قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الحادي والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الحادي والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الحادي والعشرون

فجأة يتوقف الكلام وتبدأ النظرات، كلهم ينظرون إليك كأنك أغرب شيءفي هذا العالم
( أحمد خالد توفيق).

هل شعرتم من قبل بشعور الخواء الداخلي ذلك الأحساس اللعين أن تشعر أن تم تجريدك من كافة شيء يمت للإنسانية وأنك تشبه الموتى بكل شيء إلا هذا الشهيق والزفير الصادرمنك هو كل ما يدل على وجودك وحينها تفقد شغف الحياه وتنطفئ لمعة عينك للأبد فتصبح بلا هدف بلا وجهة بلا سبيل حين ترى بعتمة عيناك كل النظرات الموجهة لك كونك مثير للشفقة ليس إلا، وحينها يكون شعورك بلإيلام أشد من الموت ذاته.

ذلك ما كانت تفكر به ماهي وهي تنظر إلى عز الذي كان وجهه وصوت ندائه آخر شيء تتذكره بليلة أمس قبل أن تفقد وعيها فهو من المأكد أنه لم يتركها منذ الأمس وقام بجلبها إلى المشفى ليتم أسعافها والسيطرة على حالتها، فهي لم تشعر بأي شيء ألا منذ عدة دقائق قليلة حين فتحت عيناها ووجدته يجلس بزاوية الغرفة ويركز نظراته المعاتبة عليها بهيئة قاسية لم تعهدها منه من قبل، حتى أنها حاولت التحدث معه ولكنه يظل على جموده ذلك دون أن يتفوه ببنت شفة يكتفي فقط برشقها بنظرات عميقة من اللوم وخيبة الآمل.

لتحاول جاهدة أن تعتدل بجسدها وتتحامل على نفسها لتصرخ بألم وتستكين من جديد وهي تتلمس بطنها الخاوية ودون شعور وجدت نفسها تجهش بالبكاء دون أن تعلم هل تبكي على خسارتها طفلها آم على نجاتها من براثن الموت، ظلت تنتحب عدة دقائق دون أن يرف له جفن أو حتى يتعاطف معها بكلمة واحدة مما جعلها تصرخ بنشيج قوي وبإنهيار تام: أتكلم يا عز، بلاش تعاقبني بسكوتك، قول كل اللي عايز تقوله، قولي إني وحدة رخيصة وبعت نفسي لشيطان معندوش رحمة...

صر أسنانه بقوة وقست ملامحه أكثر وظل على صمته وهو يكور قبضة يده ويضغط عليها كي يكبح غضبه عنها، لتكرر هي من بين شهقاتها: أتكلم، حرام عليك وكفاية تبصلي كدة وتقتلني بنظراتك
حانت منه بسمة هازئة يشوبها الغضب المستتر ونهض توجه للنافذة وهو يشعربلأختناق ليحاول أن يتناول شهيقًا عميقًا كي يسيطر على ذاته ويكبح غضبه عنها.

لعدة دقائق كان الصمت بينهم قاتل ولكن لم يتوقف بكائها حتى أتاها صوته المتألم العميق متسألًا وهو مازال يواليها ظهره: اللي كان في بطنك دة من وليد مش كدة؟

كان ردها أن زاد صوت نحيبها أكثر مما جعله يشعر أن نيران مستعرة تتأكله وأنه لم يعد يقوى على الصمود أكثر ويكبح غضبه أكثر ليضرب بيده زجاج النافذة عدة مرات متتالية أدمت كف يده وصرخ بها بإنفعال شديد: أخر حاجة كنت ممكن أتخيلها أنو يطلع وليد ليقترب منها بطريقة أرعبتها و أزاح بيده الدامية كل محتوايات الكومود بجانبها وصرخ بهياج أكبر: أشمعنا هو بالذات؟
وليه علقتيني بيكِ؟!

أجابته من بين شهقاتها وهي تضع يدها على أذنها وتهز رأسها برعب من هيأته الغريبة عليها: علشان ضحك عليا وخلاني أحبه و أصدقه، وبعد ما أتملك مني أرغمني على حاجات كتير عمري ما كنت راضية عنها.

لترفع نظراتها المنكسرة إليه تبحث عن ذلك الحنان والتفهم المعتاد الذي عودها عليه ولكن للأسف وجدته قد أندثر داخل غابات الزيتون خاصته المشتعلة بالغضب والقسوة التي لم تعهدها منه من قبل ورغم ذلك أستأنفت بدمعات حارقة وبصدق تام وهي تتوسله بعيناها: سمعت كلامه في كل حاجة إلا إني أتمادى في أذيتك، مقدرتش، مقدرتش أذيك علشان كدة أضطريت أخليك تمشي من عندي، هو السبب هو اللي طلب مني أعمل فيك كدة علشان يخلص منك.

وماحدش يشاركه في ثروة أبوك
كان يستمع لها وهو يشعر بأن حديثها منطقي للغاية ولكن رفض عقله أن يستوعب الأمر ليزمجر بقوة ويقبض على ذراعها ويقول بغضب عارم قد بلغ منه مبلغه: الحمد لله أن ربنا كشف لعبتكم القزرة في الوقت المناسب وأنا بجد ندمان على كل ثانية أتعلقت فيها بواحدة زيك، أنا مش عارف أزاي كنت غافل عن حقيقتك ال كان لازم أفهم لينفض ذراعها بإشمئزاز و.

يضرب رأسه عدة مرات بإنفعال ويصرخ بصوت جهوري رج أركان الغرفة وانتفضت هي على أثره: أنا غبي، غبي، وغبائي هو اللي صورلي، أن ممكن حد يتعلق بيا ويبقى مسؤول مني ويشوفني راجل وقد المسؤولية، بس يظهر هما عندهم حق أنا عيل وخايب وأنا اللي سمحت ليكِ وللشيطان بتاعك أنكم تخدعوني
وضعت يدها على وجهها وهي مازالت تنتحب بقوة ومع كل كلمة يتفوه بها تشعر بنصل حاد من تقريع الضمير يغرس بقلبها.

ليهز هو رأسه لفشل محاولاتها بإستعطافه بنحيبها ويقول بحقد لم يكن أبدًا من صفاته قبل أن يوليها ظهره وينوي المغادرة: بلاش دموع التماسيح دي مش هتأثر عليا وفريها لما أقتلك حبيب القلب بتاعك
هزت رأسها بهستيرية وقالت بخوف حقيقي نابع من صميم قلبها: لأ يا عز بلاش تضيع نفسك ومستقبك.

حانت منه بسمة هازئة وهو يفتح باب الغرفة وقال بغضب أعمى وهو يرسل لها نظرة مأنبة معاتبة لابعد حد: أنا ضعت خلاص بسببكم، وبلاش تمثلي خوفك عليا مبقاش ليه لزوم، أصل أنا خلاص رجعت لعقلي ومبقتش غبي
ليغادر غير عابئ بندائها ولا توسلاتها إليه بخطوات غاضبة وتلك التساؤلات.

تدور برأسه وأولها هل وليد حقًا يريد التخلص منه بتلك السهولة مهلًا ألم يفرض على لين الزواج منه لنفس السبب فلمَ لا فمن المؤكد أنه يخطط لأنهاء كل فرد بتلك العائلة كي لا يظل غيره ويحصل على كل شيء
ولكن لا أقسم إني سأكون له بالمرصاد ولن أسمح له بفعلها مهما كلفني الأمر.

عودة إلى القاهرة وخصةً في تلك الشقة البسيطة التي تقطن بها نجية تلك السيدة الحنون التي رأف الله بها وأتم شفائها بعد قضاء عدة أيام بالمشفى، لتعود إلى منزلها سالمةو لكن لتتجنب أي أنتكاسة آخرى لابد أن تلتزم بتعليمات الطبيب اللازمة التي تنفذها حلا بحذفيرها
ورغم عدم تقصيرها معها إلا أن نجية تظل تتجنبها ولن تتحدث معها إلا للضرورة فقط.

تحمحمت حلا وهي تجلس بجوارها وتنظر لتلك الصنية المحملةبالطعام بحسرة لكون والدتها لم تتمسسها: يا ماما علشان خاطري لازم تاكلي علشان أنتِ بتاخدي علاج ومينفعش من غير أكل.

ظلت نجية على هيئتها ولم تتفوه ببنت شفة لتكرر حلا بإصرار: أنا عارفة أنك لسة زعلانة مني بس والله يا امي أنا عملت كدة علشان أتاكد وأقطع الشك باليقين علشان خاطري يا ماما سامحيني والله أنا أتعلمت من غلطتي وعمري ما هعصاكي أبدًا ولا هكدب عليكِ تاني
رفعت نجية نظراتها الحزينة إليها وتسألت بضيق وكأن كل ما تفوهت به حلا لم تستمع منه شيء: مفيش أخبار عن أخوكِ.

تنهدت حلا وأخبرتها: لأ، بس أكيد حاول يكلمنا الأيام اللي فاتت اللي كنا فيها في المستشفى، أنا كل مرة بنسى أديله رقم الموبيل بتاعي
لتعاتبها نجية بضيق كي تذكرها بفعلتها: الموبيل بتاعك اللي نستيه لما سافرتي للواطي واستكترتي عليا تطمنيني وخلتيني شبه المجانين بدور عليكِ
فرت دمعات حلا النادمة وأنحنت بجذعها تقبل يد والدتها وتقول بندم: أسفة يا ماما حقك عليا.

وبالله عليكِ سامحيني و والله أي حاجة تطلبيها هنفذها من غير ما أفتح بؤي
نظرت لها نجية نظرة جانبية حانية فتظل هي فلذة قلبها ولا تستطيع القسوة عليها مهما أقترفته من أخطاء لتميل حلا مرة آخرى وتقبل يدها من جديد وهي تستعطفها بعيناها وإن كادت تتحدث تناهت إلى مسامعهم طرقات منتظمة على باب الشقة لتنهض حلا وتقول وهي تجفف دمعاته وتلتقط أسدالها لترتديه: هشوف مين على الباب وأرجع.

لتحكم غطاء رأسها وتفتح الباب لتجد إسماعيل أمامها مطرق الرأس بأدب لترحب به وهي تجفف بقية دمعاتها بكف يدها: أهلًا يا إسماعيل أتفضل
ليتحمحم ويقول: أنا كنت جي علشان أطمن على أم الغالي
أبتسمت بسمة بسيطة مجاملة ورحبت: ماما صاحية أتفضل أدخل، دي هتفرح لما تشوفك
أومأ لها بثبات وأنتظر حتى أفسحت له المجال للداخل وتقدم إلى غرفة نجية.

التي ما أن رأته تهللت أساريرها وقالت بحنان أموي: كدة برضو من أمبارح مشوفكش يا إسماعيل
ولا تيجي تطمن عليا
أبتسم هو بأتساع وقام بتقبيل يدها ثم هامتها وأجابها معتذرًا: حقك عليا يأم الغالي والله غصب عني، أصل كان في شغل متعطل، وكمان داخل على شغل جديد أنا و واحد صنايعي هنجيب عربيات خُردة ونرجعها جديدة ونبيعها، أدعيلي يا أم الغالي تكون فاتحة خير عليا
لتدعو له نجية بقلب صادق: ربنا يكرمك يا بني ويرزقك من وسع.

أمن على دعوتها تزامنًا مع دخول حلا بصنية الضيافة المحملة بكوب عصير من الفراولة الممزوجة بالحليب.

وتقدمها له ليرفع هو بندقيتاه وينظر لها نظرة ممتنة وظل يتسأل بينه وبين ذاته هل يا ترى ما زالت تتذكر أنه يعشق ذلك النوع من العصير، لوهلة شعر أنه أطال النظر لها لينفض أفكاره التي ظن أنها واهية وتناول منها الكوب وشكرها لتقول هي كي تخيب ظنونه لأول مرة وتجعل قلبه يتراقص بين ضلوعه: أنا عارفة أنك بتحب العصير دة علشان كدة عملتهولك يارب يعجبك ومتعيبش عليه زي ما كان يوسف بيعمل زمان.

ليبتسم هو بسمة لأول مرة تنتبه لها ويقول بلطف وهو يتذوق جرعة صغيرة من الكوب: لأ حلو تسلم أيدك، وبعدين يوسف طول عمره بيحب يعاكسك لكن هو قلبه أبيض
لتتدخل نجية وهي تبتسم أيضًا: صدقت يابني يوسف مفيش أبيض من قلبه طول عمره غلبان
دبت حلا بقدمها وقالت بتذمر: قصدك أيه يا ماما
تنهدت نجية وأخبرتها وهي تؤشر على الطعام المركون بجانبها: مقصدش ويلا روحي شيلي الأكل اللي برد دة سخنيه علشان هاكل أنا و إسماعيل مع بعض.

أومأت حلا بطاعة وحملت الطعام وتركتهم بمفردهم
ليتحمحم إسماعيل وهو يضع الكوب ويتناول من جيب سترته حفنة كبيرة من النقود ويمد يده بها ل نجية: دي فلوس حلا يا أم الغالي
اللي كان أخدهم علاء
عقدت نجية حاجبيها وتسألت بريبة: فلوسها أزاي يابني مش فاهمة حاجة
ليجيبها بجدية: أنتو أمانة في رقبتي وكان لازم أرجعلها حقها
ضربت نجية أعلى صدرها بخوف وتسائلت: رجعتو ازاي والواطي دة قبل يديك الفلوس.

هز إسماعيل رأسه بإيجاب وقال بثقة فهو نعم قام بمسح ذلك المقطع المشين لذلك المقيت من على هاتفه أمام عينه ولكنه لم يسلمه كل الوصولات وأصر على الأحتفاظ بأحدهم ليضمن به عدم تعرضه لها: رضى متقلقيش وعلمته الأدب ومن هنا ورايح مش هيتعرض ليها بأي شكل
لتبتسم نجية بسعادة متناهية وهي تشعر بالفخر وتقول وهي ترجع يده الممدودة: خلي الفلوس معاك، وأعتبر أنك دخلت بيهم الموكوسة بنتي شريكة معاك في الشغل الجديد.

هز رأسه بنفي قاطع واعترض: ميصحش يا ام الغالي دة حقها ولازم يكون عندها علم
لتصر نجية: الفلوس دي لولاك مكنتش رجعت وبعدين أنا مش بقولك خدهم، بقولك دخلها معاك شريكة وخليلها نسبة من المكسب
هز رأسه مرة آخرى بعدم أقتناع لتصر هي عليه مرة آخرى ولكن تلك المرة وهي تستعطفه وتستغل أمر مرضها: أسمع كلامي يا إسماعيل ومتوجعش قلبي الله يخليك
أنت ناسي أن الدكتور قال مينفعلش أتعصب أنت عايز تضرني ولا أيه؟

بس يا أم الغالي م...
قاطعته بحدة تلك المرة وبأصرار أكبر: لو ماأخدش الفلوس قلبي هيغضب عليك ليوم الدين
أغمض عينه بقوة وقال بيأس من أقناعها: مقدرش أكسرلك كلمة يا أم الغالي بس لازم تخدي عليا ضمانات
لوت نجية فمه بإمتعاض وأخبرته: أنا أأمنك على روحي يا إسماعيل مش على شوية ورق دة كفاية وقفتك جنبنا
دة لو كان ابني هنا مكنش هيعمل أكتر من اللي أنت عملته.

لينهض مرة آخرى ويقبل هامتها بحنو ويقول: ربنا يخليكِ لينا يا أم الغالي
لتقاطعهم حلا وهي تدخل بالطعام وتطلب بحرج من والدتها: ماما، ممكن أكُل معاكم أصل مش بحب أكُل لوحدي.

ليقترب منها كي يتناول عنها ومع حركة بريئة منها بمناولته ودون أي قصد منه بتاتًا تلامست أناملهم مما جعله لوهلة تهرب عيناه الخائنة كعادتها تتأمل نظراتها الهادئة بتخبط شديد وقبل أن يبدء ذلك الصراع المعتاد بين قلبه وعقله قطع شروده صوت نجية وهي توافق على طلبها و تتناوب النظرات بينهم ليتحمحم هو بحرج ويزيح برأسه بعيدًا و يجذب صنية الطعام ويضعها على الفراش ليجلسوا ثلاثتهم يشرعوا بتناول الطعام بينما.

أبتسمت نجية بإتساع و ظلت تدعو الله بسرها أن يريح قلبها ويحقق ما تتمناه لأبنتها.

عودة آخرى إلى قلب أوربا الرحيم كما يطلقون عليه وخصةً بالمشفى التي تقبع بها ماهي فبعد مرور أقل من ساعة واحدة من مغادرة عز كان الطبيب يقوم بفحصها وأثناء تدوينه ملاحظاته على ذلك اللوح المعدني المعلق على فراشها تمتمت هي بضعف بلغة إيطالية: أريد مغادرة المشفى
لا أحتمل البقاء أكثر.

رفع الطبيب نظراته عن اللوح المعدني بعد أنهاء تدوين ملاحظاته وأخبرها بعملية: مازلتي بحاجة لرعاية صحية بعد التعنيف الذي تعرضتي له
أمازلتي تصري على عدم الأفشاء عن الفاعل؟
نفت برأسها وقالت وهي تدعي كذبة واهية تخلصها فهي تعلم أنه إذا تم أتهام وليد سوف ينفذ تهديده لها الذي يرهبها به منذ سنوات: لقد أخبرتك مسبقًا إنني سقطت من أعلى الدرج
ولا دخل لأي شخص بما حدث.

هز الطبيب رأسه بتفهم ولم يصر على الضغط عليها أكثر وقال قبل أن يغادر: حسنًا، تستطيعي المغادرة في الغد إن أردتي ولكن أحرصي على أخذ قسط كبير من الراحة وتناول العقاقير الطبية الموصفة لكِ بإنتظام.

أومأت له بضعف ليغادر تاركها شاردة في أثره بنظرات فارغة إلى أن قطع شرودها دخول شخص يرتدي كاب رأس يخفي نصف وجهه وكنزة رياضية مغلق سحابها حتى فمه، لتشهق هي بقوة عندما أغلق الباب وتقدم منها وإن كادت أن تصرخ من هيأته وأقتحامه المريب باغتها بوضع كف يده على فمها وقال وهو يرسل لها نظرات مطمأنة: أهدي أنا مش هأذيكي
نفت برأسها بعدم تصديق وظلت تتلوى تحت قبضته.

ليكرر هو بأصرار: متقلقيش قولتلك أنا هنا علشان أساعدك وأخلصك من شر وليد
لتهدء دفعاتها وتغيم عيناها ببصيص أمل، لينزل هو بدوره كف يده عن فمها ليسمح لها بالحديث لتهمس في ضعف وهي تبتلع غصة مريرة بحلقها: أنت مين، وأزاي هتساعدني
ليجيبها هو بعدما تنهد بعمق وغامت عسليتاه الناعسة بوميض الأنتقام: هقولك، وهفهمك كل حاجة وتأكدي أن مصلحتنا واحدة.

في المساء وأمام شركة أبيه ظل هو يدور حول نفسه بعصبية مفرطة منذ عدة ساعات من الأنتظار وهو يشعر أن سباق ماريثون يقام تحت جلده فكان بدء جسده بأعلان عصيانه عليه مطالبًا بحاجته لتلك السموم البيضاء الذي تعود عليها، فرك.

شعره بقوة حتى كاد ينزع خصلاته البنية من رأسه وهو يحاول التغاضي عن فورانها وتأكل جسده فقد أقسم أن لا يمسس تلك السموم مرة آخرى بعد أفصاحها عن مخطط ذلك اللعين الذي يقسم أن يخلص عليه الآن كي يبرد تلك النيران المستعرة بقلبه فقد قام بأخذ سلاح أبيه من مكتبه عنوة دون أن ينتبه له أحد وتوجه إلى الشركة بعد علمه أن وليد هناك لأخذ مستندات من مكتبه قبل مغادرته للبلد لأتمام تلك الصفقة اللعينة خلال ساعات قليلة، أبتسم بسعادة متناهية عندما ظهر ذلك اللعين أمامه وتوارى خلف أحد السيارات المصفوفة أمام الشركة وأخذ يفرك أنفه بحركة هستيرية وهو بالكاد يستطيع التركيز شد إجزاءالسلاح وصوب نحوه وإن كاد يضغط على الزناد لينتقم من ذلك اللعين قبض شخص يرتدي قبعة رأس تحفي نصف وجهه على يده بقوة تحت مضضه، وضرب يده بركبته عدة ضربات حتى سقط السلاح منها، حتى أنه كتم أنفاسه بكف يده وشل حركته تحت مضضه وأعتراضه الشديد إلى أن غادر وليد بسيارته ليتلوى عز وإن كاد ينفلت من قبضته ناوله ذلك الشخص عدة ضربات رأس عاتية لم يتحملها عز و سقط طريح لأثرها، مما جعل الآخر يسنده ويقوم بحمله ويذهب به إلى تلك السيارة الصغيرة.

بينما هي اليوم فقط قررت أن تخرج من ذلك القصر التي حقًا تشعر بلأختناق بداخله، فبعدأن أسدل الليل ستائره وساد الهدوء في أرجاء القصر قرر يعقوب الترفيه عنها والفرار من رجال وليد الذين يتربصون بهم، لتصر هي أن يأتي بها لتلك الجزيرة التي زارتها مع يوسف من قبل وشهدت على عشقهم، حتى أنها ظلت طوال الرحلة شاردة غارقة في ذكرياتها معه وحين غادرو العبارة وأتجهوا إلى الشاطئ جلست في نفس المكان الذي جمعهم من قبل و ظلت تحتضن ذاتها وتضم سترتها تتحايل على الدفئ التي كانت تنعم به برفقته وهي تنظر للبحر بتيه تام وكأنها تعاتبه على شيء هي ذاتها لا تريد أن تصدقه إلى الآن لتنعي نفسها فهي لا تملك منه سوى عدة ذكريات تقسم أنها ستظل بداخلها للأبد وذلك الحجر المعلق بسلسالها التي أحتضنته لتوها وشردت في تلك الذكرى المحببة على قلبها حين أهداه لها.

Flash Pack
يوسف: أيوة هو نفس الحجر اللي بتفائل بيه بس عدلت فيه علشان يناسبك
رمشت عدة مرات وهمهمت بعيون حالمة: بس دة عزيز عليك وكنت قايلي أنك بتتفائل بيه
أجابها بلطف وهو يضعه حول عنقها: علشان كدة هديهولك علشان عزيز عليا وللأسف معنديش حاجة تانية أقدر أديهالك غيره وبعدين أنا خلاص خدت من الحظ كفايتي بوجودك جنبي
ليستأنف بعشق وهو يتمعن بها: انتِ تميمة حظي ياقطتي.

أبتسمت بإتساع حتى ظهرت غمازاتها التي تزعزع ثباته وتحسست السلسال بأناملها بعد أن البسه اياها ورفعته لفمها تقبله وهمست بعشق وهي تغوص ببئر عسله: بحبك يا ابن بلدي
أنا بحبك أكتر يا قطتي
End Flash Pack
فرت دمعة حارقة من عيناها وهمست بلوعة وبقلب ممزق لأشلاء من دونه وهي ترفع ذلك الحجر وتقبله قبلة مطولة: وحشتني، سامحني أنا عمري ما كنت تميمة حظك أنا كنت سبب لعنتك.

ربت يعقوب على كتفها وقال بدعم وهو يجلس بجانبها: وبعدين يا لين أنا كنت فاكر لما نخرج هتغيري جو وهتبقي أحسن
رفعت نظراتها إليه بحزن شديد وتمتمت وهي تمسح دمعاتها: عمري ما هبقى كويسة يا يعقوب غير لما أطمن عليه
ليختنق صوتها وتستأنف برعب حقيقي وبقلب يرتجف: أو على الأقل أتأكد من موته.

تنهد يعقوب بعمق وأخبرها بقلة حيلة: قولتلك أن مش هيأس بس المشكلة إني حتى معرفش أسمه بالكامل وملهوش ورق يستدل عليه، رجالتي دورو في المستشفيات ومراكز الشرطة حتى مراكز اللجوء بس برضو مفيش فايدة
كانت تستمع له وبعد كل كلمة تشعر أن قلبها يعتصر بين ضلوعها هل حقًا تفقد الأمل هل حقًا استطاع الموت حرمانها منه لتنفي برأسه وتقول بأصرار عجيب وهي تضع يدها على خافقها: أنا متأكدة أنو عايش، قلبي حاسس بنبض قلبه...

ربت يعقوب على يدها المسنودة بدعم أكبر لتبتسم هي ببهوت وتعود لشرودها بعتمة البحر، وبعد ثواني معدودة من شروده هو أيضًا بتلك الصهباء ذات العبق الأخاذ الذي يقسم أنه وقع أسير لها ولشراستها القتالية وقراره الحتمي أنه سيذهب للمشفى الذي كانت تقطن بها لين ليحاول مرة آخرى معها ويأمل أن لن تقتله تلك المرة قطع شرودهم معًا رنين هاتفه ليتناوله وما أن نظر لشاشته وجد رقم غير مسجل مما جعله يرد بإقتضاب بلغة إيطالية وحين استمع للطرف الأخر تجهمت ملامحه و صاح بإنفعال: هل أنت متأكد أنه عز الأنصاري.

ليأتيه الرد من الطرف الآخر يأكد له ليلعن يعقوب تحت أنفاسه ويقول وهو ينهض: حسنًا بأي مشفى هو...
أمهلني بعض الوقت وسأكون هناك
لتقول لين بقلق ما أن أغلق الخط: في أيه؟ عز ماله؟
ليسحبها خلفه كي يغادرو ويقول: عز مش كويس وكلموني من المستشفى علشان أنا أخر رقم كلمه، لازم نلحقه
ليستقلوا العبارة من جديد ويغادرو الجزيرة ليتفقدو
عز.

آما هو أبتسم بأتساع عندما تأكد أنهم أخبرو عائلته فمن المأكد أنها ستخرج من ذلك القصر اللعين المحصن بالحراسة وتأتي إلى هنا لتطمئن على أخيها وستكون فرصة مناسبة كي يراها ويتحدث معها فنعم هو من قام بمنع عز بناءً على رغبة ماهي فعندما ذهب لها بالمشفى أشترطت عليه أنها لن تساعده إلا إذا لحق ب عز ومنعه ليضطر أن يطلب مساعدة خادم روبرتو الذي يتتبع ذلك اللعين وليد ليخبره مكانه وعن خبر سفره مما جعله يتيقن بذكائه أنه من المأكد وجود عز هناك وحينها توجه إلى الشركة ليلحق به، أنتظر أمام المشفى لعدة دقائق مرو عليه كدهر وهو يأمل فقط أن يلمح طيفها حقًا أشتاق لها كثيرًا ولكل تقلباتها المزاجية العجيبة، حتى ذلك اللقب التي كانت دائمًا تطلقه عليه وتنطقه من بين شفاهها كلحن عذب تتراقص خفقات قلبه على أثرها، تنهد بعمق وهو يمني نفسه بالكثير والكثير ويرجو ربه أن يكون ظنونه بمحلها وتكون قالت ما قالته يوم أصابته فقط لحمايته، ظل يتآمل بالكثير وتتعالى تنهيداته الملتاعة حتى وصلت لعنان السماء، فهل ياترى حان وقت اللقاء وانهاء معانتهم ولوعة قلوبهم آم مازال القدر يتلاعب بهم ويخبئ بين طياته الكثير، دعونا نتمهل ونلتقط أنفاسنا فربما القادم يفوق كل توقعاتنا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة