قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الخامس عشر

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الخامس عشر

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الخامس عشر

هي عِندها عقل لا يدق ناقوص الخطر وهو عنده قلب لا يرى سوى شهواته. هذه هي المأسآة الأبدية التي أقحمت نفسها بها وكان عواقبها وخيمة.

فدفعة قوية من ذلك الرجل ذو البنية القوية والشارب الكث والهيئة المرعبة، جعلتها تتهاوى بخطواتها إلى الأمام وتكاد تتعثر بذيل تنورتها السوداء، أبتلعت ريقها ببطء شديد وشفاه جافة وهي تتطلع بعيونها الزائغة برعب إلى محيط ذلك المكان الموحش المسمى بالحبس الذي ما أن وطأت قدميها بداخله شعرت بلأختناق من رائحة العطونة المنبعثة من الجدران الرطبة الملطخة ببقايا الدهان القاتم الذي زاد المكان كآبة فوق كآبته ليصيح الشويش وهو يدفعها مرة آخرى لتتقدم للداخل: خشي يا بت جنب أخواتك عقبال متترحلي للنيابة الصبح.

رفعت حلا نظراتها المصعوقة اليه وقالت بذعر حقيقي: أنا معملتش حاجة دي هى...
قاطعها الشاويش بحدة: أخرسي يا بت أنتِ هتحكيلي قصة حياتك وشفيلك حتة أترزعي فيها
هزت حلا رأسها بقلة حيلة وهي تحتضن ذاتها بقوة وتشعر أن برودة 1لمكان تنخر عظامها.

لتتوجه بخطى ضعيفة إلى زاوية منعزلة بعيدة عن هؤلاء النساء المخيفات اللذين ينظرون لها ما أن دخلت نظرات شريرة متفحصة، لتجلس بهوان وتضم ساقيها على صدرها وتسند رأسها على ذلك الحائط الرطب وتعود بذاكرتها إلى ما حدث منذ عدة ساعات
######.

فبعد مرور بعض الوقت على جلستها المنتظرة القريبة من الملهى، تطلعت لساعة يدها بملل وظلت تحسب عدد الساعات التي تغيبتها عن المنزل لتتنهد في ضيق وهي تتذكر والدتها فلابد أنها قلقة عليها الآن فكانت تظن بتفكيرها المحدود أن الأمر لن يأخذ كل ذلك الوقت، لتفتح حقيبة يدها وتبحث عن هاتفها وهي تنوي أن تتصنع كذبة واهية لتبرير تأخيرها تجنبًا لغضب والدتها وما أن بحثت عنه لم تجده لتضرب جبهتها بخفة وتهمهم بغباء: يالهوي، أنا ازاي غبية كدة ونسيت الموبيل، زمان ماما قلقانة وهطين عيشتي لما أرجع، بس برضو لازم أكلمها.

لتتنهد بعمق وتعلق حقيبتها بيدها مرة آخرى وهي تنوي أنها ستهاتفها من تليفون أحد الأكشاك القريبة عندما تخرج من ذلك المكان.

التي ما أن وقفت على عتبته تيبست ساقيها رافضين الإنصياع، ولكنها حاولت الثبات ودون أن تدع التردد يتملك منها خطت إلى الداخل بخطوات مهزوزة و برأس مطرقة بحرج من تلك النظرات الجائعة التي كانت تشملها عند مرورها، وما أن وقفت في زاوية من زوايا ذلك المكان الصاخب الذي يمتلأ بالمجون نظرت بعيون متسعة لكل ما يدور وهى.

منكمشة على ذاتها فلأول مرة بحياتها ترى شيءكذلك وطالما أعتقدت أن تصور الأفلام للأمر مبالغ به لكن الآن تعدى الأمر قدراتها على الاستيعاب فكان المكان يضج بأغاني شعبية صاخبة يعلوها ضحكات مترنحة للسكارى الذين يحاوطوا مجموعة من الفتيات الذين يتمايلون بملابس بالكاد تستر القليل من أجسادهم متخذين الرقص سبيل للتودد لهم بطرق مقززة، ضمت حقيبة يدها بقوة وكأنها تحتمي بها وهي تغض بصرها وتستغفر وتقدمت عدة خطوات لتسأل عنه النادل الذي كان منهمك بتحضير كؤس الشراب خلف ذلك الكانتور الرخامي العريض المسمى بالبار، ليخبرها أنها ستجد علاء بغرفة شوق الراقصة خلف المسرح لتتوجه إلى هناك بخطوات مهزوزة وبقلب يرتجف من الذعر وعند وقوفها أمام الغرفة منعها اثنين من رجال الأمن وكادوا يرموا بها في الخارج لولآ أنها صرخت بهم وهي تخبرهم أنها تبحث عن زوجها تزامنًا مع خروج علاء من الغرفة وهو يضحك بصخب ويحاوط خصر فتاه بحميمية مبالغ بها بيده السليمة، ليجف حلقها من شدة صدمتها وتجحظ عيونها وهي ترمق هيئة تلك الفتاه في ذهول تام فكانت تضع بوجهها العديد من مستحضرات التجميل بشكل مبالغ به وتضع شعر مستعار يصل لمنتصف خصرها آما عن ملابسها وإن كاد يطلق عليهم لقب ملابس فكانت ترتدي مأزر ستان تاركته مفتوح يظهر من تحته بدلة الرقص المكونة من صدرية سوداء أظهرت شق صدرها وبعضًا منه، يتدلي منها سلاسل فضية لامعة وتنورة طويلة من الشيفون مشقوقة من الجانبين و تشف منحنايتها ببذخ، لتهدء ضحكات ذلك المقيت تدريجيًا ما أن رأها مشدوهة أمامه وتتمعن بهم ليندفع نحوها بقوة وهدر وهو يقبض على ذراعها: بتعملي أيه هنا ياروح أمك؟

غامت عيناها لوهلة بقهر فهى كان مازال لديها أمل أن أميمة تتدعي عليه لكن الآن فقد تأكدت بأم عيناها لتستجمع رباط جأشها ثم بكل قوتها نفضت يده وقالت بإستحقار وهي تضربه بحقيبة يدها عدة ضربات متتالية حاول هو أن يتفاداها بذراع واحد: يا واطي يازبالة منك لله ضحكت عليا وخدعتني وخدت فلوسي علشان وحدة زي دي.

رافقت جملتها الأخير وهي تندفع إلى تلك التي تدعى شوق وتعلقت بشعرها المستعار بقوة نزعته وأخذت تتناوب بصفعاتها على وجهها وعلى جسدها العاري لتصرخ الآخرى وتستنجد بأفراد الأمن الذين جاءوا وفضوا أشتباكهم وقيدوا حلا بقوة من ذراعيها ليلعن علاء ويسب بفجوج وبألفاظ نابية و هو ويجذبها بقوة من حجاب رأسها المتلاحم بخصلاتها ويشده بقوة أزاحته عن شعرها غير مراعي لأي شيء سوى أن يستغل أمساك الرجال لها ليفرض رجولته المعطوبة عليها، لتصرخ.

حلا وكرد فعل طبيعي يستحقه أشباه الرجال أمثاله رفعت قدمها عن الأرض وركلته بقوة بين ساقيه ليصرخ هو كالنساء وينحنى بجزعه من شدة الألم ويتوعد لها ثم بعد أن تحامل على نفسه قليلًا صفعها بقوة وهتف بغل: وحيات أمك لهوريكي يابت نجية
لتبصق حلا عليه بقرف وتصرخ وهي تحاول أن تنقض عليه لولآ قبضة الأمن على ذراعيها: طلقني يا واطي...
لتتدخل شوق بغيظ وهي ترمقه شذرًا وتضع يدها بخصرها: نعم يا عنيا هي مراتك؟

زاغت نظرات علاء ولم يجيبها فهو كان يخفى عنها أمر زيجته ب حلا لأنه يعلم أنها مستبدة وما كانت سوف تقبل الزواج منه ولذلك كان يخطط للخلاص من حلا لولآ أصرار والدته عليه بكسر منخارها الذي في السماء.
إن طال صمته هتفت حلا بعصبية مفرطة: ساكت ليه رد وقولها أن دي الهبلة اللي كنت باخد شقاها واصرفه عليكِ، بس خلاص أنا فوقت وعقلي رجعلي ومش همشي من هنا غير لما تديني فلوسي و تطلقني يا واطي.

لتطلق شوق ضحكة صاخبة بثقة تامة وتقول بنبرة متهكمة: أكيد يا عنيا هيطلقك أصل هو عارف أنا زعلي وحش مش كدة يا علاء
نطقت أخر جملة بنبرة متوعدة جعلته يتلعثم قائلًا: بس، أنا
لتقاطعه شوق بغيظ وبقرار قاطع: أنت لسة هتبسبس طلقها ودلوقتي يا آما الورقتين اللي بيني وبينك هيتقطعوا وساعتها متلمش غير نفسك يا عنيا.

لينفي برأسه برفض قاطع ويقول بتلهف: لأ يا شوق وحياتك ماأعرف اعيش من غيرك، لتناوب نظراته بينهم ويقول بتقطع موجه حديثه ل حلا: أنتِ طالق يا بت نجية
لتسترسل شوق وهى تتقصع بخصرها بعهر وتمضغ علكتها بطريقة فظة للغاية: طلقها بالتلاتة ياعنيا
ليستأنف وهو مطرق الرأس: أنتِ طالق بالتلاتة.

كانت تأثير الكلمات عليها تأثير قاتل برغم كل شيء ولكنها رفضت أن تبكي أو تنفعل ورفعت رأسها شامخًا وقالت بكبرياء استعادته الآن فقط وهي تحاول نفض الرجال الذين يشلوا حركة ذراعيها: خليهم يسبوني أمشي ياعرة الرجالة
لتطلق شوق ضحكة صاخبة وتقول بوعيد: مش قبل ما أدفعك تمن مد ايدك عليا يا عنيا مش شوق اللي رجالة بشنبات بتركع تحت رجليها تيجي وحدة زيك وتقل منها.

لتشهق حلا بذعر وتصيح بإنفعال كي يتركوها، بينما تأمر شوق أفراد الأمن ببسمة مبتذلة دون أن تعير صراخها أي أهمية: كلموا الظابط شريف وقولوا إنها اتعدت بالضرب عليا وخليه يعمل معاها الواجب وأنا هلبس وهحصلكم على القسم علشان أعمل محضر
ليقاطعها علاء بتلجلج: ملوش لزوم كل دة يا شوق هي هتمشي
شهقت شوق بصوت مبتذل وسألته بلؤم تحت نظرات حلا المشدوهة: أوعى تكون بتحبها و خايف عليها ياعنيا.

أبتلع ريقه ببطء وهز رأسه بنفي وهو يشاهد نظراتها المحذرة لتستأنف شوق بنبرة صارمة: يبقى تخرس خالص ومتفتحش بؤك وتغور من وشي علشان مش طيقاك
يا عنيا
لينصاع لها ويغادر مطرق الرأس تارك حلا تجهش بالبكاء أخيرًا وتستغيث به لكن دون جدوى فهو كعادة أفعاله كلها مخنثة ولاتمت للرجولة بشيء.
####.

أغمضت عيناها بقوة وأرتجف جسدها بعدما عادت بذاكرتها مرة آخرى إلى ذلك الواقع الأليم التي أقحمت نفسها بع بسبب غبائها وظلت تنسلت دمعاتها واحدة تلو الآخرى حسرتًا على حظها وأخذت تدعو ربها أن يأتي إسماعيل برفقة والدتها لمساعدتها بعد أن سمح لها ذلك الظابط المتجبر شريف بعد إلحاح شديد منها وتدخل ظابط أخر كان يستلم لتوه نبطشيته و تتدخل عندما رأها تتذل للأخر نهره بشدة و قال له بنبرة صارمة متوعدة أن يحترم أساليب ممارسة عمله ولا يستغل نفوذه كشرطي، ويذكره أنه يتغافل عن أن حق المحتجزين بأقسام الشرطة إجراء مكالمة مجانية بمحاميهم وذويهم دستورياً وقانونياً وإنسانياً، وبعد مشادة طويلة بينهم سمح لها اخيرًا وهو يرمق زميله الظابط بغيظ شديد لتهاتف والدتها بعدها من مكتبه.

آما عن تلك صاحبة الخصلات النارية المتحررة ظلت ترقص بين يديه وهي تشعر أنها طائر سجين يبحث عن الحرية
لا تنكر أنها تشعر بالراحة معه حتى أنها تتناسى كل شيء برفقته وخاصةً مخطط معشوقها اللعين و سبب تدنيثها وأكبر خطاياها، قطع سيل أفكارها ونظراتها المبهمة له عندما
مال هو على أذنها وقال بلطف: كفاية يا ماهي تعالي نقعد شوية علشان متتعبيش.

أومأت له ببسمة هادئة وقالت وهي تدفعه أمامها للطاولة بخطوات راقصة: أقعد أنت يا عز استناني وأنا هروح الحمام وبعدها نمشي
أومأ له عز بتفهم وجلس ينتظرها آما هي توجهت إلى المرحاض بخطوات مترنحة وما أن دلفت
إلى الداخل أندفع الباب بقوة أفزعتها وجعلتها تتراجع عدة خطوات للخلف بذعر تام عندما ظهر هو أمامها صاحب أكبر خطاياها بعيونه الرمادية المشتعلة التي تنبأ بثورته.

ليبتسم هو بسمة شيطانية بعدما رآى تأثيره الطاغي عليها و باغتها بقطع المسافة بينهم بخطوة واحدة وقبض على عنقها البض بقوة حولت لونه إلى الأحمر القاني وهدر من بين أسنانه أمام وجهها:
أيه أتفجأتي يا روح أمك؟
فكراني معنديش علم وعايشة حياتك
تعلقت بيده تحاول أن تخفف قبضته التي تكاد تزهق روحها وهمهمت بأنفاس على وشك الأنقطاع وبعيون جاحظة: هموت حرام عليك سبني.

أرتفع جانب فمه بسخرية وقال هازئًا بأنفاس غاضبة: عادي أيه الجديد طول عمرك جبانة وبتهربي من الموت بس المرة دي هتكون بأيدي ومفيش مفر منه
لترد بتقطع وبنبرة بالكاد تحكمت بها لتصدر ناعمة كي تمتص غضبه وتتجنب نوبات قسوته بذكاء: أنا فعلًا جبانة وطول عمري بهرب، بس علشان هيبعدني عنك.

تراخت أنامله الغليظة حول عنقها تدريجيًا وهو ينظر لها نظرة سوداوية لم تستنبط منها شيء إلا الغضب لتلتقط هي بعض من أنفاسها المسلوبة وتستأنف وهي تتلمس وجهه بأناملها الرفيعة: ليه بتعمل فيا كدة أنا بحبك وعمري ما فكرت أزعلك
نفض يدها بقوة والتفت يوليها ظهره وقال وهو يستند براحتيه على سطح الحوض المسطح وينظر لإنعكاسهم بالمرآة متجاهل سؤالها: عملتي اللي قولتلك عليه؟

تنهدت بعمق وأخبرته وهي تشعر بتقريع الضمير: أيوة نفذت أوامرك زي ما طلبت...
ليلتفت لها ويخرج من جيب سترته عبوة بلاستيكية صغيرة ويضعها بكفها ويقول بصيغة أمر: تديله دي وتعملي حسابك تخليه عندك كام يوم عقبال ما أفضاله
تطلعت للعبوة وتسألت بتوجس من رد فعله وبنبرة مهزوزة: ليه عايز تأذيه أكتر من كدة دة ملوش ذنب في أي حاجة.

صفعة قوية وقعت على وجنتها و كانت رده القاطع على سؤالها تبعها قبضه على خصلاتها بقوة وقوله بنبرة جحيمية أمام وجهها: من أمتى الحنية دي يا روح أمك أيه شكل الواد عجبك وكيفك على الأخر
شهقت بقوة وقالت وهي تهز رأسها بنفي قاطع: أنت عارف أن محدش لمسني غيرك من يوم ما رجلي خطت البلد دي
ليقهقه بقوة وكأنها القت على مسامعه أحد الدعابات
ويستأنف بتهكم: دة على أساس أنكم قعدين في بيت واحد كل دة زي الأخوات.

هزت رأسها تصدق على حديثة وتابعت وهي تحاول أن تفك أنامله الغليظة من حول خصلاتها التي كاد ينتزعهم من رأسها بقبضته: أيوة عز ملمسنيش وبيحترم رغبتي وعمره ما فرض عليا حاجة زيك
أحتدت نظراته بشدة وأحتل الغضب معالم وجهه ودون أي مقدمات كان يضرب رأسها بالحائط ضربة قوية جرحت رأسها على أثرها.

لتصرخ هي صرخة متألمة أثناء دفعه لها بقوة اسقطتها على الأرضية الباردة التي تشبه صقيع قلبه الذي جعله يتناسى كل شيء ويصرخ بوعيد: هحاسبك بعدين على كلامك دة بطريقتي يا ماهي
وخليكِ فاكرة وليد مبيتقارنش بحد وخصوصًا لو كان عيل تافه ومستهتر زي دة.

قذف بكلماته بوجهها وخرج بخطوات غاضبة ليتركها تجهش بالبكاء وتنهض بوهن للحوض وتلتقط من جديد تلك العبوة التي أعطاها لها وتدسها بجيب فستانها وما أن استطاعت تنظيم أنفاسها فتحت صنبور المياه ونثرت بعض من قطرات المياه على وجهها وهي تفكر جديًا بوضع حل لمعضلتها تلك وبعد عدة دقائق استعادت بهم ذاتها وعدلت من هيأتها استمعت لطرقات خافتة على باب المرحاض تهتف بإسمها بصوت عز الذي قلق عليها حين تأخرت عليه لتقترب من الباب وتقوم بفتحه وما أن رآها قال بلهفة وخوف وهو يرى جرح جبهتها الذي يقطر دمً: ماهي أيه اللي حصل راسك بتنزف.

أبتسمت له ماهي ببهوت وقالت وهي تدعي الثبات كي لا تثير شكوكه: محصلش حاجة أنا كنت دايخة شوية من الشرب وأتخبطت في الباب.

أومأ لها وسحبها إلى الداخل مرة آخرى وجذب أحد المحارم الورقية وظل يمسح قطرات الدم بخفة حتى لا يألمها لترفع هي نظراتها تتمعن به عن قرب وضميرها ينهش بها ليلتقط هو نظراتها ويبتسم بسمة هادئة أشعرتها بالراحة وجعلتها تتجول بعيناها أكثر بغابات الزيتون خاصته ليمرر يده بخصلاتها ويقول بلطف: أنتِ كويسة.

لا تعلم لمَ نفت برأسها وأرادت أن تجهش بالبكاء مرة آخرى وإن تعترف له بكل شيء ولكنه أغمضت عيناها بقوة بعدها تحاول أن تطرد تلك الأفكار التي سوف تتسبب بهلاكها على يد
وليد ليستأنف هو بعدما شعر أنها ليست على ما يرام: تحبي نروُح البيت
هزت رأسها بنعم وتقدمت عنه ليغادرو المكان تحت نظرات ذلك اللعين الذي تعمد أن يتوارى عن أنظار عز حتى لا ينكشف أمره.

كانت هي تستلقي على فراش المشفى كالموتى دون أي مظاهر للحياه، بعيون فارغة ينهمر منها الدمع دون أنقطاع وكأنه ينبوع حزن لا ينفذ، و وجه شاحب هربت منه الدماء.

وشعر مشعث لم تقم بتصفيفه ربما لعدة أيام فمنذ ما حدث أصابها أنهيار تام حتى الطعام أمتنعت عنه مما أضطر الأطباء أن يعوضوا بالكثير من المحاليل الوريدية التي تحتوي على فيتامينات بديلة للطعام، ومنذ هذا الحين لم تتفوه ببنت شفة مع أي أحد سوى يعقوب ولم تستجيب لمحاولات الطبيب النفسي بأي شكل من الأشكال ورفضت معاينته بشدة وكأنها فقدت مع صاحب بئر العسل كل سبل الراحة وشغف للحياة، آما عن.

شكري فكان يجلس بزاوية غرفتها منذ عدة ساعات مطرق الرأس لم يعرف من أين يبدء الحديث وهو يشاهد هيأتها تلك بتقريع ضمير فهى بالأخير أبنته ولكن ليس بيده شيء فهو قليل الحيلة ومسلوب الأرادة أمام وليد وتهديداته وهو ليس على استعداد أن يخسر كل ما سعى اليه الآن، ليتنهد بآسى ويقترب منها ويجلس بجانبها على الفراش ويقول وهو يربت على يدها بحسرة: بلاش تعملي فيا كده وتعاقبيني بسكوتك.

ظلت على حالتها الجامدة دون أن تعير رجائه أي أهتمام
ليستأنف شكري بندم وبنبرة ممزقة: حقك عليا، أنا السبب مكنش لازم أفرض عليكِ جوازك منه، ليضيف بقلة حيلة: بس كان غصب عني لازم أوافقه وليد متهور وكان ممكن يهدم كل اللي بقالي سنين ببني فيه.

فرت دمعاتها الحارقة على وجنتها وكأنها تكويها بنارها تلك النار التي أندلعت بداخلها من عذره، عذره الذي أكثر قبح من ذنبه لترشقه بنظرة لوم طويلة تحمل بطياتها الكثير من الألم وتزيح برأسها بعيدًا وكأن رؤيته تشعرها بالغثيان
ليبرر من جديد بعدما أوجعته نظرتها وأشعرته بفداحة فعلته: بس مش ده السبب بس لأ أنا وافقت كمان علشان هو بيحبك وكفاية أنو أبن عمتك ومتربي معاكِ.

تعالت شهقاتها وأرادت لو أن تصرخ بوجهه وتخبره حقيقة ذلك اللعين وبما فعله ولكن لم تستطيع فهى تشعر بعدم الرغبة حتى بفتح فمها والأفراج عن بعض الكلمات التي تعبر عن مدى بؤسها واستيائها منه ومن جحوده.

لتضم ساقيها وتنكمش وتغمض عيناها بأنهاك وكأن عقلها يرفض كل شيء ويعلن هروبه ليتركها شكري بيأس ويخرج من الغرفة وهو يشعر بالخزي من نفسه عندما رآى يعقوب ينتظره أمام باب الغرفة بملامح متجهمة بشدة، بينما زفر يعقوب بضيق من رؤيته ودون أن يعطي له أي أهمية كان يتوجه نحو باب الغرفة بغرض الأطمأنان عليها فهو كان معترض على حضور عمه للمشفى حتى لا يزيد عليها الأمر بإنحيازه ل وليد وجحوده نحوها الذي يكاد يصيبه هو ذاته بالجنون.

ليمسكه شكري من ذراعه يمنعه ويقول معاتبًا: أنا ابوها يا يعقوب وخوفك من وجودي معاها دة مش مبرر أنا لا يمكن أأذيها
أرتفع جانب فم يعقوب بسخرية مريرة وقال بإنفعال: وهو أنت كدة مأذتهاش يا شكري بيه يا أنصاري
بنتك مرمية جوة شبه الجثة بسبب الحقير اللي أنت عايز تجوزهالو علشان مصلحتك وتحمي نفسك من شره.

تحاشى شكري أن ينظر له وقال بسلبية استفزت يعقوب وكأنه مازال مصمم على جحوده: هي أعصابها تعبانة مش اكتر والدكتور طمني وبعدين وليد مش وحش كدة زي ما أنت فاكر
نفض يعقوب يد شكري التي تقبض على ذراعه بإنفعال وقال بنبرة متقززة: أنا بجد بندم على كل دقيقة أحترمتك فيها.

ليستأنف بعدما مرر يده على وجهه بعصبية مفرطة وبنبرة قاطعة كحد السكين: وعلشان يبقى عندك علم أنا عمري ما هسمحلك تتحكم فيها تاني ولا تفرض عليها حاجة غير على جثتي ولو الحقير دة فكر بس يتعرضلها تاني هقتله ومش هتردد ثانية.

لينظرله شكري بذهول فهو لأول مرة يرى يعقوب بذلك الإنفعال فطالما كان هادئ ومتزن وحديثه في أضيق الحدود لكن الآن الأمر تعدى كافة توقعاته قطع سيل أفكاره صوت الباب القوي الذي أغلق لتوه بوجهه بعد دخول يعقوب غرفتها، ليزفر بضيق ويغادر تحت نظرات أفراد الحراسة التي لم تتحرك إنش منذ تكليف يعقوب لهم بذلك لحمايتها.

زفر يعقوب بقوة بعد أغلاقه للباب وما أن سقطت عينه على فراشها الخاوي تجمدت كافة أوصاله بقلق ليجول الغرفة يبحث بعينه عنها وما أن رآى باب المرحاض مغلق تنهد بأرتياح وجلس ينتظرها ظنًا منه أنها بالداخل، إلى أن تعالى رنين هاتفه ليتناوله ويجيب وما أن استمع للطرف الآخر أغمض عينه بقوة وأخذ يلعن تحت أنفاسه فبعد بحث دام كثيرًا أعلموه رجاله أن لا يوجد ل يوسف أي أثر ولم يعثروا حتى على جثته.

ليغلق الهاتف وهو ينعي حظ ذلك المسكين الذي لا ذنب له.

ويمرر يده بخصلاته الفحمية وهو يحمد ربه أنه لم يبعث بها الأمل من جديد، و إن كاد يغادر إلى أن تنتهي وتخرج من المرحاض لولآ أنه لفحه الهواء المنبعث من الشرفة الذي لم ينتبه لها في بادئة الأمر ليلعن ويتقدم كي يغلقها لتتجمد كافة أطرافه وهو يقترب وتسقط عيناه الثاقبة عليها تجلس على سور الشرفة وتنظر للسماء بعيون تائهة و ذابلة تنهمر منها الدمع و بملامح باهتة للغاية فاقدة للمعة الحياه، ليقترب منها يعقوب بخطوات حسيسة متوجسة ويتمتم بخوف من رد فعلها: لين بتعملي أيه؟

أنزلي وبلاش جنان
أنزلت نظراتها اليه وأبتسمت بسمة مريبة وقالت بنبرة ممزقة وهي تأشر بأصباعها إلى السماء: شايف النجوم اللي فوق دي كنت بمسكها بأيدي وأنا معاه، حبه كان بيرفعني لحدود السما يا يعقوب وبيحسسني إني طايرة بسلام حرة في سماه، لتصمت لبرهة وتستأنف بنبرة ممزقة ملتاعة نابعة من صميم قلبها: وحشني أوي يا يعقوب ووحشني أحساسي بيه جنبي
علشان كدة عايزة أروحله وأبقى معاه.

تفوهت بأخر جملة وهي تحاول أن تقف على سور الشرفة مما جعل يعقوب يهرول بسرعة بديهية ويجذبها بقوة من خصرها ليمنعها لترفس هي بساقيها بالهواء وتضرب ذراعيه بأعتراض وتصرخ بإنهيار تام من بين شهقاتها: سبني، أنا مش عايزة أعيش أنا عايزة ابقى مع يوسف أنا بكرهم كلهم هما السبب
حرموني منه واستكتروا عليا السعادة علشان طمعهم.

ليشدد يعقوب على ذراعيه أكثر التي تحاوط خصرها ويحاول أن يهدئها قائلًا وهو يضعها بالفراش بالقوة: مش هسيبك وهفضل معاكِ يا لين لغاية لما تعقلي
هزت رأسها بهستيرية ووضعت يدها على أذنها كي لا تستمع له ولا تجعله يأثر على قرارها فهى قد سأمت تلك الحياه ولم يعد لديها طاقة ولا جهد للتحمل أكثر.

ليستأنف يعقوب بتوسل وهو يسحب يدها من على أذنها كي يصل رجاءه لها: اوعديني أنك متعمليش كدة علشان خاطري متضعفيش وتسبيني لوحدي
هزت رأسها بعدم أقتناع وقالت وهي تدفعه و تحاول النهوض مرة آخرى: أنا تعبت يا يعقوب ومش قادرة أستحمل واللي وجعني إني كتير كنت بقوله هجاهد علشان حبك بس أنا طلعت جبانة ومعرفتش أحميه
كانت تتفوه بكل كلمة بنبرة حارقة ممزقة من بين شهقاتها مما جعله لم يتحمل أن يراها بتلك الحالة.

ليسحبها بقوة من ذراعيها ويدفنها بين ضلوعه ويقول ودمعاته تفر من عيناه حسرتًا وتأثرًا لما توصلت له حالتها: أنا عارف أنك تعبتي بس أنتِ قوية ومش لين الأنصاري اللي تستسلم بالسهولة دي، وطالما انتِ وعدتيه بدة يبقى لازم تنفذي وعدك وتجاهدي وتخدي حقه من الحقير اللي حرمك منه.

خرجت من أحضانه بعيون ذابلة من كثرة البكاء بعدما أقتنعت قليلًا بحديثه وغمغمت بنبرة ضعيفة: أنا أضعف مما تتخيل من غيره وحبه هو اللي كان مقويني، موت يوسف كسرني، مش هعرف لوحدي أعمل حاجة؟
أبتسم يعقوب وكوب وجنتها بيده وقال بنبرة حنونة كي يطمأنها: أنا معاكِ وهفضل جنبك لأخر يوم في عمري و والله هخدلك حقك و حقه منه ولو عيزاني أروح أموته دلوقتي مش هتأخر.

نفت بشدة برأسها ليستأنف وهو يمسح عبراتها بأنامله: يبقى لازم نفكر قبليها ألف مرة هنعمل أيه ولازم تسمعي كلامي وأنا أوعدك هفضل في ظهرك وعمري ما هسيبك
أومأت له بضعف ليسترسل هو ويملي عليها ما يتوجب عليهم فعله لكي يثأرو من ذلك الحقير وليد.

عودة آخرى إلى أرض الوطن وخاصةً عند تلك المتمردة صاحبة القلب المدمي بسبب سذاجتها وتفكيرها السطحي.

فطالما كان لقرارات قلبها السُلطة الكاملة عليها وخلق أعذار واهية له لتبرر أفعاله أفعاله تلك التي ما أن جاءت على خاطرها الآن تجعلها تلعنه وتلعن ما توصلت له بسببه وكأنها كانت مغيبة من قبل أو أن قد أنتهى تأثير تلك التعويذة الشيطانية التي أطلقها عليها ذلك المقيت سابقًا، ترى بعد كل ماحدث كان عقاب كافي لها آم تستحق المزيد من أجل غفواتها ويصبح ذلك اليوم عبرة لها لتتعظ به للباقي من حياتها.

بعد تفكير دام كثيرًا غفت دون قصد وهي تسند رأسها على ذلك الحائط الرطب لتنتفض بعد عدة دقائق من غفوتها القصيرة على ركلة قوية بساقيها جعلتها تفتح عيناها بذعر وتنكمش أكثر على ذاتها عندما وجدت ثلاث نساء بدينات يقفوا أمامها ويكسو الإجرام ملامح وجوههم
لتهمهم بنبرة مهزوزة من شدة رعبها: أنتوا وقفين ليه كدة عايزين أيه مني أنا معملتش حاجة...

جذبتها واحدة منهم بالقوة من ذراعها كي تنهضها وقالت بوعيد أمام وجهها: أنتِ متوصي عليكِ من الظابط شريف يا روح أمك ولازم نعمل معاكِ الواجب ونرحب بيكِ تمام
أبتلعت حلا غصة مريرة بحلقها ونفت برأسها وقالت بسذاجتها المعهودة: مش عايزة حد يرحب بيا سبوني في حالي أنا معملتش حاجة
لتطلق أحداهم ضحكة صاخبة وتضيف: لأ عيب دي تبقى عيبة في حقنا ومنقدرش نكسر أوامر ل شريف بيه.

لتقاطعهم الثالثة بشر وهي تدفع حلا بقوة للخلف كي توقعها مستخدمة قدمها بحركة معاكسة جعلتها تشهق بقوة وهي تتعثر بالفعل وترتطم بتلك الأرض الصلبة والباردة كتلك الليلة البائسة التي لاتريد أن تنتهي إلا أن تقضي عليها: أنتوا لسة هتتكلموا معاها خلينا نشوف شغلنا أحسن.

لينقضوا ثلاثتهم عليها مستغلين وقوعها بلأرض ويتناوبوا على ضربها بضربات موجعة جعلت حلا تصرخ وتستغيث و تحاول جاهدة الدفاع عن ذاتها لكن دون جدوى فكانوا يفوقوها في القوة مما جعل كافة قواها تخور وتستسلم لما سيحل بها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة