قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني للكاتبة نورهان العشري الفصل العاشر

رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني للكاتبة نورهان العشري الفصل العاشر

رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني للكاتبة نورهان العشري الفصل العاشر

حنونًا، صادقًا، دافئًا، لا يبالي ل شئ في العالم سواى، حصني المنيع من تقلبات الزمن و ملجأى من ضربات القدر. تلك كانت إجابتي حين سألتني صديقتي المقربة ما هي مواصفات رجل أحلامك؟

و يا ل دهشتها و دهشتي حين رأيت قهقهاتها الساخرة لمتطلباتي التي كانت على قدر بساطتها على قدر استحالتها. فأخذت تقنعني بأنه لم يخلق على وجه الأرض رجل يحمل تلك الصفات أبدًا حتى اننِي و لأول مرة بحياتي يزورني اليأس للحد الذي جعلني أفقد شغفي في التمني و انعدمت رغبة قلبي في العشق. فما حاجتي إلى رجل لا يعطيني قدري و يكن هو و العالم في مواجهتي؟ ولكن الحياة أدهشتني هذه المرة حين قابلتك...

لا أعلم هل وجدتك أم وجدتني ولكني وجدت روحي تهتدي بقربك و جراحي تسكُن في حضرة وجودك فأيقنت حينها بأنك مكافأة القدر لقلب ارهقته معاركه مع الحياة ليستشعر أخيرًا حلاوة السلام بقربك...
نورهان العشري.

تراجعت خطوتين إلى الخلف جراء تلك الصفعة المدوية التي سقطت على خدها بعنف تزامنًا مع خروج شهقة قوية من جوفها كانت إذنًا لشلال من العبرات الذي انهمر على وجنتيها دون أن تشعر فقد كانت عينيها متعلقة بزهول على ذلك الوحش الغاضب الذي يناظرها بغضب كبير شوه ملامحه الوسيمة التي بدت مكفهرة بدءً من عينيه التي تحول خضارها إلى بحيرة من الدماء الغاضبة التي كانت تحرق أوردته في تلك اللحظة فلم يبالي بمظهرها المزرى ولا صدمتها وقال بصوت يقطر غضبًا.

جالولي بت عمك مع ابن الوزان مصدجتش! جولت بت عمي عاجلة ومتربيه لكن طلعت حمار و بت عمى دايرة على حل شعرها و معملاش اعتبار لحد واصل.
كان حديثه صفعة أخرى تلقاها كبرياءها حين انهار أمام اتهامه المروع و كلماته المهينة التي جعلت الحروف تتعثر بين شفتيها حين قالت
أنت. انت. بتقول ايه؟ مين دي إلى دايره على حل شعرها.
قاطعها صوته الغاضب وهو يقول بقسوة.

كتِ مع ابن الوزان النهاردة بتعملي اي؟ و سبتي اختك في المستشفى وچريتي معاه؟
جاء استفهامه في أشد مناطق الضعف بقلبها الذي انتفض حين أطلت نظرات الاحتقار من عينيه فنفضت مشاعر الصدمة و الألم جانبًا وقالت بغضب
أنا حرة. ملكش الحق تسألني عن اي حاجه.
قاطعها صوت «عمار» المخيف حين قال
ليا الحق اسألك و أكسر دماغك كمان.
ناطحته ضاربة بكل شئ عرض الحائط.

بأمارة اى؟ تكسر دماغي ليه؟ الكلام دا تقوله لما تكون مسئول عني أو في يوم من الأيام شلت همي أو خففت حملي! لانت ولا اي حد في البيت دا كله يملك الحق أنه يكلمني ولا حتى يسألني. انا طول عمري شايله كل حاجه و سانده الكل في وقت ما كنت بتتمتع انت بأراضينا كنت انا بجرى هنا و هنا و اشتغل عند دا و عند دا عشان اصرف على امي العيانه و من بعدها ابويا. ابويا اللي طفش منكوا ومن ظلمكوا. لحد ما مات و بردو مشوفتش حد منكوا. اتخليت عن حلمي و سبت جامعتي و نسيت نفسي وبقيت زي الآلة إلى كل وظيفتها انها تدي و متاخدش. ملقتش مرة حد منكوا اميل عليه ملقتش مرة كتف يسندني لما كنت بقع! عشان كدا بقولك ملكش حق تقولي اي حاجه ولا تسألني عن اي حاجه!

أصاب حديثها منتصف قلب «عمار» الذي كان يعلم مقدار صدقه ولكنه كان يقف مكبلًا أمام أوامر جده الصارمة و التي لم تتزعزع سوي بعد أن علم بموت ولده ولكن كان الأوان قد فات.

بتشيلينا شيلة مش شيلتنا ليه يا فرح. محدش فينا كان يملك حاچة في نفسه. و أنتِ عارفه اننا كنا بندوروا عليكوا في كل مكان. لحد ما ياسين جدر يوصلكوا. و حتى لو احنا أكده ده مش مبرر لغلطك. بينك و بين ابن الوزان اي عشان تجفي جدامه و يدك اف يده بالشكل دا؟

برقت عينيها حتى ان خضارها أصبح مشعًا حين أضاء الهاتف و وضعه نُصب عينيها لتجد صورتهما اليوم وهو يسكب اعترافه الرائع بالحب على مسامعها فازدادت ضربات قلبها بشكل كبير وهي تفرق عينيها بينه وبين الهاتف حتى جف ريقها ولكنها لم تعتاد على الانحناء أو الضعف فرفعت انظارها وهي تقول بجمود قاس كعينيها في تلك اللحظة.

بتراقبني يا عمار! طب كنت أطلع قدامنا و أسألنا واجهنا سوي بدل ما تصورنا عشان تيجي هنا تستفرد بيا و تمارس القهر عليا.
«عمار» بغضب ارعدها
اخرسي و اجفلي خشمك يا فرح عشان صبرى عليكِ جرب يخلوص. اني لو كنت هناك كنت سيحت دم ابن الوزان جدام عنيكِ. من اللول وهو حكايته خالصه معاي. لكن إلى مانعني عنه چدك.

تقاذفت دقات قلبها رعبًا حين سمعت حديثه و مقدار الأذى الذي قد يطاله على يد من لا يعرفون الرحمة فصرخت غاضبة متألمه كحال قلبها.

ابن الوزان إلى عايز تخلص عليه دا هو إلى لم لحمكوا و حافظ علينا و على كرامتنا و رحمنا من ألسنة الناس وعيونهم. إلى انت زعلان اني واقفه معاه دا هو الوحيد إلى وقف جنبي وجنب جنة في محنتنا. هو إلى لحق جنة لما كانت عايزة تجهض محمود وخلى سليم يتبرع لها بدمه عشان تعيش. إلى عايز تقتله دا مداينك بكتير اوى.

هكذا صرخت بقهر نابع من قلبها الذي يتلوى من فرط الخوف على مالكه ولكنها لم تحسب حساب لذلك الصوت القوى الذي أتي من خلفها فجمدها بمكانها
كنك نسيتي أن الكلب اخوه هو إلى عِمل عملته الوسخة مع بتنا يا فرح.

كان لصوت «عبد الحميد» رهبة كبيرة داخل قلبها فللآن هي لم تقترب منه على عكس «جنة» التي كانت تشعر تجاهه بشعور عميق من الارتياح و الأمان معًا. ولكنها تجاهلت رهبتها و هيبته التي طغت على المكان حولهم وقالت بنبرة اهدأ.

لا منسيتش. لكن هو عمل المستحيل عشان يصلح غلط هو مالوش يد فيه صاحب الغلط مات و حسابه عند ربنا وان جينا للحق أي حد في مكان سالم ممكن كان يقول وانا مالي و يدينا ضهره و خصوصًا أن ورث حازم كبير.
خطت بحديثها إلى منطقة ألغام تفجرت بعيون «عمار» الذي فطن إلى ما ترميه و ما أن أوشك على الحديث حتى أوقفته كلمات «عبد الحميد» الغاضبة حين شاهد تلك الأصابع المطبوعة على وجنتها.

مين إلى عِمل فيكِ أكده؟
فطنت إلى ما يرمي و غزا قلبها احساس مفاجئ بالضعف و الألم و لأول مرة تشعر بالإشفاق على حالها لتلك الدرجة و انفلتت عبراتها على وجنتيها تحكي مقدار ألمها الذي نفته نبرتها حين قالت بجمود
مفيش حاجه.
ولكن أتي صوت غاضب من خلفها كان يشاهد كل شئ من شرفة أحد الغرف
لا في. و عمار إلى ضربها يا جدى.

كان هذا صوت «جنة» الغاضب والتي كانت تشاهد ما يحدث من الاعلى فهرولت للدفاع عن شقيقتها فإذا بها تجد «عبد الحميد» الذي غضب من حديث «جنة» و التفت إلى «عمار» قائلا بنبرة مرعبة
الكلام ده صوح يا عمار؟ انت مديت يدك على بت عمك؟
لم يهتز و ظلت ملامحه على حالها و خرجت نبرته جامدة ثابتة حين اجابه
ايوا صح.

برقت عيني «عبد الحميد» من إجابة «عمار» وصرخ هادرًا بعنف
كنك اتچنيت ازاي تعمل أكده؟ دلوق تخبرني ايه إلى خلاك تمد يدك عليها؟

دب الزعر بقلبها فهي إن كانت وقفت أمام «عمار» الند بالند حتمًا لن تستطيع أن تفعل ذلك مع جدها فهي تهابه كثيرًا و قد أيقنت في تلك اللحظة بأنها هالكة حالما رأت «عمار» ينظر إليها بغضب كبير و لكن سرعان ما تحولت نظراته إلى جده وهو يقول بنبرة ثابتة
مانتا سامع يا چدي طويلة لسانها و حديتها الماسخ. فرح نسيت أن ليها رچاله و چه الوجت اللي تعرف ده و تعرف كمان ان اي غلط مش مسموح بيه.

قال جملته الأخيرة وهو ينظر إليها بنظرات ذات مغزى ففطنت إلى ما يقصده واحتارت هل تشكره أم تغضب منه ولكنها تفاجئت من جدها الذي قال بقسوة
الحديت دا يمشي عليك وعليها اللي عملته غلط و يدك لو اتمدت عليها تاني هجطعهالك.
اغتاظ «عمار» من حديثه فصاح غاضبًا
وه. من ميتا يا چدي الحديت ده؟
«عبد الحميد» بصرامة
من دلوق. و قسمًا عظمًا لو اتكررت تاني هعيد النظر في موضوع چوازك منيها فاهم ولا لاه؟

فجأة تجمدت الدماء بأوردتها و شعرت و كأن مطرقة قويه سقطت فوق رأسها حين سمعت جمله «عبد الحميد» الأخيرة فتدلي فكها من فرط الصدمة و كذلك «جنة» التي اقتربت أكثر من جدها و قالت بنبرة ضائعة
جدي هو حضرتك قولت ايه؟ جواز مين؟
زفر «عبد الحميد» بغضب و وجه أنظاره ل«فرح» وهو يقول بصرامة
چواز فرح وعمار.

تداركت صدمتها التي تحولت لدهشة كبيرة جعلتها تبتسم بسخرية تجلت في نبرتها حين قالت
نعم! فرح مين دي إلى هتتجوز عمار؟ هو في حد تاني هنا في البيت اسمه فرح؟
تغاضى «عبد الحميد» عن سخريتها وقال بثبات
لاه مفيش حد تاني اسمه فرح غيرك.
تحولت جميع مشاعرها إلى شعور مقيت من الألم و الشفقة على حالها فهي للمرة التي لا تعرف عددها تكن كبش الفداء و الأضحية لمن حولها فخرج صوتها مبحوحًا حين قالت.

قولي انك بتكذب عليا! قولي انك مش هتجبرني اعمل اللي ابويا رفضه و هرب منه زمان. ولا خلاص ابويا مات و محدش هيقدر يقف قصادك
قالت جملتها الأخيرة بنبرة حادة و صوت عالي نسبيًا ف انكمشت ملامح عبد الحميد غضبًا ولكنه تحكم بنفسه إلا من نبرة صوته التي خرجت قاسية بعض الشئ حين قال.

همرجلك صوتك اللي على دلوق عشان عارف انك مصدومه ومش في وعيك لكن بعد كدا هتتحاسبي يا فرح. خدي وجتك و فكري زين في إلى سمعتيه و بعدين نتحدت.
سقطت كلماته كالجمرات على قلبها المشتعل بنيران القهر و الألم فلم تكد تجيبه حين ألتفت ناظرًا إلى «عمار» قائلًا بقسوة
جهز حالك هنطلعو على المستشفي نشوف عمك اللول و بعدين نطلعو على جصر الوزان خلونا نخلوص من الحكاية دي.

انهى كلماته و اندفع إلى وجهته وخلفه «عمار» تاركين «فرح» التي لأول مرة في حياتها يغزوها كل هذا الضعف فلم تتحمل ما يحدث و سقطت تفترش الأرض بدموعها قبل جسدها فهرولت «جنة» تجاهها تحتضنها بقوة وهي تردد بألم
اهدي يا فرح. كل حاجه هتبقى كويسه. والله كل حاجه كويسه متقلقيش.

غمرها الحزن للحد الذي عزلها عن كل شئ حولها فاخذت عبراتها تنهمر تسقي العشب المحتضن جسدها المرتجف الذي توسط تلك الحديقة المليئة بالزهور الجميلة التي كانت هي أجملهم و على قدر جمالها كان حزنها فصدق من قال مثلما هناك زهور بلا رائحة هناك أيضًا جميلات بلا حظ. و قد كانت هي على رأسهن.

كانت تدور بغرفتها ك ضائع ضل طريقه في هذه الحياة و بوصلته الوحيدة مُلطخه بدمائه التي كلما رآها تتجدد جراحه من جديد ليجد نفسه يقف أمام مفترق طرق دُون على لافتة إحداهما العذاب والآخر الضياع و القلب مُمزق عاجز كليًا على خوض رحلة العذاب حتى ولو كان نهايتها راحته و مرتعب من أن يجرفه عجزه في طريق يظل شريدًا به طوال حياته فالأول مؤلم و الثاني مميت و البقاء بالمنتصف معاناة تعجز الكلمات عن وصفها كما تعجز هي الآن عن مساعدة شقيقتها التي لطالما أحرقت نفسها من أجلها.

الأفكار تطن برأسها كالذباب و عقلها يكاد ينفجر من شدة الضغط الواقع عليها ناهيك عن ألم ينخر بقلبها وخاصةً حين تذكرت ما حدث بينهم اليوم بعد موعد الطبيب
عودة لما قبل بضع ساعات.

كانت تجلس في المقهى وهي تتذكر حديث الطبيب الذي لم يريح قلبها فقد شعرت بأنه يخفي الكثير أو لنقل بأن قلبها اعتاد على الخداع فلم يعد يري الصدق أو يصدقه فكل من حولها خدعها بطريقه أو بأخرى و كانت آخرها عن حقيقة مرضها الذي كذب به الجميع لولا أنها بحثت على مواقع البحث الإلكتروني و علمت هويته ولم يكن ليخبرها أحد بهذا لم تصدق كل ما قيل اليوم و قد قررت أنها ستذهب بمفردها إلى أحد الأطباء لمعرفة ماذا يدور بداخلها و إن كان هذا المرض سيجهز عليها فستكون أكثر من شاكرة له.

نفسي ادخل جوا دماغك الحلوة دي و اعرف بتفكري في اي؟
هذا كان صوت «سليم» الذي كان يتابع انفعالات وجهها و تبدل نظراتها و حتى رفرفة رموشها فقد كان كرسام بارع يريد حفظ أدق التفاصيل ل مشهد بديع نادر الوجود كي يدونه على أوراقه بريشة عاشقه تهوى رسم كل ما هو جميل ك ملامحها و عينيها و حتى حزنها الفاتن
بفكر انك لو حليت عني هترتاح و تريحني.

كانت غاضبة و تريد أن تخرج ما بجوفها اما على هيئة عَبرات أو عِبارات تعرف طريقها إلى صدر أحدهم والذي كان يتسع لها أكثر مما تتخيل
ياريت ينفع. بس للأسف انا قدرك الأسود و أنتِ قدرى الجميل.
منذ زمن لم يتغزل أحد بها و خاصة إن كان يملك عينين مشتعلة دائمًا حتى بدت كقرص شمسى متوهج يبعث دفئًا غريبًا على قلب غلفه الصقيع الذي تجلى في نبرتها حين قالت.

هقولك على معلومة صغيرة. انا غلطتي الوحيدة إلى حولت حياتي لجحيم اني صدقت كلمتين حلوين زي دول في يوم من الايام. فخليك متأكد اني حتى لو شفتي اسمي محفور على جدران قلبك بعيني هكذبها.

نجحت في إثارة شتى انواع الشعور بداخله من غضب و ألم و حزن و غيرة و أخيرًا شفقه على ما آل إليه حالها فهذه هي النتيجه الحتميه للخذلان. شخص مضطرب خائف أعلن قلبه العصيان و ألحدت روحه بكل معاني الوفاء و اختلت موازين الثقة بعينه حتى بدت كلمة واهية ليس لها معني.
عندك حق في كل كلمه قولتيها. انا كمان بحييكِ انك صريحه. و بتقولي اللى جواكِ بس ياريت تفضلي كدا على طول.
انكمشت ملامحها بحيرة وقالت باستفهام
تقصد اي؟

عايزك دايما تقوليلي اللي في قلبك حتى لو هيجرحني! انا قابل. توعديني؟
أجابته بنبرة يشوبها الذهول
لما اعرف الاول ليه؟
بعينين تعانق بهم الإصرار و العشق معًا و نبرة تحمل قوة منبعها قلب يعرف وجهته تمامًا انسابت الحروف من بين شفتيه
عشان واثق أن قلبك مش هيطيب غير معايا. لو سيبتيني اسقيه من حبي الشوك اللي مغروس جواه هيطرح ورد. كل وردة منهم عليها اسمي. اسم سليم. بس وقتها تيجي تقوليلي. اتفقنا؟

نجح وبجدارة في زلزلة جميع حواسها و اخترقت كلماته شئ ما بأعماق قلبها الذي تصدعت تربته من فرط الألم و اصبحت مرتعًا للصبار الذي كانت أشواكه تنغز بداخلها بدون رحمة و كأنه كان يراها من الداخل بوضوح ولكنها و بالرغم من حلاوة كلماته أصبحت شخص مصاب بداء الحذر يتحسس من الوعود التي في العادة تكن عبارة عن خيبات مؤجلة.

مش مضطرة اوعدك بحاجة و لا اتفق معاك على حاجه و كل اللي قولته دا حلو اوي و جميل بس محركش شئ جوايا. عشان كله كلام و وعود وانا مضيعنيش غير اني صدقتهم قبل كدا.
بنبرة فظة خاطبها
بلاش تبقي جبانة يا جنة. انا مابكرهش في حياتي قدهم.
تشدقت ساخرة
يبقي من النهاردة اعتبرني منهم و اكرهني.
«سليم» بجفاء
القلب معليهوش سلطان.
والعقل راح فين؟
لوى فمه وأجاب بامتعاض
معدش في ايده حيلة.

لأول مرة تبتسم على مظهره و الامتعاض الباد على محياه فلفتت قلبه بسمتها مما جعله يقول بعبث
كدا خدت اللي أنا عايزه خلاص.
انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت
يعني ايه مفهمتش؟
«سليم »بمزاح قلما يظهر عليه
استنادًا على مقولة عمرو دياب ضحكت يعني قلبها مال يبقي خلاص انا كده في السليم.

حاولت بصعوبة قمع ابتسامتها التي كانت تجاهد للإفلات من بين شفتيها التي زمتهم بغضب مفتعل تجلي في نبرتها حين قالت
دمك مش خفيف فياريت متهزرش تاني.
كان يود لو يقهقه بقوة على حديثها ولكنها اكتفي بتكشيرة مفتعلة ظهرت على ملامحه و احتدت نبرته حين قال
معلش مجبرة تتحمليني. نصيبك بقي هتعملي ايه؟
عايزة امشي.
اوعديني.

زفرت بغضب و برقت عينيها من ثباته و نبرته الحادة التي تنافي نظراته الصافية فالتفتت إلى الجهة الأخرى تنوي اللجوء إلى خصام طفولي معه مما جعله يقول بتهكم
فعلًا ربنا يكفينا شر حركات العيال الصغيرة لما تيجي من ناس كبيرة.
التفتت بغضب فوجدته ينظر أمامه بلامبالاة فهبت من مكانها وقد نجح في إثارة غضبها بحق فقالت بتحدي كبير
تمام يا سليم يا وزان. موافقة. اوعدك. و خلينا نشوف نفس مين اطول.

وصل إلى مبتغاه معها فلانت ملامحه و تعمقت نظراته التي كانت تحاصرها بعناق لم تطاله ذراعيه و اشتهاه قلبه كثيرًا و قد نجحت عينيه في إيصال شعوره إليها بشكل كبير فشعرت برجفة قوية تضرب عمودها الفقري و خاصةً حين رأته يقف أمامها بشموخ ناصبًا عوده الفارع و عينيه مازالت تحاصرها بنظرات عاشقة تنافت مع كلماته حين باغتها قائلًا
هو ليه البنات بيحبوا الهري الكتير؟

كلماته أسقطت فاهها من شدة الصدمة فخرجت الكلام منها مذهولًا
نعم!
لوى فمه ساخرًا وهو يعبث بهاتفه قائلًا
لا متاخديش في بالك.
حيوان.
هكذا تحدثت بعدما عادت بذاكرتها إلى الوقت الحالي فهذا الرجل يثير حنقها و غضبها بشكل كبير و لهذا عدلت من خطتها في الإتصال به و قامت بإجراء مكالمة أخرى وأخذت تنتظر حتى جاءها الرد من الطرف الآخر
اهلًا يا جلابة المصايب.
«جنة» بغضب
والله انا ما شفت المصايب غير لما عرفتكوا.

قهقه «مروان» بخفة على حديثها قائلًا
أنتِ واحدة الفقر و النحس بيجروا وراكِ وماضيين معاكِ عقد هتجبيها فينا.
«جنة» بحسرة
لا في دي عندك حق. المهم كنت عايزة منك خدمة
«مروان» بتهكم
استر ياللي بتستر. خير عايزة تقلعي عيني التانيه ولا حاجه؟

نجح في جعلها تتجاوب معه في المزاح فابتسمت حين تذكرت مشهده و تلك اللكمة التي طالت عينه اليسرى فجعلتها زرقاء قاتمة فكان مظهره مثيرًا للضحك فلم تتمالك نفسها إذ خرجت منها قهقهه ناعمة جعلته يقول بعبث
شوف ياخي الضحكة إلى تجيب ارتجاج في النافوخ دي. وانا اقول الواد سليم البغل دا وقع على بوزه ازاي. بقولك أنتِ ضحكتي قدامه الضحكه دي قبل كدا؟
«جنة» بانفعال لم تستطيع التحكم به.

لا طبعًا هو انا بطيق اتكلم معاه اصلًا عشان اضحكله.
«مروان» بعبث
حلو عشان اغيظه براحتي.
«جنة» بنفاذ صبر
بقولك اي هتسمعني ولا اقفل مش عايزة من وشك حاجه.
«مروان» بجدية
عيب عليكِ دا سؤال بردو. اتنيلي اطلبي.
شرعت «جنة» تسرد له ما تريده منه وما أن أنهت كلماتها حتى قال «مروان» بحماس
أوبا دي كدا ولعت عالآخر.
«جنة» بتوسل.

مروان انا طلبت منك الطلب دا عشان واثقه فيك
«مروان» بمزاح
يازين ما اخترتي.
«جنة» بتأفف
مروااان
«مروان» بجدية
عيب عليكِ خلصانه بعمود خرسانه. هو انا اقدر اتأخر ع القمر بردو؟
قال جملته الأخيرة بعبث استوقف «سليم» الذي كان يمر من أمام الغرف فوجد ذلك الذي يقف مرتكزًا على سور الدرج اقترب منه حين سمع جملته الأخيرة فاستفهم قائلا بخشونة
بتكلم مين يا مروان؟

«مروان» بصراحة فجة
بكلم مراتك.
لم يكد ينهي جملته حتى اسكتته لكمه قوية من يد «سليم» الذي لم يتمالك نفسه فكانت من نصيب عينيه اليمنى مما جعله يصرخ قائلًا
اااه. عينااي.
وعلى الطرف الآخر كانت لا تزال «جنة» تستمع إلى ما يحدث وحين سمعت صراخه خرجت شهقة قوية من جوفها اتبعتها القول بصدمة
يالهوي طير عينه التانيه.
ولكن فاجأها صوته القوي حين قال غاضبًا.

خايفه على عينه اوي يا ست هانم، وحياة امي لهضيعله مستقبله. بيقولك يا قمر وسكتالو. شاطرة تهبي فيا كل ما اجي اتكلم معاكِ.
فجأة سمع صوت انقطاع الخط فلم تتحمل صراخه المزعج و أرادت ازعاجه أكثر و قد نجحت في ذلك فقام بالنظر حوله للبحث عن مروان ليكمل إفراغ شحنات غضبه به فلم يجده و جاءه نداء سالم ليتبعه إلى المكتب فتوجه خلفه وما أن دخل حتى أغلق الباب ليصدمه صوت شقيقه الغاضب
انت بعت الايميلات دي امتى؟

دار «سليم» حول المكتب ناظرها إلى شاشة الحاسوب لدقائق وانكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال
انا مبعتش حاجه من دي؟
رفع «سالم» إحدي حاجبيه باستنكار تجلي في نبرته حين قال
نعم! هو اي إلى مبعتش حاجه؟ الحاجات دي مبعوته من ايميل الشركه و دا مش مع حد غيري انا وانت.
أجاب مؤكدًا.

يا سالم قولتلك مبعتش حاجه اكيد مش هعمل حاجه زي دي من وراك. من امتى و حد فينا بيتصرف لوحده من غير رأي التاني و خصوصًا لو في صفقات بملايين!
زفر «سالم» الهواء المكبوت بصدره دفعة واحدة فقد كانت الأسئله تطن برأسه كالذباب و كلها تتمحور حول هوية ذلك الشخص الذي قام بفعل هذا. و فجأة وهو بخضم تساؤلاته تفاجئ ب«شيرين» التي أطلت برأسها من باب المكتب وهي تقول بجدية.

كنت عايزة اتكلم معاك ضروري.

جاء المساء و كان الجو مشحونًا بالتوتر والغضب من جانب «حلا» التي ما أن سمعت بحضوره مع عائلته في الأسفل حتى اختلطت مشاعرها داخل قلبها الذي كان ممتلئ بعشق جارف له يضاهيه غضب هائل منه و قد كان هذا المزيج يشكل شعورًا مؤلمًا لا يتحمله قلبها الصغير الذي أخذ يدق بعنف خاصةً حين نادتها والدتها لتحضر المشروب الذي كلما حاولت حمله حتى شعرت بيدها ترتجف تكاد تسقطه فأتاها غوثها في صوت «مروان» الذي تقدم بوجه ك لوحه من الألوان المختلطة و ملامح تخفيها الكدمات ولكن لم يستطيع شئ النيل من لسانه السليط حين قال ممازحًا.

السندريلا بتاعتنا عاملة ايه؟ أمير الغبرة قاعد بره.
التفتت تناظره بخوف حقيقي لا تعرف كنهه تجلي في ملامحها المرتجفة و نبرتها حين قالت
مروان. جيت في وقتك. انا خايفة اوى اطلع بره.
شعر بما يدور بداخلها فاقترب منها قائلًا بمزاح
بصراحة شلة المستذئبين إلى بره دي تخوف بس متخافيش الوحش بتاعنا قاعد متربص لهم بره اللي هيغلط هيتشلفط. أيده بتاكله.
زاد من خوفها فقالت بذعر
حرام عليك انت بتخوفني اكثر.

«مروان» بحدة
خايفه من ايه يا عبيطة أنتِ دا احنا ناكلهم صاحيين و بعدين دا الايلاينر الجديد عامل شغل. دانتِ قمر تطلعي كده تتفردي و تبصيلهم بقرف ولا يهمك. وراكِ رجاله ياما فوقي.
كانت كلماته مبعثرة ولكنها رسمت ابتسامه جميلة على شفتيها فاقترب يربت بحنان على كتفها قائلًا
اوعي تخافِ و احنا موجودين كلنا هنا رهن اشارتك و إلى أنتِ عيزاه هيحصل لو على رقبة الكل.

هدأت قليلًا و اومأت برأسها فقام هو بحمل صنيه المشروبات قائلًا بحماس
Follow me (اتبعني)
ابتسمت وسارت خلفه و قبل أن تصل إلى مكان جلوسهم توقف يناولها الصينية و هو يقول بتحفيز
عايز ثقة بالنفس ولا يهزك اي حد و خصوصًا البغل ابو ايد عايزة كسرها إلى اسمه ياسين دا. تضحكي لكل الناس و اول ما تقربي عليه تزغريله بطرف عينك كدا عشان ميفكرش انك صيدة سهله. و يعرف ان إلى جاي مرار عليه وعلى إلى خلفوه.

«حلا» بحيرة
انت شايف كده؟
«مروان» بتأكيد
اسمعي مني. احنا الرجاله مبنجيش غير بالسك على دماغنا.

أحكمت امساك الصينية و توجهت للداخل و خلفها «مروان» الذي كان يناظر كلًا من «عمار» و «ياسين» باستفزاز و خاصةً و هو يسير خلف «حلا» التي فعلت مثلما اخبرها تمامًا فتعاملت بأدب و نظرات احترام للجميع ما عداه فقد توجهت تناوله الكوب الخاص به ارفقته بنظرة تحدي يغلفها جمود أغضبه كثيرًا و خاصةً حين توجهت تجلس بين والدتها و «مروان» الذي ابتسم ساخرًا فأقسم «ياسين» على تحطيم فكه ولكن في وقت لاحق فلينتهي من هذه الجلسة الثقيلة على قلبه.

سالم بيه بجول ندخلوا في الچد و اللي چايين عشانه. احنا چايين نطلوب يد حلا بتكوا للدكتور ياسين حفيدي ايه جولك؟
بوجه جامد و ملامح مكفهرة أجابه «سالم»
رأيي انت عارفه. لكن ما باليد حيلة الرأي لصاحبة الشأن و هي موافقه.
«عبد الحميد» بارتياح
يبجي نجروا الفاتحه.
وبالفعل قرأ الجميع الفاتحة وما أن انتهوا حتى أردف عبد الحميد
طبعًا مش محتاچ اجولك ان كل طلباتكوا مچابه.

كانت وجوههم لا توحي بأي فرحة فالجميع كانت ملامحهم مغبرة و نظراتهم حانقه فتدخلت «أمينة» في محاولة لتلطيف الأجواء
طلبات ايه احنا مبنتكلمش في الحاجات دي العروسه عروستكوا يا حاج عبد الحميد.
اجابتها «تهاني» بود
كلك ذوق يا حاچه امينه والله. لكن عروستنا مش اي حد ايوا امال اي ديه تتاجل بالدهب.
ابتسمت «أمينة» لتلك السيدة الودودة وقالت بذوق
تعيشي يا أم ياسين.

تابعت «أمينة» موجهه حديثها ل «عبد الحميد»
بعد اذن سالم طبعًا عايزين نحدد معاد معاك عشان نيجي نطلب جنة منكوا.
لحظه صمت بها الجميع و توجهت الأعين على تلك التي تجلس صامته منذ بدء تلك الجلسة محتضنه طفلًا لم يلق منها نظرة حنان واحده تهرب منه بقدر ما تريد الهرب من قدرها المظلم ولكنها تفاجئت من حديث «أمينة» التي تابعت بفخر.

حلا بقت عروستكوا و جنة بردو عروستنا و أحب أنها تاخد حقها بردو اومال؟ هو انتوا أحسن مننا ولا اي؟
قالت جملتها الأخيرة بمزاح جعل البسمة ترتسم على وجه «عبد الحميد» الذي قال بنبرة وقورة
لاه طبعًا دانتوا احسن ناس يا حاچه و اني عن نفسي مستنيكوا في الوجت اللي تحددوه
لأول مرة تتجاهل نظرات «سالم» التحذيرية وقالت.

أن شاء الله نحدد الميعاد و سالم يكلمكوا و ياريت نعجل بالفرح انا مش هقدر جنة تبعد عني هي و محمود اكتر من كدا
قالت جملتها الأخيرة برجاء خافت مما جعل «سالم» يناظرها بغضب تنافي مع ذهول «سليم» و الجميع فاستغلت «همت» الأمر وقالت بخبث
يالهوي يا أمينة فرح قبل سنويه حازم. دي الناس تاكول وشنا.

التفتت الأعين على صاحبه الصوت الرفيع و الملامح التي لونها الخبث فلو كانت النظرات تقتل لخرت صريعة في الحال و لكن أتي صوت «عبد الحميد» الذي تجاهل حديثها و غضبه قائلًا بصوت جهوري
واني مش هردلك كلمه يا حاچه. يبجي الفرح الشهر الچاي و بدل ما يبجي فرح واحد يبجوا تنين سليم و چنة و ياسين وحلا ايه جولك؟

كان هناك تضارب كبير في المشاعر التي تعج بها تلك الجلسة فكان الغضب و التوعد متبادل بين «حلا» و «ياسين» الذي يحاول تهدئه غضبه بشتي الطرق و كان الحزن و الألم متبادل بين «سليم» و «جنة» التي وقع اسمه «حازم» على قلبها بسكين الخزي الذي يسيطر على ملامحها في تلك اللحظة على الرغم من كل تلك الجهود المبذولة في تحسين صورة ما حدث. و كان الجانب الأكبر من المشاعر يعود ل «عمار» الصامت منذ البدايه ولكنه كان غاضب حد الجحيم يوازي غضبه غصب «سالم» الذي أقسم على وضع كل شخص في مكانه الصحيح بعد انتهاء تلك الجلسة التي كان غيابها عنها يزيد من نيران غضبه المستعر ولكنه أخيرًا تجاوز عم كل ما يعتمل بداخله وقال بنبرة خشنة.

خلي تحديد المواعيد دا لحد ما نيجي آخر الأسبوع عشان نطلب جنة.
تدخل «عمار» الذي كان هناك نظرات ساخرة مرتسمه على ملامحه
اني بجول أكده بردو. يمكن الفرح يزيد ولا حاچه
التمعت عيني «سالم» بالشر حين سمع كلمات ذلك الذئب الماكر الذي لا يلقي بالكلام جذافًا ولكن جاء صوت والدته التي قالت بود
كدا نبقي متفقين. يالا عشان العشاء جاهز
تدخل «عمار» بفظاظة.

مالوش لزوم يا حاچة احنا خلصنا اللي چيين عشانه
«امينة» بعتب
ايه يا عمار انت بخيل ولا اي؟ دول بيقولوا أن الصعايدة أهل الكرم كله وبعدين متقلقش المصاروة بيعرفوا يطبخوا بردو
تدخلت «تهاني» في محاولة لتصليح الموقف
بها يا حاچة. دي كل حاچه من يدك زي العسل.

تحرك الجميع إلى المائدة التي كانت معدة بأشهي المأكولات و كانت «أمينة» خير مضيفه تحاول مراضاة الجميع و حين أنتهي «ياسين» من الطعام التفتت الى «حلا» قائلة
وصلي دكتور ياسين عشان يغسل ايده يا حلا.

كانت الثيران الهائجة تحاول بشتي الطرق اخماد غضبها حتى تمر تلك الجلسة على خير فلم يعلق أحد على حديث «امينة» و بالفعل توجهت «حلا» الممتعضة أمام «ياسين» دون أن تلتفت حتى و ما أن غادرا غرفه الطعام حتى اوقفتها قبضته الحديدية على معصمها حين قال بغضب مكتوم
اقعدي اتعوجي براحتك و زودي في غلطاتك كدا بس اتأكدي أن كله هييجي على دماغك في الآخر.

كانت تتألم من قبضته الغير رحيمه ولكنها كتمت ألمها وبعينين اشتعلت بنيران التحدي الذي اصطبغت به نبرتها قالت
مفتكرش أنى هشوف حاجه اسوء من اني اكون مراتك...
كانت تتأرجح بحقل ألغام تعلم بأنها ستكون أول ضحاياه و قد هالها عينيه التي احتقنت بدماء الغضب الذي تجلي في نبرته حين قال.

لا في. جوازك منى دي بداية اللعنة يا حلا. و من هنا لحد ما تبقي في بيتي الله في سماه لو شوفتك جمب الواد مروان دا مره تانيه وديني لهكون ضاربه بالنار قدامك.
مين جايب سيرتي؟

قطع حوارهم الناري قدوم «مروان» و بجانبه «جنة» التي كانت تريد الحديث معه على انفراد فتفاجئت ب«ياسين» يقف مع «حلا» و عينينه تقطران غضبًا حين ألتفت ناظرا إلى «مروان» ولكن جاءت كلمات «حلا» لتشتيت انتباهه
الحمام يا دكتور ياسين.

ابتلع غضبه الحارق و توجه إلى المرحاض تاركًا الجميع خلفه فتوجهت «حلا» إلى «جنة» بأقدام مثقلة باعتذار كبير لا تعرف كيف تصيغه و لكنها حاولت قدر الإمكان حين قالت بنبرة مهتزة
معرفش إذا كان كلامي دا هيفرق معاكِ أو لا بس انا حقيقي بعتذرلك على كل كلمه قولتها ضايقتك. انا.
قاطعها حديث «جنة» التي لم تكن في حاجه لسماع اعتذارات لن تفلح في إخماد جراحها فقالت بجمود.

مش هيفرق يا حلا. اعتذارك مش هيغير حاجه يبقي مالوش لازمة وفريه انا مش محتجاه.
شعرت بسيل من العبرات يتدفق من مقلتيها فخرج صوتها مهتزًا حين قالت
بس انا محتاجه أقوله. انا فعلًا اسفة. يمكن شيفاني وحشة بس انا مش كدا.
«جنة» بجفاء
عارفه انك مش وحشة. الوحشين مبيعتذروش. الموضوع خلص مش مستاهل الكلام فيه. انسي.

كانت تعلم بأنها فتاة صالحه ولكن شوهها الوجع ولهذا لم تريد أن ينتهي الأمر هكذا فتابعت قائلة بصدق
أبية سليم محظوظ بيكِ على فكرة. وانا حقيقي فرحانة انكوا اتجوزتوا.
لا تعلم لما شعرت بدقات قلبها تتقاذف بداخلها لدى سماعها اسمه ولكنها حاولت ألا تتأثر فرسمت ابتسامة بسيطه على محياها ردًا على مجاملتها اللطيفة فجاء صوت «مروان» الذي يتابع ما يحدث في صمت
يالا بقي احضنوا بعض.

برقت عينا الفتاتين. هما ينظران إليه فتابع بجديه
ايه اتخشبتوا كدا ليه؟ ما تحضنوا بعض. مش اتصالحتوا و صافية لبن حليب يا قشطه مستنيين ايه يالا يا لبن يالا يا قشطه احضنوا بعض
قال جملته الأخيرة و هو يضع يديه على كتف الفتاتين بقربهما من بعض وسط ذهول متبادل بينهما فتبادلا عناق كان غريبًا من نوعه فصدح صوته المتأثر خلفهم
يااه يا ولاد هتخلوا الدمعه تفر من عيني.
ثم أطلق زفرة قوية قبل أن يقول بعبث.

يالا ربنا يقدرنا على فعل الخير.
ما أن أنهى جملته حتى التقمت عينيه تلك التي كانت تقف بعيد تشاهد ما يحدث بعينين تغلفهما طبقه من العبرات التي لم تستطع السيطرة عليه فتراجعت للخلف مهرولة إلى غرفتها فلم يستطع «مروان» سوي اللحاق بها فترك الفتاتين تنظران في أثره بصدمه سرعان ما تحولت لقهقهات عالية وصلت إلى مسامع افعي تلونت بلون الحنان الذي تجلي في نبرتها وهي تقترب منهم قائلة.

العرايس الحلوين بتوعنا واقفين يضحكوا على اي كدا؟
التفتت «حلا» تنظر إلى «شيرين» بابتسامه ثم قالت تعرفها علي« جنة »
تعالي يا شيري. تقريبا أنتِ لسه متعرفتيش على جنة. بصي يا جنة دي شيرين اخت سما بنت عمتو همت.
لم ترتح لها «جنة» أبدا منذ اللقاء الأول لهذا حيتها بتحفظ
اهلا بيكِ
لدهشتها اقتربت «شيرين» تعانقها وهي تقول بود.

اهلا يا روحي. و ألف ألف مبروك.
اومأت «جنة »برأسها و بابتسامه باهته اجابتها
الف مبروك.
التفتت «شيرين» تنظر إلى «حلا» وهي تقول باستفهام
بقولك يا حلا اومال ريتال فين عايزة اوريها صور عيد ميلادها بعد ما ظبطها
معرفش تقريبا كانت في المطبخ.
هكذا أجابت «حلا» فناولتها «شيرين» الكاميرا التي كانت تمسك بها وهي تقول
طب خدي شوفي الصور وانا هروح اناديلها.

اومأت «حلا» و أخذت منها الكاميرا و نظرت إلى «جنة» الصامتة فقالت بحرج
ما تيجي نقعد بره في البلكونه و نشوف الصور سوي. كانت حفلة صغنونة بس كانت قمر اوي.

لم ترد «جنة» احراجها فوافقت و توجهت معها إلى الشرفة وقامت «حلا» بتشغيل الكاميرا لتعرض بعض صور «ريتال» الممسكة بقالب الحلوى و بجانبها «مروان» الملطخه ملامحه بفعل ذلك الشجار العنيف فأخذت الفتاتين تقهقه على مظهرهما و خاصةً تلك الفيديوهات التي كانت مضحكه كثيرًا وفجأة ظهر فيديو ل«سليم» يقف مع «مروة» وهو يصرخ بعنف ارتجف له قلب «جنة» التي أخذت تشاهده كيف كان يعاملها و مدى انهيار الفتاة ففغرت فاهها من فرط الصدمة هل كان على علاقة مع تلك الفتاة ولكن تحولت صدمتها إلى ألم كبير حين شاهدت ما حدث كيف يكون قاسيا بتلك الدرجة كيف تظلم عينيه هكذا أمام شخص كان يعشقه يومًا و لوهلة تذكرت «حازم» الذي شاهدت بعينيها كيف تبدل قناعه الرائع في بداية علاقتهم بآخر مريع بعد ما حدث فهبت من مكانها حين أدركت أن الأخوين يشبهان بعضهما كثيرًا ولكنها أبدًا لن تكون في هذا الموقف مرة ثانية. فهرولت إلى الداخل و لم تبالي لنداءات «حلا» التي صدمها ما حدث ولو كانت على علم بوجود هذا الفيديو لم تكن لتعرضه أمامها أبدًا.

كانت تهرول الى غرفة الجلوس فتفاجئت ب «سليم» الذي كان يتوجه إلى الخارج يسبقه قلبه يريد الحديث معها ولكنها ما أن رأته حتى تراجعت خطوتين إلى الخلف بذعر مما جعل الصدمة ترتسم على محياه و ما أن أوشك على الحديث حتى تفاجأ حين غادرته وهرولت إلى الداخل و قد كان وجهها لا يبشر بالخير أبدا...

انتهت الزيارة أخيرًا و مع إغلاق «سليم» الباب خلفهم حتى خرجت شهقة استنكار متبوعه بنبرة ساخرة من «همت» التي قالت
والله و بكرة هنبقي مهزقة الخلق بعد ما منا أسيادهم. بكرة يقولوا أرملة الراجل متحملتش و اتجوزت اخوه قبل حتى ما تمر سنه على وفاة الغلبان
برقت عينا «سليم» من حديث «همت» المسموم واوشك على الرد ولكن جاء حديث «أمينة» الغاضب.

اخرسي يا همت و اعرفي ان لسانك إلى بينقط سم دا محدش هيقطعهولك غيري.
«همت» بسخرية
تقطعيلي لساني عشان بتكلم في الأصول يا حاجه؟
اقترب «سالم» من مكانهم وقال بصوت مرعب
الأصول فايتك منها كتير يا عمتي. و دا ميلقش بينا أبدا.
تدخلت «شيرين» بغضب
مش ملاحظ أن كلامك مُهين يا سالم دي عمتك بردو!
تدخل «سليم» مجيبًا بدلًا عنه.

إلى يدخل في إلى مالوش فيه ميجيش يعيط لما يتعلم عليه يا بنت عمتي.
تحدث «سالم» بفظاظة
اهو قالك. عقلى والدتك و فكريها أنها كبرت عالحاجات دي.
صرخت «همت» غاضبة
بتحدفوني لبعض يا ولاد منصور. انا دلوقتي الوحشة عشان خايفه على شكلنا قدام الناس. ايه قوام نسيتوا اخوكوا؟ دا دمه لسه مبردش
صرخت «أمينة» بقهر داخلي خرج على هيئة نبرة غاضبة.

ميخصكيش. و من هنا و رايح اسم حازم مش هيتذكر في البيت نهائي والي يفتكره يترحم عليه في سره. غير كدا لو سمعت حد بيتكلم عنه تاني او بيفتح في إلى فات وربي لهكون طرداه بره باب القصر دا حتى لو كان مين. مفهوم.
برقت الأعين من حديثها الذي كان على قدر صلابته على قدر وجعه وقد كان أكثر من يفهمها هو «سالم» الذي صرخ بغضب
كل واحد على اوضته مش عايز اشوف حد قدامي.

اطاعه الجميع على مضض وما أن اختفوا حتى اقترب يسند والدته التي كانت على شفير الإنهيار فسألها بنبرة معاتبه
ليه كدا يا حاجه؟ بتيجي على نفسك اوي كدا ليه؟
«أمينة» بقهر
حازم ابني انا ياسالم و وجعه هيفضل العمر كله في قلبي. لكن انتوا مش ذنبكوا تدفعوا تمن أخطاءه وأخطاء أم معرفتش تربي.
اقترب منها «سليم» بعينين فاض بهما الدمع وأمسك بكفها يقبله بقوة قائلًا.

اوعي تقولي كدا يا ماما. أنتِ مغلطتيش في حاجه. و مش ذنبك.
قاطعته حين امتدت يدها تربت بحنان على وجنته وهي تقول برجاء
متكرهش أخوك يا سليم. انا إلى معرفتش اربيه و احكمه زي ما عملت معاك انت و اخوك
. لو فعلًا بتحبني اوعي تكرهه و عيش حياتك مع مراتك و افرحوا يا ابني و انسوا كل إلى حصل. وغلاوتي عندك.

لم يجيبها «سليم» انما وضع قبله قويه على باطن يدها و قام «سالم» بفعل المثل معها فالتفتت إليه قائلة
جه الوقت إلى تشوف حياتك انت كمان يا ابني. كفايه عليك شايل همنا كل السنين دي عمرك هيضيع يا سالم متضيعش ولا دقيقه ثانيه منه و اتأكد أن أي قرار هتاخده انا راضيه عنه يا ابني.

فطن إلى ما ترميه و قد كان بداخله ينوي الا يضيع اي وقت فأومأ برأسه يوافقها دون حديث و اشتبكت النظرات بينه وبين أخيه بحديث خاص بكلاهما.

انقضت ثلاث أيام من أصعب الأيام التي مر بها في حياته. فقد كان يحاول بشتى الطرق الوصول إليها ولكن دون جدوى فقد كان هاتفها مغلق ولا يعرف أي طريقة أخرى للتواصل معها. غابت عنه وتركته فريسة للغضب و الألم و الأفكار السوداء و لم تشفق عليه. يقسم بأنه رأي عشقه بعينيها واضحًا وهذا ما دفعه للإعتراف لها بمكنونات صدره لما تفعل به هذا الآن؟ وقد كان هذا أكثر شئ يخشاه. الرفض أو الإهانة لمشاعر عميقة لم تخلق سوى لها وحدها. حتى ان كانت ترفضها لمَ لم تملك الجرأة لإخباره لم يكن ليجبرها فله كبرياء عظيم يأبى إجبارها على البقاء معه حتى و لو كان عشقها موشوم على قلبه.

لما تفعل به هذا؟ يود الصراخ بهذا الاستفهام الذي كان يؤرق لياليه المنصرمة حتى أنه في لحظة يأس قاد سيارته و توجه إلى حيث مزرعة عمها و ظل واقفًا طوال الليل عله يلمح طيفها يراوده شعور قوي بالشوق المضني و الغضب الجارف تجاهها فما تفعله به ليس عدلًا أبدًا.
قاطع أفكاره صوت «مروان» الذي أخذ يدق على الباب كثيرا ولكنه لم ينتبه له ففتح الباب و توجه إليه قائلا بمزاح.

ايه يا كبير بقالي ساعه بهبد عالباب و انت منفضلي
رفع أنظاره إليه و قال بفظاظة
ولما هبدت عالباب وملقتش رد ايه إلى دخلك؟
تحمحم «مروان» قائلا بخفوت
ايه الاحراج دا؟
ثم علت نبرته حين قال بمزاح و هو يتقدم ليجلس على المقعد أمام المكتب
لا ماهو انا جايلك في ست مواضيع مهمة شبه بعض
زفر أنفاسه الملتهبه قائلًا بفظاظه
هات إلى عندك.
كان مظهره مرعبًا فلعن «مروان» بداخله قبل أن يقول بتوتر.

اصل انا. بصراحه. يعني كنت عايز اسألك هنعمل اي مع المطاريد إلى ناسبناهم دول؟ يعني البت حلا البسكوتايه دي هتعيش معاهم ازاي؟
«سالم» مغلولًا
و مسألتهاش ليه؟ ما الهانم موافقة
«مروان» بغباء
معلش بقي مراية الحب عاميه. مع انهم ميتحبوش جوز البغال دول أن كان ياسين و لا عمار معرفش فرح رخره عجبها في ايه؟

تحفزت جميع حواسه لدي سماعه جملة «مروان» الأخيرة التي اخترقت أذنه مرورًا بقلبه الذي انتفض قائلًا بهسيس مرعب
انت قولت ايه؟ فرح ايه علاقتها بعمار؟
«مروان» بغباء
ايه دا هو انا مقولتلكش. مش فرح اتخطبت للبغل إلى اسمه عمار دا.
«سالم» بصدمه
ايه؟

اه حصل البت جنة لسه قيلالي لما كانت هنا. بس اقولك انا قلبي حاسس ان البت فرح دي مغصوبه اه والله. جنة بتقولي مقطعه نفسها عياط طول الليل والنهار يا قلب امها...
لم يكد ينهي جملته حتى خرجت صرخة غاضبة من فم «سالم» مما جعل «مروان» ينتفض من مقعده واقفًا وهو يقول بذعر
ايه في ايه؟

لم يكد ينهي استفهامه حتى تفاجئ من قبضة «سالم» الحديدية التي أمسكت بمقدمة قميصه لتجذبه متسطحًا فوق المكتب بعنف تجلي من عينين «سالم» التي تقطران غضبًا يوازي لهجته حين صرخ به
يا حيوان بقي انت عارف كل دا ولسه فاكر تقولي دلوقتي؟
«مروان» بذعر
حقك عليا يا كبير. عيل و غلط.
«سالم» بصراخ
دانا هطلع عين اهلك.
«مروان» في محاولة للإبقاء على حياته.

حقك. بس على ما تطلع عين امي هيكون البغل دا خطف المزة. اقصد فرح. نلحقها و ابقي ادبحني عالفرح. انا معنديش مانع.
تركته قبضة «سالم» فجأة و قد ارتسمت الجنون بنظراته حين صرخ بقوة اهتزت لها جدران القصر
على جثتي الكلام دا يحصل.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة