قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني والثلاثون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني والثلاثون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني والثلاثون

يحدثونني عن الوِحدَه ف” أبتسِم “ لا أحد كسرته الوِحدَه ونهته مِثلِي! يحدثونني عن الصَمت ف” أبتسِم “ لا أحد عشق الصمت وأدمنه مِثلِي! يحدثونني عَن البَرد فبتسِم لا أحد أخرسَهُ البَرد وارتجَف ضلعه مِثلِي! ويُحدثونني عنك ف أبكِي! لا أحد. أحبك. مِثلي.

زفرت أخيرًا عندما دلفت لغرفتها وتناولت هاتفها وضغطت على لوحته بعدة أرقام تحفظها عن ظهر قلب ولما لا والطرف الآخر هو يعقوب الذي رد لتوه بلهفة:
أخيرًا أفتكرتيني وحشتيني على فكرة و وحشتني كئبتك
أبتسمت هي ببهوت وأجابته بنبرة واهنة متألمة لأبعد حد: أنا محتجاك يا يعقوب تعالى علشان خاطري مش قادرة، حاسة أن روحي بتتسحب مني وأن كل اللي حواليا مستحيل يفهموني زيك.

سيطر القلق على صوته وقال بتلهف: مالك يا لين فيكِ أيه؟
انتِ كنتِ هتجنني وتنزلي مصر ايه اللي حصل؟
شهقت ببكاء مرير وأخبرته بنبرة ممزقة تقطع نياط القلب: يوسف عايش، عايش يا يعقوب، عايش وسابني لوحدي سنين بتعذب وانا فاكرة الموت خده مني، أنا مش قادرة انا بحاول أمثل إني قوية بس والله ماقادرة
أرجع، علشان خاطري محتجاك جنبي.

صمت لوهلة يستوعب الأمر وصاح بعدها بإستغراب شديد: أزاي عايش مش فاهم دة أنا قلبت إيطاليا عليه انتِ متأكدة، يعني أتكلمتي معاه؟
قالت هي بإنهيار تام تؤكد له: هو، واللهي هو، بس اتغير، اتغير أوي
ليزفر يعقوب بنفاذ صبر ويقول بنبرة قاطعة كحد السكين: أهدي أنا هنزل بكرة على اول طيارة انا كنت هعملهالك مفاجأة انا و عز بس خلاص بقى لازم تعرفي
لتتسأل بعدم تصديق: عز نازل معاك بجد.

أجابها هو موضحًا: أيوة الشركة بتاعته أختاروها تشرف على شحن صفقة كبيرة لشركة مصرية
وكان ناوي يبعت مندوب عنه يتمم الإجراءات بس انا اصريت عليه علشان يجي بنفسه يشوف بلد أبوه اللي عمره ما زارها
أبتسمت هي بسعادة وقالت بإرتياح: الحمد لله انا بجد محتاجاكم اوي انا هستناكم بكرة في المطار
ليقول هو من الطرف الآخر: تمام عايزك تهدي وتحكيلي كل حاجة علشان أعرف أتصرف.

لتقص هي عليه كل شيء بدايةً من الحفل إلى عزيمة الليلة غافلة عن تلك التي تتربص خلف باب غرفتها وتسترق السمع بعيون جاحظة من شدة صدمتها.
دقائق معدودة و أغلقت معه الخط وما ان نهضت كي تغير ملابسها وجدت والدتها أمامها متسمرة ويظهر الإنزعاج جلي على وجهها فقد دخلت بغتة ولم تشعر بها لإنشغالها بالحديث في الهاتف، لتتلعثم لين بتوجس:
ماما أنتِ هنا من أمتى؟

تنهدت فريدة بحزن على ماتوصلت له أبنتها وتسألت بعتاب: ليه يا بنتي، خبيتي عليا
لتتلعثم هي بتوتر وهي تفرك بيدها: مش فاهمة ياماما خبيت ايه؟
لتصيح فريدة بحدة تنهيها: بلاش تكذبي أنا سمعت كل حاجة، أنا مكنش قصدي اتجسس، لأ، أنا كنت جاية أطمن عليكِ وأخدك في حضني اللي اتحرمتي منه سنين، لتلين نبرتها وتستأنف بحنو شديد وهي تجهش بالبكاء: صارحيني علشان خاطري يا قلب فريدة.

انا أمك اللي مفيش حد في الدنيا هيهمه مصلحتك زي
أفتحيلي قلبك وشاركيني همومك يابنتي
غامت عين لين بعبراتها وأرتمت بين أحضان والدتها فلا داعي للإنكار أكثر وأخبرتها بقهر ودون ذرة ضغينة لأي أحد: ماما أنا والله ما وِحشة ومش جاية علشان أخرب حياتكم ومكنتش هتكلم علشان خاطر ميان وكنت هحترم رغبته، لتشهق بحرقة قاتلة وتستأنف بنبرة ممزقة تقطع نياط القلب:
انا مكنتش عارفة أنو عايش صدقيني ياماما.

ربتت فريدة على ظهرها وقالت بتفهم: مصدقاكِ يا قلب فريدة كملي عايزة اعرف كل حاجة من الأول
لتقص لها لين كل شيء عن حياتها السابقة وعن كم جشع وطمع أبيها وعن كل ما مرت به بسببه وبسبب اطماعه وعن قصتها كاملة مع هائمها وكم العذاب والشقاء التي مرت به.
وبعد عدة ساعات من الحديث الذي يحفه النحيب تارة والبأس والقهر تارة آخرى.

قالت فريدة بآسى وهي تربت على وجنتها بحنو أموي شديد: يااااااه يا بنتي كل العذاب دة مريتي بيه، لتطرق لين رأسها بكسرة واستأنفت بشك رهيب:
انا خايفة يكون خطب ميان علشان ينتقم مني والمشكلة لما سألته قالي لأ، بس مستحيل دي تبقى صدفة عادية.

لتقر فريدة بِفطنة: الشهادة لله نجية قالتلي أن هي و حلا اللي أقترحوا الموضوع عليه علشان كان نفسها تفرح بيه وقالتلي انها مش هتلاقي ليه أحسن من ميان وكل حاجة تمت وعمري ما شوفت منه حاجة وحِشة في حقها
لتزفر بحيرة وتستأنف تحت نظرات لين التي تقطر حزن: على العموم يا بنتي مش هقولك أنسي اللي فات وابدئي من جديد بس هقولك محدش بياخد أكتر من نصيبه.

لتغمغم لين بِحسرة وآسى: متقلقيش يا ماما أنا مش هبوظ حياة ميان دي أختي ومش عايزاها تكرهني
لتشهق من جديدوتسترسل: هو كمان قالي أنو نساني وانه بيحب ميان وعمره ما هيسبها يعني حكايتنا خلصت خلاص.

تنهدت فريدة بحزن يدمي القلب على أبنتها فهي لايخفي عليها كونها مازالت تكن له المشاعر لتجذبها لأحضانها وتقول بتأهب وبجدية شديدة: والمهم دلوقتي نعرف نواياه نحية ميان وأنا أوعدك عمري ما هتخلى عنك وهفضل في ظهرك لأخر يوم في عمري بس عايزاكِ تساعديني وتساعدي نفسك وبلاش توقفي حياتك...

أومأت لها بضعف وهي تدس نفسها أكثر بين أحضانها لتربت فريدة على ظهرها بحنو شديد وهي تتوعد لذلك الهائم فإن كان حدث أبنتها بمحله تقسم أنها ستنهش لحمه كأنثي النمر عندما تدافع عن صغارها.

صباح يوم جديد يحمل بطياته مفاجأة عظيمة لتلك التي تململت بتكاسل ورمشت عدة مرات بأهدابها لتعتدل وتستند بظهرها على جزع الفراش وهي تفكر بحياتها كم أصبحت مملة خانقة في الآونة الأخيرة، تناولت هاتفها بضجر وأخذت تتصفح احد مواقع التواصل الإجتماعي لتجد صور عدة لأصدقائها أثناء رحلتهم التي منعها عنها هو دون سبب، لتتنهد بضيق وتضع الهاتف من جديد على الكومود تزامنًا مع دخول مارسيل التي هتفت بتشجيع: صباح الخير يلا قومي البسي علشان تيجي معايا الشغل.

نفت ميان برأسها وقالت بملل: لأ انا زهقانة ومخنوقة بالله عليكِ سبيني يا مارسيل
لتتسأل مارسيل بقلق وهي تجلس بجانبها: مالك بس احكيلي!
لتنفجر ميان بإنفعال دفعة واحدة: زهقت وحاسة إني مش مبسوطة، يوسف طبعه غريب اوي و مش قادرة افهمه علطول ساكت وهادي مش بيتكلم دة غير أنه مانعني من كل حاجة بحبها لتجذب الهاتف وترفعه امام ناظريها وتقول بحسرة وهي تضيء شاشته:.

شايفة أصحابي كلهم في الساحل زي كل سنة وهو مرضاش يوديني معاهم
لتحاول مارسيل ان تهدئها وتعطي لها تبرير منطقي: اكيد بيغير عليكِ يا ميان
ومش عايزك تروحي لوحدك
نفت ميان برأسها وقالت بيأس: لأ دي مش غيرة هو بس بيتحكم فيا وخلاص علشان هبقى مراته زيه زي كل الرجالة الشرقية بمجتمعنا، دة أنا حتى حاولت كتير التمس ليه الأعذار و اقنعه يجي معايا ويخرجني بس هو ديمًا بيتحجج بالشغل.

لتهز مارسيل رأسها وتخبرها متهكمة: والله أنتِ مجنونة وكل ساعة بحال، مش دة المُز بتاعك اللي مصدعانا بيه دلوقتي بقى وحِش
زاغت نظراتها وتلعثمت بتخبط: انا مقولتش أنو وِحش بالعكس يوسف محترم أوي وكريزما وأي بنت تتمناه
لتشاكسها مارسيل وهي تلعب حاجبيها: وعلشان هو محترم مش عجبك يا مجنونة.

شهقت ميان وقذفتها بالوسادة بقوة لتقهقه مارسيل وتستأنف ساخرة تذكرها: انتِ كان نفسك في واحد قليل الأدب كدة زي المجنون اللي حكتيلي عنه زمان، دة انتِ طلعتي عيني و ورمتي راسي بسببه وفي الأخر نستيه عادي، وكأنه لم يكن
لتوبخها ميان بغيظ: يا رخمة انا غلطانة إني حكتلك او اتكلمت معاكِ أصلًا والله لهقول ل فادي على كل جرايمك قبل الجواز وهخليه يعلقك زي المدلية من قفاكي قومي، قومي من هنا.

لتقهقه مارسيل أكثر وتقول وهي تدعي المسالمة برفع يدها: لأ كله إلا كدة، حقك عليا مش هفتح بوقي تاني
لتنهض وتتوجه للباب وما ان أدارت مقبضه قالت بمشاكسة كي تغيظها أكثر قبل رحيلها: سلام يامجنونة.

لتقذفها ميان بكافة الوسادات بغيظ وتنهرها بعدها وما ان شاهدت ركضها بعيدًا، هدئت ملامحها تدريجيًا و لاحت بسمة حانية على ثغرها فمن قال انه أصبح لم يكن، لا هي مازالت تتذكره وتتذكر كل شيء يخصه حتى ذلك اللقب الذي أطلقه عليها وعيناه الثاقبة التي تنخر دواخلها حتى انها للكثير من الوقت تشرد به و تتذكر قبلته الهوجاء التي أنهك شفاهها بها، فكيف تنساه وهو كان أول وأخر من قبلها بكل حياتها.

آما عنه استيقظ منذ وقت قليل وجلس شارد يتوسد ذراعيه وهو مازال مُمدد على فراشه عندما دخلت نجية وقالت بود: يوه انت صحيت يا حبيبي
اوما لها يوسف والقى عليها تحية الصباح وهو ينهض كي يبدء يومه فيكفي إلى هنا أهدار للوقت بالتفكير بتلك الماكرة:
صباح الفل يا ست الكل معلش يا ماما أعمليلي فنجان قهوة من أيدكِ الحلوين عقبال ما ألبس.

قال أخر جملة وهو ينحني يقبل يدها ويتوجه إلى المرحاض لتتنهد نجية وتنصاع لطلبه وبعد عدة دقائق قد أنتهى وخرج وهو يحاوط خصره بمنشفته العريضة ويتوجه لخزانته كي ينتقي أحد الملابس الرسمية له أخرج حلة رمادية انيقة وارتدي بنطالها وإن شرع بجذب أحد القمصان البيضاء لفت نظره تلطخ أحدهم بحمرة باهتة مطبوعة على شكل شفاه على أحد أكمامه عقد حاجبيه بإستغراب شديد و جذبه من موضعه وإن كاد يهتف و يسأل والدته تذكر أمر دخولها لغرفته بلأمس.

ليرفع القميص ويشتمه ثم يزفر بضيق شديد بعد ان تيقن أن حدثه نحوها بمحله، ليزمجر بغضب وهو يشعر بالدماء تتدفق إلى رأسه و دون أي مقدمات أخذ يمزق القميص بغيظ حتى أصبح يشبه الخرقة البالية بين يده تزامنًا مع دخول نجية التي هتفت بصدمة وهي تضرب اعلى صدرها: يا لهوي في أيه عملت في القميص كدة ليه يابني
أغمض هو عينه بقوة يحاول أن يتمالك زمام نفسه وقال بنبرة متهكمة لم تفهم نجية مغزاها:.

ولا حاجة يا ماما أصله اتبقع بقعة صعبة ومستحيل هيرجع زي ما كان
هزت نجية رأسها بلافائدة من طباعه التي اصبحت غريبة للغاية وقالت بحنو كعادتها: ولا يهمك ياحبيبي فداك.

ليستأنف هو ارتداء ملابسه ويتناول قهوته الساخنة يرتشف منها على مهل، بينما جلست هي على طرف الفراش وأخذت تخبره كل شيء حدث معها كعادتها كل صباح: كان يوم حلو امبارح كان عايزك فريدة كانت طايرة من الفرحة ببنتها وبصراحة البنت هادية وعاقلة و زي القمر دة غير أنها شاطرة اوي دخلت ساعدت حلا في المطبخ وحتى عملتلنا قهوة عمري في حياتي ما شربت زيها، ربنا يخليهالها ويفرحها بيها يارب والله انا حبيتها ودخلت قلبي من أول ما شوفتها وهي كمان كانت بتبصلي كأنها تعرفني من زمان.

كانت تتحدث دفعة واحدة دون ان تأخذ حتى هدنة له أن يسيطر على أعصابه التالفة التي تهالكت الآن من مدح والدته المبالغ به لها مما جعله دون شعور يضغط بقوة على الفنجان الذي بيده حتى تهشم بين يده مما أدى إلى جرح يده، ليزمجر بغضب وهو يصر على أسنانه من شدة الألم: كفاااااااااااية
أنتفضت نجية و لطمت اعلى صدرها وهرولت إليه قائلة بِلهفة: يالهوي ايدك يا يوسف دة دمك بيتصفى.

لتجذب يده وتسحب عدة محارم ورقية وتضغط على جرحه بقوة كي تكبح تدفق الدماء مما جعله يأشر لها انه بخير ويصمم على المغادرة فهو يشعر أن قلبه يأن بإسم تلك الماكرة وأن كافة الطرق تؤدي إليها ولكن هو يعلم أن سبل النجاه بذلك الطريق المعتم معدمة كونها تنتمي لرجل آخر تلاعبت على الجميع من أجله، ليغادر منزله ويتوجه إلى شركته تارك والدته قلبها ينفطر عليه وتقسم أنه يوجد شيء ينغص عليه عيشته.

صارت إلى مصر أحلامي وأشواقي وهلّ دمعي فصرت الشارب الساقي وفي ضلوعي أحاديث مرتلةُ ومصر غاية آمالي وترياقي.

آما عن صاحبةً الفخوخ الآسرة استيقظت بنشاط كعادتها وهي تشعر براحة غريبة بعد بوحها لوالدتها ليلة أمس وتفهمها لها، فقد أزاحت عن صدرها حمل ثقيل كان يثقل كاهلها، لتنهض بسعادة متناهية كي تقوم بالتحضيرات اللازمة قبل أن تذهب للمطار لإستقبالهم، استعدت قبل موعد الطائرة المحدد بوقت كافي وخرجت متوجهة إلى المطار، و بعد اكثر من ساعتين كانوا يستقلون معها سيارة مارسيل التي استعارتها منها مستخدمة أحد البرامج على هاتفها الذكي حديث الطراز لمعرفة كيفية السير بطرقات البلد متوجهة بهم إلى ذلك الفندق الذي تم حجزه مسبقًا خصةً لهم ليستريحوا به و أتفاقها معهم أن يأتوا بالمساء ليتعرفوا على عائلتها الجديدة.

، وبعد العديد من الترحاب منها والعديد من محاولتهم بتهوين عنها وطمأنتها أن كل شيء سيكون على ما يرام، قال يعقوب وهو يتطلع من النافذة على شوارع قاهرة المعز: يااااااااه البلد وحشتني أوي
وكل حاجة أتغيرت عن ما سبتها
ليرد عز وهو يرفع حاجبيه بسخط أثناء تفحصه لحاسوبه النقال الذي يضعه على ساقه: انا مش عارف أيه عاجبكم في بلادكم دي.

نكزه يعقوب بذراعه وقال بمشاكسة: أنت أيه فهمك يا اجنبي يا عديم الإنتماء، دة كفاية الدفى والأولفة اللي بتحس بيها وسط الناس وكفاية أن كل ذرة تراب في قلب أرضها أغلى من كنوز الدنيا كلها صدقني محدش هيحس بقيمة البلد دي غير لما يخرج منها ويشوف الويل في غربته بعيد عنها ليتناول نفس عميق من الهواء ويقول بحنين عظيم لتلك البلد: عارف يا عديم الأنتماء أنت، وانا عايش برة كنت حاسس أن حتى الهوا غريب عني.

تنهد عز بعدم أقتناع وقال وهو يشاكس تلك الشاردة من اول الطريق: هتفضلي ساكتة كتير يا أمو غمازات متخليه يخف عني مش كفاية سبتيه يزهقني وسافرتي
لتبتسم هي وتقول بود وببسمة واسعة: سيبه يا يعقوب وبلاش تتقل عليه هو علشان مش عاش في البلد عمره ما هيفهم أنت تقصد أيه...
لتتطلع ل عز بالمرآة وتسأله بترقب: مجبتش سيلينا معاك ليه؟

حانت من يعقوب بسمة جانبية كعادته المشاكسة وقال يستفز الآخر: لأ ما كل سنة وانتِ طيبة طيرها زي غيرها أخوكِ بسم الله ماشاء الله عليه پَور نص بنات إيطاليا تقوليش الواد دنجوان عصره
زفر عز بِغيظ و ظل يلعنه تحت انفاسه بعدما أغلق حاسوبه، بينما قهقهت لين وتسألت من جديد:
بجد يا عز فركشت تاني
ليضحك يعقوب ملئ فمه ويهزء: قولي عاشر.

زجر عز يعقوب بنظرة متوعدة وقال بِجدية: أيوة فركشت، ومتسأليش عن السبب علشان أنتوا عارفينه كويس
لتتنهد لين بيأس وتتناوب نظراتها مع يعقوب وصاحت قائلة بعدم رضا: هتفضل كدة يعني عايش على ذكراها وعلى أمل تلاقيها كتير...
ليهدر عز بنفاذ صبر و بِفكر مازال مترسخ بداخله: وعمري ما هيأس طول ما في أمل
ليصيح يعقوب بحدة: يابني فوق دي مش شبهك أنا مش عارف أزاي قادر تقبل على نفسك ماضيها.

زمجر عز بعصبية وقال بعدما أشتعلت غابات الزيتون خاصته: أنا مش شرقي متزمت زيك وبعدين إذا كان ربنا بيغفر أحنا يا بشر هنكابر
وبعدين وفر نصايحك و مش لازم تديني المحاضرة أياها أنت وهي عن ماضيها، محدش فينا معصوم من الغلط وبعدين كل واحد فيكوا قبل ما ينصحني يشوف خيبة قلبه موصلاه لفين بلاش نعاير بعض.

حانت منها بسمة متألمة لابعد حد ثم تنهدت بضيق وصبت كافة تركيزها على الطريق، بينما تحمحم يعقوب وجلس بأريحية أكثر وتناول علبة سجائره وأشعل احدهما وأخذ ينفث دخانها بضيق شديد فذلك الأجنبي كما أطلق عليه، محق فهو أيضًا يعلق نفسه بخيوط أمل واهية.

في المساء كان يجلس يباشر عمله وهو يشعر بوخز بسيط بيده فهو أكتفي بأن أحد الصيادلة عاينها وأخبره انها بحاجة إلى بعض الغرز الطبية ولكنه أصر أنه بخير وأن الأمر لا يستحق اكثر من ذلك الضماد الذي يحاوط يده الآن ليستند هو على ظهر مقعده وهو يحرك انامله بعض الشيء تزامنًا مع دخولها مكتبه بخطوات واسعة وبوجه متجهم بإنزعاج جلي من أفعاله، ليبتسم هو ما أن رأها وينهض يرحب بها وهو يخفي يده بجيب سترته: أهلًا يا ميان أيه المفاجأة الحلوة دي.

لتتنهد هي بضيقٍ وتخبره: قولت أجي أشوفك بما انك علطول مشغول
أبتسم بلطف وأقترب منها يحتضن كف يدها بيده السليمة ويسحبها خلفه كي يجلس بها على الأريكة الجلدية بزاوية مكتبه
وقال بلطف وهو يربت على يدها: أنا عارف أنك لسة زعلانة بس والله غصب عني...
بس أنا زهقت يا يوسف
قاطعته بِسخطٍ وهي تربع يدها على صدرها بعدم رضا.

ليتنهد هو يحاول تمالك أعصابه التالفة بالفعل ولا تحتمل أكثر ويخبرها بنبرة ثابتة أجادها: ميان لازم تقدري ظروف شغلي
لوحت بيدها ونهضت من جانبه وقالت بإنفعال شديد: شغل، شغل، شغل كل حياتك شغل وأنا فين؟
ليه مكنش أنا أول اولوياتك
زفر بضيق من إنفعالها الذي استفزه فهي دائمًا تستخف بكل شيء جَدي بحياته ولا تقدر اهميته بالنسبة له ولكنه برغم كل شيء حاول ان يتدارك الموقف جاهدًا أن يلتزم بثباته المعهود:.

انا عارف أنك اضايقتي أمبارح بس قولتلك مكنتش أعرف أن أمي عزمتكم ومعرفتش أبقى موجود وقتها، متكبريش الوضوع مش مستاهل كل دة
دبت الأرض بقدمها بعصبية وصاحت بأصرار وعناد: لأ يستاهل يا يوسف أنت منعتني من إني أخرج مع صحابي ومنعتني من السفر معاهم زي كل سنة وفوق كل دة علطول مشغول عني.

لينهض هو بعدما مرر يده على وجهه كعادة ملازمة له عندما يشعر أنه سيفقد أعصابه وهدر بحدة لم يتعمدها: لازم تتعودي وتنسي حياتك القديمة
لتبتسم هي ساخرة وتقول بسأم: اتعودت، بس دة ميمنعش إني بحب الأنطلاق و السفر والفسح والسهر والرقص، وكل دة انا اتنازلت عنه علشان أراضيك وأنت مستكتر عليا تضحي بشوية وقت علشان تبقى معايا وترحب بيا في بيتكم و ب لين اللي بقالها سنين غايبة.

زفر بضيق عندما نطقت أسمها وكأنها دون قصد أشعلت فتيل تلك الحرب الضارية بداخله من جديد ليزمجر بغضب ويصرخ بإنفعال وهو يضرب بقبضة يده المضمدة الطاولة الصغيرة أمامه: يعني أنتِ عايزة أيه دلوقتي؟
أنكمشت بعد صراخه بها.

ولاحظت آخيرًا ضمادة يده ولكنها تراجعت خطوتين للخلف بذعر فتلك المرة الأولى التي تراه بذلك الإنفعال فطالما كان هادء رزين لا يؤثر به شيء قط من عنادها، ليغمض عينه بقوة يحاول تمالك نفسه وذلك الوخز اللعين الذي تناساه لوهلة ينخر به ولكنه استرجع ثباته الذي تزعزع بمجرد ان تفوهت فقط بإسمها وقال بندم وهو يقترب منها ويحاوطها بيده التي يشعر أنها بدئت تنزف من جديد تحت ضمادها:.

حقك عليا، أنا اعصابي تعبانة شوية من ضغط الشغل
غامت عيناها بعبراتها وتلعثمت وهي تبتعد عنه: أنا حاسة إننا مش...
وضع يده السليمة على فمها بعدما أختصر المسافة التي صنعتها بخطوة واحدة وقال بنبرة راجية لأول مرة تصدر منه وكأنها هي القشة التي ستنقذه من الغرق: بلاش تكملي علشان خاطري، أنا أسف والله أسف
ليتنهد بعمق وكأنه يجاهد كي يؤد تلك الحرب الضارية المشتعلة به: متسبنيش يا ميان أنا محتاجك وخصوصًا الفترة دي.

صدقيني انا معنديش استعداد أخسرك
أومأت له وتسألت بترقب وهي تأشر بعيناها على ضمادة يده: مال أيدك
أبتسم ببهوت وهو ينظر ليده وقال بثبات: دة جرح بسيط متشغليش بالك...
أبتسمت بلامبالاه و هزت رأسها دون أهتمام وتناولت يده بين يديها وهي تقترب منه حد الألتصاق وتسألت بنبرة مهتزة وكأنها ارادت منه أن يؤكد لها كي تقتنع:
بتحبني؟

كاد يختنق من تلك الرائحة التي تنبعث من شعرها الذي أرتطم بوجهه ورغم انها رائحة شهية و مميزة للغاية إلا أنه لم يفضلها يوم، ليبتلع غصة مريرة بحلقه عندما كررت نفس سؤالها المعتاد التي تتعمد بكل مرة ان تطرحه عليه ولم يستطيع الأجابة عنه قط وكأن تلك الكلمة تعصى أن تنطلق من حلقه مرة أخرى بعد أن أغدق بها تلك التي يظنها ماكرة وكأن ذلك التصريح أصبح حصري وملكية خاصة لها لا ينازعها أحد به، ليغمض عينه بقوة وينفض أفكاره الخائنة سريعًا وهو يشدد على يدها وهمس بصعوبة بالغة وكأنه يجاهد ذاته كي يرضيها:.

بحبك...
وهعملك كل اللي أنتِ عايزاه
تهللت اساريرها و تسألت بخفة كعادتها: أي حاجة، أي حاجة
أبتسم وأومأ لها برأسه لتصيح بحماس وهي تصفق بيدها: يبقى تاخد أجازة ونسافر كلنا الساحل نقعد في اليلا الجديدة بتاعتك
عقد حاجبيه وتسأل بتوجس: كلنا اللي هما مين؟
لتبتسم وتعد على أصبعها بحماس: أنا وأنت و مارسيل و حلا و إسماعيل وماما نجية وماما فريدة وأكيد طبعًا لين.

أخذ يفرك ذقنه كعادته عندما يفكر بشيء وقال بتلجلج: مش هينفع لو حابة ممكن تروحوا انتوا...
لأ مش هروح من غيرك وبعدين خلاص انا قولت ل حلا وهي هتقنع إسماعيل ومامتك
قاطعته هي بتذمر وهي تضرب قدميها بلأرض كالأطفال، ليرفض هو رفض قاطع ويحثها ان تتهاون عن ذلك الطلب الذي يصعب عليه تنفيذه لأنه لايريد ان يحتك
بأي شكل مع تلك الماكرة: ميان بلاش تصعبي الأمور عليا و قولتلك مش هينفع أطلبي حاجة تانية.

نفت برأسها وقالت بإصرار شديد و كأنها اتخذت القرار لتوها و وضعته أمام الأمر الواقع: لأ مليش دعوة انت وعدتني وهتيجي معايا دلوقتي علشان تعزم ماما بنفسك
تنهد بيأس من إقناعها فهو يعلم أن رأسها يابس كحجر صوان غير قابل للكسر، ليضطر أن يسايرها حتى يراضيها فهو ليس عنده أي استعداد لخسارتها وخصوصًا بتواجد لين فهو يخشى أن يتنحى عقله ويتوارى خلف قلبه ويقع من جديد بمكيدتها: خلاص بس هعزمك على العشا برة بعديها.

مطت فمها بإعتراض وقالت: مش هينفع أصل لين مأكدة عليا أبقى موجودة النهاردة علشان أخوها وابن عمها جاين من السفر وعايزة تعرفنا عليهم دي حتى ماما بتقولي انها مصممة تعملهم الأكل بنفسها
لتقترح بحماس وهي تشابك كفوف يدها بحركة راجية أمام وجهه: متيجي تتعشا معانا يا چو والله هبقى مبسوطة أوي.

كان يستمع لها وهو يجز على أسنانه بغيظ ويشعر بالدماء تتدفق برأسه ودون أي تفكير منطقي هدر كأن كافة قراراته السابقة بلأبتعاد وعدم الأحتكاك بتلك التي يظنها ماكرة قد تبخرت:
تمام، هاجي معاكِ
لتبتسم هي بِحماس وتتأبط ذراعه غافلة كون القدر يخبئ لها مفاجأة عارمة الليلة.

دقائق معدودة وكانت قد وصلت إلى اللا بعد أن اوصلتهم لذلك الفندق. فكانت تشعر بسعادة متناهية لكون الجميع سيكون بجانبها اليوم وسوف تشعر بذلك الدفئ الأسري التي طالما سعيت له متغاضية عن كون قلبها المنفطر يأن بين ضلوعها يتوسل الرحمة.
أعدت كل شيء كما يجب وصنعت العديد من الطعام الذين يفضلونه بنفسها فيبدو ان تلك الثلاث سنوات المنصرمة تعملت مهارات جديدة بحكم حياتها مع كلتا العاذبين خاصتها،.

ساعدتها فريدة لبعض الوقت وأعدت لها تلك الحلوى التي تعشقها كما طلبت منها ولكنها كلفتها هي بتزينها بعد ان وضعتها بالمبرد، لتستأذن منها كي تستريح إلى أن يحين موعد العشاء.

، بينما هي صعدت لغرفتها كي تستعد فقد تأنقت وأرتدت ثوب أنيق للغاية باللون الأبيض يزينه نقوش سوداء بسيطة وتركت العنان لخصلاتها تتهدل على ظهرها و وضعت بعض من مساحيق التجميل التي لأول مرة تستخدمها منذ سنوات رحيله عنها وكأنها كانت تنعي حالها على فقدانه بطريقتها، وعند أنتهاءها توجهت للمطبخ بعجلة شديدة كي تزين تلك الحلوى التي صنعتها والدتها، وإن وقفت على أعتابه تسمرت بمكانها عندما وجدته يقف يواليها ظهره وبيده كوب ماء يرتشف منه على مهل، بمجرد رؤيته تبخرت كافة سعادتها وتهجمت ملامحها حتى انها وضعت يدها على خافقها كي تحثه على الثبات وتقدمت لداخل المطبخ دون أن تعيره أي أهمية، لمحها هو بطرف عينه ولكنه ظل على وضعيته فقد وصل مُنذ دقائق مع ميان التي تركته لتغير ملابسها ليشعر هو بلظمأ ويأتي إلى هنا، توجهت إلى المبرد وأخرجت منه تلك الحلوى كي تزينها برش مسحوق الكاكاو فوقها، فحين لمح ما تفعله ظل يضحك بملئ صوته الرجولي ساخرًا وهو يطوح رأسه للخلف بإستمتاع غريب وكأن أصابه لتوه نوبة هستيرية لا يستطيع التحكم بها،.

تسارعت أنفاسها بِغضبً عارم وتسألت بشراسة وهي ترمقه بغيظ: ممكن تبطل قلة ذوق بتضحك على أيه؟
ليجيبها من بين ضحكاته بسخرية مقيتة غير مستحبة بالمرة بذلك التوقيت: أصلي أفتكرت حاجة تموت من الضحك تخيلي كدة أن كلهم الليلة هيترفعوا للسما بعد التراميسو بتاعتك دي
لتهدء ضحكاته تدريجيًا ويحتل بدلها الألم ويستأنف بنبرة قاسية خالية من أي رحمة:.

بس بتمنى ميقعوش على جذور رقبتهم زي و يتخدعوا فيكِ ويعرفوا حقيقتك قبل ما سِمك يوصل لحد منهم
أبتلعت ريقها ببطء شديد وشعرت أن الأرض تدور بها، لتستند على أحد المقاعد وكأنها تستمد منها القوة وهمست بنبرة معاتبة لأبعد حد: ليه بتقول كدة، أنا عمري ما قصدت أخدعك ويوم ما عملت كدة علشان كنت عايزة أحميك.

حانت منه بسمة مريبة جعلتها تشعر أن دواخلها ترتجف رعبً منه و قال مستخفًا بما قالته: لأ عداكِ العيب والله يا لين هانم
لتتسأل بِتخبط وهي تقترب منه دون وعي وكأن قلبها هو الذي يتحكم بها: أنت ليه متحامل عليا كدة
ليه بقى الحقد عامي عينك
شملها من رأسها لأخمص قدمها بتقزز وقال أمام وجهها وهو يقبض على ذراعها ويهزها بقوة رجت دواخلها وجعلت سلسالها الذي كانت تتعمد ان تخفيه دائمًا تحت ملابسها يخرج ويصبح ظاهرًا:.

أسألي نفسك ياهانم، متشيكة وعملا الوليمة دي على شرف مين وأنتِ تعرفي
أجابة سؤالك
لوهلة تعلقت عيناها على يده المضمدة الذي تلوثت بدمائه ولطخت يدها، لتشهق بقوة ودون أي تواني أو ادني لحظة تفكير واحدة أن ما تفعله لا يمت للمنطق بشيء جذبت يده وقالت بِلهفة:
أيدك بتنزف.

سلط نظراته الباردة عليها ثم أبتلع غصة بِحلق جاف عندما سقطت عيناه على ذلك الحجر الذي يخصه ويحمل العديد من الذكريات بينهم يتدلي من عنقها، لم تنتبه هي لنظراته بل كانت منشغلة بفك ضمادة يده وما ان نزعتها مررت أناملها على كف يده تعاينه بينما هو قد تهدجت أنفاسه و تسارعت ضربات قلبه بقوة من مجرد لمسها ليده، لترجوه هي: متكابرش لو سمحت و خليني أغيرلك عليها.

نفى برأسه وكاد يسحب يده لولآ أنها تعمدت ان تضغط عليها بقوة جعلت ملامح وجهه تتقلص من الألم متعمدة أن لاتعطيه مجال للأعتراض لتسحبه من يده تجلسه على احد مقاعد الطاولة وهو كالمغيب ينصاع لها، لتحضر علبة الإسعافات وتقوم بتطهر جرحه و وضع بعض المستحضرات الطبية بعناية وهي تتغاضى عن نظراته المتفحصة التي تتأكلها وتشعر بها تخترق روحها المعذبة بعشقه.

، رفعت نظراتها التي تفيض بالقلق إليه وهمهمت بتوتر شديد: من أيه الجرح دة؟
لم يجيبها بل ظل يجول بناعستيه على وجهها بنظرات باردة دون أن ينبت ببنت شفة
لتتنهد هي بضيق وهي تنهي تضميد يده وتنهض كي تباشر ما كانت تفعله وما أن كادت تمر من جانبه قبض بقوة على يدها مما جعلها تتراجع خطوة للخلف و نظراتهم تتشابك وتتحاكى بالعديد من الأحاديث الصامتة التي يحفها الألم تارة والعتاب تارة واللوم والألم تارة آخرى.

ليهمس هو بتخبط بسؤال لا يمت للعقل بشيء وكأنه تحت تأثير تعويذة سحرية أطلقتها عليه أثناء قربها منه:
ياترى هو كمان كنتِ بتقوليله تيراميسو قلبك.

عقدت حاجبيها بعدم فهم وظلت نظراتها التي غامت لتوها مصوبة إلى بئر عسله الذي أفتقدت الذوبان به لينهض هو لمستواها وهو مازال يحتضن يدها ويقول وهو يتمعن بها أكثر ويرفع انامله يتلمس ذلك الحجر بحنين قاتل: للدرجة دي يستاهل أنك تخدعي كل اللي حوليكِ بسببه، ليختنق صوته وكأن ما سيتفوه به سيؤدي إلى موته: لدرجة دي بتحبيه.

أغروقت عيناها بالدمع وأجابته بصدق وبنبرة متألمة لأبعد حد: لو تقصد وليد انا عمر ما كان بيني وبينه حاجة؟ بس اللي أقدر أقولهولك ومتأكدة منه إني عمري ماقولت لحد تيراميسو قلبي غيرك.

لا يعلم ما أصابه عندما تفوهت بآخر جملة شعر بأن قشعريرة قوية أصابت جسده وجعلته دون وعي أن يرفع يده يكوب وجنتها و يتلمس بأنامله بحركات حثية تلك الفخوخ الآسرة التي طالما أوقعته بعشقها، آما هي تقسم أن ساقيها لم يعدو يستطيعوا حملها وهو ينظر لها بتلك الطريقة المهلكة التي تكاد تودي بكافة دفعاتها و تجعلها تضرب بكل شيء عرض الحائط لتتنهد تنهيدة حارقة نابعة من صميم قلبها وتغوص داخل بئر عسله وكأنها مغيبة بهيمنته الطاغية عليها، آما هو كان يتعمد أثارتها بنظراته التي سقطت لتوها على ثغرها ودون تواني أقترب أكثر أمام وجهها حتى أختلطت أنفاسهم و همس بطريقة مهلكة للغاية بين شفاهها المنفرجة: يظهر أن جوزك مش مالي عينك يا قطة.

فتحت عيناها الواسعة بصدمة عارمة، لتجد المكر يتراقص بعينه ودون أي مقدمات كان يدفعها عنه بتقزز وكأنها أحقر الأشياء على وجه الأرض تزامنًا مع جذبه للسلسال بقوة من عنقها ونزعه عنها لتشهق هي بقوة وتسقط على أحد المقاعد القريبة مصعوقة من قوله وفعلته وهي تضع يدها على عنقها، لتحين منه بسمة مريبة ويقول بتهكم وهو يرفع الحجر خاصته أمام عيناها:
محتفظة بيه ليه!

دة مبقاش يليق بيكِ وبِمكانة جوزك يعقوب بيه الأنصاري يا لين هانم.

ودون أن يترك لها مجال أن تتفوه ببنت شفه رشقها بنظرة متدنية من ناعسيتاه القاتلة التي أصابت قلبها وجعلتها مصعوقة تحاول أن تستوعب كل ما حدث للتو بعيون جاحظة، فالآن فقط تفهمت كل شيء هو على علم بزواجها من يعقوب ولكن كيف، ظلت العديد والعديد من الأفكار تداهمها وهي تشعر بصدمة عارمة لتنهض وتركض خلفه كي تبرر له ولكنها تسمرت بمكانها خلف أحد العمدان الجانبية عندما وجدته يقف مع ميان التي كانت تقول له: كُنت فين يا چو.

أجابها بثبات أجاده رغم ثورة دواخله: كنت بدور على حاجة أشربها، ليغير سير الحديث ويقول بإعجاب وهو يتمسك بيدها ويديرها: أيه الجمال دة
لتتسع أبتسامتها وتقول له بمشاكسة: بجد عجبك انا عارفة أنك بتحب اللون الأحمر.

أومأ لها بلطف وجذبها برفق يحتضنها وهو يعلم أنها تتوارى من بعيد وتراهم بوضوح، استغربت ميان كثيرًا من فعلته فتلك اول مرة يكون قريب منها لذلك الحد بإرادته ويبادر بشيء خارج عن المألوف لتبادله عناقه ولكن وهي تشعر بشعور غريب من عدم الراحة وكأن يفصل بينهم لوح ثلج يجعلهم متلبدين دومًا، فصل عناقهم وهو يغتصب بسمة هادئة على وجهه وأن كاد أن يتحدث اتاهم صوت فريدة التي كانت تتابع ما يحدث بقلب منفطر على أبنتها التي لاحظت تواريها ومتابعتها لهم وهي تحتضر لتقرر أن تنهي تلك المهزلة وتساعد أبنتيها، لتهتف وهي تتدلى من أعلى الدرج:.

أهلًا يا يوسف نورتنا
أومأ لها بلطف بينما تراجعت ميان خطوتان بعيد عنه وقالت بحماس: ماما چو جي علشان يعزمنا على يلته الجديدة في الساحل وعلشان خاطري ياماما بلاش تعترضي انا اقنعته بالعافية ياخد أجازة
تنهدت فريدة بلا فائدة من جموح أبنتها وقالت وهي تجلس على أحد المقاعد بكل ثقة: أيوة بس مينفعش يمكن لين مترضاش علشان أخوها وجوزها جاين يقعدو في مصر ومعتقدتش انها هترضى تسيبهم.

هل قالت زوجها هل حقًا تعلم أن ابنتها متزوجة من ذلك اليعقوب، ذلك ما كان يدور برأسه وهو يستمع لها وهو يجز على نواجذه ويظهر الضيق جلي على ملامحه
، مما جعل فريدة تضيق عيناها بدهاء وهي تلتقط كل ردود أفعاله، شهقت ميان بقوة وصاحت بإستغراب:
بجد لين متجوزة غريبة آمال مقالتش ليه...

لترد فريدة بتبرير وبتهكم تقصدته أن يزعزع ثباته: عادي يمكن مجتش فرصة تقولك، بس انا كان عندي علم بنتي حكتلي كل شيء عن حياتها اللي قبل كدة بكل صراحة ومخبتش عليا حاجة
زاغت عينه بتوتر وهو يجاهد كي يلتزم بثباته أمامهم، بينما ميان قالت بحماس: على العموم انا هقنعها وهخليهم يجوا معانا اكيد محتاجين يتفسحوا ويشوفوا البلد.

فرك هو ذقنه بتوتر شديد فتلك المشاغبة تورطه لتوها مع أكثرشيء يثير جنونه وغضبه على وجه الأرض، بينما فريدة كانت تتابع ردود أفعاله بتركيز شديد تود أن تستنبط منها شيء وعندما أيقنت بِفطنتها أن توتره يتزايد قالت: تمام انا معنديش مشكلة المهم بس لين توافق
لتقفز ميان وهي تصفق وتقول بحماس كعادتها الجامحة: اكيد هتوافق دة انا هموتها لو موافقتش.

بينما هي كانت تستمع لكل شيء وقد علمت ما يتوجب عليها فعله لتمسح تلك الدمعة الحارقة التي تهدلت من عيناها وتقدمت منهم ببسمة أجادتها وأجفلته:
وانا موافقة دة يعقوب بيحب الأجواء دي اوي وأكيد هيوافق بس للأسف عز عنده شغل ممكن يبقى يحصلنا بعدين لما يخلصه
قفزت ميان بسعادة وقالت: قشطة جدًا والله أنتِ احلى أخت في الدنيا.

بينما نظر لها هو نظرة قاتلة لا تمت للراحة بشيء ولكنها تجاهلته وجلست بجانب والدتها التي كانت تنظر لها بإعجاب شديد كونها سايرتها، لتبتسم لين بتفهم بينما طمأنتها فريدة بِعينها انها ستبرر لها كل شيء وتخبرها بما نويت على فعله فقد قررت
أن لا تجعل أبنتها تنعي حظها بعد اليوم ولن تدعها تهدر كرامتها وتجعله يظنها مثيرة للشفقة، فهي تقسم انها ستلتزم بوعدها لها مهما كلفها الأمر.

بعد اكثر من نصف ساعة تعمدت هي تلتزم بثباتها وتستعيد تلك اللين القوية التي كانت عليها، بعد تحفيز والدتها لها وأخبارها بما يتوجب عليها فعله، فنعم هي ستشعر بالراحة أكثر بينهم إذا سايرت والدتها وحينها لن تشعر انها تخرب حياة أختها.

فكانت تتحرك بخفة وتشرف على تحضير مائدة الطعام التي صممت ان تكون بالهواء الطلق بالحديقة، تعمدت الهاء ذاتها و تجاهل نظراته التي تتأكلها من بعيد وهو يجلس هو و ميان التي استأذنت منه لتوها كي تصعد لغرفتها من اجل أن تهاتف احد صديقاتها تاركته يجلس على الأرجوحة العريضة بأحد الزوايا البعيدة ونظراته تكاد تخترقها، دقائق معدودة و حضر يعقوب الذي ما ان رأته أجفلته بركضها إليه وأحتضانها له تحت نظرات الجميع المشدوه عداه هو لم تكن مشدوهة بل مشتعلة حد التأكل كحمم بركان خامل يهدد بثورته، ليهمس يعقوب بذهول وهو يستغرب فعلتها ويجد انظار الجميع مصوبة نحوهم:.

الله يخرب بيتك الناس هتولع فينا أحنا مش في إيطاليا وممكن يفهمونا غلط
لتهمس بأذنه بأمر جعل معالم وجهه تنكمش بإنزعاج، لتفصل عناقهم الأخوي الخالي تمامًا من أي مشاعر وتقول ببسمة واسعة وبكل ثبات: اتأخرت ليه؟ وفين عز
ابتسم هو أيضًا بمسايرة وأخبرها: معلش عز بيعتذر منك أصل طلع عنده شغل الصبح وأنتِ عارفة أخوكِ بينام زي الكتاكيت بدري.

اومأت له وتقدموا من الجميع الذين رحبوا كثيرًا به وخصةً فريدة التي أحتضنته بقوة وهي تشعر بلأمتنان له لمساندته لأبنتها، لتهتف فريدة وهي تلوح ل يوسف ان يقترب وما ان فعل قالت برحابة تعرفهم: دة الباش مهندس يوسف كمال خطيب بنتي الصغيرة
أومأ له يوسف ببرود لتستأنف بكل فخر وكأن ما ستفعله وتتفوه به هو الصواب بعينه وهي تربت على كتف يعقوب : و دة يعقوب الأنصاري جوز لين.

شهقت مارسيل بتفاجئ ولكن أرسلت لها فريدة نظرة ان تصمت ولا تتدخل، بينما تلاحمت ثاقبتيه المدققة بناعستيه المشتعلة بتحدي سافر وبمقت شديد، لتحين بسمة جانبية على ثغر يعقوب ويقول والمكر يتراقص بعينه وهو يمد يده ليحيه: أهلًا يا باش مهندس
جز يوسف على نواجذه وهو يشعر أنه على وشك أن يفقد أعصابه ويحطم جمجمته الآن
ليرفع يعقوب حاجبيه وهو يأشر بثاقبتيه على يده الممدودة: متسلم دة السلام لله.

ضغط يوسف على نواجذه أكثر ومد يده ليصافحه بمضض
تناوبت هي نظراتها مع والدتها وحثتها أن تنهي تلك المهزلة قبل أن يفتك أحدهم بلأخر
لتهتف فريدة و هي ترحب به وتدعوه إلى مائدة الطعام: ايه يا ولاد هنقضي اليوم في السلامات يلا تعالوا الأكل هيبرد والله مصر نورت يا يعقوب
منورة بيكِ
هتف بها يعقوب بتسلية وهو يشمل المائدة بجوع حقيقي ويقول بِخفة: أيوة ياريت إلا انا حاسس أن عصافير بطني بتصوصو والله.

لينفجروا الجميع بالضحك لتعقب فريدة وهي توجه حديثها ل يعقوب: والله زعلت أن عز مجاش كان نفسي أشوفه وأرحب بيه
ليرد يعقوب بخفة وهو يجلس ويشرع بلأكل بنهم شديد: يا طنط دة أجنبي سيبك منه ومش لازم ترحبي بيه هو أصلًا جي بالعافية ومن ساعة ما جة وهو عاصر على نفسه لمونة.

نكزته لين من تحت الطاولة أن يكف عن سخافته، ليضحك بملئ فمه وإن كاد يستأنف قاطعته لين بعفوية وهي تضع الطعام بصحنه: انا عملتلك ورق العنب اللي بتحبه
ليقول يعقوب برضا: تسلم أيدك، ايوة خلينا في الأكل أحسن انا والله معدتي نشفت من الأكل الجاهز و من يوم ما سبتينى واحنا مفتقدين أكلك جدًا.

أبتسمت بسمة هادئة وهي تشرع بالطعام آما عنه فكان يجلس بينهم بهدوء مريب دون ان ينبت ببنت شفة فقط يكتفي بنظراته القاتلة لهم التي تعمدت هي تجاهلها والتزام الثبات التي عاهدت نفسها عليه،
قطع سيل نظراته صوت فريدة التي كانت تراقبه وتلاحظ ردود أفعاله مُنذ مجيئه: يوسف مالك مش بتاكل ليه اوعي يكون أكل لين مش عجبك.

أبتسم بمجاملة وقال بثبات وهو ينهض كي يغادر قبل أن يرتكب جريمة ويقتل ذلك اليعقوب بيده المجردة: مش بطال بس أنا لازم أمشي عندي اجتماع الصبح ولازم أنام بدري علشان أبقى مركز...
لتعترض فريدة: يابني أقعد كمل أكلك دة انا عاملة تيراميسو هيعجبك اوي
حانت منه بسمة متهكمة وقال وهو يصوب نظراته على تلك التي تتعمد ان تتجاهله: مبحبهاش، ودوقتها مرة واحدة ولسة حاسس بمرارتها لغاية دلوقتي في بوقي.

رفعت نظراتها التي غلفتها بالبرود إليه بعد حديثه المبطن التي تعلم مغزاه بينما هو تنهد بعمق عندما تيقن أنها تفهمت إلى ماذا يرمي بحديثه، واستأنف قبل ان يغادر: أعتذرو ل ميان بالنيابة عني، عن أذنكم
ذلك أخر ما تفوه به تارك لين و فريدة يتناوبون النظرات بينهم بريبة شديدة
ليرفع يعقوب حاجبيه ببراءة ويسأل لين بخفوت: ممكن تفهميني؟
حثته لين بعيناها أن يصمت الآن ويأجل الحديث لوقت آخر ويستأنف طعامه.

ليمط فمه ويتنهد بعمق ويشرع من جديد بألتهام الطعام فهي محقة لا يوجد شيء يستحق ان يشغله عن تلك الوليمة الشهية أمامه، دقائق معدودة و دخلت ميان دون انتباه وهي تعتذر بخفة:
كدة ياماما تاكلوا من غيري زغرتها فريدة بحده.

لتحمحم ميان بخفة وهي تقبل وجنتها: خلاص قلبك أبيض أنااللي الوقت سرقني وانا بكلم أصحابي وفرحوا اوي إني، بترت كلماتها وشهقت بتفاجئ عندما سقطت عيناها عليه يجلس بكل أريحية وكأنه فرد من تلك العائلة ومنشغل بتناول الطعام، لوهلة رفع ثاقبتيه دون أهتمام وأنزلها بعدما وصله صوتها، لتتجمد ثاقبتيه أمامه وهو يشعر أن كل خلية به تنتفض وأن ضربات قلبه تتسارع بهياج شديد، ليرفع ثاقبتيه ببطء مميت عليها وما أن تيقن بالفعل انها هي غص بطعامه وظل يسعل بقوة وهو يشعر أن روحه ستفارقه للتو لتناوله لين كوب المياه القريب ليأخذه منها ويرتشفه دفعة واحدة وعينه مازالت مصوبة نحوها تلك التي كانت مشدوهة لتوها ومتسمرة من شدة تفاجئها أيضًا لينهض بضياع و يهمس لنفسه بإشتياق عارم.

وبنبرة ملتاعة لأبعد حد: مانجتي...
صدق او لا تصدق أيها الجامح فهي ذاتها صهباءك التي التقيت بها مُنذ سنوات وتبخرت بعدها لتظل عالقة بذهنك وبين ثنايا قلبك إلى يومنا ذلك ولكن مهلًا لا تجن الآن وتمنى نفسك بالكثير فهي أصبحت تحت وطأت شخص آخر.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة