قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثاني

أسدل الليل ستائره على تلك المدينة المتلبدة بالغيوم تنذر بهطول الأمطار.

فبعد يوم شاق بالعمل دخل فوزي الى منزله الذي يتقاسمه مع صديقه وهو يشعر انه يتوسل حتى يصل للفراش وما أن ولج داخل الغرفة الوحيدة بشقتهم جحظت عينه بذهول من تلك الحورية الفاتنة التي تتوسط فراشه شملها بنظرات جائعة وبنوايا خبيثة ثم أبتسم بمكر وهو يتسلل لجانبها و يمني نفسه بليلة جامحة برفقتها إلا أن خابت جميع أماله عندما شعرت به وصرخت بقوة افزعته ليعاجلها هو بوضع يده الكبيرة على فمها يمنع صراخها وهتف بغيظ: أهدئي ايتها العاهرة سوف يستيقظ الحي أجمعه بصراخك.

جحظت عيناها لنعته لها بالعاهرة وباغتته بقطم يده التي على فمها بشراسة حتى انه شعر أن أسنانها أخترقت لحم يده ليصيح يلعن ويسب بألفاظ بذيئة وهو ينتفض يفحص أثر أسنانها بألم
لتسرع لين راكضة الى باب الشقة تنوي الرحيل مستغلة أنشغاله
وما أن فتحت الباب وجدت يوسف امامها على وشك الدخول.

عقد حاجبيه بذهول من هيأتها فكانت شاحبة كالموتى وان كاد أن يتحدث يستفسر ماذا حدث التقط بعينه صديقه يندفع اليه ليلحق بها، شهقت هي بقوة ووقفت خلف ظهر يوسف تتحامى به
وهمهمت بنبرة باكية يشوبها الذعر: الحيوان دة حاول يقربلي يا يوسف، مشيني من هنا
أحتدت ملامح يوسف وصرخ بحدة في صديقه وهو يدفعه بصدره: انت اتجننت يا فوزي، أبعد أحسنلك دي تخصني...

قهقه فوزي بعد أن تيقن أنها عربية وهدر بسماجة: تخصك ازاي يا يوسف دة من أمتى وانت ليك في الشمال
لكمه يوسف بغضب وهدر من بين اسنانه فهو يعلم أن صديقه كعادته عندما ينهي عمله يتناول المشروب ويفقد سيطرته وخصةً عندما يتعلق الأمر بالنساء: أخرص بقى، وقولتلك دي مش زي ما أنت فاكر
ليستأنف فوزي بغيظ: شكلها جامدة وظبطتك علشان كدة طمعت فيها لوحدك.

لعن يوسف تحت انفاسه وهو يشعر برجفتها الواضحة خلف ظهره دليل على ذعرها من متحجر الرأس الذي امامه، ليجز على نواجزه ويباغته بدفعه بصدره حتى يبتعد عن مرماها وزمجر بقوة: اخرص الله يخرب بيتك و لما تفوق من الهباب اللى بتشربه هبقى أفهمك
لكن ذلك لم يردع فوزي وما زاده ألا إصرار حتى كاد يزيح.

يوسف الذي يحيل كسد منيع بينهم لكن نظرًا لثمالته لم يسعفه جسده كثيرًا، مما جعل يوسف يستغل الأمر ويدفعه بكل قوته نحو الغرفة ويوصد عليه بالمفتاح من الخارج حتى أنه لم يعير هتافه وسبابه الذي صدح من الداخل اي اهمية فهو يعلم انه سيسقط في النوم بعد قليل ولن يتذكر شيء بعدها.

ليزفر بأرتياح وهو يرمي جسده على الأريكة التي تتوسط ردهة المنزل لتقع عينه عليها تجهش بالبكاء وتتكوم في زاوية الردهة ليقترب منها بحذر ويهمهم بنبرة مطمئنة: خلاص يا لين متخافيش هو سكران ومش في وعيه
رفعت نظراتها اليه وغمغمت بأختناق: انا عايزة أمشي
هز رأسه بعدم أقتناع وحاول ان يسايرها بهدوء: هتروحي فين انتِ مش بتقولي ملكيش حد هنا؟

أجابته وهي تكفكف دمعاتها: أنا مش عايزةاعملك مشاكل اكتر من كدة كفاية اللي حصل
قاطعها بحنان وهو يجذبها من ذراعها يجلسها على الاريكة ويناولها كوب من المياه حتى تهدء قليلًا: أهدي خلاص فوزي زمانه نام وانا قفلت الباب كويس بالمفتاح، وبعدين
أنا كلمت مسؤل البناية زي ما وعدتك بكرة هيحضرلي مفتاح شقة صغيرة في الدور اللي تحت مننا دة متقلقيش.

أرتشفت القليل من كوب المياه بأيدي مرتعشة وهمهمت بأمتنان: أنت جدع اوي يا يوسف
أنا متشكرة على كل حاجة
أبتسم يوسف بود فهى لأول مرة تشكره وتتنازل عن غرورها ليهمهم بثبات وهو يأشر على الحقيبة الورقية بجانب الباب:
انا جبتلك أكل معايا كُلي وبعدين نامي
وانت؟
سألت هي بتلقائية وهي تتطلع لمحيط المكان فكان لايوجد اي أثاث غير تلك الأريكة التي تجلس عليها.

أجابها يوسف وهو يسحب أحد المقعاد من المطبخ: انا أكلت في المطعم، وهنام جنبك هنا على الكرسي
ليستأنف بتفهم بعدما لاحظ عبوثها: أنا ممكن أحبس نفسي في الحمام لو خايفة مني، او أدخل للتور اللي جوة دة انام جنبه
لأ خليك هنا جنبي متسبنيش
هتفت هي بأندفاع دون تفكير
أومأ لها ثم جر المقعد لزاوية بعيدة.

عن موضعها وولاها ظهره حتى لا يشعرها بالحرج وجلس وهو يسند ساقيه المرفوعة على الحائط وكان سوف يشرع بالنوم لولا همهمتها: يوسف هتنام؟
عايزة حاجة؟
تلعثمت بتردد وهي تقضم من الشطيرة التي أحضرها لها: ممكن تتكلم معايا شوية أصل مش جيلي نوم
تنهد وهو مازال على وضعيته وأخبرها بصوت هادئ رخيم بث بها السَكينة: عايزة تتكلمي عن ايه؟

هتفت هي بحماس مثل الاطفال بعدما وضعت الشطيرة بالحقيبة الورقية مرة أخرى ومسحت فمها بأحد المحارم الورقية:
احكيلي عنك وازاي جيت هنا؟
أبتسم بتسلية واخبرها بمشاكسة: شكل عينك مني ياقطة!
تنفست بغيظ وهمهمت بصوت خفيض: di spessore
أنا قولت من الأول أحدفك بطوبة وأفتح دماغك
أتسعت أبتسامته عندما سمعها تغمغم كعادتها ساخرة وأستأنف بمكر: بطلي برطمة، ولو بتشتمي الله يسمحك.

كبحت ضحكاتها بصعوبة وهتفت بغرور كعادتها وهي تفرد جسدها على الأريكة: هيسامحني، ونام يايوسف الله يخليك انا اصلًا غلطانة إني بتكلم معاك
هز رأسه بيأس من تلك المشاكسة وهتف بنبرة صادقة: رغم انك غريبة وكل شوية بحال إلا إني قررت أكبح فضولك وأقولك، بصي يا ستي
أنا من أسرة على قد حالهم من السيدة زينب ابويا مات وانا صغير وأمي هي الى كملت المسيرة بعده
وكافحت سنين علشان أكمل تعليمي انا واختي
وبعدين كمل!

هتفت بها بفضول وهي ممدة على بطنها و تضع يدها تسند ذقنها وتستمع له بأنتباه.

هز يوسف رأسه ساخرًا على هيأتها التي لمحها بطرف عينه أثناء جلسته فهى تشبه كثيرًا الأطفال حين يستمعون لحدوتة قبل النوم ليتنهد ويستأنف: بعد ما أتخرجت من كلية الهندسة كنت فاكر إني هشتغل علطول بشهادتي لكن للأسف محصلش قعدت شهور طويلة بدور على شغل لغاية ما القاعدة طولت وللأسف كان معظم زمايلي زي كدة عواطلية قعدت كتير على دة الحال لغاية ما، يأست وفكرت في السفر وكنت ناوي أشتغل اي حاجة علشان أجمع فلوس السفر ولما ضاق بيا الحال أشتغلت في ورشة تصليح عربيات بتاعت إسماعيل صاحبي بصراحة هو ساعدني كتير ووقف جنبي لغاية ما أقدرت أجمع قرشين بس مكنوش كفاية علشان السمسار اللي هيهربني طلب خمسين الف جنيه عشرة قبل السفر وأربعين بعد وصولي حتى مضاني على وصلات أمانة وخلى أمي هي اللي تضمني علشان يضمن أني هسد الفلوس وبعد ما وصلت هنا وطمنتهم.

إسماعيل دفع باقي الفلوس وخد وصلات الأمانة من السمسار حتى مرضاش ياخد عليا ضمنات بالفلوس اللي سلفهالي، وقد كان
شهقت بقوة وقالت بذهول: يعني أنت سافرت هجرة غير شرعية
هز رأسه بنعم بعدما اتاه وميض عن رحلته الشاقة التي تعرض لكل أنواع العذاب والشقاء بها، حتى أنه كان يعتقد أن خوفه من الفقر أشد من الموت لكن عندما رأى الموت بعينه ووقف على حافته تغيرت كل قناعاته.

قطعت هي سيل أفكاره وأسترسلت بعفوية: أنا شفت مرة فيلم عن الموضوع دة واتأثرت اوي
أبتسم بمرارة وقال بنبرة متألمة بعدما اتاه وميض بكل ما مر به برحلته البأساء: الواقع أصعب بكتير يا لين
أنا شفت الموت بعيني ولولا كرم ربنا كان زماني روحت مع اللي غرقو وراحو مع قوارب الموت.

نبرته تلك أرجفت قلبها وبرغم انها لم تري ملامح وجهه لتري حزنه لكنها أستشفته من نبرته المتألمة التي أستقرت بأعماقها ودفعت فضولها لمعرفة المزيد:
ممكن تحكيلي بالتفصيل يا يوسف ؟

أعتدل بجلسته ثم التفت نصف التفاته لها وكأنه يتوسلها أن تعدل عن طلبها وتعفيه من تلك الذكري الأليمة، فهو منذ أن جاء إلى هنا لم يقص لأحد ما عناه طوال رحلته حتى أنه لم يخبر والدته قط أثناء مكالماته المعتادة، أرسلت لين له نظرة راجية تحثة على المتابعة والفضول يكاد يتأكلها لتهمهم بتوسل: علشان خاطري أحكيلي.

تنهد بعمق ومرر يده على وجهه كي يحفز نفسه على الحديث ليتراجع مرة أخرى ويسند ظهره على المقعد الذي يواليها ظهره مستغله كي يهرب من نظراتها.

وإن طال صمته شعرت لين انها تطفلت عليه بما يكفي، وقررت انها لن تلح أكثر فيبدو انه لا رغبة لديه لذلك، تنهدت وهي تتمدد من جديد على الأريكة تتحايل على النوم لولآ همهمته بصوت هادئ نسبيًا يغلفه الضيق جعلها تنصت اليه في اهتمام: كنا تمنية من محافظات مختلفة سافرنا ليبيا بري وقعدنا تلت أيام في الطريق بصراحة محستس بالطريق علشان كنا بنتكلم ونهزر وأحنا فاكرين أن خلاص الدنيا فتحت لينا أبوابها وهتضحك في وشنا، تنهد ساخرًا من أوهامه السابقة وأستأنف بمررارة: وصلنا طرابلس قابلنا هناك واحد مصري قعدنا في سكن تبعهم علشان يتأكدو اننا مش مترقبين من اي جهة، وبعد كدة روحنا مكان أسمه زوارة المكان كان غريب جدًا ومقرف مفهوش تهوية نطق أخر جملة بملامح مشمئزة نافرة وبنفس ضيق كأن الرائحة تلك مازالت عالقة بأنفه إلى الان.

ليكمل بضيق بعدها: قعدنا هناك يومين الوقت هناك مكنش بيمر كانت الدقايق بتعدي عليا كأنها سنين ليتنهد ويستأنف: قابلت هناك كتير من المصرين اللي ظروفهم شبهي ويمكن أسوء مني وكمان أفارقة وعرب من بلاد مختلفة اللي فاجأني أن كان وسطهم أطفال
وبعدين؟
هتفت بها بفضول أكبر وحماس شديد وهي متأهبة للقادم.

شعر يوسف أن حديثه القادم سيكون تأثيره عليه أصعب مما سبق لذلك أراح جسده للخلف وتماسك بذراعي المقعد يحاول أن يستمد القوة واستأنف: ركبنا عربيات ومشت بينا ساعات في الصحرا وبعد كدة نزلونا وقالولنا هنكمل على رجلينا لغاية ما نوصل للبحر مشينا أكتر من تلت ساعات متواصلة من غير ما حد فينا يتكلم كلمة او حتى يتنفس بصوت عالي بناء على تعليمات الدليل اللي معانا لغاية ما وصلنا للمكان المقصود اللي ركبنا منه ذوديق (مركب )صغير.

أبتسم بألم وأستأنف وهو يغمض عينه يرى ذلك المشهد اللعين بعقله: كنا خمسة وتلاتين واحد جواه وهو يدوب مياخدش غير عشر أفراد، ربطونا بحبال وكنت مستغرب أوي وقتها بس مرضتش أسأل يعملوا فيا زي ما عملوا مع زميلي اللي كان عايز يرجع مصر في نص الطريق و وقتها رصاصة واحدة كانت مصيرها في دماغه ورميه في الصحرا.

شهقة قوية صدرت منها ولكن ذلك لم يمنعه من التوقف عن الحديث وكأنه يزيح عن صدره حمل أثقل أنفاسه فهى بلأخير من ارادت القصة كاملة فلها ذلك: المركب كان بيمشي بينا بسرعة رهيبة كأنه مستعجل على موتنا ودة فسرلي ليه ربطونا بالحبال علشان اللي كان هيقع مننا من المركب مكنوش هيرجعوا ياخدوه، وصلنا لمركب الصيد اللي كانت مستنيانا في عرض البحر، لسة فاكر أحساسي بدوار البحر اللي خلاني قعدت ثلاث ايام على المركب من غير أكل.

ولسة فاكر المعاملة البشعة اللي كانوا بيعاملونا بيها كأننا عبيد وملناش قيمة ولا ثمن
تسارعت أنفاسه بحدة وكأن شريط ذكرياته يترأى من جديد أمامه وأستأنف بأنفعال بات مسيطر على نبرة صوته:.

لما قربنا من جزيرة لامبيدوزا اللي تعتبر أقرب نقطة لينا من طرابلس رمونا في البحر وقالولنا كملو عوم، كنت بشوف زمايلي بيغرقوا قصادي ومقدرتش أعملهم حاجة، كنت شامم ريحة الموت بتحوم حواليا وانا شايف الناس بتصرخ وبتستغيث كنت حاسس إني بموت بالبطيء والخوف أتملك مني، ومكنش عندي جهد أعُوم أكتر علشان كان بقالي ثلاث ايام من غير أكل دة غير المجهود اللي ضاع في المشي جوة الصحرا، كنت حاسس بكل حتة في جسمي بتعصاني وبتأن من الألم وبعضلاتي متخشبة من كتر الخوف كنت هستسلم خلاص لولآ إني أفتكرت دعوات أمي، وضحكة أختي رنت في وداني، علشانهم بس قاوحت وكملت وعاندت الموت ويمكن أكون أنا من القلائل اللي عاشوا من زمايلي.

مرر يده بعنف على ذقنه وكأنه يشعر بنفس الشعور مرة أخري
حتى انه أرتجف جسده عندما تذكر برودة المياه حين قذفوا به بالبحر وتذكر مقاومته وهو يجاهد للطوف مرة أخري عندما جذبه أحدهم ليتشبث به اثناء غرقه ولولآ أصراره على النجاه لكان الأن جثة تطوف على الماء ويتقاسم الأسماك لحمها.

نفض أفكاره سريعًا وهو يحمد الله على نجاته وهمهم بنبرة حاول أن تكون ثابتة رغم خضم أفكاره المأساوية: أحكيلي أنتِ بقى عن نفسك و جيتي هنا ازاي؟
عندما لم يصله ردها أيقن انها غفت ليبتسم بشجن وهو يلقي عليها نظرة خاطفة ثم أستسلم هو ايضا للنوم، بينما هي مسحت دمعاتها المتأثرة وهي تتصنع النوم هربًا من سؤاله.

وحتى لا تشعره انها لاحظت توتره ومدى تأثير تلك الذكرى المريرة عليه لتلعن فضولها للمرة ربما المائة حتى سقطت دون وعي في ثبات عميق.

كانو يجلسون سويًا على احد المقاعد الخشبية القابعة على كورنيش النيل بعد أن أخذت أذن اليوم من العمل كي تلقاه قبل سفره لمكان عمله لمدينة الغردقة فهو يعمل بأحد الفنادق هناك ويأتي مرة واحدة كل أسبوع،.

وضع يده على أناملها المسنودة على حافة المقعد بجانبها وحاول مشاكستها بعد أن لاحظ تجهم ملامحها بشكل ملحوظ، سحبت أناملها بقوة من تحت قبضته وهتفت بأنفعال: أحترم نفسك يا علاء واقعد عدل انا اصلًا مش طايقة نفسي
زفر علاء بسأم وهو يقلب عينه وهتف بحدة: استغفر الله العظيم، على دة صباح، مش كفاية يا حلا لبسالي الوش الخشب من ساعة ماجيتي.

لتهتف حلا بأنفعال: انا زهقت يا علاء بقالنا كتير مكتوب كتابنا ومفيش جديد، دة غير أمي اللي كل شوية تلمحلي أن شغلك حرام ومش راضية عنه
وبصراحة عندها حق، عمر ربنا ما هيكرمنا وانت بتشتغل في صالة قمار
أجابها علاء بعصبية مفرطة من بين أسنانه: مالو شغلي وبعدين كنتي عايزاني أعمل ايه يا حلا ما أنتي شايفة الظروف ولولآ شرط اخوكِ دة اللي عجزني مكنتش أشتغلت هناك.

تنهدت حلا في ضيق وقالت: يوسف لو عرف مش هيعجبه برضو وخايفة ماما تقوله وبصراحة هيبقى عنده حق
أنت كنت شغال في شركة محترمة قبل سفره
قاطعها بأنفعال: هو السبب لو كان وافق كان زمانا متجوزين ومكنتش هضطر أشتغل هناك
همهمت حلا بتوجس من ردت فعله فهي تعلم أن الحديث في ذلك الأمر لا يروق له: ما هو مكنش ينفع نتجوز في شقة أمك واخواتك الشباب لازم يبقى لينا شقة خاصة بينا علشان نبقى على حريتنا.

لتكمل كي تذكره بوعده الذي قطعه لشقيقها: متنساش أن دة شرط يوسف قبل كتب الكتاب وانت وافقت عليه ووعدته أنك هتجيب شقة
زفر علاء في عصبية وهتف: شقة منين ما أنتِ شايفة الظروف وبعدين فيها أيه لو كنا اتلمينا مؤقتًا في شقة أمي لغاية ما ربنا يفرجها
ولا لازم التقاليع بتاعتكم دي
رمشت حلا وهي تعدل حجاب رأسها وقالت بدفاع: أخويا ومن حقه يطمن عليا وعلى فكرة دي مش تقاليع يا علاء زي ما بتقول دي الأصول.

حانت منه بسمة هازئة وقال: لأ وانتو عداكم العيب اوي يا ولاد الأصول، دة حتى مش هاين على أمك تقولك روحي أسألي على حماتك وأخدميها
تنهد حلا بسأم من ذلك الخلاف الدائم بينهم وقالت: انت عارف ميصحش أروح بيتكم لوحدي وخصوصًا في وجود أخواتك الشباب ولازم تبقى معايا ماما زي ما بعمل علطول وغير كدة انا بكلم مامتك كل يوم في التليفون علشان أطمن عليها.

أبتسم بأصفرار وقال وهو مازال محتفظ بنبرته هازئًا: لأ عداكي العيب يابنت الأصول،
هو يعني لو روحتي لأمي لوحدك هتاكل منك حتة
في ايه يا علاء متعدل كلامك ألا وحيات ربنا أمشي واسيبك
هتفت بها بعصبية وهي تنهض عازمة المغادرة، ليباغتها هو بجذبها من رسغها يجلسها من جديد فهو ليس بهذا الغباء كي يغضبها قبل أن يأخذ ما طمح به من البداية ليهمهم بلطف وبنبرة عاشقة أجادها ويعلم تأثيرها عليه:.

حقك عليا يا لولو يابت أنا بحبك وعلشان كدة هموت عليكِ ونفسي يتقفل عليا باب واحد أنا وانتِ بأي شكل
لتلين ملامحها وتبتسم بخجل بعدما تعمد لمس اناملها من جديد، وكعادتها سحبتها بتلقائية وهمهمت: خلاص مش زعلانة
تنهد بأرتياح وقال وهو يسبل اهدابه بطريقة أربكتها: هانت يابت كلها كام شهر ونقبض الجمعية الكبيرة وندفعهم مقدم لشقة صغيرة
بس أنتِ ناوليني مرتبك زي كل شهر.

هزت رأسها بطاعة وأخرجت من حقيبتها حفنة من المال ووضعتها بكف يده دون تردد وكأنها تحت تأثير تعويذة سحرية تبقيها مسلوبة الأرادة
ليبتسم هو ساخرًا من سذاجتها ويقوم بعدهم أمام نظراتها وكأن ذلك حق مكتسب له لتهتف هي بسذاجة: دة مرتبي كله مخدتش منه حاجة
عقد حاجبيه وسألها بشك: أمال هتقضي بقيت الشهر ازاي
لما هو كله ومخدتيش منه حاجة
تحمحمت واخبرته ببهجة: أصل يوسف بعت فلوس من برة.

هز رأسه بتفهم وسأل والفضول يتأكله: باعت كام يعني؟ اكيد لعبت معاه وباعت الفات مألفة مش كدة؟!
هزت رأسها وقالت وهي تنهض عازمة العودة للعمل: معرفش بس هو قال نسد جزء من فلوس إسماعيل اللي سلفها منه علشان السفر، أنا لازم ارجع المصنع أنا خدت أذن بساعة بس،
أشوفك على خير
أمأ لهاوأغتصب بسمة مزيفة على ثغره وما أن ابتعدت عن ناظريه هتف بحقد وهو يجز اضراسه: ابن، دبسني في أخته وخلع.

تململت هي بأنزعاج على أثر الضجيج المنبعث من الغرفة، ونهضت تفرك عيناها بتكاسل وهمهمت بصوت ناعس: يوسف أصحي صاحبك عمال يزعق ويخبط على الباب
فتح عينه ببطء وهو يشعر بخدر في كافة جسده أثر نومته الغير مريحة بالمرة، دلك عنقه برفق كي يخفف من تشنجها ليأن دون وعي وهي مازالت على حالتها تؤلمه بشدة ليصرخ في غضب بصوت عالي نسبيًا كي يصل لصديقه بلداخل: أخرص بقى فضحتنا الله يخرب بيتك هفتحلك بس أتهد واصبر.

ليأتيه رد فوزي الصارخ بوعيد من الداخل: مش هسيبك يا يوسف انت ازاي تحبسني كدة؟
اتجه يوسف نحو الباب وفتحه وهو يرسل اليها نظرة مطمئنة
وما أن فتح الباب اندفع فوزي وهتف بغيظ وهو يمسكه من تلابيبه: انت اتجننت يا بني ادم؟
زفر يوسف ودفع يده عنه وهو يهتف: انت كنت سكران ومكنتش في وعيك وكان لازم احبسك لغاية متفوق
تناوب فوزي نظراته بينهم وقال بتهكم: اه، قول انك كنت عايز تاخد راحتك مع المُزة.

هتف يوسف بأنفعال: أسمع، دماغك متروحش لبعيد دي مصرية زينا ومحتاجة مساعدة مش اكتر
غمز فوزي وقال بوقاحة وهو يمرر عينه عليها بمغزى تفهمته هي واشعرها بلتقزز من نظراته: مساعدة من اي نوع؟
أنا كمان في الخدمة
أجابه يوسف بغيظ وهو يلكزه بصدره كي ينتبه له ويحيد بنظره عنها: معندهاش مكان تبقى فيه وانا كلمت مسؤل البناية أمبارح هتقعد في الشقة اللي تحت.

هز فوزي رأسه بتفهم لكن مازالت تلك الافكار العابثة برأسه ليقول بلطف وهو يمد يده ليصافحها: اهلاً بيكِ يا مُزة انا فوزي
زميل يوسف في السكن
زاغت نظراتها بتوتر وأكتفت ببسمة مجاملة له وتعمدت عدم مصافحته وهمهمت وهي تتمسك بذراع يوسف بحماية: ممكن نمشي يا يوسف علشان نشوف الشقة اللي هقعد فيها
أبتلع يوسف ريقه ببطء وهو ينظر لاناملها الرقيقة التي تتعلق بذراعه واشعرته بمدي توترها الواضح.

ليحمحم بثبات: حاضر اتفضلي قدامي
أومأت له وتوجهت نحو باب الشقة تحت نظراتهم معًا فكان أحدهم ينظر في تيه والأخر ينظر بغيظ من تجاهلها اياه وتحيزها ل يوسف لتحين منه بسمة هازئة ويهتف بمغزى: هعديها بمزاجي يا يوسف
لوح يوسف بلامبالاه وتوجه هو ايضًا الى الخارج تارك الأخر يجز على نواجزه.

عودة آخري الى القاهرة ولتلك المنطقة الشعبية.

كان يقف هو بكل شموخ بجسده العريض يرتدي أارول عمله الذي يعتز به وبملامحه الرجولية الباحتة التي برغم قسوتها ألا أنها تخفي خلفها شخصية حنونة متفهمةوأصل طيب، زفر بهدوء بعد أن أتم عمله وأصلح تلك المعضلة العويصة بتلك السيارة، ونظرًا لإتقانه حرفته وسمعته الطيبة التي توارثها من أبيه وجعلت الزبائن من كافة المدينة يقصدونه هو دون عن غيره، أعتدل بوقفته وهو يمسح قطرات العرق المتساقطة على جبهته العريضةبكم يده.

وهتف في مساعده الذي يبلغ خمسة عشر عام: انا خلصت يا ماندو قفل العربية واتصل بصاحبها يجي يستلمها
اجابه ماندو بخفة: يسلم ايدك يا معلمي والله انت ايدك تتلف في حرير
نكزه إسماعيل بكتفه وقال: بطل أونطة، ويلا خلص وهاتلي كباية شاي من القهوة
رد ماندو بود: من عنيا يامعلمي طيران أهو اجبلك طلبك
اتجه إسماعيل نحو ثنبور المياه.

وقام بغسل وجهه ويده من بقايا الشحم العالقة به وحين أنتهي رفع رأسه يبحث عن المنشفة الخاصة به لكن بندقيتاه الخائنة كالعادة.

هربت خارج ورشته وسقطت عليها وهي عائدة من عملها، تنفس بعمق حينها كأنه يريد أن يشاركها نفس الهواء التي تنفسته وهي تمر من امامه، فكانت تسير متجهة نحو منزلها ورغم سرعت خطواتها إلا أن المشهد بحد ذاته مر أمامه ببطء شديد وكأن الزمن توقف به و إنقرض من مخلوقاته، فتلك الصغيرة طالما عشقها منذ أن كانت طفلة و ظل محتفظ بمكنوناته نحوها دون أن يجرء على البوح حتى في قراره نفسه مقتنعًا أن ذلك هو الصواب حتى يحين الوقت اللازم ويقوم بطلبها من شقيقها ولكن دائمًا يكون للقدر رأي آخر، فقد قابلت طلبه برفض قاطع حتى انها سخرت من عمله، لتتحطم كل أماله برفضها وتطعنه في كرامته عندما فضلت عليه شخص أخر.

يفوقه في التعليم، وبرغم كل شيء لايزال قلبه الخائن ينبض لها دون هوادة وعينه تسبقه اليها تسترق النظرات خلسة ظناً منه انه يطفئ تلك النيران بداخله لكن ما زادته رؤيتها الا تأجج لنيرانه ولوعته
الشاي يامعلمي
اتاه صوت مساعده لينتشله من شروده، ليتنهد تنهيدة حارقة و يفرك وجهه المبلل في عنف ويهمم بتضرع وبنبرة متألمة:
يارب قدرني وخرجها من قلبي
بتقول حاجة يا معلمي.

اتاه صوت مساعده من جديد ليهمهم بضيق: لأ يا ماندو يلا أعمل اللي قولتلك عليه، و رُوح علشان تذاكر زي ما اتفقنا
تحمحم ماندو واخبره وهو منكس رأسه بخجل: بصراحة يامعلمي انا عايز مروحش المدرسة تاني أنا متقل عليك بمصاريفي أنا وامي وانت كتر خيرك لحد كدة
تنهد إسماعيل بخفوت و
تناول كوب الشاي بين يده وهتف وهو يرتشف رشفة صغيرة منه: هو انا اشتكيت لك؟
بصراحة لأ يامعلمي بس انا لازم اكون حسيس.

ضربه إسماعيل بخفة على جبهته وهدر بنبرة جادة لا تقبل التفاوض: يبقى تسمع الكلام أنت زي اخويا الصغير وهتكمل علامك لغاية متاخد شهادة كبيرة
ليستأنف بنبرة متألمة وهو يتذكر رفض حلا له وسخريتها من تعليمه ومهنته: واهم حاجة الناس هتحترمك وتقدرك، ومحدش هيجرء يعيراك بجهلك ولا صنعتك
ليهتف ماندو بتلقائية اوجعت إسماعيل : ما أنت أهو يامعلمي كل الناس بتحترمك وانت مكملتش علامك!

حانت من إسماعيل بسمة باهتة لم تصل لعينه وقال بحزن: ياريتني كان بأيدي وقتها بس ابويا الله يرحمه ويسمحه هو اللي صمم مكملش دراسة بعد شهادة الثانوية علشان أمسك الورشة مكانه بعد ماتعب
ربت ماندو على كتف إسماعيل
وهمهم بأسف: ربنا يرحمه يا معلمي واهو أنت بقيت أكبر اوسطا فيكي يابلد
أبتسم إسماعيل بود وهتف بجدية: يلا قوم رُوح واياك أسمعك تجيب السيرة دي تاني، وسلملي على والدتك
يوصل من عنيا يا معلمي.

لينصرف ماندو ويهم
إسماعيل بغلق الورشة ليأخذ قسط من الراحة.

شعور غريب تملك منه حين وجدها تتفحص كل أنش داخل الشقة الصغيرة والحماس جلي على ملامحها لايعلم لما شرد لوهلة وهيء له أنها عروسه المنتظر وهو يصحبها لترى عش الزوجية الخاص بهم أنتشله من شروده صوتها وهي تهتف في حماس: حلوة أوي يا يوسف بس محتاجة شوية تعديل بسيط
فرك ذقنه كعادة مستديمة له وسألها: عايزة تعدلي أيه؟

طافت بعيناها الشقة وقالت وهي تؤشر على الحيطان الملطخة ببقايا الدهان بعدم رضا: يعني بص لون الحيطة كئيب اوي وكمان متقشر وشكله وحش
دة غير ترتيب العفش
تنهد بعمق وههمهم وهو يجلس على أحد المقاعد المتهالكة بزاوية الغرفة: الموضوع مش مستاهل تقدري تقعدي فيها على كدة هي مش محتاجة غير تنظيف
أجابته وهي تمط فمها بإمتعاض: بس أنا مش هبقي مرتاحة.

لتزفر بقوةوتستأنف بعدما لاحظت أنه على وشك أن يمل: يوووه بقى خلاص أمري لله
تمام
أنا همشي علشان عندي شغل
هتف بها وهو ينهض ينوي المغادرة
لتدب هي بقدمها بلأرض وتعترض من جديد: أنت هتسبني لوحدي يابن بلدي عيب عليك
أغمض عينه بنفاذ صبر من تلك المشاكسة وأجابها بنبرة ملولة بالفعل: أنا مش فاضي ولازم أروح شغلي
وأظن مش هتحتاجيني في حاجة
تنهدت وهمهمت تستعطفه: مش هعرف أرتب العفش وأشيله لوحدي.

أبتسم ساخرًا وقال وهو ينظر لمحيط الشقة: عفش أيه دة كلها سرير وكام كرسي
لتباغته بعدم صبر: يوووه بقى يا يوسف يعني هتساعدني ولا لأ
مرر يده بخصلاته البنيةالطويلة نسبيًا وأخبرها: ماشي لما أرجع من شغلي
هستناك لا إله إلا الله.

هتفت بها بتلقائية وهي تبتسم بأتساع حتى ظهرت غمزاتها قبل خروجه من باب الشقة أبتسم بجانب فمه والتفت لها يناظر ضحكاتها المهلكة بتيه وهو يقسم أن تلك الحفر التي تزين وجنتها سيسقط بهما متيم لا محالة
شعر أنه أطال التمعن بها ليحمحم بنبرة رخيمة هادئة بثت بها الراحة: سيدنا محمد رسول الله
ليغادر دون أن يتفوه بشيء أكثر
ويتركها تتحسس وجنتها الساخنة التي أشتعلت خجلًا من نظراته.

تمايلت بإغواء تام وهي ترقص على انغام تلك الموسيقى الشرقية امام نظراته الجائعة التي تنهشها دون هوادة وما أن شاركها الرقص تعمدت ملامسته بشكل مثير راقه بشدة لتميل على اذنه وتهمس بدلال اتقنته: لو تسمع كلامي هظبطك يا عز
واخليك تنسى أسمك
أبتلع عز ريقه بتوتر واجابها ونظراته تلتهمها: أنا هعمل كل اللى تقولي عليه بس أرحميني.

أبتسمت ماهي بمكر بعدما طبعت قبلة على وجنته تعمدت أن تطيلها حتى تلهبه أكثر و سحبته خلفها مغيب بأفكاره العابثة نحوها لتجلس على طرف الفراش وتخرج من حقيبتها عبوة صغيرة تحتوي على الهيروين وتقوم بسكب القليل على سطح الكومود وشكلت المسحوق الأبيض على هيئة أسطر بأستخدام احد الكروت لتهمس بدلال مفرط وهي تداعب خصلاته بحركات حسية افقدته عقله: علشان خاطري يا بيبي متكسفنيش وجرب صدقني هتتبسط اوي.

زاغت نظراته بتفكير لثواني معدودة ثم قرر أن يجرب فقط مرة واحدة لن تضر على أي حال
لتبتسم هي بأنتصار ويحتل المكر ملامح وجهها بعدما تم مبتغاها فا هي على مشارف تحقيق رغبة معشوقها بتدمير أول فرد من عائلة الأنصاري.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة