قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل السادس

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل السادس

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل السادس

فز إسماعيل واقفاً وقد احمر وجهه غضباً بعد رؤية فعلة والد اروى، وقبل ان يتخذ اي موقف كانت خديجة تهاجمه بصراخ جنوني وهي تدفعه وتضربه بغل
- بتضربها! هكسر ايدك، هكسرها يا ابن الـ.

اسرع اسماعيل ليسحبها بعيداً عن والد اروى الذي ارتمى على الاريكة اثر دفع وضرب خديجة المُفاجيء، في تلك اللحظة دلف يونس للشقة وهو يلهث والعرق يسيل على رقبته وجبينه، توقف ناقلاً نظراته بين اروى التي تضع كفها على وجنتها وهي على الارض، ووضع والديه، رسمت مخيلته له ما حدث، فثار جنونه، تقدم بخطوات واسعة وهو ينوي ان يشوه وجه والدها الحقير لكن نظرة إسماعيل الصارمة له اوقفته، تحكم بنفسه بصعوبة شديدة، وقد بدى غصبه جلياً على ملامح وجهه القاسية.

اعتدل والد اروى وعلى وجهه ابتسامته السمجة القاسية كعينيه التي يرمق بها اروى، خرج صوته المُنفر.
- عاجبِك كدة!، الناس تشوف قلة ادبك!
تحرك اليها فأنكمشت اروى بخوف، داهمتها ذاكرتها بأفعاله القاسية معها.
بينما اسرع يونس ليقف امامه مُعيقاً طريقه والنيران تتلظى وتلتهب في عينيه اتجاهه، فتشابكت اعين الاثنين بنظرات مُشتحنة، سخر والدها دون مرح وبنبرته الخشنة
- كبرت وعايز تقف بيني وبين بنتي!

ضغط اسماعيل على ذراعيّ خديجة وكأنه يحذرها بعدم التهور ثم أزاحها جانباً بلطف ليتقدم بضع خطوات من والدها، صدع صوت اسماعيل القوي
- اقعد وأتكلم واتناقش زي الناس، ولو مبتعرفش يبقى خد نفسك وامشي احسن
رفع والد اروى جانب شفتيه بسخرية حادة وهو يرفض
- مش هتناقش معاكم في حاجة تخص بنتي
اعان يونس اروى على النهوض، ظل محتوي كفها بين اصابعه بقوة وهو يخفيها خلفه، بينما رد اسماعيل بصرامة.

- هي مديانا الحق دة، ولو مش عاجبك اتفضل برة
ضحك والدها في خشونة، استقرت انفاسه وتجهم وجهه وهو يقول بفظاظة
- مش بمزاجك ولا بمزاجها، انا ابوها وانا اللي اقرر
استجمعت اروى نفسها من جديد لترد عليه بعدوانية، فـ يونس معها الان، سيحميها إذ حاول والدها ان يتعدى عليها.
- انا مش صغيرة عشان تقرر عني
نظرت لوالدها بتحدي وهي تُضيف
- بالنسبة للعريس، اتجوزه انت.

سحبت يدها من بين كف يونس واتجهت لغرفتها ولحقت بها خديجة، اتى ان يُسرع والدها اليها للمهاجمة لكن يونس منعه، قبض على رقبته بعنف فتاك، وقد تشنجت ملامح وجهه اكثر لتصبح اكثر قساوة، فأحمر وجه والد اروى اثر اختناقه، حاول دفعه، لكن لولا تدَّخل إسماعيل لِما كان افلته ابداً.
اخذ يسعل بقوة، قال بين انفاسه اللاهثة
- هرفع عليكم قضية و..
انفجر إسماعيل صارخاً بصوته الجهوري الصاخب
- برة.

نقل والد اروى بصره بينهما، هز رأسه بتوعد وهو يتنفس بخشونة، ثم استدار وغادر وبداخله يغلي.
استدار يونس فور مغادرة الاخر، نظر لوالده ليسأله بإنفعال
- عريس اية؟ عايز يجوزها؟
اومأ إسماعيل برأسه مؤكداً صحة ذلك، ابتعد مُتجهاً لغرفة اروى، طرق بخفة ثم برم المقبض.
نهضت اروى من جوار خديجة وهي تسأله بلهفة
- مشي؟
- مشي
طبقت جفونها وهي تتنهد براحة، عادت لتفتحُهما، اخفضت رأسها، قالت بإمتنان
- شكراً لأنكم معايا.

تقدم منها إسماعيل، ابتسم لها وهو يقف مُقابلاً لها، ثم عانقها مُربتاً على ظهرها بحنان هاسماً بجانب اذنها
- احنا دايماً جنبك
تلألأت الدموع في مقلتيها وهي تبتسم بتأثر، رفعت بصرها لتنظر لـ يونس الواقف عند الباب والذي كان ينظر لها أيضاً، نظرة مُشتعلة أم دافئة!، فشلت في تحديد ذلك.

دقت الساعة منتصف الليل..

خرجت اروى من غرفتها مُتجهة للمطبخ، ارتفعا حاجبيها حين رأت يونس جالساً على السفرة الصغيرة الموجودة في منتصف المطبخ الواسع، يحتسي الشاي بشرود، جذبت انتباهه بوقع خطواتها المزعجة.
- صاحية لدلوقتي لية؟
اجابت وهي تفتح الثلاجة
- كنت بتكلم مع رهف ولسة قافلة معاها.

غمغم ولم يُعلق، بينما اخذت اروى زجاجة الماء البارد وجلست في المقعد المقابل لمقعده؛ وضعت الزجاجة على الطاولة قبل ان يستقر بصرها عليه، شاركته تخيلاتها مع ابتسامة صغيرة حالمة على شفتيها
- تخيل بابا أجبرني اني اتجوز، وعمو اسماعيل قالك اتجوزها يا يونس عشان تساعدني، هتعمل اية وقتها؟ هتوافق؟
فكر بذهول، هل لديها القدرة للتفكير بأفكار كهذه! من المفترض ان حالتها النفسية لا تسمح بذلك.

- مترسميش سيناريوهات مستحيلة
اخبرها بصراحة لم تفهم سببها
- مستحيلة!، لية؟
- لأنه عمره ما هيفكر يربطنا ببعض
- بس عمو اسماعيل بيحبني
لم يُعلق، احتسى الشاي من كوبه ثم قال
- بس هندور على حل اكيد
رفع بصره لها، مد يده يتلمس وجنتها التي تلقت الصفعة بخفة، سألها بخفوت دافئ
- لسة واجعِك؟
تعلقت حدقتيها بخاصته، ابتسمت وهي تنفي ذلك؛ فأعاد يده لجواره ونهض، قال اثنا ابتعاده
- تصبحي على خير
ردت بصوت حاني.

- وانت من اهله
بعد دقائق عادت لغرفتها، القت بجسدها على الفراش وسرعان ما ذهبت في سُبات عميق جرفها الى كابوس اخر..
تتكرر احداث مُقابلة اليوم مع والدها، لكن يتوقف كل شيء مع رفع والدها لذراعه حتى يصفعها لكن يأتي إسماعيل ليعلق كفه في الهواء دون لمس اروى، تراجعت الاخيرة خطوة للوراء وهي تنظر لهما.
ابتسم والدها ببرود قائلاً بغموض لـ إسماعيل
- متنساش، انا هو انت.

عصر اليوم التالي
خرجت خديجة من المطبخ وهي تحمل طبق به كعك، وضعته على الطاولة الصغيرة المُقابلة للتلفاز، لاحظت شرود اروى فجذبت انتباهها.
- مالك سرحانة لية يا رورو؟
تكهنت بِما يُشغل بالها، فقالت بحنان
- لو بتفكري في اللي حصل امبارح انسيه وكأنه محصلش، لأن عمك هيحميكِ، كلنا معاكِ
رفعت اروى بصرها لـ خديجة وابتسمت لها بصمت؛ حل السكون لفترة وجيزة حتى تطرقت خديجة لحديث اخر قد نسته سابقاً.

- احكيلي صحيح، اية اللي حصل في فرح امك؟ نسينا نتكلم عن الموضوع دة
لم تنسى اروى بل تجنبت الحديث عن هذا الامر، وتعلم ان خديجة لن تتركها إلا بعد سرد تفاصيل ما حدث.
- قضيت اول يومين مع رهف من غير ما أعرف ماما اني هناك، وطبيت عليها في الفرح، طبعاً اتصدمت ووشها جاب ألوان
ارتفعا حاجبي خديجة بذهول وهي تسأل
- يعني هي مش معرفة جوزها ان عندها بنت؟
- ايوة، اكتشفت دة من رد فعله.

اضافت اروى وقد بدأ الحماس يعود لها
- انتِ عارفة ان جوزها اصغر منها؟
هتفت خديجة بذهول
- بجد!
- ايوة، اصغر منها بعشر سنين بس باين عليه انه شاب
- يلهوي عليها
تناولت اروى قطعة من الكعك ثم تابعت
- المهم، قدِّمت نفسي وسلمت على العريس، اتصدم هو التاني وبص لـ ماما، روحت انا سبتهم وقعدت على الطرابيزة اكل بكل برود
ابتسمت خديجة برضا وحثتها بأن تُكمِل
- وبعدين؟

- عدى الفرح وكان مكهرب، نظرات بين ماما وعريسها، بعد ما الفرح خلص والمعازيم مشيوا، كنت لسة قاعدة متابعاهم من بعيد وكان باين عليهم انهم بيتخانقوا، طبعاً اتبسطت لاني خربت عليها
ابتسمت بشر، واستطردت
- جيت اقوم عشان امشي لقيت ماما بتناديني و..
تذكرت ما حدث حينها.

رفعت والدتها فُستانها وتقدمت منها بخطوات واسعة، بجانب نظراتها الغاضبة، أمسكت بذراع اروى دون رفق وسحبتها خلفها للخارج، تركت ذراعها وهي تدفعها امامها حتى كادت ان تسقط.
تحدثت والدتها بغيظ وقهر وغضب
- عرفتي منين ان فرحي النهاردة؟ ابوكِ قالك؟ قالك تيجي تخربي عليا؟
واجهتها اروى بنظراتها الجليدية، أقرت ببساطة
- هو فعلاً اللي قال لي، بس انا اللي حبيت اخربها عليكِ.

اقتربت من والدتها بخطوة، اخفضت نبرة صوتها وهي تبتسم لها بإستفزاز، بينما حدقتيها تتوعد لها
- مش هخليكِ تعيشي حياتك بالبساطة دي، زي ما كنتِ السبب في خراب حياتي، انا هكون نفس السبب في خراب حياتك
استعرت النيران اكثر بداخل والدتها وظهر هذا جلياً في حدقتيها، تقدمت من اروى بملامح كارهة، اشارت إلى قلب اروى وهي تقول ببغض
- انتِ سودة هنا، شيطان ساكن في قلبك، ودة سبب كرهي ليكِ من اول يوم ولدتك فيه.

ابتسمت بقسوة ككلماتها اللاذعة
- مش ندمانة على اللي عملته فيكِ، كل مرة اشوفك فيها اتأكد ان كان معايا حق اني سيبتك ومتمسكتش بيكِ، تخيلي وانتِ بعيدة مخلية حياتي زفت، اومال لو كنتِ قريبة مني وربيتك كانت حياتي هتبقى ازاي؟
امتلأت مقلتي اروى بالدموع اثر كلمات والدتها التي اصطدمت بقلبها مُباشرةً، رغم اعتيادها عليها إلا انها مؤلمة في كل مرة تسمعها، بل يزداد ألمها.
- بكرهك.

ادارت والدتها حدقتيها في مقلتيها ببرود
- احسن حاجة عملتيها
استقرت حدقتيها على اروى مُجدداً، اقتربت منها ونغزتها بعنف في كتفها عدة مرات بجانب حروفها المُزدرية
- فوقي لنفسك، انتِ حشرة قدامي يا بت
اوقفت اروى والدتها بإمساك ذراعها بقوة، فدفعتها الاخيرة وأسقطتها ارضاً، اشارت لها مُحذرة
- ارجعي لـ يونس وانشغلي بجريك وراه ومتقلقيش عمره ما هيحبك لانك متتحبيش..
انتشلتها خديجة من شرودها بسبب فضولها..

- نادتِك واية بعدها؟
لم تخبرها اروى عن اي شيء تذكرته، كذبت وقدمت لها سيناريو جديد بعيد عن الحقيقة المُحرجة؛ لكنها لم تستطع كبح نفسها عن السؤال
- هو انا وحشة؟ متحبش؟
استنكرت خديجة سؤالها، واجابتها دون تفكير
- طبعاً لا، دة انتِ قمر وتـ..
قاطعتها اروى بحزن
- طب لية يونس مش شايف كدة!

صمتت خديجة، بماذا ترد؟، نظرت لها بشفقة ورجاء لعدم التطرق لذلك الحديث، فتنهدت اروى واخفضت رأسها، امتلأت حدقتيها بالدموع وهي تهمس بإنكسار
- انا عارفة اني متحبش، بس انا عايزاه يحبني
ثم بكت، توالت شهقاتها العنيفة بكل حزن، بينما صُدِمت خديجة من حالتها المُفاجئة وتوترت، كيف تواسيها؟

في الشركة
- هاتيلي فنجان قهوة
اعترضت شهد على طلب يونس
- تاني! كدة غلط، انت شربت فوق التلت فناجين.

نظر لها برجاء قائلاً بتعب
- شهد متجادلنيش لوسمحتِ
وضحت له بإهتمام
- مش بجادلك بس غلط والله على صحتك
ثم جلست على المقعد المقابل له وحثته
- فضفض معايا وقول لي مالك من امبارح!، مش قولت حليت المشكلة؟
- مفيش حل، المشكلة اتأجلت بس وهترجع تاني، امتى! الله اعلم
- طب قول لي وهساعدك
ساومها بذكاء
- هاتيلي قهوة الاول
نهضت قائلة بإصرار
- هجيبلك سندوتش تاكله وبعدها هجيبلك القهوة اللي عايزها، تمام؟

اخفض كتفيه بإستسلام، حرك كفه بمعنى ان تفعل ما تريده، ليس لديه الطاقة لمجادلة احد.

أقنعت اروى خديجة بصعوبة للخروج، كانت تحتاج وبشدة الذهاب لـ نادر وللحديث معه.
- جيتي متأخر..
جلست على المقعد، قالت بفظاظة لم تقصدها
- شكلي مش هخلّص منك
ابتسم وقال بهدوء
- هتخْلصي لو نويتي تخّفي
هزت رأسها دون امل لذلك، تحدثت مُباشرةً
- شهد زقتني من على السلم، بابا جه وضربني
شغل المُسجل وطلب منها.

- نتكلم عن اول جزئية، لية شهد زقتك؟
ضمت قبضتها بقوة، اخبرته بألم
- قالتلي يا رخيصة، الكلمة جرحتني ووجعتني اوي، شوفت وقتها للحظة ان ماما قدامي، هي دايماً كانت بتقول لي كدة عشان بحب يونس
نظرت له وتابعت بإنفعال
- فضربتها قلم من الغل اللي جوايا، لقيتها زقتني الحقيرة
سألها بنبرته المُسالمة
- وانتِ شايفة نفسك كدة يا اروى؟
ردت بتلقائية..

- لا، شايفة التمسك بشخص بحبه حق، خاصةً اني حاسة ان في امل انه يحبني
- مش ممكن تكوني بتتوهمي!
لم تسمع قوله، تحدثت بشرود وأخرجت ما بداخلها
- انا بتصرف كدة بس مش بإرادتي، لاني اتعودت، ان محدش بيلاحظ وجودي إلا لما اتصرف بتهور وجرأة
- وانتِ شايفة ان يونس ملاحظِك!
اندفعت مؤكدة له
- طبعاً ملاحظني بس..
انخفض صوتها بإحباط مع حروفها الاخيرة، سألها نادر
- بس اية؟
تخطت تلك النقطة وانتقلت لتبرير افعالها.

- كل هدفي انه ينتبهلي، يعرف اني موجودة، مش عايزة يبقى زي اهلي اللي مكنتش متشافة بينهم..
ابتسم ببساطة وهو يقول بإصرار
- بس اية يا اروى؟
نظرت له بطرف عينيها، تباً له، لا يتخطى شيء، تنهدت بإستياء مُقرة..
- بس هو شايفني كـ مسؤولية عليه
- عارفة كدة ومكملة؟
اندفع جسدها للأمام وهي تضغط على كل حرف تنطق به.

- اة مكملة لانه يونس، الوحيد اللي انتبهلي، اللي حسسني اني متشافة ومش منبوذة، اللي ساعدني ودخلني في حياة جديدة، اللي حماني..
قاطعها بالواقع
- بس يونس اللي بتتكلمي عليه مش يونس الحالي
ارتسمت ابتسامة صغيرة على محياها وهي تهز رأسها نفياً
- مين قال!، هو نفسه بس مش بيبن ليا، وامبارح اكبر دليل
- وحصل اية امبارح؟
تساءل، فسردت عليه ما حدث، مجيء والدها وما فعله.

- شوفت في عين يونس الخوف والغضب، وقفته قدام بابا لما حاول يقرب مني تاني، قلبي اطمن وقتها لانه معايا، اتأكدت وقتها انه لسة زي ما هو، بس بيخفي كل دة عشان متعلقش بِه اكتر وأتخلى عن حبي له بس..
اعادت ظهرها للخلف والراحة ظهرت جلياً في حدقتيها، أكملت
- بس هو ميعرفش انه الجايزة اللي هاخدها بعد كل اللي عيشته، فأزاي هتخلى عنه!
ارتفعا حاجبيها وهي تتذكر، اخبرته بقلق.

- الفترة الاخيرة بتجيلي كوابيس، الفترة الاخيرة بس
- عبارة عن اية؟
سردت عليه كوابيسها، فرد عليها
- عشان كل شيء قرب ينتهي..
ثم مال عليها وسألها بخفوت..
- سألتك قبل كدة، هتبقى حياتك طبيعية امتى؟، فاكرة جوابِك
تقابلت نظراتها مع خاصته وهي ترد بخفوت مماثل
- ايوة، لما اهلي يموتوا

بعد مرور يومين..
مغرب اليوم -في الشركة-.

دلفت شهد لمكتب يونس بعد ان طرقت على الباب بخفة، ذُهِلت حين رأته نائماً على الاريكة، اغلقت الباب خلفها وتقدمت منه، ارتسمت على وجهها الابتسامة بتلقائية، كم هو جميل وهو نائم! يبدو كطفل أُنهك في اللعب، جثت على ركبتيها امامه لتتأمله عن قُرب، مدت يدها دون تفكير لتتلمس جبينه بأناملها، انها تشعر بدقات قلبها المُتسارعة، انه يدَقُّ لأجله، يبدو انها تخطت مرحلة الإعجاب به.
من جهة اخرى..

انهت اروى مُقابلتها مع الطبيبة التي طمئنتها على قدمها وذهبت للشركة، رحبت بالجميع، اتجهت لـ مكتب يونس، توقفت عند مكتب شهد، لم تكن موجودة، اين تتسكع؟، أكملت سيرها ودلفت لمكتب يونس.
توقفت بصدمة وهي ترى شهد بهذا الوضع؟، سرعان ما استعرت حدقتيها بنيران الغيرة.
بينما جفلت شهد ونهضت سريعاً حين رأت اروى تقف عند الباب وقد رأتها، لقد كُشِف امرها.

اشارت لها اروى بأن تتبعها وفعلت، اخذتها للمرحاض ليتحدثا هناك وليصبحا بعيدين عن الأعيُن.
- مُصِرة تعانديني؟
سألتها اروى وهي ترمقها بشر، فردت شهد بثبات
- مش بعاندِك، بس هو مش بتاعِك، ممكن لأي واحدة تُعجب بِه وتحبه
- طبعاً في كتير حبوه مش ممكن، بس مشوفتش زيك الصراحة! في وقاحتِك
همست بكلمتها الاخيرة بإزدراء، فأنفعلت شهد وهي ترد بحدة
- متتكلميش عن الوقاحة وهي متجسدة فيكِ
رفعت اروى زاوية فمها بسخرية..

- ايوة بيني وشك الحقيقي، بينيه عشان يونس مش هنا
- دة مش وشي الحقيقي، دة الوش اللي المفروض اتعامل بِه مع اشكالك
ضمت اروى قبضتها بجوارها بقوة، تحاول ان تسيطر على غضبها الذي يحثها على الانقضاض على شهد والفكاك بها، تقدمت خطوة من الاخيرة وقالت بثقة
- احب اعرفِك ان يونس مش هيبص لواحدة زيك، انتِ مش استايله، وغير كدة انتِ عال عليه، جاية هنا واسطة
عقدت شهد حاجبيها بإستنكار وهي تقول بتفكير ساخر.

- هو انا لية حاسة انك بتتكلمي عن نفسك!
زمجرت اروى..
- نعم!
قبضت على ذراع شهد بقسوة وهي ترمقها بشك
- قصدك اية؟، انتِ تعرفي اية عني عشان تقولي كدة؟
دفعت شهد يد اروى بخشونة وهي ترد بهزء
- يونس قال لي قصتك المأساوية، صعبتي عليا وقتها بس شايفة بوضوح انتِ لية لوحدك، ولية بيتخلوا عنك!
صفعتها اروى وهي تلهث من شدة غضبها وصدمتها أيضاً، كيف يخبرها يونس بقصتها؟ ولم يجد سوى شهد حتى يُشاركها؟

وضعت شهد كفها على وجنتها، لم تُصدم هذه المرة، فهو رد متوقع، نظرت لـ اروى بحدقتيها المستفزة و
- مش شايفة انه بيشفق عليكِ! ومش هو لوحده!
صرخت اروى بجنون وهي تلتقط خصلات شعر شهد بوحشية
- اخرسي
لم تصمت شهد وبادلتها فعلتها فألتقطت شعر الاخرى أيضاً، فسقطا كليهما على الارض، هتفت شهد
- انتِ واحدة مريضة، وتعباه معاكِ، انتِ حِمل تقيل عليه
- اخرسي بقولك
- فاكرة ان دة كلامي؟، دة كلامه هو..

توقفت اروى وقد صُدِمت من قول شهد، همست بعدم تصديق
- مستحيل..
فُتِح الباب في هذه اللحظة، توقفت زميلتهم لتنظر لهم بذهول، وأسرعت لتفرق بينهم حين وجدتهما يتشابكان مرة اخرى.
- انتِ كدابة
هتفت زميلتهم طالبة المساعدة، فأتت زميلة اخرى و سلوى لتفريقهم وقد نجحا.
رتبت شهد خصلات شعرها الثائرة، قالت بين انفاسها اللاهثة
- اسأليه، بنفـ، ـسك.

دفعت اروى الأيدي التي تُكتفها وابتعدت مُغادرة، توقفت عند بداية درجات السلم حين لمحت خروج يونس من غرفة المكتب.
عقد الاخير حاجبيه حين لمحها من بعيد بحالتها الفوضوية تلك، وزادت حيرته وتشتته حين قذفته بنظرات مُعاتبة حزينة وغاضبة، لم يفهم شيء، كاد ان يخطو خطواته لها لكنه وجدها غادرت، كذلك استوقفته هيئة شهد الغير مُرتبة أيضاً لكنها افضل حالاً من الأُخرى، ففكر سريعاً، هل تشاجرا معاً!

انتظر حتى توقفت شهد امامه ليسألها
- حصل اية؟
اجابته بإنفعال
- اروى اتجننت، وضربنا بعض، والمرة دي انا وهي الغلطانين، وانا مش ندمانة
تجهم وجهه، امرها بحزم
- تعالي ورايا
توقف خلف طاولة مكتبه وهي واقفة امامه، طلب منها سرد ما حدث، ففعلت.
قسّت قسمات وجهه وأخذ يتنفس بخشونة، ضرب سطح المكتب بعنف وهو يصرخ بثورة
- انا وثقت بيكِ!
جفلت اثر فعلته، ازدردت ريقها وبررت بتلعثم
- هي اللي استفزتني، طلعـ..

اوقفها، لا يريد سماع اي تبرير سخيف منها، اخفض رأسه قائلاً بصرامة رافضاً اي نقاش
- انتِ مطرودة يا شهد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة