قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع

كانت هي عائدة من عملها ككل يوم ولكن اليوم يتملك منها الحزن فهى انتظرت أن يهاتفها أو يبعث لها رسالة عبر الهاتف لكن دون جدوى فكانت طوال عملها عيناها على شاشة الهاتف حتى أنها كل حين وأخر تتفحصه خشية أن يكون به عطل ما و تطلب من زميلتها بالعمل أن تطلب رقمها من هاتفها لتتأكد أن هاتفها يعمل، كانت تجر ساقيها ببأس وهي تتوجه إلى منزلها بينما كان إسماعيل ينتظر عودتها كعادته وما أن مرت من أمامه تنهد بعمق و همس بنبرة خفيضة للغاية تحمل اللوعة بين جنباتها نابعة من صميم قلبه: كل سنة وانتِ طيبة يا وجعة قلبي ومخلياني عايز أتبرأ منه ومن أفعاله.

ليتنهد بحرقة ويرتمي على المقعد وينهر ذاته على ما توصل له فهو كل يوم قبل نومه يأخذ الكثير من القرارات بشأن حبه لها ولكن عندما يستيقظ تتبخر جميعها وكأنها لم تستيقظ معه وتظل غافية،.

آما هي دست مفتاحها بباب شقتهم وأدارته بملل وعندما دخلت تفاجأت بقالب كبير من الكيك يتوسط طاولة الطعام مزين نصفه بالكريمة المخفوقة و بقطع الفاكهة الطازجة والنصف الأخر بشكولاتة النوتيلا التي تعشقها، شهقت بقوة وأبتسمت بسعادة متناهية وهي تقترب تشاهد قالب الكيك عن قرب لتمرر أصبعها على حافته وتتذوقه بأستمتاع تزامنًا مع.

خروج نجية من المطبخ لتهلل حلا وهي تعتقد أن علاء هو من جلب لها القالب أحتفالًا بعيد مولدها: شفتي ياماما علاء بيحبني ازاي ومنساش عيد ميلادي
لوت والدتها فمها بأمتعاض وأخبرتها مستنكرة: علاء دة أيه؟ دة إسماعيل
كررت أسمه بإمتعاض: إسماعيل.

أكدت والدتها برأسها وأستأنفت: والله ابن حلال كنت هنزل أشتري واحدة علشان عيد ميلادك بس هو سباق بالخير وجه النهاردة كان بيطمن عليا وقالي أنو عارف إني بحب النوع دة من التورتة
أبتلعت غصة مريرة بحلقها وسألتها بحسرة على أحلامها الواهية: يعني مش علاء اللي بعت التورتة علشان عيد ميلادي
نفت والدتها برأسها وأسترسلت بود: كل سنة وانتِ طيبة ياقلب أمك ويارب السنة الجاية أبقى مطمنة عليكِ في بيت جوزك.

همست حلا بسخرية مريرة لنفسها: جوزي، هو فين جوزي اللي مكلفش خاطره بمكالمة تليفون
بتقولى حاجة يابنتي
نفت حلا برأسها
لتهتف والدتها في حماس: طب تعالي يلا نحط شمعة ونحتفل بيه أنا وانتِ
أومأت حلا ببسمة باهتة لم توصل لعيناها وانصاعت لوالدتها.

آما على الصعيد الآخر
ظلت لين طوال النهار تبحث عن عمل هنا وهناك حتى شعرت بتخدر ساقيها فهى كلما سألت عن عمل يخبروها بضرورة وجود أثبات شخصية و أوراق رسمية بصلاحية إقامتها بالبلد، جلست على أحد الأرصفة بالطريق وهي تتحسس جواز سفرها بجيب سترتها بأحباط وبملامح متجهمة فهى لم تتمكن حتى بتقديمه لهم لأن بذلك ستسهل ل وليد العثور عليها.

تنهدت بضيق وهي تعتصر ذاكرتها تحاول مرارًا وتكرارًا تذكر رقم هاتف يعقوب لكن دون جدوى لم تسعفها ذاكرتها
فركت خصلاتها البُنية بيأس ونهضت من جديد عائدة لشقتها الصغيرة وما أن وصلت أمام البناية وجدت يوسف يجلس على بداية الدرج ينتظرها
جلست بجانبه دون أن تتفوه بشيء وظلت نظراتها شاردة في العدم ليهتف هو في قلق: كنتي فين من الصبح؟

تنهدت وأخبرته بنبرة مختنقة على وشك البكاء: كنت بدور على شغل وملقتش كلهم عايزين أوراق.

هز رأسه بتفهم فتلك هي المعضلة العويصة بتلك البلد فإذا كنت لم تمتلك أوراق ثبوتية إذًا أنت منبوذ من الجميع وكأنهم يعاقبوك على قدومك لبلادهم وتركك لبلدك التي ضاق بها كافة سبل الحياه لا يعلمون أن الخوف والفقر والظروف الأقتصادية السيئة هي التي دفعتك لذلك وما كانت هجرتك سوى هربًا من صحراء اليأس إلى عجاف قلوبهم، تنهد بضيق وقال وهو يفرك ذقنه كعادته عندما يفكر بشيء: أنتِ معكيش أقامة صح زي حالاتي؟!

هزت رأسها بنعم ليستأنف هو بمرارة وهو يتذكر تجربته المضنية: متيأسيش، أنا أول ما جيت البلد هنا قعدت ثلاث شهور من غير شغل لغاية ما أتعرفت على فوزي بالصدفة وطبعًا علشان هو معاه أقامة وأقدم مني هنا فكان ليه معارف واصحاب خليته أتوسطلي عند صاحب المطعم اللي شغال فيه دلوقتي، اي نعم هو راجل أستغلالي و ذمته واسعة وبياكل نص حقي بس أنا مضطر أحسن من مفيش، أنا هكلمه يشغلك و ان شاء الله يرضى.

أبتسمت بهدوء وهي تتمعن بوجهه بطريقة مبهمة لم يستنبط منها شيء ودون أي مقدمات أجهشت بالبكاء، أستغرب ما حل بها وأخذ يسألها بقلق: لين مالك أيه اللي حصل بتعيطي ليه؟
أجابته من بين شهقاتها: أنت طيب أوي يا يوسف أنا مش عارفة من غيرك كنت هعمل أيه!

أبتسم على سبب أنهيارها وأخذ يربت على يدها المسنودة بجانبه لكي تهدء لكن فاجأته هي بسند رأسها على كتفه والتصاقها به بشكل أربكه بشدة وجعل جسده يتصلب من قربها ولكن أفكاره توسلت لجسده وطالبته بلإذعان لرغبتها والأسترخاء
أراح كتفه قليلًا وظل ساكن دون حراك وهمهم بتحشرج كي يؤد أي سبيل للخطأ او التمادي من جديد: أنتِ زي حلا أختي وواجب عليا أساعدك، يا بنت بلدي
تفوه بأخر كلمتين مستعيرًا جملتها المعهودة بمشاكسة.

أبتسمت من بين دمعاتها على مشاكسته ونكزته بكتفه بخفة ثم كفكفت دمعاتها ورفعت رأسها ببطء تصوب نظراتها الى خليط العسل خاصته وهمست بنبرة صادقة أمام وجهه: عارف يا يوسف حاسة إني أعرفك من سنين ويمكن أرتحتلك زي ما برتاح ل يعقوب.

أغمض عينه لوهلة كي يستعيد ثباته ولكن شعر بالخدر بكل أنحاء جسده فور أن لفحت أنفاسها الساخنة جانب وجهه رفع نظراته لها ببطء حتى أنحسرت عيناه داخل عمق عيناها لتهمس هي من جديد: أنا هفضل مديونة ليك الباقي من عمري
أبتسم ببهوت وبمشاعر متخبطة وهو يجاهد كي يبقى على ثباته وهمهم بصعوبة ونظراته تعصيه وتتركز على حبات القهوة خاصتها: أنا، معملتش، حاجة دة واجبي أحنا عرب زي بعض.

أبتسمت هي بأتساع حتى برزت غمزاتها التي تطير عقله وتزعزع ثباته وحاوطت كتفه بذراعها الاثنين وأستندت برأسها عليه من جديد كأنها تريد منه أن يبث بها شعور الراحة والأمان الذي سلب منها، ليزفر بقوة وهو يزيح أفكاره جانبًا ويتسأل: مين يعقوب؟
أجابته بتلقائية وهي مازالت على وضعيتها: ابن عمي وأكتر حد بيفهمني لتستأنف: على فكرة أنت بتفكرني بيه
أصله طيب وحنين كدة زيك.

قهقه بكامل صوته الرجولي وهتف بمشاكسة كعادته بجملته المعهودة: أنا قولت عينك مني ياقطة
رفعت رأسها بغيظ وضربته بخفة في صدره وقالت بأستنكار وهي تنهض عازمة الصعود لشقتها: تاني، وحياة ربنا أنت فصيل وأنا غلطانة إني بتكلم معاك
هتف من بين ضحكاته: استني ياقطة
وكاد ينهض ليلحق بها لولآ صوت صديقه الذي أستدعى كافة أنتباههم معًا: ياسلام على الأنسجام طب متدخلو جوة يمكن الكلام يحلو.

أمتقع وجه يوسف وحذره بحدة: فوزي أحترم نفسك وبلاش تهكمات ملهاش لازمة
ليبتسم فوزي بأستفزاز وهو يشمل لين بنظراته الوقحة: هو أنا قولت حاجة يا صاحبي متبقاش حمقي كدة وطريها
لتستأذن لين وهي تطالع فوزي بتقزز: عن أذنك يا يوسف
لتصعد وتترك فوزي يخترق ظهرها بنظراته ليقبض يوسف على حاشية ملابسه ويهدر من بين أسنانه بإنفعال: مش هتبطل يا أخي قولتلك ملكش دعوة بيها وبلاش توجه لها كلام ملوش لازمة.

البنت دي مش زي ما أنت فاهم
حانت منه بسمة هازئة وهو ينفض يد يوسف وقال: ياعم خلاص فهمنا بس متتعصبش مش حلو علشانك وبعدين أنا عايز مصلحتك
ليلوح يوسف بيده بلامبالاه ويصعد هو الآخر ليهمهم فوزي لأثره: شكلك وقعت ولا حد سما عليك يا يوسف.

عودة آخرى للقاهرة.

تمدد إسماعيل على فراشه وهو يضع يد يسند بها رأسه وباليد الآخرى سوار ذهبي نقش عليه أسمها، تنهد بآسى وهو يرفعه أمام نظراته ويتمعن به فذلك السوار أبتاعه مخصوص لها كعادته كل سنة بنفس التوقيت يشتري لها هدية عيد مولدها ويحتفظ بها بخزانته يعلم أن ما يفعله لايمت للعقل بشيء وهو الجنون بعينه ولكن يفعل ذلك دون ارادة منه دون ادنى تفكير وكأن عقله يتوارى خلف قلبه بكل ما يخصها فهو كثيرًا ما يتخذ العديد من القرارات بشأن حبه لها ولكن يعجز عن تنفيذها.

وكأن قلبه هو صاحب السلطه الأكبر عليه، تنهد بحسرة على ما توصل له حاله في محراب عشقها ونهض يضع السوار في ذلك الجانب بالخزانة الذي يخصصه لذكرياته القديمة وضمه لهداياه الذي ابتاعها لها في السنوات السابقة.

أستعدت في صباح اليوم التالي لمرافقته للعمل كما وعدها وما أن شعرت بخطواته أعلى الدرج همت بفتح الباب وهي تلقي عليه تحية الصباح ببسمتها الواسعة وغمزاتها التي تظهر بشكل يخطف الأنفاس، أبتلع ريقه ببطء و بادلها التحية وهو يطالع هيأتها بأعجاب شديد فكانت ترتدي فستان رقيق من اللون الفيروزي ويعتليه سترة بكم بيضاء وترفع خصلاتها على شكل ذيل حصان مبعثر يتمايل مع حركاتها بإنسيابية مهلكة ليحمحم بثبات أجاده: كويس أن هدوم كرستين نفس مقاسك.

عقدت حاجبيها بأنزعاج وتسألت وهي تضع يدها بخصرها: نعمممممم؟
أنا فكرتك أشترتهم مستعملين
حانت منه بسمة ساخرة وأضاف بمشاكسة: أشتريهم أزاي، أنتِ تعرفي عني كدة؟
دة أنا عايش بدعى الوالدين
دبت بقدمها بلأرض وأستفسرت بعصبية لم تعلم سببها: أيوة يعني مين كرستين ؟
أجابها بمكر وهو يلعب حاجبيه ويكبت ضحكته بصعوبة: المُزة بتاعتي، أرتحتي
شهقت بقوة وهتفت بنبرة مشدوهة وهي تشعر بقلبها يكاد يسقط بين قدميها: بتهزر صح؟

قهقه بكامل صوته الرجولي على أنفعالها وأضاف من بين ضحكاته: أيوة بهزر على فكرة دي زميلتي في الشغل
لتتنهد بإرتياح وتهمس بنبرة طفولية وهي تتحاشا النظر له: di spessore
ليباغتها بخفة بجملته المعهودة وهو مازال محافظ على ضحكته: بطلي برطمة، وبعدين أنا قولت عينك مني مصدقتنيش ياقطة؟
دفعته بقوة كي يسير أمامها وهي تبتسم ووجهها يشتعل من الخجل.

وهتفت بوعيد لتغير مجرى الحديث: أمشي يا يوسف الله يخليك بدل ما أرتكب فيك جناية على الصبح
لأ وعلى أيه الطيب أحسن
هتف بها وهو يرفع يده بأستسلام ويسبقها على الدرج لتبتسم هي وتقضم طرف شفاهها و هي تشعر أن شيء هناك بخافقها يصارع كي يخبرها بشيء هي ذاتها تخجل من الأعتراف به بعد.

بينما على الصعيد الأخر بالقاهرة
وتقريبًا بأختلاف ساعة زمن واحدة بين البلدين زفرت حلا
بنفاذ صبر وهي تعاود الأتصال به من جديد لكن دون جدوى فهو منذ سفره لعمله بالغردقة لم يهاتفها بتاتًا حتى أنه يتجاهل كل أتصالتها كما توقعت و لم يكلف خاطره وتذكر عيد مولدها بلأمس، رمت هاتفها على الفراش وتناولت حجابها ترتديه بعصبية وهي تلعن نفسها أنها أغضبته في لقائهم الأخير قبل سفره،.

دخلت والدتها اليها بملامحها الحنونة وتسألت بقلق وهي تطالع تعنيفها لذاتها: مالك يا بنتي على الصبح أيه اللي حصل؟
تنهدت بضيق وأجابت والدتها وهي تسحب حقيبتها وتدس هاتفها بداخلها لتغادر: مفيش وبالله عليكِ يا ماما أنا مش ناقصة على الصبح أسئلة، وسلام علشان أتأخرت على شغلي
ضربت نجية كف على أخر وأستأنفت بتوبيخ: يعني دة جزاتي إني شيفاكِ بتاكلي في نفسك وعايزة أطمن عليكِ، أكيد علاء السبب مش كدة.

تأفأفت حلا وهتفت بإنفعال وهي تفتح باب الشقة عازمة الخروج: لأ مش بسببه وياريت تشليه من دماغك
أستني هنا أمال بسبب أيه؟
لم تجيبها بل أغلقت الباب خلفها بقوة وشرعت في نزول الدرج وهي تتمتم بسخط لتنظر والدتها لأثرها وتقول بتضرع: ربنا يهديكِ يا بنتي ويهديلك نفسك.

بينما كان إسماعيل يغلق باب شقته وفي طريقه الى ورشته تزامنًا مع نزولها على الدرج، لفحته رائحتها المميزة التي تسبقها دائمًا وتشعل بداخله شرارة الحرب بين قلبه المتيم بها وعقله الثائر لكرامته أغمض عينه بقوة يستعيد ثباته ولكن ما أن أنفرجت
عصته لوهلة كعادتها تسترق النظر لها ليجاهد وهو يتذكر كرامته المهدورة على يدها ويغض الطرف ويهمهم بأدب كما تعود مع جيرانه: صباح الخير
نظرت له شذرًا قبل أن تتخطاه.

وهتفت بإنفعال وهي تلوح بيدها بلامبالاه: أهو صباح والسلام
أوعى من وشي أنت كمان مش نقصاك على الصبح.

لوهلة توقف الزمن به يستوعب ما بدر منها للتو في حقه، وظل عقله يتسأل ألهذا الحد تمقته ولا تريد أن تتعاطى معه أهو بذلك السوء في نظرها ولا يستحق حتى أن تتنازل وتبادله تحية الصباح، تنهد تنهيدة حارقة وهو ينظر لأثارها بعدما شعر بفوران رأسه وأخذ يفركها بعنف لعله يخفف من مداهمة أفكاره و قد قرر في قرارة نفسه أنه لن يهدر كرامته مرة أخرى فيكفي ما توصل له حاله.

ليرفع نظراته للأعلى وكأنه يناجي ربه بأن ينزعها من قلبه فبرغم كل شيء تفعله هى، إلا أنها تحت وطأت رجل أخر فضلته عليه على أي حال وقد أصبح كل الطرق اليها مستحيلة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة