ولو خرجتوا برة هتكونوا في خطر كبير، ثم على الأقل هنا مبتبيعيش شرفك كل يوم.
أحست بعروقها تنتفض من الغضب لتصرخ قائلة في مرارة:
كفاية بقى ظلم فية، انت ايه ياأخى؟، مش كفاية الظلم اللى ظلمتهولى زمان، لسة عايز تعمل ايه فية؟، انا تعبت، تعبت منك ومن ظلمك، ارحمنى بقى، ارحمنى.

عقد حاجبيه وكاد أن يسألها عما تعنيه بكلماتها ولكن قاطعه صوت طرقات على الباب ثم دلوف صاحبة الطرقات وهي تنظر في صدمة الى هذا الثنائي المتقارب، نظر مروان إليها في برود بينما اتسعت عينا زينة في صدمة، تمالكت سوزى نفسها بسرعة وهي تقول:
هو انا جيت في وقت مش مناسب ولا ايه؟
احتوى مروان كل الكره الذى يحمله بداخله لتلك المرأة وهو يتراجع متجها الى خلف مكتبه يجلس على مقعده قائلا بهدوء:
لأ طبعا، اتفضلى ياسوزى.

نقلت زينة بصرها مابين مروان وسوزى بخيبة أمل قبل ان ترمق تلك الأخيرة بنظرة احتقار وتغادر المكان في صمت، غافلة عن عيون التقطت نظراتها واحتارت في تفسيرها ليفيق صاحب تلك العيون على صوت سوزى وهي تقول بنبرات خرجت منها حادة رغما عنها:
هي زينة ايه اللى جابها عندك يا مروان؟
قال مروان وهو ينظر اليها ببرود قائلا:
وده يخصك في ايه ياسوزى؟
تظاهرت سوزى بعدم الاهتمام وهي تقول:.

الحقيقة هي متهمنيش ومتخصنيش، من يوم مارميتها برة البيت، اليوم ده شفتها مع باباك في وضع يعنى، إنت فاهم طبعا.
جز مروان على أسنانه يتساءل، ترى هل ما تقوله سوزى حقيقة أم أن كلماتها تلك هي إحدى أكاذيبها؟هل وجدتها حقا مع أبيه؟

تبا، كم يؤلمه مجرد التخيل، ليعود وينفى ذلك الاحتمال فمهما كانت مساوئ زينة فلا يمكنها أبدا أن تكون حقيرة لتلك الدرجة، لابد وأنها احدى أكاذيب سوزى، لتنتابه الحيرة عن سبب اختراعها لتلك الكذبة؟التمعت الفكرة في رأسه فجأة، الغيرة، نعم، إنها الغيرة، حقا لم يعد يعرف إلى أي مدى قد تصل حقارة تلك المدعوة سوزى، أخذ نفسا عميقا وهو يقول بسخرية:
ولما هي متهمكيش زعلانة ليه إنها بتشتغل عندى ياسوزى؟

قالت سوزى بهدوء مفتعل:
أنا مش زعلانة، انا بس خايفة عليك منها.
اتسعت ابتسامته الساخرة وهو يقول:
أهمك أوى ياسوزى؟
نظرت إلى ملامحه تتأمله بإعجاب أنثى ظهر جليا في صوتها وهي تقول:
طول عمرك بتهمنى يامروان، انت نسيت ولا إيه؟
تراجع في مقعده قائلا بهدوء:
أنا منستش حاجة بس الظاهر انتى اللى نسيتى.
ليحرك يده بلامبالاة مستطردا:
عموما، زينة مش اكتر من خدامة هنا ياسوزى، لجأتلى عشان تشتغل وتصرف على إبنها، وأنا وافقت.

نظرت إليه تتفحص ملامحه وهي تقول:
بعد كل اللى عملته فيك؟برده بتساعدها.
قال في برود:
متعودتش أرد حد طالب مساعدتى يا سوزى، وان مكنش عشانها يبقى عشان ابنها اللى ملوش ذنب في اللى هي عملته فية زمان، وعموما أنا ميهمنيش حياتها الشخصية طول ما هي بعيد عن شغلها، المهم، ممكن أعرف سبب زيارتك الغريبة دى إيه؟
تنحنحت سوزى قائلة:
احمم، بما انك متعودتش ترد حد محتاج مساعدتك فأنا كمان محتاجة مساعدتك يامروان.

لم ينطق بحرف وهو يتأملها لتستطرد قائلة:
أنا عارفة إنك زعلان منى عشان موضوع الميراث، بس وحياتك عندى انا مكنتش اعرف ان باباك كتب الميراث لية غير بعد ما مات، ولو كنت اعرف قبلها كنت منعته.
تراجع مروان في مقعده قائلا بسخرية:
ولما بعتلك المحامى عشان ترديلى حقى وطردتيه.
قالت بسرعة:
لو كنت انت اللى جيتلى مكنتش طبعا هعمل كدة، بس المحامى هددنى واستفزنى بكلامه.
اتسعت ابتسامته الساخرة وهو يقول:.

عموما ياسوزى احنا لسة فيها، تقدرى ترجعيلى حقى في ميراث ابويا.
تلعثمت سوزى قائلة:
أنا، أنا...
اتسعت ابتسامة مروان الساخرة حتى صارت ضحكة رنانة ليقول بعدها:
انتى إيه ياسوزى؟، عموما انا مش عايزه ولا محتاجه، وإنتى شايفة أهو بعنيكى أنا غنى أد إيه؟يعنى مش هبص لفلوس، بابا قرر يحرمنى منها ويديهالك إنتى.
قالت سوزى بسرعة:.

شايفة طبعا، وعشان أنا عارفة اد ايه انت ذكى وشاطر حابة ادخل معاك في بيزنس، وجيتلك مخصوص عشان كدة، ها، إيه رأيك؟
تظاهر مروان بالتفكير لثوان ثم نظر اليها قائلا:
مع انى مبحبش يكون لية شركا في الشغل بس نجرب وماله، ممكن أعرف بقى نوع البيزنس اللى حابة تدخلى فيه معايا وبفلوس أد إيه ياسوزى؟
التمعت عينا سوزى تظن أنها ربحت الجولة الأولى وهي تقول:
هقولك يامروان، هقولك.

جلست الجدة مطرقة الرأس تفكر فيما سمعته من دارين بهدوء لتحترم دارين صمتها حتى رفعت الجدة رأسها قائلة:
أنا عايزاكى تعزمى الشركا الجداد على العشا يادارين.
عقدت دارين حاجبيها قائلة:
وأعزمهم انا ليه؟، ما تخلى ياسين هو اللى يعزمهم.
قالت الجدة بهدوء:
ياسين مجبليش سيرة عنهم وممكن يتحجج بأي حجة عشان ميعزمهمش عندنا، فالأحسن أحطه أدام أمر واقع.
قالت دارين في حيرة:
وهو ممكن يمانع ليه بس ياتيتة؟

قالت الجدة في شرود:
مش عارفة يادارين، احساسى بيقولى ان أخوكى مخبى حاجة عنى ولازم أعرفها.
عقدت دارين حاجبيها قائلة:
حاجة زي ايه؟
افاقت الجدة من شرودها قائلة:
قلتلك مش عارفة يادارين بس لما أشوفهم، أكيد هعرف، المهم تنفذى اللى قلتلك عليه، إعزميهم ع العشا بعد بكرة ومتقوليش لأخوكى، مفهوم؟
قالت دارين:
مفهوم ياتيتة.
نهضت الجدة وكادت أن تغادر لتتوقف وهي تلتفت الى دارين قائلة:
إلا قوليلى يادارين، أخبار مروان ايه؟

هزت دارين كتفيها قائلة:
معرفش ياتيتة، مشفتوش خالص في الشركة ومعرفش عنه حاجة.
اومأت الجدة برأسها في هدوء وهي تلتفت مغادرة ترتسم على وجهها ابتسامة راضية وقد أدركت من نبرات صوت حفيدتها الغير مهتمة، بأن مروان أصبح من الماضى بالنسبة لها، بينما فتحت دارين شاشة اللاب توب لتظهر صورة نبيل عليها لتبتسم دارين قائلة:.

حيرتنى معاك يانبيل، ياترى المشاعر اللى بحسها من ناحيتك حقيقية ولا انا شكلى بتعلق بأي حد بيهتم بية وخلاص، أكيد مع الأيام هعرف انت ايه بالنسبة لية يانبيل؟

كانت زينة تقف بالقرب من المكتب تشعر بالغليان، فبالداخل تقبع عدوتها اللدود، تلك العقربة المدعوة سوزى مع حبيبها مروان، تبا، أمازالت تدعوه حبيبها؟نعم، هو حبيبها مهما فعل، سيظل أول من دق القلب له وآخر من ستنطق نبضاتها بإسمه،.

تساءلت بمرارة عن سبب وجودها في منزله؟وماذا تريد منه؟فهي ترى نظراتها له، وكأنثى تدرك كنه تلك النظرات أما كحبيبة فتود لو تقتلع عيون تلك الحية كي لاترمقه بنظراتها التى تكاد تلتهمه، ولكن هاهي مكبلة لا تستطيع فعل شئ سوى الوقوف بعيدا تتآكلها نيران الغيرة، انتفضت من أفكارها على صوت فارس وهو يقول:
واقفة كدة ليه ياماما؟
وضعت زينة يدها على قلبها متسارع النبضات وهي تقول:
خضيتنى يافارس.

نظر إليها فارس قائلا في براءة:
أنا مكنتش بلعب معاكى ومقلتش عو ياماما.
رغما عنها وجدت ابتسامة تتسلل إلى شفتيها من كلمات إبنها البريئة لتقرصه من خده بخفة قائلة:
شكلك ملعبتش من زمان، وحابب تلعب معايا، صح؟
جعد فارس أنفه وهو يهز رأسه موافقا قائلا:
صح.
اتسعت ابتسامتها وهي تقول:
طب تعالى نلعب اللعبة اللى عمك مروان جابهالك وأهو بالمرة تعلمنى عليها شوية.
صفق فارس بجزل قائلا:
هيييه، يلا ياماما، دى لعبة سهلة أوى.

ليسبقها وهي تتبعه بنظراتها في حنان، لتلقى نظرة أخيرة على باب الحجرة المغلق، مغلفة بالحزن، بالألم، وخيبة الأمل، قبل أن تغادر متجهة إلى حجرتها رغما عنها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة