قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل العشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل العشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل العشرون

لا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب.
ولا حقيقة نتعامل معها وكأنها الوهم مثل الموت
( مصطفى محمود).

هل شعرت من قبل أنك أحببت أحد لمجرد وجوده بجانبك او بمجرد أنك تعودت عليه، ولمَ لا وذلك الشخص كان يرافقك طوال سنوات حياتك ويجمعكم العديد من الذكريات معًا، مهلًا ربما قد أختلط عليك الأمر، فما تشعر به الآن مختلف تمامًا عن سابقه فطالما شعرت للوهلة الأولى التي رأيت بها تلك الصهباء بشعور مختلف، فلمَ ياترى كان يؤثر بك قربها لهذا الحد مع الأخذ بالأعتبار أنك كنت قريب من لين وتجمعكم أولفة إعتيادية ولكن لم يحدث ولا مرة واحدة ما حدث معك للتو ترى لمَ تأثر جسدك مع تلك الصهباء صاحبت النظرات المشتعلة لمَ تشعر أن ما شعرته من لذة أثناء تقبيلها لا يضاهيه شيء آخر، ترى هل كنت من قبل أتوهم الأمر وأن ما يجمعني ب لين شيء إعتيادي لا أكثر، لا أعلم حقًا إين الصواب ولكن ما أعلمه إنني حين أتذكر صاحبة رائحة المانجو أشعر بقشعريرة تنتاب جسدي وتتسلل بسمة غريبة إلى ثغري غير مبررة بالمرة.

ذلك ما كان يدور برأس يعقوب وهو يجلس على المقعد بجانب فراش لين التي ما أن لاحظت شروده الغريب تسألت بقلق: مالك يا يعقوب أنت كويس؟
أبتسم يعقوب وهز رأسه أن كل شيء على مايرام لتستأنف هي بأصرار: علشان خاطري متخبيش عليا وقولي بتفكر في أيه؟
لتهتز نبرتها بخوف وتتسأل وهي تحتضن بيدها ذلك الحجر المتدلي من سلسالها وكأنها تستمد منه القوة: أوعى تكون وصلت لحاجة بخصوص يوسف وخايف تقولي.

تنهد في ضيق وأخبرها وهو يجلس بجانبها على الفراش ويربت على يدها ويقول بود كي يطمئنها: لأ للأسف لسة مفيش أخبار؟
ليتسأل بجدية بعدما وجد الحزن يحتل عيناها من جديد كي يثبت شيء لنفسه وكأنه تيقنه للتو فقط: كنتِ بتحبيه اوي كدة يا لين ؟
أبتسمت بسمة حالمة وقالت بشجن و بعيون تفيض بعشق ذلك الهائم بلا مأوى دونها: بحبه، دي كلمة قليلة أوي يا يعقوب ومتوفيش أحساسي بيه.

يوسف هو الحاجة الوحيدة اللي أختارتها بأرادتي، معاه كنت بحس براحة وأمان عمري ما حسيت بيه كنت بحس أن حبه بيرفعني لأبعد من حدود السما لتبتسم وتستأنف بعيون غائمة بالحنين لتلك الذكرى المحببة على قلبها: حتى إني كنت بقوله يا تيراميسو قلبي...

لتهدء ملامحها من جديد وتستأنف بفخر وكأنها ستخبر يعقوب بأنها تعشق رجل أستثنائي مميز لا يوجد بهذا العالم سواه: تخيل أنو وقف جنبي وساعدني من غير أي غرض، دة خسر شغله بسببي و رفض يتجوز كرستين علشان ياخد الإقامة وكل دة ومهموش وكان عنده استعداد يخسر العالم كله علشاني، لتتهدل ملامحها ويختنق صوتها بآسى وتسترسل: حتى بعد ما خبيت عليه الحقيقة ونفيت حبي ليه، لسة فاكرة أخر جملة قالهالي ولسة صوته بيتردد صداه في وداني قالي أنه لو أخر يوم في عمره هيقف قصاد وليد وقالي كمان مخافش وكأنه كان قاصد يطمني قبل ما يمو...

قطعت جملتها وهي لن تقوى على التفوه بتلك الكلمة أو حتى استيعابها إلى الآن لتتنهد بحرقة جثت على صدرها وتضيف وهي تجهش بالبكاء تنعي حظ قلبها: بعد دة كله بتسألني بتحبيه، أه بحبه ومحتجاه أوي ولسة عندي أمل أن الموت مقدرش يخدو مني، يوسف مش بالضعف دة اللي يخليه يستسلم للموت لأ أنا إحساسي بيقولي أنو زي ما انتصر عليه مرة قدر ينتصر عليه تاني.

كانت يستمع لها بتأثر شديد ومع كل كلمة تتفوه بها يشعر أن ما يريد أن يثبته لذاته بمحله، فهو لن يغار حتى من حديثها عنه بل تأثر وبشدة حتى أنه قال بأصرار وهو يجفف دمعاتها بكف يده: مش هيأس و هدور عليه تاني رغم أن الموضوع صعب جدًا علشان هو مش معاه أي ورق يستدل عليه جوة البلد بس هحاول تاني وتالت و اوعدك لو عايش زي ما أنتِ حاسة هعمل المستحيل علشان أرجعكم لبعض.

أومأت له بأمتنان شديد واحتضنته حضن أخوي وقالت من بين شهقاتها التي بدئت بالخفوت: أنا عايزة أخرج من هنا؟
هز رأسه بموافقة وقال وهو يخرجها من بين ذراعيه برفق: هيحصل، أنا أصلًا كنت جي علشان أطمنك، أنا عطلت وليد على قد ما أقدر
ولازم تكوني عارفة أن مفيش وقت ولازم نتصرف قبل ما يفوق من خسارته ويصمم تاني على الجواز.

لترفع نظراتها إليه بشيء من التردد مما هم مقبلين عليه لتجعله يتفهم ما يدور برأسها ويخبرها بثقة عارمة طالما كانت بمحلها: أنا عارف أنك بتثقي فيا، مش كدة؟
هزت رأسها بنعم ليستأنف هو: يبقى بإذن الله كل حاجة هتمشي زي ما أحنا عايزين
لتبتسم له بسمة بسيطة لم تصل لعيناها ويظل عقلها يدق ناقوص الخطر.

في صباح يوم جديد ملئ بلأحداث المفاجئة
كان يجلس شكري على طاولة الطعام يتناول فطوره بشهية كبيرة على غير عادته فكان يبتسم كل حين وآخر دون سبب و هو يشعر أخيرًا ببعض الراحة بعد علمه أن.

لين ستخرج اليوم من المشفى ويجتمعوا سويًا من جديد فحتى عز قد عاد إلى القصر، ليبتسم بسعادة متناهية وكأنه أدرك للتو فقط أنهم أبنائه ومكانهم الطبيعي بجواره، إلى أن تجهمت ملامحه مرة واحدة عندما وجد وليد يتدلى الدرج ويتوجه إلى طاولة الطعام
ليقول ما أن جلس على أحد المقاعد المواجهة له
ممكن أعرف كان في أيه؟ بقالي كام يوم مش عارف اتكلم معاك وزهقت من كتر ما أتصلت بيك ومردتش عليا.

ليرد وليد بعجرفة: كنت مشغول، خير كنت عايز أيه؟
أجابه شكري بتوجس: لقيت ورق تلت صفقات أنت متفق أنك هتسلمهم كمان كام أسبوع و حتى لقيت أنك أستلمت فلوسهم من الناس أصحابها ومفيش حاجةإضافت للحساب بتاعي
ممكن أفهم ليه؟
أجابه وليد بكل جبروت وبنبرة مبالية وهو يتناول كوب العصير ويرتشف منه: خدتهم، علشان الصفقة السلاح بتاعتي، كان عندي مشكلة في السيولة.

عقد شكري حاجبيه بغيظ لم يتملك منه إلا بخصوص المال ومصلحته العامة فقط وقال بعدم رضا: ازاي يعني، طب مش تستشرني الأول أو تاخد أذني
حانت من وليد بسمة هازئة وأجابه بغل وبنبرة تحمل بطياتها التحذير: جرى أيه يا خالي، دة كلها كام يوم وابقى جوز بنتك واللي في جيبي في جيبك، ولا أنت ليك رأي تاني؟

أبتلع شكري ريقه ببطء وقال بتراجع كعادته السلبية: لأ بس بقول يعني أكيد أصحاب الصفقات مش هتسكت على حقها كتير واكيد هطالب بالبضاعة وخصوصًا أنهم دافعين حقها بالكامل.

ليستند وليد بظهره على مقعده بكل ثقة ويقول وهو يشعل أحد سجائره الفاخرة: متقلقش أنا مسافر بكرة هتمم الصفقة وهرجع الفلوس لحسابك وكمان هسلمهم بضاعتهم في ميعادها، أنا حاطط كل يورو أحتكم عليه في الصفقة دي ولما تتم مشاكلي كلها هتتحل و هتنقلني نقلة تانية خالص
أومأ له شكري بتفهم وهو لا يجرء على رفع عيناه به ليتسأل وليد بخبث: سمعت أن المحروس أبنك رجع البيت.

رد شكري في حماس: أه رجع، هو أي نعم حاسه متغير ولسة واخد على خاطره مني، بس مش مهم المهم أنو رجع هو وأخته كمان هترجع النهاردة وهنتجمع من تاني كلنا أخيرًا.

أرتفع جانب فمه ببسمة ساخرة من الحماس الجلي على نبرة شكري وأضاف بخبث شديد بعدها: أنا عرفت أنها هترجع النهاردة القصر و الأيام اللي فاتت كنت عايز أزورها في المستشفى بس هي مانعة حد يدخل أوضتها أو يتكلم معاها يظهر أنها كانت لسة أعصابها تعبانة لينهض ويستأنف بإصرار عجيب: بس مش مهم ملحوقة أكيد بقت أحسن دلوقتي، أصل خلاص كلها يومين بالظبط وهفوق ليها علشان نتمم جوازنا.

زاغت عين شكري ولم يقدر على الأعتراض كعادته الخانعة لذلك اللعين ليرشقه وليد بنظرة خبيثة قبل أن يغادر وهو يتوعد لصاحبة الخصلات الحمراء النارية ويتسأل لمَ عصت أوامره بخصوص عز مهلًا سيعلم الأجابة على كافة أسئلته ولكن أولًا لينهي أمر العقود و يجتمع ب مارك.

آما بذلك المشفى التي تقطن به لين فقد حضر يعقوب باكرًا كي يخرجها من المشفى كما وعدها بلأمس
وحين استكمل اجراءات خروجها جاءت نسمة هواء خفيفة محملة بعبق المانجو.

وتسللت بغتة إلى أنفه مما جعله يتناول شهيقًا عميقًا ويختزنه بداخله وتعتلى ثغره تلك البسمة الحالمة من جديد ليجول بعينه الثاقبة يبحث عن صاحبة ذلك العطر الساحر الذي يقسم أنها لفحت قلبه وجعلته يتراقص بين أضلعه وحين سقطت ثاقبتيه عليها وجدها بهيأتها تلك العصرية للغاية التي تكتض بالكثير من الألوان المختلفة وذلك الحذاء الرياضي وحقيبة الظهر ذاتهم آما عن خصلاتها البرتقالية القصيرة كانت تتمايل مع كل خطوة يفوح منها عبق المانجو اللذيذ، فكانت تتوجه نحو سلم المشفى الخلفي المخصص للطوارئ الذي قلما أن تجد أحد يصعد أو يهبط منه فكانت هي تخطو إلى هناك بخطوات سريعة ليهرول خلفها كي يلحق بها فيبدو أن ما حدث بالمصعد يومها جعلها تمتنع عن استقلاله مرة آخرى.

ليهتف كي يلفت نظرها ويجعلها تخفف سرعتها قليلًا
كي يلحق بها: استني يا أنسة لو سمحتي
توقفت خطواتها الواسعة والتفتت عندما تناهى على مسامعها صوت يتحدث بنفس لغتها الأم، وما أن سقطت عيناها عليه تيقنت أنه هو ذاته الوقح الذي تمادى معها في المصعد، لتزفر بضيق وهو يأخذ درجتان بخطوة واحدة ليصل لها وما أن وقف مواجه لها رفعت حاجبيها بغيظ وقالت بإنفعال: أنت تاني، أفندم عايز أيه؟

وضع يده على صدره الذي يعلو ويهبط و قال و هو يحاول تنظيم أنفاسه: حرام عليكِ أنتِ مركبة عجل في رجليكي قطعتي نفسي
لتزمجر هي بشراسة: اسمع أنا معنديش وقت أضيعه معاك لتكتف يدها وتصيح بنفاذ صبر: أخلص وقول عايز أيه؟
ليجيبها بنبرة صادقة وهو يشعر أن رائحتها تلك عن قرب خدرت كافة حواسه: بصراحة من غير لف ولا دوران علشان أنا مليش فيهم
أنا هموت واتعرف عليكِ.

ألتوى فمها ببسمة ساخرة وأجابته وهي تواليه ظهرها وتشرع بصعود الدرج مرة آخرى: أفندم، وأنا اللي كنت فكراك هتعتذر على اللي عملته، على العموم أسفة طلبك مرفوض و مبتعرفش.

ليسبقها هو بدرجتان ويحتجزها بيده القوية بينه وبين الحائط ويقول بمشاغبة أمام وجهها الذي ظل يتمعن به بجرئة شديدة وكأنه أراد أن ينقش ملامحها الرقيقة تلك على جدار قلبه: أعتذر على أيه أنا كنت بساعدك دة مفروض انتِ اللي تشكريني لولايا كان زمان أعراض الفوبيا أتملكت منك، وبعدين دة أقل واجب تعمليه معايا أننا نتعرف ليغمز بعينه ويضيف بمشاكسة: صدقيني جربي و مش هتندمي.

شهقت هي بقوة من جرئته وتبجحه حتى أنها رفعت يدها تريد صفعه مرة أخرى لكنه تفاداها بمهارة وقبض على كفها بالهواء حتى أن تشابكت نظراتها المشتعلة بنظراته الثاقبة بتحدي سافر و لكنها لم تعطيه فرصة لكي يتغلب عليها لتنفض يده و تدفعه بصدره لكي يفك حصار يده القوية من حولها ليقترب أكثر منها ويجذبها من خصرها غير عابئ بضرباتها وكأنه مغيب بما يفعله لا تنكر أن بعدما لفحتها رائحة أنفاسه الساخنة وترتها كثيرًا ويده التي تحاوط خصرها للتو تشعر أنها حلقة مشتعلة من اللهب تلتزق بها وتكوي جسدها رغم أنها ترتدي عدة قطع من الملابس بسبب برودة الجو إلا أن حرارة يده تسربت إلى جسدها وأشعرتها بلأشتعال لتتلوى بين يديه بقوة و تكرر دفعاتها بقوة وتضربه بصدره العريض عدة مرات ولكن دون جدوى فكان هو لا يتأثر ولا يتزحزح أنش واحد من حصاره الجبري عليها بل كل دفاعتها تلك جعلته يصر أكثر أن يشعر بما شَعر به بقربها بالمرة السابقة ليقبض على يدها الاثنين ويثبتها خلف ظهرها بيد واحدة وبلآخرى مرر يده بين خصلاتها ومال برأسه يتناول شهيقًا عميقًا من عبقها المميز بإنتشاء تام وكأنه مغيب بعالم آخر لتهتف هي بشراسة قتالية وبأنفاس متهدجة من هيمنته الطاغية عليها: أبعد عني يا وقح أحسنلك يظهر أن القلم بتاع المرة اللي فاتت مكنش كفاية علشان تتربي.

ليبتسم بمشاكسة وهو يقترب أكثر ويضع جبهته على خاصتها ويتحدث أمام شفاهها بطريقة خطيرة خدرت كافة حواسها: ليه الشراسة دي يا مانجتي
أنا مش بطلب غير نتعرف وأعرف أكتر عنك وانا قولتلك مليش في اللف والدوران.

كانت تستمع له وهي مسلوبة الحركة مغمضة العينين بقلب يرتجف بقوة من تكرار الأمر فهي إلى الأن لم تنسى قبلته النهمة التي كاد أن يبتلع روحها بها ولم تنسى أيضًا هيمنته الطاغية عليها فهي تقسم أن للآن تشعر بملمس شفاهه الغليظة التي كانت تفتك بشفاهها وكأنه كان يتدهور جوعًا وهي وجبته الأخيرة بمجرد تفكيرها بلأمر تكرر أحساسها بقبلته مثل الآن تمامًا.

استغرق الأمر وهلة واحدة فقط لتستوعب الأمر حتى أنها فتحت عيناها الواسعة بتفاجئ وهي تجده مغمض العينين ومنهمك للغاية وهو يلتهم شفاهها بنهم شديد حتى أنه صدرت منه همهمات مستمتعة جعلت القشعريرة تنتابها بقوة و كادت تبادله في لحظة ضعف منها لكنها نفضت تأثيره الطاغي عليها جانبًا ودون أي مقدمات ركلته بين ساقيه ليهدر هو بألم وهو يجثو على ركبتية ويقول من بين أسنانه وهو بالكاد يستطيع أن يتحمل الألم: يا بنت المجنونة يا فصيلة.

حرام عليكِ دة أنا لسة مدخلتش دنيا
لتدفعه هي بقوة اسقطته على الأرض وتركض على الدرج وتقول بتشفي: أحسن يا وقح تستاهل...
وعنك مدخلت دنيا ولو شوفتك تاني في طريقي وحياة ربنا خروجك منها على أيدي.

ليغمض عينه بقوة وهو يتحامل على الألم وينهض لكي يستعلم عنها وعن سبب تواجدها بالمشفى و هو يشعر أن ما فعلته ما زاد إلا من أصراره عليها فهو لا ينكر أنه معجب وبشدة حد الإنبهار من شراستها القتالية التي تذكره ب لين لحد كبير
ليبتسم بسمة حالمة ثم تتحول لقهقهات عالية على خيبته فهو يقسم أنه إن أصر على الأمر أكثر ستقضي عليه لا محالة.

آما عند ذلك اللعين وخصةً بداخل شركة خاله التي يتخذها كستار لأعماله المشبوهة كان يجلس وليد برفقة مارك وأمامه العديد من الأوراق يحاول أن يلم بهم جميعًا ولكن قاطعه عن التركيز صوت مارك الواثق: حسنًا لا مزيد من فحص بنود العقد فأنا لن أضرك على أي حال وأنت تعلم مصلحتنا واحدة.

زاغت نظرات وليد لوهلة قبل أن يأكد بثقة عمياء فهو يظن أن مارك لن يستطيع خداعه لأن مصالحهم مشتركة: بالطبع صديقي فأنا أثق بك على أي حال ولكن ألم يكن من الأفضل أن أحضرت المحامي الخاص بي كي يتدبر الأمر ويتأكد من سلامة العقود
أجابه مارك بخبث شديد وهو يسحب العقود من تحت يده: أذا كنت تشكك بي وبنزاهتي فدعك من الأمر وتدبر لنفسك شيء آخر ينقذك من تلك الكارثة دون خسائر.

نفى وليد برأسه وتمتم بتراجع وهو يتشبث بالعقود أكثر: لماذا أنت سريع الغضب هكذا يا رفيقي أنا كنت فقط أمزح معك فأنت تعلم أن إهدار الوقت ليس بصالحي فالغد هو موعد سفري.
ليتناول قلمه ويضع توقيعه على كافة العقود تحت نظرات مارك الخبيثة التي لا تنبأ بالخير.

في القاهرة
يالهوي، يا لهوي الحقوني يا ناس اتسرقت.

صاحت بها عزيزة والدة علاء وهي تتفقد خزانة ملابسها فكانت تضع مصاغها التي ظلت تكنف به طوال سنين من تلك الأموال التي تدخرها من معاش زوجها الراحل حتى أنها كانت تبخل أن تصرف جُنيه واحد داخل المنزل تاركة كل شيء على عاتق أبنائها التي كانت تستغلهم أسوء استغلال، تدخلت زوجة أبنها الكبير أميمة وهي تحاول أن تهدئها وتواسيهاولكن دون جدوى فكانت تنوح بشدة وتنعي حظها حتى أنه قبضت على ذراع أميمة أمام أبنها واتهمتها بأمر سرقتهم، لتستنجد أميمة بزوجها وترجوها بدمعات حارقة مقهورة: حرام عليكِ يا حماتي تظلميني وحياة عيالي ماأخدت حاجة، قولها يا عمرو أن مستحيل أعمل كدة.

ليقول عمرو بدفاع لأول مرة عن زوجته وأم أطفاله وهو يسحب أميمة من قبضة والدته ويخفيها خلف ظهره فرغم قسوته عليها و انصياقه وراء تحكمات والدته إلا أنه يعلم تمام المعرفة أن زوجته ذات أصل طيب وتتمتع بنفس راضية ولا يمكن أن تفعل أمر مشين كذلك: حرام عليكِ يا أماا مراتي لايمكن تعمل كدة وبعدين لو كانت سرقتهم زي ما بتقولي مكنتش فضلت قعدة وسطينا وكانت خدت عيالها وهربت.

لترد عزيزة بجبروت وهي تحاول أن تزيح ابنها لكي تصل لها خلف ظهره الذي يمنعها عنها: لااااا دي سُهونة ومش سهلة وأكيد هي
أمال مين؟ دة مفيش حد بيدخل بيتنا غريب وأنا مبسبش البيت أبدًا غير للشديد القوي!
ليأتيهم صوت علاء المتبجح الذي وصل لتوه: أنا يا أماا اللي أخدتهم.

ضربت عزيزة أعلى صدرها بحسرة وأرتمت على أحد المقاعد القريبة ليتسأل عمرو بحدة بعدما شعر بزفرة الأرتياح التي أطلقتها زوجته خلف ظهره: بتسرق أمك يا جبان، عملت كدة ليه؟
أجابه علاء بتبجح وهو يتحاشا النظر لوالدته التي كان تأثير الصدمة عليها قوي: أنا مسرقتهمش محدش بيسرق حقه دي فلوس أبويا وأنا كان لازم أعمل كدة بدل ما أتفضح وأتسجن بوصولات الأمانة.

لطمت عزيزة وجنتها ونهرته بإنفعال وهي تنهض وتقبض على حاشية ملابسه: يا واطي بتسرق دهبي وتقهرني على شقى عمري علشان تسدد فلوس بنت نجية
ليجيبها علاء بتبجح أكبر وهو ينفض يدها: أيوة أمال عيزاني أبقى فُرجة قدام الناس وتخليني مطاطي براسي البقية من عمري علشان شافوني بقميص النوم ولا عايزاني أخليه يسجني بالوصولات اللي معاه كل دة ولا همك وعيزاني أتفرج عليكِ وانتِ عمالة تكوشي على الدنيا وتكنزي في دهب على قلبك.

صفعة مدوية من يد عمرو أبنها الأكبر نزلت كصاعقة على وجه ذلك المقيت وتلاها قوله بتوبيخ حاد: ازاي تتجرء و تقول كلام زي دة لأمك يا وحتى لو كدة مين أداك الحق تاخدهم لوحدك أنا وأخواتك لينا نصيب فيهم وهنخدو من حباب عنيك.

ليجيبه علاء بلكمة قوية من يده السليمة ويقول بغضب عارم وهو يمسكه من تلابيبه بيد واحدة وهو على وشك أن يتشاجر معه: مبقاش فاضل غيرك يا دلدول أمك أنك تمد أيدك عليا و تشتمني، وملكمش حاجة عندي وأعلى ما في خيلكم أركبوه.

لتشهق أميمة بذعر وتحاول أن تحيل بينهم بينما ظل أطفالها يبكون بشدة وهم يشاهدو أباهم وعمهم يتشاجرون، لينفض عمرو يد علاء بغضب وإن كاد يلكمه هو الأخر تناهى إلى مسامعهم صوت أرتطام قوي لتتحول نظراتهم في آن واحد نحو والدتهم التي لم تتحمل كل ما يدور وسقطت على الأرض فاقدة للوعي في حالة يرثى لها ليسرعوا إليها يتفقدوها وما أن وجدو حالتها لا تنبأ بالخير قاموا بنقلها للمشفى.

فيبدو أن قد حان الوقت لتكفري عن خطاياكي أيتها الأم المستبدة المتجبرة التي أنشأتي أبنائك على الجحود والطمع واستباحتي أعراض الناس فها هم أبنائك لم يبخلوا عليكِ بما نشأتهم عليه وكنتِ ذاتك أحد ضحاياهم فالتدركي جيدًا أن من ذرع بذرة طيبة في أرض صالحة نَعِم بخيراتها الوفيرة على عكسك تمامًا حصدتي فقط ما جنته يدك من خيبات.

عودة آخرى إلى قلب أوربا الرحيم كما يطلقون عليه وخاصةً بقصر شكري الأنصاري في المساء فكانت هي منذ أن عادت إلى هنا في الصباح وهي تشعر بلأختناق ولا تسمح لأحد بالدخول إلى غرفتها سوى يعقوب فهي حقًا تمقت ذلك المنزل و تريد تركه بأي شكل من الأشكال ولكن يظل يعقوب يطمأنها أن يجب أن ينتظرو قليلًا كي يتم كل شيء كما خططوا له سابقًا.

طرقات خافتة على باب غرفتها جعلتها تعتدل بجلستها وتأذن للطارق بالدخول فهي تعلم أنه يعقوب فلا أحد يجرء ويفعلها وإلا ينال منها العديد من التوبيخ
لتبتسم بهدوء ما أن رأته وقالت بحزن: أخيرًا جيت دة أنا هموت من الزهق، طمني عملت أيه؟

أجابها يعقوب وهو يجلس بالقرب منها وبصوت خفيض للغاية: دورت هنا في مكتبه ملقتش حاجة خالص، أبن اللذينة حويط جدًا يظهر أنو مخبي الورق المهم في خزنة الشركة وأنتِ عارفة أنها مش بتفتح غير ببصمة صباعه والكارت الألكتروني اللي مش موجود غير معاه
لتزفر لين بيأس وتتسأل بريبة: يعني أيه يا يعقوب مش هنعرف نوصل للورق اللي بيدين بابا وبيهدده بيه.

رفع يعقوب منكبيه بعدم معرفة وقال ببصيص أمل: أكيد في طريقة تانية ولازم منفقدتش الأمل
قطع حديثهم طرقات مهزوزة على باب الغرفة مماجعلها تتأهب بشراسة كي تنهر الطارق لكن ما أن فتحت الباب و وجدت
عز تبدلت ملامحها القتالية إلى آخرى وقالت بود: تعالى يا حبيبي مالك
رفع عز عينه المحملة بلآسى لها وقال بإقتضاب: مش عايز أتكلم دلوقتي ممكن متسألنيش تاني.

أومأت لين بتفهم رغم أن هيأته تلك التي لأول مرة تنتبه لها أنبأتها أنه ليس على مايرام وأنه يخفي شيء ليس بهين بالمرة
ليناولها عز علبة صغيرة ويقول قبل أن ينوى أن يغادر: العلبة دي عامل التوصيل أدهالي بعد بوابة القصر بشوية وقالي أسلمهالك في أيدك فرجعت علشان أديهالك
أومأت له بأمتنان وتسألت بقلق ما أن ولاها ظهره: أنت خارج
أكتفى عز بهز رأسه وغادر دون أن ينبس ببنت شفه مما جعلها تتنهد بعمق.

و تلتفت ل يعقوب وتقول بقلق ينهش قلبها وهي تراه شارد هو الآخر في أثره: بتفكر في اللي بفكر فيه عز مش مظبوط خالص
أجابها يعقوب بِفطنة: أخد بالي من فترة أوعدك هحاول أتكلم معاه وأعرف فيه أيه؟

لتتنهد بضيق وتضع تلك العلبة على الطاولة بإهمال ليتناولها يعقوب ويهتف بمشاكسة وهو يتفحص شكلها المبهم: غريبة العلبة مش مكتوب عليها حاجة خالص ولا مين اللي باعتها، ليتسأل وهو يضيق عينه بمكر يتقصد مشاكستها: يا ترى فيها أيه؟ أكيد مش قنبلة صح؟!
نفت لين برأسها ساخرة وقالت: أفتحها وخلينا نشوف أيه جواها.

ما أن أقتربت لين منه وقام بفتحها تيبست كل خلية بها وأتسعت عيناها بصدمة عارمة وتمتمت بتقطع وبنبرة مشدوهة: تيراميسو، يوسف
عقد يعقوب حاجبيه وقال بعدم فهم: يعني أيه؟
لتهز رأسها هي بهستيرية وتقول وهي تشعر أنها على حافة الجنون: يوسف، أكيد عايش وهو اللي باعتها يا يعقوب أن متأكدة أنو هو، هو عارف إني بحبها وليها ذكريات كتير معانا، يوسف عايش وأحساسي بيه مكدبش.

زاغت نظرات يعقوب بتفكير وقال كي يلاحق الأمر: ممكن تهدي
هزت رأسها بهستيرية والتقطت هاتف يعقوب وهاتفت عز الذي أبتعد مسافة كافية عن القصر الذي ما أن أجاب سألته بلهفة شديدة: عز قولي مين اللي أدهالك العلبة دي وشكله أيه؟
رد عز من الطرف الآخر: في ايه يا لين كان عامل توصيل عادي ومأخدتش بالي من شكله علشان كان لابس كاب على راسه ومداري نص وشه
نفت برأسها مرة أخرى بعدم تصديق وقالت بإنهيار: أكيد هو...

لتغلق الخط وتضع الهاتف و تحاول أن تخرج لبوابة القصر لتبحث عنه لولآ أن منعها يعقوب وهو يقبض على ذراعيها ويحاول أن يلاحق الأمر قبل أن تنتكث من جديد ويتفاقم إنهيارها: أهدي بقى وبطلي جنان أنا اللي كلمت محل الحلويات وطلبتها ليكِ وكنت فاكر أنها هتبسطك زي زمان
أحتل الحزن عيناها من جديد وتسألت بشك و بدمعات حارقة أبت الصمود أكثر: لأ أنت بتكدب عليا علشان تهديني أنت نفسك مكنش عندك علم باللي جوة العلبة.

برر لها بكذبة واهية بغرض تهدئتها: أنا كنت بهزر على فكرة علشان أخرجك من المود مش أكتر
وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها المتحسرة على ذلك البصيص التي تمنت أن يكون بصيص أمل لحياته.

وركضت إلى فراشها ترتمي عليه وتنتحب بحرقة وتنعي حظها وتظل تدعو الله أن يصدق حدثها، بينما تركها يعقوب كي تفرغ ما بجعبتها من بكاء وذهب ليتفقد الكاميرات المحيطة بالقصر لعله يتوصل لشيء، آما هي فبعد عدة دقائق وكعادتها المتبدلة سريعًا نهضت وجففت دمعاتها بظهر يدها بقوة خدشت وجنتها وكأنها توبخ تلك الدموع المتساقطة على شيء ليس له أساس من الصحة لتتمسك بذلك الحجر المتدلي من سلساله وكأنها تستمد منه القوة وقالت بأصرار عجيب وبيقين تشعر أنه صادق: لو الدنيا كلها قالت أنك موتت عمري ما هصدق، أنا عارفة أنك عايش لتضع يدها على خافقها وتتناول شهيقًا عميقًا بأنفاس ملتاعة وتستأنف: لسة قلبي حاسس بنبضك، لتفر دمعة أخيرة وهي تبوح بإجتياج شديد وكأنها تخاطب شخصه: أنا محتجالك أوي يا يوسف ، والله محتجالك، أرجعلي وبلاش تقسى عليا أكتر من كدة لتظل تناجيه بأمل وكأنه يستمع لها.

بينما هناك خارج نطاق ذلك القصر وخصةً عند تلك الأشجار النامية بكثرة كان هو يقف ويضع يده على خافقه الذي وخزه بقوة لعدة مرات وكأنه ينبأه أنها ليست على ما يرام حتى أنه هيء له أنه استمع لصوتها تناجيه وتقر بإحتياجها له لتغيم عينه بالحزن ويهمس بلوعة حارقة دون أرادة وكأنه هو الآخر يخاطب شخصها: أنا جنبك والله جنبك ياريتك تحسي بيا وبالنار القايدة في قلبي، نفسي أتأكد أنك ما خدعتنيش، وإن كل اللي قولتيه على اليخت قولتيه علشان تحميني، أنا حاسس بيكِ يا لين ونفسي تفهمي اللي أقصده وتحسي بيا ليتنهد بحرقة جثت على قلبه وهو يرفع نظراته للسماء يناجي ربه أن يرأف به وبقلبه ويظل يراقب ذلك القصر المهيب من بعيد يتأمل فقط أن يلمحها كي يبرد تلك النيران المستعرة بقلبه فهو بعد استعلام روبرتو عنها علم أنها كانت بالمشفى ولكن للأسف أضطر يوسف أن يطمأن على روبرتو أولًا وأوصله بذاته إلى كوخ صغير بأحد الجزر النائية كي لا يستطيع أحد من إعدائه العثور عليه وكان يتوجب عليه التخلص من تلك المركب التي من الممكن أن تكشف أمرهم فمن المأكد أن هؤلاء الملثمين الذين حاولو قتل روبرتو قد أوصلوا المعلومة بأمر تواجدهم بذلك المركب وعند أنهائه كل ذلك توجه إلى المشفى ولكن كان قد تأخر كثيرًا فعندما استعلم عنها هناك أخبروه أنها غادرت المشفى ومن حينها وهو يمكث أمام القصر على أمل رؤياها لكن دون جدوى فرغم مساعدة روبرتو له ونفوذه التي تعدت توقعاته إلا أنه أكد له أن من المستحيل أن يستطيع أن يدخل القصر فالحراسة مشددة للغاية ولم يفوت إلى الداخل سوى القاطنين بالقصر فقط حتى الخدم يبيتون داخل القصر ونادرًا ما يخرج أحد منهم في إجازة.

وحتى أفراد الأمن يتناوبون أوقات العمل ولهم مبيت خاص بهم بالداخل، وعندما يأس جاءت بذهنه تلك الفكرة الخفية بأن يبعث لها تلك الحلوى المحببة على قلبها التي طالما أخبرته أنها ترفعها إلى عنان السماء وأن وجوده أيضًا كفيل بذلك فهي طالما نعتته سابقًا
( أنت تيراميسو قلبي )
مما جعله وجدها أنسب طريقة كي يخبرها بطريقة غير مباشرة أنه مازال حي يرزق.

طال أنتظاره للكثير من الوقت حتى أنه كادت أفكار جنونية تندفع إلى رأسه مثل أن يقتحم القصر ويطالب برؤيتها ولكنه يعلم أن فعلها لم يتوانوا بقتله في الحال نظرًا لكثرتهم ولكم الأسلحة التي بحوزتهم نفض أفكاره المتهورة سريعًا ما أن تعالى رنين ذلك الهاتف الذي أعطاه له روبرتو كي يتابعه به ويتفقد أخباره وحين أجاب و وصله صوت المتصل من الطرف الآخر تجهمت ملامحه وقال بجدية و بإقتضاب شديد: حسنًا لم تدعه يغيب عن عينك و ربما تكون تلك الفتاه آملنا الأخير.

هل ينقصني شقاء أنا لمَ تتحامل الدنيا علي لذلك الحد، فنعم عانيت الكثير من الويلات سابقًا ألا يحين الوقت كي يتوقف عذابي ذلك إلم يحين الوقت كي أنعم بحياه سوية نقية طاهرة بعيدة عن تلك الأثام المدنثة الغارقة بها، فطالما أرادت تكوين أسرة وانجاب أطفال كي أربيهم وأقومهم على العطاء والحنان ولين القلب أقسم أني لم أفرط بهم مثل ما فعلت أمي معي بل كنت.

سأكون أم حنونة متفهمة تكرث حياتها من أجل أبنائها نعم تمنت وكان ذلك أكبر أحلامها مثل أي فتاه ورغبت بالأمر بشدة ولكن كان للقدر رأي آخر فجزء من أحلامها السابقة على وشك التحقق ولكن بطريقة سوداوية خيبت كل آمالها
فهي الآن تحمل بأحشائها نبتة شيطانية تنتمي
لذلك اللعين أكبر خطاياها وسبب تدنيثها...

ذلك ما كان يجول بذهن ماهي وهي مُمددةعلى فراشها بيأس شديد تحمل نتيجة الفحوصات التي أجرتها بيد وباليد الأخرى تتناول سيجارة من علبة سجائرها ربما عددها المائة التي أشعلتها منذ تأكدها من الخبر فهي لم تتهاون في جلد ذاتها و تأنيبها ولعن حياتها منذ ما حدث،.

قطع سيل أفكارها طرقات قوية على باب شقتها لوهلة ظنت أن عز قد عاد مرة آخرى لتبتسم وتضع الفحوصات بجانبها على الكومود و تنهض بساقين متراخيين بالكاد يحملو ثقل جسدها المتعب وتتوجه إلى الباب وهي تتمنى أن يكون هو فهي بالفعل بحاجته وبشدة
ما أن فتحت باب الشقة تجهمت ملامحها عندما وجدته ذلك اللعين أكبر خطاياها يطالعها بتقزز وهو يشملها من رأسها لأغمس قدمها
وتشدق قائلًا: شكلك ماله يقرف كدة أيه اللي حصل؟

أبتلعت ريقها هي بملامح شاحبة وبعيون غائرة وتلعثمت وهي تحاول جاهدة أن تبدو طبيعية أمامه: أناااا، مرهقة بس شوية
أزاحها من طريقه بطريقة جعلتها تتراجع خطوتان إلى الخلف وتقدم إلى الداخل وجلس بكل عنجهية على الأريكة التي تتوسط ردهتها
ليخرج علبة سجائره من جيب سترته ويشعل أحدهم وينفث دخانها وهو يضيق عينه يريد سبر أغوارها، ولكنها بالكاد أغتصبت بسمة باهتة على ثغرها وقالت مدعية الثبات: بتبصلي ليه كدة؟

أجابها وليد بحدة وبنبرة تحمل بطياتها الكثير من الترهيب وهو مازال ينفث دخان سجارته: لتاني مرة بتعصيني بسببه
عقدت حاجبيها تتدعي الجهل وبررت ودواخلها ترتجف منه: لو قصدك على عز أنا
مشفتوش من ساعة ما راح لأخته ومجاليش خالص بعدها
نظر لها نظرة عميقة من عينه الرمادية الحادة وقال بلؤم شديد وكأنه يريد يخترق دفعاتها ليستشف صدقها: المفروض إني أصدقك مش كدة؟

زاغت نظراتها لوهلة ولكنها أصرت على نكرانها بكل ثقة: أنا قولتلك اللي حصل ومش بكدب عليك تقدر تتأكد بنفسك
أومأ لها بغل وقال بمنتهى الحقد: ماشي مضطر أصدقك وعلى العموم مش هغلب وعندي ألف طريقة علشان أخلص منه
لأ، بلاش.

تفوهت بها بأندفاع ودون تفكير وكأن قلبها صرح بكل ما تشعر به من خوف بتلك الكلمات البسيطة التي صدرت منها دون أرادة مما جعله يرفع حاجبيه بغضب ويحتل الجحيم عيناه وينهض يجذبها من ذراعها بقوة ويقول من بين أسنانة الملتحمة بغيظ:
خايفة عليه أوي ليه كدة يا روح أمك
نفت برأسها بهستيرية وبررت بكذب كي تتجنب نوبة غضبه و تلعثمت وهي تشعر أن كل ما حولها يدور وقد بدء الغثيان يتملك منها كعادتها الأيام السابقة:.

مش خايفة عليه دة حتة عيل ملوش لازمة، أنا خايفة عليك أنت يتهموك في قتله.

رشقها بنظرة مطولة وكأنه يريد أن يتأكد من صدقها، لتبتسم هي بمراوغة وبعيون زائغة برعب لتنتقل عيناه على شفاهها الباهتة ورغم حالتها المزرية إلا أن أحتلت الرغبة عيناه الرمادية وكأن نزعته المرضية استهواها الأمر ليقترب برأسه منها يريد تقبيلها إلا أنها أنتفضت بين يديه وشعرت بإشمئزاز من أنفاسه التي تلفحها وأن رغبتها بالتقيء تزداد شيء فشيء وحين كان الأمر وشيك للغاية لم تتحمل و.

دفعته عنها بقوة وركضت إلى المرحاض الخاص بغرفتها وهي تضع يدها على فمها تحت نظراته المشتعلة الغاضبة والمشككة بذات الوقت
ليلحق بها إلى المرحاض الذي ما أن دفع بابه وجدها تفرغ كل ما بمعدتها بإعياء شديد ليصرخ بها والكثير من الشكوك تجول برأسه:
ممكن أفهم في أيه يا هانم؟
هزت رأسها بمعنى أن كل شيء على مايرام وهمست بصوت ضعيف وهي تحاول جاهدة الأخفاء عليه فإن علم بأمر حملها لن يتواني بقتلها:.

قولتلك مرهقة وشربت كتير أمبارح ويمكن دة السبب
هز رأسه وأمرها بجبروت ودون أدنى رحمة وبأنانية تامة صادرة من نزعته السادية المقززة: تاخدي شاور وتنظفي القرف دة وعشر دقايق وتكوني مستنياني في السرير عقبال ما أشرب كاسين تكوني خلصتي، فاهمة...
أغمضت عيناها بقهر و اومأت له بضعف ودمعاتها الحارقة تتسابق على وجنتها تنعي قلة حيلتها.

ليتركها هو ويتوجه إلى الفراش وينزع سترته ويلقي بها بأهمال وإن كاد يخرج من الغرفة لفت نظره تلك الأوراق على الكمود الخاص بها ليخطو نحوهم ويتناولهم وما أن تفحصهم وعلم فحواهم قست ملامحه وأحتل الجحيم عيناه مرة آخرى ولم يشعر بنفسه غير وهو يخرجها من المرحاض من خصلاتها شبه عارية ويدفعها على الأرض ويركلها بكل قوته بكل أنش بجسدها
وهو يصرخ بغضب عارم: بتخدعيني يا بنت ال.

أنتِ حامل و فكراني غبي وهيضحك عليا وحياة أمك لهموتك في أيدي
لتستغيث هي بنشيج وبنبرة متألمة وهي تحاول أن تحمي بيدها ما تستطيع من جسدها: أبوس رجلك يا وليد والله هنزله، هنزله مش عايزاه
أنا عارفة أنك عمرك ما هتعترف بيه ولا هترضى تتجوزني وكنت هتخلص منو من غير حتى ما أقولك.

حانت منه بسمة شيطانية مسمومةوكان رده أنه ركلها ركلة قوية ببطنها جعلتها تصرخ صرخة قوية تشق عنان السماء وتتلوى من الألم، ليهدر هو بإنفعال بعدها و يجذبها من خصلاتها ويصرح أمام وجهها بأفكاره السوداوية التي هيئها له تفكيره المريض: فكراني مغفل يا رخيصة
وأنا أيه يضمنلي أن اللي في بطنك دة مش أبن عز ودة ملعوب منك ومنه علشان تغدري بيا وتتجوزيه و تقشي كل حاجة.

غمغمت بنشيج قوي وهي تتعلق بيده التي تكاد تنزع خصلاتها من رأسها وحاولت استعطافه كي يصفح عنها: محصلش، والله ما حصل
اللي في بطني دة أبنك، أبنك أنت، والله ما سلمت نفسي غير ليك، صدقني
نفضها عنه بتقزز وقال بوعيد ودون أدني شفقة أو رحمة وهو يباشر ركله ولكمه لبطنها: لو عايزاني أصدقك يبقى لازم أتأكد من أنو نزل بنفسي.

تزايدت صرخاتها الحارقة المتألمة وحركة جسدها تحاول أن تتفلت من سيطرته عليها وهو يتناوب بقدمه على ركلها ولكن قواها قد خارت تمامًا وأنهكت كافة دفاعتها وشعرت بألم حاد بأسفل بطنها وأن شيء دافئ يتسرب منها لتغمغم بضعف وبنبرة متقطعة بهوان شديد: بموت، يا وليد ، حرام عليك، ليبتسم هو بأنتشاء ويلتمع الأنتصار بعينه عندما وجد نصفها الأسفل بأكمله غارق بدمائها ليبصق على جسدها المنهك تحت قدمه بتقزز ويعدل من هندام ملابسه وهو يلعنها بفجوج.

ويتناول سترته من جديد ويهسهس قبل أن يغادر وهو يرمقها للمرة الأخيرة: رصاصة واحدة كانت ممكن تريحني منك بس أنا مش عايز شوشرة وخايف يحسبوا واحدة رخيصة زيك عليا، ياريت دمك يتصفى وأخلص منك.

ليغادر تاركها بين الحياه والموت دون أن يرف له جفن غافل عن ذلك الخادم الذي كان يتتبعه خفية ليوصل كافة تحركاته إلى سيده، وغافل أيضًا عن عز الذي وصل لتوه كي يتربص تحت منزلها ككل ليلة لكي يعلم من ذلك الشخص اللعين التي فضلته عليه، الذي ما أن رأه يغادر بسيارته تجمددت كافة حواسه فهو الأن فقط تفهم كل شيء وتفهم مخططهم اللعين فهل يا ترى سيصعد لها ويرأف بحالها ما أن يجدها بحالتها تلك آم سيتركها تلحق بمصيرها المحتوم وتكفر عن خطاياها ويلحق بذلك اللعين لكي يقتص منه؟

دعونا نتمهل قليلًا في توقعاتنا فربما تخبئ لنا الأحداث القادمة أمور صادمة للغاية.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة