قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الخامس

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الخامس

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الخامس

رفعت اروى رأسها ببطء وهي مازالت تحت تأثير الصدمة، هل دفعتها هذه الحقيرة؟، ابعدت خصلات شعرها بعنف وهي ترفع بصرها لتسلطه على شهد التي كانت مصدومة من فِعلتها، كيف دفعتها؟ لقد تملكها الغضب واعماها.
- اروى!
هتفت بها سلوى بذعر من خلف شهد ومعها اثنان من زملائهم، هرعت اليها وهي تسأل بقلق
- انتِ كويسة؟

استيقظت شهد من صدمتها وتملكها التوتر، اسرعت معهم لتساعد اروى في النهوض فدفعتها الاخيرة بعنف وهي تصرخ بها بثورة
- ابعدي عني، لأقتلك
كانت صادقة، بداخلها غضب قد يجعلها تندفع وتقتلها خنقاً دون اي ذرة ندم، بينما شهد تراجعت للخلف بخوف حقيقي، انها مُخيفة.
بعد لحظات تجمّع الباقي ومعهم يونس الذي هتف من الأعلى بجمود قبل ان تصل رؤياه للاسفل، فالتجمُّع احجب عنه الرؤية
- متجمعين لية؟

أتاح له الموظفين الطريق ليصطدم بصره بـ اروى المُستندة على سلوى وزميلة أُخرى، تصعد السلالم معهم وهي تعرج؛ ارتفعا حاجبيه بقلق مُتسائلاً
- مالِك!
ردت اروى بانفعال
- الحقيرة زقتني من على السلم، عايزة تموتني
لم يفهم، من الحقيرة؟
- مين دي؟
صدح صوت شهد الكاشفة عن نفسها بحرج
- انا.

نقل بصره لـ شهد الواقفة خلفهم بصدمة، هل شهد! حقاً!، لم ينشغل بصدمته كثيراً، رمقها بخيبة قبل يبعد بصره عنها، نظر لـ اروى وجدها تعض شفتها السفلية بألم كلما صعدت درجة واحدة، لذا نزل درجات السلم الفارقة بينه وبينها، طلب من سلوى ان تسمح له فأبتعدت عن اروى ليأخذ هو مكانها ويحملها بين ذراعيه وينزل بها، لم ينظر لـ شهد وهو يتخطاها بينما نظرت اروى لها وأخرجت لها لسانها وهي تطّوق رقبة يونس بذراعيها.

في المستشفى
- متقلقش، رجليها أتجزعت بس، اسبوع وهتهدى بس المهم انها ترّيحها
اومأ يونس برأسه وشكر الطبيب
- حاضر، شكراً لحضرتك
تركهم الطبيب، زفرت اروى براحة وهي تتمتم
- ربنا سترها عليا
نهضت وساندها واضعاً ذراعه حول خصرها، قال بصبر
- ها، مستني اسمع اللي حصل
- ما انت شوفت، شهد وقعتني، بس الحمدالله وقعتني من نص السلم
مدت ذراعها لتنظر لها بحنق
- شوف ايدي شوف، متجرَّحة ازاي؟، هتزرّق اكيد.

تخطى قولها وهدر بجدية
- عايز اسمع حصل اية من الاول، مش الجزء الاخير
فتح باب السيارة الامامي لتجلس ثم استدار حولها ليأخذ مكانه خلف المقود، انتظر لثواني ثم قال
- ها، مستني إجابتِك
ظلت صامتة، مُحرجة من قول ما حدث، قصدها بحرجها هو الإفصاح عن كلمة شهد لها، نظرت امامها بجمود وهي تُجيبه بإقتضاب
- ضربتها بالقلم، وليا أسبابي
طبق ذراعيه امام صدره وهو يسألها
- واية هي اسبابِك؟!

لم ترد ولا تنوي ان تفعل، هز رأسه
- انا عارف اسبابِك كويس
- والله!، اية هي أسبابي؟
ادار المقوّد دون ان يرد عليها، يفعل مثلها.
اوقف السيارة امام العقار الذي يسكن فيه والديه، قال بجمود قبل ان تستدير اروى لتترَّجل
- يبقى انتِ اللي غلطانة
استدارت له بعنف وهتفت
- انا الغلطانة!
- طب قولي السبب وأكديلي انك مش غلطانة
تنفست بخشونة، ورمقته بغيظ وقهر، انه يراها المُخطأة دائماً، هتفت بجنون.

- صدَّقها، هي الغلبانة وانا الشريرة
والتفتت لتترجل، تأفف بضيق واسرع ليترجل ويستدير حول السيارة، كاد ان يمسك ذراعها ليساندها لكنها دفعتها رامقة اياه بـ شر، تمتمت بخشونة
- هعرف اطلع لوحدي، مش محتاجة مساعدة من واحد بيسيء الظن فيا دايماً
رد بحنق
- انتِ اللي اديتيني الأنطباع دة، مش من نفسي
اضافت اروى على قوله بحزم.

- بس شكلك نسيت ان لو انا اللي بدأت كنت هقول، انا مش هخاف منك وهبُّص في عينك واقولك ان انا السبب وانا اللي بدأت
انهت قولها وابتعدت عنه بخطوات بطيئة حذرة، تابعها وهي تبتعد، لم يذهب مرة اخرى لعرض مساعدته فهو يعلم انها سترفض، لكنه اسرع لناحيتها ليفتح لها باب المصعد، دلفت للداخل وقالت بإقتضاب
- ملكش جمايل عليا
ثم سحبت الباب بشيء من العنف، فتركُّه.

ضغطت اروى على زر الجرس، انتظرت للحظات حتى فتحت لها خديجة التي فور رؤيتها لها ابتسمت بحبور.
- بنتي، وحشـ...
اختفت حروفها تدريجياً حين انتبهت لقدم اروى والتي كانت مُلتفة بضمادة مرنة دون حذاءها، سألتها بقلق حين رأتها تتقدم منها وهي تعرج
- حصل لرجلك اية؟
اتسعت مقلتيها اكثر حين لمحت جرح طفيف مخفي خلف خصلات شعرها المتناثرة على وجهها، مدت يدها لتبعده وتسألها بريبة
- عملتي حادثة ولا اية؟

مزحت اروى وهي تدلف
- لو حادثة كنت هطلع سليمة كدة!
ثم اخبرتها
- وقعت من على السلم
ضربت خديجة على صدرها بفزع
- يخرابي!
ثم تفحصت ذراع اروى، فوجدت جروح بسيطة لا تُذكر.
- وقعتي ازاي؟
لم تقُل اروى الحقيقة
- اتشنكلت، كنت نازلة ومشوفتش السِّلمة فأتشنكلت ووقعت، بس الحمدالله ربنا سترها
تمتمت خديجة براحة ثم سألتها
- الحمدالله، بس روحتي للدكتور وكشفتي؟

- ايوة، يونس وداني للطوارئ، وقال لي الدكتور انها اتجزعت قوي بس الحمدالله ملحوقة، فأسبوع وتخف ان شاء الله
هزت خديجة رأسها بفهم ثم نهضت قائلة بتعجل
- هجيبلك الكحول عشان نطهر الجروح دي
سألتها اروى قبل ان تبتعد
- عمو اسماعيل فين؟
- نزل يتمشى وجاي
انتظرت اروى حتى تعود خديجة لتطرح سؤال اخر بخفوت
- زعلان مني؟
ابتسمت خديجة وهي تهلل
- هو يقدر يزعل منِّك! دة انتِ قلبه.

اتسعت ابتسامة اروى بسعادة وراحة، ردت بحماس
- وهو قلبي.

عاد يونس للشركة، طلب من شهد أن تلحق به لمكتبه؛ توقفت الاخيرة امامه وهي تضم كفيها بتوتر وقلق من رد فعله، هل سيطردها؟
- قولي الحصل بظبط، ولية وصلت الأمور لنقطة انك تزقيها من السلم!
ردت سريعاً وهي تقسم بصدق
- بالغلط زقيتها، والله
شبك اصابعه ببعضهم وهو يسألها بقوة
- اية الحصل يا شهد؟

التقطت انفاسها بقوة لعل قلبها المُضطرب يهدأ، اخبرته عما حدث بتلعثم وحرج شديد، اخبرته بالحقيقة كاملة؛ تغيرت ملامحه وأصبحت قاسية، ذكّرتها بمقابلتها له للمرة الاولى، بل كانت اكثر قساوة ومقتاً.
- ازاي تنطقي بكلمة زي دي؟
كان هادئاً مُتحكَّماً بغضبه رغم انقلاب ملامح وجهه وظُّلمتها، ضمت شهد كفيها اكثر وازدردت ريقها قبل ان تخرج حروفها بإرتباك، تحاول ان توضح له صدقها
- خرجت مني في لحظة انفعال وغضب..

قاطعها بهجوم وهو يهز رأسه بخيبة
- دايماً كنت بقف في صفِّك، بس المرة دي انتِ غلطانة، وغلطانة اوي كمان
اسرعت لتقول مُتنازلة
- انا ممكن اتأسفلها..
قاطعها مرة اخرى لكن بكبت
- بسببِك مُضطر اعتذر لها، عشان حطيت اللوم عليها وفي الأصل انتِ السبب
- انا..
- ارجعي على شغلك
همست بعجز وحزن..
- يونس..
هتف بنبرة اعلى قليلاً واكثر صرامة
- ارجعي على شغلك.

اخفضت حدقتيها بإستسلام، لن تحاول اكثر معه، ستتركه حتى يهدأ ويسمعها، سيفهم صدقها وعدم سوء نيتها ناحية اروى، تعلم انها تطاولت على الاخيرة اكثر من اللازم لكنها تشعر بالظلم، لماذا يجب ان تُعاقب بينما تعرضت لذلك واكثر من اروى ولم ترى الاخيرة اي عقاب! لا تعتقد انه انزعج من اروى وعاتبها كما فعل معها.

جلست على كُرسي مكتبها وهي تتنهد بثُّقل، تفكر حول امر الاعتذار، تذكرت في البداية حين دفعتها اروى على الارض، هل اتت بعدها واعتذرت؟ لا، فـ لماذا يجب ان تصبح اكثر كرماً منها؟لماذا تتعامل معها بأخلاق وهي تعلم انها لن تتغير ناحيتها ابداً!

فكرت بغضب تملكها مُجدداً، ألا يصلح لها ان تصبح اكثر قسوة مع من يعاملها بتلك الطريقة؟!؛ رفعت رأسها بثبات، ستُصمت صوت ضميرها، ان اروى تستحق ذلك، انه اضعف رد منها لِم فعلته هي بها، لذا لن تشعر بالذنب.

نتائج ذلك ظهرت في ثوان، ازداد شعور الظلم بداخلها، فمنذ دخولها للشركة تخلت عن مبادئها، أصبحت تترك حقها يذهب لان عدم تركه كان سيُّحتم تركها للعمل بسبب كثرة المشاكل لذا تخطت، لكن اروى لم تتركها تعمل بسلام، ولن تفعل.

نهضت خديجة لتفتح الباب لـلطارق، قالت بتنبؤ لـ اروى
- دة اكيد عمِّك اسماعيل
تسارعت ضربات قلب اروى بتوتر، رغم ذلك سلَّطت حدقتيها على الباب؛ تمتم اسماعيل اثناء دخوله
- السلام عليكـ، ـم
تقطعت حروفه حين وقع بصره على اروى، رمش عدة مرات قبل ان ينقل حدقتيه لـ زوجته ويسألها بخفوت
- مقلتيش انها هنا لية؟
- يونس جابها فجأة، اصلها وقعت من على السلم.

اتسعت مقلتيه واسرع للتقدم من اروى دون ان يخلع نعليه، سألها بقلق
- وانتِ كويسة؟
ظهرت ابتسامتها واتسعت وهي تُجيب
- رجلي اتجزعت، بس انا كويسة
زفر براحة وهو يحمد الله
- الحمدالله
اتى ان يدعس على السجادة ليتقدم من اروى ويجلس بجوارها لكن صريخ خديجة التحذيري أوقفه
- السجادة والجزمة يا ابو يونس.

تذكر انه لم يخلعها، فأبتسم مُعتذراً ثم خلعها وذهب ليجلس بجوار اروى ليتحدث معها ويطمئن عليها، وقد نسى ما حدث منذ ايام؛ وكم كانت هي سعيدة بذلك.

مساءً
دلفت شهد لمكتب يونس لتستأذن للمغادرة، فلم ينظر لها وهو يتيح لها ذلك، ظلت واقفة للحظات، تريد ان تسأله عن سبب ضيقه منها، هل لِما فعلته بـ اروى فقط!، هل سينهي صداقتهُما؟، تراجعت عن سؤاله وغادرت دون قول اي شيء.

نقل بصره للباب اثر مغادرتها ثم للهاتف الذي تعالى رنينه، كانت والدته، استقبل الاتصال، سألته مُباشرةً
- هترجع امتى؟
- لية؟ في حاجة؟
- انا وأبوك رايحين نزور عمتك، وأروى لوحدها في البيت، فلو عندك اي معاد ألغيه وتعال اقعد معاها عشان هي مش هتقدر تخدم نفسها
انها تأمره ولن تقبل اي نقاش، فلم يُجادلها، وافق قائلاً
- هتحرك دلوقتي
- ماشي، متتأخرش
انهى المكالمة ونهض مُغادراً.
.

خرج يونس من المرحاض وهو يجفف شعره بمنشفة صغيرة، توقف وهو ينظر لها، كانت جالسة تُشاهد التلفاز بإستمتاع مع عصا الحلوى التي تلعقها بتلذذ، ابتسم بتلقائية، تذكرها حين كانت صغيرة.
استدارت اروى حين شعرت بوجوده، اخرجت الحلوى من فمها لتطلب منه بتسلط
- هاتلي ماية
اومأ برأسه واحضرها لها، ناولها اياها وجلس على مسافة منها، قال فجأة بثبات
- اسف
التفتت اليه بذهول، اضاف بهدوء لامس اعتاب الحرج قليلاً.

- مكنش ينفع احكم عليكِ قبل ما اعرف اللي حصل، بس برضه انتِ السبب في اني احكم عليكِ غلط لانك موضحتيش اللي حصل
ازدردت ريقها وسألته ببطء وقلق
- عرفت اللي حصل؟
- مش بظبط، بس عرفت ان شهد غلطت فيكِ
تعرق كفيها وهي تطرح سؤال اخر بنبرة خافتة
- عرفت قالتلي اية؟
كذِّب، لم يخبرها انه يعلم فهو يدرك جيداً رغبتها في عدم معرفته، فهذا امر مُحرج لها.
- لا، مرّضيتش تقول لي، بس هي اعترفت انها غلطت.

تنهدت براحة وابتسمت، لقد تفادت الان إحراجها امامه، للأسف هي مُمتنة لـ شهد لأنها لم تخبره بذلك.
هزت رأسها برضا واعادت الحلوى لفمها وهي تقول بدلع
- ماشي، قبلت اعتذارك
رمقها بريبة ونفور مُصطنع، ثم انشغلت هي بمشاهدة البث المباشر لمهرجان الجونة بينما هو امسك هاتفه، ابتسمت بشرود وهي تحدث نفسها بتحالم
- نفسي ابقى حلوة زي نسرين طافش
رد بتلقائية وهو ينقل بصره بينها وبين الشاشة
- ما انتِ حلوة زيها.

سقط فكها بصدمة واتسعت مقلتيها غير مصدقة ما سمعته منه، حركت حدقتيها ببطء لتنظر له، اقتربت منه قليلاً وهي تهمس بذهول
- انا حلوة!
اكد ما قاله بلامبالاة وهو يشيح ببصره عنها ويُركزه على شاشة هاتفه الخلوي
- ايوة حلوة
اتسعت ابتسامتها اكثر، كادت تصل لاذنيها، لا تصدق ولا تستطيع تخيل اعترافه بشيء كهذا، هو يراها جميلة؟ انه يراها!
- انت بتقول كدة!
- مقولتش غير كدة قبل كدة.

نهضت وهي تضحك بسعادة لامست قلبها بحق، وضعت كفيها على فمها وضحكاتها تهدأ، جلست بجانبه اقرب من السابق ولمعت حدقتيها بخبث وهي تسأله
- وامتى هتحبني بقى؟
رفع نظراته لها بإستنكار، لا تسئم ابداً من التطرق لهذه النقطة، وضع هاتفه جانباً اعتدل في جلسته ليصبح مُقابلاً لها بدلاً من مجاورتها، وأخذ يناقشها بطرح سؤاله
- هحبِك على اية؟
- انا حلوة وانت اعترفت بكدة
- الحلوين كتير.

صمتت لتفكر بـ سِّمة اخرى بها، اسرعت لتقول
- انا طيبة
هز كتفه رافضاً وهو يهمس بشك
- معتقدش
عقدت حاجبيها وهي تسأله بضيق
- اومال انا اية؟
اجاب سريعاً دون ان يحتاج للتفكير
- عقربة
اتسعت مقلتيها وهي تكرر قوله بغضب
- عقربة!

هز رأسه مُصِراً على قوله، تنفست بخشونة وهي ترمقه بشراسة، تريد ان تفتك بهذا الغبي، بينما ابتسم بهدوء ليزيد من استفزازها، فنهضت بعنف تألمت على اثره، رغم ذلك مازالت عينيها الشرسة معه، مالت لتقابل وجهه بوجهها بهذا القرب الخطير، غمزت له بتحذير وهي تهمس
- طب حاسب للدغك.

ثم اعتدلت وما كادت ان تستدير حتى وجدته ينهض ليلف ذراعه حول خصرها ويجذبها له مما سبب لها الصدمة وظلت تحدق به ببلاهة، بينما هو، اسلوبها استفزه، تُحذر من؟
- اهو قريب منك، الدغيني!
ابتسم بهزأ حين ظلت تحدق به بنفس بلاهتها، لا تعلم لِما تصبح بهذه الحالة الضعيفة المناقضة لحالتها حين تخطط بكل جرأة للتقرب منه!

اعاد ذراعه لجانبه والتفت ليجلس على الاريكة، لكن قبل ان يجلس وجدها التقطت ذراعه لتقطمها بأسنانها بشراسة قبل ان تهرب او يصرخ حتى.
نسى ألم عضتها واخذ يضحك وهو يراها تهرب كالبطريق بسبب قدمها.

في منزل شهد
فتحت لها والدتها فقابلتها هي بوجه مُنزعج، سألتها والدتها بعد إغلاقها لباب الشقة
- مالك؟ حصل حاجة في الشغل؟
ردت بفراغ
- وقَّعت اروى من على السلم
هتفت والدتها بصدمة
- نعم!، ازاي؟

جلست والدتها بجانبها، فقَّصت شهد ما حدث، ثم اضافت بكبت
- ويونس اضايق مني، قلَّب عليا، شايفني غلطانة
عقدت والدتها حاجبيها بإنتقاد، وسألتها بإستنكار
- يعني انتِ مش شايفة نفسك غلطانة ولا اية!، وغير كدة يونس هو اللي هامِك يا شهد؟
رفعت شهد رأسها بثبات قائلة
- ايوة انا مش غلطانة، كدة صفيت حسابي معاها
واضافت بعناد وحزم
- وطبعاً يونس يهمني، هو صديق عزيز عليا ومش هسمح لـ اروى توصل للي هي عايزاه ابداً.

عاتبتها والدتها بقلق
- لية تدّخلي نفسك في حوارات انتِ في غنى عنها يا بنتي؟
ردت شهد بإنفعال
- مش انا، اروى هي اللي بتدخلني
- طب سدي الباب اللي يجيلك منه الريح يا شهد يا بنتي وابعدي عن يونس
شرحت شهد لوالدتها بصبر
- حتى لو بعدت يا ماما، انا شغالة معاه، وأروى مش هترتاح إلا لما أسيب الشغل، وانا مش هناولها اللي هي عايزاه، مش عناد بس، بس انا محتاجة الشغل دة فعلاً وانتِ عارفة دة كويس.

تنهدت والدتها بحيرة، طلبت منها
- متخليهاش تطلّع الوحش اللي جواكِ يا شهد، عشان متندميش
هتفت شهد بجنون، لماذا الجميع يريد منها ان تبقى هادئة وتتحمل إهانات اروى وتصرفاتها الخبيثة معها، ألا يحق لها ان توقفها عند حدها؟ هل ستصبح سيئة إذ عاملتها بالمثل!
- هو عشان هرد وهاخد حقي ابقى وحشة!، كل ما اسكتلها هتديني فوق دماغي اكتر، انتوا عايزين كدة!

تفاجئت والدتها من ثورة شهد، تابعتها وهي تبتعد مُتجهة لغرفتها، توقفت الاخيرة على عتبة الباب لتقول لوالدتها بحزم
- مش هندم، بس هي اللي تستحمل، عشان قلبِّة الطيبين وحشة اوي
.

تقلّبت اروى على الفراش بسعادة، فقد اتصلت بها سلوى منذ قليل لتخبرها عما حدث بعد مغادرتها، لقد علِمت ان يونس اخذ موقف من شهد وان العلاقة بينهم غير جيدة؛ بالطبع تشعر بالسعادة والانتصار لحدوث ذلك، فقد حدث هذا الحادث لصالحها ودون تخطيط منها.

لكن ما زاد سعادتها هو موقف يونس وتحيزه لها، كان كذلك حين كانا أصدقاء، فقد كان يدافع عنها حتى إن كانت هي المُخطئة فقد كان يُبرر لها، فرؤية استمرار هذا الامر ولو كان ظهوره نادراً، فهذا كافي لها.
تدثرت اسفل الغطاء بعناية وهي تضحك، ثم طبقت جفونها لتنعم بنوم هادئ.

تخطت الساعة منتصف الليل.

خرجت اروى من غرفتها وهي تفرُّك عينيها بنعاس، كانت مُتجهة للمرحاض لكنها توقفت حين رأت اسماعيل يقف امامها ويبتسم لها، فرَّق ذراعيه فركضت اليه وعانقته بقوة، شعرت بيده تمسح على شعرها بحنان ويهمس بأذنها بكلمات أبوية دافئة، لكن خلال لحظة تغير صوته وأصبح خشن مُخيف، اتسعت مقلتيها على مصرعيها وهي تختنق، انه يخنقها بكلتا يديه، ويصرخ ببغض ووجه سودوي
- موتي، مووتي.

شهقت بفزع وهي تنتفض من نومتها، قطرات العرق تسيل على جبينها والدموع بللت وجنتيها، دقات قلبها مُتسارعة وجسدها يرتجف، نظرت حولها بخوف قبل ان تنهض وتُنير الغرفة، بالكاد حملتها قدمها للباب فلم تستطع العودة الى الفراش فجلست على الارض لتستجمع نفسها، انه كابوس فقط، ليس حقيقة.
سمعت وقع خطوات احدهم في الخارج ففتحت الباب ببطء، فوجدت إسماعيل عائد من المرحاض، فأغلقت الباب بحذر وخوف من تحقق الكابوس.
.

صباح اليوم التالي
- صباح الخير
قالتها اروى وهي تجلس في مقعدها على السفرة، فرفع اسماعيل رأسه عن الجرائد لينظر لها بحنان قائلاً بود
- صباح النور
تعلقت حدقتيها على ملامح وجه إسماعيل، وبعد لحظة ابتسمت براحة اثر ابتسامته الذي رسمها على محياه لها، سألتها خديجة وجذبت انتباهها
- لابسة لية يا اروى!
اجابتها وهي تلتقط شريحة من الجبن
- هروح الشغل
اعترضت خديجة
- شغل اية! مفيش شغل دلوقتي، لما رجلك تخف هتروحي.

- بس..
تدخل اسماعيل بقوله القاطع
- مفيش نقاش
تصنعت الحزن في ملامحها وهي تقول بخفوت ورجاء
- هعمل اية في البيت! هزهق، يرضيكم ازهق؟
ردت خديجة بقوة
- اة يرضينا
اسرعت اروى لتقول بلهفة
- يونس معايا وهيوصلني معاه
ابتسمت خديجة بإنتصار وهي تُخبرها
- يونس مشي.

عقدت اروى حاجبيها بغضب وهي ترمق خديجة بغيظ، فهي تُغلِق جميع الأبواب امامها، بينما قابلت الاخيرة نظرات اروى بإبتسامة مستفزة، لم يصمدا الاثنين وضحكا بقوة.

مع نهاية اليوم، في الشركة
وضعت شهد الملفات المطلوبة امام يونس وانتظرت دقيقة كاملة ليشكرها كالعادة، فلم يتحدث معها اليوم إلا لطلب شيء يخص العمل، حتى انه لم يبتسم لها ولو لمرة واحدة في اليوم، سألته بثبات حاولت التحلي به
- هتفضل مخاصمني لـ امتى؟

ترك القلم على سطح المكتب ورد دون ان يرفع رأسه لينظر لها
- هو احنا أطفال؟
- اسأل نفسك
قالتها بتلقائية وعنف رفع على اثرها بصره، بدت نظراته حادة، لكنها تجرأت واندفعت قائلة كل ما يشتعل بداخلها.

- اشمعنا انا اللي غلطانة؟ مش المفروض تفكر ان هي السبب وهي اللي وصلتنا للنقطة دي؟، انا كنت بتجاهلها وبتخطى تصرفاتها الخبيثة معايا بس لما جيت رديت عليها مرة قدام العشرة بتُعها يبقى انا الوحشة؟، لية بصيت للمشكلة من اخرها مش من اولها؟
انتهت وأصبحت تلهث من شدة انفعالها، لا ينكر صدمته من انفجارها هذا، لكنه تخطى ذلك وقال بهدوء.

- انتِ مش اول واحدة اروى تعمل معاها كدة، ممكن زايدة معاكِ شوية بس هي مش قصدها
استنكرت قوله بخشونة
- يعني عشان مش قصدها اسكتلها!
تنهد وقال بتعب
- احنا في مكان شغل
- اعتقد المفروض تقولها الكلام دة
اضاق عينيه وهو يسألها بحيرة
- انتِ ملاحظة طريقة كلامك معايا!
تنهدت وهي تحرك رأسها بيأس، تمتمت بحرج
- اسفة، انفعلت شوية
استطرد مُتهمة اياه بإنفعال تحكمت به.

- بس انت السبب، لو اديتني فرصة اتكلم امبارح كنت هقول كلامي بطريقة احسن، بس انت اتجاهلتني
رد بجدية وتعقُّل اثار إعجابها
- متجاهلتكيش، بس مكنتش حابب ادخل في نقاش معاكِ، كان ممكن اقول كلمة او اعمل تصرف اندم عليه لانه في لحظة غضب
لكن الغيظ تملكها أيضاً، فـ اروى أيضاً سبب غضبه، يغضب عليها بسبب الاخيرة.
- عايزة اسألك سؤال
اتت بسؤالها دون انتظار دعوته
- هو انت بتحب اروى؟

حملق بها بذهول من سؤالها المُفاجئ، بعد لحظات ارتفعت زاوية فمه ببطء، استجمع ثباته سريعاً وهدر بذكاء وهدوء
- طبعاً بحبها، لاني اعرف اروى من لما كانت صغيرة، متربين مع بعض، كنت مسؤول عنها ومازال الوضع كدة
ابتسمت شهد بسخرية وقالت
- انت عارف قصدي بسؤالي
هز كتفيه ببساطة قائلاً
- دي الإجابة اللي اعرفها واللي عندي
ثم اضاف بغموض وعمق.

- وانتِ متعرفيش اللي مرت بِه اروى، واللي مرينا به سوا، علاقتنا مش زي الاول بس دة ميمنعش اهتمامي بيها، فأنك تقوليلها كلمة زي دي فأنتِ يعتبر بتهينيني
اسرعت شهد لتقول بغلظة
- ما هي قالتلي نفس الكلمة بس بطريقة غير مُباشرة
تنهد يونس بإستياء، نظر لها بصير وعرض عليها وجهة نظره
- شايف انِك تحاولي تتخطي وتتجنبي وجود اروى، وبالنسبة ليها فأنا هتكلم معها، هحاول على قد ما اقدر ابعدها عنك واهديا ناحيتك.

- هي مش هتهدى إلا لما ابعد عنك
انهت قولها وتعالى رنين هاتف يونس، نظر للشاشة ثم عاد ينظر لـ شهد، لم تمر ثانية حتى اعلن هاتفه عن وصول رسالة، التقط الهاتف وفتح الرسالة، لكن ما لبث ان فتحها حتى انتفض واقفاً ثم اسرع للخارج بتعجل.

في شقة إسماعيل الأنصاري
- وهو قالك اية؟ هيجي لية؟
طرحت خديجة سؤالها القلق والمُنفعل على اروى التي اجابت بتوتر.

- مش عارفة، قفل في وشي بعد ما قالي انه راح بيتي وملقانيش وانه جي هنا
اتى قول اسماعيل الصارم
- لما يجي هنعرف عايز اية، فأهدوا
مرت نصف ساعة..
تركت اروى هاتفها في الغرفة وخرجت للصالون، ضمت قبضتها بجوارها بقوة وهي تنظر لوالدها الجالس مع إسماعيل، استجمعت شجاعتها وتقدمت لتجلس بجوار الاخير لتشعر بالأمان.
نظر لها والدها بـ بؤبؤ عينيه الاسود التي تريد فقعُه؛ فرق شفتيه السمراء وعاتبها وهو يبتسم بسماجة.

- مش هتسلمي عليا يا اروى!
سألته بجفاء أتقنته بمهارة
- جي لية؟
طأطأ والدها بعدم رضا، نقل نظراته لـ اسماعيل ليخبره بتهكم
- معرفتش تعلّمها تكلم ابوها ازاي يا اسماعيل
تجاهل اسماعيل قول والد اروى وأمره بتهجم
- ادخل في صلب الموضوع
نقل والدها بصره لها بإستمتاع لم تفهمه، تطرق لِما جاء لقوله بكل بساطة
- جي ارجّعِك لحضني، كفاية لحد هنا علاقتك بالعيلة الكريمة دي، انا اولى بيكِ.

اثار أعصابها دون عناء، ففزت من مقعدها بعنف وهي تسأله بجنون مع نبرتها التي ترتفع تدريجياً
- اولى بيا بأي حق!، انت ربيتني؟ اكلتني؟ شربتني!
رفع زاوية فمه وهو يرد بإحباط مُصطنع
- لا لا يا بنتي، دة انتِ لولايا مكنتيش عايشة دلوقتي
ثم وجه تركيزه لـ إسماعيل ليشكره ببرود، والحقيقة انه غير صادق بالمرة
- شكراً لانك اهتميت ببنتي الوقت دة كله، سلمهالي بقى عشان أجوزها
ثم نقل بصره لها وقال بحماس.

- دة انا عندي حتة عريس ليكِ، لقطة
قهقهت بقوة اثر قوله الذي كان كالمزحة بالنسبة لها، هدأت ضحكاتها وقست ملامح وجهها وهي تقترب منه، تسارعت انفاسها من فرط غضبها، تنظر له بجنون، هدرت بقسوة
- وبأي حق هتجوزني!، ابويا!، انت ابويا!، انا معنديش اب، انت بالنسبالي ميت، ولو عايش يبقى ميشرفنيش ان يكون انت
نهض والدها بغتة ليهاجمها بصفعة قوية أسقطتها ارضاً.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة