قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثالث

بعد أن أغلق ورشته توجه إلى منزله بعد أن أبتاع طعام له من أحد المحلات القريبة
التي أعتاد عليها، رتب مائدة طعامه بعد أن أخذ حمام دافئ كي يزيح به عناء يومه وإن شرع بلأكل تناهى الى مسامعه طرقات منتظمة على باب شقته نفض يده وتوجه ليكتشف من ذلك الزائر الذي بعثه الله رأفة بوحدته ليتفاجئ بتلك السيدة الحنون التي طالما ذكرته بوالدته الراحلة ليرحب بها بحفاوة.

ويدعوها للدخول، أنصاعت نجية له وما أن جلست على الاريكة التي تتوسط ردهة منزله البسيط همهمت بحرج وهي تأشر له ليجلس مقابلتها: انا عارفة أنك واخد على خاطرك يا ابني بس...
قاطعها إسماعيل بثبات: مقدرش أزعل منك يا أم الغالي
دة انتِ على راسي
ربتت نجية بحنان على يده وهي تبتسم بود: أصيل وابن أصول يا إسماعيل
ليبتسم إسماعيل وينحني يلثم يدها ويحمحم: تعيشي يا أم الغالي ربنا يخليكِ لينا.

لتربت على ظهره بحنان وتخبره بصدق: كان على عيني يا بني...
أبتسم إسماعيل بسمة باهتة لم تصل الى عينه وقال بنبرة تحمل بطياتها الكثير من الألم: محدش بياخد أكتر من نصيبه يا أمي
تنهدت نجية بعمق وكأنها تأكد على كلامه وسحبت من جيب أسدالها الفضفاض حفنة كبيرة من المال وقدمتها له بأمتنان: خد يابني دة جزء من الفلوس اللي سلفتها ل يوسف كتر خيرك جميلك دة دين في رقبتي ورقبة يوسف ليوم الدين
خليهم معاكِ أنا مش محتاجهم.

لأ ودي تيجي دة حقك
صدقيني أنا مش محتاجهم خليهم معاكِ يمكن تحتاجو حاجة لزوم جواز حلا
هتف بأخر جملة بثقل وبأنفاس مختنقة تكاد تفضح مكنوناته
لترد نجية بأصرار: والله ما يحصل أحنا مش محتاجين حاجة وربك بيدبرها يابني أهم حاجة تاخد فلوسك
وتريح قلبي
هز رأسه بيأس من أقناعها ومد يده يأخذ المال منها و وضعه على الطاولة بأهمال: ماشي بس لو أحتجتو حاجة أمانة عليكِ متتكسفيش مني أنا زي يوسف.

أومأت له بود و نهضت عازمة المغادرة إلا أنه أصر عليها أن تشاركه العشاء لتنصاع اليه بعد الحاحه الشديد وشعورها بلأشفاق على وحدته القاتلة وأثناء تناول الطعام هتفت بعدم رضا: الأكل السوقي دة ما بيرمش العظم أنا بعد كدة هنزلك أكل وإياك تعترض
و اعمل حسابك كل يوم جمعة هنزل هنضفلك الشقة زي ما كنت بعمل قبل سفر يوسف
أعترض هو بشدة: لأ كتر خيرك ملوش لزوم أنا بدبر أموري.

لتباغته بأصرار: أيه رأيك يا إسماعيل دة اللي بيني وبينك ولو أعترضت يبقى ولا أنت أبني ولا أعرفك
أنصاع لها بمضض وأخبرها بصدق: مقدرش يا أم الغالي على زعلك بس مش عايز أتعبك
لتجيبه بأصرار أكبر وبنبرة أمومية حنونة: تعبك راحة يابني دة أنت معزتك من معزت يوسف ربنا يعلم
أبتسم بأمتنان ثم قبل جبينها وهدر: ربنا يخليكِ لينا يا أم الغالي ويرجعو بالسلامة.

أمنت على دعوته وغادرت تاركته يحمد ربه أنه عوضه بسنين قسوة أبيه وفقدانه لوالدته بتلك السيدة الحنون.

تثائبت بنعاس وهي تنهض من الفراش وتتوجه الى باب الشقة تفتحه بعدما تناهى الى مسامعها طرقات خفيضة أنتشلتها من ثباتها
أسف لو صحيتك هجيلك وقت تاني
هتف بها يوسف بحرج بعدما فتحت له بوجه يشع بالحمرة وشعر مبعثر أثر نومها، لتتسع عيناها وتجذبه للداخل وهي تهتف بحماس: وقت تاني أيه؟ أنا كنت مستنياك بس غصب عني روحت في النوم أدخل بقى خلينا نبدء.

حانت منه بسمة ساخرة على حماسها الواضح وجال بناظريه محيط الشقة ليجدها كما تركها بالصباح ليهمهم بتهكم: أنتِ معملتيش حاجة خالص أمال ضيعتي اليوم ازاي؟
قضمت طرف شفتها بأسنانها بخجل فهى تجهل تلك الأمور نظرًا لدلالها السابق: ما أنا قولتلك كنت مستنياك وبصراحة أنا لخمة ومعرفتش أبدء بأيه
هز رأسه بعدم تصديق فهل يوجد فتاه كما هي تدعي تجهل أمور التنظيف تنهد وأمرها بخفة وهو يأشر على الباب التي لم تغلقه بعد:.

طب يلا هاتي علب الدهان من برة علشان نبدء
شهقت بفرحة وتوجهت الى الخارج لتحضرهم وهي تهتف في حماس مبالغ به: أنت أحلى يوسف في الدنيا
كنت عارفة أنك جدع ومش هيهون عليك تزعلني.

أبتسم بهدوء على صدق حدسها فهو منذ أن تركها بالصباح لم يكف عن التفكير بها حتى وجد نفسه دون ارادة يبتاع كل مايلزم، تنهد وهو يشاهدها تتفحص الأكياس الملازمة لعلب الدهان بحماس كبير، ليشرع هو بجمع قطع الأثاث في منتصف الردهة حتى يتمكن من تلوين الحوائط بدون أن يتناثر عليه الدهان و وضع قطع من المشمع المقوي بلأرضية ليحميها أيضًا
وحين شرع بفتح علب الدهان لمزج الألوان تدخلت هي بأصرار
وأخذت تعبث بكل علبة وتجرب.

كل لون مخلوط على حدى حتى أستقرو على لون يشابه لون المخمل الناعم الذي راق لها كثيرًا ولم يخلو الأمر بينهم من المشاكسات والأطراءات المرحة التي كانت تلقيها هي بكل عفوية وتنول أستحسانه وطبعًا لا تغفل عن ختم حديثها بكل مرة بكلماتها المعهودة (ابن بلدي) وكأنها تريد أن تذكره دائمًا بأنتمائه لذلك الوطن الحبيب.

بعد مرور الكثير من الوقت في العمل الشاق وقفت هي على أعلى السلم الحديدي تضيف بعض اللمسات الأخيرة بالدهان مستخدمة تلك الفرشاه الصغيرة بينما وقف هو بلأسفل ينتظرها أن تنهي ذلك الأنجاز العظيم من وجهة نظرها ليهتف في خفة:
خلصي أبوس أيدك هموت وأنام
ردت قائلة وهي مازالت تخط بفرشتها على الحائط: دي أخر حاجة خلاص لتزفر بأرتياح وتقول وهى.

تطالع المكان من موقعها بسعادة عارمة وبسمة تكاد تشطر قلبه إلى نصفين وهو يقف بلأسفل يطالعها: الشقة بقت حلوة اوي أنا حبيتها بعد التعديل
اه عندك حق جميلة، وأنا كمان شكلي هحبها
قالها بتلقائية دون تفكير وكأن لسانه تعمد التلميح لها بأعجاب شخصه
أبتسمت هي وقطمت طرف شفاهها بخجل وتدلت السلم ببطء وقالت بمشاكسة: الفضل كله ل ربنا ثم ليك يا باش مهندس.

حانت منه بسمة هازئة من تلقيبها له وقال: انتِ لسة فاكرة دة أنا نفسي نسيت...

اه ه ه قطع كلماته تعثرها بأحد درجات السلم التي تساقط عليها قطرات من الدهان وجعلتها زلقة للغاية لتشهق بقوة وتسقط علبة الدهان الصغيرة التي كانت تحملها بحرص لتنسكب على الأرضية لتستعد هي لأرتطامها الوشيك بلأرض لولآ ذراعه القوية حالت بينهم، وبسبب سكب الدهان تعثر هو الأخر ساحبها معه ليسقطو سويًا ليقع هو على الأرض و تسقط هي بجزعها عليه لتتعالى ضحكاتهم معًا على ماحدث وما أن ركز نظراته على وجهها الضاحك كان متيم بغمزاتها التي يقسم أنهم فخ وقع به سهوًا، تشابكت نظراتهم لثواني معدودة قبل أن تهدء ضحكاتهم تدريجيًا وكل منهم يهيم بلآخر ويتجاذبو مثل أقطاب المغناطيس المختلفة، تقاسما الهواء وكأن لا متسع لهم سوى بتقاربهم حتى أن أختلطت أنفاسهم وكادت شفاههم تتشابك لولآ أنه أستفاق بأخر لحظة وأنتفض بعيد عنها كأن أصابته صاعقة و حمحم بتحشرج وبأنفاس متهدجة كي يمنع نفسه من التمادي أو الخطأ:.

مش جعانة
أبتسمت بسمة باهتة لم تصل إلى عيناها المطرقة وهي تشعر أنها تتوسل إلى الأرض كي تنشق وتبتلعها من شدة الحرج لتقول أثناء محاولتها الفاشلة للنهوض وتتحاشا النظر اليه:
أه، جعانة أوي
مد يده ليسندها كي تنهض متجنبًا رقعة الأرض المتسخة بالطلاء وسحبها برفق حتى لا تنزلق قدميها من جديد ليرد بعدما ترك يدها الرقيقة من بين راحتيه ويفرك ذقنه كعادته عندما يتوتر:
طيب تعالي ننزل نجيب أكل
وبعدين ننظف الأرض.

أومأت له وكانت سوف تتبعه لولآ أنها طالعت ملابسها بتقزز فهى منذ يومان ترتديها غير أن بقايا الدهان تناثرت عليها وجعلت هيأتها مزرية لتهمس بحرج وهي تأشر على ملابسها: لأ رُوح أنت أنا مش هينفع أنزل كدة، أنا هنظف الأرض عقبال ما ترجع
هز رأسه وباغتها: لازم تجيبي هدومك وحاجتك من المكان اللي كنتِ قاعدة فيه
ولو تحبي أجي معاكِ.

نفت برأسها واسترسلت بعيون زائغة: لأ، مش هينفع أخاف الاقي الناس اللي بيطاردوني هناك مستنيني وبعدين، مش عايزة أتعبك أكتر من كدة
قاطعها بشك وبعيون ضيقة: لين متأكدة أنك مش مخبية عليا حاجة
أبتلعت ريقها بتوتر وهدرت بتلعثم: هخبي أيه بس يا يوسف أنا قولتلك كل حاجة.

تنهد بعدم أرتياح و شعر بشيء مريب تحاول أن تخفيه فهو لم يخفي عليه أرتباكها وتلعثمها في كل مرة يحاول أن يسألها عن شيء، نفض أفكاره سريعًا وهمهم: خلاص أنا هجيب أكل وأرجعلك
وبالمرة أجيبلك هدوم مؤقتًا
هزت رأسها وتمتمت بأمتنان: شكرًا ياابن بلدي
أومأ لها وغادر دون أن يعقب وظلت الشكوك تتقاذف في ذهنه.

ولكنه عزم أمره أن لا يرهق ذاته بالتفكير فهو فعل ما يمليه عليه ضميره وما توجبه عليه نخوته كا عربي وأستعطافًا منه كونها تحمل نفس لغته وانتماءه، وبعد وقت قليل عاد وبحوزته طعام لهاو حقيبة أخرى بها بضع الملابس التي أستعارها من أجلها لتأخذهم منه وتشركه بأمتنان ليصعد لشقته بعد أن تمنى لها أحلامً سعيدة.

أما عنها تنفست بعمق بعد أغلاقها لباب شقتها وأنزلقت على الأرضية بهوان وهي تلعن كذبتها الواهية وخداعها له فهى لن تقوى على أخباره الحقيقة الأن فإن فعلت لن يساعدها حتى تصل الى يعقوب وستصبح وحيدة قليلة الحيلة بمفردها حتى أنها ستضطر إلى العودة مرة أخرى لبراثن.

وليد لعنت مرة أخرى غبائها على عدم أخذ أحتياطها من المال حتى أنها لم تحضر هاتفها لتستطيع مهاتفة يعقوب فعندما هربت من هناك لم تفكر سوى في الفرار قبل أن يشعر وليد بتجسسها عليه وأستماعها لحديثه البغيض ولنواياه الخبيثة بشأن زيجتهما مع أحد أعوانه بالهاتف.

مررت يدها بخصلاتها بفوضاوية وتمتمت بضيق لنفسها: مستحيل أتجوزه واخليه يدمر أبويا والأهم مفيش حد لازم يعرف أنك ساعدتني يا يوسف علشان كدة لازم متعرفش حاجة عني إلا في الوقت المناسب.

كنتي فين يا ماما؟
هتفت بها حلا بسخط وهي تضع يدها على خصرها
أجابتها والدتها وهي تخلع أسدالها وتجلس على الفراش: كنت عند إسماعيل بديله الفلوس
قلبت عيناها البُنية بغيظ من سيرته وهتفت: وأيه اللي أخرك كدة أنا زهقت وانا بستناكِ تتعشي معايا
معلش حق عليا أصله صعب عليا يا حبت عيني وأتعشيت معاه
لوت حلا فمها وغمغمت: هو يصعب عليكِ، وأنا طز فيا مش كدة.

تنهدت نجية وسحبت أبنتها من ذراعها تجلسها بجانبها وقالت في حنان وهي تمسد على ظهرها:
مين قال كدة، دة أنتِ بنت قلبي بس هو وحيد يا بنتي ومحتاج ونس ومفهاش حاجة يعني لو نوده ونسأل عليه دة سيدنا النبي عليه أفضل الصلاه والسلام وصى على سابع جار
دثرت نفسها بأحضان والدتها وقالت بسأم: خلاص ماشي بس ياريت متأخدهوش على كدة.

هزت نجية رأسها بلافائدة من تفكير أبنتها السطحي للأمور لتستأنف حلا متجاهلة تجهم ملامح والدتها: أعملى حسابك إني محتاجة فلوس
ومرتبك راح فين يا بنتي أنتِ قبضك مكملش يومين
تسألت نجية بحيرة
لتجيبها حلا بتلعثم وهي تعتدل بجلستها وتفرك أناملها في توتر: دخلت بيه جمعية مع زمايلي في المصنع.

رتبت نجية على ساقها وأخبرتها بود: حاضر يا بنتي خدي اللي أنتِ عايزاه من الدولاب وياريت تناوليني الدوا أخده قبل ما أنام وانساه زي كل مرة
قبلتها حلا من وجنتها وهتفت بأمتنان: حاضر، ربنا يخليكِ ليا يا ماما.

أبتسمت نجية بحنان لتندفع حلا الى الخزانة الخاصة بوالدتها وتأخذ ما يكفيها من المال التي تدخره والدتها لجهازها بعد أن أعطت والدتها الدواء الخاص بها والقت عليها تحية المساء ثم توجهت إلى غرفتها و جلست على فراشها تتحايل على النوم كعادتها وهي تفكر به وبحديثه بالصباح لتتنهد بسأم فهى تعلم انه سيغضب كعادته ويتجاهلها كما يفعل دائمًا زفرت الهواء دفعة واحدة من فمها وعدلت من جلستها وهي تتناول هاتفها وتضيء شاشته لتقع عيناها على التقويم لتبتسم بسمة حالمة فالغد يوم ميلادها السادس والعشرون لتضع الهاتف مرة آخرى أعلى الكومود بجانب فراشها ودثرت نفسها بالغطاء وهي تمنى نفسها أن الغد من المأكد سيكون يوم مميز وسيتذكره علاء ويفاجأها ويتخلى عن تجاهله.

لتغمض عيناها وتسقط في سبات عميق غارقة في أحلامها الوردية.

في صباح اليوم التالي
داخل قصر شكري الأنصاري
ظل هو كالثور الهائج يعدو ذهابًا وايابًا ينتظر يعقوب
ليأتيه بما توصل له فهو منذ أن وصل من سفره وهو يبحث عنها، لفت أنتباهه
خطوات خاله وهو ينزل من على الدرج ونظراته مصوبة نحوه
وماأن وقف مواجهته هدر بنبرة قوية: مفيش أخبار يا وليد؟
أجابه وليد بحدة: مفيش حتة مدورناش فيها ولغاية دلوقتي ملهاش أثر.

ليهمهم شكري بآسى: أنا السبب يارتني ما فرضت عليها الجواز منك وسبتها براحتها
غامت عين وليد بالحقد وهتف في غيظ: نعم يعني أيه؟
يعني أنا غلطان مكنش لازم أطاوعك وأضغط عليها
كور وليد قبضة يده في عنف بعد أن تفاقم غضبه ووصل عنان السماءوهدر بنبرة متوعدة كعادته المتهورة: أسمع يا خالي أنا وانت في مركب واحد وياريت تفهم دة، أنا صبرت عليك وعلى بنتك كتير.

وخلاص جبت أخري ولو بنتك ما رجعتش وركعت تحت رجلي علشان أسامحها وأقبل أتجوزها هقتلها قصاد عينك هي والحيوان اللى ساعدها.

أرتمي شكري على أحد المقاعد القريبة وهو يبتلع غصة مريرة بحلقه فهو يعلم أن وليد يقدر على فعل ذلك دون تردد أو حتى أن ترمش له عين ف وليد قاسي القلب متلبد المشاعر وما يجعله يخشاه كثيرًا هكذا هو علمه بكل صغيرة وكبيرة عن صفقاته الملوثة وشغله المشبوه مع المافيا الإيطالية الذي يقدر على أدانته والزج به بكل سهولة.

حل شكري رابطة عنقه بأيدي مرتعشة وهمس بتراجع: لأ يابني متوصلش للقتل هي إن شاء الله هترجع وكله هيتم زي ما أنت عايز
حانت منه بسمة هازئة على خوف الآخر وكاد أن يرد لولآ دخول يعقوب بخطى ثابتة وترتسم على ملامحه الحادة الكآبة ليندفع
وليد اليه ويسأله بتسرع: عملت أيه؟

رفع يعقوب نظراته الثاقبة اليه وأجابه بيأس: ملهاش أثر دورت عليها في كل مكان ممكن تروحه ومفيش حد من صحابها يعرف عنها حاجة وحتى تليفونها لقيتو في أوضتها
زئر وليد بغضب وقبض على منكبين يعقوب وقال والشر يتطاير من عينه الرمادية: يعني أيييييييه أختفت، الأرض أتشقت وبلعتها
نفض يعقوب يده بقوة وتنهد وهو يخبره: أهدى وبلاش تتهور زي عادتك وأكيد هنلقيها.

أومأ له وهو يمرر يده بخصلاته بعنف حتى كاد ينزعها وقال بوعيد قبل مغادرته للمنكمش على المقعد القريب ويشرد في الفراغ: هترجع وهتجوزها غصب عنها ولعلمك أنا مش هتهاون معاها تاني
فرت دمعة حارقة من عين شكري حصرتًا على مصير أبنته ليربت يعقوب على كتفه ويجلس القرفصاء بمواجهته و يقول في عطف: متزعلش من وليد يا عمي هو متعصب و ان شاء الله لين هترجع.

هز شكري رأسه وهتف بأختناق: أنا السبب أنا اللي سمحتله يعمل كل دة فيا وفيها كان لازم أفهم وأقدر من الأول قبل ما أثق فيه وأسلمه كل حاجة
حاول يعقوب أن يواسيه: أنا عارف أن وليد متهور بس ميقدرش يأذيها متقلقش هو بيحبها وأنا أوعدك أوصلها قبله واجبهالك
أومأ له شكري بقلة حيلةوهو يمنى نفسه أن يكون حديث يعقوب بمحله ويتمكن من العثور عليها.

أستيقظت بنشاط على غير عادتها
وارتدت فستان احمر ذو حملات رفيعة من تلك الملابس الذي أحضرها لها بالأمس وتركت العنان لخصلاتها البُنية اللامعة أن تنساب على ظهرها، و بعد أن نظرت نظرة أخيرة بالمرآة توجهت بخطوات مسرعة على الدرج إلى الطابق الذي يعلوها حتى تلحق به قبل نزوله، طرقت باب الشقة طرقات هادئة ووقفت تنتظر.

كان هو بتلك الأثناء يخرج من المرحاض بعد أن أخذ دش صباحي كي ينعشه وما لبث أن أرتدى بنطاله حتى تناهى إلى مسامعه طرقات على باب الشقة نفخ الهواء من فمه وهو يظن الطارق هو صديقه فوزي وتناسى مفاتيحه كعادته، توجه إلى الباب وفتحه وهو يهتف بغيظ قبل أن يكتشف أنها هى: يابني قولتلك متنساش مفاتيحك...

توقفت الكلمات بحلقه عندما وجدها تقف أمامه بذلك الثوب اللعين فكانت كتلة صارخة من الجاذبية أبتلع ريقه ببطء شديد وحاول أن يجلي صوته ليتحدث لكن لم تسعفه الكلمات حينها.

بينما هي تخبضت وجنتها بحمرة قانية تشابه لون فستانها عندما وجدته بتلك الهيئة فكان عاري الصدر وخصلاته الأمامية الطويلة متناثرة على جبهته بشكل فوضوي زاد من وسامته وجاذبية عيناه الناعسة لتهمهم بتلعثم وهي تلمح بطرف عيناها تقاسيم وبروز عضلات معدته دون قصد: أنا، أنا، أصل، كنت هنزل أدور على شغل بس قولت أشرب معاك القهوة الأول، علشان مش عندي بن ولا سكر
تدوري على شغل بالزفت اللي انتِ لبساه دة؟

باغتها بسؤاله بتلقائية دون تفكير
وهو يشعر بالدماء تصعد إلى رأسه
طالعت هيئتها بشك وهي تتمسك بجانبي الثوب بشكل مسرحي وهتفت: مالو يا يوسف مش حلو عليا
رد بعصبية لم يعلم سببها: زفت مش حلو روحي غيريه
لتتزمر و تضرب الأرض بقدمها وتهتف في شراسة: بس كفاية انو عجبني، ولأ مش هغيره أنا بحب اللون الأحمر
وبعدين انت محموق ليه كدة؟

زفر بنفاذصبر وهو يفرك ذقنه ويلعن بسره تسرعه فهى محقة فما خصه هو فلترتدي ماتشاء هي ليست بزوجته او حتى حبيبته على اي حال، هي لا تعني له شيء حتى الآن هذا ما حاول أن يقنع نفسه به قبل أن يهتف بنبرة لامبالية اجادها: أعملي اللي انتِ عايزاه ولو سمحتي بلاش تأخريني على شغلي واتفضلي المطبخ عندك
تأفأفت وقالت بنبرة طفولية: يوه بقى انت زعلت، وبعدين دة أنت اللي جايبهولي أمبارح
أعتبريني غبي ومعرفتش أميز.

قالها بنفاذ صبر
لترد بغرور وهي تكتف يدها وترفع أحد حاجبيها في شراسة هجومية: ياريت قبل ما تتكلم عن اللي أنا لبساه بص لنفسك الأول وشوف اللي أنت نسيت تلبسه يا باش مهندس.

هز رأسه بلا فائدة من ثبات حالاتها فهى تارة مسالمة حنونة لينة وتارة آخرى مغرورة مشاكسة كالقطط بشراستها عند الغضب، زفر الهواء من فمه دفعة واحدة وهو يشعر أنها تكاد تصيبه بالجنون، ليتركها ويدلف لداخل الغرفة ليكمل ملابسه فهو أن تساير معها من المأكد أنه سيتأخر على عمله
تقدمت خطواتان وهي تشرأب برأسها كي تتفقد المكان فهى تخشى وجود ذلك المقيت المدعو فوزي.

ليصلها صوته من الداخل فيبدو أنه يعلم ما يدور برأسها كعادته: فوزي مش هنا ياقطة متخافيش بايت في الشغل
زفرت بأرتياح وأغلقت الباب و تمتمت: أحسن برضو دة يا ساتر دمه تقيل بشكل
بتقولي حاجة ياقطة؟
اتاها صوته مرة آخرى من الداخل لترد بخفة وهي تتوجه للمطبخ لتعد القهوة: يا دي قطة اللي انت مش بتقولي غيرها على فكرة أسمي لين الأنص...

بترت باقي جملتها وهي تلعن زلفة لسانها فهى كادت أن توشي بنفسها القت نظرة متوجسة على باب الغرفة وحمدت ربها أنه لم ينتبه لحديثها
لتتنهد بأرتياح وتعد كوبين من القهوة وتجلس تنتظره على طاولة المطبخ، أنهى أرتداء ملابسه العصرية المكونة من بنطال چنز أسود ويعلوه تيشرت يشابه لون عيناها العسلية وسترته الجلدية المعتادة يحملها بيده تحسبًا للبرد
تنهدت بإعجاب وقالت ما أن أقترب منها: أقعد أشرب قهوتك معايا.

أومأ لها وجلس وهو يتناول كوبه ويرتشف منه رشفة صغيرة بتلذذ: عرفتي منين إني بحبها سادة؟
أجابته وهي ترفع حاجبيها بغرور وتستند بيدها المكتوفة على الطاولة: أنا بلمحها وهي طايرة يا ابن بلدي، اخدت بالي لما عملتها قدامي قبل كدة
أبتسم بسمة واسعة وقال بمشاكسة وعيونه الناعسة تكاد تنغلق: أنا قولت عينك مني ياقطة ومركزة معايا من الأول محدش صدقني.

وحيات ربنا أنت di spessore وأنا غلطانة قوم يا يوسف رُوح شغلك بدل ما أخبطك بحاجة
هتفت بها بنبرة طفولية مغتاظة بعد أن أشتعلت وجنتاها خجلًا حتى أن هيئتها جعلته يقهقه ويخبرها بخفة: خلاص مش ههزر تاني، دة أنتِ بقيتي أنتِ والفستان لون واحد
ليستأنف بخفة وهو ينهض و يرفع يده بأستسلام: حتى بصي هقوم أمشي زي ما قولتيلي أنا مش مستغني عن عمري
لتكرر وعيناها تتحاشا السقوط ببئر عسله: ايوة امشي di spessore.

الله يسامحك على فكرة أنا بعديها بمزاجي علشان أنا طيب ومتخديش على كدة
قالها وهو يتوجه إلى باب الشقة ويدعي المسالمة
لترد عليه وهي تلحق به: هيسامحني إن شاء الله متقاطعش
ليقول وهو يبتسم: طب يلا ياقطة انزلي على سكتي
أومأت له وقالت وهي تسبقه على الدرج لأسفل: لأ رُوح انت علشان متتأخرش أنا هغير الفستان الأول
شعر بشعور غريب عندما أنصاعت لرغبته وأخذ يطالعها بتمعن وبداخله صراع قوي بين قلبه وعقله.

لتستأنف وهي تقطم شفاهها بخجل بعدما شاهدت نظراته المتمعنة لها: هو اي نعم أنا بقالي ايام بس أعرفك بس جدعنتك معايا، خلتني بثق فيك وفي كلامك وأكيد الفستان مش حلو عليا
أبتسم بمشاعر متخبطة وهو يلعن ذلك الذي يطرق بين ضلوعه يعلن عصيانه وغادر بعد أن ودعته بتلك الكلمات الجليلة المعتادة
لتنظر هي لأثره وتهمهم لنفسها بقلب يرتجف من شدة الخوف: خايفة القطة تحبك ياابن بلدي وتكون سبب هلاكك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة