قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل العاشر

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل العاشر

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل العاشر

‏“لا أريدك أن تحبني لأنني مرح وممتع، أو لأن وجهي جميل وشخصيتي عميقة، أو لأن أفكاري تعجبك وثيابي تجذبك، أريدك أن تحب السوء الذي أكرهه بي، عيوبي التي أتجنب إظهارها، أود أن تشعرني بالراحة في رؤيتها، أن تحب خوفي الذي لا يطيقه أحد، ومزاجيتي التي تُرعب الجميع.

كان هو بتلك الأثناء في طريقه لمنزل تلك الشقراء التي أخبرته عبر الهاتف أنها سوف تقاضي لين على تعديها عليها واخبرته بكل ثقة أنها تحمل أدلة قاطعة على ماحدث وسوف تستغل أنها لم تحمل أوراق ثبوتية لترحيلها، لم يدع مجال للتفكير عندما شعر أن من الممكن أن تتعرض لين للمسألة أو يصيبها مكروه وتبتعد عنه فأنطلق مسرعًا كي يجعل كرستين تعدل عن قرارها حتى أنه استعار الموتور الخاص بصديقه فرانسوا ليوصل أسرع.

، صف الموتور أمام البناية وخطى إلى الداخل بخطوات سريعة وبملامح ممتعضة للغاية
كانت كرستين بتلك الأثناء تتوقع قدومه لها لذلك تأنقت بعهر تام فقد أرتدت قميص نوم قصير للغاية أسود اللون يكاد لا يستر شيء من بروز جسدها فوقه مأذر خفيف من الستان وتركته متهدل لم تغلقه، أبتسمت بسعادة عندما تناهى إلى مسامعها طرقات على باب منزلها لتمرر يدها بين خصلاتها الشقراء بغرور وتذهب لتفتح باب الشقة.

أطرق رأسه بالأرض بحرج عندما وقعت عينه عليها و
همهم بنفاذ صبر: أتيت لأتفاوض معكِ بشأن قرارك
أبتسمت بمكر وهي تستند على إطار الباب وهتفت بغنج: تفضل يوسف لنتحدث بالداخل
هز رأسه برفض وهو مازال مطرق الرأس ويغض الطرف عن هيأتها المثيرة للغايةالتي وترته وجعلته يلعن بسره وقاحتها فهو بالنهاية رجل
لتتسع أبتسامتها الماكرة وتستأنف بزيف وهي تغلق مأذرها: عذرًا، أهكذا أفضل.

رفع عينه ولكنه ظل يتحاشا النظر لها لتخبره هي بجرئة وهي تفسح له المجال للدخول: دعك من تلك الأفكار الرجعية الأن فأنا لن أرغمك على معاشرتي قسرًا على اي حال
زفر الهواء بقوة وهو يدلف إلى الداخل وقال بنفاذ صبر من وقاحتها: أنكِ لا تستطيعي فعل شيء انتِ فقط تتدعي أن لديك برهان على ما حدث.

أطلقت ضحكة صاخبة وأضافت وهي تتمايل بخطواتها وتجلس على الأريكة وتضع ساق على آخرى بشكل يكشف عن ساقيها أكثر مما جعله يزيح بنظره بعيدًا وهو يلعنها بسره: أتشكك بي!
أغمض عينه بنفاذ صبر وهدر بإنفعال: إذًا ما هو؟
أجابته بثقة وهي تتناول فلاشة صغيرة من على الطاولة القريبة منها وترفعها أمام عينه: حصلت على تسجيل الكاميرات بالمطبخ
يظهر به بوضوح تعديها علي، وايضًا ضربك لصاحب العمل.

لتصمت برهة تتدعي التفكير عندما وجدته بدء يتوتر ويفرك ذقنه الخفيفة كعادته: أتعلم أنت مدين لي
عقد حاجبيه وسألها هازئاً: لمَ ياترى
أجابته بمكر وهي تنهض وتقترب منه: لقد أقنعت صاحب العمل أن لا يشكو عليك للشرطة وأنه إذا فعل سوف يعرض نفسه للمسألة أولًا فهو من سمح بعملك دون أوراق ثبوتية ومن المأكد أن ذلك سوف يضر بسمعة مطعمه فيما بعد.

حانت منه بسمة ساخرة وقال بلا مبالاه: تعلمي أنكِ السبب في حدوث كل ذلك فأنتِ من تعمدتي أغاظتها وجعلها تفقد السيطرة وتنقض عليكِ، لا تدعي البراءة أيتها الشقراء
لتبتسم نفس الضحكة الماكرة خاصتها وتبرر: أنا كنت أمدح بك فقط ولم أتقصد أغاظتها، تلك المتوحشة لم تترك بجسدي إنش إلا و ادمته وأنا لن أتنازل عن مقاضتها وترحيلها إلى بلادها.

ليقول بمحايدة يحاول الوصول لحل: إذًا افعلي ذلك ايضًا من اجلي و أعدلي عن قرارك!؟
أبتسمت بمغزى واقتربت منه بدلال تداعب وجنته بأناملها الرفيعة وهي تهمس أمام وجهه: سوف أفعل اي شيء من أجلك ولكن بشرط أن تكون لي
تراجع للخلف خطوتان وأغمض عينه بقوة يحاول التحكم بأعصابه التي تكاد تنفلت منه بسبب أصرارها المستميت بإغوائه الذي يشعره بلإشمئزاز منها ليتحامل على نفسه ويقول بنبرة هادئة يحاول أن يخدعها بها:
حسنًا.

لتبتسم بسعادة متناهية وتقترب منه تحاول تقبيله إلا أنه كوب وجنتها يمنعها وأخبرها بهمس مغري أشعل حواسها وهو يستند بجبهته على خاصتها:
أنا ايضًا أريدك ولن أنكر أنكِ تؤثرين بي، ليصمت لبرهة وهو يسبل عيناه ويستأنف بمكر: لكن أعطي لي تسجيل الكاميرات أولاً لأضمن حسن نيتك.

مدت يدها بالفلاشة الصغيرة و وضعتها بكف يده دون أدنى تفكير بعدما لفحتها أنفاسه القريبة وشعورها بنشوة قربه، ليضع الفلاشة بجيب قميصه برفق تزامنًا مع محاوطتها لخصره بحميمية مبالغ بها وهي تمني نفسها أنها ستحصل أخيرًا على مبتاغاها.

ليبتسم هو بمكر ويخبرها بتهكم تقصده وهو يحل ذراعيها و يبعدها عنه: أؤمن دائمًا أن جمال المرآة ليس فقط بوجهها، الجمال الحقيقي بروحها وحيائها و ما يجعل جاذبيتها مهلكة حقًا هو ذكائها أيتها العاهرة الغبية
أتسعت عيناها بذهول من نعته لها وجذبته بعنف من ملابسه وهي تهتف بإنفعال: لن تتمكن من خداعي أيها الشرقي فقد أبرمت معي أتفاق.

حانت منه بسمة هازئة وأخبرها وهو يقبض على فكها ويهتف بتوعد: لقد أخبرتك من قبل أنا لا يستهويني العاهرات أمثالك و انصحك ان تبتعدي عن طريقي وعن أي شيء له علاقة بي بعد الأن
تملصت من قبضته التي تكاد تكسر فكها وهي تسبه وتلعنه بلغتها حتى أن مأذرها سقط عنها أثر حركتها المفرطة وإنفعالها، ليرمقها هو بإشمئزاز وينفضها عنه بقوة ويهم بالمغادرة وما أن فتح باب الشقة ليغادر وجد.

لين أمامه بعيون غائمة بعبراتها وبملامح مشدوهة متألمة و كأنه طعنها للتو، و رغم ذهوله هو ايضًا من تواجدها هنا ومعرفتها بمسكن كرستين إلا أنه حاول أن يلاحق الموقف ويبرر لها: لين أنتِ فاهمة غلط أنا هنا علشان...
قاطعته هي بنبرة ملتاعة متألمة: أسكت يا يوسف متبررش حاجة.

ليبتلع غصة مريرة بحلقه وهو يظن أنها تشكك بأخلاصه لها، بينما هي نظرت له نظرة طويلة معاتبة بعدما ظل حديث فوزي يتردد صداه بذهنها لتتناوب نظراتها بينه وبين تلك الشقراء ذات الهيئة الفاضحة.

التي تعمدت ما أن رأتها أن تلطخ حمرتها وتنثر خصلاتها كي تجعلها تظن أنه هنا لغرض التودد لها: ليه يا يوسف نزلتني من السما اللي رفعتني ليها، ليه فوقتني من الحلم الجميل اللي كنت عيشاه معاك أنا كنت فكراك مختلف مش زي كل اللي خزلوني في حياتي، لتستأنف بسخرية مريرة وهي تشعر أن قلبها يقطر دمً ينعي حظها:.

كنت فاكرة أن اخيرًا لقيت الأمان اللي طول عمري محرومة منه، ولقيت الراجل اللي هيقف جنبي ويواجه العالم معايا، ياخسارة
ليهتف هو بعصبية مفرطة وهو يمسك ذراعها: انتِ مجنونة أيه اللي بتقوليه دة...
قاطعته بدمعات أبت الصمود أكثر: أنا كنت هبقى مجنونة فعلًا لو صدقت قلبي وكدبت كلام فوزي.

قالتها قبل أن تنفض يده وتركض مغادرة بخطوات متخازلة، تاركته مشدوه لم يستوعب بعد كل ما تفوهت به وإن كاد يهم ليلحق بها تشبثت تلك الشقراء به من جديد وصرخت بوجهه: لم أتفهم كلمة واحدة من لغتكم العربية تلك ولكني رأيت بأم عيني كيف تركتك تلك اللعينة التي جعلتك تنقم علي.

صرخ بغيظ بعد أن تفهم الغرض من مكيدتها التي حاكتها هي وصديقه ونفضها عنه بقوة أسقتطها و قال قبل أن يلحق بتلك المشاكسة التي صدمته كثيرًا بقرارها: هي ليست لعينة أيتها العاهرة ومن الآن وصاعدًا لا أريد أن أرى وجهك مرة آخرى
وإلا لن تلومي إلا نفسك حينها
قالها قبل أن يغادر تاركها تنظر لأثره بأنهزام تام.

ظلت دمعاتها تتساقط دون هوادة تنعي حظها وتلعن قرارها وهي تركض إلى موقف الحافلات القريب من منزل تلك الشقراء اللعينة ومع أول حافلة شرعت بركوبها دون عناء التفكير بوجهتها، فهى قد عزمت أمرها بالهروب من جديد ولكن تلك المرة بقلب متألم وجسد فارغ دون روح، جلست على أحد المقاعد القريبة من النافذة وظلت تنتحب بقوة.

كان هو بتلك الأثناء يبحث عنها وما أن لمحها داخل الحافلة وكاد يلحق بها، أنطلقت الحافلة بها ليلعن هو بسره ويتتبعها بالموتور الذي استعاره من صديقه
ما أن أقترب من الحافلة ظل يطلق بوق الموتور ويلوح بيده يحث سائقها على التوقف
وبعد محاولات عدة توقف سائق الحافلة بجانب الطريق وتسأل بغيظ: لماذا تعترض الطريق ماذا تريد؟
أجابه يوسف وهو يصف موتوره ويتقدم ليصعد للحافلة: عذرًا سيدي فقد فرت قطتي داخل حافلتك.

جحظت عين السائق ونهره بشدة تحت أنظار كل الراكبين عداها هي التي كانت شاردة وغارقة بدمعاتها: عن أي قطة تتحدث هل فقدت صوابك يارجل
تقدم من مقعدها وجذبها برفق من ذراعها وهو يهتف بصوت جهوري أفزعها لكي يصل صوته للسائق: نعم فقدت صوابي على يدها سيدي، اليس كذالك قطتي الهاربة سريعة الغضب
قال جملته الأخيرة وهو ينظر لها نظرة عميقة معاتبة.

رفعت نظراتها اليه وكفكفت دمعاتها بظهر يدها وهي تهتف بأصرار وتنفض قبضة يده من على ذراعها: سبني يا يوسف و أبعد عني
شدد أكثر على ذراعها وهمهم وهو ينهضها قسرًا معه: متبقيش مجنونة وخلينا نتكلم أنزلي معايا بهدوء ومتفرجيش الناس علينا.

هزت رأسها برفض قاطع وهي تحاول أن تجلس مرة آخرى ليتنهد هو بنفاذ صبر وينحني بجزعه ويباغتها بحمله لها على كتفه لتشهق بقوة وتضرب ظهره كي ينزلها ولكنه لم يعير أعتراضها أي أهمية وهتف بمشاكسة وهو يشدد على ساقيها التي ترفس بها كي يحجم من حركاتها:
أنتِ اللي جبتيه لنفسك ياقطة
تدلي بها من الحَافلة وهو يلوح بأمتنان لسائقها الذي شرع بالقيادة من جديد وهو يضحك على مشاغبتهم هو وكل من يستقل الحافلة معه.

صرخت بشراسة وهي تضرب ظهره بقوة: نزلني، بقولك
هز رأسه برفض تام وهو يخبرها: لما تهدي هنزلك ياقطة
صرخت بغيظ وتعمدت أن تسكن وتجعل رأسها المتدلية على ظهره ثابتة
ليبتسم بمكر وإن كاد ينزلها غرست أسنانها الحادة بأعلى كتفه
ليتركها ويهتف بغيظ وهو يدلك أثر أسنانها: يا عضاضة انتِ ايه مكنتيش بتاكلي لحمة ولا أيه؟

دفعته هي بكل قوتها وهدرت بغضب: ليك عين تهزر يا غشاش يا خاين لترفع سبابتها بوجه وتقول بغضب قبل أن تلتفت لتغادر: أبعد عني ورُوح للصفرا بتاعتك، وأنا أصلًا غبية إني وثقت فيك، كان لازم أتوقع من الأول أنك هتضعف قدمها
قذفت كلماتها الغاضبة بوجهه غير مبالية بنظراته المعاتبة لها وإن كادت أن تسير بعيد عنه تمسك بذراعيها الاثنين وهدر بعصبية مفرطة:
كفاية جنان و والله محصلش حاجة بينا أنا كنت هناك علشانك يامجنونة.

هزت رأسها بعدم اقتناع وقالت وهي تنفض يده: كدااااااب تنكر أنك كنت هتتجوزها علشان تاخد الإقامة
زفر بنفاذ صبر وهو يشعر بفوران رأسه الوشيك ولعن فوزي في سره وتيقن أنه لم يبخل عليها بأي معلومة تجعلها تركض بعيد عنه ليهتف بنبرة معاتبة:
عمري ما كنت كداب، وأنا مش عيل صغير علشان أخل بوعدي ليكِ ولو كنت عايز اتجوزها كنت قبلت عرضها ومكنتش علقتك بيا أنا مش بالندالة دي وانتِ عارفة دة كويس.

رمشت عدة مرات و شعرت أن قلبها يصرخ بين ضلوعها يحثها على التراجع وتصديقه فهو محق وذلك ما عاهدته منه من شهامة ومرؤة وبرغم شعور قلبها إلا أن عقلها مازال يقتنع بتفكيره المنطقي للأمر: يمكن ضعفت قدام عرضها بعد ما خسرتك شغلك بسببي
وأكتشفت إني عبء تقيل عليك
هز رأسه بنفي قاطع
وهمهم بصوته الرخيم الذي يبث بها السَكينة دائمًا: أنتِ أزاي بتفكري كدة، أنا مستحيل أسيبك واتخلى عنك حتى لو خسرت حياتي مش بس شغلي.

رغم جملته الأخيرة التي وخزها قلبها ما أن تفوه بها ألا أنها ردت لين بتبرير فطري خاص بجنس حواء: هقولك بفكر ليه كدة علشان مفيش حد معصوم من الغلط، وبرغم إني عمري ما طيقت فوزي بس كلامه كان منطقي جدًا ووارد إني أشك و اجري علشان أتأكد و على فكرة فوزي مالوش مصلحة أنو يكدب عليا.

ليهدر بأنفعال وهو يوضح تفكير صديقه: عارف أنو ملوش مصلحة، بس غبي وكل كلامه كدب هو فاكر أنو لما يبعدك عني ويورطني مع كرستين أنو كدة بيعمل لمصلحتي وعلشان أثبتلك أنو كداب ومتفق مع كرستين أهو...
ليخرج من جيب قميصه الرمادي الفلاشة ويضعها بيدها ويستأنف موضحًا: دي فلاشة متسجل عليها فيديو لما ضربتيها في المطعم وكلمتني الصبح وقالت أنها هتقاضيكي بيه وعلشان كدة روحتلها.

هزت رأسها وهي تتمعن بالفلاشة وتسألت من جديد بعيون غائمة وبقلب يرتجف وكأن تبريره السابق ليس كافي لإقناعها: يعني محصلش حاجة بينكم متأكد؟
أجابها بنبرة صادقة نابعة من صميم قلبه وهو يقترب ويكوب وجنتها بلطف ويسلط بئر عسله بعشق على عيناها الحائرة: والله ما حصل حاجة
ياقطتي، حبك بيجري في دم لاجئ وأنتِ وطنه الجديد ومستحيل يقدر يسيبك و يتغرب مرتين.

رفعت نظراتها اليه بتيه بعدما لمست كلماته أوتار قلبها وجعلتها تقتنع أخيرًا وتلعن من سرعها السابق بالحكم عليه ليهتف هو بعدما تلاشى غضبه منها واسترد نبرته المشاكسته المعتادة: طب يلا صالحيني ياقطتي
أبتسمت بخجل حتى ظهرت غمزاتها التي تزعزع ثباته وتسرق عقله واحتضنته بكل قوتها وكأنها تريد أن تتوري عن العالم أجمع داخل ضلوعه.

ليدفن هو رأسه بين خصلاتها البنية ويهمهم في تسلية وهو يشدد ذراعيه حولها مستعيرًا جملته من احد الأفلام الكوميدية: وقعة، وقعة، يعني مالك ما صدقتي كده
لكزته هي بغيظ بعدما خرجت من بين ذراعه وقالت وهي تمط فمها بطفولة: di spessore
ليقهق هو بكامل صوته الرجولي ويرد كعادته: الله يسامحك
ويلاأركبي علشان نروُح يا أخرة صبري.

هزت رأسها بموافقة ليصعد على الموتور وتلحق به هي وتتشبث بظهره بقوة لينطلق بها بسرعة جنونية وكأنه يحلق بها في السماء.

في القاهرة
ظلت نجية طوال الليل تتقلب على فراشها كأنه جمر مشتعل وحين ظهور أول خيوط النهار قررت أن تهاتف ذلك المقيت التي علمت من أبنتها أنه بعطلة لمدة يومين فسوف تحضره إلى منزلها كي تتحدث معه وتضع حد له، فهو يؤثر على أبنتها بشكل سلبي للغاية ويجعلها تشعر أن سنوات عمرها ضاعت هبائًا في تقويمها، وبعد أن هاتفته وأخبرته بضرورة حضوره أتى في الموعد المتفق عليه بعد عمل حلا.

وعودتها إلى المنزل التي كانت ترتجف من شدة ذعرها و تتناوب هي وهو النظرات المتوجسة بينهم
لتبدء نجية بالحديث وهي تتحاشا النظر لأبنتها التي منذ مناقشتهم الأخيرة وهي لم تتفوه معها ببنت شفه وكأنها تعاقب نفسها:
أسمع يا ابن الناس أنت
قعدت معايا ومع أخوها واتفقت معانا وأديتنى كلمة بعد ما رفضت تعيش معايا وقولت هتجيب شقة يبقى لازم تلتزم، وملوش لزوم اللف والدوران وتغير كلامك.

رفع علاء جانب فمه بسخط وهدر بعجرفة: كان على عيني ياحماتي بس أصلك مش احسن من أمي علشان اتجوز هنا وأسيب بيتها وبعدين انتِ شايفة الحال هجيبلكم منين
لترد نجية بتعقل وهي تتغاضى عن عجرفته: خلاص تبقى تصبرو والجواز مش هيطير وأنا مش مستعجلة على حاجة
لتهتف حلا بتسرع بعدما زغرها علاء بعينه كي تتحدث: بس أنا مستعجلة ياماما وعايزة أبقى مع جوزي مكان ما يكون.

لطمت نجية أعلى صدرها بحسرة ونهرتها بصوت جهوري وهي تنقض عليها وتهوي على وجنتها بصفعة قوية أرتدت حلا على أثرها وكادت تسقطها من على مقعدها: انتِ تخرسي خالص وصوتك دة مسمعهوش طول ما أنا بتكلم وانتِ لسة تحت طوعي وأنا لايمكن اقبل أنك ترخصي نفسك وترخصينا معاكِ وبعدين هو لسة مبقاش جوزك
أطرقت حلا رأسها بلأرض وهي تفرك يدها وتجهش بالبكاء
ليتدخل علاء بنبرة خبيثة: ليه كده يا حماتي.

بتمدي ايدك عليها علشان بتحبني و عايزة تتمم جوازنا وتتستر، البت مغلطتش
لترد نجية بإنفعال: متدخلش بيني وبينها وخلينا في موضوعنا
ليبتسم بلؤم وهو يربت على كتف حلا التي أنكمشت أثر فعلته
لتستأنف نجية بحدة وهي ترفع سبابتها بوجهه: اسمع ياابن الناس اتقي الله وبلاش تأثر عليها وتلعب في دماغها أنت عندك ولآايه، واذا كان على الشقة احنا مش مستعجلين وهنرضى بأي حاجة حتى لو أوضة فوق سطح تلمكم ويتقفل عليكم بابها.

حانت منه بسمة هازئة وأخبرها بعلو صوته وبنبرة شيطانية وهو يلوح بيده بهمجية: طب أسمعي بقى
بنتك أهي عندك أشبعي بيها هخليهالك زي البيت الوقف وشقة مش هجيب و أعلى ما في خيلك أركبيه
لترد نجية بإنفعال آخيرًا بعدما أستفزها ذلك المقيت وجعلها فقدت تعقلها: طالما انت مش قد كلمتك يبقى طلقها ياابن الناس و كل واحد يروح لحاله أحسن
لتشهق حلا بالبكاء وتهتف تستعطف والدتها وهي تحاول تحيل بينهم: بالله عليكِ ياماما بلاش.

ليبرر الآخر بنبرة خبيثة وهو يوجه حديثه ل حلا مستغل أنحيازها له: شفتي ازاي أمك مش عايزة مصلحتك و عايزة تخرب عليكِ
لتهدر نجية من جديد بإنفعال أكبر: دة مسمهوش خراب أنا كده بصلح حالها اللي مال من يوم ما عرفتك ومصلحتها ببعدها عن واحد زيك مش هيعرف يصونها ولا يحافظ عليها
ليصيح علاء وهو يتوجه إلى باب الشقة ينوي المغادرة: أنا قولت اللي عندي وطلاق مش هطلق واللي عندكم أعملوه.

لتستطرد نجية هي ايضًا بأصرار وهي تخبره قرارها الغير قابل للتفاوض: هطلقها يا علاء ومش هطول منها شعرة ولو أضطريت هلجئ للمحاكم
حانت منه بسمة هازئة وقال بنبرة لامبالية وهو يغادر: وريني شطارتك ياحماتي و وريني تقدري على ايه.

تمسكت نجية بحاشية ملابسها وهي تنظر لأثره و تشعر بوخز بصدرها لتجلس بإنهاك على أقرب مقعد لها وقد تهدلت ملامحها للحزن الشديد وهمهمت معاتبة تلك التي تنتحب بقوة بجانبها: هو ده أختيارك اللي عارضتينا وأصريتي عليه عجبك بيستغل أن أخوكِ مسافر واننا من غير راجل علشان يتحكم فينا على مزاجه
لتغمغم حلا في سذاجة مستعيرة كلماته التي يأثر عليها بها: دة حقه أنا مراته ياماما.

لطمت نجية وجهها بقوة وانقضت عليها تهزها من ذراعها رغبة منها أن تفيقها من تلك الأوهام الواهية الذي يحشو بها رأسها ذلك المقيت: ياخسارة تربيتي فيكِ وشقايا انتِ لسة تحت طوعي أناااا ومش هيحصل اللي بتفكري فيه يا حلا إلا على جثتي أنا مش هسيبك ترخسي نفسك
وغصب عنه هيطلقك، وأنتِ لو أعترضتي هكسر رقابتك، فاهمة.

هزت حلا رأسها بذعر ومازالت دمعاتها تغرق وجهها لتنفضها والدتها عنها وتهم بدخول غرفتها بخطوات واهنة ضعيفة وهي تنعي حالها.

بعد أن أوصلها إلى المنزل قرر أرجاع الدراجة النارية لصديقه لكن عندما ذهب إلى منزله لم يجده وعلم من فرد الأمن الخاص بالبناية أنه لم يعود منذ الصباح ليقرر هو أن يستغل وجود الدراجة النارية معه ويقرر أن يفاجأها بالغد ويأخذها إلى رحلة لأحد الجُزر القريبة، لينطلق من جديد ينوي العودة للمنزل ولكن بعد أن يبتاع بعض الأشياء لرحلة الغد.

جلس وليد بأحد البارات يتجرع الخمر بشره وهو يتذكر تلك المكالمة اللعينة الذي أخبره بها أحد رجاله بتوصله بعد معاناه دامت للعدة أيام عن رقم لوحة الدراجة النارية.

التي أنقذتها يوم هروبها، ونظرًا أن العتمة كانت مسيطرة على المكان بذلك الزقاق الضيق وعدم وجود إلا كاميرا واحدة بزاوية بعيدة تخص أحد المتاجر فلم تلتقط الرقم بوضوح لذلك أتخذ رجاله الكثير من الوقت والبحث ليتوصلوا لمالكها ومعرفة كافة المعلومات عنه، يعلم أنه أوكل يعقوب بالبحث عنها أيضًا لكنه لم يثق به ويعلم أنه إن عثر عليها قبله سيتعاطف معها كعادته ولن يرجعها له لذلك أخذ حظره جيدًا، قذف الكأس من يده بعصبية مفرطة وهو يتذكر فعلته وتهوره وتسرعه المعتاد فهو أهدر خيط مهم كان من الممكن أن يوصله إليها، ليلعن نفسه ربما للمرة المائة ويجز على نواجزه وهو يتوعد لها ما أن يجدها.

يوم جديد أشرقت شمسه على قلب أوروبا الرحيم الذي لم يكن رحيم أبدًا مع أبطالنا
استيقظ هو بنشاط كعادته وتحضر للخروج بعدما سحب تلك الحقيبة التي أبتاع محتوياتها بالأمس ليفاجأها ودس بجيب بنطاله تلك العلبة الصغيرة وما أن فتح باب الشقة كي يغادر وجد صديقه عائد من عمله الليلي ليقول فوزي هازئاً وهو ينظر للحقيبة بيده: خالفت كل توقعاتي وطلعت غبي ومعرفتش تستغل الفرصة.

زفر يوسف بغضب وأخبره بأنفعال: محدش عينك وصي عليا وملكش دعوة بأختياراتي علشان أنا الوحيد المسؤول عنها، واللي أنت عملته ده أنا مش هعديه يا فوزي
ليهدر فوزي وهو يتمسك بذراعه: أنا قلبي عليك يا صاحبي
صدقني أنا عملت كده علشان أخليك توافق على عرض كرستين و تتجوزها أنا عايز مصلحتك
ليجيبه يوسف بعصبية: صاحبك راجل أوي وانت عارف إني مستحيل أقبل وحدة زيها رخيصة تبقى على ذمتي.

ليقول فوزي وهو يحاول أن يقنعه بشتى الطرق: ياصاحبي أنت مش هتخسر حاجةبالعكس أنت هتاخد الإقامة دة غير أنها...
فوووووزي الموضوع دة متفتحوش معايا تاني وطول ما لين موجودة معايا عمري ما هفكر أبص لغيرها
هدر بها يوسف بأقتناع تام قبل أن يغادر ويترك صديقه ينظر لأثره ويهمهم لنفسه بأصرار على مساعدة صديقه:
أنت اللي قولت يا يوسف
أنها طالما موجودة معاك مش هتفكر في غيرها.

ليضيق عينه بتفكير ويستأنف بعدما عزم أمره: يبقى لازم متبقاش معاك...

بعد أقل من ساعتين من أستقلالهم احد العبارات من ميناء نابولي، وصلو إلى وجهتهم إلى تلك الجزيرة الصغيرة المأهولة بالسكان ومعروفة بمناظرها الطبيعية الخلابة وأنتشار العديد من الكهوف الجميلةعلى سواحلها مثل كهف أزارو أو المعرف بالكهف الأزرق التي أصرت أن يذهبوا اليه أولًا لينصاع لها ويستقلوا زورق صغير إلى هناك وعند تعديهم لذلك الممر الضيق المغمور نصفه بالماء تشبثت به وجذبته بتلقائية ليخفض رأسه كي يستطيعوا العبور من فوهة الكهف دون أصابات نظرًا لضيقه، تطلع إلى المكان بإنبهار تام فتلك المرة الأولى الذي يرى بها مكان محير كذلك فكان الضوء الأزرق ينتشر بالمكان لشكل يخطف الأنفاس، لتفاجئه هي بمعلوماتها الثرية كعادتها وتخبره أن أضواءه تلك هي سبب تسميته بذلك الأسم وأن في عصر الرومان كانوا يعتقدون أن المكان مأوى للشياطين والحوريات لتعجبه القصة كثيرًا ويثني عليها و يلتقطو ا عدة صور فوتوغرافية لهم بتلك الكاميرا الفورية التي أبتاعها بالأمس خصيصًا لرحلتهم حين أنتهت زيارتهم إلى الكهف عادو مرة أخرى للشاطئ التي ما أن وطأت قدمها على رماله أبتسمت بأتساع وهو يجذبها ليجلسو سويًا على الرمال لملمت فستانها الأحمر الذي فاجأها به اليوم ونال أعجابها بشدة فهى تعشق ذلك اللون كثيرًا، وأحتضنت ذراعه بقوة وكأنه هو كل ما لديها بالحياه ومصدر أمانها الوحيد فبعد تفكير دام لوقت كبير قررت أن حان الوقت لأخباره بكل شيء فهى لاتستطيع خداعه أكثر لتهمس وهي تستند برأسها على كتفه: في حاجات أنت متعرفهاش عني ومتهيألي جة الوقت إني أحكيلك.

أبتسم بمشاكسة وقال وهو يعبث بخصلاتها كي يغير مجرى الحديث فحدثه طالما أخبره أنها تخفي الكثير ويظن أن أي شيء ستخبره هي به سيكون هين عليه وسيتقبله فهو أصبح لايستطيع العيش دونها وأصبحت تسري بشريانه سريان الدماء: لأ بقولك ايه مش وقته أجلي الكلام لبعدين
كادت تقاطعه وتصر على البوح له لولآ أنه فاجأها بإخراج علبة صغيرة من جيب بنطاله وفتحها أمام ناظريها.

ليلتقط من داخلها إطار فضي أنيق يتدلى منه حجر أسود محاط بزغارف فضية رفيعة جدًا تحتبسه بداخلها
شهقت وهو يرفعه أمام عيناها فذلك الحجر يشبه كثيرًا الذي كان يرتديه من قبل وأخبرها أنه هديه من أبيه، تمعن هو بعيناها وهمهم بصوته الرخيم وهو يتفهم مايدور بخلدها كعادته: أيوة هو نفس الحجر اللي بتفائل بيه بس عدلت فيه علشان يناسبك
رمشت عدة مرات وهمهمت بعيون حالمة: بس دة عزيز عليك وكنت قايلي أنك بتتفائل بيه.

أجابها بلطف وهو يضعه حول عنقها: علشان كدة هديهولك علشان عزيز عليا وللأسف معنديش حاجة تانية أقدر أديهالك غيره وبعدين أنا خلاص خدت من الحظ كفايتي بوجودك جنبي
ليستأنف بعشق وهو يتمعن بها: انتِ تميمة حظي ياقطتي
أبتسمت بإتساع حتى ظهرت غمازاتها التي تزعزع ثباته وتحسست السلسال بأناملها بعد أن البسه اياها ورفعته لفمها تقبله وهمست بعشق وهي تغوص ببئر عسله: بحبك يا ابن بلدي
أنا بحبك أكتر يا قطتي.

تفوه بها بوله تام وهو يغوص داخل عيناها بتيه وكأن العالم أنقرض من حولهم ولم يتبقى سواهم.

ليقترب ببطء شديد وعينه تتركز على ثغرها الذي يقسم أنه يقطر فتنة وهو ليس لديه أي طاقة ولا ذرة تعقل بعد ليكبح رغبته ولا يرتوي منه وما أن أقترب أمام وجهها همس بنبرة مثيرة للغاية بين شفاهها المنفرجة وهو يتقاسم معها أنفاسها بينما هي أغمضت عيناها بدورها تأثرًا به وقد أصابتها قشعريرة لذيذة سارت بكل إنش بجسدها: بموت فيكِ ياقطتي
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يقتنص شفاهها بقبلة حالمة.

هادئة أذابتها بين يديه وجعلتها هشة ضعيفة أمام هيمنته وسطوته عليها فكان يبث هو بها كل ما يعتمر بقلبه من مشاعر ملتهبة لها، آما هي بدون وعي وكأن جسدها يتحرك من تلقاء نفسه رفعت يدها وأخذت تعبث بخصلاته رأسه وبادلته وهي تشعر أنها تطوف بين يديه وترتفع إلى عنان السماء.

قطع قبلته بعد وقت ليس بقليل وأستند بجبهته على خاصتها بأنفاس ثائرة تطالب بالمزيد فهو يقسم أنه لن يرتوي منها أبد الدهر ليخرج صوته بتحشرج أثر ثورة أنفاسه وهو يشاكسها بعدما رأى أشتعال وجهها بحمرة محببة إلى قلبه:
هو في كدة حرام عليكِ
نكزته بخفة بذراعه وهي تتحاشا النظر له ليقهقه هو بكامل صوته الرجولي ويقول بشقاوة وهو يقرب وجهه منها: هو ممكن نعيد اللقطة تاني أصلها عجبتني أوي
di spessore.

هدرت بها بنبرة طفولية وهي تدفعه برفق وتنهض من على الرمال
لينهض هو أيضًا ويحاوط كتفها ويسيروا لتغير هي مجرى الحديث وهي تنفض فستانها الأحمر من الرمال: من ساعة ما أعترضت على الفستان قبل كدة وكنت فاكرة أنك مش بتحب اللون الأحمر.

ليبتسم هو بسمة حالمة وهو يتذكر ذلك اليوم ويجيبها بإقرار: أعتراضي مكنش على اللون ساعتها، الفستان كان مكشوف أوي لدرجة إني حسيت أن راسي هتنفجر وأن في حرب جوايا بسببك وكنت هفقد أعصابي، ليضيف بمشاكسة: مين قال إني مش بحب اللون دة بالعكس ده أنا أهلاوي حد النخاع والأحمر عندي أسلوب حياه بس علشان أكون صريح مش أي أحمر يعجبني
قال أخر جملة بغمزة من عينه مشاغبة.

لتقهقه هي على مشاغبته وتهتف بسعادة عارمة وهي تقف في مواجهته: أنا مبسوطة أوي ياتيراميسو قلبي وحسة إني طايرة في السما
عقد حاجبيه وقال بمشاكسة: هي حصلت تيراميسو قلبي
ابتسمت بعشق وأجابته وهي تضع يدها بحنان على وجنته: أيوة أنت تيراميسو قلبي طول عمري كنت فاكرة أن التيراميسو بس هي اللي بتحسسني بالنشوة والسعادة دي لمجرد أنها بتفكرني بأمي وبحس وقتها بلأمان والراحة لكن أكتشفت أن وجودك.

أنت في حياتي كفيل بده وأنك الحاجة الحلوة الوحيدة اللي حلت مرار الدنيا، معاك بحس إني بتسحب وبترفع للسما وبحس بنفس النشوة و السعادة اللي عمري ما حستها في حياتي، معاك يا يوسف حسيت بلأمان اللي طول عمري محرومة منه، معاك أتغيرت كل قناعاتي وكل اللي فات مش عايزة أفتكره، وعلشان كدة بحبك يا تيراميسو قلبي.

قالت أخر جملة بتنهيدة حارة وبنبرة صادقة نابعة من صميم قلبها، ليبتسم هو ويتنهد بحرارة ويميل بوجهه يقبل راحت يدها التي مازالت تحتضن وجنته ويقول وهو يسحب يدها ويضعها على صدره وخاصةً فوق خافقه الذي يتعالي صوت دقاته صارخًا بعشقها: كلامك أتوشم على قلبي وربنا يقدرني ديمًا وأسعدك ياقطتي.

لتبتسم ويحثها بعدها بعينه أن يغادرو لتنصاع اليه وتتعلق بذراعه ويغادرو وهم في قمة سعادتهم غافلين عن تلك الفاجعة التي تنتظرهم عند عودتهم.

في المساء وعند عودتهم
أوصلها إلى أمام البناية واخبرها أنه سيعيد الموتور لصديقه فرانسوا ويطمئن عليه ويعود اليها.

لتودعه ببسمة حالمة وهي تلوح له لينطلق هو وتصعد هي الدرج وهي تحتضن تلك الصور التي التقطوها وتضمها لصدرها وما أن دست مفتاح شقتها بالباب كمم أحد فمها ودفعها بقوة إلى الداخل لتصرخ هي صرخة مكتومة بسبب يده الموضوعة حول فمها وتحاول الإنفلات بكل قوتها لولآ همسه لها بنبرة مطمئنة: أهدي يا لين أنا يعقوب
يعقوب
هتفت بأسمه بذهول بعدما نزع يده من على فمها.

التفتت له وهي تبتسم بسعادة متناهية واحتضنته حضن أخوي وهي تهتف: أنا مش مصدقة أنت هنا بجد
هز رأسه وهو يربت على ظهرها وقال بعتاب: دوختيني عليكِ وكنت هموت من قلقي عليكِ، ليه هربتي يا لين ؟

خرجت من أحضانه وقالت بعيون غائمة: علشان كنت غبية ومفهمتش نوايا وليد من زمان أنا سمعته في التليفون بيقول أنه هيحل محل أبويا في الشغل قريب وأنه بمجرد جوازي منه هيضمن أن ثروته اللي بيعتبرها حق مكتسب ليه متخرجش من تحت أيده
تنهد يعقوب بضيق وأخبرها: طول عمري عارف أن وليد طماع وأنتهازي وكتير حاولت أنبه عمي بس هو كان بيثق فيه ثقة عمياء.

لتقاطعه هي بحسرة: وعلشان كدة هربت علشان بابا مش هيصدقني وعلشان الفترة الأخيرة بقى مش بيعارضه على حاجة وكأنه مسلوب الأرادة أو مغلوب على أمره
ليستأنف يعقوب وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية التي تشابه لون ثاقبتاه: علشان وليد معاه ورق يدين أبوكي وبيهدده بيه
لتتسأل هي بعيون غائمة وهي تجلس على أحد المقاعد بأنهزام: شغل مشبوه مش كده زي ما كنت شكة؟

زفر يعقوب بقوة و أومأ لها بإيجاب لتستأنف هي بصوت مختنق وبعبرات متساقطة: يعني كان هيرميني ليه ويضحي بيا علشان يتقي شره
ليجيبها يعقوب بحياد: أبوكي كان مضطر ومش وقت الكلام دة احنا لازم نمشي من هنا قبل ما وليد يعرف يوصلك هزت رأسها بهستيرية وأخبرته بأصرار:
مش همشي غير ومعايا يوسف وانت لازم تساعدنا
أنا عايزة أبعد عن كل ده
تسأل يعقوب بريبة: مين يوسف.

أجابته بعيون حالمة وبسمة واسعة: يوسف دة أجدع وأحن راجل قابلته في حياتي ومعنديش استعداد أخسره
أبتلع يعقوب غصة مريرة بحلقه وباغتها من جديد: وهتسيبي أبوكي وعز ليتنهد بعمق ويستأنف بمرارة: وهتسبيني، هتضحي بينا كلنا علشان واحد عرفتيه من كام يوم.

بررت بإقتناع تام: بابا لازم يصفي حساباته بنفسه وعز معندوش مشكلة يعيش هنا علشان دي بلد ه اللي معرفش غيرها، لتستأنف من بين دمعاتها التي تهاوت دون عمد: لكن أنا أمي هناك في مصر
ونفسي أرجع البلد اللي عشت كل طفولتي فيها ويكون هو معايا
واناااااااااا
صرخ بها بإنفعال وهو يكاد ينزع خصلات شعره وهو يمرر يده بها.

تعالى معايا انت كمان مش مرتاح هنا تعالى نرجع بلدنا يا يعقوب نبتدي من الصفر بعيد عنهم وعن أطمعهم وشغلهم المشبوه
مرر يده على وجهه بأنفعال ورد: مش هينفع أسيب عمي ومش و وليد مبلغ كل المطارات بمنعك من السفر.

طرقات قوية على الباب قطعت حديثهم لتتجهم معالم وجه ويسحب سلاحه من خلف ظهره يتأهب للطارق وهو يأشر بسابابته على فمه يحثها على الصمت ويتوارى خلف باب الشقة، أبتلعت ريقها بذعر وفتحت الباب بأيدي مرتعشة وما أن فتحت الباب وجدت يوسف أمامها بوجه شاحب كا الموتى وبعيون غائمة يستند على إطار الباب بإنهاك كأنه لا يستطيع الصمود أكثر لتسأله بلهفة: مالك يا يوسف أنت كويس.

هز رأسه بلا وأجابها بنبرة مشدوهة متقطعة يحفها الألم: فرانسوا أتقتل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة