قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثامن والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثامن والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثامن والعشرون

كم من طغاة على مدار التاريخ ظنوا في أنفسهم مقدرةً على مجاراة الكون في سننه أو مصارعته في ثوابته. فصنعوا بذلك أفخاخهم بأفعالهم. وكانت نهايتهم الحتمية هي الدليل الكافي على بلاهتهم وسوء صنيعهم.

صباح يوم جديد في إيطاليا وخصةً في نابولي
فقد توجهوا إلى القصر من جديد ولكن تلك المرة عازمين أن يقنعوا شكري بالتخلي عن كل شيء ويضغطوا عليه بتلك المستندات التي تدينه.

وما ان وطأت أقدامهم القصر استقبلهم صوته المتهكم وهو يقترب منهم ببسمة واسعة: قولتلكم هترجعوا ليا وتطلبوا مني أسامحكم شُوفتوا إني كان عندي حق على العموم أنا مسامحكم، أصل البيت وِحش أوي من غيركم يا ولاد، لينظر على باب القصر ويتسأل يدعي الأهتمام: أمال فين عز مجاش معاكم ليه؟
أبتسمت لين بسخرية مريرة على أهتمامه المصتنع ولم تجيبه ظلت على ثباتها بينما استطرد يعقوب بجدية:.

عمي أحنا عارفين أنك مش راضي عن اللي حصل بس خلينا نفكر بالعقل أحنا جاين علشان نقنعك لأخر مرة أنك تسيب شغلك دة وتبعد عن هنا معانا
حانت من شكري بسمة هازئة وتسأل بحدة: وإيه اللي جد يا يعقوب ...
ليخبره يعقوب بتوجس من ردة فعله: اللي جد أن الورق اللي كان بيهددك بيه وليد بقى معايا ومتسألنيش وصلي أزاي علشان معنديش أجابة وافية لسؤالك.

أبتسم شكري بسمة واسعة بسعادة متناهية وقال بتلهف شديد: مش مهم وصلك أزاي المهم دلوقتي أنو معاك وهتدهولي
زاغت نظرات يعقوب ونفى برأسه برفض قاطع: مش هديك حاجة غير لما تسيب شغلك دة وتقرر تتنازل عن كل حاجة
ليضيق شكري عينه ويستأنف حديثه بخبث كي يأنب يعقوب ويذكره أنه هو صاحب الفضل عليه: أنت بتهددني يا ولد دة جزاتي بعد ما كبرتك وصرفت عليك وخليتك راجل، بتقف قصادي وتتحداني.

زفر يعقوب بحدة فما يظنه هو، هو لن يكون ناكر للجميل ولا بحاجة ليذكره كل حين وآخربتفضله عليه، ليهدر بإنفعال:
أنا مش بتحداك أنا عايز مصلحتك وأنا كان ممكن أسلم الورق اللي معايا بس أنا مهنش عليا اضرك و بديك فرصة تانية أنك تكفر عن ذنوبك، وتعيش وسط ولادك.

ليبتسم شكري بخبث ويقترح ذلك العرض الذي يظنه سيجدي نفع معه وهو ملتزم بجحوده المعهود: لو فعلًا عايز مصلحتي، يبقى تديني الورق و أنا ساعتها ممكن أتقبل جوازك من بنتي وترجعوا تعيشوا معايا بس بشرط تقف جنبي وتمسكلي شغلي بعد وليد
أعترض يعقوب بإنفعال شديد: عمي أنا مستحيل أشتغل معاك وأنت متأكد من كدة.

ورجوع القصر دة مش هرجع غير لما توافق وتتراجع عن قرارك وإذا كان تمسكك بشغلك دة علشان وليد وتهديده ليك فخلاص وليد أنتهى ومستحيل يرجع زي ما كان وأكيد معهوش أي حاجة تدينك تاني وإلا مكنش سكت لغاية دلوقتي وكان ورطك معاه
هز شكري رأسه بتفهم وقال بخبث: وتفتكر أن خوفي من وليد لوحده كان سبب كافي يخليني أسيب كل حاجة هنا واتنازل عن اللي بكون فيه من سنين.

أنكمشت ملامح لين بإنزعاج وهي تستمع لأبيها وتسألت بضيق شديد: يعني أيه؟ مش الورق اللي مع وليد بس هو اللي كان مخليك مستمر في الشغل دة!، آمال ليه كنت عايز تجوزني ليه بالغصب وسبته يأذينا كلنا طالما في حاجات تانية مخوفاك.

نفى شكري برأسه وقال بأصرار عجيب كي يبرر جشعه: أفهمي يا بنتي أنا متأكد أن وليد أنتهى خلاص بس الناس دي مينفعش أسيبهم بالسهولة دي زي ما انتوا متخيلين وبعدين أنتوا لازم تقفوا جنبي وتدوني الورق علشان مبقاش قلقان وأعرف أكبر شغلي و أوعدكم إني هكون حريص بعد كدة ومش هثق غير فيكم.

تناوبوا النظرات بينهم بمغزى تفهمه يعقوب فحدسها نحو أبيها كان بمحله حتى أنها أخبرته أنه لا يفصح له عن كون المستندات بحوزته حتى يستكشف نواياه الحقيقية أولًا، ولكنه لم يستطيع المماطلة فكان يرتب الكثير من الأمنيات الواهية على قبول عمه، ليزفر يعقوب بضيق وهو يمرر يده على خصلاته الفحمية وقال برفض قاطع:
مش هيحصل، ولو فضلت مصمم أنا بنفسي هسلم الورق و اسجنك يا عمي.

أبتسم شكري بأستخفاف وكأنه يؤكد على طمعه وجحوده وقال بثقة: أنا اللي مربيك وعارف أنك مستحيل تأذيني يا يعقوب
أعقل وخلينا نتفاهم.

أحتدت ثاقبتاه بغيظ من موقف عمه واستخفافه به فهو حقًا غير مراعي لأي شيء سوى لمصلحته وأطماعه فعن أي تفاهم يتحدث هو، ولكن مع كل ذلك لن يستسلم و كاد يحاول مرة آخرى بإقناعه لولآ أنها تدخلت وحالت بينهم كي تنهي تلك المحاولات البائسة التي لن تغير شيء من جحود أبيها وأطماعه: أحنا عملنا اللي علينا يا بابا وحاولنا نقنعك بس يظهر أنك مصمم، ياخسارة يا بابا كان نفسي تخلف توقعاتي وتحس بينا لو لمرة واحدة، وتعمل حاجة علشانا بس للأسف طلع عندك أولويات أهم مننا، بعد أذنك أحنا هنمشي ومتلومناش على أي حاجة بعد كدة...

لتتمسك بذراع يعقوب تحت نظرات شكري التي تستشيط غضبًا واعتراضه ولكنها تعمدت تجاهله تمامًا وعدم التأثر فنعم هي سترضى بسجنه عوضًا عن قتله من قبل تلك المافيا التي يعمل لديها او ان يصيبه كما أصاب وليد لتحث يعقوب بعيناها أن ينصاع لها ويغادر معها، بينما تناوب يعقوب نظراته بينهم وكأنه مازال يصعب عليه القرار ولكنها تفهمت ما يدور بخلده وقالت بصوت خفيض للغاية كي تدعمه أن ينصاع لها:.

علشان خاطري يا يعقوب متصعبش الأمور عليا وعليك
صدقني كل واحد مسؤول عن أختياراته وملزم يتحاسب على توابعها، خلينى نمشي.
أبتلع يعقوب غصة بحلقه وأومأ لها وهو ينظر لعمه بنظرة لوم وعتاب طويلة لم تحرك في شكري قيد أنملة مما جعل يعقوب يتنهد بأحباط شديد و يخطو نحو الباب معها تاركين شكري يهلل خلفهم بحدة و بالكثير من الوعيد.

آما داخل تلك المشفى التي يقبع بها وليد تحت الحراسة وعندما داهمته أحد نوبات ألمه بحضور الطبيب الذي وخزه لتوه بأحد مسكنات الألآم القوية صرخ
وليد بنبرة متوسلة للطبيب: أرجوك أريد مساعدتك فقط مكالمة هاتفية واحدة
نفى الطبيب برأسه وقال بعمليه: أعتذر منك فهذا يخالف تعليمات رجال الشرطة وليس مسموح لك بذلك
ليصرخ وليد من جديد بترجي أكبر وهو يجز على أسنانه من شدة الألم: أتوسل إليك، أعدك لن أخبر أحد...

زفر الطبيب بضيق بعدما رأف بحاله وتعاطف مع حالته وقال بصوت خفيض: حسنًا ولكن أخفض صوتك كي لا ينتبه لنا أحدهم
أومأ له وليد بأمتنان بينما ناوله الطبيب هاتفه النقال وأخذ موقعه عند الباب تأهبًا لدخول أحد ليضغط وليد على عدة أرقام ويهاتف مارك ولكن دون جدوى فكان هاتفه مغلق في كل مرة ليزفر بيأس ويعاود الأتصال ولكن برقم آخر يخص أحد رجال زعيمهم أنطونيو الذي كان يأخذ أوامر مباشرة منه على عكس.

مارك فكانت كافة محادثاتهم في الخفاء دون علم أحد، ليستنجد بذلك الشخص الآخر وهو يهيء له أنه يصنع بهم معروفًا مستغل الأمر لكي يساعدوه ويخرجوه من ورطته، ليخبره بأمر سرقة تلك المستندات التي تدين شكري التي من المؤكد إن استغلها أحد استغلال خاطئ سيتم سجن شكري وحينها سيضطر أن يزيح الستار عن أعمالهم المشبوهة، تنهد بأرتياح عندما أخبره كل شيء وأغلق معه وظل يمني نفسه بأنهم سيتولوا الأمر، غافل عن كونهم لن يكترثوا بمساعدته بعد الآن فهو أصبح كالخرقة البالية بالنسبة لهم.

عودة إلى أرض الوطن
وخصةً داخل تلك اليلا الصغيرة بأحد الأحياء الراقية
نجد سيدة قد خط الزمن على وجهها ولكنها تظل بنفس تلك الملامح الأرستقراطية الباهرة فكانت تتمتع.

بعيون بُنية واسعة وبشرة قمحية ويزين شعرها الكثير من الخصلات الرمادية وترتدي ثوب أسود حزنًا على فراق زوجها الذي لم يتعدى على موته سوى بضع أسابيع فمن يراها للوهلة الأولى يكون لديه يقين تام أن تلك السيدة تحمل بين ثنايا قلبها العديد والعديد من الحزن والآسى فكانت تجلس على طاولة الطعام وهي تضع نظارتها التي يصعب عليها الرؤية دونها و تتفحص الجرائد كعادتها كل صباح، ثواني معدودة وتدلت أبنة زوجها الراحل من اعلى الدرج وهي تحمل بيدها صغيرها حديث الولادة و تلقي عليها تحية الصباح بلطف لتبادلها هي: صباح الخير يا مارسيل الأسيوطي الصغير عامل أيه أدهوني أصبح عليه؟

ناولتها مارسيل الرضيع و قبلت هامتها وقالت وهي تجلس بجانبها: طمنيني على صحتك يا ماما فريدة عاملة أيه دلوقتي؟
أومأت فريدة ببسمة باهتةلم تصل لعيناها وأخبرتها برضا وهي تمرر أناملها على وجه الرضيع الذي يشبه لحد كبير زوجها الراحل: الحمد لله يا بنتي على كل شيء.

ربتت مارسيل على يدها وقالت بمواساه: أنا عارفة إني مقصرة معاكِ وعلطول مشغولة بس حقك عليا والله غصب عني الشغل كله فوق راسي حتى فادي جوزي مش عارف يرجع مصر دلوقتي علشان يشيل الحمل معايا
أومأت فريدة بتفهم وقالت بنبرة حزينة: ولا يهمك يا بنتي ربنا يقويكِ ومعلش أعذري جوزك هو برضو ليه شغله هناك وبعدين أنا عذركِ وبدعيلك وبدعي لأختك لتتنهد بآسى وتشرد لوهلة مما جعل مارسيل تنتشلها من بئرة أحزانها تلك بقولها:.

أختي اللي سابتني محتاسة بعد موت بابا، يعني فيها أيه لو كملت السنة اللي فضلالها هنا وبقت جنبنا
نطرت لها فريدة نظرة مواسية وهي تربت على يدها بدعم: معلش يابنتي دي أخر سنة ولازم تشوف مستقبلها، ربنا يخليكوا وتتسندوا على بعض لتتنهد بأشتياق عارم وتستأنف بعيون غائمة: أختك وحشتني و وحشني جنانها وشقاوتها اللي كانت بتملى بيهم البيت ربنا يرجعها بالسلامة.

لتأمن مارسيل وتعقب كي تشاكسها وتخرجها من حالتها تلك: ماشي يا ست ماما أفضلي حاميلها كدة علطول، على العموم هانت كلها كام شهر وترجع بدوشتها ومصايبها اللي مبتخلص
أبتسمت فريدة حتى ظهرت نغزات وجنتها التي نادرًا ما تظهر بسبب حزنها الدائم وقالت بتنهيدة: أنت وهي غلاوة واحدة ربنا يعلم أنا عمري ما فرقت ما بينكم بس أنتِ عاقلة يا مارسيل وميتخفش عليكِ أما هي مجنونة ربنا يهديها ويرجعها بالسلامة.

هزت مارسيل رأسها بلا فائدة وأخبرتها بخفة وهي تضيق عيناها كي تضحكها: ماشي، ماشي أضحكي عليا بكلمتين زي عوايدك
لتبتسم فريدة على مشاكستها من جديد وتشاركها مارسيل التي أضافت بعدها وهي تشرع بلأكل: ماما فريدة على فكرة أنا لقيت حد كويس يمسك أدارة المعرض
عارفة لو وافق هيخفف عني وهيخليني أتفرغ لشركة السياحة عقبال ما ميان تِرجع.

أومأت فريدة بتفهم وقالت وهي تهدهد الرضيع: أهم حاجة يكون اللي هيمسك المعرض حد موثوق منه يا بنتي ويكون أمين وبيخاف ربنا
أبتسمت مارسيل وأجابتها وهي تلوك الطعام بسرعة: متقلقيش أنا سألت عليه كويس وهو حد محترم جدًا والأهم من كل دة أنو بيفهم كويس أوي في العربيات دة أنا حتى قابلت خطيبته واتحايلت عليها تقنعه هي أي نعم شكلها مجنونة بس حاسة أنها هتأثر عليه وتخليه يوافق.

تنهدت فريدة وقالت بحزن: ربنا يجعل نصيبنا في الخير يابنتي لو أبوكِ الله يرحمه عايش كان لايمكن يقبل أن حد غريب يمسك شغله بس نعمل أيه مضطرين لغاية ما الأوضاع تستقر
أبتسمت مارسيل بود وهي تمسح فمها بأحد المحارم وقالت قبل أن تنهض: ماما أنا لازم امشي اتأخرت على الشركة ولازم أروح أبص على المعرض الأول، ماما مش هوصيكي على الأسيوطي الصغير عقبال ما أرجع
طمأنتها فريدة: متخافيش يا حبيبتي دة في عيني ربنا يقويكِ.

لتغادر مارسيل تاركة فريدة تشرد من جديد بعيون تفيض بالحزن والآسى.

قصر فخم في أرقى منطقة بضواحي إيطاليا من يراه فقط من بعيد يجعل دماءه تجف بأوردته من شدة رهبته فكان العديد من الرجال المسلحين ذو البنية القوية يحاوطون كل أنش بالمكان وكأنهم يحمون رئيس دولة عظمى، فنرى بأحد الغرف الواسعة ذات الأثاث الأنيق الذي يصرخ بالفخامة يجلس هو بكل هيبة ووقار خلف مكتبه بهيئته المرعبة يضع ساق على أخر وينفث دخان سيجاره الكوبي.

الثمين بوجه ذلك المسكين الذي يكاد يبلل سرواله لتوه عندما أخبره بمهاتفة ذلك اللعين وليد ، لثواني معدودة ظل يرمقه بغموض قاتل وبنظرات مريبة جعلت الأخر يرتجف من شدة توتره ليكسر هو ذلك الصمت القاتل بكل جبروت:
كلً منهم أصبح عديم النفع
لا أريد أن أسمع شيء عنهم بعد الآن قوموا بتصفيتهم.

كان مارك ذراعه اليمين يقف يستمع لكل شيء ولكنه التزم الصمت حتى لا يثير الشكوك نحوه بينما تلعثم الشخص الأخر بذعر شديد: سيدي ولكن وليد لن يشكل علينا ضرر بعد الأن ولا يوجد لديه أي دليل يدل أنه ينتمي لنا فحقًا أصبحت حالته لايرثى لها بعد تلك الحادثة.

لوهلة نظر أنطونيو إليه بنظرة مميتة مغلفة بالشر تدل على تفكيره الذي لم يدوم سوى لثواني معدودة ثم أمره بصرامة: حسنًا، دعوه يتعفن في السجن للبقية من حياته آما عن شكري أريد تصفيته في الحال فهو يعلم أكثر مما ينبغي عنا، ولكي نتفادى أن لا يقع تحت وطأت الشرطة و يشكل خطر علينا و لايمكننا المخاطرة فموته أصبح حتمي، ولكن أريد أنهاء الأمر دون أي نقطة دماء وحاولوا ان يكون موته لايثير ريبة أحد.

أومأ له الرجل في طاعة وغادر لينفذ طلبه ليوجه أنطونيو نظراته الحادة إلى مارك الذي أبتلع ريقه برعب حينها ولكنه تصنع الثبات عندما هدر أنطونيو ببسمة مسمومة تشع بلإجرام: بعد أن يتم مهمته تخلص منه...
جحظت عين مارك بتفاجئ لكن برر له أنطونيو بقسوة وبكل جبروت: لديه طريقة جيدة بلإقناع تدل أن قلبه مازال ينبض بالرحمة وأنت تعرف أن لا مكان لأمثاله بيننا
والأهم من ذلك فقد أصبحت هويته معروفة لذلك اللعين.

هز مارك رأسه بطاعة
و تناوب نظراته بين أثر آلَرجّر وبين أنطونيو وهو يبتلع غصة بحلقه برعب ويدعو الله بسره أن لا يكتشف سره ويظل طي الكتمان وإلا سيكون مصيره الهلاك لا محالة.

في المساء رمش بعينه عدة مرات قبل أن يفرج عن رماديتاه عندما شعر بأنفاس شخص معه بالغرفة ولكن كان الظلام يعم المكان مما جعله يحاول جاهدًا أن يعتدل بجسده المعطوب بذعر شديد.

ويضغط زر الأضاءة بجانبه ليتمكن من الرؤية وماأن جال المكان بنظراته المهتزة وجد شخص بلباس الطبيب الرسمي ويضع غطاء فم طبي يخفي نصف وجهه يجلس على المقعد بزاوية الغرفة يتطلع إليه بشكل غريب وتره للغاية مما جعله يصيح بحدة بعدما أبتلع غصة بحلقه: لمَ تجلس هكذا بالظلام أيها الطبيب كدت تصيبي بنوبة قلبية تودي بحياتي لتوي.

أجابه ذلك الشخص بنبرة حادة يغلفها الغموض: ربما ذلك ما تمنيته بالفعل ولكن الموت راحة ورفاهية لأمثالك ولا تستحقها
عقد وليد حاجبيه بغيظ وهدر بإنفعال: ما الذي تتفوه به أجننت أنت؟
أجابه وهو ينهض ويتقدم منه بخطوات جعلت الآخر يشعر بالريبة: نعم جُننت، ولمَ لا بعد كل ما عانيته بسببك وبسبب تلك الماكرة التي كدت أفقد حياتي هباءً بسببها، حقًا لا أعلم لمَ أتيت إليك ربما كي أخبرك وأبرد تلك النيران المستعرة بصدري.

زاغت نظرات وليد وتسأل بنبرة مهزوزة: ماذا تعني، ومن هي، ومن أنت على أي حال ليس لدي أي طاقة لمزيد من غموضك اللعين
حانت منه بسمة هازئة وأخبره وهو ينزع غطاء فمه ويظهر وجهه مما جعل وليد يشهق ويبتلع ريقه بذعر بَين ويقول بتقطع: أنت...
أجابه بنبرة جادة للغاية تحمل بطياتها الكثير بلغته الأم: أيوة أنا فاكرني ولا لأ.

أنا اللي ضربته بالنار وأنت عينك بصة في نص عينه بكل جبروت من غير ما تتهز فيك شعرة وكأن حياتي عندكم ملهاش قيمة
حملق وليد به بعيون جاحظة ثم أبتلع غصة بحلقه وقال بعدم تصديق: أنت عايش أزاي دة انت وقعت في الميا متربط
أجابه يوسف بنبرة متهكمة: ربك كتبلي عمر جديد علشان أقدر أكشف حقيقتك وأنتقم منك ليبتسم بأنتصار ويستأنف:
وأهو حصل اللي سعيت ليه وشُفتك بعيني بعد ما خسرت كل حاجة...

عقد وليد حاجبيه وهو يشعر بأن براكين ثائرة برأسه من شدة الغضب ليهدر بنبرة حادة للغاية: أنت جاي تشمت فيا يا ابن.

نمت بسمة على فم يوسف على ردة فعله وقال بثبات استفز الآخر: لأ من غير غلط وخليك مؤدب، مش شماتة والعياذ بالله عمرها ما كانت اخلاقي، الحادثة دي أنا مليش دخل بيها وعمري ما اتوقعت أن دة يحصلك بس أكيد ربنا ليه حكمة في كدة، أنا بس جاي أقولك إننا خالصين وإن كل اللي حصلك دة في شغلك مش بمحض الصدفة لأ، دة من تدبيري أنا، ودلوقتي بس ناري بردت بعد ما اتأكدت أنك هتقضي الباقي من عمرك في السجن.

يعني أيه؟، أنت تقصد أيه بكلامك دة؟
هتف بها وليد بنبرة جحيمية جعلت عين يوسف تحتد بحقد دفين لم يسكن قلبه من قبل
سوى من أجل ذلك اللعين الذي مازال متمسك بجبروته، ليهدر بنبرة قاطعة كحد السكين أمام وجهه وهو يقبض على حاشية ملابسه وينظر بداخل عينه بتحدي سافر: يعني انا اللي ورا كل حاجة.

نفى وليد برأسه وصرخ بعدم أقتناع: كدااااااب مستحيل تكون أنت اللي ورا كل دة أنت آتفه من انك تخطط وتنفذ مستحيل وبعدين حتى لو أنت فالمستودع بأسم الشريك مش بأسمي وكل اللي فيه ميخصنيش.

نفضه يوسف وهو يتوجه إلى باب الغرفة ينوي المغادرة فقد أثلج قلبه بأعترافه انه هو من خطط لكل شيء للإيقاع به ولم يعد داعي لمهاترات دون معنى ليقول بكل ثقة وبحذر شديد دون أن يذكر تفاصيل أكثر تورط مارك و ماهي معه: بهنيك على غبائك وحلال عليك السجن.

نفى وليد برأسه بطريقة هستيرية من جديد وقدحت عيناه الرمادية بشر قاتل وكأن عقله يرفض الاستيعاب بعد، وصرخ بهياج كي يستفز يوسف ولا يشعره بلذة أنتصاره عليه: وأنت كمان حلال عليك طِلعت مغفل وانتقامك كان من الشخص الغلط، هي اللي لعبت عليك وعليا، هي والكلب اللي أسمه يعقوب علشان في الآخريبقوا مع بعض.

أبتلع يوسف غصة مريرة بحلقه وقال بثبات أجاده وهو يلتفت له نصف التفاتة ويشرع في فتح باب الغرفة: كلكم ألعن من بعض وهي متتخيرش عنكم، وبعدين كل واحد حر في أختياره، ليتنهد بعمق ويضيف وهو يشمله شذرًا: انت اللي حاولت تقتلني ومش هي، وأديك خدت جزائك
قهقه وليد بطريقة هستيرية وهو على حافة الجنون وهدر بوعيد قاتل: أنتوا فاكرين إني أنتهيت لأاااااااا، أنا هخرج من هنا ومش هرحم حد منكم.

مش هرحم حد أنت ساااااااااامع مش هرحم حد
صرخ بأخر جملة بهياج شديد وهو يزيح بيده كل محتويات الكومود بجانبه والغريب بلأمر أن لا أحد أكترث لصراخه فيبدو أنه لا يكف عنه أبدًا
مما جعل يوسف يلوي فمه ببسمة عابرةويرمق حالته التي لايرثى لها بنظرة مشفقة دون قصد قبل أن يغادر فهو يعلم أن كل ما يتفوه به الآن ليس إلا ترهات ليس لها أي قيمة.

ليلة كاحلة لاوجود لضوء القمر في سماءها مجموعة من الرجال المتلفحين بالسواد قاموا بمداهمة القصر بعد أتفاقهم مع أحد العاملين بالمطبخ أن يضع لكافة الحرس القابعين على بوابة القصر مخدر خاص بعملياتهم السرية الذي ليس له أثار جانبية أو حتى أي دليل في الدماء عندما يختفي مفعوله بطعامهم تحسبًا لتحقيقات الشرطة فبعد دقائق معدودة سقطوا جميعًهم في سبات عميق مما اتاح لهم دخول القصر بكل سهولة ويسر دون استخدام أي من اسلحتهم كما أمرهم أنطونيو حتى لايثيروا الشكوك، كان في تلك الأثناء شكري يجلس بغرفته يتأمل تلك الصور الفوتغرافية القليلة التي تجمعه بأبناءه وهو يشعر بضجر شديد من وحدته ولكنه مازال لايقتنع وليس لديه أي نية بالتنازل عن شيء من أجلهم بل كان يقنع ذاته أنهم سيعودا إليه نادمين زفر بضيق ونفض أفكاره سريعًا فذلك ليس ما يشغله الأن بل ظل يفكر بشكل جدي بخطة محكمة يستطيع بها سلب الورق من يعقوب، استغرق الأمردقيقة واحدة لكي ينتبه لوجود حركة غريبة بالغرفة لينهض ويسحب سلاحه من تحت وسادته بتأهب شديد ولكن في لمح البصر كان السلاح يسقط من يده جراء ركلة من قدم أحدهم وتلاها لكمة قوية أطاحته على الفراش ليصرخ هو برعب حقيقي وقد شحب وجهه وجحظت عينه وكأنها تريد الهرب من محجريها: من أنتم وماذا تريدون، أتوسل لكم لا تؤذوني، سوف اعطيكم كل ما تريدون ولكن أتوسل لكم لااااااااااااااااااااا دعوني وشأني.

لن يعيرو صراخه او توسلاته أي أهمية بل ودون أي مماطلة كان أثنان يثبتوا جسده بالفراش و شخص آخر يجثو فوقه و يسحب وسادة من جانبه ويضعها على وجهه كي يكتم بها أنفاسه المتصاعدة ليستغيث هو بأنفاس مكتومة ويهز رأسه بهياج شديد يحاول الفلات منهم ولكن دون جدوى ليشدد الشخص الذي يعتليه أكثر على الوسادة فوق وجهه مما جعله ينتفض عدة مرات وكأن جسده يرفض استسلامه رغم أن روحه تتوسل لتغادر جسده ولكن ظل يعافر ويقاوم لأخر رمق به.

وبعد عدة دقائق من المقاومة المستميتة سَكن جسده ولفظ أنفاسه الأخيرة ليبتسموا الرجال بأنتصار ما أيقنوا موته ويزيحوا الوسادة عن وجهه اللذي يكسوه الزراق أثر أختناقه و يضعوها خلف رأسه المتراخية وكأن شيء لم يكن.

وما أن غادرو وقفو ا على باب القصر من الداخل وسيجارة واحدة نفضها أحدهم كانت كفيلة بإشعال النيران أثر التحامها مع الغاز الصادر من موقد المطبخ التي تركوه ينتشر بالمكان فور دخولهم كي يوهموا الشرطة أن الحادث قضاء وقدر ولا دخل لأي شخص به فنعم خطتهم ماكرة لا تليق سوى برجال محترفين في الإجرام.

دقائق معدودة وكانوا بالخارج تزامنًا مع استعادت بعض أفراد الحراسة وعيهم الذين ما ان لاحظوا النيران أندفعوا نحو القصر ولكن قد فات الأوان ففي لحظة هادرة حدث أنفجار مدوي بداخله وأخذت النيران تستعر بقوة وكأنه الجحيم سكن الأرض لكي يبتلع ذلك الجاحد الذي لم يتنازل عن أطماعه رغم كل شيء وها هو لقى مصيره جثة متفحمة تحت رماد ما سعى إليه.

بعد عدة أيام
كانت تجلس شاردة ترتدي ثوب أسود يشابه بقتامته حلكة أيامها ليدخل كل من عز و يعقوب إلى غرفتها ويبدء عز بالحديث: كفاية حزن الله يرحمه أدعيله يا لين
رفعت نظراتها الحزينة إليه وتسألت بترقب شديد: الشرطة موصلتش لحاجة.

نفوا برأسهم معًا مما جعلها تشهق بالبكاء وتقول بآسى: كان نفسي أقوله إني عمري ما كرهته وإني كنت خايفة عليه أنا كنت بطلب منك تسلم الورق اللي بيدينه علشان كنت خايفة يجي اليوم دة ويتقتل كان عندي استعداد يتسجن بس ميحصلوش اللي حصله
ربت عز على يدها بمواساه وقال بعيون غائمة: مفيش حاجة تثبت أنو أتقتل
بلاش تعذبي نفسك
نفت برأسها وقال بيقين تام: بس أنا متأكدة أن بابا أتقتل.

لتشهق ببكاء مرير وهي تحتضن ذلك الحجر المتدلي من سلسالها وتقول: هو ليه الموت بياخدهم مني؟، ليه؟، كان نفسي أعيش حياه سَوية مع أب وأم، كان نفسي أتجوز اللي بحبه وأعيش معاه، أنا تعبت، والله تعبت ومش عارفة هكمل حياتي أزاي.

كانت تتفوه بكل كلمة بنبرة ممزقة متألمة لابعد حد ودمعاتها تتسابق على وجنتها مما جعل عز يجذبها إلى أحضانه ويقول بتأثر وهو يشاركها البكاء: لين أنا جنبك و يعقوب كمان جنبك أحنا لازم نتسند على بعض الفترة وصدقيني هتعدي والله هتعدي بس علشان خاطري حاولي تتماسكي علشان اللي جاي محتجينك معانا.

رفعت نظراتها إليه بعدم فهم ليتدخل يعقوب بضيق شديد وبنبرة مختنقة: لازم نصفي شغل أبوكِ وممكن الموضوع ياخد وقت طويل والمشكلة أن في تلت صفقات وليد الزفت مورطه فيهم لازم فلوسهم تتسد في أقرب وقت ومفيش سيولة كافية هضطر أسافر نيويورك علشان أفض الشراكة وأوفر على الأقل جزء من السيولة المطلوبة
يسكتهم شوية لغاية ما نتصرف في الباقي
كفكفت دمعاتها واعترضت: بس أنا مش عايزة أقعد هنا أنا عايزة أنزل مصر.

أومأ لها يعقوب وقال وهو يكوب وجنتيها بيده: أنا وعدتك ولسة عند وعدي بس مش دلوقتي لازم تبقي موجودة علشان نقدر نخلص الإجراءات ونصفي كل حاجة
شهقت مرة آخرى وحركت رأسها بقلة حيلة ليزفر يعقوب ويقول بنبرة مطمئنة: أنا عارف انك بتثقي فيا، وعارف أنك صبرتي كتير بس والله أوعدك أول ما نخلص الأجراءات ونصفي الشغل هنزلك مصر على أول طيارة.

أومأت له وهي ترجع رأسها تسندها على ظهر الفراش دون أن تتفوه ببنت شفة مما جعل عز يحث يعقوب أن يتركوها تأخذ قسط من الراحة لينصاع له ويتركوها شاردة وهي مازالت تحتضن ذلك الحجر المتدلي من سلسالها وكأنها تستمد القوة منه للقادم.

وكأنك أسقيت أضلعي فنبت قلبًا متيمًا بك.

اليوم هو اليوم الموعود بالنسبة ويقسم أنه أسعد أيام حياته فسوف تكتب على أسمه وتصبح تنتمي له.

يقسم أيضًا أنه يشعر بقلبه يرفرف بين أضلعه وكأنه طير حالم يتوسل للحرية عندما وجدها تقترب منه بفستانها الأبيض الشاهق المطرز الذي يخطف الأنفاس من شدة روعته ليستقيم بوقفته ويغلق زر بذلته السوداء الأنيقة ويقف كي يبجل ذلك الجمال ويعلن أنهزامه بحضرته، لتبتسم هي ما أن رأت هيئته الجذابة للغاية وترفع نظراتها الخجلة إليه أثناء جلوسها بجانبه كي يبدء الشيخ في إجراءات عقد القران بعدما أخذ موافقة يوسف هاتفيًا و وكَل عنه جارهم الطيب عبد الرحيم ليتفوه إسماعيل بتلك الكلمات التي كان يلقنها له الشيخ كي يتمم على شرعية زواجهم وعند أنتهاءه تنهد بأرتياح شديد وسعادة متناهية ورمقها بنظرة عاشقة لن تنساها أبدًا ما حيت من عمرها مما جعلها تطرق برأسها بخجل ليبتسم بعشق ويتمسك بكف يدها المسنود بجانبها في تملك شديد وكأنه يريد أن يتأكد من وجودها بجانبه و ان ما حدث منذ قليل هو حقيقة و ليس يهيء له كعادته وأنها أصبحت زوجته أخيرًا بعد سنوات عجاف مرت عليه كمرور الدهر دونها، لتنطلق الزغاريد والمباركات وتشتعل الأجواء بتلك الأغاني الشعبية المتعارف عليها فكانت ليلة مبهجة للغاية تتأجج بسعادة الجميع،.

وبعد عدة ساعات من حفل الزفاف الذي كان يقام داخل صوان كبير بنصف شارعهم توجهوا إلى شقته التي قام بتغير لون طلاءها والعديد من التجديدات الحديثة وتخلص من عفشها القديم بأخر كي تصبح شقته المتواضعة تليق بها، ودعتها والدتها والعديد من جارتهم التي على رأسهم عدلات بالعديد من الزغاريد وما أن أغلق الباب انتفضت بقوة و أغمضت عيناها تحاول أن تسيطر على رجفة جسدها، ثواني معدودة وقف يتأملها قبل أن يقترب منها ويرفع ذقنها بأنامله كي يركز نظراتها عليه وما أن تشابكت بندقيتاه التي تلتمع بعشقها مع عيناها البُنية الآسرة همس هو بتنهيدة حارة: ياااااااه أنا مش مصدق أخيرًا يا حلا بقيتي مراتي.

زاغت نظراتها وقطمت شفاهها ثم أطرقت برأسها من جديد بوجه يتدرج بحمرة محببة على قلبه مما جعله يبتسم بسمة جانبية عاشقة على خجلها، لتبتلع هي ريقها بتوتر شديد وتلملم ذيل فستانها كي تدخل الغرفة
ولكن دون أي مقدمات وفي غمضة عين وجدت قدميها لم تعد تلامس الأرض وإذا به يحملها بين يديه القوية لتشهق هي بقوة وتتمسك بعنقه خوفًا أن تسقط ليهمس هو بنبرة حنونة مطمئنة: متخافيش، خلى عندك ثقة فيا.

أومأت له بطاعة وظلت نظراتهم متشابكة لحين دلف بها إلى الغرفة و وضعها على الفراش ليجلس بجانبها وهو يهيم بها ويهمس بنبرة عاشقة لأبعد حد وهو يصرح بمشاعره الدفينه منذ سنوات الذي لم يجرء على البوح بها من قبل:.

بحب، ك، طول عمرك كنتِ نجمة عالية في السما بالنسبة ليا وكتير كنت بقول مستحيل في يوم تبقي بتاعتي، لكن ربنا جبر بخاطري وحققلي الأمنية الوحيدة اللي عشت سنين بحلم بيها، أنا النهاردة أسعد راجل في الدنيا بوجودك جنبي
أبتسمت هي تأثرًا بحديثه ورفعت أناملها تلامس وجنته وقالت بمشاعر مبعثرة: ياااااه، للدرجة دي، بتحبني يا سُمعة آمال ليه مكنتش بتحاول تقولي قبل كدة.

تنهد تنهيدة عميقة نابعة من صميم قلبه وأكد لها: مكنش ينفع أعبر عن مشاعري وأنتِ مش من حقي.

ليجذب يدها يضعها على قلبه الذي يطرق بقوة ويعلن عصيانه على جسده كعادته في حضرتها ويستأنف بتنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه المتيم بها: لكن دلوقتي هفضل أقولها كل دقيقة علشان أثبتلك إني بحب، ك، بحب، ك، بحبك وعمري ما حبيت ولا هحب حد غيرك وأعتبريني مجنون بس من هنا ورايح مفيش نفس هيخش جوفي غير وتكوني أنتِ مشاركاني فيه يا حلايا.

قال أخر جملة وهو يضع جبهته على خاصتها ويثبت منخاره أمام أنفاسها المتسارعة من تأثيره الطاغي عليها
لتحاول أبتلاع ريقها بحلق جاف من شدة توترها وتفاجئها من شخصيته الجديدة وجرئته معها التي لأول مرة تكتشفها به لتهمس بضياع وهي مغمضة العين:
مجنون...
أومأ لها وكأنه يوافقها الرأي وهمس أمام شفاهها بوله تام: أيوة مجنون، بيكِ يا حلايا وهفضل مجنون بيكِ لأخر يوم في عمري.

كان يتفوه بكل كلمة بأنفاس حارقة تلهب وجهها بحمرة صارخة كلما أرتطمت به والأنكى من ذلك أنه أخذ ينثر قبلاته المحمومة على سائر وجهها مما جعلها تغمض عيناها بضياع تام من تأثيره الطاغي عليها، مما جعله يتنهد بعمق وهو يشعر بها هشة ضعيفة بين يده ليجذبها من مأخرة رأسها ويحتضنها بقوة وكأنه يريد زرعها بين ثناياه لتتنهد هي وتحاوط خصره تبادله عناقه وتهمس بخجل شديد أمام أذنه: أنا كمان، بحبك.

لوهلة شعر أنه يهيء له حتى أن عقد حاجبيه بعدم تصديق وهو يخرجها من أحضانه، لتؤكد وهي تحتضن بأناملها وجنته وتنظر داخل عيناه التي تفيض بعشقها: أيوة بحبك، ماما كان عندها حق أنا أكتشفت إني كُنت عامية ومقدرتش أميز دة غير لما وقفت جنبي و غيرت مفاهيم كتير عندي عن الراجل اللي بجد، كل حاجة فيك تتحب يا سُمعة طيبتك، رجولتك، شهامتك
سامحني إني كنت غبية ومفهمتش ولا حسيت بيك من قبل كدة.

أبتسم بأتساع وبسعادة متناهية وهو يهيم بها
ويسلط نظراته على ثغرها برغبة جامحة لم يعد يستطيع كبحها أكثر: اللي فات مات وأحنا ولاد النهاردة، وبصراحة أنا مش قادر سامحيني هموت لو ما عملتش كدة.

قال أخر جملة ولم يمهلها حتى وقت للتفاجئ لينقض على شفاهها بنهم شديد كي يرتوي من ينبوع عسلها ويزهر صحراء قلبه الكاحلة من دونها ويأخذها معه إلى عالمه الخاص كي يوشمها بعشقه للأبد و يثبت لها أنها هي ملاذه الوحيد وقربها هو النعيم بالنسبة له...
فهنيئاً لك أيها العاشق قد تم مرادك أخيرًا و جنيت ثمار صبرك بعد عجاف قلبك الذي دام لسنوات دونها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة