قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الحادي والثلاثون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الحادي والثلاثون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الحادي والثلاثون

إذا اكتشتف أن كل الأبواب مُغلقه وأن الرجاء لا أمل فيه وإن مَن أحببت يوماً قد أغلق مَفاتيح قلبه. وألقاها في سراديب النسيان! هنا فقط أقول لك. إن كرامتك أهم بكثير مِن قلبك الجريح. حتى وإن غطّت دِماؤه سماء هذا الكون الفسيح. فلن يفيد أن تنادي حبيباً لا يسمعك. وأن تسكن بيتاً لم يعد يعرفك أحد فيه. وأن تعيش على ذكرى إنسان فرّط.

أشرقت شمس يوم جديد تعلن بداية جديدة لتلك التي رمشت بأهدابها الكثيفة عدة مرات ثم أفرجت عن حبات القهوة خاصتها لترى والدتها تجلس بجانب فراشها على أحد المقاعد وتحمل بيدها كتاب الله العزير تتلو منه بصوت هادء خفيض بث بها الراحة، لتعتدل بجلستها وهي تنظر لها مما جعل فريدة تصدق على كلمات الله وتنظر لها وتقول بحنان:
صباح الخير يا قلب فريدة.

أبتسمت لين ببهوت وبادلتها تحيتها لتستأنف فريدة وهي تجلس بجانبها وتربت على يدها بحنو: كان مالك يا بنتي قلقتيني عليكِ
شردت لوهلة تتذكر عند عودتها بلأمس فهي لم تتحدث بتاتًا مع أي أحد وتجاهلت أسألتهم وقلقهم عليها ودلفت لغرفتها وظلت تبكي دون أنقطاع حتى انها سقطت في سبات عميق بعدها ولم تستفيق سوى الآن، أرتمت بأحضان والدتها وقالت بضيق شديد: أنا محتجاكِ جنبي يا ماما علشان خاطري متسبنيش أنتِ كمان زيهم.

شعرت فريدة بريبة شديدة من حديث أبنتها ولكنها لن تضغط عليها أكثر بأسئلتها بل دثرتها بين أحضانها بقوة وظلت تربت على ظهرها تزامنًا مع دخول ميان التي صاحت بخفة أول ما شاهدتهم:
والله عال مقضينها حب وبوس واحضان ونسيني هو بنت البطة السودة ولا لازم أعيط شوية زيها
تعلقت عين لين عليها وهدرت بإندفاع لم يكن ابدًا من عادتها وبنبرة متألمة نابعة من صميم قلبها الممزق:.

وفيها ايه يعني ما انتِ بقالك سنين جنبها ولا أنتِ عايزة تاخدي كل حاجة مني
قولها ذلك لجم الجميع حتى مارسيل التي دخلت لتوها واستمعت لحديثها ثواني معدودة تناوبوا النظرات بينهم بحيرة بينما أحتل الألم عين فريدة وهي تتمعن بوجه أبنتها وشعورها بمدى هشاشتها وأحتياجها لها فلابد أنها ذاقت بعيد عنها الكثير، ليكسر ذلك الصمت الكئيب قول ميان بصدمة عارمة من رد فعلها الغير متوقع:.

أنا مقصدتش حاجة يا لين أنا بهزر وبعدين أنا مأخدتش منك حاجة
أبتسمت لين بمرارة على قولها وكادت تصرخ بها وتخبرها أنها أخذته هو أمانها الوحيد و سبيلها لعنان السماء ولكنها أطرقت برأسها فهي تعلم ان اختها لا علم لها بما كان يربطها به سابقًا لتتدخل مارسيل بعقلانية:
محصلش حاجة يا بنات متكبروش الموضوع وبعدين ميان بتحب تهزر وساعات هزارها بيبقى بايخ متزعليش يا لين.

تنهدت لين بضيف وأخذت تعتصر عيناها الذابلة بندم على تسرعها وقالت معتذرة: وأنا كمان مقصدتش حاجة انا اسفة، أعذروني انا متوترة علشان رجوعي لأمي ولسة ما أخدتش على أطباعكم ولا حياتكم
تنهدت فريدة بحسرة على حال أبنتها وفرت دمعة حارقة من عيناها ودثرتها من جديد بأحضانها وهي تقول بحنو شديد: عاذرينك يا بنتي وكلنا جنبك ومفيش فينا حد يقدر يزعل منك ومن هنا ورايح هتشاركينا كل حاجة.

لتقفز ميان على الفراش وتنضم لهم وتصيح بحماس وهي تحتضنها أيضًا: بقولك ايه أنا مش بحب الدراما الله يخليكِ قومي كدة فرفشي وأنا اوعدك هاخدك معايا فكل حتة
لتؤكد مارسيل التي أنضمت إلى عناقهم: أيوة و من بكرة تنزلي الشغل معايا في شركة السياحة
لتقاطعها ميان وهي ترفع عيناها براحة: الحمد لله لقيت حد يشيل عني هم الشغل
لتشاكسها مارسيل: دة على أساس أنك بتشتغلي أوي دة أنتِ مجنناني يوم تيجي وعشرة لأ.

لترد ميان وهي تضع يدها بخصرها: الله براحتي مش عروسة ولازم أحضر لفرحي
انقبض قلب لين بقوة وابتلعت غصة مريرة بحلقها و كادت تصرخ تطلب منها ان ترأف بها لولآ أن قول فريدة منعها:
خلااااص كفاية مناقرة ويلا كل واحدة فيكم على شغلها ومتتأخروش علشان نجية عازمانة على الغدا
شهقت ميان بفرحة وقالت بحماس: بجد يا ماما هنروح بيت المُز بتاعي كلنا.

أومأت لها فريدة وقالت بحماس مشابه غافلة عن تلك التي تحتضر بجانبهم: أيوة بجد كلمتني و أصرت عليا الصبح علشان عايزة ترحب ب لين وتباركلي على رجوعها لحضني، قالت آخر جملة وهي تدسها أكثر بأحضانها مما جعل ميان تقول بعفوية: كويس علشان أقدر أقنع يوسف ياخد أجازة ونسافر نغير جو علشان كمان نفسح لين ، وبالمرة أسلط حلا عليه دي سرها باتع في الزن.

لتبسم فريدة وتهز رأسها بلافائدة من طريقة أبنتها بينما عقبت مارسيل: فكرة حلوة اوي فعلًا أحنا محتاجين نغير جو وفرصة ان لين تفك شوية وتاخد علينا
أومأت فريدة بأقتناع بينما ظلت لين عيناها زائغة بتيه بينهم فهم غافلين أنها لن تنجو إن حدث ذلك ورأته برفقة ميان، لتحثهم فريدة من جديد أن يغادرو.

وإن خرجو أعترضت لين برفض قاطع وهي تخرج من حضن والدتها: ماما أنا مش عايزة أروح في حتة ومش عايزة أخرج من البيت علشان خاطري متضغطيش عليا.

تنهدت فريدة بحزن وقالت بنبرة متألمة لأبعد حد ذاقت الويلات أثناء فراق فلذة قلبها: ليه يا بنتي علشان خاطري متكسفيش البنات دول عايزينك تتندمجي معاهم، علشان خاطري يا لين بلاش تحسسيني بالذنب أكتر من كدة كفاية السنين اللي كنت بتعذب فيها وانتِ بعيد عني، والله يا بنتي مفيش لقمة كانت بتدخل جوفي غير لما أفكر فيكِ واقعد أسأل مين بيراعيكِ في غيابي، عمري ما حطيت راسي على المخدة وارتحت وانتِ بعيدة عني، كنت بقعد أعيط بالساعات كل ليلة لغاية ما دموعي كانت قربت تنشف من حزني على فراقك، لتشهق بحرقة وتستأنف برجاء: بلاش يا بنتي تعذبيني و تخليني أشوفك مكسورة كدة والحزن مالي عينك.

كانت تتحدث بآسى شديد ومع كل كلمة تذرف دمعة حارقة نابعة من صميم قلبها الذي ذاق القهر خلال سنوات بعيد عنها، لتجهش لين هي الآخرى بالبكاء وتقول بنبرة متقطعة بعدما حسمت أمر المواجهة: مفيش كسرة يا ماما أنا هبقى قوية بيكِ ومفيش حاجة هتكسرني تاني وأنتِ جنبي وحاضر هسمع كلامك
مررت فريدة اناملها تمسح عبرات أبنتها وقالت بحنان شديد وهي تربت على ظهرها:
ربنا يخليكِ ليا وميحرمنيش منك تاني يا بنتي.

لتبتسم لين بحنو وتقول فريدة وهي تمسح وجهها هي أيضًا وتستعد للنهوض: يلا قومي علشان نفطر ونلحق نروح بيت نجية والبنات هيبقوا يحصلونا
أومأت لين مضطرة فكيف ترفض بعد حديث والدتها ذلك، ولكنها تسألت بتوجس وفضول يكاد يتأكلها، فإذا كان هو لا يريد ان يعطيها إجابة وافية فإذًا ستحصل عليها بطريقة آخرى كي تقتنع وتكف عن الشك بنواياه نحو أختها: ماما هي ميان مخطوبة من قد أيه؟

تطلعت فريدة بوجهها لمدة ثانية واحدةثم استرسلت بكل أريحية: من كذا شهر
لتفرك لين اناملها بتوتر وتتسأل من جديد بعيون زائغة: عرفوا بعض ازاي، لتتلعثم وكأن ما تود أن تعلمه
سيقتلها أن كان بمحله: يعني كانوا بيحبو بعض
تنهدت فريدة وقالت موضحة: إسماعيل صاحبه وجوز أخته هو اللي ماسك المعرض بتاع العربيات بتاعنا و هو شافها كذا مرة.

في زيارتنا لبعض أصل أهله ناس طيبة أوي تدخل القلب وبصراحة الولد محترم وعمرنا ما شُفنا منه حاجة وِحشة
والواضح أنوا بيحبها
وهي
هتفت بها بإندفاع دون تفكير مما جعل فريدة تقول وهي تتمعن بوجهها تحاول سبر أغوارها:
هي مجنونة زي ما انتِ شايفة ومجنناه معاها بتصرفتها، ربنا يهديها ويهنيهم
أومأت لين ببسمة باهتة متألمة لم تصل لعيناها.

لاحظتها فريدة وشعرت بريبة نحوها ولكنها لن تتحامل عليها ستتركها هي من تخبرها ما حل بها من الأمس لتتنهد بعمق وتغادر غرفتها وهي تدعوا ربها بسرها أن يكون حدثها ليس بمحله، لتترك لين التي قررت في صميم نفسها أن تستمع لنصيحته بتقبل الأمر ولا تخرب حياة أختها فهي قد عاشت سنوات من دونه وتستطيع الصمود أكثر تعلم ان الله سيوفقها ويمنحها القوة اللازمة لتخطي الأمر ويكفي وجودها بجانب والدتها غافلة عن كونه يسري بشريانها سريان الدماء ولن تتمكن التخلص من عشقه سوى بمماتها.

آما عنه كان يجلس بمكتبه بشرود تام وبإرهاق بدى واضح على معالم وجهه فهو مُنذ الأمس ولم تذق عينه الراحة قط وظل يتذكر مرارًا وتكرارًا ما حدث أثناء زيارتها له، زفر بضيق وهو يفرك وجهه بخزي من نفسه قبل كل شيء ومن مشاعره الدفينة التي ظهرت من جديد، فكم كان يظن أن بإمكانه الصمود أمامها للأخير ولكن خابت كافة ظنونه عندما سقطت أمام عينه مغشي عليها، ليعود بذاكرته لتلك الدقائق المعدودة التي تغيب بها عقله.

Flash Pack
فهو ظل يتتبعها بعينه إلى ان سقطت فاقدة الوعي وحينها يقسم انه لم يشعر بذاته إلا وهو يركض إليها ويحملها بين يديه.

ويتوجه بها لأحد الغرف المجاورة، وعندما مددها على الأريكة صرخ ب ماهيتاب التي كانت ترافقه من بادئة الأمر ان تجلب لها طبيب ليعاينها لتهرول من أمامه ويظل هو مجثي على ركبتيه بجانبها يتأمل وجهه بعيون تفضح مكنونتها التي كان يغفل انه مازال محتفظ بها ليهمس بألم أمام ملامحها الغافية بإستسلام وكأنه لم يقوى على معاتبتها أثناء وعيها:.

أنا عارف إني قسيت عليكِ بس صدقيني دة ميجيش واحد في المية من اللي حسيت بيه لما شوفتك مع غيري، أنا كنت بحلم باليوم دة، اللي ترجعي فيه وتلاقيني مع غيرك وكان نفسي أشوف كسرتك دي بعيني وأتشفى فيكِ، فرت دمعة من عيناها أثناء إغمائها وكأنها تستمع له ليختنق صوته ويستأنف بخزي من نفسه وهو يمرر أنامله على وجهها يزيح دمعاتها: بس أتضح إني بعاقب نفسي مش بعاقبك أنتِ.

لترتجف نبرته وتزوغ نظراته ويستأنف بمرارة مازال يتذوقها بجوفه إلى الأن: ياريتك ما رجعتي؟
أنا عندي أموت ولا إني أحن ليكِ تاني، لينهض بشموخ و بكبرياء وكأنه استفاق من غفوة عقله الآن ويخاطبها كأنها تجلس أمامه وتستمع له غافل عن كونها بعالم آخر: مش هيحصل يا لين عمري ما هحن ليكِ ولا هضعف أنا هكمل حياتي مع اللي أختارتها قبل حتى ما أعرف انها أختك.

ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يرشقها بعسليتاه التي استرجعت برودها من جديد.

وغادر الغرفة تزامنًا مع ماهيتاب التي أحضرت الطبيب لتوها ليعاينها ويطمأنهم وبالفعل قام بفحصها وأخبرها أنها حالة إغماء عابرة لا تستدعي القلق، آما هو فقد توجه إلى مكتبه وهو يشعر بالدماء تتدفق إلى رأسه من شدة غضبه من ذاته وعند دلوفه بداخله أخذ يكسر ويطيح بكل شيء كَالثور الهائج حتى انه حطم زجاج مكتبه وأدمى يديه تزامنًا مع دخول إسماعيل الذي يقسم أنه بعمره كله لم يشاهد يوسف على تلك الحالة النادرة، ليمنعه من أيذاء نفسه أكثر ويكبل ذراعيه وهو يحتضنه من الخلف كي يهدئه ويصرخ به ويحثه أن يكف عن عصبيته، وبعد عدة دقائق استعاد يوسف بها ذاته أصطحبه إسماعيل لخارج الشركة.

End Flash Pack
أنتشله من شروده صوت رنين هاتفه الذي ما أن أجاب اتاه صوت والدته من الطرف الأخر: صباح الخير يا حبيبي أنت نزلت بدري أوي ليه كدة؟
رد تحية الصباح وقال بثبات: مكنش جايلي نوم ونزلت بعد أذان الفجر
لتتنهد نجية وتقول بتفهم فهي تشعر ان أبنها ليس بخير ويوجد شيء يشغله: ربنا يريح بالك يا حبيبي
أنا كنت بتصل علشان أقولك أننا عازمين فريدة والبنات عندنا على الغدا ياريت متتأخرش.

أبتلع غصة مريرة بحلقه فهو لايريد ان يحتك بها ولا أن يراها فيكفي ما حدث بلأمس: انا عندي شغل ياماما ومش هقدر أتغدا معاكم، أعتذري بالنيابة عني أنا عشر دقايق وهخرج من الشركة في ورق مهم نسيته في البيت لازم اجيبه ومضطر أرجع تاني علشان عندي اجتماع مهم
لتعترض نجية: يابني بس كدة ميان هتزعل
ليزفر بضيق ويرد بإنفعال: لأ مش هتزعل وأنا هبقى أفهمها وأعوضها عن النهاردة.

لتتنهد نجية بيأس من إقناعه وتقول بإستسلام لرغبته: خلاص يا بني اللي يريحك
ليغلق معها وهو يقسم أنه لن يتخلى عن موقفه نحوها مدى الدهر ولن يسقط ببئر خديعة تلك التي يظنها ماكرة من جديد، غافل أن للقلب دائمًا قرارات خاصة به لا تمت للعقل ولا المنطق بِصلة.

خرجت مع والدتها وهي تدعو الله أن يمنحها القوة اللازمة لمواجهة الأمر، وعند وصولهم على أعتاب منزله شعرت بأولفه غريبة عندما رحبت بهم نجية بحفاوة شديدة ودعتهم للداخل بينما ظلت هي تتمعن ب نجية بنظرات حانية فكم تمنت أن تقابل والدته في السابق ولكن دائمًا القدر يسخر منها فقد تتحققت أمنيتها ولكن بعد فوات الآوان فلم يعد هائمها بعد الآن واصبح يخص فتاه آخرى التي لسوء حظها المعتاد أختها، لاحظت نجية نظراتها وشرودها المستديم لتقول بود شديد موجهة حديثها ل فريدة التي تجاورها على أحد مقاعد الصالون الضخمة: بسم الله ما شاء الله يا فريدة بنتك زي القمر وشكلها هادي وعاقل ربنا يخليهالك.

لترد فريدة بود مماثل وهي تربت على ساق لين بحنان: الحمد لله يا نجية ربنا عوض صبري خير ورجعها ليا بالسلامة.

لتبتسم لين بسمة باهتة لم تصل لعيناها وظلت على سكونها وهي تجلس بينهم وظلت عيناها معلقة على باب الغرفة بترقب طول الوقت وهي تدعو الله بسرها أن لا تراه ويمر الأمر بسلام فلم يعد لديها طاقة لتحمل أهانته مرة آخرى، آما عنهم فقد تشاركوا العديد من الأحاديث الودودة التي شاركتهم هي بها ولكن على استحياء منها، وبعد عدة دقائق دخلت حلا وهي تحمل الصغير بيدها وما ان سقطت عيناها عليها قالت بتفاجئ: مش معقول أنتِ.

أبتسمت لين بإتساع وحيتها ببسمة واسعة عندما شاهدت الصغير بين يدها فهي أدركت الآن، لماذا تشبه رائحة ذلك الصغير رائحة هائمها فهو ابن شقيقته لتهمهم بعد عدة احاديث و مجاملات بينهم وهي تتناول الصغير من يدها وتلاعبه: اهلًا يا صغنن
قهقه الصغير بين يدها مما جعل حلا تزفر براحة وتقول: طب الحمد لله أني لقيت حد يقعد بيك عقبال ما أخلص اللي ورايا
لترحب لين: لو تحبي ممكن أساعدك.

نفت حلا برأسها وقالت بترجي: لأ انا بس عايزاكِ متسبيش يوسف هو شكله حبك
زاغت نظراتها وأبتلعت ريقها ببطء لسماع أسمه ونطقته بتوتر شديد: يوسف!
أه الصغنن دة أسمه يوسف على أسم خاله.

تنهدت بإرتياحٍ و أومأت لها بتفهم وقبلت الصغير من وجنته لتتركها حلا وتذهب لتباشر أمور الطعام تاركتها تحمد ربها كون بعث لها ذلك الصغير كي يلهيها قليلًا، آما فريدة و نجية ظلوا منشغلين بالثرثرة بالعديد من الأمور، لتستمتع هي برفقة الصغير وتلهوا معه وتقهقه على براءته عندما كان يركض بخطوات متعثرة بعيد عنها ويهمهم بحروف بالكاد تفهم وكأنه يعرف طريقه لتتبعه هي دون أنتباه كونها الآن بداخل غرفة هائمها، طافت المكان حولها بتيه تام وهي تشعر أن رائحته تتسلل إلى أنفها بطريقة جعلتها تود الفرار من هنا حتى أنها كادت تنحني وتجذب الصغير الذي بدوره فتح أحد الأدراج وأخذ يعبث بداخلها، لوهلة شعرت انها قوية و وجودها هنا لا يؤثر بها حتى انها حملت الصغير بالفعل الذي لم يعجبه الأمر وإن كادت تصل لباب الغرفة توقفت قدماها عن العمل وتيبسوا بقوة وكأنهم يعصوا قرارها مثلهم مثل قلبها الذي يطرق ويكاد يحطم ضلوعها، لتنزل الصغير و دون وعي تراجعت بخطوات مهتزة و هي تتمعن بكل محتويات الغرفة فيبدو أن للقلب دائمًا قراراته الخاصة به التي طالما تكون بعيدة كل البعد عن المنطق، لتحين منها بسمة متألمة لأبعد حد وهي تتلمس بيدها كل ما يقع نظرها عليه بدءٍ من فرشاة شعره وعطره الفواح و ملابسه المعلقة التي لم تصمد أمامها ودفنت وجهها بها تستنشق عبقه الأخاذ بإنتشاء تام وكأنها حصلت لتوها على ذلك الدفء الذي حرمها هو منه بكامل ارادته، وضعت قبلة على أحد قمصانه البيضاء المعلقة وتراجعت عدة خطوات تتأمل صورته الباسمة الموضوعة أعلى الكومود بجانب الفراش لتحملها بأيدي مرتعشة وتمرر أناملها عليها وكأنها تعاتبه ولكن عتاب صامت يدمي القلب، جلست على طرف فراشه وصورته التي تهيم بها مازالت بيدها، لم تشعر بأي شيء وكأنها مغيبة بعالم آخر حتى انها لم تشعر بدخوله للغرفة إلا حينما قال بصوته الرخيم الذي طالما بث بها السَكينة مسبقًا على عكس الآن جعلها تنتفض بقوة وتسقط ما بيدها: بتعملي أيه هنا؟

تسارعت أنفاسها من شدة توترها وقالت بتلعثم وهي تتحاشى النظر له وتجثو تجلب الصورة تضعها بمكانها:
أنا كنت، أصل يوسف الصغير، كان بيلعب
و...
شششششش خلاااااااص خُديه واطلعي مش عايز وجع دماغ
هتف بها بنفاذ صبر وهو يواليها ظهره ويذهب إلى الطاولة القريبة يتناول من عليها الملف خاصته.

لترفع هي نظراتها المشتعلة إلى ظهره فمن هذا تكاد لا تتعرف عليه وكيف أصبح لايطاق لهذا الحد، أهو حقًا لا يطيق رؤيتها و هل وصل بها الحال أن تكون مثيرة للشفقة أمامه ويستخف بها، لا هي لن تستسلم بعد ولن تكون تلك المنكسرة الضعيفة التي يطمح ان يراها لتحاول جذب الصغير كي تخرج من غرفته ولكن الصغير كان منشغل باللعب بأحد أغراضه ولم ينصاع لها لتتنهد بعمق وكأنها تحفز نفسها للقادم وتقول بثبات أجادته للغاية وهي تخطوا نحو باب الغرفة:.

انا احترمت رغبتك بس دة ميدكش الحق تبقى قليل الذوق معايا ومش هسمحلك تتعدى حدودك
وضع ذراعه العريض يسد سبيل خروجها الوحيد بعدما استفزه حديثها وتهكم مهسهسًا وهو يرفع حاجبيه بمكر:
أحترمتي رغبتي لدرجة إني رجعت لقيتك في أوضة نومي وقاعدة مستنياني على سريري، مش كدة.

شهقت هي بتفاجئ من وقاحته الغير مسبوقة ورفعت يدها تنوي صفعه لولآ يده القوية التي قبضت بقوة على رسغها و لويه لها خلف ظهرها ليرتطم صدره العريض بظهرها وتلفحه خصلاتها البُنية على وجهه لتأن هي بألم وتهتف بشراسة ليست غريبة عليها:
أنت أكيد أتجننت، أبعد عني
ليقول بفحيح أمام أذنها وبأنفاسٍ غاضبة للغاية وهو يقبض بيده الآخرى على فكها ويحرك رأسها بجهته كي ترى بعيناها انه لم يعد يتأثر بها:.

إياكِ، تفكري ترفعي أيدك دي مرة تانية، وكفاية تمثيل أكتر من كدة
ألمها فكها بقوة ورفعت نظراتها المشتعلة بذهول من حديثه وقالت بصعوبة وبنبرة حادة مماثلة وهي تحاول نزع يدها من قبضته وتتلوى بشراسة كي يفلتها:
أنت بتقول أيه تمثيل أيه؟
حانت منه بسمة هازئة أرجفت كل خلية بها وهدر من بين أسنانه وهو يصوب نظراته الغاضبة داخل عيناها التي أحتلها الألم لتوها:
اوعي تفتكري إني هصدقك ولا انك تقدري تخدعيني تاني...

أبتلعت ريقها ببطء شديد وهي تتناوب نظراتها بين عينه وكأنها تبحث عن أي شيء يخصها بداخلها، فعن أي خداع يتحدث هو، لوهلة تشابكت نظراتها المعاتبة مع نظراته الغاضبة وكأنها حرب باردة بين خصمين ينوى كل منهم الفتك بلأخر كي يستمتع بإنتصاره غافلين كون أن تلك الحرب لم تخلق لأمثالهم، بل خُلقت للأعداء والحاقدين فقط ليس لقلبين لم يقَصروا بحق عشقهم وتكبدوا الكثير من التضحيات والويلات لينعموا بدفئ وسلام بعضهم وذلك ما حدث وكأنه أدرك الأمر لبضع ثواني، فقد تلاشى الغضب من عينه تتدريجيًا وهو يتأمل وجهها القريب منه وعيناها المتألمة التي تأنبه بطريقة جعلت أنفاسه تتثاقل ويشدد قبضة يده دون وعي على رسغها ويقربها أكثر لصدره، تأوهت هي بخفوت وهمست بِألم وهي تغوص ببئر عسله:.

أنت بتوجعني
لم يعير حديثها أي أهمية وكأنه لم يستمع لها من الأساس، فقد هدئت معالم وجهه تمامًا وظل يتفرس بعيناه الناعسة على وجهها وكانه مغيب بعالم آخر بعيد عن كل هذا الهراء المحيط بهم،.

ودون أي منطق أو أدني عقلانية وكأنه مسلوب الإرادة و جسده يتحرك من تلقاء نفسه أقترب بوجهه أكثر بعدما تراخت قبضته على فكها، أخذ يمرر أنفه على وجنتها وصولًا لأنفها ليتناول نفسً عميق من أنفاسها وكأنه يختنق و يستجدي الهواء من داخل رئتها، لتغمض هي عيناها بدورها عندما فرض هيمنته الطاغية عليها وجعل كافة حصونها تتهدم تحت قدميه فتقسم أن كل أنش بها يشتاق له، شعر هو بإستسلامه ومدى هشاشتها بين يده مما جعله دون قصد يضغط أكثر على معصمها و قربها منه أكثر وكأنه يريد زرعها بين أضلعه لتأن هي بألم أمام شفاهه وتهمس بأسمه تستعطفه بنبرة واهنة متقطعة من شدة تأثيره عليها:.

يو. سف، أيدي، بتوجعني
كادت شفاههم تتلاحم عندما تفوهت بأسمه بتلك الطريقة التي جعلت كل خلية.

تنتفض به وكأنها أنتشلته لتوها من غفوة عقله تلك التي كادت تودي بكل قراراته وتضرب بكل شيء عرض الحائط لينفضها عنه بتقزز وكأنها أحقر الأشياء على وجه الأرض ويمرر يده بقوة على وجهه وكأنه على حافة الجنون، بينما هي كادت تتعثر أثر فعلته ولكنها رشقته بنظرة يصرخ بها العتاب لأبعد حد وهي تدلك معصمها الذي ألمها بشدة وتصبغ لونه بالأحمرار الشديد، ليلتفت لها بعصبية ويرشقها بنظرة قاتلة ويقول بإنفعال شديد وهو يقبض على ذراعيها ويهزها بقوة أرجفت دواخلها الممزقة:.

أنتِ عايزة أيه تاني، أبعدي عني، أنا مصدقت خلصت منك ومن سِمك...
فرت دمعة حارقة من عيناها بعدم أستيعاب ونطقت بحروف صدرت منها معاتبة بحرقة أصابته بالغضب أكثر:
أنا يا يوسف
ليهدر هو بأعصاب تالفة أمام وجهها بعدما نطقت بأسمه بتلك الطريقة وهو يهزها أكثر من ذراعيها: متجبيش أسمي على لسانك تاني، ولعلمك كل اللي بتخططي ليه مش هيحصل نجوم السما أقربلك يا مدام لين الأنصاري.

تعمد التفوه بذلك اللقب كي يذكرها كونها تنتمي لشخص آخر، لتزوغ نظراتها من نعته لها بذلك اللقب وإن كادت تنطق أتاهم صوت فريدة من الردهة:
أنتِ فين يا لين؟

شهقت بخفوت وأتسعت عيناها بذعر وحثته بعيناها أن يلاحق الأمر معها فلا داعي أن يظن بهم احد ظن السوء ليزفر هو بعصبية مفرطة وحل قبضته حول ذراعيها و أبتعد لأخر الغرفة وهو يمرر يده على وجهه بحنق شديد وبخزيٍ من ذاته قبل أي شيء، لتقول فريدة ما أن لمحتهم وتناوبت نظراتها بينهم بريبة شديدة: بقالي كتير بنادي عليكِ بتعملي أيه هنا؟
تلعثمت هي بعدما شعرت بأن وجهها يشتعل من شدة الإرتباك وقلبها يكاد يهوي بين قدميها:.

ابدًا يا ماما أنا...
ليقاطعها هو بنبرة باردة بعدما تمالك ذاته وعاد لثباته المعهود وهو يحمل الصغير بيده ويقبله من وجنته:
العفريت دة هو السبب مجريها وراه في البيت كله
أومأت فريدة ببسمة عابرة وهي تشعر بشيء مريب يحدث بينهم، فهي محقة فحدث الأم قلما ما يخطء، بينما رفعت لين نظراتها إليه بإستغراب شديد وهزت رأسها تصدق على حديثه وقالت قبل أن تسبقهم لخارج الغرفة: عن أذنكم انا هساعد حلا.

وما ان غادرت تناوبت فريدة نظراتها بين أثرها وبينه ولكن هو أبتسم بدوره كي يلطف الأجواء وقال مُرحبًا:
نورتونا ياماما فريدة أنا أسف مكنتش أعرف أنكم جاين النهاردة غيرمن شوية لما كلمت ماما وللأسف انا عندي شغل ومينفعش أأجله ولازم أنزل تاني، ابقي اعتذري ل ميان بالنيابة عني
أومأت له فريدة بلطفٍ وسايرت الموقف ولكن تكاد تقسم أنه يتعمد التحجج ليفر من شيء يصعب عليها فهمه ولكنها تشعر أنه ليس بهين بتاتًا.

في المساء وعند عودتهم.

من تلك العزيمة الودودة التي انتهت على خير بعد مغادرته، ذهبت كل منهم إلى غرفتها وهي تأخذ قرار حسمي بشأن حياتها، فكانت ميان تستشيط غضبًا طوال اليوم من عدم حضوره وقررت الذهاب له بمكتبه في الغد، بينما فريدة قررت ان تتأكد من حدثها، آما عنها فقد كانت تدعي الثبات طوال الوقت كي لا تثير ريبة أحد وخصةً والدتها التي لن تزيح نظراتها عنها طوال اليوم، لتزفر أخيرًا عندما دلفت لغرفتها وتناولت هاتفها وضغطت على لوحته بعدة أرقام تحفظها عن ظهر قلب ولما لا والطرف الآخر هو يعقوب الذي رد لتوه بلهفة:.

أخيرًا أفتكرتيني وحشتيني على فكرة و وحشتني كئبتك
أبتسمت هي ببهوت وأجابته بنبرة واهنة متألمة لأبعد حد: أنا محتجاك يا يعقوب تعالى علشان خاطري مش قادرة حاسة أن روحي بتتسحب مني وأن كل اللي حواليا مستحيل يفهموني زيك
سيطر القلق على صوته وقال بتلهف: مالك يا لين فيكِ أيه؟
انتِ كنتِ هتجنني وتنزلي مصر ايه اللي حصل؟

شهقت ببكاء مرير وأخبرته بنبرة ممزقة تقطع نياط القلب: يوسف عايش، عايش يا يعقوب، عايش وسابني لوحدي سنين بتعذب وانا فاكرة الموت خده مني، أنا مش قادرة انا بحاول أمثل إني قوية بس والله ماقادرة
أرجع، علشان خاطري محتجاك جنبي
صمت لوهلة يستوعب الأمر وصاح بعدها بإستغراب شديد: أزاي عايش مش فاهم دة أنا قلبت إيطاليا عليه انتِ متأكدة، يعني أتكلمتي معاه؟

قالت هي بإنهيار تام تؤكد له: هو، واللهي هو، بس اتغير، اتغير أوي
ليزفر يعقوب بنفاذ صبر ويقول بنبرة قاطعة كحد السكين: أهدي أنا هنزل بكرة على اول طيارة انا كنت هعملهالك مفاجأة انا و عز بس خلاص بقى لازم تعرفي
لتتسأل بعدم تصديق: عز نازل معاك بجد
أجابها هو موضحًا: أيوة الشركة بتاعته أختاروها تشرف على شحن صفقة كبيرة لشركة مصرية.

وكان ناوي يبعت مندوب عنه يتمم الإجراءات بس انا اصريت عليه علشان يجي بنفسه يشوف بلد أبوه اللي عمره ما زارها
أبتسمت هي بسعادة وقالت بإرتياح: الحمد لله انا بجد محتاجاكم اوي انا هستناكم بكرة في المطار
ليقول هو من الطرف الآخر: تمام عايزك تهدي وتحكيلي كل حاجة علشان أعرف أتصرف.

لتقص هي عليه كل شيء بدايةً من الحفل إلى عزيمة الليلة غافلة عن تلك التي تتربص خلف باب غرفتها وتسترق السمع بعيون جاحظة من شدة صدمتها...
فما يا ترى ما تخبئه لكِ الأيام أيتها القطة وهل سيتغير شيء بعودة يعقوب وماذا عن تلك التي استمعت لحديثك بأكمله هل ستتفهمك آم ستشن حرب ضارية عليكِ، دعونا نطلق العنان لأنفاسنا ربما مازال القدر يخبئ بين طياته الكثير من المصادمات الحاسمة لأبطالنا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة