قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية توأم الروح للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

وقفت فرح ترتشف مشروبها الدافئ، تحاول أن تهدئ به من دقات قلبها المتسارعة من الانفعال، تدرك أن بدر يقف قربها يراقبها بغيظ وهى تدعى اللامبالاة، فقط تدعى.
فمجرد معرفتها بأنه يراقبها أشعلت قلبها اشتعالا، رائحة عطره التى تتسلل اليها تجبرها على ادراك وجوده وبقوة، تمنع نفسها بكل ذرة ارادة تملكها كى لا تلتفت اليه لتتشرب عيناها من ملامحه التى تعشقها.

بينما نظر اليها بدر وداخله شعور ينمو فى كل لحظة، رآها ترفع كوبها الى شفتيها فتعلقت عيناه بهما، ابتلع ريقه بصعوبة يشعر بقلبه ينتفض، يقاوم رغبة عارمة فى أن يأخذ هذا الكوب من يدها ويقبل تلك الشفاه حتى تستسلم له، تلك العنيدة، الجميلة، الرقيقة.
مرر يده فى رأسه بتوتر، يتعجب من تلك الافكار التى تجتاحه الآن، انها فرح زوجته التى لطالما كره وجودها، فما الذى تغير؟

تساءل بصمت هل حقا كره وجودها يوما؟ليجيبه قلبه بالنفى، فهو قد انجذب لها منذ ذلك اليوم الأول والذى تلاقت فيه عيناهما وهى تناوله تلك الصينية، شعر ببراءة تلك العينين وجمالهما، نعم طوال مكوثها فى منزله كانت سمينة قليلا وخانعة أيضا، ولكنه افتقد وجودها بشدة حين هربت منه، لتعود وتكمل على بقيته بتلك الهيئة الجديدة، امرأة رائعة الجمال تعرف جيدا كيف تظهر جمالها الذى كانت تخفيه داخل تلك العباءات، لقد خسرت بعض الكيلو جرامات وغيرت قصة شعرها وربما اصبحت باردة متباعدة، واثقة من نفسها. ولكن عينيها مازالتا شفافتين تعكسان مشاعرها والآن تبعدهما عنه حتى لا يسبر أغوارهما، ينتابه الغيظ منها ومن تباعدها، ولكنه لن يستسلم حتى تستسلم هى.

ليتعجب مجددا من نفسه، يتساءل فى صمت، لماذا يريد منها الاستسلام؟ألم يكره النساء سابقا؟ألم يقسم أن لا يستسلم مجددا للحب، ألم يعانى بما يكفى؟ليعترف فى قرارة نفسه ان فرح تختلف عن سائر النساء فهى بسيطة، واضحة، مخلصة، طيبة وجذابة للغاية.

نفض أفكاره مجددا وهو يرفض مسارها، هو لن يستسلم لانجذابه نحوها، سيقاوم وبكل شدة وستكون كل مهمته أن تستسلم هى، فهى زوجته رغم كل شئ ولم تخلق المرأة التى تقاومه ولا تستسلم له، لم تخلق أبدا.

كانت أمانى تفيق ببطئ من تلك الاغماءة التى أصابتها، تناهى الى مسامعها صوت سيدة تقول بقلق:
اهدى بس ياابنى، انا مش عايزاك تتسرع...
قاطعها صوته، نعم انه صوته، وهو يقول بحدة:
ماما، دى حياتى انا ومش عايز حد يتدخل فيها، من فضلك اطلعى برة دلوقتى.

سمعت تنهيدة قوية ثم صوت اغلاق الباب، حاولت أن تفتح عينيها فلم تستطع فى البداية، لتحاول مجددا وتلك المرة نجحت، نظرت اليه، لا تصدق عيناها، كان يعطيها ظهره، حاولت النهوض فتوقفت فى الحال وقد أصابها الدوار، فقالت بهمس وهى تخشى ان يكون مرآه وهما، ويختفى فور حديثها:
بيجاد.

التفت اليها ببطئ، تأملت ملامحه بعشق، بشوق وبلهفة، مدت يدها اليه فلم يتحرك بل ظل على جموده الذى لاحظته الآن فقط، عقدت حاجبيها بحيرة وهى تنظر اليه تلاحظ نظراته القاسية لها لأول مرة، رددت اسمه بحيرة قائلة:
بيجاد.
قال بحدة:
بيجاد مات.
أغمضت عينيها بألم لتدرك أن من تراه أمامها الآن ما هو إلا شبيه له، لتفتح عينيها بقوة حين استطرد قائلا فى قسوة:.

مات يوم ما بعتيه بأرخص تمن، مات يوم ما اداكى قلبه وروحه وعمره وطعنتيه فى ضهره، مات يوم ما بعتيله ورق الطلاق مع رجالة باباكى عشان يمضى عليهم وهم بيعذبوه، عشان تروحى تتجوزى شريك باباكى، بيجاد اللى عملتى فيه ده كله مات ياأمانى، مااات.
قالت أمانى فى صدمة:
انت بتقول ايه؟
اقترب منها قائلا فى غضب:.

بقول الحقيقة ياأمانى هانم يابنت عاصم السلحدار، بقول الحقيقة اللى فضلت خمس سنين أهرب منها، خمس سنين ألعن اليوم اللى حبيتك فيه وسلمتلك فيه قلبى، وفى الاخر دوستى عليه وسلمتينى لرجالة باباكى يعذبونى ويضربونى لغاية ماكنت هموت، بس ربنا كتبلى عمر جديد، ومقدرتوش
تدمرونى. سافرت ونجحت وبقيت اغنى منكم كلكم.
هزت رأسها ترفض كلماته قائلة فى مرارة:
انت أكيد فاهم غلط...
قاطعها قائلا باشمئزاز:.

انا حقيقى كنت فاهم غلط بس ربنا فتح عينية على حقيقتك وفهمتك صح، انا كنت فى حياتك ايه؟، تجربة وكان نفسك تعيشيها؟ نزوة؟ غلطة؟ولما فقتى حبيتى تصلحيها؟تقدرى تفهمينى قبلتى تلبسى دبلتى ليه؟
ليمسك يدها بقسوة مستطردا:
وراحت فين دبلتى؟ رميتيها زى ما رميتى قلبى قبل كدة، صح ياأمانى؟

هزت رأسها نفيا والدموع تترقرق فى عينيها ليترك يدها باشمئزاز وكأن لمستها تجعله مدنسا، ابتعد عنها وهو يعطيها ظهره ليخفى الألم الذى ظهر بعينيه وتمد هى يدها الى رقبتها لتخرج سلسالها وتريه أين وضعت دبلته التى لم ولن تتخلى عنها أبدا وهى تقول:
دبلتك...
قاطعها قائلا فى الم:.

مبقتش عايز اعرف وديتيها فين؟مبقاش يهمنى مصيرها لان انتى نفسك مبقتيش تهمينى، رميتك ورا ضهرى زى ما رميتينى، ودورت على واحدة غيرك أنضف وأحسن منك ألف مرة، واحدة تحبنى بجد، ميهمهاش اكون فقير او غنى، واحدة خلتنى احبها من كل قلبى، خطبتها وخلاص هنتجوز، الحمد لله
، اختيارى المرة دى صح، وقصتنا حقيقية مش وهم، زى قصتى معاكى.

كانت امانى تستمع له بجمود، تشعر بقلبها يتحطم الى أشلاء وهى تسمع كلمات بيجاد عن تلك المرأة الأخرى، أعادت السلسال الى مكانه داخل ملابسها شاعرة بالتحطم، هى لا تعرف ما الذى حدث منذ خمس سنوات، تعرف فقط ان لأبيها دور كبير فيما حدث، والآن لم يعد يهمها ان تعرف فلا فرق أبدا، لقد تخطى بيجاد قصة حبهما، نسيها وأحب أخرى وانتهى الأمر.

لم يعد لها مكان بقلبه، بل بحياته كلها، سيكون عليها فقط ان تعتاد مجددا على عدم وجوده، أو لم تعتاده لسنوات؟
ليرفض قلبها كلماتها الجوفاء، فعندما عاشت دونه، عاشت على ذكرياته، هى فقط من أبقتها على قيد الحياة، اما الآن فلم يعد لديها شئ تعيش عليه، فقد لوثت ذكرياته قصة عشقه الجديدة ونسيانه اياها بتلك السهولة.

يكفيها أنه صدق أنها من الممكن أن تفعل كل ما قال، من الممكن أن تبيعه بسهولة وتسعى وراء المال، وضعت يدها على قلبها تشعر بالألم، ألا يكفيها ظلم أباها لها سنوات طويلة؟ألا يكفيها ما حدث لأمها منذ أعوام عديدة؟الا يكفيها حرمانها منه وظنها طوال تلك السنوات أنه متوفى؟حتى يأتى اليوم ليكمل عليها بقصة حبه تلك ويصدمها بظنونه ونعته قصة حبهما بالوهم.
التفت إليها بيجاد فى تلك اللحظة قائلا فى برود:.

يعنى مسمعتش تعليقك على كلامى؟
أغمضت عينيها تسيطر على تعبيرها الحزين لتفتحهما مجددا قائلة فى جمود:
عايزنى اقول ايه؟
قال فى برود:
أنا اللى سألتك الأول.
قالت بنبرة صوت باهتة:
لو قلتلك انك ظالمنى هتصدقنى؟
هز رأسه نفيا قائلا فى صرامة:
طبعا لأ.
ابتسمت ابتسامة لم تصل لعينيها وهى تقول:
يبقى خلاص خلص الكلام، انت اخترت حياتك وانا اخترت حياتى، واللى أكيد ملكش مكان فيها زى ما خلاص مبقاش لية مكان فى حياتك.

لتنهض بهدوء غير مبالية بنظراته الغاضبة وهى تقول ببرود:
أقدر اقول دلوقتى على حكايتنا انها خلاص انتهت، كان نفسى اقولك ان مقابلتك مرة تانية فرصة سعيدة بس مع الأسف أنا بالنسبة لك ماضى وانتهى، وانت كمان بالنسبة لى ماضى، طلقتنى وجوازنا بقى ذكرى مش حابب تفتكرها، والماضى لازم ننساه، عن اذنك.
كادت أن تغادر حين وصل الى مسامعها صوته الساخر وهو يقول:
مين قالك ان حكايتنا خلصت خلاص؟

التفتت اليه ببطئ وهى تعقد حاجبيها بحيرة خاصة وهى ترى نظرة الانتصار بعينيه وهو يقترب منها وابتسامته الساخرة على شفتيه ليقول:
للأسف، باباكى بكل اللى عمله فية مقدرش ياخد اللى هو عايزه.
ازداد انعقاد حاجبيها قائلة:
يعنى ايه؟
اتسعت ابتسامته الساخرة وهو يقول بتؤدة:
يعنى البرنسيسة أمانى عاصم السلحدار لسة على ذمتى.
اتسعت عينيها فى صدمة ليستطرد قائلا بانتصار:
انتى لسة مراتى ياأمانى هانم.

نظرت فرح الى بدر قائلة فى حدة:
قصدك ايه بالكلام اللى انت قلته ده؟
قال بدر بغضب:
وطى صوتك وانتى بتكلمينى.
وضعت يدها فى خصرها قائلة:
لأ مش هوطى صوتى ياسى بدر ولازم تعرف انى مبقتش فرح بتاعة زمان، يعنى لا يمكن هقبل بكلامك ده، ازاى عايزنى أنسى كل الكلام اللى سمعته منك، ازاى أنسى قلبى اللى جرحته بكلامك وأعيش معاك من تانى وانا عارفة رأيك فية، ازاى؟
قال بدر فى توتر:.

انا عارف انى كنت غلطان فى كل الكلام اللى قلته وسمعتيه، هتصدقينى لو قلتلك انى ندمان على كل حرف نطقته فى اليوم ده، انا يمكن كنت ساعتها حاسس انى مجبور أعمل حاجة مش عايزها، وانا طول عمرى حر وبعمل اللى انا عايزه، محدش قدر يجبرنى على حاجة، اتمردت وهى دى كل الحكاية.
نظرت الى عينيه قائلة فى برود:
وايه اللى اتغير؟
، لم يعرف بم يجيبها، حقا ما الذى تغير؟أيكون السبب تغير شكلها والتى تلمح به الآن؟

بالطبع لا فهو لا ينقصه الجميلات واللاتى يترمين تحت أقدامه وهو يعزف عنهم وكأنهم عقارب سامة تود لدغه.
السبب الحقيقى هو ابتعادها عنه وافتقاده اياها ليدرك أنها قد اخترقت حصون قلبه التى بناها حوله منذ أن قرر اخراج الحب من معادلة حياته.

نظر الى عينيها بحيرة، تلك العينان اللتان كانتا دائما مظللتين بنظرة عشق، اختفت تلك النظرة الآن وحل محلهما الجمود، تبا لقد افتقد نظراتها، افتقد حنانها واهتمامها، ابتسامتها الهادئة والتى كانت تستقبله بها كل يوم، لقد كانت كالنسمة الدافئة والتى اجتاحت حياته الباردة. والآن، لم يعد شيئا كما كان فلقد فقد كل شئ يخصها عندما ابتعدت ثم عادت اليه بتلك البرودة القاتلة، ليقسم أنه سيعيد اشعال نيرانها، يعلم ان هناك جزء منه يريدها بعيدة عن حياته ليحتفظ بأمانه ولكن الجزء الأغلب يطالبه بالخضوع لسلطانها وليرى ماذا سيحدث، لذا قال بهدوء:.

لو فاكرة انى غيرت رأيى عشان تغييرك ده تبقى غلطانة لأن بدر المنياوى أكيد حواليه اجمل ستات فى البلد.
كادت فرح ان تموت غيظا وكمدا من غروره وغيرتها الشديدة ايضا ليستطرد قائلا:
انا كل الموضوع انى حسيت انى اتسرعت وندمت، حابب ياستى ندى جوازنا فرصة، ووعد منى لو محسيناش انه يستاهل نكمل هحررك منى.
أحست فرح بغصة فى قلبها من كلمته الأخيرة فأطرقت برأسها بسرعة حتى لا يرى الألم المرتسم فى عينيها ليستطرد قائلا:.

أوعدك بعد ٦ شهور من دلوقتى، لو مصممة منكملش هطلقك يافرح.
رفعت عينيها اليه فى تلك اللحظة ليلاحظ بدر نظرة الم اختفت بسرعة لتحتل البرودة ملامحها قائلة:
انا موافقة بس لغاية ما نقرر هنكمل ولا لأ، هنفضل زى ما احنا.
عقد حاجبيه قائلا:
يعنى ايه؟
نظرت اليه قائلة فى تصميم:
يعنى زى ما عشنا سنة كاملة زى الأخوات، كل واحد فينا فى أوضة، هنعيش ال ٦ شهور الجايين بردو زى الاخوات يابدر.

كاد بدر ان يرفض كلماتها رفضا قاطعا لتتوقف كلماته الرافضة فى حلقه وهو يومئ برأسه مدركا ان لها كل الحق فى طلبها فبالتأكيد لديها مخاوفها بخصوص زواجهما وهو عليه فقط أن يدحض تلك المخاوف.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة