قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثامن عشر

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثامن عشر

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الثامن عشر

أكداس الكآبة تجثم على صدري بقسوة، والحزن يسترخي في ممرات روحي، والليل يرسم لشحوبته ألف وطن تبدأ حدودها من عيناي.
( مقتبس).

مساء يوم متلبد بالغيوم ينذر بهطول الأمطار على تلك المدينة القاسية التي لم تكن رحيمة أبدًا به ذلك المهاجر الهائم بلا مأوى الذي ذاق مرارة الغُربة مرتين
فبعد وصول المركب الصغير الخاص بالصيد لتوه إلى المرفأ كما وعده روبرتو سابقًا تنهد يوسف بأرتياح وبصيص الأمل يلوح في عيناه و قبل أن يغادر المركب ودع روبرتو وشكره بإمتنان شديد.

ليأكد عليه روبرتو بود قبل أن يدع يوسف ينزل من على المركب: أعتنى بنفسك بني، وتذكر أن أردت الأنضمام لنا من جديد ستجدنا هنا قبل حلول النهار
أومأ له يوسف بود مماثل ثم لوح له مودعًا وذهب في طريقه لكي يبحث عنها ويدعو الله أن تخيب كافة ظنونه.

كفى، كفى لم أعد أحتمل بعد أخرج من رأسي وكفاك تأنيب بي أنا لست كما تظن أيها المسالم الطيب أنا مسخ لعين لا أصلح لأي شيء سوى للخنوع لذلك اللعين فيبدو أن لامفر لي من جحيمه ولا حق لي بالسماح لك أن تتسرب إلى صقيع قلبي أعلم أن كل شيء معك مختلف حد الكمال ولكن ليس بيدي شيء سوى أن أراك تعيش بسلام بعيدًا عني فأنا منبوذة مدنثة لا أليق بنصاعة قلبك. ذلك ما كان يدور بخُلد ماهي الجالسة في فراشها بعيون ذابلة من كثرة البكاء و هي تنفث دخان سجارتها بضيق شديد.

لترجع رأسها تسندها على ظهر الفراش وتغمض عيناها تتذكر ما حدث ليلة أمس بينهم
Flash Pack.

بعد وقت ليس بقليل من النحيب تحاملت على نفسها بعد مغادرة وليد ونهضت إلى المرحاض بخطوات متخازلة ضعيفة عندما ساورها شعور بتحسس معدتها وشعور بالغثيان تملك منها وما أن وصلت أفرغت كل ما بمعدتها وهي تشعر أنها ستتقيء روحها أيضًا لتأن بألم وتتوجه إلى حوض الاستحمام بهوان وتفتح المياه وتقف تحتها بملابسها، تفكر في حل لتلك المعضلة العويصة.

لعدة دقائق بدمعات لن تنقطع أمتزجت مع حبات المياه المتساقطة وكأنها تواسيها وتزيح عنها
وبعد بعض الوقت خرجت وأرتدت ملابسها ولم تنسى أن تضع وشاح صغير حول عنقها لتخفي أثار حرق سيجارة ذلك اللعين وما أن عدلت هيئتها وأخفت أثار البكاء
ظلت تنتظر عز وهي تعلم ما يتوجب عليها فعله بعد تفكير مضني
وبعد عدة دقائق قليلة كان يطرق على باب الشقة.

لتفتح له بملامح ثابتة دون أن تعير حظوره أي أهمية وتتجه إلى الأريكة التي تتوسط الردهة وتشعل أحد سجائرها
وتنفث دخانها بضيق شديد
ليقترب منها هو بملامحه البشوشة وعيناه الدافئة ويقول بلطف وهو يجلس بجانبها: الجميل مكشر ليه حاجة مضيقاكِ، أوعي تكوني زعلانة مني
رمقته بنظرة عابرة مشتتة بعد نبرته تلك التي تأثر بها وردت بإقتضاب وهي تطفئ سيجارتها بالمنفضة الموضوعة على الطاولة القريبة: مش زعلانة و متشغلش بالك.

ليرفع وجهها بأنامله الغليظة كي يحاول سبر أغوارها ومعرفة سبب ضيقها وهو يهمس بلطف أمام نظراتها المشتتة: أنتِ كل دنيتي يا مهيتاب أزاي مشغلش بالي بيكِ
أبتلعت غصة مريرة بحلقها ونفضت يده.

و كادت أن تنهض وتغض الطرف عن لطفه معها كي لا يؤثر عليها و تستعد للحديث الذي تود قوله لولآ أنه منعها وتمسك بذراعها يجذبها بالقرب منه وقال وهو يكوب وجهها بين راحتيه بحنان ويسلط غابات الزيتون خاصته بداخل عيناها السوداء الواسعة الآسرة التي تلتمع بالدمع: مالك يا ماهيتاب أنا عارفك لما بيبقى حاجة مضيقاكِ.

فرت دمعة من عيناها على طيبته وحنانه الذي طالما يغدقها به ليخدمها عقلها لأول مرة ويقوم بالمقارنة بين ذلك اللعين القاسي الذي لا يعرف اللين الطريق إلى قلبه قط وبين ذلك الحنون المسالم الذي يعاملها بكل تفهم ومرعاة ويشعرها بأدميتها التي سلبت منها،.

نفضت أفكارها سريعًا عندما شعرت بأبهامه يمر على وجنتها ويمسح عبراتها التي تساقطت دون أرادة منها حتى أنها أغمضت عيناها لوهلة وهي تشعر بقشعريرة تسري بكافة جسدها عندما أقترب منها أكثر ولفحتها رائحة أنفاسه العطرة آما عنه كان يهيم بها ويحترق شوقًا للأرتواء منها بعد سكونها الغريب بين يده.

والذي أعتبرها أشارة منها بالسماح له بالتمادي حتى أنه وجد نفسه يميل برأسه ويقترب من ثغرها كالمغيب وبأستسلام تام لرغبته وكأنه لم يعد يستطيع كبح نفسه أكثر عنها.

وإن التقط شفتيها المملتئة قبلها قبلة حالمة هادئة بنهم شديد دامت للكثير من الوقت وكأنه أراد أن يبث بها كل ما يختلج بصدره نحوها، آما هي فكانت مغيبة متأثرة بهيمنته عليها مستسلمة بين يديه وكأن الأمر غريب عليها وتجربه لأول مرة، نعم لم تحظى على قبلة حالمة مغلفة بالحب من قبل ولذلك بادلته برقة شديدة وأخذت أناملها طريقها لخصلاته تعبث بهم بحميمية وكأن الأمر أشعرها بنشوة الكمال التي لم تجربها من قبل وكأن لأول مرة تكتشف أن ما يحدث بين الرجل والمرأة شيء سوي لا يمت للتعنيف بِصلة، دفعها هو برفق وسندها على الأريكة و ظل ينثر قبلاته وتلثيماته المحمومة على كافة وجهها مما جعل أنات ضعيفة مستمتعة تنفلت من بين شفاتيها جعلت جسده يتصلب وتزداد وتيرة أنفاسه وتزداد رغبته بها أكثر لينزل بتلثيماته المحمومة على كل أنش بنحرها وعنقها حتى أنه أزاح بأسنانه ذلك الوشاح الصغير عن عنقها وبعز نشوته واستمتعها لفت نظره ذلك الحرق التي تتعمد أن تخفيه ليضم حاجبيه ويرفع غابات الزيتون خاصته التي تغيم بالرغبة إليها ويسألها بأنفاس ثائرة يحاول تنظيمها بصعوبة: من أيه دة يا ماهيتاب!؟

لتبتلع هي ريقها ببطء وبأنفاس متهدجة من تأثيره عليها بعدما تفهمت إلى ماذا يرمي ودفعته عنها بقوة أسقتطه على الأريكة وكأنها تيقنت للتو فقط ما كانت مقدمة عليه وربطتت الوشاح مرة آخرى ونهضت تضع يدها على صدرها الذي يعلو وينبسط من شدة توترها وصرخت به بإنفعال بحديثها التي كانت تنوي أن تخبره به سابقًا لولآ ما حدث بينهم الآن: اللي حصل دة غلط، ومينفعش يتكرر تاني، أنت لازم تبعد عني أنا منفعكش يا عز أنا مش زي ما أنت فاكر، أخرج من حياتي وحياة أغلى حاجة عندك.

عقد عز حاجبيه بتفاجئ من ردة فعلها تلك وقال وهو يقترب منها يحاول أن يتفهم ما حل بها: ليه بتقولي كدة أنا مش فاهم حاجة، علشان خاطري أهدي وفهميني
دفعته بقوة بصدره وقالت بصراخ و دمعاتها تسقط بسخاء: أنت غبي بقولك أبعد عني ومش عايزة أشوفك تاني، أيه اللي مش مفهوم في كلامي.

أبتلع غصة مريرة بحلقه وغمغم بضيق كي يمتص غضبها ويجعلها تعدل عن قرارها المفاجئ: لو علشان اللي حصل دلوقتي أنا أسف ووالله مش هقرب منك تاني...
نفت برأسها وصرخت من جديد وهي تجلس على أحد المقاعد بإنهاك وتخفي وجهها بيدها: أنت مش فاهم حاجة أرجوك أبعد يا عز قبل ما أأذيك أكتر من كدة
ليستأنف هو في بإنفعال من تصميمها الذي يجعله يشعر أنه سيفقد صوابه لا محالة: ماهيتاب أنا مش بحب الألغاز أتكلمي وفهميني؟!

رفعت نظراتها الباكية إليه
ولم تقوى على التبرير
وما أن طال صمتها جثى على ركبتيه مواجه لها وكوب وجهها بيده وقال كعادته المراعية المتفهمة: قوليلي فيكِ أيه وايه اللي بيحصل معاكِ وأنا أوعدك هساعدك وهتقبل أي حاجة تقوليها، أنا بحبك يا ماهيتاب بلاش تبعديني عنك
نفضت يده ونهضت بعصبية وقالت بحدة كي تجعله ينصاع لقرارها ويبتعد لتحافظ على سلامته فهي لن تقوى على أيذائه أكثر: أنا مبحبكش.

أفهم، وابعد عني أنا مستحيل أحب واحد زيك أصغر مني و لسة بياخد مصروفه من أبوه
ليقول هو بأصرار ليبرر: دول سنتين مش أكتر وبعدين، أنا هشتغل والله هشتغل وهصرف عليكِ وهتجوزك وهخدك ونبعد عن هنا
لتنفي برأسها وتقول بتسرع دون تفكير: مش هيسبنا في حالنا
عقد حاجبيه من زلفة لسانها وتسأل بعدما تجهمت ملامحه وأشتعلت نظرات غابات الزيتون خاصته: هو مين دة؟

زاغت نظراتها وظلت تلعن زلفة لسانها ليكرر هو بخشونة وهو يقبض على ذراعيها ويهزها بقوة: عايزة تفهميني أن في حد تاني في حياتك
رفعت عيناها الدامعة المحملة بلآسى إليه ولم تقوى على التفوه ببنت شفة مما جعله يتفهم من سكوتها أن ظنه بها بمحله ليرفع يده وكاد يصفعها لولآ أنه كظم غيظه بصعوبة بالغة حتى لا يتهور ويفعل شيء ضد مبادئه حتى أنه جز على أسنانه وأعتصر قبضته بقوة حتى هربت الدماء من مفاصلها.

ونفضها عنه بغضب عارم لأول مرة يتملك منه لذلك الحد، ويغادر دون أن يتفوه ببنت شفة وهو يشعر أنها طعنته بنصل حاد في صميم قلبه وأهدرت كبرياءه كرجل، مما جعلها تنهار بعدها وتخور ساقيها بها وتظل تنتحب بقوة وهي تنظر لأثره
End Flash Pack.

خرجت من شرودها على بقايا السيجارة التي كادت تحرق أناملها لتنفضها على الأرض بقوة وتجهش بالبكاء من جديد وهي تقنع ذاتها أن ما فعلته هو الصواب بالنسبة له ورغم تأكدها أن وليد لن يتهاون معها عندما يعلم ولكن لا يهم كل ما يهم الآن هو أن يكون عز بخير بعيد عنها
ولا تتسبب هي بهلاكه.

وحشتيني يا قطتي
جملة جاءت بعيدة بصوته الرخيم الهادء الذي يبث بها السَكينة دائمًا تناهت على مسامعها أثناء نومها جعلت قلبها يتراقص بين ضلوعها.

وتفتح عيناها ببطء شديد غير مصدقة فكان هو بذاته صاحب بئر العسل خاصتها التي أفتقدت الأرتواء منه وتألمت لفراقه يجلس على فراشها ويداعب خصلات شعرها بلطف شديد ويتطلع لها بنظرات دافئة مما جعلتها تنتفض وتتسع أبتسامتها تدريجيًا بعدم تصديق ودون أتزان وتمد أناملها الرقيقة بأرتعاش تتحسس وجهه وملامحه التي أفتقدتها وكأنها تريد أن تتأكد من كونه شيء ملوموس ليس من وحي خيالها ليهمس هو بصوته الرخيم الهادء الذي يذيب قلبها: وحشتيني يا قطة.

يوسف أنت هنا بجد أنا مش مصدقة...
قالتها بعيون غائمة وهي تشعر أنها ستفقد صوابها لا محالة ليضم أناملها الرقيقة التي كانت تستكشف وجهه إلى فمه ويلثمها بطريقة جعلت القشعريرة تنتابها.

وان كادت تستأنف لكي تبرر له ما حدث وضع يده على فمها وأخبرها بعشق تام وهو يضمها لصدره بقوة جعلها تشعر أنه يخفيها عن العالم أجمع بين ضلوعه، لتتنهد بلوعة حارقة وتغمض عيناها وهو ويدفن وجهه بخصلاتها ويشتم رائحتها التي طالما أخبرها أنه يعشقها لأنها تشبه رائحة الوطن: متقوليش حاجة يا قطتي أنا عارف أن الكلام اللي قولتيه كان علشان تحميني ومتأكد أنك بتحبيني، مش كدة؟

همس سؤاله الآخير بأذنها بطريقة جعلتها ترتبك للغاية و تشعر أنها ستفقد الوعي من تأثيره الطاغي عليها
لتهز رأسها تأكد له وتقول بنبرة ملتاعة نابعة من صميم قلبها وهي تمرغ وجهها بصدره مرة آخرى بأشتياق تام: بحبك، بحبك يا ابن بلدي
أنا كنت عارفة أنك عمرك ما هتخلف وعدك ليا وهترجعلي
، زاد من ضمها كعلامة على صدق حدسها مما جعلها تتنهد بأرتياح وتغمض عيناها لوهلة من الزمن فقط.

وهى تشعر بدفئ وأمان لم تحظي به يوم إلا معه وما أن فتحت جفونها من جديد تهدجت أنفاسها وزاغت نظراتها عندما لم تجد نفسها بين ذراعيه ولم تجده بجوارها وكأنه تبخر لتوه أو أنشقت الأرض وأبتلعته لتنتفض من نومتها بأنفاس مضطربة بكاد تحاول تنظيمها وتجول الغرفة بعيناها الزائغة وما أن أدركت أنه ليس له وجود صرخت بقوة وبنبرة حارقة بأسمه مما جعل يعقوب الذي كان يجلس بجانب فراشها غافي على مقعده ينتفض من جلسته ويهرول إليها لتصرخ هي من جديد وهي تضع يدها على أذناها وتهز رأسها بهستيرية وكأنها فقدت صوابها: لأ، لأ يووووووسف، متسبنيش.

حاوطها يعقوب بذراعيه يحاول تهدئتها ولكنها ظلت تصرخ وتصرخ بحرقة بالغة وبدمعات متساقطة دون هوادة وتقول بتقطع وبنبرة متألمة تقطع نياط القلب من بين شهقاتها: كان هنا يا يعقوب أنا شوفته واتكلمت معاه، قوله يا يعقوب ميسبنيش، قوله يرجعلي، قوله إن قطتك بتحبك ومكنش قصدها تخدعك، قوله يا يعقوب علشان خاطري قوله إني محتجاه، والله محتجاه أوي وهموت من غيره.

ربت يعقوب بحنو على ظهرها وهدئها بقوله بحنان بعد أن مد يده وضغط على زر الاستدعاء فوق فراشها: أهدي يا لين بلاش تعملي في نفسك كدة وتعذبي نفسك، أنتِ كنتِ بتحلمي والله دة حلم
نفت برأسها بهستيرية وصاحت بعدم أتزان وهي تمسك يعقوب من حاشية ملابسه: لأ دة مش حلم يوسف كان هنا و مامتش هو عايش أنا حسة بيه قلبي عمره ما كدب عليا، دور عليه يا يعقوب علشان خاطري ورجعهولي.

أومأ لها يعقوب برأسه وظل يمرر يده على ذراعيها بحنو لكي تهدء تزامنًا مع دخول الطبيب المختص بحالتها الذي ما أن رأي أنهيارها الوشيك أسرع و وخزها بذراعها بحقنة مهدئة لتتراخى قبضتها على ملابس يعقوب تدريجيًا وتخور كل قواها وتسقط بعدها في سبات عميق تاركة يعقوب ينظر لها بآسى وبحزن شديد لما توصلت له بينما الطبيب أخبره أن من الوارد حدوث ذلك بعد حالة الإنهيار العصبي التي أصابتها وطمأنه قبل أن يغادر أنها مسألة وقت ليس إلا ؛ بشرط أن تلتزم بالعلاج المتبع و يأكد بعدها أنها ستكون على ما يرام.

كان يسير بشوارع نابولي ضائع هائم بلا مأوى يخفي رأسه بغطاء الرأس الخاص بسترته الرياضية ويضع يده بجيوبها ليقي نفسه قليلًا من تلك الأمطار المتساقطة و البرودة المحيطة به التي تشبه صقيع قلبه بعد ما حدث، فبعد أن هاتف منزل والدته للعديد من المرات من أحد مكاتب الأتصالات الدولية ليطمئن عليها وعلى شقيقته لم يحصل على رد أبدًا مما جعل القلق ينهش بقلبه فتلك ليست عادتهم فوالدته لن تغادر المنزل إلا مرات قليلة و حلا أيضًا مستحيل أن تظل بهذا الوقت المتأخر خارج المنزل ليزفر بضيق ما أن يأس وحاول جاهدًا الاستعلام عن عنوان قصر والدها وهو يتذكر أسمه الذي تفوه به أبن عمها عند حضوره لهم وعند ذهابه إلى هناك وتفاجئ كثيرًا من فخامة القصر التي تنم عن غنى فاحش واستغرب أكثر كونها كانت متأقلمة بتلك الشقة الضيقة المتواضعة التي استأجرها لها و شعر كثيرًا بالغرابة أنها كانت تعمل بالمطعم كعاملة نظافة وتتقبل الأمر بكل أريحية لتجول تلك التساؤلات بعقله الهذا الحد كان زواجها من ذلك اللعين جعلها تنقم على كل هذا الثراء وتفضل الهرب بعيدًا، ترى أكانت تخدعه حقًا كما أخبرته وكانت تستغله لمساعدتها ليس إلا.

آم كانت تدعي الأمر فقط لتحافظ على سلامته، لا يعلم أين الصواب وأين الخطأ فمازال حديثها الجارح له قبل سقوطه بالماء يطن بأُذنه إلى الآن ولكن يظل لديه بصيص من الأمل أن تخيب كافة ظنونه نحوها، ظل يتوارى خلف أحد الأشجار القريبة من القصر حتى لا يلفت أنظار حرس القصر اللذين يحاوطوه من كل جانب وكأن من بداخل مستهدف أو كأحد رؤساء الدول العظمى، ظل لعدة ساعات دون كلل يريد أن يلمح فقط طيفها فيبدو أن قلبه الحنون ليس له شأن بتلك الحرب الضارية بعقله ويظل يخفق لها رغم كل شيء وما أن يأس مرة آخرى من مسعاه غادر وهو خاوي الوفاض ينعي حظه ويفكر جديًا إلى أين يذهب فليس لديه أي مأوى بتلك البلد، لوهلة تذكر فوزي ليجد نفسه تسوقه قدمه إلى منزله بقلة حيلة وما أن وصل إلى هناك لم يجده ليجلس ينتظره على الدرج ويستند برأسه على الحائط بعيون حزينة مليئة بلآسى لتأتي ومضة عابرة تذكره بها عندما كانت تنتظره وتجلس نفس جلسته، إلى الآن يتذكر ما دار بينهم إلى الآن يتذكر عناقهم الحار و يتردد حديثها بأذنه.

Flash Pack
خايف أكون مش جدير بيكِ أنا واحد معدوم عايش تحت الصفر
قاطعته وهي تضع يدها على فمه: متكملش، أنت أجدع راجل قابلته في حياتي متحاولش تقلل من نفسك قدامي علشان أنت كبير أوي في عيني
خايف يا لين أظلمك معايا
قالها هو بنبرة متعبة وكأنه يحمل على عاتقه حمل ثقيل
هزت رأسها وأخبرته بأصرار وهي تكوب وجنتيه براحتها: أنا بثق فيك يا يوسف.

أبتسم بسعادة وهو يرى عيناها تتلألئ بوميض عشقه ليجذبها اليه ويحتضنها وكأنه يريد زرعها بين ضلوعه ويهمهم وهو يضع أنفه بين خصلات شعرها و يستنشق عبيرها بإنتشاء:
بحبك يا لين
End Flash Pack.

قطع سيل ذكرياته صوت فوزي وهو يصعد الدرج بترنح ليجفف تلك الدمعة الهاربة من مقلتيه الناعسة وينظر للأسفل ليجد صديقه يحاوط خصر كرستين تلك الشقراء اللعينة التي طالما أرادت إغوائه سابقًا فكانت تترنح بسكر تام و تتبادل الهمس مع صديقه بمجون وضحكاتهم الصاخبة تعلو دون استحياء ليتيقن هو أن غيابه كان فرصة عظيمة لصديقه الذي لم يعير غيابه أي أهمية وكعادته لن يضيع وقت في المراوغة، ليصعد للأعلى ويتوارى عن أعينهم وما أن دلفو لداخل الشقة وأغلقوا الباب، تدلي الدرج وغادر وهو يشعر أن من كثرة خيبات الأمل الذي تعرض لها أنه كهل عجوز بأس تحاملت عليه هموم الدنيا وأثقلت عاتقه.

عودة إلى أرض الوطن وخصةً في ذلك المشفى التي تقبع به نجية.

كانت حلا تجلس أمام غرفة العناية بقلة حيلة تنتظر أن يسمحوا لها برؤية والدتها بفارغ الصبر ولكن بلا جدوى فكانوا الأطباء يخبروها أن حالتها مستقرة ولا داعي للقلق ولكن هي لم تقتنع وظل قلبها ينهشه الخوف من فقدانها، رائحة قهوة تسللت إلى أنفها جعلتها تشتهيها بشدة فهى تشعر أن رأسها يطن من ضجيج أفكارها لترى يد ممدودة بكوب منها أمام ناظريها لترفع نظراتها وتجده هو بهالته الرجولية وخشونة ملامحه يحثها بعينه أن تأخذها من يده لتتناول الكوب وهي مطرقة الرأس بحرج وتستغرب كيف شعر بحاجتها للقهوة وأحضارها كما تفضلها بالظبط لتهمس وهي ترتشف رشفة صغيرة منها بتلذذ بعد أن جلس على بعد مقعدين منها مراعيًا الأصول والعادات التي تربى عليها: شكرًا.

أومأ لها دون أن ينبت ببنت شفة وظل على ثباته ويتحاشا النظر لها لتبتلع هي غصة مريرة بحلقها وتخبره بخزي من نفسها ومن أفعالها السابقة: أنا عارفة إن مش وقته بس أنا بعتذر عن...
قاطعها قائلًا بنبرة قاطعة كحد السكين وبكبرياء بعدما شعر أنها تريد فقط مجاملته لوقوفه معها في محنتها: مش ضروري تعتذري ولا تشكريني وتقولي كلام تجامليني بيه، أنتِ مش مجبرة على دة...

لتبرر بصدق وهي مطرقة الرأس: أنا مش بجاملك دي الحقيقة أنا أسفة على إني مسمعتش نصيحتك وقللت منك، كان مفروض أسمع كلامك لأنك زي يوسف وأكيد كان قصدك مصلحتي.

أترى أيها القلب ألم أخبرك أن لا تتأمل كثيرًا فها هي من تحاملت علي من أجلها وعصيتني للكثير من المرات تقر بنفسها أنك مثل أخاها ليس أكثر، هل أكتفيت من خيبات الأمل أم تريد المزيد أظن أنه قد حان الوقت لأوقف سُلطتك علي وأتبرء من أفعالك فتبًا لك أيها القلب الذي تهوى العذاب والخنوع للألم وكما أخبرك دائمًا كفى، وأرئف بي قليلًا فأنا أنسان لديه كبرياء وعزة نفس ولن أقبل أن أصبح مثير للشفة بعيناها.

ذلك ما كان يدور بخلده وكعادة مستديمة لتلك الحرب الضارية التي توقد بداخله بعد كل صراع بين قلبه وعقله قال بثبات وهو لأول مرة يسمح لعقله أن يتدخل بشيء يخصها: وارد أننا نغلط بس لازم نتعلم من أخطائنا وأكيد أنا زي يوسف ويهمني مصلحتك أحنا متربين مع بعض وأمك
كانت مبتفرقش بينا وطول عمرها بتعوضني حنية أمي الله يرحمها.

رفعت نظراتها إليه لتجد الحزن يحتل عيناه ويركز نظراته بعيد عنها لتهمس من جديد: الله يرحمها، أنا كنت بحب مامتك أوي وكتير كنت بخليها تعملي الكيك اللي بشكولاته اللي بحبه، لترتشف رشفة آخرى من قهوتها وتستأنف: تعرف أنا حاولت كتير أعمل زيه معرفتش حتى ماما جربت كان بيبقى حلو بس مش بيطلع زي اللي كانت بتعمله مامتك.

حانت منه بسمة حانية والتمعت عينه وهو يتذكر والدته الحنونة وقال بإشتياق عارم وكأنها أطرقت باب الحنين بسجن قلبه وسمحت للحديث أن يفر فرحًا بإطلاق سراحه: أمي كانت حنية الدنيا فيها وبتعمل كل حاجة بحب من قلبها وبتجمل كل حاجة عينها تيجي عليها، لتتبدل ملامحه للحزن الشديد ويستأنف: علشان كدة لما ماتت حسيت أن كل حاجة باهتة من غير ألوان وإن مفيش حاجة في الدنيا تتقارن مع دعوة حلوة منها أو أكلة بسيطة عملتها مخصوص علشاني أو حتى عصبيتها ونصايحها اللي مبتخلصش، محستش بقيمة كل دة غير لما أتحرمت منها وساعتها قولت لنفسي يارتني سمعت كلامها يارتني عملت بنصايحها يارتني مضيعتش ثانية واحدة في طاعتها و تحت رجليها.

كان يتحدث بنبرة حزينة مغلفة بالأشتياق ومع كل كلمة يتنهد بعمق وكأنه يحفز نفسه للمثابرة دون والدته
آما هي فكانت تستمع له بعيون غائمة وبقلب يأن من مجرد فكرة أنها من الممكن أن تخسر والدتها أيضًا مثله وتشعر بما شعر به
ليهمس يقطع تلك اللحظة العصيبة عليه وعليها بأسف وهو يمرر يده بخصلاته البنية بعنف وينفض تلك الذكرى المؤلمة سريعًا: أنا أسف الكلام مش وقته ومعرفش خرج مني أزاي في الظروف دي.

أبتسمت هي ببهوت وردت بنبرة مؤنبة وبعيون غائمة: بالعكس كلامك جة في وقته...
لتفر دمعة حارقة من عيناها وتستأنف: أمي لو حصلها حاجة مستحيل أسامح نفسي
و والله العظيم لو خرجت من هنا بالسلامة عمري ما هكسرلها كلمة وهفضل الباقي من عمري أكفر عن ذنبي وخزلاني ليها
ليتنهد إسماعيل بعمق ويقول مواسيًا كي يخفف عنها ويبث بها الأمل وهو يتحاشا النظر لها: بإذن الله هتخرج وهتبقى زي الفل، أدعيلها.

أومأت له بطاعة وظلت تدعو لوالدتها بقلب خاشع أن يسلمها ويحفظها لها.

عودة آخرى إلى قلب أوربا الرحيم الذي لم يكن يوم رحيم أبدًا بأحد
فكان روبرتو يجلس داخل مركبه الصغير وحيدًا بعد مغادرة خادمه لشراء المُأن اللازمة لهم، فكان يريح ظهره على أحد المقاعد الخشبية على سطح المركب و يحتضن صورة محبوبته الراحلة.

ماري التي أشتاق لها كثيرًا فمنذ وفاتها وهو فقد شغف الحياه وزهد في كل مُتعها وأكتفى فقط بالعيش من أجل أن يمجد ذكراها بداخله قطع سيل أفكاره حركة غريبة داخل مركبه ليدس الصورة بجيب بنطاله وينهض ليتفقد الأمر وهو يظن أن خادمه قد عاد ولكنه تفاجئ باثنان ملثمين يعتلوا سطح مركبه ويقتربوا منه بحرس شديد لتحتد نظرات روبرتو ويخرج سلاحه من خلف ظهره الذي لم يفارقه يومًا منذ ما حدث ويشهره بوجههم ليصيح أحدهم بفحيح شيطاني وهو يقترب خطوة للأمام: أخيرًا تمكنا من العثور عليك سيد فليب وقد حان الوقت لتدفع ثمن كل جرائمك الشنعاء بحق منظمتنا.

ليجيبه روبرتو بنبرة صارمة وبثبات ووقار قاتل دون أن تتأثر به قيد أنملة: جرائم شنعاء ليس بمصطلح سليم أيها الوغد فما فعلته كان الصواب بعينه وطالما طمحت بالقضاء على أمثالكم بكل بقاع الأرض
ليقهق الآخر ويقول ساخرًا وهو يقترب منه أكثر: حسنًا دعنا نمهلك تلك الفرصة العظيمة للقضاء علينا كم أتشوق للموت على يديك أيها العجوز الخرف.

ليطلق روبرتو طلقة من مسدسه ما أن رأه يقترب أكثر كي تمنعه وتستقر بساقه ليأن بألم ويرتمي على الأرض بينما باغته الآخر بلكمة قوية تفاداها هو بأحترافية شديدة ليستغل الآخر الهائه ويركل بساقه السليمة يديه التي تحمل سلاحه ليسقط منها على أرضية سطح المركب ويتناوله الآخر بسرعة بديهية مما جعل روبرتو يتراجع إلى الخلف عدة خطوات وهو يستعد لمَ سيحدث فربما قد حان وقت الرحيل للأبد، ليبتسم أحدهم بخبث تحت قناع وجهه بعدما رأى تراجعه ونظرات الخوف التي تملكت منه أخيرًا ليركله ركلة آخرى ولكن تلك المرة بمعدته مما جعله يسقط بإنهزام ويأن من الألم فهو ليست لديه القدرة على المعافرة أكثر بحكم تقدم سنه ليعاجله أحدهم بلكمة قوية تبعها لكمة آخرى دون أي مقاومة منه وكأنه أستسلم لفكرة الموت اليوم واللحاق بمحبوبته.

ليقهقهو الاثنان عليه هازئين من قلة حيلته ويشهر أحدهم سلاحه برأس روبرتو ليغمض هو عينه ويرحب بالموت عندما استمع لشد أجزاء السلاح فهل ياترى سيصبح ذلك مصيره المحتوم آم سيكون للقدر رأي آخر...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة