قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل السادس عشر

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل السادس عشر

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل السادس عشر

مذاق الحب من طرف واحد مذاق عجيب. حلو مرّ مدمّر منعش. كل المتناقضات في شعور واحد. لا تستطيع أن تبقى ولا تستطيع أن ترحل. لا تستطيع أن تنسى ولا تريد أن تتذكر. لا تريد أن تفرض نفسك. وتعجز عن إنكار ما في نفسك.
( مقتبس ).

كفى أيها القلب خنوع، وأخبرني لما ترضى بعذابي وتنبض لها ألا يكفيك ما أقترفته في حقك، آم مازال لديك ذرة أمل أيها الخائن أن تتعطف عليك فها هي معذبتك تنقم على كل شيء وتتخلى عن كبريائها وعزة نفسها من أجل شخص آخر لا يستحق.

ذلك ما كان يدور بخلده وهو يجلس في سيارة الأجرة التي يملكها جارهم الطيب والملقب ب الشيخ عبد الرحيم نظرًا لحكمته والتزامه بتعاليم دينه، الذي ما أن استنجدوا به لم يتردد أبدًا بتقديم المساعدة وأحضر سيارته في التو واللحظة وأنطلق بهم بسرعة فائقة لعدة ساعات في الطريق وها هم على وشك الوصول لمدينة الغردقة والتوجه للقسم التي أخبرته عنه
كان في تلك الأثناء.

يجلس هو بكامل هيبته و وقاره بمكتبه بعد مرور نصف وقت نبطشيته بذلك القسم يباشر عمله إلى أن دخل اليه الشاويش مكتبه وقام بالتحية وقال: ألحق يا أحمد بيه الستات ملمومين على البنت اللي أتخنقت أنت والظابط شريف بسببها ونزلين فيها ضرب ولما حوشتهم عنها لقيتها قَاطعة النفس.

أنتفض ذلك الظابط الهمام من جلسته وتوجه إلى الحبس بخطوات سريعة وما أن دخل إلى الحبس رآها ممدة على الأرض وحالتها يرثي لها ليجثو على ركبتيه ما أن أدرك أنها فاقدة للوعي فقط و ربت على وجهها ليفيقها
لترمش حلا عدة مرات وتفتح عيناها بوهن ليأمر هو الشاويش بعدها أن يأخذها إلى مكتبه وما أن حاولت أن تنهض تأوهت من شدة الألم.

ليسندها الشاويش كما أمره ويخرج بها بينما وقف أحمد بنصف غرفة الحبس يمرر عينه على النساء الذين يقفوا جميعهم مطرقين الرأس أمامه ويهدر قائلًا بصرامة لا تقبل الحياد: مين أتجرء وعمل كدة في البنت؟
لم يجرء أحد على التفوه بشيء ليستأنف هو بوعيد وبنبرة جهورية: أنتوا عارفين آن السيئة بتعم، ويمين بالله لو متكلمتوا ما هرحم حد
لتهمهم أحدهم بذعر وهي توشي تفضح أمرهم: ملناش دعوة يا بيه دي بهية و الاتنين اللي معاها.

هز رأسه بتفهم ووجه نظراته للمدعوة بهية وقال بصرامة: عملتوا فيها ليه كدة؟
زاغت عين بهية بخوف بينما أنكمش السيدتان الأخرتان خلفها ليصرخ هو بصوت جهوري بث بهم الرعب: أنطقوا...
لترد بهية بتلجلج: دي أوامر شريف بيه
ليزفر أحمد بغضب من أفعال زميله التي تعدت مهام وظيفته ويقرر أنه سيضع لتلك المهزلة حد، ويأمر بعدها أحد الأمناء بصوت جهوري: خدو التلاتة دول على الأنفرادي عقبال ما أفضالهم وأخد أقوالهم بنفسي.

ليغادر تاركم ينفذون أوامره ويتوجه هو إلى مكتبه من جديد وما أن دخل وجدها تبكي بقوة ومنكمشة وحالتها لا يرثى لها ليسألها بهدوء وهو يحيد بنظره بعيدًا عنها: أنتِ كويسة؟
نفت برأسها وظلت تشهق بقوة وهي تلملم أشلاء بلوزتها كي تستر نفسها ليباشر هو بعدما غض بصره ويناولها كوب من الماء: أهدي وأحكيلي جيتي هنا ليه؟
وتعرفي الظابط شريف منين علشان يخليهم يعملوا فيكِ كدة.

حاولت تنظيم أنفاسها وإن كادت تبدء بالحديث تناهى إلى مسامعهم ضجيج من الخارج ليتركها ويخرج من مكتبه ليستكشف ما يدور إذا ب سيدة ورجل مسنين بالعمر وبرفقتهم شاب متوسط العمر متجهم الملامح يقفون ويتشاجرون مع الشاويش الذي يرفض أن يدخلهم إليه ليهدر أحمد بعملية: أيه اللي بيحصل هنا مالهم دول ياشاويش.

تقدمت نجية منه وأنحنت تريد أن تقبل يده التي سحبها بتلقائية مستنفرًا لتقول هي بدمعات متساقطة دون هوادة وبقلب أم مفتور على فلذة كبدها: أبوس أيدك يا ابني، بنتي معملتش حاجة خليهم يخرجوها
ربت أحمد على ظهر نجية وقال بود: أهدي يا حجة وفهميني.

كانت في تلك الأثناء حلا تجلس بهوان وتحاول أن تتغاضى عن ألام جسدها ليتناهى إلى مسامعها صوت والدتها بالخارج لتندفع إليها وتهتف بأسمها بنبرة ممزقة مستنجدة لتلتفت نجية وما أن رأتها بتلك الحالة تهدلت ملامحها للحزن الشديد و شعرت بوخزة قوية بصدرها
لترتمي حلا بأحضانها بينما تظل نجية تبكي وتحتضنها بآسى دون أن تنبس ببنت شفة من شدة حزنها على ما أصابها تحت نظرات الجميع المتأثرة بالموقف.

ألا هو كان مغيب في عالم آخر بعيون تفيض بالألم وبقلب ممزق لأشلاء وكأنه لم يعي لأي شيء سوى لهيأتها المزرية تلك التي جعلت نيران مستعرة تشتعل بداخاله وتكاد تتأكله بتفاقمها فكانت بلوزتها ممزقة من الأمام تظهر جزء كبير من عنقها ومقدمة نحرها وحتى حجاب رأسها لم يكن موجود ليسترها فهو أيقن أنه تم نزعه عنها بالقوة من بعثرة وتقطع خصلات شعرها، ليحتل الغضب معالم وجهه و.

ينزع عنه سترته بعصبية مفرطة ودون أي تفكير أقترب و وضعها على أكتافها يستر جسدها لتخرج حلا من أحضان والدتها وترفع نظراتها المنكسرة إليه بإمتنان وهي تضم سترته على جسدها الضئيل، بينما هو أشاح بنظره عنها وهو يشعر أن خفقات قلبه تطعن به دون رحمة و تمزق أحشائه بعدما لاحظ أن وجهها أيضًا مليء بالكدمات والجروح ليلعن بسره ويجز على نواجزه بقوة وهو يتوعد لذلك المقيت، قطع مداهمة أفكاره قول الظابط بعملية: طيب يا حجة تعالي نقعد في المكتب ومتقلقيش لو بأيدي حاجة مش هتأخر.

أومأت له نجية بطاعة وهي ترمق حلا بنظرة عتاب طويلة.

جعلت حلا تجهش في البكاء من جديد وهي تلعن غبائها وتسرعها ما أن ولجوا للداخل جميعهم طلب منها أحمد أن تسرد له ما حدث من بادئة الأمر، وإن فعلت أمر بعدها أحد الأمناء بجلب بيانات المحضر المسجل وأطلع عليه ثم أمر الشاويش أن يحضر له تلك الراقصة في التو ويطمأن نجية وكل الحاضرين قائلًا: متقلقوش يا جماعة بنتكم هتروح معاكم والحمد لله أنكم لحقتوها قبل ما تترحل للنيابة الصبح، والظابط اللي أتسبب في كل دة أنا هكتب مذكرة فيه وهطالب بوقفه عن العمل علشان دة نموذج مشين لرجال الشرطة.

ليعقب الشيخ عبد الرحيم بإمتنان: ربنا يكتر من أمثالك يا ابني ويجبر بخاطرك زي ما جبرت بخاطرنا
ليرد أحمد بود: دة واجبي يا حج وأنا معملتش غير اللي بيمليه عليا ضميري
لتدعوا له نجية أيضًا وهي تحتضن حلا وتشكره ويأمن الجميع على دعواتها إلا ذلك العاشق الذي غادر لتوه دون أن يخبر أحد وينوي تتبع الشاويش المكلف بجلب شوق لمعرفة عنوان منزل ذلك المقيت ليقتص منه.

عودة إلى إيطاليا وخصةً نابولي وبفرق ساعة من توقيت القاهرة.

كانت ماهي و عز في الطريق إلى منزلها بعد سهرتهم التي أنتهت بنهاية مآساوية بالنسبة لها، فهى ظلت طوال الطريق صامتة ولم تتفوه بشيء وظل شريط ذكرياتها الأليمة يمر أمام عيناها بعدما ذكرها وليد بهروبها من الموت فهو محق هي بالفعل هربت فبعد زواجها من ذلك الكهل العجوز شاهدت أسوء أيام حياتها فكانت طفلة لم يتعدي عمرها الثالثة عشر حين زوجها عمها قسرًا بحجة أن والدتها محقة بإدعائها.

ورغم معرفتها بكون كل منهم له أغراض ودوافع مختلفة لاستغلالها إلا أنها كانت تُصبر ذاتها وتتحامل من أجل أن تكمل حياتها بعيد عن أنانية والدتها وطمع عمها حتى أنها كانت تقابل معاملة أبناء زوجها وزوجاته الأخريات برحابة صدر ولم تعترض أبدًا على جعلها خادمة ذليلة لهم و كانت تستسلم لذلك الواقع الأليم لعدة سنوات دون أي مقاومة متغاضية أن ذلك العجوز المتصابي زوجها يتعاطى المنشطات خصيصًا كي يتفنن في أنتهاك برائتها بأفعاله الدنيئة التي لا تمت للعلاقة الزوجية السوية بأي صلة حتى أنها بمرة من المرات كادت تفقد حياتها لتقرر بعدها أنها ستمتنع عنه وتثور مما جعله بعد ذلك يعنفها أكثر وأكثر وبمحاولة منها بالدفاع عن ذاتها ودون أن تتعمد الأمر ضربته على رأسه ليتركها بأحد المزهريات الصلبة لكن لم يكن القدر بها رحيم أبدًا فكانت تلك الضربة كفيلة بموته لتهرب بعدها خوفًا من محاكمتها ومن ثأر أهل زوجها وتأتي لتلك البلد وتطلب حق اللجوء الذي ساعدها به وليد بعد أن تعرفت عليه واستطاع بمكره أن يجعلها تتعلق به وتثق بوعوده و تقص له كل شيء عن حياتها السابقة مما جعله يستغل الأمر لتهديدها فيما بعد ويجبرها على معاشرته التي لم تقل قسوة عن حياتها السابقة وكأن كتب عليها الشقاء طوال حياتها، فاقت من مداهمة ذكرياتها الأليمة على حمل عز لها بعدما لاحظ أنهاكها وشرودها وتيقن أنها ليست على مايرام بعد وصولهم أمام بنايتها ليحملها ويصعد بها إلى شقتها ويضعها بالفراش ثم قام بنزع حذائها ودثرها بالغطاء وإن كاد يخرج ليتمدد على الأريكة بالخارج قالت بضعف وبنبرة متعبة للغاية وهي تمسك يده: خليكِ جنبي.

أبتسم عز وهو يشملها بدفئ عيناه وقال بنبرة هادئة جعلتها تشعر بالتقزز من نفسها وضميرها ينهش بها لما أقترفته بحقه: حبيبتي شكلك تعبانة ولازم ترتاحي و خايف أضايقك بوجودي
نفت برأسها وبعيون غائمة جذبته ليتمدد بجانبها وقالت بنبرة حزينة متوسلة: أحضني يا عز عايزة أحس إني مش لوحدي و ان في حد جنبي حاسس بيا و حنين عليا.

دثرها عز بقوة بأحضانه وظل يمرر يده بخصلاتها النارية بحنان شديد وطمأنها قائلًا: أنا جنبك يا ماهي ومش هسيبك متخافيش
لترفع نظراتها اليه وتقول بضعف: ناديني بأسمي الحقيقي بلاش ماهي
ليعقد حاجبيه من طلبها الغريب، بينما هي تغاضت عن التبرير بأن ذلك الأسم هي تكرهه كثيرًا لأن وليد هو من أطلقه عليها واستأنفت بضعف: أسمي ماهيتاب ناديني بيه يا عز.

أومأ لها عز وربت على ظهرها بحنو شديد فهو لأول مرة يكتشف ذلك الجانب من شخصيتها لتدثر نفسها بأحضانه وتسقط في سبات عميق تاركته يفكر مليًا بها فهى برغم أنها تكبره بسنوات قليلة إلا أنها بحاجته و تلك أول مرة يشعر أن أحد يعتمد عليه ويحمله المسؤولية لذلك لن يخذلها ابدًا مهما كلفه الأمر.

عودة آخرى للقاهرة
ظل يتتبعه في الخفاء دون أن ينتبه له إلى أن وصل الشاويش وطرق على باب الشقة المذكور عنوانها بالمحضر، فتحت له شوق بملابس النوم العارية وهي تفرك بعيناها أثر نومها وتقول بتأفأف: عايز أيه يا شاويش الغَبرة؟
ضرب الشاويش كف على آخر وهو يستغفر ربه ويغض الطرف عن النظر لها وقال برسمية: لو أنتِ شوق حضرة الظابط عايزك ولازم تيجي معايا دلوقتي.

لترد شوق وهي تلوح بيدها بلامبالاه وتكاد تغلق الباب: قول ل شريف بيه لما هفوق أبقى أروحله يا عنيا
ليوضح الشاويش بنبرة قوية متوعدة: مش شريف بيه اللي عايزك وخلصي أنجري قدامي بدل ما أجرك من شعرك لهناك
لتزفر شوق بغيظ وتقول وهي ترفع جانب فمها هازئة: ما براحة يا عنيا لا يطقلك عرق، وقولي الظابط بتاعك عايزني في أيه الساعة دي؟
ليجيبها الشاويش برد صارم: معرفش لما تيجي معايا القسم هتعرفي.

لتلوي فمها بإمتعاض وتقول وهي تتقصع بخصرها: استناني هنا ياعنيا، لما أشوف أخرتها في ليلتكم السودة دي
لينتظرها، بينما هي تدخل إلى الغرفة وتصرخ ب علاء كي يستيقظ وتنكزه بقوة أفزعته وجعلته ينتفض: قوم يا عنيا تعالى معايا القسم نشوف الظابط عايز أيه.

ليهمهم علاء ببرود و ببقايا نعاس: حد يصحي جوزو كدة دة أنا قطعت الخلف، وبعدين أنا مالي مش شغلي، هو أنا مش قولتلك تسبيها تمشي وانتِ مرضتيش يبقى تتحملي بقى وجع الدماغ و تروحي لوحدك وتسبيني أكمل نوم
لتبصق شوق عليه وتسحب عبائتها السوداء الضيقة وتضعها على قميصها العاري وتقول قبل أن تغادر برفقة الشاويش: كل دة من تحت راسك يا بس وحياة أمك لما أرجعلك.

ليلوح بلا مبالاه مرة آخرى وهو ينظر لأثارها و إن كاد يسحب الغطاء على رأسه ليستأنف نومه ضربات قوية على باب الشقة منعته وجعلته يلعن وينهض بتأفأف ظنًا منه أنها هي وقد تناست شيء وما أن فتح الباب تيبست كل خلية به من شدة الرعب وجحظت عينه عندما وجد إسماعيل أمامه وعينه تطلق شرارات مشتعلة ليست تنبأ بالخير ليستميت علاء كي يغلق الباب مرة آخرى بوجه لكن إسماعيل وضع ساقه بين الحائط والباب يمنع غلقه وبكل قوته دفعه دفعة قوية جعلت علاء يرتد على أثره وينظر له بتوجس شديد وبعيون زائغة بخوف يحاول أن يخفيه وهو يراه يغلق الباب و يتقدم منه ليهتف بتبجح: أنت عايز أيه يا مكانيكي ياعرة وعرفت مكاني منين؟

حانت من إسماعيل بسمة هازئة وهو يرى حالة الذعر التي أنتابته ولا يزال مصمم على تبجحه ليجز على نواجزه بقوة، ويرشقه بنظرة مشتعلة متوعدة وهو يقترب منه شيء فشيء ومع كل خطوة تسعى إليه تداهمه الكثير من الأفكار التي تأجج تلك النيران بداخله فطالما أراد ذلك سابقًا ولكنه كان يمتنع ويكبح غضبه منه كرامةً لها، لكن الآن هي أصبحت حرة من شباكه ولابد أن يثأر لكل ما عانته بسببه، ليثأر لقلبه الذي كان يشعر بتقطيع نياطه من قرب ذلك المخنث منها وتعمده أن يغيظ به، يثأرلكل ما أقترفه المخنث بحقها واستباحته أموالها من أجل تلك الراقصة العاهرة التي فضلها عليها، والأهم من كل ذلك أن يثأرمن أجل صديقه الغالي الذي إن كان بمكانه الآن لم يتوانى بقتل ذلك المقيت، وكرامتًا لدمعات وقهر تلك السيدة الحنون نجية التي طالما أغدقته برعايتها سينتقم منه وسيلقنه درس قاسي يظل بذاكرته للأبد لينفض إسماعيل أفكاره سريعًا وينحني بجزعه يتفادى أحد قطع الزخف التي حاول رشقه بها ذلك المخنث ليتخطى المسافة بينهم بخطوة واحدة ويركله بقوة بمعدته ليسقط علاء على الأرض يتلوى من الألم لينحني إسماعيل بجزعه و يرفع ذلك المخنث من حاشية ملابسه لمستواه وهو يكاد يرفعه من على الأرض وقال بنبرة جهورية متوعدة أمام وجهه المقيت: الميكانيكي اللي مش عاجبك دة هيخليك تكفر عن ذنوبك ياواطي و تندم على اليوم اللي أمك ولدتك فيه علشان تكون عبرة لمن يعتبر.

ليبتلع علاء غصة بحلقه بعيون متسعة ويحاول فك يد إسماعيل من على ملابسه لكن لم يسمح له إسماعيل بذلك أبدًا و ضربه ضربة رأس بقوة عاتية جعلت الدماء تتساقط من أنفه ويترنح للخلف ليجذبه مرة آخرى ودون أن يعطيه فرصة لأي رد فعل كان يناوله عدة لكمات وركلات موجعة بكل أنحاء جسده حتى أن خارت قوى علاء وسقط أرضًا يتمسك بساق إسماعيل يتوسل لتركه لكن إسماعيل لم يتأثر قط وجذبه من ملابسه يجر به إلى غرفة النوم وما أن وطأت قدمه الغرفة تطلع لصورة شوق التي تعتلي الفراش ببذلة رقصها بإشمزاز وقال يتهكم تقصده للآخر الذي كان يحاول التقاط أنفاسه وهو مسطح على الأرض بإنهاك والدماء تغرق وجهه: طول عمرك عندك ميول تبقى يا واطي.

ليبصق عليه بعدها ويخرج دفتر وصولات أمانة أشتراه قبل صعوده إليه وجذبه بقوة من خصلات شعره لينهضه و وأمره بصوت قاطع كحد السكين: أمضي يا حيلتها
رفع علاء عيناه التي يفتحها بصعوبة بالغة أثر كدمة عينه ونفى برأسه وقال في ضعف: لأ
قبل أن يكمل رفضه باغته.

إسماعيل لكمة عاتية بفمه حطمت اثنان من أسنانه الأمامية من شدة قوتها وكأنه يعاقبه على أخراجه لصوته الكريه من الأساس، ليتأوه علاء بألم كبير و يكرر إسماعيل بحدة: أيه رأيك أنا موريش حاجة وهقعد اتسلى عليك لتاني يوم، أيه رأيك هتمضي ولا...
هز رأسه بطاعة وتناول الدفتر منه بأيدي مرتعشة وقام بوضع توقيعه على أحداهم
ليقبض إسماعيل على مأخرة رأسه ويضيف من بين أسنانه: أمضي العشرة يا حيلتها.

كاد يعترض لولآ أن قبضة إسماعيل أشتدت على مأخرة رأسه بقوة ألمته وأرسل له نظرات غاضبة تنذر بموته لا محالة، ليستأنف وضع توقيعه على العشر وصولات دون أعتراض.

لينفضه إسماعيل عنه بتقزز ويسحب الوصلات يضعها بجيب بنطاله ويقول بنبرة حادة كحد السكين: يومين بالكتير و ورقتها توصلها وفلوسها كمان، ولو شفت خلقة أمك دي تاني ولا سمعت أنك فتحت بؤك أنت عارف هعمل فيك أيه و اللي أنت مضيت عليهم دول يسجنوك الباقي من عمرك وأنا بصراحة نفسي أخلص منك فعلشان كدة نفسي متنفذش اللي قولت عليه.

هز علاء رأسه بضعف بينما أبتسم إسماعيل بسمة ماكرة وتوجه إلى خزانة الملابس يبحث عن شيء بعينه
ليسأله علاء بهوان وبنبرة مرعوبة متقطعة: أنت عايز أيه تاني؟

أجابه إسماعيل بمكر وهو يتناول أحد قمصان النوم العارية التي تخص شوق ويقترب منه بخطوات ثابتة وهو يخرج هاتفه الحديث من جيب بنطاله مما جعل علاء يصرخ كالنساء يستغيث بعدما تفهم على ماذا ينوي: متقلقش هناخد كام صورة للذكرى أصل بصراحة حاسس أن القميص عليك هيكون أجمد من على الحريم
صاحب قوله بغمزة من عينه
جعلت علاء يهز رأسه مستنفرًا ويزحف للخلف بخوف ولكن لا يوجد مفر من عقابك أيها المخنث.

في تلك الأثناء كانت تمت الإجراءات على كافة وجه بفضل ذلك الظابط الهمام
الذي ما أن أتت شوق وبخها بشدة وأجبرها عن التنازل عن المحضر قبل أن يتحول ويسجل بالنيابة، وأخبرها أنها متورطة بأمر الظابط المتجبر شريف وأنه سيجلبها كي تدلى بشهادتها في تلك الواقعة ليتمكن من تصعيد الأمر لرؤساءه لأيقافه عن العمل،.

ليتم الأفراج عن حلا مع أول خيوط النهار معلن عن انتهاء تلك الليلة الطويلة المشؤمة التي لن تنساها ما حيت وستظل بذاكرتها للأبد. ليصحبها جارهم عبد الرحيم إلى سيارته التي يصفها بمقربة من القسم بينما تظل نجية تبحث بعيناها عن إسماعيل وهي تشعر بالقلق وبعد عدة دقائق رأته يأتي مهرولًا ويعتزر على تأخيره ويتحجج أنه كان يبتاع وشاح ل حلا لتستر به شعرها لتتناوله منه و تربت على كتفه بإمتنان فهى تعلم أن الأمر كان صعب عليه مثلها تمامًا، ليتوجهوا إلى السيارة وما أن جلس بلأمام بجانب عبد الرحيم القى عليها نظرة عابرة ليراها تستند على زجاج النافذة بنظرات فارغة وبملامح تحاكي الموتى بشحوبها فكانت تلك النظرة العابرة كفيلة بتقطيع نياط قلبه على ما توصلت له ليحتل الحزن معالم وجهه ويلعن ذلك المخنث ربما للمرة المائة بسره ويسحب عدة محارم ورقية يمسح دماء ذلك المقيت عن يده ويخفيها كي لا يلاحظ أحد جروح يده الناجمة عن ضربه، بينما نجية كانت تجلس بجانب حلا بالمقعد الخلفي و وضعت الوشاح على رأسها دون أن تتفوه ببنت شفة وكأن الكلمات هربت من شدة قهرها وحزنها على أبنتها لتشعر حينها بألم حاد بصدرها.

وكأن أحد طعنها للتو ولكنها ظلت تتحامل على نفسها وتدعو الله أن يمر الألم المعتاد كسابقته.

في إيطاليا وخصةً في قصر شكري الأنصاري
كان يجلس يتناول فطوره برتابة شديدة وهو يغص بكل لقمة و يتذكر هيئة أبنته آما وليد الذي كان يشاركه الفطور
ظل ينفث دخان سيجارته بعصبية مفرطة وكأن الشيطانين تتقاذف أمام وجهه وهدر بحدة: أنا زهقت لغاية أمتى هصبر أنا عايز أتمم جوازي منها قبل سفري
أطرق شكري رأسه بالأرض وقال: أزاي بس دي حالتها وِحشة.

ليصرخ وليد بحدة أكبر: أنت هتصدق كلام الزفت يعقوب، بنتك كويسة ومفهاش حاجة هو مش راضي يخرجها من المستشفى علشان يماطل في جوازي منها وجيبلها حرس علشان يمنعني عنها بس دة بعُده أنا سيبه بمزاجي ولو عايز أوصلها مش هيعرف يمنعني.
ليقول شكري بحسرة وبقلة حيلة: ياابني متتعصبش، وان شاء الله بكرة تخرج ونفسيتها تتعدل وساعتها تعمل اللي أنت عايزه.

ليهدر وليد بنبرة شيطانية: أنا مش هستنى لما تتحسن حالتها وهتجوزها على أي وضع
ليرد شكري يحاول تهدئته وجعله يعدل عن قراره: الله يخليك بلاش تهورك وأندفاعك دة وكفاية اللي حصل
حانت من وليد بسمة ساخرة وأضاف بتهكم وبنبرة شيطانية: زعلان عليها، إحمد ربنا إني ما قتلتهاش زي ما قتلت الواد الصايع اللي كانت هربانة معاه، أنا عملت خاطر ليكِ واظن أنا عداني العيب.

لأ كتر خيرك والله مفروض نسقف على الإنجاز العظيم اللي انت عملته
هدر بها يعقوب هازئًا بنبرة جهورية بعدما حضر لتوه و قطع حديثهم
التفت وليد اليه وحذره بحدة: ملكش دعوة أنت وخليك بعيد أحسنلك
رفع يعقوب ثاقبتيه بتحدي واستطرد قائلًا بنبرة قاطعة كنصل السكين: متقدرش تعمل حاجة أنت جبان وعارف أنك لو كنت موتها زي ما بتقول كانت فرصتك هتقل وخططك كلها هتبوظ.

أنت بتقول أيه خطط أيه اللي بتتكلم عنها أنا معملتش كدة غير علشان بحبها
هدر بها وليد بنبرة مهزوزة وأعين زائغة
ليقاطعه يعقوب بحدة: كدااااااب عمرك ما حبيتها طول عمرك أناني وجشع ومتهور وعندك استعداد تعمل اي حاجة علشان الفلوس وتوصل للي أنت عايزه
أحتدت نظرات وليد وأندفع يقبض على حاشية ملابسه
وهدر بغيظ أمام وجهه: بلاش أنت يا يعقوب مش عايز أأذيك تاني وبلاش تقول كلام تندم عليه بعد كدة.

نفض يعقوب يده بقوة وهدر بتحدي سافر وهو يجذبه من اسفل عنقه بعنف: جرب تأذيني تاني أو تلملسها وشوف هعمل فيك أيه يا حقير، واوعى تنسى أن حسابك معايا لسة مبتداش
ليتدخل شكري ويحيل بينهم وهو يوجه حديثه ل
يعقوب: كفاية، وأبعد عنه أنت باين عليك أتجننت
زفر يعقوب بغضب من تبرير عمه ومرر يده بخصلاته الفحمية وهو يقول بعدم تصديق: مستحيل أنت أزاي سلبي كدة؟
اللي مرمية في المستشفى دي بنتك مفروض تفكر فيها شوية.

وبعدين لدرجة دي هو مخوفك ويقدر يأذيك
نكس شكري رأسه ولم يستطيع أن يجيبه بينما أبتسم وليد بخبث وقال قبل أن يغادر: أنا وخالي في مركب واحد وأنت مش هتعرف تفرق بينا ولا تأثر عليه بطريقتك دي وياريت متتعبش نفسك وتتدخل تاني ولو فكرت تعمل فيها البطل الهمام وتهربها هدفعك عمرك تمن لدة وهجيبها برضو يا يعقوب لو في أخر الدنيا.

ليرتمى شكرى على أحد المقاعد القريبة بقلة حيلة وهو ينظر إلى ظهر وليد الذي التفت مرة آخرى وقال بأصرار: أعملوا حسابكم بكرة ترجع البيت علشان هتمم إجراءات الجواز ولو مرجعتش برضاها هرجعها غصب عنها
ليوجه حديثه الذي يحمل بطياته التحذير ل شكري: ولا، عندك أعتراض يا خالي
نفى شكري برأسه بينما أبتسم وليد ساخرًا على قلة حيلته التي أشعرته بلأنتشاء.

وغادر بعدها تارك يعقوب يشعر بأن بركان ثائر يغلي برأسه بعد تهديد ذلك اللعين له لينظر لعمه شذرًا
ويتوجه لغرفته ليحضر ما أتى من أجله لكي يعود مرة آخرى للمشفى ليطمأن عليها ويكون بجوارها.

كم اتمنى توقف أنين عقلي فلم أعد أحتمل مداهمة أفكاره وأصبحت ترهقني بشدة، هل بالفعل أنا لا أستحق ثمن تلك الرصاصة كما هي أخبرته هل من الممكن أن كل ما حدث بيننا كان من نسج خيالي كما أدعت، كيف، كيف بربك تمكنتي من خداعي هكذا هل بنظرك أنا آفة لا استحق
هل كنت مغيب أنا لتلك الدرجة التي جعلتك تخترقي صميم قلبي وتمزقي أحشائي بكل سهولة و يسر.

لمَ بربك أقحمتيني معك لمَ جعلتيني أتخذ عيناكِ وطن وأفرد قلوعي به مترجي الأمان لمَ أذقتيني مرارة الغربة مرتين لمَ جعلتي المهاجر الهائم بلا مأوى ينوح على غربته ويفتقد أهله وعشيرته بعد خداعك أقسم أنني لم أعد أحتمل حتى التنفس داخل بلد ينبعث منها رائحتك التي أصبحت هي والموت سيان.

ذلك ما كان يفكر به وهو يجلس على حافة ذلك المركب الصغيرالمخصص للصيد الذي ما أن استعاد وعيه وجد نفسه على متنها بعرض البحر، ليرفع يده ويتحسس تلك الضمادة الكبيرة بصدره وهو يحمد ربه على رحمته به فإن لم يبعث الله له ذلك العجوز لأنقاذه كان أصبح هالك لا محالة. ليبتسم بسمة باهتة أثناء جلوس روبرتو بجانبه وترتيبه على كتفه بمواساه
قائلًا: أرى أنك استعدت عافيتك سريعًا بني أظن أن عزيمتك القوية هي سبب نجاتك.

التفت ينظر له نظرة طويلة بعينان فارغة فاقدة لمعة الحياه وهمهم بضعف بلغة إيطالية ظن منه أنه لم يفهمه: ليست أول مرة أعاند الموت بها ولكن المرة السابقة كان لدي أمل أن كل شيء سيكون أفضل وأن ينتظرني مستقبل عامر بلإنجازات، ليصمت لبرهة ويستأنف وهو يغمض عينه بقوة وكأنه يرى كل ما حدث من جديد أمامه: لكن تلك المرة كانت قاسية بشدة ولم تقتصر على معاندة الموت وتحمل عقباته لا فأن أجتمع القلب والعقل بأنينهم معًا يكون الألم أشد بكثير.

هز روبرتو رأسه وأخبره بنبرة غامضة للغاية وهو يمرر يده بشموخ و وقار بخصلاته البيضاء التي تمنحه هيبة غير عادي لا تليق أبدًا بصياد يتخذ من البحر قوت يومه: أعلم ذلك تمام المعرفة، ولكن دعنا من ذلك الآن ودعنا نرحب بك كما ينبغي على مركبنا المتواضع
رفع يوسف نظراته الباهتة إليه وقال بإمتنان: يكفي ما فعلته من أجلي أنا حقًا أشعر بلإمتنان لك.

ليهمهم روبرتو بود: إذًا رد لي المعروف وتحدث معي بالعربية فأنا أتفهمها ولكن لا أجيد التحدث بها
تسللت بسمة بسيطة على شفاه يوسف بالكاد ظهرت و سأل بلغته الأصلية: هي المركب دي بتاعتك؟

تنهد روبرتو بعمق عندما استمع لتلك اللغة المحببة على قلبه وتذكره بمحبوبته ليجيبه بود بعدها: نعم أنها ملكي ولم تخطوا قدمي خارجها منذ عدة سنوات أعيش بها أنا ومساعدي الأمين الذي يجلب كافة أحتياجتنا من الجزر القريبة، فقد سأمنا البشر وكافة ضغوطات الحياه وقررنا معًا أن نقضي ما تبقى من عمرنا في عزلة تامة بعيدًا عن كل شيء.

هز يوسف رأسه بتفهم وقال وهو يشرد في نقطة وهمية بالفراغ: لكني أكتفيت من العزلة و اريد العودة إلى اليابسة
فلابد أن أتأكد من أمر ما
رتب روبرتو على يده المسنودة بود وقال بعدما تفهم ما يجول بذهنه: لا تنخرط وراء طريق الأنتقام يا بني فأنه طريق وعر تعثراته كثيرة، و أبق معنا بعيدًا عن أطماع البشر ومكائدهم.

نفى يوسف برأسه بعدم أقتناع ليتنهد روبرتو ويستأنف بحياد: حسنًا سوف نتوجه مساء الغد إلى مرفأ السُفن لصيانة المركب والحصول على بعض المُأن وسنظل هناك عدة ساعات حتى حلول النهار إذا أردت العودة والأنضمام لنا فأنت مرحب بك
أومأ له يوسف بود وشكره بإمتنان وهو يمني نفسه أن تخيب كافة ظنونه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة