قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث والثلاثون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث والثلاثون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث والثلاثون

وحين يكون حبك اسوء مراحل الخطأ صدقني لا أود أن أكون على صواب فقواعد عشقي جامحة ولا تتقيد برباط البشر.

دخلت ميان دون انتباه وهي تعتذر بخفة: كدة ياماما تاكلوا من غيري زغرتها فريدة بحده.

لتحمحم ميان بخفة وهي تقبل وجنتها: خلاص قلبك أبيض أنااللي الوقت سرقني وانا بكلم أصحابي وفرحوا اوي إني، بترت كلماتها وشهقت بتفاجئ عندما سقطت عيناها عليه يجلس بكل أريحية وكأنه فرد من تلك العائلة ومنشغل بتناول الطعام، لوهلة رفع ثاقبتيه دون أهتمام وأنزلها بعدما وصله صوتها، لتتجمدت ثاقبتيه أمامه وهو يشعر أن كل خلية به تنتفض وأن ضربات قلبه تتسارع بهياج شديد، ليرفع ثاقبتيه ببطء مميت عليها وما أن تيقن بالفعل انها هي غص بطعامه وظل يسعل بقوة وهو يشعر أن روحه ستفارقه للتو لتناوله لين كوب المياه القريب ليأخذه منها ويرتشفه دفعة واحدة وعينه مازالت مصوبة نحوها تلك التي كانت مشدوهة لتوها ومتسمرة من شدة تفاجئها أيضًا لينهض بضياع و يهمس لنفسه بإشتياق عارم.

وبنبرة ملتاعة لأبعد حد: مانجتي...
أبتلعت هي ريقها بتخبط شديد عندما أشتبكت نظراتهم لبضع ثواني مما جعل الجميع يستغربوا الأمر، وأولهم لين التي نكزته بذراعه تحثه على تدارك الموقف وهو تقول كي تعرفهم: دة يعقوب جوزي يا ميان
جوزها
ميان
كلمتان صدرت منهم في آن واحد وكأن كل منهم يغني على ليلاه فهي نطقت بها بصدمة عارمة وبتخبط شديد آما هو كرر أسمها بلوعة ظمأن وجد لتوه شربة ماء أروته في صحراء كاحلة.

لينتشله صوت لين وهي تستأنف تعارفهم: ودي ميان أختي اللي حكتلك عنها
مهلًا هل قالت أختها لا لابد انها مخطئة هل القدر يتلاعب به الآن هل حبة المانجو خاصته هي ذاتها خطيبة ذلك الغبي الذي أفقده صوابه وهو يبحث عنه، قطع مداهمة أفكاره صوتها المميز وهي تقترب منه وتمد كف يدها بترحاب:
أهلًا نورت مصر يا يعقوب.

قالت أسمه بطريقة غريبة يقسم أنه لم يستمع لشيء أروع منها، مد يده أيضًا وعندما تلاقت أناملهم شدد هو على يدها لعدة ثواني مما جعلها تتوتر بشدة وتزوغ نظراتها وتحاول سحب يدها ولكنه كان مغيب بعالم آخر لا يعي لكل من حوله سواها هي، لتحثه بعيناها وتأشر على يده التي ترفض ترك يدها ولكنه بطبيعته التي تهوى الإصرار لم يعير رجاء عيناها أي أهمية بل كان يتفرس أكثر بملامحها الرقيقة التي نقشها على جدار قلبه من قبل، شهقة خافتة صدرت من فمه وتلاها أنكماش معالم وجهه عندما شعر بقدمه تدهس بكعب حذاءها بطريقة ماكرة جدًا لا تلفت الأنظار لها ليرفع حاجبيه بتفاجئ من رد فعلها بينما هي رفعت منكبيها ببراءة وكأنها لم تفعل شيء، لتحين منه بسمة جانبية على جانب فمه فهي لن تتغير بتاتًا ولن تتخلى عن شراستها القتالية بعد كل تلك السنوات، ليترك يدها ويقول والشغب يتراقص داخل ثاقبتيه:.

مصر منورة بمنجتها
قال أخر كلمة وهو يغمز بعينه
لتتنهد بنفاذ صبر من جرئته المبالغ بها وخصةً كونهم وسط عائلتها والأنكى بوجود زوجته، لترشقه بنظرة متدنية و تجول محيط الطاولة تبحث عن يوسف ولكن أخبرتها فريدة أنه قد غادر منذ عدة دقائق لتزفر بضيق و.

تجلس بالمقعد الوحيد الشاغر الذي لسوء حظها يلتصق به، ليجلس هو أيضًا ولكن وهو يتناول نفس طويل من عبقها القريب منه، بينما هي كانت تشعر بثاقبتاه تخترقها وذلك جعلها تتوتر للغاية ولكنها حاولت الثبات وشاركت بخفة بكل الأحاديث القائمة بينهم وبعد عدة دقائق أسقط هو عن عمد شوكته بجانبها ومال قليلًا بجزعه وهمس بالقرب من أذنها: لازم نتكلم يا مانجتي
أبتلعت هي ريقها وقالت وهي تدعي البرائة: ليه خير يا استاذ يعقوب.

حانت منه بسمة جانبية
وهمس بجنون: بلاش طريقتك دي علشان مستحيل أصدق أنك مش فاكراني، واسمعي الكلام
شهقت بخفوت عندما تداركت نبرة التهديد بحديثه، لترفع عيناها الواسعة تنظر له بتحدي وهي تجد المكر يتراقص بثاقبتيه، لترفع حاجبيها بشراسة وتهمس من بين أسنانها كي لا تلفت الأنظار لها: مش فاهمة حاضرتك جايب الثقة دي منين، لو حابب تقول حاجة قولها على الملأ ولو مش حابب أشرب من البحر أنا مبتهددش.

ليبتسم بغيظ و يعتدل بجلسته ويتناول أحد سجائره ولكن وضعها بفمه ولم يشعلها آما هي كانت تتناول الطعام وتتحدث مع الجميع وكأن شيء لم يكن، لتشعر لين بتغير مزاجه وتقول بتوجس:
يعقوب مالك انت كويس
هز رأسه بضيق شديد وهو يصوب ثاقبتاه على تلك الشرسة واستأذن وهو ينهض أثناء أشعاله لسيجارته:
معلش هدخن سجارة بعيد عنكم مش عايز الدخان يضايق حد.

أومأت له لين بتفهم بينما هي لم تعطي لكل ما يحدث أي أهمية وظلت تصوب كافة تركيزها على الطعام ومناقرة مارسيل كعادتها.

ليبتعد هو عن مرمى بصرهم، لتتنهد لين بضيق وهي تعبث بشوكتها داخل طبق (تيراميسو) تلك الحلوى التي تعشقها وتذكرها به بشرود تام فقد ظلت تلك الذكريات التي تخصهم ومرتبطة بها تتوافد أمام عيناها وكأنها تؤنبها على حبها له، قطع شرودها يد فريدة وهي تربت على يدها بحنان كي تحفزها على الصمود وتخبرها بعيناها أن كل شيء سيمر لتبتسم لين بسمة باهتة لم تصل لعيناها وتشرد من جديد وكحركة ملازمة لها عندما تريد أن تستعيد قوتها وضعت يدها على عنقها ظانًا منها انها مازالت تحتفظ بسلساله لتغيم عيناها وهي تتذكر ما فعله وتشعر أن قلبها يتلوى من شدة الألم، ثواني قليلة وتعالى رنين هاتف ميان برقم يوسف ا ستأذنت منهم و نهضت كي تجيب و هي تدلف لداخل المنزل وإن اتاها صوته المختنق بلأعتذار من الطرف الآخر تنهدت بسأم وردت عليه بإقتضاب شديد فحقًا هي ملت من تبريراته الواهية كافة الوقت، شهقة قوية صدرت من فمها عندما جذبها أحد إلى تلك الغرفة الجانبية.

وما أن أدركت أنه هو ضغطت على شاشة هاتفها متجاهلة يوسف الذي كان يباشر أعتذاره من الطرف الآخر، لتتسع عيناها وكادت توبخه وهو يسند ظهرها على الباب الذي أغلقه لتوه ويقول بإشتياق عظيم وهو يحتجزها بين يديه:
وحشتيني يا مانجتي
نعممممم، مانجتك أزاي يعني انت أكيد اتجننت.

عن أذنك خليني أخرج ادارت جسدها ووضعت يدها على مقبض الباب لكي تغادر لولآ أنه وضع قبضته فوق يدها يمنعها فهو يقسم انه لن يتهاون إلا بأعترافها انها مازالت تتذكره كما يفعل هو، يعلم ان تعلقه بها غريب كونه لم يراها سوى مرتين ولكن يكاد يقسم أن ما شعر به معها لا يضاهيه شيء قط و كفيل أن يجعله يعشقها للبقية من عمره دون كلل.

شعرت هي بأنفاسه الساخنة من الخلف لترتعب بشدة فهي تذكر جموحه وأفعاله المشاغبة لتلتفت له بعصبية وتهتف بشراسة قتالية ليست غريبة عليها:
ابعد عني وإياك تفكر تلمسني، أنت فاكر نفسك أيه؟

وكأنه لم يستمع لها وكأنها بحديثها ذلك دعته دعوة صريحة لكي يتفرس بوجهها ويهيم بملامحها الرقيقة عن كثب فقد رفع ذراعية القوية يحتجزها بينهم و ظل يقترب دون وعي يستجدي قربها فحقًا أدرك أن عندما يتعلق الأمر بها لا يستطيع كبح نفسه وكأن جسده يتصرف من تلقائه دون أدنى تفكير منه، لتتسارع أنفاسها وهي تشعر أن ثاقبتيه تكاد تخترق روحها وأنه سيكرر أفعاله الجامحة مرة آخرى لتزفر بضيق ودون أي مقدمات كانت تضربه بمعدته كي يتركها ويحل وثاق ذراعيه من حولها ليهتف وهو ينحني يتمسك بمعدته و يصر على أسنانه بألم:.

هو أنتِ لسة شرسة زي ما انتِ متغيرتش
لتهدر بإنفعال وبغيظ شديد من جرئته التي لا تمت للعقل بِصلة: لو فكرت تعمل كدة تاني هفضحك يا استاذ يا محترم، وخلي بالك انا عاملة خاطر بس ل لين ولولآ هي كنت كرشتك من بيتنا شر طردة
ذلك أخر ما تفوهت به قبل خروجها بخطوات غاضبة للغايه تاركته في حالة لا يحسد عليها ولكن رغم كل شيء يقسم أنه لن يكف عن إصراره نحوها.

بعد أنتهاء عشاءهم ومغادرة كل منهم على غرفته أصتحبتهم فريدة إلى ذلك الجناح الكبير الذي يفصله من الداخل باب يحيل بين غرفتين منفصلتين لتقول وهي تنظر لشرودهم بآسى:
أسمعوا يا ولاد لازم الكل يقتنع أنكم متجوزين علشان كدة هتقعدوا هنا، وبكرة الصبح تروح تجيب حاجتك من الفندق وكمان لازم تجيب عز يقعد معانا انا مش هسمح ابدًا يبقى بيتي مفتوح وهو قاعد في فندق.

رفعت لين نظراتها وقالت بتخبط: انا مقدرة أنك مش عايزاه يشوفني مكسورة قدامه ومقدرة كمان انك خايفة على حيات ميان بس أنا...
لتقاطعها فريدة بصرامة: بلاش كلام ملوش لازمة دلوقتي واتأكدي إني عمري ما هحب ميان أكتر منك أنتو الأتنين بناتي ومصلحتكم تهمني وعمري ما هاجي على واحدة على حساب التانية.

أومأت لين بتفهم بينما ربتت فريدة على وجنتها بحنان كي تطمئنها فهي فعلت كل ذلك لغرض آخر سينكشف ماهيته مع الأيام لتنهض كي تغادر ولكن بعد أن ربتت على كتف يعقوب وقالت بثقة:
أنا عارفة أنك بتعز لين زي أختك واللي خلاك تحافظ عليها في الغُربة وأنتوا لوحدكم هيخليك تحافظ عليها هنا و متخزلهاش وتقف في ضهرها
لتخرج هي تاركة يعقوب يزفر بضيق ويقول بعدم رضا وهو ينظر لأثرها: انا مش عاجني الوضع دة ومش هعرف أسايركم فيه.

نهضت لين وتسألت بإستغراب: ليه يا يعقوب من أمتى بتتخلى عني، يمكن ماما عندها حق انا مش عايزة أخرب حياة ميان وحاسة أن باللي حصل دة كرامتي اللي داسها تحت رجله هترجعلي تاني
نفى برأسه بعدم أقتناع وهدر بحدة: أنتِ كدة بتعقديها أكتر
صدقيني هو لو عرف الحقيقة مش هيستنى مع أختك ثانية واحدة وهيرجع راكع تحت رجليكِ
غامت عيناها وقال بيأس تملك منها وبنبرة واهنة مستسلمة لواقعها المرير الذي فرضه عليها:.

بس هو مبقاش يحبني خلاص وقالي أنو نسيني ومتهيئلي مهما قولتله مش هيقتنع، يوسف أتغير يا يعقوب ومبقاش الحنين الطيب الشهم اللي عنده استعداد يعمل أي حاجة علشاني، وكأن يوسف اللي عرفته وحبيته مات يومها على المركب ومات معاه قلبه
ليصيح يعقوب وهو يلتمس له الأعذار: يمكن علشان فاهم غلط ولسة مصدق انك خدعتيه.

نفت برأسها برفض قاطع وصرخت بعصبية: حتى لو اللي بتقوله دة صح أنا مستحيل أعمل كدة في أختي انا مش عايزاها تكرهني
أحتدت نظرات يعقوب وزمجر بغضب وصرخ بها بإيلام كي يفيقها من نوبة التضحية تلك:.

بَطلي بقى تعملي حساب لكل الناس، إلا نفسك وأفتكري حالتك كانت عاملة أزاي لما كنتِ فكراه ميت، أفتكري حاولتي تنتحري كام مرة علشان تموتي زيه أفتكري أنك كنتِ لا بتاكلي ولا بتشربي ولا بتنامي من حزنك عليه، كل دة قررتي فجأة تتنازلي عنه علشان خاطر أختك اللي بقالك كام يوم بس مقابلاها لتحين منه بسمة هازئة ويضيف وهو يصفق بيده ساخرًا: لأ برافو عليكِ قمة في التضحية مفروض يدوكِ جايزة على العمل العظيم دة.

كانت تستمع له ودمعاتها تتسابق على وجنتها كنهر مياهه لا تنضب، لتصرخ به بنشيج قوي: عايزني أعمل أيه؟
تروحي تقوليله كل حاجة وتسيبي قرار الأختيار ليه
نفت برأسها بطريقة هستيرية وقالت بإصرار عجيب من بين شهقاتها الحارقة: قولتلك أتغير، أتغير، مبقاش هو اللي أنا حبيته، ومعنديش استعداد احط نفسي في مقارنة واخليه يدوس على اللي فاضل من كرامتي...

ليزفر يعقوب بنفاذ صبر ويخبرها وهو يتوجه للباب ينوي المغادرة: يبقى أقوله أنا ومتأكد أنو هيختارك
تعلقت بذراعه وصرخت ترجوه: بلاش علشان خاطري...
ليزفر بِضيقٍ ويقول وهو يشعر أن شيء ثقيل يجثم على صدره: لين أنا مستحيل أقف اتفرج عليه وهو بيتجوزها أنا كدة مبقاش بساعدك لأ أنا كدة بنهيكِ و بنهي نفسي معاكِ و بقطع الأمل الوحيد اللي اتعلقت بيه
كفكفت دمعاتها بظهر يدها وسألته بعدم فهم: أمل أيه اللي بتتكلم عنه؟

ليزفر بنفاذ صبر ويمرر يده بخصلاته الفحمية ويقول بإختناق: أنتِ مش فاهمة حاجة و أنا مخنوق ومش عايز أتكلم سبيني أخرج أشم هوا وأرجع تاني.

أومأت له بتفهم ولكنها أصرت عليه: أوعدني الأول أنك مش هتعمل كدة، تناوب نظراته بين ذراعه التي تقبض عليه وبين نظراتها التي تقطع نياط قلبه وأومأ لها وهو ينوي أن يسايرها ولكن ليس لوقت كثير، لتترك هي ذراعه و يغادر وهو يشعر أن نيران مستعرة تتأكل قلبه فهو يقسم انه لن يتوانى في تخريب تلك الزيجة التي ستقضي على كلاهما لا محالة إن تمت.

صباح يوم جديد ملئ بالمصادمات فقد ذهب لعنوان تلك الشركة التي حصل على عنوانها مسبقًا وما أن وطأت قدمه داخلها تعلقت كافة الأنظار عليه فكان
يرتدي حِلة أنيقة للغاية من اللون الباچ الذي يتماشى مع زيتونتيه الخلابة وتحتها قميص أبيض تارك اول زرارين مفتوحين وحذاء لامع انيق يتماشى معهم، فكانت هيئته صارخة بالجاذبية تخطف أنفاس كل من يقع عينه عليه.

رفع نظارته الشمسية يسندها على خصلاته الشقراء بعض الشيء و وقف يستعلم بكل هيبة و وقار عن إمكانية مقابلة مالك الشركة لترفع موظفة الإستقبال سماعة الهاتف وتطلب منه بأدب أن ينتظر عدة ثواني،.

بينما على الصعيد الأخر كانت كل أنش بجسدها ينتفض عندما استمعت لأسمه عبر الهاتف مما جعلها تتفحص الحاسوب الخاص بها المتصل بكاميرات المراقبة وعندما تأكدت أنه هو أتسعت سوداويتها بذهول و ركضت إلى مكتب يوسف وهي ترتجف بقوة وتصيح بتقطع وبأنفاس متلاحقة ما أن وقفت بمواجهته: يوسف، الحقني، هو، والله هو، أنا متأكدة، شوفته جوة الشركة و موظفة الأستقبال بلغتني انه عايز يقابلك.

عقد يوسف حاجبيه وتسأل بتوجس: أهدي واتنفسي هو مين يا ماهيتاب
لتهتف بنبرة مرتعشة وبوجه شاحب كشحوب الموتي من شدة تفاجئها: عز الأنصاري
انكمشت معالم وجه يوسف بإستغراب وسألها بريبة: عز مش معقول هيكون بيعمل أيه هنا وعايز يقابلني ليه؟
نفت هي برأسها بجهل تام ثم قالت بإرتعاش: معرفش بس اللي أعرفه أنو مش لازم يشوفني انا عايزة أمشي، سبني أمشي.

تنهد يوسف بنفاذ صبر وقال وهو يجلسها على أحد المقاعد القريبة ويناولها كوب من المياه:
أهدي ومتخافيش هو مستحيل يأذيكِ وممكن حتى ميكونش فاكرك، أنا عايزك تتعاملي عادي ولازم تواجهي
نفت برأسها بقوة و وضعت كوب المياه من يدها بأيدي مرتعشة أعلى المنضدة وأجهشت بالبكاء، ليقول يوسف بإصرار كي يحفزها:.

ماهيتاب قومي أغسلي وشك واستقبليه أنا عايزك أقوى من كدة مش دي ماهيتاب القوية الذكية اللي ساعدتني وحمت عز وأنتصرت على وليد معايا.

فرت دمعاتها من مقلتيها وقالت بأنهيار وهي تنهض: بس هو ميعرفش أنا مقولتلوش حاجة في جوابي اللي أديتك تدهوله من تلت سنين، أنا بس حكيتله عن حياتي قبل ما أعرفه كنت عايزاه يعرف إني كنت ضحية للملعون وليد لتشهق شهقة حارقة وتستأنف مرضتش أحكيله أي حاجة عن اللي عملته علشانه علشان ميفتكرش إني بستعطفه وبحاول أأثر عليه علشان يرجعلي.

تنهد يوسف وأخبرها بجدية شديدة: يبقى تتعاملي عادي هو مش عايز منك حاجة وبلاش خوفك دة هو مش من حقه يحاسبك او يلومك على أي حاجة، ليأشر برسمية شديدة نحو الباب ويضيف:
تروحي على مكتبك وتباشري شغلك وتتعاملي معاه زي أي حد
أغمضت سودويتها تحاول ان تستعيد رباط جأشها وقالت بتوتر شديد: حاضر بس أديني عشر دقايق بس.

أومأ لها يوسف وهو يجلس خلف مكتبه وأمرها أن يدعوه يحضر وأنه هو من سيستقبله، بينما هي إنصاعت له وقبل وصوله للمكتب كانت قد ذهبت للمرحاض تنثر وجهها الخالي من مستحضرات التجميل ببعض قطرات المياه كي تحفز نفسها للقادم، بينما هو وصل لتوه واستقبله يوسف ببسمة واسعة فخورة بعض الشيء عندما أخبره أن مالك تلك الشركة التي وقع عليها الأختيار لتباشر الصفقة التي تخص شركته فيبدو أنه قد أثبت جدارة بذلك المجال لدرجة أهلته أن يتم أختياره هو دون عن أي شركة آخرى من قبل أكبر شركة للترويج في إيطاليا، صافحه يوسف برحابة ودعاه للجلوس، ليقول عز وهو يضيق زيتونيتاه:.

أتشرفت بمقابلتك مستر يوسف بس مش عارف ليه حاسس أن وشك مألوف أحنا اتقابلنا قبل كدة
أبتسم يوسف و رد بلطف: يمكن ليه لأ أنا كنت عايش فترة في إيطاليا
أومأ عز ولكنه لم يعير الأمر أي أهتمام آخر وظل يتحدث بأمور العمل بكل جدية، وبعد بعض وقت قليل رفع يوسف سماعة هاتف مكتبه وقال بإقتضاب:
هاتي ملف صفقة إيطاليا
وياريت تجيبي لمستر عز لمون متهيئلي هيبقى محتاجه.

عقد عز حاجبيه بإستغراب من طريقته ولكنه باشر تنظيم الأوراق التي بيده التي أخرجها لتوه من حقيبة يده
ثواني معدودة ودخلت هي تأخر قدم وتقدم قدم بتوتر شديد وهي تحمل بيدها كوب من عصير الليمون كما طلب وباليد الآخرى ذلك الملف،.

كان هو منهك بما يفعله ولم يلحظ دخولها، بينما يوسف ظل يسند جانب وجهه بأبهامه وسبابته وهو يستند على مقعده يراقب ما يحدث بترقب شديد، أطرقت هي برأسها وسارت نحو المكتب وسلمت يوسف الملف بيده وإن كادت تضع الكوب على سطح المكتب أمرها يوسف برسمية:
قدميه لمستر عز بنفسك
رفعت نظراتها إليه تستجديه أن يرأف بها ولكنه حفزها بنظراته كي تفعلها.

لتبتلع ريقها ببطء تحاول ان تتماسك وخطت نحوه ووقفت مواجهة له وهو منعكف على الأوراق ويصب عليها كافة تركيزه، لوهلة لاحت بسمة حالمة على ثغرها عندما رأت كيف أصبحت هيئته مختلفة تنم عن شخص أكثر ثقة وصلابة وشموخ عن ما عاهدته، نفضت أفكارها سريعًا وهي تقبض على الكوب المسنود على ذلك الطبق الصغير بأيدي مرتعشة مما جعل صوت أرتجاج الزجاج ببعض يصنع صوت لفت أنتباهه وجعله يرفع غابات الزيتون خاصته ببطء عليها أبتدءً من حذائها الزاحف وملابسها المحتشمة البسيطة نهايةً بحجاب رأسها الذي زين وجهها الخالي تمامًا من أي شيء يشوب جمالها فكان يشع بحمرة متوهجة أضافت على عيناها السوداوية الآسرة سحر خاص بها لطالما آسر قلبه، لوهلة توقف الزمن به وشعر أنه يهيء له ولكن عندما تيقن انها حقيقة كامنة أمام عينه نهض ببطء وهو يهمس بإسمها بنبرة ذاهلة وكأنه تم صعقه لتوه:.

ماهيتاب.

تقسم انها حاولت ثم حاولت التماسك ولكن عند تفوهه بإسمها بتلك الطريقة أنتفض جسدها وسقط كوب العصير من يدها وما كان منها إلا أن تركض هاربة من أمامه دون أن تنبت ببنت شفة وإن وصلت لمكتبها تناولت حقيبتها ومفاتيح سيارتها الصغيرة وركضت دون أي تردد للخارج بينما هو ظل يستوعب الأمر لدقيقة واحدة ثم دون مقدمات لملم أوراقه بفوضاوية و أعتذر من يوسف وركض خلفها لينظر يوسف لأثرهم بسعادة متناهية لملاقاتهم من جديد وظهور اللهفة الواضحة على وجه عز دليل على أنه مازال يكن لها مشاعر دفينة، فنعم هي تستحق فرصة ثانية الكل يستحق ذلك بنظره إلا هي، وعلى ذكر سيرتها أخرج ذلك السلسال الذي نزعه عنها عنوة وظل يتأمله بحنين قاتل ثم هتف يعاتب ذلك الحجر المتدلي منه وكأن يخاطب شخصها أمامه بشيء من المنطقية أخيرًا:.

ياترى ليه أحتفظتي بيه، معقول تكونِ حبيتيني للدرجة اللي تخليكِ تحتفظي بيه حتى وأنتِ في عصمة راجل تاني...
مرر يده على وجهه في عنف وهو يشعر أنه يكاد يفقد صوابه من حل ذلك اللغز اللعين الذي ينغص عليه كافة حياته.

آما هي ركبت لتوها سيارتها وما أغلقت بابها أجهشت ببكاء مرير لم تعلم سببه لتضرب عجلة المقود أمامها عدة ضربات متتالية بهستيرية ودون ان تتوانى أكثر كانت تشعل مقود السيارة كي تنطلق هاربة لاتعلم لمَ ولكنها تعلم أنها لا تريد نبش الماضي من جديد وتتخوف من إيلامه لها.

إن كادت تنطلق ظهر هو أمام سيارتها لاهثًا يستوقفها ولكنها نفت برأسها وضغطت على عجلة القيادة كي تغدو في طريقها ليضع هو كفوف يده على مقدمة سيارتها ويطرق عليها عدة طرقات كي تنتظر.

ولكنها أدارت عجلة القيادة وتراجعت للخلف بِسيارتها وفرت من أمامه ليركض خلفها و يصرخ بإسمها بجنون: ماهيتاب متسبنيش تاني زادت سرعة سيارتها عندما استمعت لصراخه ودون وعي ظلت شهقاتها تتعالى وهي تبتعد شيء فشيء عن ناظريه وتتركه كالمجنون التي هاجمته نوبته الهستيرية الآن يدور حول نفسه كي يجد طريقة ليلحق بها...

دقائق معدودة و وصلت لشقتها التي ما أن وطأت قدميها داخلها نزعت عن رأسها حجاب رأسها لتطلق العنان لخصلاتها الحمراء المشتعلة أن تنسدل بحُرية حول وجهها لترتمي على فراشها و دمعاتها تنهمر بلا هوادة وتدعوا ربها بقلب متألم أن يمنحها القوة اللازمة كي تواجه مخاوفها فهي تعلم أنه لابد من المواجهة عاجلًا آم أجلًا ولا مفر منها ولكن لم تكن تعلم انها على بعد هفوة منها فقد تعالى جرس باب شقتها لتوه، كفكفت دمعاتها وتناولت وشاحها وضعته على شعرها ونهضت تفتح دون أي أدنى توقع منها أنه هو يقف على أعتاب شقتها بعدما لحق بها بأحد سيارات الأجرة التي أنطلقت مسرعة خلفها.

، زفر بإرتياح وهو يجدها أمامه بينما هي تراجعت عدة خطوات للخلف بشدوه تام ليتقدم للداخل وهو يشملها بدفئ عيناه الحنونة ويقول بعتاب مميت: بتهربي مني ليه؟
حرام عليكِ دة انا مصدقت لقيتك.

نفت برأسها وأرتمت على أحد المقاعد القريبة وهي تجهش من جديد بالبكاء وتخفي وجهها بكفوفها وكأنها لم تستمع لجملته الأخيرة من الأساس، لتغيم عينه و يجثو على ركبتيه أمامها ويمد يده يسحب يدها عن وجهها كي يملي عينه برؤياها ويهمس بنبرة متفهمة حنونة طالما كانت تلازمه وهو يمرر أنامله على وجنتها يزيح دمعاتها:
دموعك دي بتقتلني علشان خاطري أتكلمي قولي أي حاجة.

حاولت هي تنظيم أنفاسها وأغمضت عيناها بقوة وهي مطرقة الرأس بخزي، ليرفع ذقنها بأنامله ويقول بعتاب أهلك قلبها: حتى نظراتك مستكتراها عليا بعد كل السنين دي فتحي عينك خليني أشوف نجومي في سماها و أتأكد أنك لسة منستنيش ولسة فاكراني
فتحت عيناها الآسرة ببطء له وقالت بنبرة واهنة دبت بجسده القشعريرة: عمري ما نسيتك ولا اتخيلت نفسي مع حد غيرك، بس أنت كتير أوي عليا و أنا مستهلكش أنت تستاهل حد أحسن مني.

نفى برأسه وفرت دمعة خائنة من عينه وقال بإصرار عظيم وهو يكوب وجنتها بين راحتيه: بس أنا مش عايز غيرك
حانت منها بسمة متألمة وهي تشعر كم كانت تفتقد تفهمه وحنانه التي طالما عاهدته عليهم، لتتيه بسوداويتها داخل غابات الزيتون الدافئة خاصته وتقول بخزي من نفسها ومن أفعالها السابقة:
أنا غلطت كتير زمان وكنت السبب في...

أبتلعت باقي حديثها بجوفها عندما وضع يده على فمها وقال بفكر مازال راسخ بداخله: الماضي راح بكل ما فيه بلاش نفتحه من جديد، وبعدين أنا عمري ما هعاتبك ولا ألومك على اللي فات، كلنا بنغلط ومحدش فينا معصوم من الغلط، ويمكن السنين اللي بعدناها عن بعض كانت لصالحنا أنا أتغيرت وأنتِ كمان اتغيرتي للأحسن ونقدر نبدء من تاني حياة جديدة
حياة جديدة.

تسألت هي بأنفاس مختنقة بعبراتها التي كانت تهطل دون هوادة من شدة تأثرها بحديثه
هز رأسه وقال بإصرار عجيب وبكل ثقة وكأن قراره ذلك غير قابل للنقاش أو المجادلة: أيوة حياة جديدة، هتجوزك ودلوقتي
أبتسمت بسمة واسعة من بين دمعاتها وتسألت وهي تضع يدها على فمها بعدم تصديق: بجد يا عز هتتجوزني!
أكد لها بعشق تام وهو يسحب يدها ويلثمها: بجد يا قلب عز وهنعوض كل اللي فات من حياتنا واحنا بعيد عن بعض.

لتكفكف دمعاتها وتبتسم بسعادة متناهية بينما هو نهض من جلسته وقال لها بتلهف شديد: هروح أجيب مأذون عقبال ما تجهزي وأعملي حسابك هنقعد هنا كام يوم وبعدين هاخدك ونسافر وهناك هعملك فرح محصلش
هزت رأسها بعدم إقتناع وهمهمت وهي تقطم شفاهها بحرج و تنهض مواجهة له: بس انا مش عايزة أسيب مصر تاني وكمان مش عايزة فرح ومش هتجوز غير لما يكون يوسف شاهد على عقد جوازنا...

تنهد بعمق وقال وهو يحاوط يدها بمراعاه وتفهم كعادته: خلينا نأجل القرار في موضوع السفر والفرح لبعدين ونتناقش فيه براحتنا، لكن ليه مستر يوسف بالذات اللي يشهد على جوازنا
تلعثمت وأخبرته بِعرفان: أنت عارف أنا مليش حد أبدًا وحتى عمي اللي كان ليا عرفت أنه اتوفى، و
يوسف هو، الوحيد اللي وقف جنبي وساعدني، أصل في حاجات كتيرحصلت لازم أحكيهالك و يكون عندك علم بيها.

أومأ لها بتفهم وقال بتلهف شديد: المهم دلوقتي تكونِ ليا والكلام يتأجل لبعدين، خلاص يبقى هعزمهم كلهم بليل علشان يشاركونا فرحتنا ونعمل حفلة صغيرة كدة على قدنا
هزت رأسها ببسمة واسعة ليرفع هو يدها من جديد ويلثمها ويقول بعشق تام: بحبك يا مدوخاني
تنهدت بحرج وقالت وهي مطرقة الرأس: وأنا كمان.

ليبتسم بسعادة متناهية ويخطوا بتلهف شديد نحو باب الشقة ليغادر بينما هي كانت تشعر أن قلبها سيتوقف من شدة فرحتها لترفع عيناها وتشكر ربها أنه سيعوضها عن كل ماعانته بحياتها السابقة.

تململت بتكاسل كعادتها بذلك الوقت المتأخر من النهار فهي لم تنم ليلة أمس بتاتًا من تفكيرها بذلك الوقح و الصدفة العجيبة التي حدثت و تخطت كل المنطق، لوهلة رمشت بأهدابها وهي تشعر بإنزعاج من رائحة غير مألوفة بالنسبة لها وإن تحاملت واستفاقت من سباتها تجمدت نظراتها بذعر حقيقي وهي تلاحظ تلك النظرات الثاقبة تترصد بها من موقعه على أحد المقاعد بزاوية غرفتها فكان ينفث دخان أحد سجائره بغضب بَين يظهر على تقاسيم وجهه، لتنتفض بقوة وإن كادت تصرخ كان هو أسرع منها فألقى بسجارته ودهسها بطرف حذائه وأختصر المسافة بينهم بخطوة واحدة وعاجلها بوضع كفه العريض على فمها يكتم صراخها وباليد الأخرى يحاوط خصرها ليلتزق ظهرها بصدره الذي كان يعلوا ويهبط بهياج شديد من قربها الخطير منه، تملصت هي بين يده بقوة وأخذت تضرب ذراعه بذعر كي يبتعد عنها ولكنه كعادته التي تهوى الإصرار.

همس بأذنها بنبرة تحمل الوعيد بين جنباتها: ششششششش أهدي يا مانجتي أنا مش هأذيكِ انا بس عايز أتكلم معاكِ وأنتِ مش عطياني فرصة
هزت رأسها بقوة حتى تناثرت خصلاتها وتطاير عبقها الأخاذ الذي جعله يغمض عينه ويتناول نفس عميق وهو يغرس أنفه بين خصلاتها من الخلف، لوهلة شعرت بقشعريرة مثيرة أنتابتها ولكنها حاولت جاهدة ان لا تكف عن دفعاتها المستميتة كي يتركها، ليهمس هو بنبرة مثيرة بجانب أذنها:.

بلاش تعملي فيا كدة يا ميان أنا عارف أنك فكراني زي ما أنا فكرك وعمري ما نسيتك.

نفت برأسها مرة آخرى وهي تشعر انها على وشك الأختناق بسبب قبضته ولكن كعادته عندما يتعلق الأمر بصهبائه لا يستطيع كبح نفسه أو الألتزام بأي عقلانية ليميل بوجهه وبأنفاسه الساخنة يلفح جانب وجهها الذي كان يشع بحمرة قانية لا يعلم من تأثيره عليها أم من شدة حاجتها للهواء لتغمض هي عيناها بقوة وهو يمرر أنفه على عنقها بطريقة أرجفت كافة دواخلها وخصةً عندما همس بطريقة مهلكة وهو ينثر قبلات خفيفة على عنقها:.

أنا دورت عليكِ كتير بس مكنش ليكِ أثر، أختفيتي بعد ما شغلتي قلبي وعقلي بيكِ.

شعرت أن ساقيها لم يعدو يحملوها وكأن الخدر تملك منها فكانت لحظة مذهلة لكليهما وكأن أحد القى عليهم تعويذة سحرية دام مفعولها لثوانيٍ عدة قبل أن تنفض تأثيره جانبًا وتتدارك الأمر بِفطنتها و تستغل كون قبضته تراخت بعض الشيء عن فمها وهو منهك مغيب بما يفعله وقطمتها بأسنانها بشراسة هجومية جعلته يجذع من فعلتها ويجز على نواجذه من شدة الألم ويقول من بين أسنانه بغيظ:.

يا بنت العضاضة أنتِ الظاهر مَكنوش بيأكلوكي لحمة؟
لتدفعه هي بصدره بقوة أسقطته على طرف الفراش وصرخت بأنفاس متسارعة منفعلة: يا وقح وحيات ربنا لهفضحك، انت أزاي تسمح لنفسك تدخل هنا وتحاول تتهجم عليا.

حانت منه بسمة جانبية وهو يشملها بجرئة والمكر يتراقص داخل عينه، لتشهق هي بقوة وهي تنظر لمنامتها الوردية القصيرة التي تكشف الكثير من جسدها بسخاء لتلعنه تحت أنفاسها وتهرول تتناول مأذرها ترتديه بعصبية مفرطة تحت نظراته الثاقبة المستمتعة، لتصرخ به من جديد وهي تؤشر على باب غرفتها:
برررررة وقسم بالله لو مطلعتش هصوت وألم عليك البيت كله.

ليقول هو بشغب وهو يتمدد على فراشها بكل أريحية: ودي تفوتني برضو، محدش في البيت غيرنا كلهم خرجوا
لتدب بقدمها الأرض بقوة وتصرخ به بشراسة قتالية: أنت أزاي وقح كدة على الأقل أعمل حساب لمراتك اللي هي أختي
اعتدل بجلسته وقال لها بِمشاكسة: دي هي مشكلتك يعني لو كنت مش جوز أختك كان هيبقى عادي
كتفت يدها على صدرها بغيظ وقالت بإنفعال قد بلغ منها مبلغه من وقاحته التي تعدت حدود المنطق:.

أنت غبي صح، قولتلك مش فكراك ولا عايزة أفتكرك وحتى لو حصل دة مش هيغير حاجة كونك جوز أختي الكبيرة
تنهد وسألها وهو ينهض يتقدم منها بخطوات مريبة أرجفتها: مجبتيش سيرة خطيبك يعني، أيه مش حطاه ليه في حسبتك هو كمان
زاغت نظراتها و أبتلعت ريقها بتوتر شديد فهو محق لمَ لم تذكر له أنها على وشك الزواج حتى انها لم تكلف ذاتها أن تتذكر كونها لن تستطيع ان تتخلى عن يوسف من أجل أي شيء آخر،.

أنتشلها من خضم أفكارها قوله بإصرار كعادته وهو يحاول أن يحاوط خصرها من جديد: صدقيني هو مش بيحبك يا مانجتي هو...
صفعة قوية سقطت على وجنته كانت تأثيرها عليه كالصاعة تلاها صراخها به بهستيرية وهي تدفعه بكل ما أوتيت من قوة بصدره وكأنها تداركت الآن فقط أنها تحت وطأت شخص آخر:
أخرس وملكش دعوة بيا وبحياتي وإياك تحاول تقرب مني تاني وإلا قسم بالله لهفضحك وهقول للكل على قذارتك ووقاحتك معايا.

أحتدت نظراته بشدة وقد أحتلها الجحيم لتوها، ليكور قبضة يده بقوة حتى أبيضت مفاصلها فكان يحاول جاهدًا أن يتمالك زمام نفسه ودون أن يعطي لها مجال لطرده كان هو يفتح باب الغرفة بعصبية مفرطة ويغادر بخطوات واسعة يتأكلها الغضب تاركها تغلق خلفه الباب وتستند عليه وهي تشعر أنها ستصيب بالجنون لتوها من كل ماحدث.

حضرت هي و والدتها و مارسيل والصغير إلى بيت ماهيتاب بعد ألحاح عظيم من عز كي يتعرفوا عليها ويساعدوها بتحضير ذاتها فهو لن يغفل كونها طالما كانت وحيدة لا يوجد أحد يساندها، لاتنكر لين أنها تفاجأت كثيرًا عندما وجدتها هي ذاتها مساعدة يوسف التي أوصلتها وكانت ودودة معها يومها ولكن ظلت علامة أستفهام كبيرة بذهنها عن سر معرفتها به لاتعلم لمَ تذكرت تلك الجملة التي قالتها لها حينها و لم تعيرها أي أهمية.

( يوسف حد طيب وجدع وعلى فكرة هو مساعدنيش أنا لوحدي دة ساعد ناس كتير أوي بس من غير ما تحس وبفضل ربنا وفضله هو هما عايشين بسلام دلوقتي ).

لاتعلم لمَ ظل حديثها يطن بإذنها مرات عدة وكأنه جرس أنذار ينبئها بشيء هي ذاتها تجهل ماهيته، نفضت أفكارها سريعًا وهي تجلس معها بمفردها بالغرفة كي تساعدها في تحضير ذاتها بينما فريدة و مارسيل كانوا يحضرون أمر الضيافة بالخارج، أبتسمت ماهيتاب بحرج شديد وهي مطرقة الرأس كأنها مازالت تشعر بالخزي من كل ما سبق، لتتنهد لين بعدما تفهمت ما يدور برأسها وقالت بود وهي تجلس بمواجهتها وتربت على ساقها:.

أرفعي راسك بلاش تتكسفي مني، منكرش إني كنت ضد عز لما كان بيقولي أنو مش عارف ينساكِ، بس لما قابلتك وشوفت قد أيه أنتِ حد لطيف
عذرته وفرحت أوي أنك ألتزمتي وندمتي على اللي فات
أبتسمت ماهيتاب وهي تفرك بيدها وتلعثمت بتوجس: يعني أنتِ سامحتيني على اللي حصل زمان.

أبتسمت لين وقالت بكل ثقة: هو نفسه سامحك وأهو هيتجوزك وبعدين يمكن لو مكنش حصل كل دة مكنش زمانه بقى الراجل اللي أنتِ شيفاه دلوقتي، لتتنهد وتستأنف بنبرة حزينة: عز السنين اللي فاتت كان مموت نفسه في الشغل وكان قافل على نفسه ورغم إني أنا و يعقوب كنا بنلح عليه كتير يرتبط ويأسس أسرة بس هو ديمًا كان بيقولي أنو مش لاقي روحه مع حد، بس رغم إني كنت بعتب عليه بس جوايا كنت بعذره أصل محدش ليه سلطان على قلبه الحب دة بيبقى عامل زي المرض الوِحش بيدخل الجسم وبيحلف ماهو طالع إلا بموت صاحبه.

كانت تتفوه بكل كلمة وكأنها توصف حالتها هي حتى أنها دون وعي غامت عيناها ووضعت يدها على عنقها ولكن خابت آمالها عندماأيقنت أن حتى ذكرياته استكترها عليها وسلبها منها
ياه للدرجة دي بتحبيه؟
أنتشلها من شرودها سؤال
ماهيتاب الذي أجفلها وجعلها تبتلع ريقها بحلق جاف وتتسأل بريبة: هو مين؟

تنهدت ماهيتاب وكادت تقصد يوسف ولكنها تراجعت خشية كون ما أخبرها به يوسف عنها و عن ما فعلته به يكون بمحله، لتتلعثم قائلة كي تتدارك الموقف: جوزك، قصدي جوزك
تنهدت لين بعمق وأخبرتها بِصدق دون لحظة شك واحدة: يعقوب طول عمره جنبي وهو و عز واحد عندي موضوع جوازنا دة كان لسبب وكنا مضطرين عليه
ممكن أعرف ليه؟
أبتسمت برحابة وأخبرتها وهي تنهض كي تساعدها بإرتداء ذلك الثوب الأبيض المبهر الذي أبتاعه عز لها:.

ممكن جدًا أحنا خلاص بقينا أصحاب بس مش دلوقتي علشان مفيش وقت ياعروسة العريس هيقتلنا لو جة ولقاكِ لسة ما جهزتيش.

هزت ماهيتاب رأسها بتفهم وبسعادة متناهية وهي تنوي في قرارة نفسها أن تخبره بما تفوهت به لين منذ قليل فهي تعلم أنه مازال يكن لها العديد من المشاعر التي ظهرت جلية عليه أثناء إغمائها بشركته، فهي تقسم أن حدثها نحوها سيصدق و أن يوجد سر غامض حول زيجتها بذلك ال يعقوب ولابد أن تعلمه فربما تستطيع ان ترد لو جزء بسيط من معروفه معها.

آما عن تلك المتمردة كانت تجلس برفقة والدتها وهي كل حين وآخر تنفخ أوداجها بضجر كعادتها المتمردة لتسألها نجية: مالك يا موكوسة بتنفخي ليه؟
تنهدت حلا وأجابتها بضيق: ماما أنا زهقت ومش عارفة هو بيعمل معايا كدة ليه
هزت نجية رأسها وسألتها بتوجس: ماله يا بنتي دة الراجل بيتمنالك الرضا ترضي وواخدك على كفوف الراحة
كتفت يدها اعلى صدرها وقالت بتمرد: اه أفضلي دافعي عنه كأنه هو اللي أبنك مش أنا.

لترد نجية بمسايرة فهي تعلم أن تفكير أبنتها سطحي ولن يتغير ابدًا: أيوة هو أبني ومعزته متقلش عنك أنتِ وأخوكِ وقصري بقى يا حلا وبطلي تلفي وتدوري علشان أنا حفظاكِ.

لتنفجر حلا بإندفاع كعادتها: يعني يرضيكِ خلاني مشيت المربية وكمان كل شغل البيت عليا وكل ما أقوله على حاجة يقولي لأ ومش راضي يخليني أروح مع ميان و يوسف وبيتحجج بالشغل وبالولد دة غير انه علطول مشغول ومموت نفسه بين المعرض والشركة ولما أقوله سيب المعرض يقولي لأ الناس دي لحم كتافي من خيرهم.

تنهدت نجية بيأس من تفكير أبنتها وقالت بنبرة حنونة كي تهدئها: يا بنتي سبيه براحته يمكن مش عايز يسافر معاهم علشان محروج يقعد وسطيهم ما أنتِ عارفة جوزك حساس قد أيه وبعدين هو صح، المربية كان لازم تمشي أنا كمان مكنتش موافقاكِ أبدًا عليها وبعدين جوزك أصيل وابن أصول ومستحيل ينسى فضل حد عليه.

لوحت حلا بيدها وقالت بغيظ: محدش ليه فضل عليه هو كان بيشتغل وبياخد مرتب زيه زي غيره، وبعدين خليكِ كدة عمرك ما تنصفيني أبدًا وعلطول بتدفعي عنه
أنا مع الحق ولو جوزك هو الغلطان عمري ما هاجي عليكِ ويلا قومي علشان تعملي لقمة لجوزك وتستقبليه الراجل بيجي شقيان وبيبقى محتاج يرجع بيته يلاقي مراته مستنياه ولقمة سُخنة يتقوت بيها.

لوحت حلا بيدها بلامبلاه وقالت: مش هعمل أكل هو هيتصرف لما يجي يجيب أي حاجة من برة أنا هاخد أبني وأطلع انام
ضربت نجية كف على آخر بعدم رضا ودعت ربها أن يهدي أبنتها ويجعلها تكف عن تمردها ذلك الذي سيخرب حياتها.

آما بشقة ماهيتاب المتواضعة حضر الجميع كي يشاركوهم فرحتهم
فكانت هي في قمة سعادتها وتشعر أنها تحلم حلم جميل لا تريد الأستيقاظ منه مطلقًا.

آما هو كان يشعر بالكمال لتوه بالقرب منها، بينما عن صاحبة الفخوخ الآسرة كانت تجلس بجانب يعقوب الذي كان كل حين وآخر يميل برأسه ويهمس بأذنها وتنفجر هي ضاحكة بعدها، حاول جاهدًا أن يلتزم بثباته أمام الجميع ولكن مايحدث أَثار أعصابه بشدة وخصةً كونها بكل مرة تضحك بها تظهر فخوخها الآسرة التي أوقعته بها لتجعله يلعن تحت أنفاسه ويتوتر بشدة، لاحظت فريدة ما يدور وللغرابة أشفقت عليه فكانت أبنتها متأنقة للغاية ترتدي ثوب أحمر ناري قامت بإجبارها عليه و أصرت أيضًا أن تجعلها تطلق العنان لخصلاتها البُنية وأكملت إطلالتها بتلك الحمرة القانية التي وضعتها لها على شفاهها قسرًا فجعلت هيئتها مختلفة مثيرة تخطف الأنفاس وأولهم هو الذي كان كل حين وآخر يرمقها بطرف عينه وهو يشعر أنه يجلس على صفيح ساخن يود أن تنتهي تلك المراسم كي يغادر قبل أن يفقد عقله، آما عن صاحب الثاقبتين فكان كل حين وآخر يرمق صهباءه بطرف عينه وهو يشعر بنيران متأجأجة داخل صدره وهو يراها تتأبط ذراع ذلك الغبي وتلتصق به وكأنها تحتمي به وتخشى أن ينزعها أحد من جانبه، فكان حقًا يشعر بالخنق منه وكلما تقابلت عيناهم كان يرسل له نظرات حاقدة لا تقل عن حدة نظرات يوسف بشيء، ولكن يعقوب ليس بتلك السذاجة والبراءة كي يفوت عليه متعة أغاظته وأثارت غيرته فذلك الغبي من وجهة نظره عيناه تفضح مكنونها ويعلم كونه مازال يعشق لين، فكان يتعمد أن يطلق السخافات والدعابات خصته كل حين وآخر على مسامعها ويتعمد أيضًا أن يضع يده على ذراعها، مما جعل يوسف يشعر أن براكين ثائرة تتقافز حممها برأسه حتى انه أخذ يفرك وجهه بقوة كعادة ملازمة له عندما يشعر أنه سيفقد صوابه وظل يحرك قدمه بعصبية أثناء جلسته مما جعل الجميع يلاحظ مدى توتره وأولهم فريدة التي هتفت قائلة:.

عقبالكم يا يوسف والله نفسي أفرح بيكم أوي ياولاد وشايفة أنكم تستعجلوا فجوازكم بقى أنا معرفش مستنين أيه العمر بيجري وأنا نفسي أشوف ولادكم
لوهلة ساد الصمت المكان وكل منهم تعلقت عينه بمعذبته، فأحدهم كان نظراته متلبدة بغيوم معاتبة ترفض أن تهطل بغيثها على يباس قلبه، وآخرى كانت حادة ثاقبة متوعدة
تنبأ عن إصرار عظيم كون ذلك لن يحدث إلا على جثته فهو يقسم أنها لن تكون سوى له مهما كلفه الأمر.

تناوب عز النظرات بينهم بريبة شديدة فهو لا ينكر أنه تفاجئ بعدما أخبره يعقوب أن ذلك ال يوسف هو ذاته التي كانت لين تقصده سابقًا بحديثها ولا ينكر كون الشك غزى قلبه من كل ما يحدث ولكنه يشعر أن يوجد أشياء عدة تحتاج لتفسير منطقي بالنسبة له نفض أفكاره سريعًا عندما ربتت ماهيتاب على يده كي تنتشله من شروده ليدرك أنه ليس الوقت المناسب للتفكير على أي حال ولابد أن يستمتع بقربها وبتلك اللحظات التي لن تنسى، كسرت فريدة ذلك الصمت السائد و أنتشلت كل منهم من أفكاره بسؤالها: مالكم يا ولاد سكتوا ليه؟

أبتسم يوسف بمجاملة وسحب يد ميان التي تتأبط بها ذراعه وقبلها بخفة وقال بنبرة صلدة قاسية طعنت بقلب لين: أن شاء الله أنا قررت بعد أذنك أننا نكتب الكتاب أخر الأسبوع دة بعد ما نرجع من الساحل وإن شاء الله لو وافقتي من بكرة هجهز البيت وكل حاجة لازمة للفرح
شعرت بأن قلبها يعتصر من الألم ولكنها تحاملت وظلت على ثباتها حتى انها ضغطت على ذراع يعقوب كي تستمد منه القوة غافلة كونه هو ذاته حالته لا تقل شيء عنها.

لتبتسم فريدة بسمة ماكرة وتقول بترحاب وكأنها تعلن عليه ثورة حرب باردة: موافقة...

أطلقت مارسيل زغرودة عالية من شدة فرحتها وهرولت ل ميان تبارك لها بينما أبتسمت لين متغاضية عن كل شيء فهي بلأخير أختها وذلك ما كانت تتوقعه على أي حال، لتنهض تحت نظراته المشتعلة و تبارك لها بثبات أجادته للغاية وهي تقبلها وتحتضنها غافلين أن ميان تشعر أنها مشدوة من كل ما يحدث وتشعر بضيق شديد لا تعلم سببه سوى أن تلك الثاقبتين يخترقوا جسدها وتكاد تلتهم روحها، لتبتسم ببهوت وهي تخرج من أحضان لين التي وجهت نظراتها الثابتة له و مدت يدها وقالت ببسمة واسعة: مبروك يا يوسف ربنا يتمملكم على خير.

أبتلع غصة مريرة بحلقه ومد يده أيضًا كي يصافحها وما أن تلاحمت أناملهم أرتطمت عيناها داخل عسليتاه التي كان تغيم لتوها بنظرة غريبة لم تتفهم فحواها دام تعانق أناملهم ثواني معدودة ولكنها كانت كافية بجعل الجميع.

يتناوبوا نظراتهم بين بعضهم فكل منهم يحمل بداخله سر عظيم يحيل بين الحقيقة وبينهم, كل العيون صارخة ولكن تظل الألسن مكبلة فهل سيستمر ذلك الصمت المقيت لأكثر من ذلك آم سيتكاتفوا جميعهم ويفشوا عن تلك الحقيقة التي إن
ظهرت ستغير كل شيء ويسير بمساره الصحيح.

تمت المراسم على خير ومع أخر كلمة تفوه بها الشيخ جذبها عز بقوة إليه وأحتضنها بكل ما أوتي من قوة وكأنه كان ينتظر تلك اللحظة بفروغ الصبر كي تصبح زوجته ويكون يحق له أن يقترب منها.

غامت عيناها وصدرت منها شهقات خافتة من شدة سعادتها وهي تبادله عناقه و تحاوط خصره وكأنها هي أيضًا وجدت لتوها راحة ودفئ لم تحظى بهم طوال حياتها فكانت تتشبث به و كأنه هو طوق النجاه بالنسبة لها، فكانت لحظة مميزة للغاية مأثرة لأبعد حد أدمعت عين كل الحضور تأثرًا بها ليهتف يعقوب بمشاكسة بعدها:
مبررررررروك يلا يا جماعة العروسة للعريس والجري للمتاعيس يلا نسيب العرايس بقى لوحدهم بدل ما العريس يكرشنا.

قهقهوا جميعهم على دعابته وذلك المثل المصري العتيق الذي ينطبق عليهم الآن، ليغادرو بعدها تاركينهم كي ينعموا في فيضان عشقهم وينغمسوا في توابعه الفياضة.

آما عن صاحب البندقيتان الدافئة التي طالما كانت تفيض بمكنونتها من أجلها فقد دخل من باب شقته لتوه وهو حقًا منهك بعد يوم شاقً بالعمل بين المعرض والشركة يعلم أنه يتحامل على ذاته ولكنه لا يريد أن يتخلى عن أدارة المعرض فهو لا ينكر معروف أحد و يعترف أنه يدين ل مارسيل التي أوكلته به، الكثير من العرفان فلولآ كرم ربه وهي كان مازال ذلك المعدم بداخل ورشته، وأيضًا لايسعه ترك صديقه فإن هو تخلى عنه من سيسانده، تنهد بأرتياح وهو يغلق باب الشقة وهو يمني نفسه أنه سينال قسط وفير من الراحة، صوت خرمشات وضجيج خفيف ينبعث من المطبخ جعله يخطوا إلى هناك و يبتسم بسعادة وهو يظن أنها هي تعد الطعام من أجله، خابت كافة توقعاته وتسمر بموضعه عندما وجد الصغير يجلس بأرضية المطبخ بعدما فتح كافة الخزانات القريبة من موضع يده وأخرج كل ما فيها حتى المبرد لم يسلم منه فقد قام بجذب كل شيء تطوله يده الصغيرة، فكانت الفوضى تعم المكان، هنا طحين منسكب على الأرضية وهنا علب البهارات فارغة لا يعلم أين ذهب بمحتوياتها وهنا زجاجة زيت فارغة يبدو أنه سكبها فوق رأسه ليهتف بشدوه ما أن وجد الوضع مزري للغاية يفوق استيعابه: يانهاااااااار أبيض هو دة بجد عملت أيه ياقرد وفين أمك.

أنتبه الصغير له بعدما بذل مجهود خرافي كي يجلب أنينة الحليب الصغيرة من على أحد الأرفف و يحاول جاهدًا أن يرتشف منها وما أن رأه أنفجر باكيًا وركض بين ساقيه وهو يثأثأ بحروف بلكاد تفهم: ، مم، مم، أُبح.

تناول نفسً عميق كي يتمالك ذاته وأنحنى بجزعه يحمل الصغير الذي ما أن حمله نظر له بوداعة جرو صغير و سند رأسه ببرائة على كتفه وربت بأنامله الصغيرة الملطخة بأشياء عدة على أعلى ظهره وكأنه يحاول أن يهدء من روعه ويجعله يغض الطرف عن فعلته فحقًا ذلك الصغير يمتلك حيل والدته وتوارثها عنها فهي أيضًا تعرف كيف تجعله يغض الطرف عن أي شيء، ولكن يقسم أنه يتهاون بحق ذاته بكل نفس راضية ولكن عندما يتعلق الأمر بصغيره لا لن يتهاون أبدًا، خَطى خُطى واسعة إلى غرفة النوم وبالفعل وجدها تغط في سبات عميق كما توقع ليربت على ذراعيها ويهتف بحدة:.

قومي يا هانم شوفي أبنك عمل أيه نايمة ولا على بالك لأ وكمان سيبة الولد جعان
تأفأفت كعادتها وقالت بتذمر وهي تسحب الوسادة تضعها على رأسها: يوووه بقى هيكون عمل أيه يعني أنا زهقت شوفه انت وسبني أنام
حلاااااااااااااا قومي ومتستفزنيش أكتر من كدة
هتف بها بنبرة صارمة أرجفتها وجعلتها تنهض بذعر وما أن سقطت عيناها على الصغير بيده شهقت بقوة وصاحت بإنفعال: يالهوي عملت أيه في نفسك؟

ناولها الصغير وقال بنبرة قاطعة كحد السكين: تخشي تحميه وتأكليه وتنضفي الزفت اللي عمله في المطبخ وأعملي حسابك أنا هنزل بليل لأخوكِ يشوفله صِرفة معاكِ أنا زهقت من استهتارك
وضعت الصغير بلأرض وردت بإندفاع كعادتها و بإنفعال لا يقل شيء عن حدته: انا مستهترة، طب أيه رأيك بقى أنا مش هعمل حاجة وانا اللي زهقت منك ومن بيتك ومن أبنك.

حاول جاهدًا ان يتمالك زمام نفسه وقال وهو يغمض عينه بقوة ويحاول ان يبتعد عنها ويتناول الصغير الذي كان يغفي على الأرض:
أقصري الشر يا بنت الناس و روحي أعملي اللي قولتلك عليه
لتضع يدها بخصرها وتقول بعناد وتمرد كعادتها: ولو مقصرتوش يا إسماعيل هتعمل أيه؟ هتضربني مثلًا.

زفر هو بضيق وهو يمرر يده بخصلاته البُنية وقال بثقة نابعة من طيب أصله: عمري ما عملتها ولا فكرت أعملها وأنتِ عارفة رأي كويس، إن اللي يفرض سيطرته ويستقوى بدراعه على الولآية ميستهلش يتقال عليه راجل
لوحت بيدها بلامبالاه وقالت بنبرة استشعرها هو آمرة متهكمة: طب يا أبو الرجالة يا نصير الولآية يلي محسسني أنك نازل من السما ومبتغلطش، أنا معملتش أكل أنزل جيب أي حاجة عقبال ما أشوف أبنك.

رفع بندقيتاه المرهقة لها وهدر بغضب حاول جاهدًا أن يكبحه ولكن هي استفزته بشدة لا بل الأنكى أنها تهكمت على رجولته:
أنتِ أيه؟ انا اللي غلطان إني أتنازلت عن حقوقي وكنت ديمًا بلتمسلك العذر علشان بحبك، اوعي تكونِ مفكرة إن تهاوني معاكِ دة ضعف مني، لأ، أنا قولتلك قبل كدة أنا بعدي بمزاجي لكن قسم بالله يا حلا أنتِ زودتيها أوي وجبتي أخرك معايا.

لوحت بيدها بلامبالاه وبإستخفاف شديد وخرجت من الغرفة كي ترى الفوضى التي أحدثها صغيرها لتجعله يشعر بلإختناق ويقرر أن يلقنها درسً قاسيًا لن تنساه بكافة عمرها، فنعم يوجد أشخاص مثلها ناقمين على كل شيء وإن رزقهم الله بأشخاص طيبون يغفرون لهم ويتهاونوا في سبيل حبهم لن يقدروا كم التضحية التي تبذل من أجلهم بل يتأخذوها كحق مكتسب فيما بعد...

حقًا لا أشفق عليكِ ومهما كان سيفعله بكِ كونِ على يقين أنك تستحقيه أيتها المتمردة العنيدة التي أنهكتي نصح قلمي معكِ.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة