قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل السابع والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل السابع والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل السابع والعشرون

إِذا عصف الغرور برأسِ غِرٍ. توهم أن منكبه جناح.

بعدما خابت ثمار يدها ولى بها الحال أنها أصبحت عاجزة عن الحركة و حتى الحديث تجد به صعوبة بالغة فتصدر منها بعض الهمهمات الغير مفهومة بالمرة بسبب تلك الجلطة الدماغية التي أتت في الجزء الأيسر من المخ وهو أشد سوء فقد أثرت أصابتها على جزئها الأيمن بكامله وأصابته بعجز تام ولكن الأنكى من ذلك أن أصابتها بهذا الجزء من المخ هو المسؤول عن النطق وفي أحيان كثيرة يؤثر على الأدراك أيضًا فأصبحت كجثة هامدة لا يصدر منها سوى بعض الأنفاس والهمهمات والنظرات المنهزمة التي رمقت بها.

زوجة أبنها الأكبر وهي محملة بيدها صحن به حساء وجلست بجانبها كي تطعمها ككل يوم فمنذ ما أصابها وهي من تعتني بها بكل نفس راضية وهي تدعو الله أن يجازيها خيرًا على مراعتها
ويديم هداية زوجها فبعد ما.

حدث وما أصاب والدته ورآى بأم عينه أهتمام أميمة بها بكل رضا وتنفاني أيقن أن معدنها أصيل ولا تستحق منه سوى كل خير فهي طالما شعرت أن زوجها ليس بهذا السوء الذي يبدو عليه وان كل ما كان يفتعله معها بسبب والدته وتحريضه عليها فما كان منه سوى أن ينصاع لها رغبة في مراضتها وهاهي الأن لا حول لها ولا قوة تجلس بقلة حيلة وتلتقط منها ملعقة الطعام كما يفعلون معها أطفالها لتبتسم وتقول بود: يظهر أن الشُربة عجبتك ياحماتي والله أنا عملتها مخصوص علشانك علشان عارفة أنك بتحبيها ياريت بقى تسمعي كلامي ومتدوخنيش زي كل يوم وترضي تاخدي دواكِ.

قالت أخر جملة وهي تناولها أخر معلقة بطبق الحساء وما أن أنتهت سحبت عدة محارم مبللة ومسحت لها فمها مما جعل عزيزة ترفع نظراتها المنكسرة لها بأمتنان عظيم فهي حقًا تشعر بالندم على ما أقترفته بحقها، ثواني معدودة وخرج علاء من غرفته وهو يحمل بيده حقيبة ملابسه مما جعل أميمة تسأله: برضو مصمم تسبنا يا علاء.

هز ذلك المقيت رأسه وحتى لم يكلف نفسه بالرد عليها وتقدم يجثو على ركبتيه أمام والدته وقال أمام نظراتها الحزينة: حقك عليا يا أما أنا السبب بس أوعدك إني أول ما أقف على رجلي هعالجك في أكبر حتة في البلد.

حثته عزيزة بعيناها على البقاء ولكنه برر لها: مينفعش، لازم أبعد بعد ما اتفضحت في الحتة وأتعلم عليا، عارفة اللي قاهرني إني مش قادر أخد حقي منه علشان لغاية دلوقتي مش راضي يديني كل الوصولات وأنتِ عارفة يقدر يسجني بيهم، ليضيق عينه بحقد دفين ويستأنف بغل: بس وحياتك عندي يا أما عمري ما هنسى اللي عمله فيا، لينهد بحسرة ويضيف: دة حتى شوق الرقاصة سَلطت معارفها عليا وخلتهم قطعوا عيشي ومحدش رضى يشغلني في الغردقة كلها...

لازم أبعد يا أما مبقليش عيشة في البلد دي ومتقلقيش على أبنك انتِ عارفاني هفوُت في الحديد، والله على عيني اسيبك بس أعمل أيه الله غالب، فرت دمعة من عين عزيزة بينما
ربت عمرو على كتف علاء وقال بعدما استمع لحديثه: اتوكل على الله ومتقلقش أمي في عنيا ومراتي شيلاها على كفوف الراحة.

لينهض علاء ويهز رأسه ويقول بمغزى لأخيه وهو يزجر زوجة أخيه التي كانت تجلس بجوار والدته تواسيها: دة واجبها يا خويا وكفاية أنها هتبقى الكل في الكل بعد رقدة أمي
تنهدت أميمة وردت بسأم من عجرفته المعهودة: ربنا يدي كل واحد على قد ضميره ونيته يا عم عيالي
عن أذنكم هروح أجيب العلاج.

لتتركهم يتناوبوا النظرات بينهم وما أن تأكد عمرو من أبتعادها قال في حدة: مرضتش ارد عليك قدامها بس عايزك تعرف أن مراتي أصيلة ولو واحدة غيرها بعد اللي كنت بعمله فيها واللي شافته من أمي كانت طلبت الطلاق وسابتني من زمان وعمرها ما كانت هتقعد تراعي أمك بعد ما سَرقِتها وهانتها بدل المرة ألف.

تساقطت الدموع من عين عزيزة بندم شديد فأبنها محق ولكن حتى الندم لا يفيدها الآن وهي لا تستطيع حتى التعبير ولو بكلمة واحدة مفهومة بسبب عجزها ذلك
ليزفر علاء ويقول بعجرفة من جديد: متقدرش تسيبك دي لزقة و ملهاش حد تروحله المفروض تحمد ربها أنها لقيت بيت يأويها
علاء احترم نفسك.

هتف بها عمرو بإنفعال وهو يقسم انه سيحطم رأسه الأن إن لم يصمت مما جعل صوت أنفاس عزيزة تتعالى وكأنها تحثهم أن يكفوا عن الشجار مما جعل علاء يصمت ويقول بتراجع كي لايزيدها على والدته: بقولك أيه، أنا ماشي ومش عايز أتخانق معاك تاني بس قبل ما أمشي عايزك تفهم وتفهم مراتك أن البيت دة ليا فيه زيكم بالظبط وهسبكم تبرطعو فيه بمزاجي، سلام ياخويا.

ليحمل حقيبته ويغادر بكل عجرفة كعادته بعدما قذف بكلماته كالسياط القاسية تجلد عزيزة التي كانت تنظر إلى أثره بآسى شديد فنعم هناك أشخاص مثله كثيرون بتلك الحياه لن يغيرهم شيء ولا يتعظوا بتاتًا.

آما في أحد أفضل شوارع نابولي ب إيطاليا وخصةً فندق يوروستارز اكسلسيور الذي يوفر اطلالة رائعة على البحر
نجد عز مسطح على الفراش بملابسه وشارد بنقطة وهمية بالفراغ فبعد أن غادرو ثلاثتهم القصر توجهوا إلى هناك وأتخذ كل منهم غرفة منفردة بشكل مؤقت حتى يدبرو منزل خاص بهم.

فقد ظل يحملق في سقف الغرفة يفكر مليًا في مستقبله وما يتوجب عليه فعله يحاول ان يرتب افكاره برأسه بشكل جدي للغاية وبعد عناء التفكير دام للكثير من الوقت قرر أنه سيسعى بلأمر مستغل تلك الشركة الصغيرة التي أهداه له والده لتكون هي بدايته.

اعتدل في جلسته وإن قام بخلع ملابسه كي يخلد للنوم تذكر ذلك الخطاب ليبتسم بلامبالاه ويجلس بسأم فاليوم كان يوم كارثي بالنسبة له ولا مانع من تهنئة سخيفة من أحدهم تتمم يومه ولكن عندما سقطت غابات الزيتون المشتعلة لتوها على الخطاب كاد يفقد صوابه مما خطته يدها لينهض دون أدنى تفكير ويقرر أن يذهب لها ولكن دون فائدة لم يجدها بأي مكان من الممكن أن تتواجد به غافل عن كونها رحلت تاركة كل شيء خلفها و اولهم هو الذي تأكد لتوه كونها ضحية لذلك اللعين.

أبتسم ببهوت وبسعادة منقصوة عندما أتاه خبر ما حدث ل وليد عبر الهاتف من مارك فقد أخبره أنه يتلقى رعاية خاصة بسبب خطورة حالته بأحد المشافي تحت حراسة من رجال الشرطة
وبعد أن أتم حديثه للأخير ورتب كل شيء معه أغلق الخط وأرتمى على الفراش وهو يشعر أن قلبه يعتصر بين ضلوعه فكم أنتظر ذلك اليوم الذي سينتقم من ذلك اللعين ولكن لم يتخيل قط أنه سيكون حينها دون قطته.

آماعلى الصعيد الآخر في القاهرة وخصةً عند ذلك العاشق الذي يقسم انه لم يذق النوم في الليلة السابقة ولم يغمض عينه لدقيقة واحدة من شدة سعادته بموافقتها وهو ينوي أن اليوم سيصعد هو وجارهم عبد الرحيم ليطلبها بطريقة تليق بها أبتسم بأتساع وهو يخطط للأمر برأسه ويتناول سترته التي كان يرتديها بلأمس وما ان أرتداها ووضع يده بجيبها وجد ذلك الكارت الخاص بالشقراء خاصة الأمس ليزفر وهو يشعر بتردد شديد و يتذكر حديثها معه وعرضها المغري وأصرارها العجيب عليه مما جعله يرتبك للغاية حينها ويشعر بالضيق وحتى أن ذلك ما جعل تصليح سيارتها يأخذ وقت طويل منه نفض أفكاره سريعًا فهو لا يريد لشيء ان يعكر صفوه اليوم ليقطع الكارت إلى قصاصات صغيرة ويغادر كي يبدء تحضيراته لمساء اليوم.

في المساء دخلت نجية على أبنتها التي كانت تجلس امام مرآتها شاردة في انعكاسها
وقالت بود: مبروك يا حبيبتي
تنهدت حلا وقالت بنظرات زائغة من شدة أرتباكها: ماما أنا حسة إني أتسرعت في الموافقة
لطمت نجية أعلى صدرها وصاحت منزعجة: يالهوي أنتِ بتقولي أيه دة الراجل على وصول.

نفخت حلا أوداجها وقالت بإندفاع: ياماما أنا متلغبطة ومش عارفة قولتله كدة ليه، كل اللي أعرفه إني لما شوفته بيركب مع الزبونة العربية حسيت إني...
لتقطم شفاهها وتطرق برأسها وتستأنف بخجل: حسيت أحساس غريب أول مرة أحسه وكنت هموت من غيظي ومحستش بنفسي غير وأنا بقوله إني موافقة أتجوزك.

تنهدت نجية وقالت بحنو شديد وهي تجذبها لأحضانها: والله يا بنتي بتحبيه بس أنتِ بتكابري زي عوايدك، أدي لنفسك فرصة وأديله هو كمان فرصة يثبتلك إنو جدير بيكِ ومتقلقيش إسماعيل عينه مش بتشوف غيرك
رفعت حلا نظراتها إليها وقالت بتخبط شديد: بجد يا ماما
أومأت لها نجية بتأكيد بينما تسألت حلا في حيرة: أمال ليه عمره ما حاول يقرب مني ويقولي على مشاعره نحيتي.

زفرت نجية بيأس من طريقة تفكير أبنتها العقيم وقالت كي تذكرها: يظهر أنك نسيتي كنتِ بتعمليه وحِش أزاي دة كفاية أنك فضلتي الواطي علاء عليه كنتِ عيزاه يعمل أيه؟
وبعدين إسماعيل راجل وميتعداش الأصول أبدًا وأكيد يا موكوسة محافظ على مشاعره دي ليكِ بس لما تكوني حلاله
أبتسمت حلا بسمة خجلة للغاية وأومأت بتفهم تزامنًا مع صوت جرس الباب لتقول نجية : أنا هستقبلهم وحصليني.

هزت حلا رأسها وظلت تفرك بيدها بتوتر لتتركها نجية وتتوجه لفتح الباب التي شهقت بأعجاب ما أن رأت هيئته فكان يرتدي بنطال أسود و قميص أسود يبين تقاسيم صدره تارك أول زرار به مفتوح وفوقه سترة كلاسيكية الطيراز بالون الرمادي ويحمل بيده باقة ورد بيضاء تضاهي لون قلبه وعلبة كبيرة من نوع الشكولاتة التي يعلم تمام المعرفة كون حلا تفضلها:
بسم الله ما شاء الله عليك يا حبيبي، أتفضلوا نورتونا.

ليتقدموا إلى الداخل هو وجارهم الطيب عبد الرحيم وبالطبع تلك السيدة صاحبة الصيت الشائع عدلات التي كانت فخورة بذاتها الآن لأبعد حد كونها هي من سعت لتلك الزيجة و ما ان وطأت قدميها داخل المنزل ظلت تطلق الزغاريد حتى كادت تصم أَذَنهم جميعًا، ثواني معدودة ودخلت هي مطرقة الرأس تحمل بأيدي مرتجفة من شدة خجلها صنية المشروبات بوجه يتدرج بحمرة الخجل مما جعله عندما رأها بهيئتها تلك يتنهد تنهيدة عميقة وهو يهيم بها دون قصد فكانت ترتدي ثوب وردي رقيق للغاية ينسدل على جسدها بشكل محتشم يلائم تمامًا حجاب رأسها المزكرش بورود من نفس اللون و زينت عيناها الآسرة ببعض الكحل الأسود الذي برز أتسع عيناه وفقط أكتفت بملمع شفاه باللون الوردي حتى يتماشى مع ثوبها، وضعت ما بيدها على الطاولة وتقدمت بخطوات مهزوزة بعدما حثتها والدتها أن تلقي عليهم التحية وبالفعل إنصاعت لها فمدت يدها تسلم على جارهم عبد الرحيم ومن بعده عدلات التي ضمتها و قبلتها على وجنتها بالتناوب تعبيرًا عن سعادتها و مباركتها لها.

وإن أتى دوره نهض وهو لايستطيع أن يزيح بنظراته الحالمة عنها، لوهلة شعر أن العالم أنقرض من حولهم وأن كل الأصوات قد أندثرت بلا رجعة من مجرد أنه شعر بملمس كفها الرقيق بين يده لتحين بسمة عاشقة على جانب فمه وترفع هي نظراتها إليه بخجل شديد، أنتشلهم من الحالة الفريدة تلك حمحمت عبد الرحيم وهو يوجه الحديث ل نجية لتسحب هي يدها سريعًا وتأخذ تعبث بطرف حجابها كعادتها عندما تتوتر وتجلس بجوار والدتها مطرقة الرأس.

وبعد عدة أحاديث مطولة بينهم والكثير من ثرثرة عدلات قرأو الفاتحة بعد أتفاقهم أن عقد القران بعد عدة أيام كي يتمكنوا من تحضير كافة شيء.

عودة إلى إيطاليا بعد مرور ثلاث أيام وخصةً داخل المشفى الذي يقبع به ذلك اللعين فكان يتسطح على ظهره و في وجهه وبكافة أنحاء جسده العديد من الكدمات الدامية والكثير من الضمادات الطبية ليفتح عينه وهو يشعر بألم حاد ينخر ظهره فيبدو أن أقوى المسكنات لم تجدي معه نفعً فقد أدت الحادثة إلى كسر في فقراته وقطع في النخاع الشوكي نتج عنه خضوعه لجراحة خطيرةللغاية وها هو منذ أن استعاد وعيه يصرخ بهياج شديد ويأن من كثرة الألم مما جعل الطبيب يأتي إليه مهرولًا يحاول تهدئته ليصرخ به وليد بنبرة.

نابعة من أعماق الجحيم من شدة تألمه: أخبرني ما أصابني، يكاد الألم يفتك بي
أومأ له الطبيب بتفهم وأخبره بعملية شديدة وهو يحضر أحد الأبر المسكنة: أهدء سيد وليد فذلك الألم متوقع بعد جراحتك
ليصيح وليد من جديد بهياج وبنبرة متألمة لأبعد حد: تبًا لك ولتلك الجراحة اللعينة أنا اريد مغادرة تلك المشفى الأن
ليعترض الطبيب: لن تستطيع ذلك أؤكد لك وحتى أن استطعت رجال الشرطة بالخارج لن يتركوك ترحل.

لم يعير حديث الطبيب أي أهمية وكأنه قد توقف ذهنه عن العمل حتى أنه
نفض الغطاء بإنفعال شديد وتحايل على ساقيه أن تطيعه ولكن دون جدوى ليزئر بغضب قاتل ويصيح من جديد: تبًا، ماذا حدث لي أهذا تأثير البنج لما لا أشعر بجزئي الأسفل بأكمله
تنهد الطبيب وأخبره بعملية وبنبرة مشفقة عليه: ليس تأثير البنج للأسف لقد أُصبت بشلل نصفي جراء الحادثة أعتذر منك فلم نستطيع فعل شيء.

كان يستمع له بشدوه تام و بملامح منكمشة غير مصدقة لتحين منه بسمة غير متزنة بالمرة ويقول بسخرية شديدة: أنت طبيب عديم النفع لن أصدقك فسوف أنهض الأن وأغادر مشفاك ما أن يذهب مفعول ذلك البنج اللعين.

ليحاول مرة آخرى وآخرى بأصرار عجيب للغاية وهو يشعر أنه على حافة الجنون تحت نظرات الطبيب الذي حقًا كان يشفق عليه وما أن أزداد هياج وليد وتعالت صرخاته الهستيرية بلغته الأم الذي لم يتفهم منها شيء وخمن أنها سُباب أمر أحد الممرضين أن يثبته كي يوخزه بتلك الأبرة التي حضرها مسبقًا وبعد ثواني معدودة تراخى جسده فيبدو أنه فقد وعيه من عدم قدرته على تحمل الألم الذي يجتاح جسده أو ربما لم يستطيع عقله أن يستوعب ما حدث وقرر الفرار.

آما عنهم تركوا الفندق بعد يومين، و أبتاعوا منزل لهم بأحد الأحياء الراقية كي يستقروا به مؤقتًا فقد وعدها بالعودة إلى أرض الوطن للبحث عن والدتها وهو مازال عند وعده وخصةً بعد علمه بما حدث ل وليد وبعد استلامه لذلك الورق بيده الذي يقسم أنه يدفع نصف عمره ليعلم من بعثه له، هو يعلم كيف سيتصرف بلأمر، فطالما تلك المستندات معه يقدر أن يقنع عمه ان يتخلى عن أعماله تلك و يجعله يغض الطرف عن أطماعه، حقًا ليس ذلك ما يشغله الآن، فما يجعله سيفقد صوابه لا محاله، مَن وراء كل ذلك ولمَ وقع أختياره عليه هو بالذات كي يرسل له تلك المستندات زفر بضيق شديد وهو يقلب الورق بيده مما جعل لين تتسأل بقلق ما أن دخلت إلى الغرفة: مالك يا يعقوب بتفكر في أيه؟

أجابها يعقوب في ضيق وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية: في حاجة حصلت ولازم أحكيلك عليها
أبتسمت هي وقالت بود: قول يا يعقوب من أمتى بنخبي على بعض حاجة
أومأ لها وقال بجدية شديدة: لين عايزك تحاولي تفكري معايا علشان أنا حاسس دماغي هتنفجر
هزت رأسها بتفهم وحثته بعيناها أن يشرع بالحديث.

ليقول هو: قبل ما نمشي من الفندق لقيت موظف من إلى شغالين هناك بيخبط على باب أوضتي وبيسلملي ظرف، استغربت جدًا خصوصًا أن محدش يعرف مكانا، و لما سألت الموظف اللي سلمهولي قالي أنو جة على بريد الفندق بأسمي وأسم المرسل مكنش مذكور
أومأت له وقالت كي تحفزه على المتابعة: وبعدين طلع فيه أيه الظرف دة؟

زفر يعقوب بضيق أكبر وبعقل منهك من كثرة التفكير: الظرف فيه مستندات بتدين عمي وتقريبًا هي نفسها اللي كان وليد بيهدده بيها
عقدت حاجبيها بعدم فهم ليستأنف هو: السؤال هنا مين اللي ورا كل دة مين اللي خطط ودبر أنو يورط وليد ويوقعوا في شر أعماله، وأزاي جاب الورق دة وخصوصًا إني حاولت كتير ومعرفتش أوصله لأنه كان شايله في خزنته في الشركة اللي مبتفتحش غير ببصمة أيده أو الكارت الوحيد اللي معاه ومش بيفارقو.

تنهدت لين وخمنت: يمكن هو ضميره وجعه وحب يكفر عن أعماله وهو اللي بعت الورق بعد اللي حصله
حانت بسمة ساخرة على فم يعقوب وقال بثقة: مستحيل يكون دة اللي حصل وأظن أنا وأنتِ عارفين الحقير دة كويس
لتكرر هي تخمينها: ممكن يكون حد من أعداءه مثلًا
نفى يعقوب برأسه وقال بيقين تام: مستحيل أعداء وليد هما أعداء عمي ومكنوش بعتوا الورق اللي بيدينه أكيد كانوا استغلوه ضده.

أومأت له بإقتناع تام وقالت بريبة شديدة: طب ليه أنت بالذات الورق دة وَصلك
مش عارف، مش عارف
هتف بها يعقوب وهو يمسد جبهته و يشعر أن رأسه ستنفجر من شدة التفكير وهو يجلس بجوارها
لتربت هي على يده وتخبره بمغزى: اللي بعت الورق دة قاصد يحطك في أختبار يا يعقوب.

التفت برأسه لها وقال بكل ثقة ودون ذرة ضغينة بداخله: أنا عمري ما هأذي عمي وأنتِ متأكدة من دة أنا بس نفسي يفوق قبل فوات الآوان والورق اللي معانا دة يمكن يساعدنا نأثر عليه
حانت منها بسمة ساخرة على تفكير أبن عمها الغريب.

فإذا كان شخص آخر بمحله تقسم أنه كان لن يتوانى بسجن أبيها التي لاتمانع هي ابدًا أن يعاقب على ما أقترفه من أعمال ملوثة لتقول بمغزى وهي تنهض وتتوجه لغرفتها: في الأول والأخر القرار ليك وأنت حر أعمل اللي أنت شايفه مناسب
لتتركه يغمض ثاقبتيه بقوة يحاول أن يفكر بمنطقية أكبر بلأمر.

بينما على الصعيد الآخر بالقاهرة
كان يقف يودع ذلك المشتري الذي أبتاع السيارة التي أعاد ترميمها في الأيام السابقة بمبلغ مجزي من المال يفوق ما صرفه عليها بأضعاف وهو ينوي أن يتقاسم معها المال فذلك حقها.

ليتنهد بعمق وهو يضع المال بجيبه عندما لمحها عائدة من عملها ككل يوم ولكن ذلك اليوم مختلف وبشدة بالنسبة له فلأول مرة توجه نظراتها إلى ورشته وتبتسم له من بعيد مما جعله يضع يده يدلك عنقه وتزيد أبتسامته الجانبية بسعادة متناهية التي أندثرت لتوها عندما شاهد تلك الشقراء ذاتها تصف سيارتها أمام ورشته وتشرأب برأسها من نافذتها قائلة: أزيك يا إسماعيل
تنهد بضيق وأجابها بإقتضاب: الحمد لله أأمري يا هانم.

لترد هي بجدية وهي تتدلى من سياراتها وتقف مواجهة له: أنا استنيتك تكلمني بس يظهر أنك نسيت
تحمحم هو وقال برفض: أسف يا هانم والله بس مش هقدر اوافق على عرضك علشان مقدرش أسيب ورشتي.

هزت رأسها بعدم رضا وقالت تحاول إقناعه فهي تقسم أنها نادرًا ما تقابل أحد بمهارته وأتقانه وهي حقًا بأشد الحاجة لخبراته في مجال السيارات كي تنهض بمعرضها الصغير التي توارثته من أبيها ولا تفقه شيء بإدارته: محدش قال سيب ورشتك شغلك في معرضي هيبقى بالنهار تقدر تفتح ورشتك لما ترجع وصدقني لما تجرب الشغل معايا مش هتندم وساعتها أنت اللي هتقول مش عايز الورشة باللي فيها.

حانت منه بسمة مجاملة وتحمحم بحرج و هو يحاول أن يعتذر ويرفض من جديد: مش عارف أقولك أيه ياهانم؟
هو أيه دة اللي أنت مش عارف تقوله يا إسماعيل
هتفت بها حلا بعدما عادت أدراجها عندما رأت تلك الشقراء التي تقسم أنها ستجذبها للتو من خصلاتها وتمرغ بها الأرض.

أبتلع إسماعيل ريقه بصدمة من مداهمتها الغريبة لهم وكأنها أمسكت به بالجرم المشهود، بينما نظرت الشقراء لها ببسمة ودودة وقالت: أنتِ أكيد مراته أرجوكِ خليه يوافق أنا بجد محتجاه
نعمممممممم محتجاه أزاي مش فاهمة
هتفت بها حلا بغيظ شديد وهي تضع يدها بخصرها وترفع حاجبيها بسخط
تحمحم هو بحرج من رد فعلها الذي صدمه للغاية وأشعره بلذة الغيرة التي لم يكن يآمل بها بأبعد خيالاته.

لترد الشقراء بتوضيح لم يكن كافي لتلك المندفعة: محتجاه أصله بيفهم اوي في المواضيع دي وأنا بصراحة نفسي أستغل خبرته
أتسعت عين حلا وشهقت بخفوت بعدما بررت حديثها بتفكيرها السطحي العقيم لتهدر بإندفاعها المعهود:
أيه اللي أنتِ بتقوليه دة عيب على فكرة دة حتى شكلك محترم وابن ناس ياريت تتفضلي تمشي وبلاش قلة أدب.

ظل يكبح ضحكاته بصعوبة بالغة على ما تفهمته بالخطأ وهو يشعر أنه مستمتع بكل مايدور، آما عن الشقراء قلبت عيناها وأخبرتها بسأم:.

إنتِ أكيد فاهمة غلط أنا أقصد شغل، عيزاه يشتغل معايا في معرض العربيات بتاعي أصل أنا معنديش أي خلفية عن موضوع العربيات دة وبصراحة كنت بفكر أبيعه بس بابا الله يرحمه موصي إني مفرطتش فيه بس أنا للأسف معرفش حاجة عن أدارته ومحتاجة حد يساعدني وبصراحة أنا عندي أولويات تانية و طالما أنتِ مراته ياريت تقنعيه.

حانت منها بسمة بسيطة على تسرعها كالعادة وقالت بعيون زائغة وهي تفرك طرف حجابها و تراه على وشك الأنفجار من كثرة كتمه لضحكاته: أنا، مش مراته أنا بس خطيبته وفرحنا كمان كام يوم
أبتسمت الشقراء بأتساع: مبروك ربنا يهنيكم ليقين على بعض أوي لتوجه نظراتها ل إسماعيل وتقول بأصرار: فكر لو سمحت في عرضي وصدقني مش هتندم
ودة كارت تاني فيه أسمي
ورقم تليفوني وعنوان معرضي بتمنى ترد عليا.

لتتناول حلا من يدها وتتطلع بالكارت وتنطق أسمها: ( مارسيل الأسيوطي ) مهلًا هي قد سمعت من قبل بذلك اللقب
لتضع يدها على فمها من شدة حرجها وعلى ما تفوهت به منذ قليل
وتسرعها بينما تنهد إسماعيل بعدم أقتناع فهو ليس لديه أي نية لقبول الأمر
بينما أبتسمت مارسيل وأضافت: عن أذنكم لازم امشي علشان اتأخرت على ابني.

لتغادر هي وتتركهم يتناوبوا النظرات بيهم وما أن انطلقت بسيارتها قهقه إسماعيل بقوة بينما قطمت هي شفاهها بحرج ورفعت نظراتها المهتزة تتمعن بملامحه الجذابة التي لانت أثناء ضحكته وجعلتها تقسم أنها لأول مرة تنتبه أن لديه أكثر ضحكة رجولية على وجه الأرض، هدئت ضحكاته تدريجيًا بعدما لاحظ شرودها به ليرسل لها نظرة متوسلة أن تكف عن التطلع له بتلك الطريقة فهو لم يعد لديه طاقة لتحمل المزيد من نظراتها الآسرة تلك، ليزيح برأسه ويتحمحم بعدما شعر أن الموقف لايصح بالمرة بينما هي أنتبهت أيضًا وأخذت تفرك بيدها ثم.

دون أي مقدمات صاحت بإنفعال كي تداري حرجها مما حدث: كنت بتضحك على أيه؟، الله يسامحك أنت ليه ماقولتليش أنها
عارضة عليك شغل
أبتسم بود و ورد: مجتش فرصة وبعدين أنا مش هوافق
دبت بلأرض وقالت وهي تربع ذراعيها بأصرار فيبدو أن مازال حلمها القديم يلازمها:
ليه بقى متنساش أن أحنا داخلين على مصاريف كتير وبعدين مش يمكن تكون فرصة حلوة علشان نسيب المنطقة.

لوهلة شرد بحديثها ثم أومأ لها بتفهم وقال وهو يمد يده بجيبه يخرج المال: سبيها على الله ومتقلقيش خدي دول
تطلعت لما بيده وقالت بتسأل
: أيه دول كلهم بتوع أيه؟
أجابها هو: دي فلوس العربية اللي كنت بجمعها و لسة بايعها من شوية وشاركتيني فيها بفلوسك زي ما أَمرت أم الغالي
نفت برأسها وقالت بتوجس: بس دول كتير أوي
أومأ لها وأخبرها: علشان معاهم نصيبي كمان خليهم معاكِ
وشوفي أيه اللي ناقصك.

أنا خلاص بقيت أنا وانتِ واحد ومفيش فرق بينا ولا أنتِ ليك رأي تاني؟
قال أخر جملة بترقب شديد وهو يشملها ببندقيتاه الدافئة فكان ينتظر منها أي كلمة تبرد قلبه المشتعل بعشقها لكنها أكتفت بحركة من رأسها وأعادتهم مرة آخرى ليده فهو حقًا فكل مرة يبرهن لها أن أختيارها السابق كان خاطئ بكل المقايس و لا يمت لجنس الرجال بشيء، لتهمس وهي مطرقة الرأس بخجل: أنا مش محتاجة حاجة، وخلي الفلوس معاك اللي معاك يزيد يا.

إسماعيل
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن
تغادر بخطوات مهزوزة من شدة توترها وببسمة خجلة للغاية كانت كفيلة بتراقص قلبه بين أضلعه.

عودة آخرى إلى قلب أوروبا الرحيم وإلى تلك الجزيرة النائية البعيدة عن ضجيج نابولي و خصةًبذلك الكوخ الصغير الذي يكبع به روبرتو كان يجلس يوسف مقابل لفراش روبرتو الذي كانت متسطح بدوره يستمع لمَ يقصه عليه يوسف بشأن ذلك الحفل المشؤم ليشعر روبرتو بالآسى عليه وهو يراه مدمع العينين ينعي حظ قلبه
ليربت روبرتو على يده المسنودة على الفراش ما أن أنتهى ويقول بدعم: لا تحزن يا بني تلك مشيئة الله...

أجابه يوسف بحزن وبنبرة تقطر خيبة أمل: كيف تطلب مني أن لا أحزن فطالما كانت هي طريق اللين إلى قلبي وطالما كنت أظن أني هائم بلا مأوى دونها وأن عيناها هي موطني الجديد الذي لن يخزلني قط ويحرمني من سلامه وأمنه، كيف لا أحزن وهي من تفننت في خداعي، كيف لا أحزن بعد كل ما سعيت إليه من أجلها، حقًا أشعر أن قلبي يأن بين ضلوعي ألمً من رؤيتها مع شخص آخر، تلك اللعينة جعلتني أقسم إنني لن أثق بأحد قط مهما حييت.

كان يتفوه بكل كلمة ودموعه الحارقة تتساقط على وجنته تنعي حظ قلبه المدمي بعشقها مما جعل روبرتو يتنهد بعمق ويقول وهو يربت من جديد على يده: إياك أن تؤذيها يابني فليس للأنسان سُلطه على قلبه وذلك أختيارها بلأخير
صدرت منه بسمة متألمة لأبعد حد وقال بنبرة ممزقة: أعلم، أنا لا استطيع ذلك على أي حال حتى إنني لم استطيع استغلال المستندات التي تدين والدها و قد تتسبب بسجنه فقد قمت بأرسالها.

ليبتلع غصة مريرة بحلقه ويستأنف: لزوجها، ولا أعلم لمَ قمت بذلك بعد علمي بزواجها منه ولكن ما أعلمه أنه أنسب شخص لذلك وأنه سيتولى الأمر سواءً سلبًا أو إيجابًا ليس من شأني على أي حال
زفر روبرتو وهز رأسه بتفهم فهو يعلم تمام المعرفة كون يوسف ليس بهذا السوء ومازال يمتلك قلب نقي بلون الثلج رغم كل ما عاناه بسببها ولم يرضى بإيذاء والدها: أحسنت صنيعًا يا بني.

ولكنك وعدتني أن لن تتركني بعد أن يتم أنتقامك من ذلك اللعين فكفى بني دعنا نرحل من تلك البلد، أومأ له يوسف وهو يمسح وجهه بكف يده وأخبره بعيون تفيض بلآسى وبنبرة ممزقة: أنت محق لابد أن نغادر فلم أعد اتحمل أن أتنفس هواء تلك البلد المحمل بعبقها
لتحتد نظراته وتقسو ملامحه ويستأنف بأصرار عجيب: حسنًا سنرحل في القريب العاجل، لكن ليس قبل أن أذهب بزيارة أخيرة واجبة لكي أبرد تلك النيران المندلعة بصدري...

ترى إلى أين ستذهب أيها الهائم فكفاك تعذيب لذاتك ولملم شتاتك و ارحل بعيدًا ربما تجد السلام والمأوى الحقيقي الذي تبحث عنه بتلك الأرض التي تركتها وربما حان الوقت لكي تتيقن أخيرًا أن أنتماءك الأول والأخير لموطنك الذي نشأت به فمهما كانت قسوته وظروفه الكاحلة إلا أنه سيكون رحيم بك أكثر من تلك البلاد الباردة التي أصابت قلبك بالصقيع.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة