قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع والعشرون

احذر من رجل ضربته ولم يرد لك الضربة فهو لن يسامحك ولن يدعك تسامح نفسك
(جورج برنارد شو).

تناولت هاتفها وخرجت من الغرفة بخطوات ترتجف لتطلب ذلك الرقم الذي حفظته عن ظهر قلب وبعد ثواني معدودة كانت تفتح الباب له ليدخل هو وهو يرتدي كاب رأسه الذي يخفي به نصف وجهه
لتهمس هي برعب ما أن دخل وأغلق الباب خلفه: أنا مرعوبة يا يوسف لو فاق هيقتلني
نزع يوسف كاب رأسه وطمأنها بثقة: متخافيش المخدر اللي في الأكل قوي جدًا متقلقيش
هزت رأسها وتمتمت بقلب مازال يرتجف: بس الله يخليك خلص أنا حسة قلبي هيقف.

ليجيبها يوسف بصوته الرخيم الواثق: قولتلك متخافيش أنا وعدتك هخلصك من كل دة متقلقيش و أنا مش غبي علشان أورطك معاه.

ليسبقها إلى الغرفة التي أشرت له عليها ويرشقه وهو مستلقى بعيون مشتعلة كفيلة بأحراقه وأحراق العالم أجمع فكانت نظراته كارهة والحقد الذي لم يجتاح قلبه من قبل يفيض بها الآن. ودون أي مقدمات أو أدنى تفكير منطقي كان يتخطى المسافة بينهم بخطوة واحدة ويرفع ذلك اللعين من منكابيه الذي كان مستغرق في سبات عميق، ليزمجر يوسف بغضب عارم وهو يلعنه ويسبه وثم بطرفة عين كان ينفضه عنه و يخرج سلاحه الذي تعود على حمله بلأيام السابقة وتدرب عليه خصيصًا ليوم كذلك كي يثأر من ذلك اللعين الذي قلب حياته رأس على عقب واستطاع بفعلته أن ينشب النيران المستعرة بقلبه التي لن يطفئها أنهار العالم أجمع إلا بأنتقامه منه، لتحتد نظراته الكارهة أكثر فأكثر ويصوب فوهة السلاح برأسه.

بعدما شد أجزائه وهو ينوي أن يخلص العالم أجمع من شره. ولكن منعه صراخ ماهي بذعر حقيقي و هي تتعلق بذراعه وتنهيه بحدة: أنت أتجننت أحنا متفقناش على كدة نزل سلاحك يا يوسف بلاش توسخ أيدك بدمه وتضيع الباقي من عمرك في السجن.

هز رأسه بعدم أقتناع وكأنه لا يستوعب ما تقوله وأصبح مغيب بأفكاره الإنتقامية غير مكترث لأي شيء و على أتم استعداد أن يضرب بكل شيء عرض الحائط ويقتله لتوه دون أن ترف له جفن ولكن لا ذلك ليس من شيم الرجال فهو ليس بغبي ولا جبان ليفعل ذلك ويستغل كونه مسجي غائب عن الوعي، قطع صراع أفكاره صراخ ماهي من جديد وهي تقف بمواجهته وتحيل بينه وبين جسد وليد الملقي على الفراش:
الله يخليك هتودينا في داهية علشان واحد.

ميستهلش، علشان خاطر ربنا أهدى وخلينا نكمل اللي أتفقنا عليه
جز يوسف على أضراسه في قوة بملامح مميتة وأغمض عينه يجاهد كي يكبح تلك الرغبة الغبية التي لا تمت للعقل بِصلة حتى أنه تراجع خطوتان إلى الخلف وهو مازال يصوب سلاحه وكأنه فقد السيطرة على جسده وقال بنبرة كارهة: أنتِ متعرفيش الحقير دة عمل فيا أيه؟
هزت رأسها بتفهم وقالت كي تشاطره الآسى وتجعله يغض الطرف عن ما كان يقدم عليه:.

مش هيكون أقسى من اللي عمله فيا صدقني ومع دة عمري ما فكرت أقتله الموت رحمة كبيرة للي زي وليد صدقني هو يستاهل يتعاقب على كل جرايمه من غير ذرة رحمة ولا شفقة ولازم يتذل زي ما ذلنا وكسرنا و يخسر كل حاجة و صدقني بعدها هو اللي هيتمنى الموت.

زاغت نظراته بتفكير لم يستغرق سوى ثواني معدودة وكأنها أفاقته بحديثها من غيبوبته، فنعم هي محقة الموت الأن راحة لا يتمناها له، وهو ليس بذلك الغباء الذي تصرف به الآن ولكن يقسم أنه عندما وقعت عينه عليه تذكر ما فعله به ولم يشعر حينها بذاته ليزفر بضيق ويخفض سلاحه ويقول بتعقل أخيرًا:.

أنتِ عندك حق، لازم يتذل وأنا بموته ويكون بكامل وعيه وهو عينه في عيني علشان أثبتله إني مش جبان وأن هو اللي حقير ويستاهل الموت ألف مرة
ليستأنف وهو يضع سلاحه خلف ظهره بحزام بنطاله: أنتِ عارفة هتعملي أيه مش كدة؟

أومأت له بنعم وهي تزفر براحة، ليتقدم هو من جسد ذلك اللعين ويبحث عن ذلك الكارت الألكتروني الذي هو السبيل الوحيد لفتح خزنته وما أن وجده غادر ولكن بعد أن رمق ماهي بنظرة مطمئنة وأخبرها بثقة أن كل شيء سيكون كما خططوا له تمامًا، لتنظر لأثره وهي تآمل أن يتم الأمر بسلام دون أن يتأذى وتتوجه لذلك اللعين كي تستكمل حيلتها بتجريده من ملابسه وتهيء الغرفة كي تجعله يظن عند أفاقته أنهم قضوا ليلة جامحة ككل مرة.

آما في القاهرة وخصةً عند ذلك العاشق صاحب الكبرياء.

ظل شارد في نقطة وهمية في الفراغ وهو مُدد على فراشه ويتمسك بصورتها و يسترجع مرارًا وتكرارًا حديث عدلات و الشيخ عبد الرحيم يود لو فقط يستطيع أن يأخذ قرار بلأمر ولكن يظل كبريائه يمنعه من المجاذفة مرة آخرى تخوفًا من رفضها، يعلم أنها تغيرت كثيرًا ولكن هو يتخوف أن كل ما يبدر منها بجهته هو فقط أمتنان له ليس أكثر فهو على يقين تام أنها لم تكن له شيء أبدًا غير العرفان بمعروفه، هو حقًا أفكاره مشوشة للغاية لا يستطيع أخذ قرار قطعي بلأمر فإن كان يوسف هنا كان حتمًا شاركه بقراره وعلى ذكر يوسف شرد للحظات وهو يتذكر تلك المكالمة الهاتفية التي فاجأته كثيرًا في الصباح.

Flash Pack
كان منهك كعادته بعمله عندما تناهى إلى مسامعه صوت رنين هاتفه يتعالى و ما أن تناوله وقعت عينه على شاشته تهللت أساريره عندما أيقن أنه رقم دولي فمن له هو خارج البلاد سوى يوسف أو الغالي كما يطلق عليه ليجيب وما أن وصله صوته من الطرف الآخر قال معاتبًا: يااااااه يا غالي أخيرًا أفتكرت أن ليك صاحب أسمه سُمعة.

أجابه يوسف من الطرف الآخر بود شديد معتذرًا: حقك عليا يا سُمعة والله غصب عني، طمني عليك أيه أخبارك؟
رد إسماعيل: أنا الحمد لله تمام وكلنا بخير يا غالي مش ناقصنا غيرك
ليقول يوسف بإمتنان: أمي حكتلي أنك وقفت جنبهم ومسبتهمش شكرًا يا سُمعة طول عمرك راجل وقد المسؤولية والله ما عارف هرد جمايلك دي أزاي
ليجيبه إسماعيل بود شديد: أنا معملتش غير الواجب و أهلك جوة عيني متقلقش عليهم.

ليرد يوسف بأمتنان: تسلم يا صاحبي دة العشم برضو، ومعلش بقى لو هتقل عليك و هطلب منك خدمة
أأمرني يا غالي
ليجيبه يوسف: عايزك تروح السجل المدني الخاص بالمحافظة اللي هقولك عليها و هديك عنوان عايزك تتأكد من حاجة بس في أسرع وقت يا صاحبي علشان الموضوع ميحتملش تأخير
ليجيبه إسماعيل برحابة: حاضر بكرة الصبح هعمل اللي أنت عايزه بس أنت أديني العنوان وكل المطلوب
End Flash Pack.

خرج من شروده وهو يتنهد ويستغرب كثيرًا ذلك الأمر الذي طلب صديقه الاستعلام عنه ولكن لا يهم أن يعرف السبب فهو الغالي ولا يرد له طلب على أي حال لينظر نظرة أخيرة لصورتها التي بيده ويتنهد بعمق وهو يضعها أسفل وسادته ويشرع في النوم وهو ينوي أن في الصباح الباكر سيسافر لتلك المحافظة القريبة كي يأتي بكل المعلومات اللازمة.

عودة إلى إيطاليا
كان يجلس يعقوب بغرفته شارد بتلك الصهباء صاحبة رائحة المانجو التي لم يتمكن إلى الأن من العثور عليها حتى أنه يأس ودون أرادة منه يشعر أنه أشتاق لها كثيرًا يعلم أنه لم يقابلها سوى مرتين ولكن يقسم أن ما شعره معها لم يستشعره بحياته كلها وذلك ما يجعله على حافة الجنون الآن،.

قطع مداهمة أفكاره طرقات منتظمة على باب غرفته ليعتدل بنومته ويأذن للطارق بالدخول إذا بعمه شكري يخطو إليه ويقول بنبرة هادئة جعلت يعقوب يستغرب كثيرًا مبادرته فتلك المرة الأولى التي يأتي لغرفته: عايز أتكلم معاك يا يعقوب
أجابه يعقوب بود: أتفضل يا عمي.

ليتنهد شكري بضيق ويخبره وهو يجلس على المقعد المواجه للفراش: أنا عارف إني غلطت كتير في حقكم بس غصب عني يا ابني نفسي تفهمني وتعذرني، وصدقني جواز لين من وليد دة لمصلحتنا كلنا وعلشان كدة أنا عايزك تصفي شغلك في نيو يورك وتيجي هنا تستقر من تاني معانا
أنا محتاجك جنبي لأن وليد زي ما أنت عارف بعد جوازه من لين خايف يهمل شغلي
ويتفرغ لشغله هو بس.

التوى فم يعقوب ببسمة متهكمة ورد بحدة: مش هتناقش معاك في جوازة لين علشان أنت عارف رأي كويس وعمري ما هسامحك ولا هلتمس ليك عذر علشان دي بنتك لحمك ودمك، قطع شكري استرساله بلا مبالاه: وبالنسبة للشغل؟
ليتنهد يعقوب في ضيق من جحود عمه ويستأنف وهو يفرك خصلاته الفحمية: أنت عارف إني مليش في شغلكم دة وبعدين ياعمي أنت ليه شايل أبنك اللي من صلبك من حساباتك كدة
ليبتسم شكري هازئًا: تقصد عز.

أومأ له يعقوب بتأكيد ليستأنف شكري بعدم أقتناع: دة مستهتر وعديم المسؤولية
ليقاطعه يعقوب بإنفعال: أنت اللي عملت فيه كدة عمرك ما حسسته أنو راجل يعتمد عليه طول عمرك شايفه عيل مش جدير بثقتك...
ليتسأل بإنفعال أكبر: عمرك كلفته بحاجة وفشل فيها...
نفى شكري برأسه المطرقة ليضيف يعقوب: شوفت بقى أنك أنت السبب جربه واديله فرصة وصدقني عز راجل وضحية أهمالك وأنانية أمه.

زفر شكري بضيق وقال بتذبذب وبرأس مطرقة بخزي: أنا بحبه بس هو اللي كان بتعمد يبعد عني ويعيش عيشة أمه الغربية ويطبع بطباعها.

قهقه يعقوب بقوة وكأن عمه القى أحد النكات وقال ساخرًا: أبنك أتولد وعاش حياته كلها هنا وعمرك ما هتقدر تمنعه يبقى شبههم، دة حتى البنت اللي ضحكت عليه وخليته يتعاطى الزفت دة كانت مش تمام بس أبنك علشان منفتح زي الغرب معرفش يميز برغم أنه دمه اللي بيجري في عروقه شرقي بس للأسف البيئة اللي أنت ربيته فيها عكس عاداتنا وتقاليدنا وأخلاقتنا وعمرك ما هتقدر تغير دة ومتنساش أن أمه إيطالية وبينتمي للبلد دي بكل ما فيها.

حل شكري رابطة عنقه وقال بضيق وكأن يعقوب أفاقه لتوه من نوبة جحوده: المفروض أعمل أيه يا يعقوب
ليجيبه يعقوب وهو يربت على ساقه بود: قرب منه يا عمي وأديله فرصة يثبت نفسه
هز شكري رأسه وأخبره بنزعة أبوية وكأنه لأول مرة يدركها: عندك حق، أنا من بكرة الصبح هكتب بأسمه شركة من شركاتي الصغيرة وهسيبه يكون نفسه بنفسه بعيد عني.

أبتسم يعقوب بأتساع وقال ينصحه بود شديد متغاضي عن كل شيء له علاقة بالماضي: علشان خاطري يا عمي فوق قبل فوات الآوان وفض شغلك المشبوه دة وأبدء من جديد
زاغت عين شكري بتفكير
ثم لاحت بسمة مريبة على فمه لم يتفهم يعقوب إلى ماذا ترمي ليكتفى شكري فقط بتربيته على كتف يعقوب ويغادر غرفته بعد أن القى عليه تحية المساء تارك يعقوب يتطلع لأثره بأرتياب شديد ويدعو الله أن يتخلى عن جحوده ذلك قبل فوات الأوان.

تم الأمر كما خطط له تمامًا فبعد أن ترك ماهي توجه إلى الشركة و تسلل في غضون الليل إلى الداخل بمساعدة فردين من أفراد الأمن الذي أغدقهم روبرتو بالمال ليساعدوه فهم تولوا أمر كل شيء حتى كاميرات المراقبة وساعدوه في التسلل إلى داخل مكتب ذلك اللعين ليستخدم هو الكارت الإلكتروني الذي أخذه عنوة منه وما أن فتح الخزنة.

أخذ كل ما بها من أوراق وأسطوانات مدمجة وفلاشات صغيرة فمن المأكد أنها ذات قيمة أيضًا لتجعل ذلك اللعين يحتفظ بها بخزنته، وبعد أن تم الأمر دون أن يلفت الأنظار أو يحدث فوضى بالمكان خرج بمساعدتهم أيضًا في غضون دقائق دون أن ينتبه له أحد وهو مطرق الرأس و محتفظ بكاب رأسه ليخفي وجهه، وبعد دقائق معدودة كان يصعد إلى تلك السيارة التي أمنها له روبرتو ويبتعد عن الشركة ويتوجه مرة آخرى إلى ماهي كي يجعلها تعيد الكارت الإلكتروني مرة آخرى له حفاظًا على سلامتها عندما يستيقظ.

آما في تلك الصحراء الكاحلة التي يصفر بها الريح وخاصةً فوق تلك التلة العالية بعد عدة ساعات
كان يقف شخص أشقر ببنية قوية يرتدي حلة سوداء ويستند على مقدمة سيارته وهو ينفث دخان سيجاره، لتتوقف أمامه تلك السيارة الصغيرة ويتدلى منها صاحب تلك العيون الناعسة التي ضاقت الأن وتسأل بشك: أنت مارك أليس كذلك؟
أجابه مارك بكل شموخ وهو يستنشق دخان سيجارته: نعم و أنت يوسف أليس كذلك!

أومأ له يوسف بنعم ليستأنف مارك بنفاذ صبر: حسنًا أخبرني هل تم الأمر
هز يوسف رأسه بإِجاب و وضح وهو يمد يده بعدة أوراق: نعم تلك هي كل الأوراق التي تثبت توريطك مع ذلك اللعين لقد جلبتها لك كما وعدتك.

القى مارك سيجاره في الهواء وتناول من يده واخبره بإمتنان وهو يتأكد من الورق: شكرًا لك لقد أسديت لي معروفً هائلًا فذلك اللعين كان يهددني بلأمر وكنت أموت رعبًا عندما يهيء لي أن الرئيس أنطونيو سيعلم بلأمر فإن علم لم يتوانى دقيقة واحدة في قتلي والتخلص مني أنا وكافة سلالتي
أومأ له يوسف وقال بنبرة متوعدة: لا عليك فذلك اللعين نهايته قد أوشكت على أي حال.

ليمد مارك يده يحيه بإمتنان: أطمأن كل شيء يدور كما تريد، أوصل سلامي إلى روبرتو العظيم فلولآ أنه أبرم معي ذلك الأتفاق كان أوشى بي ذلك العين وألقى بي في التهلكة.

ليبادله يوسف الشكر فهو من ساعده بتوريط ذلك اللعين وليد في تلك الصفقة وما كان الشريك الجديد الذي أبرم العقد بإسمه سوى بأسم مستعار من تدبيره يوسف و رجال روبرتو ليستغلوا وليد ويقوموا بخداعه فنعم تلك الخطة المحكمة الذكية من تنفيذ روبرتو الذي استغل نفوذه ورجاله لمساعدته ولكن التخطيط فهو من تخطيطه هو ذلك الهائم صاحب القلب الحنون الذي لا يعرف يوم الحقد والضغينة طريق لقلبه ولكن إذا كان الأمر يتعلق بذلك اللعين وليد يختلف الأمر فهو إلى الأن يتذكر حديثه ونظرة الغل والكره بعينه عندما أطلق عليه الرصاص، فهو من بدء أولًا بالشر، ليتحمل إذًا توابع شره وأفعاله المدنثة بحق الجميع.

صباح يوم جديد عند صاحبة الخصلات الحمراء التي بعثرتها لتوها ولطخت حمرة شفاهها بفوضوية تامة كي تتمكن من خداعه فكانت مستلقية بجانبه تنتظر استيقاظه بقلب يرتجف بين ضلوعها يتوجس خيفة من ردة فعله فهي قد أعادت الكارت الخاص به بمحله واتفقت مع يوسف ما أن يغادر من عندها سوف تهرب بعيدًا قبل أن يكتشف الأمر،.

تصنعت النوم بعدما رمش بعينه عدة مرات دليل على أفاقته، ليفتح هو رماديتاه القاسية ويتأوه بخفوت وهو يمسد جبهته وهو يشعر بألم يجتاح رأسه، نظرة واحدة بجانبه وعلى هيئته جعلته يضيق عيناه يحاول أن يتذكر ما حدث باليلة السابقة ولكن دون جدوى فأخر شيء يتذكره هو تناولهم الطعام معًا، ليصيح بأسمها بحدة وهو ينكزها بكتفها بقوة: ماهي اتنيلي أصحي.

فتحت جفونها وقالت بنبرة ضعيفة أجادتها كي توهمه أنها كان مستغرقة في النوم بعد ليلتهم الجامحة: صباح الخير يا بيبي
صباح الزفت على دماغك
قوليلي أيه اللي حصل أمبارح أنا مش فاكر حاجة؟!
قالها هو بغيظ وهو يمسد رأسه بقوة أكبر
لتعتدل بنومتها وتسحب غطاء الفراش تضعه حول جسدها الشبه عاري وتقول بنعومة وثبات أجادته للغاية: أزاي مش فاكر يا بيبي دة أنت كنت فظيع وكانت ليلة تجنن.

عقد حاجبيه وهو يحاول عصر ذهنه كي يتذكر لكن لا شيء وما أن يأس زفر بنفاذ صبر وأمرها بحدة وهو ينهض ويتوجه للمرحاض: طيب غوري أعمليلي قهوة وهاتي مسكن للصداع مش قادر راسي هتنفجر
أومأت له بطاعة وببسمة مصتنعة وظلت نظراتها تتبعه إلى أن دخل إلى المرحاض وأغلق الباب لتزفر هي بأرتياح بعدها وتزيح عن وجهها تلك البسمة المقيتة التي تغتصبها فقط من أجله وتنهض تتناول مأذرها وتتوجه لعمل له قهوته.

دقائق معدودة وكان يخرج من المرحاض ويرتدي ملابسه كاملة ويجلس بأريحية على الأريكة بردهة منزلها الذي ما أن طاف بعينه محيطها و وجد طاولة الطعام التي كانوا يجلسون عليها ليلة أمس كل ماعليها مبعثر بشكل فوضوي للغاية والأطباق متكسرة وبقايا الطعام هنا وهناك وما أن سقطت رمديتاه على زجاجة الشراب مهشمة بزاوية من أحد الزوايا أتت ومضة عابرة أمام عينه بما فعله بلأمس،.

لتبتسم هي بمكر بعدما لمحت بطرف عيناها تأمله للمكان فهي تعمدت أن لا تنظف الفوضى بل زادت من فوضاوية المكان كي تقنعه أنه هو من فعل ذلك، ليرتشف هو قهوته و يرشقها بنظرات مريبة جعلت دواخلها تنتفض من فحواها ليتمتم هو بحدة مع أخر رشفة بفنجاله: فكريني المرة الجاية مشربش كتير كدة علشان بحب أفتكر التفاصيل وأسمع صوت صريخك وأنتِ معايا.

أومأت له بطاعة وهي تغتصب بسمة هائمة على ثغرها وقالت بثبات أجادته: حاضر يا بيبي بس أوعدني متتأخرش عليا
هز رأسه وكاد ينهض لولآ أن تعالى رنين هاتفه ليتناوله بخفة ويجيب بإقتضاب: ماذا تريد؟

ما أن وصله الرد من الطرف الآخر أحتدت نظراته أكثر وقست ملامحه ولعن بفجاجة جعلتها تشهق وتنكمش بذعر وما ان أغلق صرخ بوجهها بقوة وهو يقبض على ذراعها: أنتِ السبب كان زماني خلصت منه ومكنش زمان دلوقتي أبوه كتبله شركة من شركاته...

لينفضها عنه ويهدر بغيظ وهو يدور حول نفسه بعصبية مفرطة: أنا اتعب واكبر الشغل ويجي المحروس أبنه يتكتبله شركة على الجاهز، لأ وكمان عامله حفلة كبيرة علشان عيد ميلاده وخروجه من المستشفى
لوهلة شعرت بقلبها يتراقص وببسمة سعيدة تتسلل على ثغرها فرحتًا بسلامته وتعافيه فهو يستحق كل خير ولا دخل له بذلك العالم الملوث المليء بالضغينة والحقد والأثام فهو حنون ومتفهم يتمتع بقلب يضاهي لون الثلج بنصاعته،.

فطالما سيظل عز هو نقطة بيضاء بكافة حياتها الكاحلة والشيء النقي الوحيد الذي مر عليها بتلك الحياه البأساء وجاهدت كي لا تلوثه
قطع شرودها لعن وليد من جديد لها لتبتلع ريقها وتؤد بسمتها بعيون زائغة تخوفًا كونه انتبه لها ليصرخ هو بتوعد: أنا لازم أتصرف
ذلك أخر ما تفوه به قبل خروجه من عندها تاركها تتناول هاتفها وتخبر
يوسف بكل ما حدث وتستعد بعدها للمغادرة بأسرع وقت قبل أن يكتشف فعلتها.

بينما على الصعيد الآخر في القاهرة وخصةً في تلك المنطقة الشعبية كانت حلا تمر من أمام ورشته المغلقة في المساء وهي تشعر بضيق شديد فتلك مرته الأولى التي يتغيب دون يوم عطلته لتزفر بضيق وتسير لأول شارعهم كي تبتاع بعض الحاجيات من محل
جارهم المدعو فهمي التي تسكن الضغينة قلبه.

بسبب أن عدلات أتت في مرة سابقة بصورة أبنته لكي تقنع إسماعيل بالزواج منها ولكنه رفض كعادته بسبب تلك المتمردة التي ظلت تقف عدة دقائق معدودة ولم يعيرها أي أهتمام لتزفر بضيق وتهتف خانقة وهي تمد يدها بورقة الطلبات: لو سمحت يا عم فهمي هاتلي الطلبات دي بقالي ساعة واقفة ومش عايزة أتأخر
التوى فم فهمي وقال متهكمًا والخبث يتراقص على وجهه: ولو ممشتكيش هتعملي أيه هتجبيلي إسماعيل يضربني.

عقدت حاجبيها بتفاجئ من حديثه وقالت مستنكرة وبأندفاع كعادتها: إسماعيل مش بلطجي علشان يتعرض لحد
ولو مش عايز تبعلي مفيش مشكلة هجيب من أي حتة تانية بس بلاش ترمي بالكلام عيب عليك و على سنك
ليوبخها فهمي بحدة وبصوت جهوري لفت أنظار كافة المارة: بقى أنتِ يا بت يا فلتانة تقوليلي عيب على سنك
لتزفر حلا بغضب وتقول بإندفاع وبتسرع شديد: أنا فلتانة يا راجل يا عرة.

ليجز فهمي على نواجزه ويقول وهو يرفع يده يحاول صفعها: طب غوري من وشي أحسن ما...
أغمضت هي عيناها بذعر تأهبًا لصفعته تزامنًا مع مد يد قوية قبضت على يد فهمي المرفوعة بآخر لحظة مما جعله تزوغ عينه وترتجف أوصاله عندما هدر إسماعيل بوجهه بكل وقار وثقة دون أن يخرج عن حدود الأدب: ما أيه يا راجل يا طيب! عايز تمد أيدك عليها؟

لتشهق هي بقوة وتحتمي خلف ظهره بعفوية لم تتقصدها بينما اجلى فهمي صوته وقال بتلجلج وهو يخفض يده: أصلها...
ليقاطعه إسماعيل بحدة: أصلها أيه، من أمتى الرجالة عندنا بتمد أيدها على بنات منطقتهم دة بدل ما نقف في ظهر بعد ونحامي لبعض يا عم فهمي ياللي بتفهم في الأصول
أطرق فهمي رأسه بخزي
وقال معتذرًا: حقك عليا يا إسماعيل بس هي اللي استفزتني
لتشهق هي وتقول بشراسة و بإندفاع كعادتها: محصلش دة هو اللي شتمني وقالي...

نظرة مشتعلة من بندقيتاه أخرستها ونطقه بأسمها بنبرة محذرة جعلتها تطرق رأسها وتظل تفرك بطرف حجاب رأسها كعادتها عندما تتوتر: حلااااااا خلاص روحي أنتِ وأنا هجيب الحاجة وهحصلك.

رفعت عيناها البُنية الواسعة له وهي تنوي أن تعترض لولآ أنه رشقها بنظرة قوية مفعمة برجولة طاغية قشعرت بدنها وجعلت قلبها يتهاوى بين قدميها لتطرق رأسها من جديد عندما أشر لها بيده كي تغادر بعدما سحب من يدها تلك الورقة المُدون عليها الطلبات اللازمة للمنزل بينما هي أنصاعت له دون أي أعتراض أو حتى تتفوه بكلمة واحدة، ليعطي إسماعيل الورقة ل فهمي يحضر ما بها بحذر شديد وهو يتحاشى النظر له وما أن غادر إسماعيل تشدق فهمي قائلًا وهو ينظر لأثره: مش عارف فيها أيه زيادة عن بنتي و عن كل البنات دي حتى لسانها شبرين ومتبري منها أعوذ بالله.

بعد عدة دقائق كان يطرق الباب بأدب وما أن فتحت له تناولت منه وأخبرته وهي تتحاشى النظر له: ماما عايزاك اتفضل
أبتلع ريقه بتوتر وخطى للداخل وهو يتحمحم بحرج لترحب به نجية بود شديد وتعاتبه قائلة: كنت فين النهاردة قلقتني عليك و الورشة مقفولة دي حتى حلا كانت طابخة النهاردة بإيدها وقالت لازم إسماعيل يتغدى معانا.

حانت منه بسمة عابرة وهو يشعر أنها تجامله فقط كي تؤثر على قراره لولآ قول حلا الذي أكد له: سبيه يا ماما براحته يمكن مش عايز يقول كان فين!، وأحنا اللي قعدين من غير أكل لغاية دلوقتي وقلقنين عليه وفي الأخر زعق فيا قدام الراجل ومخلنيش أخد حقي
ليتحمحم قائلًا بسعادة متناهي وعينه الخائنة كعادتها تهرب لها: حقك عليا بس الأصول متزعلش حد
لترد نجية بإمتنان: والله يابني ما عارفين نودي جمايلك فين.

أجابها إسماعيل بود: جمايل أيه أنتو أهلي وعزوتي وأنا مليش غيركم يا أم الغالي
أيوة برضو مقولتش كنت فين وأنت متشيك كدة على غير العادة؟

قاطعه سؤالها وهي تضع يدها بخصرها وتضيق عيناها بطريقة تنم عن فضولها الشديد بعدما لفت نظرها بنطاله الأسود و قميصه من نفس اللون الذي يبرز تقاسيم جسده المفتول وتعلوه سترة عصرية باللون الجملي الذي ينعكس لونها على عينه ويزيد وهجها آما عن حذائه كان يتناسب مع طلته تمامًا تقسم أنها لأول مرة يلفت نظرها هيئته لذلك الحد ولكن صدقًا كان يبدو جذابًا لحد كبير حتى جعلها تتفوه دون أدنى تفكير وبعفوية شديدة لم تتقصدها.

أبتسمت نجية ونهرتها بحدة مصتنعة: عيب كدة يا حلا وبلاش تحرجي الراجل
نفى برأسه وقال وهو يمرر يده على وجهه ويشعر بالحرج: لأ عادي يا أمي بس يمكن علشان هي متعودة تشوفني ديمًا بأفارول الشغل
فركت يدها وأطرقت برأسها وبررت وهي تلعن تسرعها: أسفة يا إسماعيل إني اتدخلت في اللي مليش فيه بس أنت عارفني لساني مسحوب مني ومش بعرف أسيطرعلى كلامي، بالله عليك ما تزعل.

لتصدق نجية على حديثها: اه والله بتحدفي طوب يا بنت بطني
ليبتسم إسماعيل بود ويرد: وأنا مقدرش أزعل منك يا أخت الغالي
لتزفر هي بضيق وتعترض بخفة أضحكتهم: أيه أخت الغالي دي أنا مليش دعوة بالغالي بتاعك اللي مكلمنيش ولا سأل عليا وبعدين قولي يا حلا عادي ولا أنت لازم تزعقلي بيه بس زي ما عملت قدام الراجل العرة دة اللي أسمه فهمي.

ليقهقه هو من جديد وتشاركه نجية بينما شردت هي بضحكته الرجولية الخشنة دون قصد بمشاعر متخبطة لا تعرف
ماهيتها سوى أنها تشعر بشيء هناك بصدرها يتراقص على أنغام ضحكته
لتتلعثم ما أن لاحظت شرودها به وزجر والدتها لها: أنا هروح أحضر الأكل عن أذنكم
ليقول هو قبل أن تغادر: على فكرة يوسف سألني عليكِ وقالي أنو...
قطع حديثه صوت رنين هاتفه ليبتسم بأتساع ويقول بود: أبن الحلال عند ذكره بيبان أهو يوسف بيتصل.

لتشهق هي بقوة وتتناول منه الهاتف وبعد التحيات والسلامات والمعاتبات أعطته الهاتف مرة آخرى ليسرد له كل ما توصل له من معلومات
جعلت يوسف تتهلل أساريره فهو أعتمد عليه كي يتأكد من صحة وفاة زوج ماهي كما وعدها وبالفعل صدق حدسه فتلك الضربة التي حصل عليها زوجها الخرف منها لم تتسبب في موته.

وبعد عدة أحاديث مطولة بينهم قال إسماعيل بتلعثم بعدما حسم أمره وقرر المجاذفة وهو وحضه مع متمردته العنيدة تلك التي كانت تنظر له الآن بطريقة غريبة تهدد ثباته: أنا عايز أطلب طلب ونفسي يتجبر بخاطري
ليرد يوسف بترحاب شديد: خاطرك على راسي يا سُمعة لو بأيدي مش هتأخر
ليتلعثم تحت نظرات نجية المستبشرة بالخير: أنا عايز أطلب أيد حلا منك يا يوسف وبتمنى مترفضتش طلبي.

تفوه بأخر جملة وهو يتعمد أن ينظر لها نظرة تفيض بمكنونات قلبه وهو يدعو ربه أن تخلف كافة ظنونه وترأف بقلبه الذي أنهك بعشقها لتشهق هي بتفاجئ وبوجه تدرج بحمرة الخجل وتتوجه بإندفاع بخطوات متعثرة للغاية إلى غرفتها
فهل يا ترى قد حان وقت أن تنعم بقربها وتعوض جفاء تلك السنوات المنصرمة آم ستظل هي على تمردها وترفض طلبك وتجعل من كبريائك حطام تحت قدمها.

دعونا نرى ما تخبئه لنا الأحداث القادمة التي تشبه فوهة بركان ثائر تتدفق حممه محملة الكثير من المفاجأت.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة