قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني والعشرون

انتظارك يشبه انتظار المطر أيام الصيف الحارة حيث الشمس تأبى الرّحيل
(مقتبس).

طال أنتظاره ولكنه كان يصبر قلبه ويدعو الله أن يمر الوقت قبل أن يفقد صوابه
قطع شروده صوت ذلك الهاتف الذي أعطاه له روبرتو ليتتبعه به ومعرفة كافة أخباره ليجيب بتلهف ما أن جاءه صوت روبرتو من الطرف الآخر: ماذا بك روبرتو لماذا صوتك متعب لهذا الحد
ليجيبه روبرتو بضعف من الطرف الآخر: يوسف أشعر إنني لست على ما يرام أرجوك عد إلى هنا بني لا أريد الموت وحيدًا.

أغمض يوسف عينه بقوة من ترتيب القدر الذي يعانده دائمًا وقال مضطر: حسنًا روبرتو سأتي فورًا وأحضر معي طبيب أصمد رجاءً
ليغلق الخط وينطلق بتلك السيارة الصغيرة التي أمنها له روبرتو سابقًا، تزامنًا مع وصولها هي و يعقوب أمام المشفى ولكن لم يكن القدر بهم رحيمً وأصر على معاندتهم وتعذيب قلوبهم.

هرعو إلى الداخل بخطوات متلهفة يتسألون عن عز
وما أن استعلموا عن حالته أخبرهم الطبيب أن شخص مجهول جلبه إلى هنا وأخبرهم أنه وجده فاقد الوعي وعند افاقته أنتابته حالة من الجنون والهياج مما جعلهم يساورهم الشكوك نحوه و يعطوه حقنة مهدئة ليسيطرو على حالة الهياج التي أنتابته وعند عمل الفحوصات اللازمة تأكدو من صحة أدمانه، ليتم أحتجازه بالمشفى بالقسم المختص لعمل اللازم لحالته.

جلسوا الأثنين مشدوهين أمام فراشه يتبادلون النظرات بينهم بحزن شديد على ما
توصلت له حالته ليقول يعقوب وهو يجلس بجواره وينظر بتمعن لوجهه أثناء نومه: أحنا أزاي ما أخدناش بالنا أنو بيتعاطى السموم دي
ردت لين بحزن شديد وحسرة على حال أخيها: أنا قربت منه متأخر أوي يا يعقوب أحنا كُلنا كنا بعاد عنه كلنا مسؤولين عن اللي حصله.

ليهدر يعقوب بجدية ينهيها: بلاش تحملي نفسك فوق طاقتك، وكفاية اللي أنتِ كُنتِ فيه ملوش لازمة تأنبي نفسك على حاجة أبوكِ السبب فيها
لتتنهد هي بعمق وترفع يد عز وتقبلها بحنو أخوي وتقول بضيق: أبويا أحنا أخر حاجة بيفكر فيها ومعندوش مانع يبيع لحمه كمان علشان مصلحته.

لينظر لها يعقوب نظرة عميقة ويشعل أحد سجائره ويتوجه للنافذة المفتوحة بشرود تام وكأن حديثها ذلك أيقظ ذكرى خامدة بقلبه منذ قديم الأذل تذكره بأبيه فنعم عمه لا يعترف برباط الدم فحتى شقيقه قد أرسله بيده إلى غياهب السجون بعد توريطه بقضية مخدرات يعلم الله أن أبيه بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب،.

فرغم أنه كان لم يتعدى عمره حينها الخمس سنوات إلا أنه يتذكر إلى الآن نظرة الإنكسار والقهر بعين أبيه حين ودعه للمرة الأخيرة، إلى الآن يتذكر أصراره على برائته ولكن لم يكن القدر به رحيمًا ولم يحالفه الحظ بأثبات برائته، فقد هرب عمه بعدها وأخذ لين لخارج البلد تارك خطاياه المدنثة يتحملها غيره،.

لتتوفى والدته بعد عدة سنوات عصيبة ليصبح هو وحيدًا بلا مأوى أو أحد يعوله إلى أن تكرم عليه عمه وأرسل له ليعيش معهم فيبدو أن رماد ضميره هو من جعله يفعل ذلك ومن حينها وهو يعيش بينهم، و رغم علمه بفعلت عمه بحق أبيه ولكن لم تسكن الضغينة يوم قلبه ولا تلوثه نقطة غبار واحدة، فنعم هناك قلوب نقية هكذا لا تستطيع أن تتلوث أو تحقد رغم الإساءة وتظل تحتفظ بنصاعتها وبطهرها وبتلك القيم والمبادئ التي نشأت عليها مثله تمامًا، ولكن ذلك لا يمنع أنه رغم مرور تلك السنوات الطويلة لا يستطيع أن ينسى قط ما حدث.

أبتسم بسخرية مريرة على تفكيره المتناقض لحد كبير وألتفت عندما أتاه صوت لين تخبره بإصرار: أنا مش هسيب عز لوحده ولازم أفضل جنبه لغاية ما يتعدى المرحلة الصعبة دي الدكتور قال أن أعراض الإنسحاب يقدر يتخطاها في أسبوع واحد بس لو عدى أقصى مراحلها
ولو ألتزم بالتعليمات وبالعلاج
أومأ لها يعقوب بأمل وقال داعيًا متغاضي عن كل شيء: يارب، إن شاء الله هيبقى كويس وكل حاجة هتبقى أحسن.

أمنت على دعواته وظلوا الاثنين بجوار عز المستغرق في سبات عميق بسبب المهدء القوي ولكن سيكون هذا السكون شيء مؤقت قبل عاصفة جسده.

بعد خمس أيام في القاهرة.

وخصةً في ورشة تصليح إسماعيل كان هو يتفانى في إصلاح تلك السيارة المتهالكة كي يجعل منها صالحة للعمل مرة آخرى فكان يقوم مساعده الصغير ماندو بمناولته قطع العدة اللازمة أثناء نومته تحت السيارة وفكه شكمان السيارة الذي ما أن فك البراغي خاصته تساقط على وجهه بعض قطرات الشحم التي لوثت وجهه ولكنه لم يعيرها أنتباه وأكمل عمله إلى أن تناهى على مسامعه صوتها المميز ينطق بتحية الصباح، لوهلة ظن أنه يهيء له ولكن عندما رحب بها ماندو تأكد من الأمر ليخرج ببطء من رقدته تحت السيارة وهو مازال بيده ذلك المفك ورفع بندقيتاه من موقعه لوقفتها وتنهد تنهيدة عميقة نابعة من قلبه الملتاع ما أن وجدها تقف أمامه بطلتها البسيطة المحتشمة التي تتناسب مع حجاب رأسها الناصع الذي أنعكس بريق لونه على بشرتها وجعلها تبدو كبدر بليلة تمامه نفض أفكاره سريعًا وهو يلعن غبائه ككل مرة وتحمحم مرحبًا بعدما أمر ماندو أن يستأنف عمله: صباح الفل ياأخت الغالي.

لتضحك حلا ما أن نظرت لوجهه ضحكة بريئة و
بررت وهي تمد يدها بعلبتين مغلفتين بأحكام: أنا كنت نازلة أجيب حاجات للبيت وماما قالتلي أنك بتحب الرز باللبن وقالتلي لازم أدوقهولك أنت و ماندو لتحمحم وتضيف: على فكرة أنا اللي عملاه لترفع نظراتها المحرجة إليه وتبتسم وهي تأشر على وجهه توضح ببرائة: هنا في شحم.

أبتسم هو الآخر وهو يتحسس وجهه وبتوتر شديد من تأثيرها المربك عليه ما بين أن يشكرها آم يضع المفك من يده أو يتناول منها أو يمسح وجهه قرر دون تركيز أن يأخذ منها العلب و يضع بيدها بعفوية غير مقصودة وأرتباك شديد ذلك المفك الملوث بالشحم بيدها الذي كان يحل به البراغي منذ قليل
لتشهق هي وتقهقه على فعلته و تنظر على يدها الملطخة بتفاجئ.

لتتسع عيناه ويضع ما بيده على الطاولة ويقول معتذر وهو يناولها عدة محارم ورقية مببللة خاصة لأزالة الشحم: أسف، والله أسف مخدتش بالي
لتتناول منه تمسح يدها و تقول أخر شيء كان يتوقعه منها من بين ضحكاتها التي تزعزع ثباته: ولا يهمك يا سُمعة
علشان ميبقاش حد أحسن من حد.

مهلًا أيها القلب رجاءً لا تتوقف الآن وتتخلى عن جسدي وأهدء فأنا مازلت بحاجتك، ألم تكن أنت من يحثني على المثابرة فأين أختفت عزيمتك القوية وتشبثك بحبها ألمَ تخبرني أنك لن تخفق سوى لها فماذا حدث لك هل ستتوقف عن مهامك وتتخلى عني بمجرد بضع كلمات قليلة منها لا رجاءً فأنا أقر لك الآن إني أؤمن بك و ربما أنت محق مازال هناك بصيص أمل ولكن أرجوك أمهلني بعض الوقت لكي استوعب الأمر.

لتحمحم هي ما أن هدئت ضحكاتها وطال صمته وشروده بها الذي أخجلها كثيرًا: أنا لازم أمشي علشان متأخرش
استني
قالها بلهفة ودون تفكير ما أن ولته ظهرها، لتلتفت له مرة آخرى ويتحمحم ما أن تدارك تسرعه بأول شيء خطر بباله: شكرًا على الرز بالبن
أومأت له برحابة وإن كادت تغادر من جديد منعها قوله بنبرة رجولية بحتة: ياريت لما تحبي تجيبي حاجة من الشارع متنزليش خليكي جنب أم الغالي وانا أو ماندو نجبلك اللي أنتِ عيزاه.

رفعت نظراتها بتخبط وهي تتعجب من أهتمامه ومراعاته لتهمهم قبل أن تغادر مسرعة: شكرًا يا إسماعيل
لينظر إسماعيل لأثرها ببسمة حالمة غافل عن جارهم الذي التقط بعيناه خروجها من ورشته وتقدم نحوه يحدثه بود وهو يربت على كتفه: أزيك يا ابني، عايز أتكلم معاك ومش عايزك تأخذني على اللي هقوله بس لازم تسمعه مني بدل ما تسمعه من الغريب.

ليبتسم إسماعيل بأدب كعادته ويقول لذلك الجار الطيب وهو يدخله ويجلسه بالداخل: أنت على راسي يا شيخ عبد الرحيم أتكلم
ليقول له عبد الرحيم برزانة: كلام الناس مش سايب حد في حاله، وأنا عارف أنك ابن حلال، أقطع عرق يا بني وسيح دمه واقطع ألسنة الناس اللي بتخوض في سيرتها وعرضها.

جز إسماعيل على أضراسه وزاغت عينه وهو يشعر ببراكين ثائرة تتصاعد إلى رأسه بعدما تفهم إلى ماذا يرمي عبد الرحيم حتى أن صوته صدر منه منفعل دون شعور: يعلم ربنا أن مفيش حاجة بيني وبينها اتعدت الأصول و بعدين دول أمانة في رقبتي و يوسف قبل ما يمشي موصيني عليهم وأنت عارف ظروف تعب أمها هي اللي...

قاطعه عبد الرحيم بثقة وهو يربت على ذراعه: عارف يا بني متكملش، أنا كنت معاكم وشوفت بعيني كل حاجة وعارف أنك ابن أصول وميعدكش العيب
بس أحنا منقدرش نمسك واحد واحد من الناس ونفهمه الصح من الغلط
أبتلع إسماعيل غصة بحلقه وتسأل بريبة: عايزني أعمل أيه؟

أجابه عبد الرحيم بتعقل شديد وهو يحاول التأثير عليه: أرُح أنا وأنت نطلبها من الست نجية وبإذن الله مش هترد طلبنا وخصوصًا أن بنتها ملهاش عدة، وتبقى كدة أنت صونت الأمانة بتاعت صاحبك وصونت عرضه في غيابه
ليتنهد إسماعيل بعمق ولوهلة شرد بالأمر فما يطلبه عبد الرحيم هو أقصى أمانيه بالحياه ليزفر بيأس ويتحمحم بما يتخوف منه: وافرض هي رفضتني تاني
وفهمت أن كل اللي عملته معاها علشان استغل أزمتها ومرض أمها لصالحي.

لينفي برأسه بنفي قاطع ويقول بتصميم وبكل كبرياء: أنا مستحيل أقبل بكدة
غير لما أشوف قبول منها
أنا راجل ياعم عبد الرحيم وعندي دم ومقدرش أفرض نفسي عليها وأنا عارف أنها مش بتحبني
ليتنهد عبد الرحيم وينهض و يقول كي يحثه عن العدول عن قراره: على العموم يا بني أنا عملت اللي عليا وهسيبك لضميرك، وخليك فاكر إني نصحتك، ولو فكرت تغير رأيك أنا موجود وهاجي بنفسي وأطلبهالك من أمها.

ليغادر هو تارك إسماعيل شارد في نقطة وهمية بالفراغ يحاول التغاضي عن صرخات قلبه.

عودة إلى إيطاليا
نوبة آخرى ولكن أكثر حدة من سابقتها فكان يصرخ ويصرخ بهياج شديد ويدور حول نفسه كالليث الجريح الذي يعاند الموت يفرك جسده حتى يدميه.

ويشدد على خصلاته البُنية وهو يكاد ينزعهم من رأسه يثور ويكسر كل شيء حوله تارة وتارة آخرى يظل مستكين بزاوية الغرفة بجسد يشتعل و بعيون غائرة محاطة بهالات سوداء تشبه تلك الأيام الخمس الكاحلة التي عاناها بأعراض إنسحاب تلك السموم من جسده الذي أصبح منهك هزيل للغاية.
دلفت لين إلى غرفته.

رغم أعتراض الأطباء تخوفًا أن يؤذيها بنوبة من نوباته ولكنها أصرت على الأمر وبشدة وها هي تقف تشاهد حالته التي لا يرثى لها الآن وهو يجلس بزاوية الغرفة ويضم ساقيه على صدره ويتأرجح بجسده للأمام والخلف بتوتر شديد وبعدم أتزان لتقترب من جلسته وتجثو بجانبه وتهمهم بعيون غائمة وهي تتمسك بذراعه: عز، علشان خاطري استحمل أنا عارفة أنك قوي وبإذن الله دي ازمة وهتعدي
واوعدك مش هسيبك وهنتقم من اللي كان السبب.

ظل على وضعيته المتوترة تلك مع ازدياد وتيرة أنفاسه دون أن يعيرها أي أهتمام، لتستأنف وهي تتمسك بذراعه وتحثه على التوقف: علشان خاطري أنت تقدر تتغلب على كل دة
نفي برأسه وصرخ بحلق جاف كلعلقم: أنا مش قادر، كل حتة في جسمي بتأن طالبة الرحمة، انتِ مش حاسة بيا وبوجعي
قال أخر جملة بنبرة ممزقة متألمة وهو يأن مع كل حرف يخرج من فمه من شدة الحاح جسده المتألم مما جعلها.

تجذبه من رأسه وتحتضنها وتقول وهي ترتب على ظهره بحنو اخوي وبدمعات متساقطة متأثرة للغاية تحاول أن تواسيه وتشد أزره: كل الوجع هيروح، صدقني يا عز الدكتور بيقول أنك عديت أصعب مراحل الإنسحاب
هانت، علشان خاطري استحمل
ليصرخ هو بصوت جهوري رج أعمدة المكان وهو يخرج من بين ذراعيها وينهض يتحرك بعشوائية ويدور حول نفسه بهياج: مش قاااااااااااااادر
بقولك تعباااااااااااان، تعباااااااااان.

انكمشت بقلق من صراخه الذي أجفلها وإن كادت تقترب منه من جديد كي تهدئه
دخل الطبيب المختص بحالته ومعه أثنان ممرضين قاموا بسحبه بالقوة تحت مضضه إلى الفراش وتقيد حركته وحقنه بمهدء فعال جعل جسده يتراخى تدريجيًا إلى أن سقط في سبات عميق.

لتتعالى شهقاتها وهي تراه بتلك الحالة التي مزقت نياط قلبها وارادت أن تبقى بجانبه ولكن أخبرها الطبيب أن لا داعي لوجودها وان أخيها لن يستعيد وعيه سوى في اليوم التالي لتقرر أن تعود للقصر وهي تنوي أنها لن تتهاون بعد اليوم مع أحد فقد نالت ما يكفي من تلك الحياه واصبحت غير عابئة لشيء.

صف سيارته أمام المشفى وخطى للداخل بخطى واثقة وهو يحمل بيده باقة ورد بيضاء تضاهي لون قلبه النقي ومع كل خطوة يخطوها تتسع أبتسامته وهو يفكر فتلك الصهباء التي إلى الآن لم يعلم أسمها أو أي شيء عنها ولكن ما يعلمه أنها ألهبت قلبه وجعلته في كل مرة يفقد سيطرته على ذاته ويتمادى معها يقسم أنه لم يتعمد الأمر ولكن شيء غريب يحدث له عندما يقف أمامها يشعر أنه مسلوب الأرادة ومغيب العقل، حقًا تلك المرة الأولى له و يجرب ذلك الشعور الخطير الذي يهدد بثباته، لعدة دقائق قليلة استغرقها صعوده في المصعد وكان الآن أمام الغرفة التي توجهت لها آخر مرة حين تتبعها ولكنه حينها أكتفى بذلك فقط على أمل أنه سيعود في أقرب وقت ولكن لسوء حظه كان لا يستطيع ترك عز و لين بتلك الظروف العصيبة و لم يجد فرصة مناسبة لذلك وحين طرق على باب الغرفة ولم يجد أحد أخبرته أحد الممرضات أن المريض الذي كان يقطن بها توفى منذ يومان ليجن جنونه فهو حتى لا يعلم هل ذلك المريض كان يقربها أم لا واين سيجدها بعد ذلك هل هذا يعني أنه فقد اثرها.

قطع شروده موظف الأستعلامات بالمشفى الذي توجه له على الفور: عذرًا سيدي لا استطيع أن أعطيك أي معلومات تخص المريض تلك قواعد المشفى
ليفرك وجهه ويقول بإنفعال وهو على حافة الجنون: القواعد خلقت كي تخترق، رجاءً لا تسبب في فقداني لصوابي الآن
كل ما أطلبه هو أسم الرجل الذي كان يمكث بالغرفة التي أخبرتك رقمها منذ قليل أو أي معلومة تمكني من التوصل لعائلته.

لينفي الموظف برأسه وهو يرفع منكبيه بقلة حيلة دليل على عدم استطاعته أن يفيده ويأكد له أن تلك هي سياسة المشفى المتبعة ولا يستطيع خرق قوانينها وإلا سيفقد وظيفته دون رجعة، ليلعن يعقوب تحت أنفاسه الغاضبة فهو لم يتوقع بأسوء الأحتمالات أن يحدث ذلك، فهل ياترى ستكون تلك نهاية لقصة عابرة سيظل ذكرها بطي النسيان آم سيكتب لهم اللقاء مرة آخرى.

آما في قصر شكري الأنصاري بعد عدة ساعات
كان يجلس بمكتبه حين عودتها وكعادتها لن تعطيه أي أهتمام بل تعمدت تجاهله بكافة الأشكال وإن كادت تصعد درجات الدرج لتصل لغرفتها أتاها صياحه بصوت فاتر: استني يا لين عايزك
زفرت الهواء بقوة وردت بضيق وهي تلتفت له نصف التفاتة: لو سمحت انا تعبانة وعايزة أنام
ليكرر شكري بأصرار: معلش لازم نتكلم.

لتزفر مرة آخرى بنفاذ صبر وتقول وهي تستدير تقف بمواجهته وتكتف ذراعيها على صدرها: اتفضل و ياريت من غير صعبنيات و مبررات ملهاش لازمة علشان حفظتهم كلهم
أطرق شكري برأسه بلأرض وقال بخزي من نفسه: أنا يابنتي كنت عايز مصلحتنا كلنا...
مصلحتك أنت مش مصلحتنا
قاطعته بنبرة هازئة لم تعجبه وجعلت ملامحه تنكمش في غضب لتستأنف هي: متستغربش و متحاولش تقنعني بحاجة أنت نفسك مش مقتنع بيها بس بتصر علشان مقدمكش حيلة غيرها.

ليهدر شكري بجحود غير عادي بعدما لاحظ أنه كشفت كل حيله: من حقي ادافع عن كل قرش تعبت فيه ومفهاش حاجة لو اتجوزتي وليد هو بيحبك
قهقهت لين بقوة وكأنها على حافة الجنون وقالت ساخرة: بيحبني أنا، عارف كنت مستغربة أوي دفاعك وحبك ليه لغاية ماعرفت السبب
لتهدء ملامحها وتحتد
نظراتها وتضيف بكل ثقة: علشان وليد شبهك يا بابا معندوش قلب وكل اللي بيهمه مصلحته وبس.

صفعة قوية من يد شكري سقطت على وجنتها مما جعلها حتى لا تتفاجئ أو حتى تتراجع خطوة للخلف وكأن تلك الهشة الضعيفة تبدلت لآخرى قوية مستبدة لا تخشى شيء بعد ما حدث لتسلط نظراتها المتحدية إليه و قالت بكبرياء عظيم: بتمد أيدك عليا، لدرجة دي الحقيقة ضايقتك يا شكري بيه يا أنصاري.

ليقبض شكري على ذراعها ويخبرها بكل جبروت ودون أي رحمة: أسمعي أنا معنديش استعداد أخسر كل حاجة بسبب دلعك، وكلامك الفارغ أنتِ لازم تتجوزيه
وكفاية خيبتي في الزفت أخوكِ المدمن المستهتر
نفضت ذراعها من قبضته وصاحت بنبرة متهكمة و بمغزى مبطن تقصدته جعل عقله يدق كبندول الساعة وهو يفكر إلى ماذا ترمي:
متقلقش مش هيرضيني أخسرك كل حاجة وبطلت أدلع يا بابا من هنا ورايح مفيش غير واحدة تانية أنت نفسك مش هتعرفها.

عقد حاجبيه بذهول من طريقتها التي تبدلت وشخصيتها الجديدة وهو يظن أن تلك موافقة ضمنية منها تعني تقبلها للزواج من وليد
لتستأنف هي بنبرة تحذيرية بعدما لمحت تأثير كلماتها عليه ولمعة الجشع التي في عينه التي تنظر هي بداخلها الآن بكل ثقة:
ملكش دعوة ب عز وكفاية أنك مكلفتش خاطرك تروح تطمن عليه ولا حتى تسأل ايه اللي وصله لكدة.

أجابها بحدة غير مراعي أي شيء وبقلب منزوع منه الرحمة: خليه يتربى دة نتيجة طيشه وعدم مسؤوليته وكان لازم يكون دة نتيجة استهتاره...
هزت رأسها بذهول وبعدم تصديق من جحود أبيها فطالما كانت تحترمه وتقدره ولكن خابت كل آمالها عند تعلق الأمر بالمال لتهمهم هازئة قبل أن تتوجه إلى غرفتها: عندك حق كل واحد لازم يدفع تمن غلطه ويتحمل عواقب غلطه للأخر...

تجهمت معالم وجهه وهو ينظر لأثرها وهو حقًا يشعر أن تلك ليست أبنته وأنها قد تبدلت للنقيض تمامًا.

صباح يوم جديد عن ذلك اللعين الذي عاد لتوه من سفره وما أن وطأت قدمه البلد مرة آخرى هاتفه خاله وأخبره أن لين لمحت له أنها تقبلت أمر زواجهم ليبتسم بسعادة متناهية منتشية حد الجحيم بعدها وهو يظن أن الحظ حالفه أخيرًا فقد تمت صفقته على كافة وجه وتم تسليمها لذلك الشريك الجديد ليقوم بتخزينها بالمستودع الخاص به ورغم عدم لقائه إلى الآن ومعرفة هويته إلا أنه يشهد لخطته المكينة ولهمة رجاله الذين أوكلهم بلأمر، وعندما تأكد أن كل شيء تم على كافة وجه قرر أن يعود إلى قصر خاله لكي يخطط للقادم وهو في قمة سعادته وأنتشاءه فكلها أيام معدودة ويتحقق كافة آماله وطموحاته بالحصول على كل شيء.

عودة إلى أرض الوطن وخصةً في ذلك المنزل البسيط فكانت تجلس نجية تستقبل جارتها عدلات التي جاءت لتطمأن عليها بكل ود وترحاب، وبعد عدة دقائق من تبادل التحيات الروتينية
تحمحمت عدلات بحرج: والله ما عارفة هبدء الكلام أزاي بس لازم تعرفي ويكون عندك علم بكل اللي بيدور
ضمت نجية حاجبيها وتسألت بريبة: خير يا عدلات اتكلمي من غير لف ودوران أنا مفيش دماغ لرغيك.

شهقت عدلات وقالت معاتبة: بقى كدة يا نجية الله يسامحك قصدك إني رغاية والله دة زي النسمة وصوتي ما بيطلعش ابدًا
لتبتسم نجية وتضربها بخفة على ساقها تشاكسها بخفة: يوه هو أنا قولت حاجة والله مليهم حق الناس يقولوا عليكِ شبه الراديو مبتفصليش، لتضيف بود وببسمة واسعة بعدما شهقت عدلات و لوت فمها: بس والله ماليهم حق أبدًا دة أنتِ سكرة وغالية عندي دة كفاية أنك فرحتيني بزيارتك.

لتلوي عدلات فمها من جديد وتقول وهي تبتسم بسعادةمن ذلك الإطراء التي خاصتها به: تعيشي يا نجية دة أنا معملتش غير الواجب والجيران لبعضيها لتستأنف بعدها: وعلشان كدة لازم أوعيكي
واعرفك أيه بيتقال من ورا ظهرك
عقدت نجية حاجبيها وتسائلت: قلقتيني يا
عدلات أتكلمي الله يخليكي أنا مش مستحملة
هقولك كل حاجة من طأطأ للسلام عليكم
لتقص لها عدلات كل ما يدور من أحاديث جانبيىة وأدعائات.

على أبنتها وتخبرها بشأن ما حدث ل عزيزة والدة علاء لتشهق نجية وتضرب أعلى صدرها بينما أستأنفت عدلات: بس ربنا خدلكم حقكم تالت ومتلت وأهي عزيزة وقعت من طولها مجلوطة في مخها بعد ما ابنها سرقها وهتقضي الباقي من عمرها على كرسي مشلولة وحتى الكلام مش هتقدر تتكلمه
لتتنهد نجية بحزن وتستأنف بطيبة: اللهم لا شماتة يا عدلات
ربنا يشفيها ويعافيها.

لتربت عدلات على كتفها بود وتقول وهي تنهض تنوي المغادرة: والله أنتِ أصيلة وبنت أصول يا: نجية بعد كل اللي حصل لبنتك بسببهم بتدعيلها، على العموم أنا عملت اللي عليا وقولتلك
أومأت نجية وقالت بتنهيدة: ربنا يسامحهم، شكرًا يا عدلات جميلك على راسي واوعدك إني هتصرف وهقطع ألسنة الناس بس يارب اللي في دماغي يتم.

أمنت عدلات على دعواتها وغادرت تاركة نجية تنعي حظ بنتها وتفكر بذكاء وبقلب أم قد أضناه الحزن على حظ أبنتها أن تستغل الأمر و تحل تلك المعضلة، غافلة أن أبنتها استمعت للحاديث الذي دار بينها وبين عدلات بالصدفة عندما كانت تريد أن تقدم الضيافة ولكنها لم تشعرهم بتواجدها.

آما في إيطاليا وخصةً بذلك الكوخ الصغير بتلك الجزيرة النائية.

كان ذلك الهائم بلا مأوى دونها يجلس شارد بجوار روبرتو بذلك الكوخ الصغير بأحد الجزر النائية البعيدة عن الضجيج فبعد أتى إليه منذ عدة أيام وجلب له الطبيب وجده ملقي على الأرض وغائب عن الوعي وعند فحص الطبيب له أخبره أنها أحد إغمائات السكري المتكررة ليضطر يوسف البقاء بجانبه لرعايته والأطمئنان عليه إلى أن تحسنت حالته الآن وها هو يتحدث بالهاتف وعلى وجهه بسمة هادئة تبشر أن كل شيء يسير كما يخططوا له وما أن أغلق الهاتف أخبرة بكل ثقة: تم الأمر يوسف.

ليبتسم يوسف بسعادة متناهية فها هو قد أقترب من تحقيق ما سعى إليه بواسطة نفوذ ورجال روبرتو ولكنه رغم كل ما يدور برأسه إلا أنه لم يكف عن التفكير بها قط وعن كل الأحتمالات الواردة بشأنها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة