قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الخامس والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الخامس والعشرون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الخامس والعشرون

‏سنحيا بعد كربتنا ربيعاً كأننا لم نذق في الأمس مرًا.
(الإمام علي بن أبي طالب).

وبعد عدة أحاديث مطولة بينهم قال إسماعيل بتلعثم بعدما حسم أمره وقرر المجاذفة وهو وحضه مع متمردته العنيدة تلك التي كانت تنظر له الآن بطريقة غريبة تهدد ثباته: أنا عايز أطلب طلب ونفسي يتجبر بخاطري
ليرد يوسف بترحاب شديد: خاطرك على راسي يا سُمعة لو بأيدي مش هتأخر
ليتلعثم تحت نظرات نجية المستبشرة بالخير: أنا عايز أطلب أيد حلا منك يا يوسف وبتمنى مترفضتش طلبي.

تفوه بأخر جملة وهو يتعمد أن ينظر لها نظرة تفيض بمكنونات قلبه وهو يدعو ربه أن تخلف كافة ظنونه وترأف بقلبه الذي أنهك بعشقها لتشهق هي بتفاجئ وبوجه تدرج بحمرة الخجل وتتوجه بإندفاع بخطوات متعثرة للغاية إلى غرفتها
ليتناوب هو نظراته بين أثرها و بين نجية التي هزت رأسها تطمأنه وهي تبتسم بإتساع ليأتيه رد يوسف من الطرف الآخر: أنا مش هلاقي ل حلا أحسن منك يا سُمعه بس أهم حاجة رأي العروسة.

ليبتسم إسماعيل بسمة باهتة لم تصل لعينه بسبب رد فعلها الذي لم يتفهم منه شيء وهو يشعر بقلبه يعتصر تخوفًا من رفضها وبعد عدة دقائق قليلة أغلق الخط مع يوسف
لتستطرد نجية قائلة بود شديد وهي تقبل ظهر وباطن يدها حامدة ربها: الحمد لله، أنا كنت عارفة أنك مش هتخزلني يا ابني.

تقدم منها وقبل هامتها وقال في صدق بنبرة هادئة عكس ما يختلج بصدره وهو يجلس بجانبها: أنتِ عارفة يا أمي إني مقدرش أردلك طلب وربنا يعلم أنا رايدها وشاريها قد أيه بس...
بتر كلماته وكأن قلبه لن يقوى على تحمل نطق تلك الكلمات ليمرر يده على وجهه وتلعثم أخيرًا بما يتخوف منه: بس خايف ترفضني تاني أو تفهم غلط أن...

قطعته نجية بحنو شديد وهي تربت على ساقه: مش هتفهم غلط ولا حاجة ومش هتقدر ترفض المرة دي على ضمنتي، وبإذن الله هنفرح بيكم قريب بس أنت قول يارب
يااااااااارب
قالها بنبرة متآملة نابعة من صميم قلبه مما جعل نجية تعقب قائلة تشاكسه: يوه ما تجمد كدة هو أنت شوية ولا ايه!
ربنا يخليكِ لينا يا أم الغالي هستنى رأيها و
إن شاء الله لو وافقت هجيب الشيخ عبد الرحيم وأجي أتقدملها رسمي زي الأصول ما بتقول.

ذلك آخر ما تفوه بعد أن رشق باب غرفة حلا بنظرة يتأكلها القلق وغادر تحت نظرات نجية الفرحة التي ما أن استمعت لصوت غلق الباب نهضت توضأت و ركعت حمدًا وشكرًا لله فتلك أمنيتها البعيدة التي طالما تمنتها من قلبها.

عودة آخرى لقلب إوروبا الرحيم كما يطلقون عليه
الذي لم يكن رحيم أبدًا بأحد
وقفت عند قصرهم بمنطقة منعزلة بعيدة عن الأنظار تتأمل لو فقط تلمحه للمرة الأخيرة قبل رحيلها ولكن دون جدوى.

كم أرادت أن تخبره مدى ندمها وخزيها من ذاتها كم ارادت لو فقط ترتمي بين يده للمرة الأخيرة وتتمتع بنظراته الدافئة التي طالما شملها بها تقسم أنها لن تقحمه معها بأي شيء فقط كل ما تريده هو أن تراه مرة أخيرة قطع شرودها صوت هاتفها التي ما أن تناولته قالت بنبرة مختنقة على وشك البكاء:
الو يا يوسف.

أتاها سؤال يوسف من الطرف الآخر: أنتِ فين ومجتيش ليه لغاية دلوقتي أحنا اتفقنا أول ما يخرج من عندك تيجي في المكان اللي أتفقنا عليه
أجهشت ماهي بالبكاء دون أرادة وقالت بنبرة ممزقة: نفسي أشوف عز يا يوسف نفسي أطمن عليه ولو من بعيد لتشهق بحرقة وتضيف من بين دمعاتها: نفسي أقوله أسفة، والله أسفة، نفسي يسامحني يا يوسف.

هدر يوسف بإنفعال من الطرف الآخر: ماهي بطلي جنان هتضيعي نفسك وهتضيعي كل اللي عملاناه، أفرضي حد من رجالة وليد شافك...
تعالى هنا في اسرع وقت أحنا منضمنش الزفت دة أكتشف سرقة الخزنة ولا لأ
أنتِ عارفة أنك أنتِ الوحيدة اللي هيشك فيها وساعتها الله أعلم هتكون رد فعله أيه
هزت رأسها بتفهم وقالت وهي تثبت الهاتف على أذنها أكثر بأنامل مرتعشة: أنت عندك حق أنا لازم أبعد
عن هنا اديني دقايق وهبقى عندك.

لتكفكف دمعاتها وتغلق هاتفها وتنظر للقصر نظرة عميقة مطولة وتشعل موقود السيارة وتنطلق بها إلى المكان المنشود الذي ينتظرها به يوسف.

آما عند ذلك اللعين ظل يدور ويدور حول نفسه بخطوات غاضبة للغاية داخل مكتبه الذي لم يلفت نظره به أي أختلاف عن هيئته السابقة التي تركها عليه فحتى لم يخطر بباله أي شيء، أو حتى القاء نظرة على خزنته ومحتوياتها
ليطرق على سطح مكتبه بقوة وبإنفعال شديد ويصرخ على المحامي الخاص بخاله
الذي يجلس منكمش بمواجته: لقد تمم كافة الإجراءات في الصباح أليس كذلك.

أومأ له المحامي بنعم ليلعن هو من جديد وينهره بحدة: لماذا لم تخبرني مسبقًا يا عديم النفع
ليتحمحم المحامي بذعر: سيدي أقسم لك لم يخبرني مسبقًا أنه أتى إلى في الصباح و أصر أن يتم الأمر في أسرع وقت
ليزمجر وليد في غضب قاتل ويزيح بكل محتويات مكتبه أرضً وهو يقول بنبرة جحيمية: أغرب عن وجهي أيها اللعين قبل أن أنزع رأسك تلك عن جسدك.

ليفر المحامي من أمامه بخطوات متعثرة تاركه يجلس على مقعده بكل عنجهية يحاول أن يحيك برأسه خطة محكمة للتخلص منهم جميعًا فقد نفذ صبره ولم يعد يتحمل وجودهم بعد الآن.

آما عند ذلك الهائم بلا وطن
ظل ينتظر بقلق شديد إلى أن استمع طرقات هادئة على باب تلك الشقة البعيدة التي آمنها روبرتو له كي يخبئها بها
ليفتح الباب ويهدر بحدة ما أن وجدها أمامه: أنتِ أكيد أتجننتي مش كدة
نفت برأسها وتحمحمت بعيون ذابلة: أنا فعلًا كنت غبية بس والله غصب عني يا يوسف نفسي أطمن عليه
زفر هو بقوة وهز رأسه بتفهم وقال وهو يفسح لها المجال لتدخل: أدخلي في أخبار حلوة هتبسطك.

حانت منها بسمة باهتة لم تصل لعيناها الكاحلة وقالت هازئة: مفيش حاجة ممكن تبسط
واحدة زي يا يوسف
ليقول هو كي يفحمها: ولا حتى إني قولتلك أنك مقتلتيش جوزك
عقدت حاجبيها بعدم استيعاب وتسألت بنبرة مهتزة: مش فاهمة قصدك أيه؟

أجابها وهو يجلس على أحد المقاعد القريبة: اللي سمعتيه جوزك ما ممتش من ضربتك ليه أنا بعت واحد صحبي في مصر علشان يتأكد من تاريخ وفاته بس المفاجأة أنو لقى التاريخ مختلف وأن جوزك مات من سنة واحدة بس وأنو مامتش في التاريخ اللي أنتِ قولتي أنك هربتي فيه.

تسارعت أنفاسها واتسعت عيناها بذهول مما أخبرها به وهمست وهي فاغرة فاهها من شدة صدمتها: يعني أنا مقتلتهوش زي ما كنت مفكرة، يعني هربت على الفاضي، وكل سنين عمري اللي عشتهم هربانة في رعب دول كانوا على الفاضي، يعني وليد مش هيقدر يهددني تاني
كانت تتفوه بكل جملة بنبرة حارقة وبدمعات متساقطة دون هوادة وهي تشعر أنها على حافة الجنون
ليربت يوسف على كتفها ويقول بهدوء كي يدعمها: مش بس كدة أنا...

رفعت عيناها الدامعة إليه ليستأنف هو بحرج شديد وهو يمد يده بسترته ويخرج أسطوانة مدمجة: لقيت دي في خزنته وبيتهيء لي أنها تخصك
تناولتها منه بأيدي مرتعشة وتفهمت بفطنتها ما فحواها وقالت بخزي من نفسها ومن كل حياتها: كان مصورني معاه علشان يضمن إني مسبهوش
أومأ لها يوسف وهو يفرك ذقنه النامية بحرج أكبر وقال وهو يتعمد أن يعطيها ظهره كي لا يخجلها أكثر: رغم كل دة ومخُفتيش يأذيكِ وساعدتيني.

ردت هي بنبرة منكسرة تفيض بمكنوناتها: وكان عندي استعداد أعمل أكتر من كدة علشان أنتقم منه وأحمي عز
لدرجة دي بتحبي عز
أتاها سؤاله مباغتًا مما جعلها تشهق ببكاء مرير دون أن تتفوه ببنت شفة ليتنهد هو بعمق فقد علم إجابتها وعلم أيضًا ما يتوجب عليها فعله ليخبرها بجدية شديدة: أنتِ لازم تبعدي عن هنا وتنزلي على أول طيارة لمصر
وليد عمره ما هيخطر في باله أنك هناك وهيفتكرك لسة خايفة ليحكموكي بقتل جوزك.

هزت رأسها بموافقة ولكنها قالت بأصرار شديد: هسافر بس بعد حفلة بكرة، نفسي أشوفه لأخر مرة يا يوسف
أعترض يوسف برفض قاطع: لأ مستحيل أنتِ كدة بتخاطري وأنا مضمنش أيه اللي ممكن يحصل.

لتتقدم هي منه بوهن وتتمسك بذراعه راجية: علشان خاطري والله مش هخلي حد ياخد باله مني وهخرج من هناك على المطار، لتستأنف كي تؤثر عليه: أنت كمان لازم تيجي معايا علشان تشوف لين وتتكلم معاها وتسألها كل الأسئلة اللي هتموتك وتعرف أجابتها وصدقني الحفلة هتبقى زحمة وهنقدر نتدخل زينا زي المعازيم.

تنهد بعمق فنعم هو يآمل ذلك ولكن لا يعلم لما شعر بوخز بصدره من مجرد التفكير بلأمر لينفض أفكاره سريعًا فهو من الممكن أن يخاطر ولكن بالنسبة لها لا يستطيع المجاذفة فهو يعلم أن ذلك اللعين لن يتوانى في قتلها ما أن يعلم: مش هينفع مستحيل أسيبك تخاطري بنفسك، صدقيني أنا عايز مصلحتك، أنتِ لازم متتحركيش من هنا و متخرجيش من الشقة لأي سبب لغاية معاد سفرك...

أصابها اليأس الشديد من أقناعه فهي تعلم أنه محق وتوافقه الرأي ولكنها دون أرادة تفوهت بأخر حيلة لديها بنبرة راجية: طب ممكن على الأقل أكتبله ورقة وتوصلهاله بالنيابة عني
تنهد بعمق وأخذ يفرك ذقنه كعادته عندما يفكر بشيء لترجوه هي بعيناها للمرة الأخيرة، لا يعلم لما أشفق عليها كثيرًا ربما لأنها أخبرته قصتها البأساء كاملة وذلك ما جعله يومئ لها بموافقة ويقول بجدية: هرتب كل حاجة وهقولك.

لتبتسم هي ببهوت ويغادر هو ويظل يفكر بلأمر وبكافة الأحتمالات الواردة.

عودة إلى القاهرة وإلى منزل تلك المتمردة التي ظلت قابعة بغرفتها للكثير من الوقت تسترجع مرارًا وتكرارًا ما حدث فقد تمددت على فراشها و ضمت دميتها إلى صدرها بقوة وشردت لوهلة به وبطلبه الذي فاجأها كثيرًا لا تنكر أنها تشعر بلأمتنان له ولكن ليس لذلك الحد الذي يجعلها تقبل الزواج منه، تعلم تمام المعرفة أنه شهم وحنون وذو أخلاق طيبة وفوق كل هذا تشعر أنه يكن لها بعض المشاعر ولكن كل ذلك لم يكن سبب كافي بالنسبة لها فهي مازالت لم تستشعره لدرجة أنها تقبل أن يكون زوجها تنهدت بضيق ما أن فتحت والدتها باب غرفتها وجلست بجوارها وتسألت: أيه يا حلا من ساعة ما الراجل مشى وانتِ قافلة على نفسك، خير يا بنتي.

أعتدلت حلا بعيون زائغة وتلعثمت قائلة وهي تفرك يدها: ماما أنا مش موافقة
شهقت نجية بقوة وضربت أعلى صدرها وهي تنهرها: نعم ليه يا موكوسة الراجل شاريكي وبيحبك ودي مش أول مرة يطلبك فيها
لتعترض حلا كعادتها: يا ماما بس أنا مش بحبو
لتبتسم نجية بمغزى وتتسأل بذكاء: مين قال بقى أنك مش بتحبيه؟
ردت حلا بإندفاع: أنا اللي بقولك يا ماما مش بحبو أنا بس استجدعته لما وقف جنبنا في تعبك وعلشان خدلي حقي من علاء.

نفت نجية برأسها وأخبرتها بثقة عارمة فهي كأي أم تستشعر بغريزتها مكنونات أبنائها وتعلمهم تمام المعرفة ولمَ لا وهم ذرعة يدها: لأ انتِ بتحبيه يا حلا بس بتكابري زي عوايدك، تنكري أنو النهاردة لما زعق فيكِ قدام فهمي أنه عجبك وحتى مفتحتيش بوقك وسمعتي كلامه
زاغت نظراتها وظلت تسترجع صراخه بأسمها أمام فهمي نعم هي لاتعلم لما شعرت حينها بشعور غريب أجتاحها.

فكانت نبرته صارمة حادة لا تقبل النقاش وهيئته كانت رجولية بحتة جعلت قلبها يكاد يتهاوى بين قدمها حتى أنها لم تتفوه بأي أعتراض كعادتها وانصاعت له
فنعم والدتها محقة ولكن...
قطع سيل أفكارها سؤال والدتها من جديد: ولما لقتيه قافل ورشته كنتِ هتجنني وتطمني عليه دة حتى صممتي تنزلي الشارع تجيبي حاجات البيت علشان تلمحيه هنا ولا هنا.

رفعت حلا نظراتها المهتزة إلى والدتها بتوتر و كابرت كعادتها: لأ أنا كنت نازلة عادي مش علشان أشوفه
لتباغتها نجية من جديد: طب ولهفتك عليه لما جة وفضولك اللي كان بينط من عينك لم لقتيه متشيك وسؤالك ليه، تنكري أنك كنتِ غيرانة وفكراه مع واحدة تانية
نفت حلا برأسها وتأفأفت بتذمر وهي تنهض توالي والدتها ظهرها: أفففف بقى يا ماما هو تحقيق محصلش أنا كنت بسأل عادي ومكنش قصدي حاجة.

تنهدت نجية بعمق وقالت بنبرة محذرة: عاندي زي ما انتِ عايزة بس أعملي حسابك لو موافقتيش وحطيتي عقلك في راسك أن قلبي وربي غضبانين عليكِ ليوم الدين يا بنت بطني
أقعدي وراجعي نفسك هتلاقي كلامي كله صح إسماعيل طيب وحنين وابن حلال وأنا عارفة أنو هيصونك ويحطك جوة عنيه
أبتلعت حلا ريقها بتوتر شديد وهي حقًا تفكر بشكل جدي بلأمر ولكنها تعمدت أن تربع يدها على صدرها وتنفي برأسها دليل على عدم أقتناعها.

لتبتسم نجية فهي تعلم أبنتها تمام المعرفة عندما تكون تعاند لمجرد العناد ليس أكثر لتميل بجزعها على الفراش تتناول تلك الدمية المحشوة إيسو وتقول بمكر أمومي غرضه مصلحتها وكي تثبت لها شيء بعينه: أنا هاخد العروسة دي هرميها أصلها قدمت أوي وهبقى أجبلك أحلى منها
شهقت حلا وبحركة بهلوانية كانت تخطو فوق الفراش وتجذب الدمية من يدها وهي تعترض بشدة:.

ترميها لأ، أنتِ عارفة إني بحبها وعمرها ما فارقتني من وأنا صغيرة ومش بيجيلي نوم من غيرها
لتبتسم نجية وتتعمد أن تلفت نظرها: في حاجات يا بنتي بتبقى قصاد عينا ومش عارفين قيمتها ولا غلاوتها في قلوبنا، زي العروسة دي كدة، عمر خطر ببالك أنك بتحبيها علشان كانت هدية منه، ولا أنك سمتيها على أسمه اللي مكنتيش بتعرفي تنطقيه من سنانك المكسرة.

أبتسمت حلا بأتساع وهي تتذكر الأمر وقالت بعفوية شديدة وهي تجلس وتربع ساقيها على الفراش: أيوة يا ماما أنا فاكرة كان يوسف بيعايب عليا ويحاول يحفظني أسم إسماعيل وأنا كنت مصممة أنه إيسو لتلتمع عيناها بوميض من الماضي وتستأنف بتنهيدة:
بس هو عمره ما أضايق بالعكس كان بيقعد يضحك من قلبه لما كنت أحاول أنطق أسمه غلط وكان بيدافع عني لما يوسف كان بيعايب عليا ويقولي يا أم نص لسان.

ربتت نجية على كتفها وقالت قبل أن تغادر وتتركها تفكر ملياً بلأمر: ربنا يهديكِ يا بنتي هستنى لغاية بكرة تديني قرارك النهائي وبتمنى متخزلنيش زي عادتك وتوافقي
لتتركها وتغادر بينما هي ظلت تلك البسمة مرتسمة على ثغرها وتمددت مرة آخرى على الفراش ولكن تلك المرة وهي تدفن وجهها بدميتها تستنشق عبق ذكريات الماضي من بين جنباتها وكأنها تذكرت للتو فقط أنه هو من أهداها لها.

اشرقت شمس يوم جديد على قلب أوروبا الرحيم تنبأ عن يوم مشمس معتدل هادء يخالف ثورة ذلك اللعين الذي قرر أن يلطف الأجواء قليلًا بينه وبين لين قبل حفل اليوم فكانت هي بداخل المرحاض تتحمم عندما تسلل بغتة دون أن يلحظه أحد إلى غرفتها وهو يحمل بيده ذلك الثوب الذي أبتاعه مخصوص لها وما أن لاحظ تواجدها بالمرحاض أبتسم بخبث شديد وتوجه لباب الغرفة يوصده من الداخل بالمفتاح المثبت به.

دقائق معدودة كانت تخرج هي من المرحاض ترتدي روب الاستحمام الوردي الخاص بها ومنهكة بتنشيف شعرها بمنشفة صغيرة من ذات اللون، جلست أمام مرأتها وتناولت فرشاه كي تمشط شعرها وما أن رفعت نظراتها لأنعكاسها بالمرآة أنتفضت بقوة عندما وجدت صورته المعكوسة أمام عيناها وهو يجلس بكل أريحية على فراشها لتنهض وترشقه بنظرات مشتعلة وهي تهدر من بين أسنانها بغيظ و تأشر بسبابتها على الباب: بتعمل أيه هنا يا حقير أطلع بره.

حانت منه بسمة هازئة وتقدم منها عدة خطوات وهو يقول بنبرة ماكرة والخبث يتراقص على وجهه وينفي بسبابته يمينًا ويسارًا أمام وجهها ينهيها: لأ عيب كدة يا لولو دة أنا هبقى جوزك مينفعش تشتميني
نظرت له شذرًا بعيون حاقدة ثم هدرت بشراسة قتالية وهي تسحب ذلك السكين الصغير من طبق الفاكهة القريب منها وتشهره بوجهه: قسم بالله يا وليد لو مخرجتش هقتلك.

قالت أخر جملة بحماس غريب وبقلب لم يرتجف بالخوف لوهلة واحدة بحضرته فنعم قد تغيرت كثيرًا عن تلك الهشة الرقيقة التي عاهدناها،
تراجع هو خطوتان للخلف مدعي المسالمة وقال معاتبًا بلؤم: الله من أمتى وانتِ عنيفة كدة، دة أنا جي علشان أجيبلك الفستان اللي أشترتهولك علشان تلبسيه النهاردة دة جزاتي برضو يا لولو.

ليؤشر بعينه على الفراش وتتبع هي نظراته دون قصد وفي غمضة عين كان يضرب يدها ليسقط السكين عنها ويدفعها بقوة عاتية يثبتها على الحائط ويحتجزها بينه وبين جسده القوي لتتلوى هي بشراسة بين يديه وتدفعه بصدره بكل ما أوتيت من قوة ولكن كان جسده صلد لا يلين ليكبل حركتها بيد واحدة وباليد الآخرى يضعها على فمها يكتم صوتها حتى لا تصرخ وتلفت الأنظار لهم فهو لا ينقصه أن يتشاجر مع أحد اليوم فمزاجه متعكر للغاية بسبب خاله وقراره بشأن أهداء عز أحد شركاته دون علمه، لتتسارع أنفاسها تحت كف يده العريض وتزوغ نظراتها و تشعر أنها على وشك الأختناق بسبب قربه المقزز منها ليهسهس هو بأذنها وهو يمرر أنفه على عنقها بطريقة جعلت معدتها تتقلص من شدة التقزز: يظهر أن الذوق مش نافع معاكِ أنا حاولت أبقى لطيف بس أنتِ يظهر مبتجيش غير بالعافية، أسمعي بقى يا برنسيسة أنا قدرك اللي مش هتعرفي تهربي منه ومن هنا لغاية ما تبقي مراتي عايزك تتعلمي تحترميني علشان أنا زعلي وِحش أوي وممكن يطول كل اللي حوليكِ يا لين واظن أنتِ فاكرة عملت أيه في الواد الصايع اللي هربتي معاه.

نعم أدعي الثبات أنا لست قوية كما أدعي فأنا من داخلي مازلت هشة ضعيفة
عندما يتعلق الأمر به ذلك الهائم الذي أخذ معه كل سبل الحياه بالنسبة لي فتبًا لكل شيء بعد رحيله لم أعد أكترث لشيء نفضت أفكارها بآسى شديد تزامنًا مع تساقط دمعاتها الحارقة بلا هوادة كأنها أرادت أن تنعي حظ قلبها الموشوم بعشق ذلك الهائم التي تتوهم أنه رحل للأبد.

ليبتسم هو بتشفي بعدما تيقن تمامًا أن حديثه أصابها بمقتل ويقول بفحيح وهو يرمق عيناها الحاقدة التي ممتلئة بعبراتها بنظرة محذرة ويستأنف بوعيد:
مش عايز أسمع صوتك، وعايزك بليل تكوني أحلى واحدة في الحفلة علشان أنا هنوه للصحافة عن أننا قررنا نتجوز
وبعد يومين أول تلاتة بالكتير أوي هتصرف في الصفقة و نتمم كل حاجة، ليضع جبهته على جبهتها ويقول بخبث وبغرض خبيث وهو يقترب بفمه من يده الموضوعة على فمها:.

فاهمة، ولا تحبي أفهمك بطريقة تانية متعجبكيش
ظلت تحرك رأسها بنفور شديد كي يبتعد عنها لكن دون جدوى فقد زاد من ضغطه على فمها ومال كي يلثم عنقها لتتشنج بين يده بنفور تام و أومأت برأسها بنعم بعدما يأست كي يتركها ليبتسم هو بخبث شديد ويقول بغيظ: براحتك على العموم كلها يومين وتبقي مراتي وبرافو عليكِ علشان هتطلعي عاقلة وتسمعي الكلام.

لترشقه هي بمقت شديد وعيناها البُنية يشتعل بهم لهيب الأنتقام ليقابل هو نظرتها بأبتسامة منتصرة متشفية ويخفض يده عن فمها ويدور المفتاح بباب الغرفة ويغادر تاركها تحاول تنظيم أنفاسها المتسارعة وتنزلق على الأرض بهوان وهي تشهق شهقات ممزقة تقطع نياط القلب حزنًا على حظ قلبها وحياتها البأساء فيبدو أنها يأست كونه على قيد الحياه غافلة أنه يجاهد كي يتوصل لها، لتقسم بينها وبين نفسها أنها ستجعل ذلك اللعين يدفع الثمن غاليًا على فعلته به.

تزامنًا مع تلك الأحداث السابقة كان عز يجلس بشرفة غرفته يتأمل الحديقة أمامه بعيون فارغة فاقدة لمعة وشغف الحياه فهو على حالته تلك منذ أن خرج من المشفى بلأمس ليأتيه شكري وهو مطرق الرأس وبرفقته يعقوب ويجلسون بجواره ليشرع يعقوب بالحديث: عمي محضرلك مفاجأة يا عز بس عايزك بقى تقوم تاخد شاور وتلبس علشان حفلة بليل دة كل أصحابك معزومين.

ظل عز على وضعيته شارد دون أن يرمش بعينه حتى مما جعل شكري يقول بخزي من نفسه وهو يمد يده بعدة أوراق: حقك عليا أنا عارف إني جيت عليك كتير بس سامحني وعلشان أثبتلك إني بحبك وبعتمد عليك دة عقد شركة صغيرة بأسمك عايزك تكبرها وتطورها وتثبتلي إني مخلف راجل قد المسؤولية يعتمد عليه.

لم يعيره حديثه أي أهمية بل ظل على شروده ليتنهد شكري بنفاذ صبر ويقول بضيق وهو ينهض ينوي المغادرة: أنا عارف أنك واخد على خاطرك مني بس معلش بكرة أعصابك تهدى وترجع لعقلك وصدقني يا بني أنا محتاج وجودك جنبي.

ليربت على كتفه ويغادر تارك يعقوب يتناول سجارة من علبة سجائره ويشعلها ويقول بضيق: أبوك بيحاول يقرب منك بلاش تصده هو بجد محتاجك جنبه ويمكن لما كلنا نقرب منه نعرف نقنعه يسيب الشغل المشبوه دة ويبدء بداية نظيفة من جديد
التوى جانب فم عز ببسمة باهتة لتجعل يعقوب يستأنف يشاكسه: بقولك أيه فكك بقى من دور الأكتئاب دة اللي أنت عايش فيه ومتحاولش توهمني أن كل دة علشان واحدة شمال يا عز.

رفع عز غابات الزيتون التي أشتعلت للتو وخرج عن صمته بإنفعال: ملكش دعوة بيها ومتجبش سيرتها...
ماهيتاب صفحة واتقفلت في حياتي وعمري ما هفكر فيها تاني أنا كنت موهوم إني اتعلقت بيها مش اكتر
وانا متأكد أنها كانت مغصوبة على كدة بسبب الحقير وليد اللي قسمً بربي لولآ البني أدم الغبي اللي منعني يومها كان زماني مموته وخلصت العالم من شره.

سحب يعقوب نفس طويل من سجارته بعيون ضيقة وتسأل بريبة شديدة: متعرفش هو مين مقدرتش تتعرف عليه؟
نفى عز برأسه وأخبره: كان لابس كاب على راسه مش مبين وشه والمكان كان ضلمة و مكنتش مركز
أومأ له يعقوب بتفهم ولكن مجرد فكرة عابرة خطرت بباله جعلته يضيق ثاقبتيه ويتسأل من جديد: عز فاكر عامل التوصيل اللي عطالك التراميسو ممكن يكون هو نفس الشخص
مط عز فمه ورفع منكبيه وقال: مش عارف، قولتلك مكنتش مركز وكان المكان ضلمة.

تنهد يعقوب بيأس فكان لديه بصيص أمل ليكون أحساسها بمحله ولكن دون جدوى فهو أفرغ كافة الكاميرات الخاصة بالقصر حينها ولكن لم يتوصل لشيء إلا لقطة عابرة لشخص يرتدي قبعة رأس تحجب الرؤية عن وجهه فلم يستطيع استكشاف ملامحه كونه هو أو لا
قطع مداهمة أفكاره سؤال عز بفضول: هو أنتو ليه أصريتوا على الحفلة دي.

ربت يعقوب على ساقه وقال بنبرة مبهمة لم يستشف عز منها شيء: بليل هتعرف كل حاجة بس ياريت تقوم بقى تحلق دقنك وتاخد شاور وتستعد
زفر عز بضيق وهز رأسه بلامبالاه ليغادر يعقوب تاركه يشرد من جديد في كل ما مر به ولكن بطريقة آخرى كان غافل عنها.

في المساء كانت الأجواء صاخبة للغاية بداخل ذلك القصر المهيب الذي زينت حديقته الشاسعة لذلك الحفل الاستوري فكانت الأنوار المحيطة تشع بطريقة مبهجة للغاية والألعاب النارية تتراقص بالسماء أما عن الحضور فكانوا كافتهم من الطبقة المخملية والبعض الآخر من أصدقاء
عز والعديد من الصحافيين والأعلامين الذين يتهافتوا لأي خبر يخص تلك العائلة.

فكان شكري و وليد و يعقوب يتبادلون الترحيب بكافة الحضور آما عن عز كان يجلس في أحد الزوايا المنعزلة يتأمل تلك الأجواء التي كان يعشقها سابقًا بضجر شديد وهو يشعر أنه على وشك الأختناق من تلك السخافات من حوله،
بينما ذلك الهائم فقد استطاع أن يدلف لداخل القصر.

وسط الحضور دون أن يثير ريبة أحد من أفراد الأمن حتى أنه تعمد أن يتأنق للغاية كي يستطيع أن يندمج مع الحضور فكان يرتدي حلة سوداء أنيقة أسفلها قميص ورابطة عنق من ذات اللون آما عن خصلاته البُنية الطويلة نسبيًا فكانت لامعة بشدة ومنمقة للغاية ليزفر بأرتياح ما أن وجد مكان منعزل بعيد عن الأضواء يستطيع أن يراقب الأجواء ويبحث عنها.

وهو يآمل أن تخالف كل ظنونه ويصدق حدسه بحُسن نيتها بحمايته ليدعوا الله بقلب ملتاع أضناه الفراق أن يراها ويتحدث معها فهو حقًا أشتاق لها كثيرًا فطالما كانت هي قطته الشرسة ذات الحالات المزاجية المتعددة التي وقع سهوًا بعشق فخوخها، ظل لثواني معدودة يجول المكان بعينه يبحث عنها ولكن بمجرد أن سقطت عسليتاه الناعسة على عز يجلس في زاوية بعيدة تذكر أمر ذلك الخطاب التي أمنته عليه ماهي كي يوصله إليه ليخطوا بخطوات حذرة للغاية لأقرب نادل يشرف على الحفل ويعطيه له وهو يخبره أن يسلمه ليد عز ما أن ينتهي الحفل لينصاع له النادل بينما عاد هو إلى موقعه البعيد عن الأضواء ينتظر ظهورها بقلب يرتجف من شدة لوعته واشتياقه للحظة اللقاء.

وبعد بعض الوقت وحين تجمعوا كل الحضور حول تلك الكعكة الضخمة الخاصة بعيد الميلاد، ولم يجدها بينهم قرر أن يتسلل بين الحضور إلى داخل القصر لرؤيتها وبالفعل ما أن خطى خطواتان تجمد بأرضه وتسارعت أنفاسه وكاد قلبه يشق صدره من كثرة معافرته وأضطرابه عندما ظهرت هي بطلتها المبهرة الخاطفة للأنفاس بفستانها الكريمي الرقيق الذي يحتضن جسدها بنعومة مهلكة للغاية و خصلاتها البُنية الطويلة كانت تسقط على ظهرها بإنسيابية شديدة كادت تفقده صوابه وهو يتمايل مع خطواتها الأنثاوية الباحتة ويعلو ثغرها تلك البسمة المميزة التي تبرز فخوخها الآثرة على وجنتها التي يقسم أنهم أسقطوه بعشقها ربما للمرة الألف بعد المائة ليهمس بلوعة وأشتياق عارم:.

وحشتيني أوي يا قطتي
ليتنهد تنهيدة حارة ويضع يده على خافقه يحثه على الثبات بعيون حالمة للغاية وبملامح عاشقة تجهمت لتوها عندما وجدها تقبل عز من وجنته تهنيه بعيد ميلاده وتقف بين ذلك اللعين وذلك المدعو
يعقوب ابن عمها ليجز على نواجزه بغضب عارم وهو يشعر بعينه تكاد تخرج من محجرها.

بينما هي كانت كافة العيون عليها تترقب كل ما يبدر منها و عدة ومضات صادرة من كاميرات المصورين تنتشر هنا وهناك لهم لتوثيق تلك اللحظات التي ما أن مرت لتوها وأطفؤ الشمع رفعت رأسها بشموخ وببسمة تبدو لطيفة نظرت ل وليد الذي ما أن لاحظها تهللت أساريره وأبتسم بفخر كونه استطاع أن يرهبها ويجعلها تنصاع لأوامره حتى أنها أرتدت الثوب الذي أحضره لها لينظر بجانبه ل يعقوب وكأنه أراد أن يثبت له كونه هو الأقوى وأنه أنتصر عليه بلأخير وجعلها مثل الخاتم بإصبعه ولكن يعقوب بادل نظراته له ببسمة مريبة لم يستشف منها شيء وهو يقف بثبات غريب ويضع يده بجيب حلته الرمادية مما أثار ريبته ليزيح بنظره عنه.

بلامبالاه وهو يستبعد تلك الأفكار التي داهمته لتوه وصوب رماديتاه عليها وهو يرشقها بنظرة مبطنة تفهمت هي معناها عندما مد يده لها أمام أنظار الجميع لكن هي قهقهت بقوة وكأنه القى عليها أحد الطرفات وفي أقل من ثانية واحدة تأبطت ذراع يعقوب الذي بدوره أحاط خصرها وأبتسم بسمة ماكرة جعلت الآخر يستشيط غيظًا لتميل هي على يعقوب وتستند على صدره وتقبلته من وجنته قبلة طويلة تعمدتها جعلت الهمهمات تتعالى حولهم مما جعل وليد يقول من بين أسنانه بحدة وهو يوزع نظراته بين حشد الحضور الذي كان يراقب كل شيء: أنتِ أتجننتي أزاي تعملي كدة قدام الناس اللي بتصور والأعلام اللي محاوطنا.

لتجيبه هي بنبرة واثقة للغاية وبعيون تقدح بنيران التشفي: مفهاش حاجة يا وليد لما الناس تشوفني ببوس جوزي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة