رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني للكاتبة نورهان العشري الفصل التاسع
يحدُث أن ينطِق كل شئ بك صارخًا أُحِبُك بينما أنت مُتسلِحًا ب صمت مُطلق خوفًا من الوقوع ب فخ عينين اختلط بهم العشق و الرفض معًا فتُصبِح كمن يقِف بمُنتصف جزيرة تتوسط بحرًا هائجًا أن بقي بها سيهلك من الوحده و أن جازف والقي بنفسه بين الأمواج الثائرة قد يموت غرقًا أو ربما عشقاً
نورهان العشري.
كانت تسير بخطوات ثقيلة تكبلها أصفاد الألم الساكن بصدرها الذي بات التنفس صعبًا عليه. تشعر بأن زفيرها تبدلت ذراته من هواء إلى وجع قاتل يتغذى ببطء إلى أشلاء روحها المُمزقة و التي أصبحت كسماء حالكه السواد تخلت عن ظواهرها الفيزيائية المُتمثلة في قوس المطر الذي بهتت ألوانه و اندثر بريقه بين طيات عذابها متحولًا إلى ظُلمة ابتلعته كما ابتلعتها معه و تبدلت كل مُبهجات الحياة في عينيها التي زهدت كل شئ فتساوى بنظرها القُبح و الجمال و لم يعد يلفت انتباهها شئ و لا حتى أن تلك الفرسة الجميلة التي كانت تصهل بقوة و كأنها تحاول جذب انتباه تلك اللوحة الحزينة لامرأة حتى حطامها لم ينجو من بطش القدر.
وبعدين معاكِ انا مصدعة بجد.
هكذا تحدثت جنة وهي تنظر إلى الفرسة التي كانت تصهل بقوة مما جذب انتباهها أخيرًا فتقدمت منها و قامت بإلتقاط إحدى حبات الجزر لتطعمها إياها و لكن الفرس تراجعت للخلف بطريقه مريبه فتحلت بفضيلة الشجاعة و فتحت باب الحظيرة وخطت إلى الداخل لمعرفة ما بها تلك المسكينة ولكنها سرعان ما تسمرت بمكانها وهي ترى ذلك الذي كان يختبئ بزاويه مظلمه في أحد الأركان و ما أن رآها حتى خرج من مخبأه بطلته الخاطفة ناصبًا عوده الفارع حاملًا بين شفتيه وردة حمراء اللون يناظرها بعينين امتزج بهما العشق و الحنان معًا فشكلا توليفة رائعة من المشاعر التي أصابت عمودها الفقرى بدغدغات مُحببه توجتها لمساته حين اقترب منها محتضنًا يدها بكفه الخشن و بالآخر جذب الوردة من بين شفتيه قبل أن يخفض رأسه يلثمه بقبلة دافئة في راحة يدها التي ارتجفت بين يديه فقام بوضع وردته الرقيقة بنفس المكان الذي لثمته شفتيه ثم اغلق كفها بحنان تجلي في نبرته حين قال.
ممكن أخطفك؟
كان مشهدًا ملكيًا الملك يجلب الورود لاميرته و يختطفها على ظهر حصانه الابيض و من المفترض أن تكون الأميرة في أقصي درجات سعادتها ولكن اميرتنا قُدِمت روحها سابقًا قربانًا لشياطين الجحيم فلم يعد أي شئ قادر على التغلب على عذابها أو إنهاء ألمها!
لم تقطع وصال النظرات بين عينيهما ولكنها قالت بلهجه جافة
وفر على نفسك وعليا الوجع يا سليم وامشي.
أن تعشق يعني أن تتألم وهو اعتاد على الألم منذ زمن فلم يعد يخشاه لذا شدد من احتضان يدها قائلًا بتصميم
اروح فين إذا كنت معرفش طريق غيرك.
عاندت بألم
طريقنا عمره ما كان واحد.
عاندها بحب
واحد يا جنة. دا قدرنا و منقدرش نهرب منه.
خشيت الضعف فتسلحت بالقسوة التي تجلت في نبرتها حين قالت
بس انا رافضه اي قدر يجمعني بيك و الموت عندي أهون من وجودك في حياتي.
يعلم بأنها تريد غرس اشواك الإهانة بصدره حتى تجبره على الرحيل و يعلم بأن أشواكها قد آلمتها مسبقًا لذا ابتلع ألمه و امتدت يده تضع الوردة بجانب أذنها فاكتملت صورة القمر هذه الليلة لترتسم ابتسامة اعجاب على ملامحه قبل أن ينساب عشقه من بين شفتيه
تعرفي أن الوردة كده بقت احلى.
قاطعته معانده
سليم أرجوك.
فقاطعها بنبرة خافتة ولكن قوية
وحياة أمى ما هسيبك.
كانت تعابيره تؤكد كلماته مما جعل الاندهاش يسيطر عليها فهي امرأة فقدت الثقة بنفسها حين فقدت أثمن ما تملكه فكان إصراره عليها مدهشًا بقدر روعته مما جعلها تقول بإستنكار
غريبة. بقي سليم الوزان إلى مكنش متحمل حتى يسمع صوتي من كام شهر بس دلوقتي هو اللي بيقول كدا؟
عرفت يداه الطريق إلى خصرها الذي طوقه بإحكام ليجذبها إلى صدره بغتة وهو يناظرها بعينين تقطران عشقًا انساب من بين شفتيه حين قال بصوت اجش.
عايزك تعرفي أن سليم الوزان مصبرش على حد قدك و لا هيصبر على حد زيك.
كانت الحيرة تطل من عينيها الجميلة التي تعكس صراعها الداخلي المرير فتابع يُخدر اوجاعها ببلسم كلماته
و لو كان طريقك شوك همشيه و لو آخره موتي بردو همشيه.
لم تكد تستوعب كلماته التي انسابت كرخات المطر على جروح قلبها فرممتها فإذا بالسماء ترعد رصاصات من كل حدب و صوب فخرجت منها شهقة قويه سرعان ما ابتلعتها ذراعه التي طوقتها بقوة وهو يقول مهدئًا
اهدي يا جنة.
انا خايفه يا سليم. هو في ايه بيحصل؟
شدد من عناقه لها محاولًا تهدئتها بينما عينيه تطوف في المكان بأكمله بحثًا عن مصدر تلك الطلقات التي سرعان ما هدأت فجأة كما بدأت فرفعت جنة رأسها تناظره بعينين مذعورة و تجلي ذعرها في نبرتها حين قالت
يالهوي ليكونوا عرفوا انك هنا؟
تحولت نظراته الحانيه إلى أخرى افزعتها كما افزعتها لهجته حين قال مشددًا على كل كلمه تخرج من فمه
و اي يعني لو عرفوا. انا مبعملش حاجه غلط أنتِ مراتي.
تعالى صوت الرصاص مرة أخرى فانتفض جسدها بين يديه و أخذت تتلفت يمينًا ويسارًا وهي تقول بتوسل
طب ارجوك عشان خاطرى امشي دلوقتي.
سليم بصرامه
مش همشي غير لما ضرب النار دا يهدي و اطمن عليكِ.
تجمعت السحب بعينيها فامطرت ألمًا تجلى في نبرتها حين قالت بتوسل
ارجوك تمشي. مش هتحمل نظرة احتقار تانيه من اي حد. لو بتحبني بجد امشي.
أن هوت على قلبه بمطرقه حديديه لم تكن لتؤلمه بتلك الدرجة و خاصة ذلك التوسل الذي ينبعث من عينيها و الذي كان كأصفاد فولاذية طوقته و شلت حركته فجعلته يشعر بالقهر لأول مرة بحياته فلم يستطيع حتى اخراج الكلمات من بين شفتيه فقد كان رأسه على وشك الإنفجار و كم كان هذا الشعور مؤلمًا للحد الذي جعل الأذى يطال جسده الذي أشفق عليه إذ تساقطت بعض قطرات من الدماء من أنفه فهالها مظهره وخرج صوتها مرتعبًا وهي تتحدث.
سليم في دم. دم نازل منك.
لم يجيبها فقط اكتفي بأن جذب أسفل عنقها بيده يقربها منه واضعًا قبله حانيه فوق جبينها تتنافى مع نيران أنفاسه و عاود أدراجه للخلف متسلقًا النافذة وقام بالقفز خارج الحظيرة ولكنه لم يجد أخاه الذي لم يستطع أن ترك «فرح» التي كانت ترتجف رعبًا حين سمعت طلقات الرصاص فوق رؤوسهم و سقط قلبها بين قدميها من احتمالية اكتشاف أمرهم فقام «سالم» بوضع يده أسفل ذقنها يديرها إليه وهو يقول بنبرة ثابته كملامحه.
اهدي و متخافيش من حاجه طول مانا جمبك.
كانت ترتجف بشدة للحد الذي جعل الكلمات تخرج متقطعه من بين شفتيها
جدي. يا. سالم. لو. لو. حد شافني. و جنه. سليم. انا.
لم تستطيع اكمال حديثها فقد أتتها كلماته العاشقه يغلفها غضب و إصرار كبيران
متجننيش يا فرح. انا ممكن اخدك من ايدك دلوقتي و اكتب عليكِ ولا يهمني حد.
كان الرعب مسيطرًا عليها بشكل كبير فلم تنتبه لمغزي كلماته كل ما استطاعت قوله.
سالم امشي. خليني اروح اشوف جنة.
زفر بغضب و أوشك على الحديث فابتعدت عنه قائلة بغضب
كفايه إلى حصل ميستاهلوش مننا فضيحة تانيه. امشي.
لم يجادل انما تشابهت نبرته الفظه مع ملامحه حين قال
كلامنا لسه مخلصش.
كانت عينيه توحي بالكثير و الكثير الذي تجاهلته فتابع هو آمرًا
روحي شوفي جنة. و أنا هفضل هنا لحد ما اطمن عليكِ
انكمشت ملامحها رعبًا عليه فهبت معانده
لا طبعًا.
قاطعها بقسوة.
اسمعي الكلام يا فرح عشان مش ضامن نفسي لحظة واحده بعد كدا.
لم تزد كلمه واحده بل تراجعت إلى خارج الحظيرة و أخذت تتلفت يمينًا و يسارًا حتى وجدت «جنة» التي مازالت تقف داخل الحظيرة دون حراك فتوجهت إليها على الفور...
خرج «عمار» مهرولًا إلى الخارج إثر سماعه الطلقات الناريه التي دوت في الأجواء فوجد الغفر يتجمعون حول شخص ما يطلقون جميع أنواع السباب الذي يعرفونه فتوجه على الفور إلى مكانهم و تبعه «ياسين» الذي ايقظه صوت طلقات الرصاص المروع
حوصول اي يا واد منك له؟
تراجع الغفر حين سمعوا سوت «عمار» الذي تسابقت خطاه إلى مكانهم و بجانبه «ياسين» الذي قال بغضب.
ما تنطق يا ابني انت وهو في ايه؟ و مين دا
تحدث «مرعي» أحد الرجال قائلًا بإحترام
انى لجيت ولد الحرام ده بيحاول ينط من فوج سور البيت الكبير و حاولت اوجفه مسمعليش جومت ضارب عليه نار جام واجع على الأرض و مش راضي يورينا وشه
اقترب «عمار» من ذلك الشخص الهزيل البنيه الجالس على الأرض يحتضن عمامته بيد لا تظهر من أكمام الجلباب الخاص به فهدر به «عمار» بقوة.
اخلع ياد العمامة دي وريني وشك العكر ده
لم يستجيب ذلك الشخص لأوامر «عمار» الذي صرخ غاضبًا
كنك اطرش ياد ولا اي جولتلك اجلع المحروجة دي.
ازداد ارتجاف الرجل فجن جنون «عمار» الذي اقترب خطوتين وبعنف قام بجذب العمامة من على رأس ذلك الرجل و الذي لم يكن سوي إمرأة جميلة بل صارخة الجمال شابهت عينيها عيون الريم في فتنتها و لونت سنابل القمح بشرتها بينما اندفعت شلالات شعرها البني تموج خلف ظهرها و حول وجهها لتشكل لوحة لإمرأة بنكهه أميرة هاربة من إحدي القصص الخيالية.
يا دين النبي إيه الجمال دا؟
هذا كان صوت «ياسين» الذي تجمدت عينيه على تلك الجميلة التي كانت تتنكر في ثياب رجل و تحاول اجتياز السور الخاص بقصرهم
يا ليلة زرجا يا ولاد. هي الچنية سابت التورعة و جت لحد أهنه. يا وجعة مربربة.
هذا كان حديث أحد الغفر و تعالت همهمات الآخرين بينما كان هو بعالم آخر مشدوهًا بتلك الجنية التي لا يعلم من اين ظهرت و هل هي حقيقة أم خيال؟ و لكن جاء صوت «ياسين» ليجعله يدرك بأنها حقيقة حين قال موجهًا حديثه إليها
أنتِ مين؟ و ايه إلى ملبسك اللبس دا؟
ارتجفت الفتاة و خرجت الكلمات مذعورة من بين شفتيها حين قالت
اني هجولك. اص. اصل.
اعادته نبرتها إلى صوابه فهب صارخًا.
اصل أي و فصل اي يا بت أنتِ انطوجي أنتِ مين و ايه إلى ملبسك اللبس ده و مطلعك عالسور أكده.
لم يكد ينهي «عمار» كلامه حتى اجابه «مرعي» قائلًا
انطوجي يا بت.
صرخت «نجمة» في وجه «مرعي» باندفاع
بت لما تبتك يا بغل انت.
صرخ «عمار» بها
اخرسي يا بت و كلميني اني. أنتِ مين يا مخبلة أنتِ.
نظرت إليه «نجمة» بغضب دفين فلطالما كانت هيبته ترهبها ولكنها حاولت الثبات حين قالت
أنى نچمة.
تدخل «ياسين» بسخرية
دا اسم ولا وصف؟
تدخل «عمار» صائحًا بنفاذ صبر
أنتِ هتنجطينا. ما تخلصي بدل ما اطوخك عيارين
هنا تلاشي ثباتها و صرخت باندفاع
اني نچمة بت عبد المجصود ابو سويلم و خالتي هوانم بتشتغل اهنه و كت چيالها.
واصل «عمار» استجوابها قائلًا بنبرة حادة.
و ايه إلى چايبك في الوجت المتأخر ده و لابسه أكده ليه؟
امي كانت تعبانه و كت جيالها عشان تاچي تديها الحجنة و انطريت البس چلابية ابوي عشان محدش يطمع في من كلاب السكك إلى مالية الشوارع.
كانت تتحدث و عينيه منصبه على «مرعى» الذي كان يناظرها باشتهاء اغضب كلًا من «ياسين» و «عمار» الذي صرخ به
أمشي يا بغل انت و هو روحوا شوفوا شغلكوا.
أجاب «مرعى» بمراوغة فقد أعجبته الفتاه كثيرًا
طب و البت دي هنعملوا فيها اي يا عمار بيه؟
زأر «عمار» بقوة
و أنت مال ابوك يا بغل انت. غور من وشي.
بالفعل اطاعه «مرعى» و الغفر من حوله فالتفت «عمار» إلى «نجمة» التي كانت تطالعه بحدقتيها الواسعتين والتي كان بهم تعابير براءه مفرطة للحد الذي جعلته يشك بأمرها فاقترب منها خطوة تراجعت على إثرها اثنان وهو يقول بعينين تقطران خبثًا
معارفش ليه جلبي مش مصدجك يا بت انتِ.
دب الذعر بقلبها وقالت بتلعثم
و أني. هكذب ليه يعني؟
واصل اقترابه منها وهو يقول بشك.
ولما انتِ چاية عشان أكده مدجتيش عالباب ليه؟ چايه متنكره و طالعه عالسور كيف الحراميه أكده. كلامك ممريحنيش. انطوجي يا بت وإلا
لم تتحمل سماع المزيد من تهديداته فقد تلبستها نوبه هلع جعلتها تقول باندفاع
وإلا اي؟ انت عايز مني اي؟ وربنا اشلفطلك إلى باجي من خلجتك. و معيهمنيش انك الكبير. اني بجولك إهوة.
أنهت جملتها و فجأة بدأت بالصراخ الذي جعله يتجمد من فرط الصدمه.
الحجوناااي. يا خلج يا هوه. الكبير عايز يموتني. الحجوناي
لم يستطيع «ياسين» أن يتجاوز صدمته من فعلتها على عكس «عمار» الذي انقض فوقها و قام بتكميم فمها بيده وهو يقول بغضب
وه. اجفلي خشمك يا بت المحروج أنتِ. هتجبيلي مصيبة إياك.
كانت ترتجف بين يديه ولكن ذلك لم يشفع لها فقد كان الغضب يجعل دماءه تغلي فهسهس متوعدًا
طب و حياة ربي لهبيتك في الحچز النهاردة عشان تتربي.
تدخل «ياسين» يخلصها من بين يديه وهو ينهره قائلًا
ايه يا عمار في اي؟ مش كده يا اخى. بعدين حجز ايه إلى تبيتها فيه بتقولك ابوها تعبان.
صاح «عمار» هادرًا بعنف
مسامعش إلى عملته المچنونه دي. ديه كانت هتچبلي مصيبة.
«ياسين» بتعقل
البت كانت خايفه منك و طبيعي تتصرف كدا. اهدي انت بس و سيبلي الموضوع دا.
«عمار» بعناد.
يمين بعظيم أبدًا. البت دي لزمن تبات في الحچز الليلادي. ديه حراميه باين عليها
لا تعلم كيف واتتها الجرأة لتقول بتهكم
مبجاش إلا انتوا عشان اسرجكوا.
رفع «ياسين» أحدي حاجبيها على حديثها و قال ساخرًا
كمان مش عاجبين جناب معاليكِ
بينما تدخل «عمار» الذي أهتاج غضبه من حديثها
شايف جليلة الرباية بتجول اي؟ طب ايه جولك بجي اني هجطع لسانك إلى بينجط سم ده.
انهي كلماته متوجهًا إليها فحال «ياسين» بينه و بينها و حاول تهدئه هذا الوحش الثائر قائلًا
ما خلاص بقي يا عمار خلينا نفض القصة دي هتعمل عقلك بعقل واحدة زيها؟
عنديك حج. بس يميني لازمن يمشي و هتبات الليلة في الحچز.
كانت تختبئ خلف ظهر «ياسين» العريض متخذه منه ملجأ لها و ما أن سمعت حديثه حتى أطلت برأسها قائلة باندفاع
حچز اي إلى ابات فيه و اني كنت جتلت و لا سرجت؟
اهتاج «عمار» من حديثها و انقض يحاول الامساك بها فحال «ياسين» دون ذلك فصاح غاضبًا
اخرسي يا بت المركوب أنتِ. و إلا و ديني هجوم سافخك كف متففك سنانك
ضاق «ياسين» ذرعًا بما يحدث فنفض «عمار» بقوة وهو يقول ل«نجمه» بصراخ
ما تتكتمي الله يخربيتك أنتِ كمان. و انت بقولك اي روح شوف حالك و أنا هتصرف معاها.
صاح معاندًا
ياسين.
قاطعه «ياسين» الذي نفذ صبره
ورحمة امك تمشي بدل ما أطخك و اطخها كان يوم اسود يوم ما رجعت البلد دي.
أخيرًا تراجع «عمار» الذي كان ينفس النيران من أنفه من شدة الغضب الذي لون عينيه و نظراته المصوبة تجاهها و تجلى غضبه في نبرته حين قال
انى همرجها عشان خاطرك بس و مش هخلص عليها لكن جلة أدبها دي لازمن ليها عقاب.
هتفت من خلف «ياسين» بذعر
تجصد اي؟
«عمار» بمكر.
هتعرفي. و هتتمني لو معرفتيش.
«ياسين» بعد فهم
يعني ايه الكلام دا؟
«عمار» بعينين متوعدة
محتاچين بنته تاچي تنضف تحت البهايم و اهي چت برچليها.
كانت رحلة العودة هادئة خارجيًا إنما كان كلًا بداخله يمتلئ بضوضاء مرعبة تتسيدها العديد من الاسئله التي عجز العقل عن الإجابة عليها و خاصةً من جانب «سالم» الذي يشعر بأن قدره يعانده مع تلك التي لم يشتهي سواها فبكل مرة ينوي التسلح بالشجاعة و الاعتراف بما يجيش بصدره يأتي حظه العاثر و يقطع الطريق عليه لا يعلم هل تلك إشارة بأنه على طريق خاطئ أم أن القدر يتلاعب به و يسخر منه هو الذي لم يكن يؤمن بالعشق يومًا.
زفرة قوية خرجت من فم «سليم» الذي كان الألم بصدره
فوق قدرته على التحمل فلم يعد يستطيع كتمانه أكثر فأخرج الهواء المكبوت بصدره دفعه واحده عله يهدئ من تلك النيران المستعرة بداخله فأتاه حديث «سالم» الذي أخرجه من بؤرة عذابه
ندمت انك روحتلها؟
لم يكن سؤالًا عابرًا فله صداه الذي يتردد بعنف في صدره الخافق ولكنه أخذ يتطلع إلى اجابه اخاه بلهفه خفيه فلم يطيل «سليم» الصمت بل اجاب بألم
ندمان اني مروحتش من زمان.
كانت اجابه و كأنها إشارة بالنسبة إليه فالتفت الى «سليم» قائلًا بتوضيح
تقصد قبل إلى حصل؟
تابع بلهجه متألمه تشبه نظراته تمامًا.
إلى حصل كان ترتيب القدر عشان نتلاقى. اقصد من اول يوم قلبي دقلها كان لازم اروح لها و اسمع منها. كان لازم أصدقها اصدق عنيها إلى كانت بتتوسل قدامي عشان مظلمهاش ولا أزود جرحها.
كانت المعاني المستترة بين كلماته مؤلمه كثيرًا كحال قلبه الذي يفطره الوجع فزفر بقوة قبل أن يقول بخشونة
جنه مدبوحة يا سليم مش مجروحه وبس!
«سليم» بضياع
كلها مسميات النتيجه واحده أنها بتتألم و مش قادر اعملها حاجه.
«سالم» بتعقل
غلطان. النتيجه مش واحده عشان الألم مش واحد!
التفت «سليم» يناظره باستفهام فتابع بنبرة جافة.
عارف لما يكون في واحد واقف بعيد و يقوم راميك بسكينه تيجي في قلبك؟ اهو دا الجرح؛ ويا يموتك يا يلم مع مرور الوقت و ممكن كمان ميسبش أثر. بس وجعه أخف بكتير من أن واحد كان قريب منك اوي و مسك نفس السكينة و قعد يحفر بيها في قلبك لحد ما شوه ملامحه دبح كل حاجه حلوة جواك. طيبتك، حنيتك حتى سلامك النفسي. و وقتها الموت بيكون أسلم حل لإن مفيش حاجه ممكن تخفف الألم أو تمحي الأثر. ودا بالظبط إلى حصل مع جنة.
تراشقت كلمات أخيه بصدره كالأسهم الناريه التي غرست معاناتها بداخل قلبه فهذا هو حالها الذي وصفه مزبوحه القلب مهترئة الروح.
تابع «سالم» حديثه قائلًا
عشان كدا لازم تعرف أن المشوار مش بس طويل دا كمان مليان شوك. لو مش هتقدر تتحمله يبقي متزودش إلى عمله حازم و ابعد من أولها.
جاء الصباح محملًا برائحة الأمل الذي تعلقت به القلوب التي اضناها التعب و أهلكها الأنتظار و لكنها مازالت متمسكه بحبال الإيمان التي جعلت «أمينة» ترفع يدها وهي تقول بشفاة مرتجفه
يااارب. ردلي ولادي سالمين لحضني و متضرنيش فيهم أبدا يارب.
بدأت حديثها تناجي ربنا واختتمته تتوسل إليه و لإن الله لا يرد عبدا أتاه عبدا توسل و تضرع إليه فقد اصطفت السيارة أمام البيت الداخلي للمزرعه و ترجل منها الجميع فابتهج قلبها برؤيتهم سالمين و خرج صوتها مهللًا
وصلوا يا نعمه. الولاد وصلوا.
اقتربت «همت» من النافذة فوجدت الجميع في الخارج بينما اندفعت «شيرين» و خلفها «مروة» و «سما» إلى الخارج و كان أول من قابلهم هي «حلا» التي ارتمت بين احضان «سما» تبكي ولا تعرف لأي سبب تبكي أحزنًا على قدرها أم تأثرا برجوعها إلى بيتها و خلفها كان سالم الذي قابلته «شيرين» قائلة بلهفه
سالم. انت كويس؟
تشابهت ملامحه مع لهجته الفظة حين سألها
أنتِ شايفه اي؟
غزا الاحمرار وجنتيها و أجابته بحرج
يعني أنا بسأل عشان الخطف إلى حصل و كدا.
بصق كلماته في وجهها قائلًا بفظاظة
إلى كانت مخطوفة عندك أسأليها.
القي بكلماته و اندفع إلى مكتبه و لم يلتفت إلى «مروة» التي تحدثت قائلة
هو سليم مجاش معاكوا؟
لم يجيبها أحد ف«حلا كانت مرتميه بأحضان «أمينة» التي خرجت لتوها من الغرفة و «مروان» كان مشغولًا باحتضان «ريتال» التي افتقدته كثيرًا بينما اقتربت منه «سما» قائلة بلهفه
ايه اللي حصل و شلفطك كدا؟
اغتاظ من سؤالها و من دقات قلبه التي تعثرت بداخله حين لمس اللهفه في نبرتها فنهرها غاضبًا
و أنتِ مال اهلك؟
اغتاظت من وقاحته ولكن ما أثار حنقها أكثر هي «مروة» التي اقتربت في دلال قائله بغنج مفتعل
ميرو الف سلامه عليك يا روحي. حصلك اي؟
ناظرها بسخريه تجلت في نبرته حين قال
النمرة غلط يا مروة. سليم في الاسطبل روحيله قالي اقولك أنه عايزك
تهللت أساريرها وقالت بفرح
بجد؟ طب عن اذنكوا
هرولت إلى الاسطبل تاركه الجميع خلفها يتعجب فاقتربت منه «حلا» قائلة باستفهام.
انت بتقول ايه يا ابني؟ سليم قال عايزها ولا بيطيقها حتي؟
«مروان» بنفاذ صبر
لا مقالش بس اكيد بيدور على حد يطلع في غيظه و هي بنت حلال و تستاهل.
زفر بحنق قبل أن يتابع
انا طالع انام واياك حد يقلقني
تنحي الجميع من أمامه بينما التفت إلى كلا من «حلا» و «سما» قائلًا بحنق
غوري من وشى انت وهي عيال ميجيش من وراكوا غير المصايب.
قالها و توجه إلى الاعلى بينما التفتت «أمينة» إلى «حلا» وهي تقول بنبرة متلهفه
طمنيني عليكِ يا بنتِ. قلبي كان قايد نار و أنتِ بعيد عني يا ضنايا
«حلا» بهدوء
انا كويسه يا ماما. ماتخافيش عليا.
احتضنتها «أمينة» بقوة فقد كانت على علم ببقاء «جنة» و «فرح» في بيت عمهما ولكنها كانت تجهل الباقي لذا أثارت ملامح «حلا» المتجهمة ريبتها فقالت بشك
مالك يا حلا؟ حصل حاجه هناك؟ الناس دي عملت فيكِ حاجه؟
«حلا» بلهفه
مفيش حاجه يا ماما انا بس تعبانه من المشوار.
تدخلت «سما» قائلة بخفوت.
خليني أخدها ترتاح شويه يا مرات خالي المشوار صعب و كمان إلى حصل يعني.
لم تكمل حديثها حين اومأت لها «أمينة» بالموافقه فأخذت «حلا» و توجهت إلى الاعلى بينما تفرقت نظرات «أمينة» بين «شيرين» و «هِمت» قبل أن تتوجه إلى مكتب «سالم» تنوي معرفة ما حدث هناك.
كان يغلى من شدة الغضب يريد تحطيم كل شئ حوله لم يتسع صدره لكل ما يحمله بداخله من مشاعر غيرة و عشق و ألم و خوف فهو لأول مرة بحياته يتذوق شعور الخوف. و الذي بدأ يتعاظم بداخله منذ أن تركها البارحه كانت محطمة خائفة كل ما كانت ترجوه ذهابه! بينما هو يتمني لو يجمع طمأنينه العالم أجمع و يضعها بقلبها ولكنها رفضت وجوده. نيران تحرق أحشاؤه من الداخل ولا يستطيع اطفائها على الرغم من أنه علم من «فرح» بأنهما في طريقهما إلى «الاسماعيليه» لمنزل عمها الذي تدهورت حالته كثيرًا فأضطر الجميع للمجئ لرؤيته و قد اراحه هذا و لو قليلًا ولكنه مازال يحترق بنيرانه التي ستجهز عليه ذات يوم.
سليم.
كانت أكثر شخص يكره رؤيته خاصةً في حالته تلك لذلك تعمد عدم الإلتفات و تظاهر بأنه لم يسمعها فقد كان مظهره مروعًا ولا يتمني أن تكون هي الضحية ليس لغلائها على قلبه بل قلة قيمتها أن طالها بطشة فتحسب عليه روح وهي مسخ مجرد من كل شئ ولذلك فهي كانت فاقدة للشعور فاقتربت منه واضعه يدها فوق كتفه وهي تقول بخفوت
سليم انت مابتردش ليه؟
قاطعتها يده التي قبضت على خاصتها بقوة كادت أن تطحن عظام يدها تحت قبضته فتألمت بقوة ولكنها تفاجئت و انتابها الذعر حين رأت مظهره المزري وعينيه التي كانت تحتقن بدماء الغضب فبدأ وحشًا بشريًا قادر على إزهاق روحها في ثوان
شوفتيني مردتش يبقي في دم. يبقي تمشي
قال جملته الأخيرة وهو ينفض يدها بعنف مما جعل الخوف يتعاظم بقلبها بجانبه شعور قوى من الصدمه التي جعلتها تقول
هو. هو حصل اي؟ انت. انت مالك؟ فيك اي؟
هسهس بغضب
متدخليش في اللي ملكيش فيه.
تغلبت مشاعرها التي فاقت رعبها منه فقالت بألم
ليا فيه يا سليم. على الأقل زمان كان ليا فيه.
قاطعها بنبرة قاطعه
زمان انتهي. زمان لما اعتبرتك بني آدمه ممكن أأمنها على بيتي و على نفسي كنت غلطان. والحمد لله لحقت نفسي في الوقت المناسب.
هبت مدافعه عن نفسها.
حرام عليك تظلمني عشان غلطه واحده. انا كنت عايزة اعمل لنفسي كرير مكنتش جاهزة للارتباط و صارحتك بدا و مكذبتش عليك. كنت واضحه في كل شئ
و أنا بردو كنت واضح معاكِ لما قولتلك لو مشيتي مترجعيش عشان مش هتلاقي مكانك فاضي
عاتبته بقهر
يعني انت مبقتش تحبني يا سليم؟
«سليم» بقسوة.
مش فاكر إذا كنت حبيتك زمان اصلًا أو لا بس إلى متأكد منه دلوقتي اني فعلًا بحب و أنتِ ملكيش مكان في حياتي فاتفضلي اخرجي منها احسنلك.
كان شعورًا مريرًا بالمهانة التي جعلتها تتراجع خطوتين للخلف ترتجف من شدة الغضب و الألم معًا و الذي خرج منها على هيئة حروف مبعثرة
انت. أناني. انا. مشفقة. على. الإنسانة. إلى هتعاشرك.
أنهت كلماتها و هرولت تاركه إياه ينفث نيرانه على هيئة زفير مسموع غافلًا عن ثلاثة من الأعين التي تراقب ما يحدث باستمتاع كبير.
جاءت نهاية الأسبوع بعد أيام طويلة قضاها الجميع في صمت تام بينما كانت القلوب تعج بضوضاء صاخبة و العقول انهكتها كثرة الأسئلة ولكن كان الجميع صامت كلًا يتحين الفرصة لتنفيذ مبتغاة.
كان «جنة» جالسة بمكانها على أحد المقاعد في المقهي الجانبي للمشفي تحاول استيعاب كلمات الطبيب التي مازالت طنينها يرن بأذنيها.
تأكدي يا جنة انى مش هكذب عليكِ في أي حاجه. اولًا كدا أنتِ محظوظة جدًا أننا اكتشفنا المرض بدري و خصوصًا أن النوع دا من الأورام دايمًا لما بنكتشف وجوده بيكون وصل لمرحلة خطيرة بيبقي حتى العلاج معاها صعب. انما الحمد لله احنا اكتشفناه يوم الولادة و دا طبعًا من رحمة ربنا بيكِ. لكن أنتِ بالتأكيد هتحتاجي تخضعي لجلسات كيماوي هتكون قليلة متقلقيش بس كام بالظبط معرفش و دا عشان نتأكد أننا اتخلصنا منه نهائي.
خرج صوتها مبحوحًا باهتًا كملامحها حين قالت
يعني. هو انا. بعد ما. اخد يعني الجلسات و كدا. عادي ممكن.
لم تستطيع نطقها فوجدت يده تشد على كتفها بقوة و كأنه يخبرها بوجوده بطريقة محسوسه و عينيه تتوسل إلى الطبيب حتى يطمأنها
تقصدي ممكن تخلفي تاني؟ بصي يا بنتي دي حاجه في ايد ربنا طبعًا. لكن لو هنتكلم على المرض فا لا دا مش سبب يمنعك انك تخلفي اعرف حالات كتير بعد ما اتعافت منه خلفت عادي.
لم تستطيع حتى أن تطلق أنفاسها ارتياحًا ولكنه شعر بارتخاء عضلاتها أسفل كفيه فعلم بأنها ارتاحت ولو قليلًا وتولى هو و «فرح» باقي الاستفسارات عن مواعيد الجلسات و جميع الأشياء المتعلقه بها.
كانت «فرح» تجلس بالمنتصف بينهم مما جعلها تشعر بالحرج و ايضًا أرادت ترك مساحه لهما فهي تعلم بأنه وحده الذي سيستطيع اخراج كل ما بجوف شقيقتها من عذاب لذا تظاهرت بالحديث في الهاتف وهي تغادر إلى الخارج و ما أن خطت اول خطواتها خارج المقهي حتى وجدت هاتفها يدق و كان المتصل «ياسين»
ايوا يا ياسين احنا لسه خارجين من عند الدكتور و الحمد لله طمنا.
«ياسين» باستفهام.
احكيلي حصل اي؟
قصت عليه ما حدث فزفر بارتياح قبل أن يقول
طب بصي استنوني نص ساعه بالكتير انا لسه خارج من الجامعه و هاجي اخدكوا.
«فرح» بلهفه
بلاش يا ياسين. سليم هنا مع جنة و هو هيوصلنا. و نتقابل عند البيت.
غضب «ياسين» و صاح معنفًا
بردو يا فرح. انا سكت الصبح لما قعدتي تقوليلي هو اكتر واحد محتجاه و الأفلام دي و كذبت على جدي و قولتله اني معاكوا معنديش استعداد اكذب تاني.
كانت تعلم بأنه أكثر من يفهمها لذا تابعت بتوسل خفي
انا عارفه انك تعبت معانا بس ارجوك كمل جميلك للآخر. جنة فعلا محتجاله وبعدين سليم مش غريب دا جوزها يا ياسين. ارجوك تفهمني
زفر بحنق قبل أن يقول مستسلمًا
طيب يا فرح. اول ما تطلعوا من هناك عرفيني.
اختتمت مكالمتها معه و وضعت الهاتف على إحدي الطاولات التي كانت بالخارج و جلست بعد أن أخبرت النادل بأن يحضر إليها قدح من القهوة التي تحتاجها بقوة الآن فهي تشعر بأن عقلها لم يعد يعمل الكثير و الكثير من الأحداث التي لم تستطيع أن تتقبلها أن تتعايش معها ناهيك عن مشاعرها و تحديدًا اشواقها الضاريه له و التي أصبحت عبئًا ثقيلًا عليها هي تشتاقه بجنون ولا تملك ادني حق يمكنها من الإقتراب منه فهي تحي على ذكرياتهم منذ آخر مرة كانت معه. تتقاذف دقاتها بعنف داخلها وهي تسترجع كلماته حين اخبرها بأنه اتي شوقًا لها تلك الجملة التي بكل مرة تمر على بالها تجعل جسدها يرتجف من فرط التأثر الذي ينتهي بكل مرة بهذا الاستفهام المؤلم.
ألم يشتاق لي بعد؟
كانت تغمض عينيها بقوة تمنع سيل العبرات الجارف الذي لن ينتظر إذنًا بالهطول فحجبت عن عينيها رؤية عينيه التي كانت تلتهمان تفاصيلها شوقًا فقد علم من شقيقه بوجودها و لم يستطيع مقاومة رغبته الملحة في رؤيتها فبينهما حديث طويل لم ينتهي بعد و قد ترك كل شئ بيده و اتي جرًا بأمر من قلبه الذي كانت دقاته تقرع كالطبول حين وقعت عينيه عليها
شايفه ان دا مكان مناسب عشان تسرحي فيه؟
جفلت حين سمعت لهجته الساخرة بالقرب منها ففتحت عينيها بلهفه لتتفاجئ بتحقيقه وجوده أمامها يطالعها بنظراته الغامضة و التي بعثت رجفه قويه بداخلها محمله بالوخزات الموترة فلوهله لم تعد تدري ما هو شعورها هل فرحه لرؤيته أن غاضبة لهجره لها طوال الأسبوع المنصرم.
تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بجفاء
شايفه انك تخليك في نفسك.
ابتسامه خطرة ظهرت على محياه قبل أن يقوم بالعض على شفتيه السفليه قائلًا بهمس قاتل
لسانك يا فرح.
غمرها الخجل و الارتباك معًا مما جعلها تقول بغباء
ماله؟
باغتها حين قال بوعيد
نفسي اقطعه.
تراجعت للخلف بغضب جعلها تكز على أسنانها قبل أن تهمس بغل
قطع رقبتك.
سمع كلمتها بوضوح ولكنه تصنع غير ذلك حين قال باستفهام
بتقولي حاجه يا فرح؟
أخذت نفسًا قويًا و عنفت نفسها مذكرة أياها بشخصيته الفظه و تحفزت بداخلها بألا تسمح له بالانتصار عليها أبدًا لذا قالت بعينين تقطران تحدي
بقول بعينك!
ابتسم بتسلية على تحديها السافر له و ود لو كان المكان مختلفًا حتى يبرهن لها على نواياه ولكنه اشتاق لخوض تحدي آخر معها فقال بفظاظة
بخصوص العيون امال نضارتك فين؟ مش شايفها بقالي فترة
اغتاظت من سخريته و فظاظته ولكنها تحاملت على نفسها فقالت بابتسامه صفراء
موجودة لو محتاجها ممكن ابعتهالك.
لم يتسني له الاجابه عليها فقد أتاه اتصال مهم فقام بالرد عليه بينما هي هبت من مكانها تقف أمام الزجاج العاكس للمقهي من الداخل و انشغلت بمراقبة شقيقتها التي كانت تتحدث بتيه و ضياع رق له قلبها كثيراً و أخذت تتضرع إلى الله أن تنال ما تستحق من السعادة فهي عانت كثيرًا بينما هو كان يطالعها بانتباه يريد تحطيم الحواجز التي تفصل بينهم ولكنه مكبل بواجباته تجاه عائلته اولًا و من بينهم شقيقه وتلك المسكينه التي لا يعلم كيف ستجد الراحه طريقها إليها فتبعها إلى حيث تقف زافرًا بحدة و أخذت نظراته التي كانت مصوبه أمامه تتفرق بلامبالاة في وجوه المحيطين بهم بينما قلبه كان عالقًا بها منتبه كليًا لكل ما يصدر منها و تابع ممسكًا بطرف حديث بينهم لا يريده أن ينقطع أبدًا.
شايفه أن علاقتهم دي ممكن تنجح؟
عارضته مصححه
هي أصلًا لسه مبقتش علاقه عشان نفكر إذا كان ممكن تنجح أو لا؟
ارتشف من الكوب الخاص به قبل أن يُغمغم ساخرًا
كمان. الله يعينك يا سليم!
اغتاظت منه فحاولت رد سخريته بما يماثلها
والله كل واحد بيحصد إلى بيزرعه. و اللي زرع شوك مش زي اللي زرع ورد.
علق ساخرًا
المُبالغة و الستات!
مش مبالغة على فكرة بس هو غلط في حقها و يستاهل
صاح بنفاذ صبر
ماهو بيعمل المستحيل عشان يصلح غلطه.
التفتت تناظره بغل اختلط مع نبرة صوتها حين قالت
مش كفايه. مفروض يداوي الجرح الى جرحهولها الموضوع مش سهل و لا هيخلص بين يوم و ليلة.
ضاق صدره من جدال عقيم كان هو بوادى و هي بآخر فقال بملل و نظرات حانقه
طب و لو خلقه ضيق و عايز ينجز في الليله كلها يعمل ايه؟
كانت تهوي استفزازه سابقًا اما الآن فهي غاضبه منه و من نفسها و من تلك القيود التي ستغرقها بأعماق المحيط دون القدرة على التحرر أبدًا.
هو سلق بيض ايه ينجز دي؟
غلف الغضب نظراته حين قال بفظاظة
ماهي الأفعال مش نافعه يعمل ايه تاني يموت نفسه!
خرجت الكلمات مندفعة من بين شفتيها حين أجابته
يقولها. وهي هتعرف منين هو بيعمل كدا ليه بتضرب الودع مثلًا.
رفع إحدى حاجبيه استنكارًا تجلي بنبرته حين قال
يقولها! على اساس انها كل دا مفهمتش؟!
تحلت بفضيلة الشجاعه وقالت مؤكدة
ايوا طبعًا. لازم يعرفها عشان تقف على ارض صلبه.
غلف المكر عينيه التي ضاقت حين قال بتخابث
يعني أنتِ شايفه أنه لازم يقولها؟
بشجاعه غير معهودة يغلفها توسل مبطن
ايوا طبعًا لازم
تحدثت عينيه أولًا والتي كانت مسلطه بقوة على خاصتها حين قال بنبرة قويه ولكن خافته
طب لو واحد بيحب واحده الحب نفسه قليل عليها يعمل ايه؟ يوصلها إحساسه بيها ازاي؟
شعرت بأنها مُهددة بالسقوط أمامه فنظراته حاوطتها بشكل لم تعهده سابقًا و كأنها تحصُرها بينه و بين كلماته التي جعلت نبضاتها تتعثر بقوة داخل صدرها ولكنها حاولت الحفاظ على ثباتها حين قالت باستنكار
دي مبالغه منه أو وسيله للهروب مفيش حد الحب قليل عليه
عاندها قائلًا بعينين تقطران عشقًا
في يا فرح. زي مافي مشاعر بتتظلم لما نسجنها في كلمه حُب قليله اوي عليها.
اجتاحتها زوبعة من المشاعر المتضاربة بقوة كان أولها الترقب و اللهفه وآخرها الخوف الذي لأول مرة تتجاهله قائله بشفاه مرتجفه
يعمل إلى عليه و يقول اي حاجه وهي اكيد هتفهم و تحس
باغتها سؤاله الذي يشوبه اللهفه
ولو كان خايف من رد فعلها؟
اجابته باندفاع مستنكرة
خايف! إلى اعرفه عنه أنه مابيخافش
لأول مرة يغزو قلبه الارتياح منذ أن وقع بعشقها ولكنه أراد الوصول لأقصي درجات الأمان معها فسألها بتخابث
هو مين إلى مبيخافش؟
هاه.
شعرت بوقوعها بالمصيدة التي نصبتها عينيه ولم تعد تستطيع الحديث للحظات فاقترب منها خطوة متجاهلًا وجود الناس حولهم وقال بلهجه مُلحه
مين إلى مبيخافش يا فرح؟
كانت كمن يحاول تحريك جبلًا شامخًا من مكانه. لا تعلم هل مخطئة ام مصيبه ولكنها شعرت بموجه من العبرات تجتاح مقلتيها مرورًا بقلبها الذي ضاق ذرعًا بما يحدث فانثاقت خلف لحظات جنونيه اغرتها بالتخلص من حمل هذه المشاعر التي ستُهلكها يومًا ما فقالت بانفعال
أنتِ عايز ايه؟ عايز تسمع مني ايه؟ عايزني اقولك اني.
سالم.
قاطعها مجئ «شيرين» التي كانت تراقب ما يحدث من بعيد ولم تستطيع الصمت أكثر و خاصةً وهي تعلم عندما رأته يخرج بتلك الطريقه أن الأمر متعلق بها
تفاجئ الإثنان من وجودها ولكنها اختارت أكثر توقيت خطأ لقدومها فقد نفذ صبره من كل شئ فلم يمهلها «سالم» الوقت للحديث بل قام بجذب يد فرح متجاهلًا وجودها وهو يقول بصرامه
تعالي معايا.
لم تقدر على مقاومته فبلمح البصر وجدت نفسها تستقل السيارة بجانبه بينما كان هو يقود بسرعة كبيرة لم تعهدها منه فقالت باندهاش
احنا رايحين فين؟
أجابها باختصار
هنقول الكلمتين إلى مش مكتوبلنا نقولهم دول.
سقط قلبها بين قدميها خوفًا من القادم أو لنقل أنه الترقب الذي جعل جميع خلايا جسدها ترتجف فقدوم «شيرين» أنقذها من تلك السقطة التي كانت ستقع بها و هو اعترافها بمكنونات صدرها ولكن ما فعله الآن جعلها تتخبط قلقًا و خوفًا و ترقب
سرعان ما توقفت السيارة أمام شاطئ معزول ليترجل هو منه يقف أمام زجاج السيارة ناظرًا إليها بتحدي تجلي في نبرته حين قال
هتنزلي ولا اجى انزلك أنا؟
لم يكن أمامها مفر فلابد أن تنقذ كرامتها و كبرياءها و تجد عذرًا مقبولًا لما حدث منذ قليل لذا تحلت بالشجاعه و ترجلت من السيارة تتوجه اليه وهي تنوي مجابهته و نفى تلك التهمه التي الصقتها بنفسها نتيجه مشاعر هوجاء
سالم انا.
بحبك.
لم يمهلها الوقت للحديث بل قاطعها ملقيًا قنبلته الموقوتة في وجهها الذي تجمدت ملامحه من فرط الصدمة وحدها عينيها التي برقت بطريقه مضحكه فاقترب منها ممسكًا بيدها التي كانت متجمدة كباقي جسدها فقام برفع كفها إلى يده و أخذ يفركه بحنان قبل أن يقربها منه لتصبح أمامه مباشرة ليعيد ما قاله ولكن بنبرة خافتة و صوتًا أجش
لو كانت تصرفاتي مقالتهاش فأنا بقولها دلوقتي. بحبك يا فرح.
كانت تلك المرة الثانيه التي تقع على مسامعها تلك الكلمة التي لم تكن تتخيل أن تسمعها منه بل وتراها بعينيه بذلك الوضوح. تستشعرها من كفيه اللذان يعانقان كفوفها المرتجفة بحنان جعل العبرات تتقاذف من مقلتيها تعبيرًا عن تأثرها بينما خرجت الكلمات متلعثمة من على شفتيها حين قالت
انت. يعني. انا. ازاي. اقصد. امتي.
لم يكد أن يجيبها حتى دق جرس الهاتف وكان المتصل سليم لذا أجابت بلهفه و تلعثم.
آلوو. سليم. في ايه. جنة. حصل ايه؟
لم تكن لها القدرة في السيطرة على نفسها ولا مشاعرها فارتسمت ابتسامه حانيه على ملامحه جعلت الاحمرار يغزو خديها حين جذب الهاتف من بين يديها قائلًا بخشونة
ايوا يا سليم.
أخذ سالم يستمع إلى حديث سليم على الجانب الآخر إلى أن انهي المكالمه بإحباط لم يتجاوز حدود شفتيه بل التفت يناظرها بعينين تكشف عمق شعوره نحوها قائلًا بنبرة رخيمة.
شكلي كده هضطر اخطفك عشان اعرف اتكلم معاكِ براحتي.
كانت نظراتها الضائعة تظهر مدى صدمتها ولكنه لم يكن يملك الوقت للحديث أكثر فاكتفي بالقول
استوعبي براحتك إلى قولته بس اعرفي أن المرة الجاية مش هتفلتي من تحت ايدي.
برقت عينيها بصدمة فأطلق ضحكة قوية لم تعهدها منه مسبقًا ولكنه بدا وسيمًا بشكل كبير و اصغر من عمره أيضًا مما جعل الابتسامه تغزو ملامحها التي مازالت تحت تأثير الصدمه مما جعلها تترك له نفسها يقودها إلى باب السيارة و يجلسها كأنها طفلة صغيرة بجانبه ثم انطلق بسيارته.
. استطاعت تجاوز صدمتها من اعترافه لها الذي لم تكن تتوقعه أبدًا فقد كان اعترافًا رائعًا بالحب الذي كان يطل من عينيه التي لأول مرة تراها بهذا الصفاء. ولكنها بغبائها أخذت تتعثر بالكلمات كالبلهاء و أضاعت عليها الاستمتاع معه بتلك اللحظة الرائعة تشعر بقلبها يتضخم بين ضلوعها من فرط السعادة حتى أن جدران غرفتها لم تكن تتسعها فخرجت إلى الحديقه تتمشي بها و تتشارك سعادتها مع ورودها تروي لها عشقًا كانت تدفنه بصدرها خوفا من خيبة من شأنها ان تقضي عليها من دون رحمة والآن هي على استعداد للصراخ به أمام العالم أجمع. رفعت رأسها تنظر إلى السماء بسعادة بينما انسابت العبرات من مقلتيها و قد نوت ان تخبره اليوم بعشقها له حين يذهبون لطلب يد «حلا» فهي قد تخطت آلام الماضي و ندباته و من كل قلبها تتمني أن تسعد بقربه.
امتدت يدها تزيل خيط الدموع التي لأول مرة تنساب من عينيها من فرط السعادة و انتوت الذهاب إلى غرفتها لتتجهز و ما أن التفتت حتى تفاجئت من يد قويه تهبط فوق خدها لتتراجع بقوة إلى الخلف وووو.