قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الثاني

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الثاني

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الثاني

سرّعت اروى من خطواتها لتصل له قبل ان يصل لسيارته، سألته بإستنكار فور وقوفها امامه وهي تلهث
- شهد عجباك؟ بجد؟
- وانتِ مالك
- مش استايلك
رد عليها بصدق وهو يرى الحنق يتصاعد لعينيها مع رده
- بس حلوة
هتفت بانفعال
- بس انا احلى منها
- معتقدش.

قالها بجانب نظراته الباردة قبل ان يتخطاها ليصل لسيارته ويصعدها، بينما ضمت هي قبضتها بغضب، هل شهد اجمل منها؟ حقاً؟، ضربت الارض بخطواتها الغاضبة وهي تبتعد، لماذا يرى جميع النساء اجمل منها؟

بعد دقائق، طرقت شهد على زجاج النافذة المجاورة لمقعده الأمامي لتجذب انتباهه فقد كان يتحدث على الهاتف، نظر لها وأشار لها بالجلوس ففتحت الباب وصعدت بجواره، اشار لـ حزام الأمان لكي تضعه ففعلت لكنه كان عالِق، فمال عليها حتى يصلحه.
قطعت انفاسها دون ان تشعر وهو بهذا القرب، وجدت نبضات قلبها تتسارع حتى ان وجنتيها توردتا!، كل ذلك حدث دون سبب.

ابعد الهاتف عن اذنه مع انتهاءه من مساعدتها في وضع الحزام حولها، فالتقطت انفاسها بقوة وهي تنقل بصرها بعيداً عنه بينما لاحظ هو احمرار وجهها، فأبتسم بخبث ولم يُعلق، فقط سألها
- عنوان بيتِك اية؟

جلست اروى امام التلفاز تتناول المقرمشات بنهم وعنف، لقد نجح ذلك الأحمق من جديد في إغاظتها، لا تستطيع استيعاب اعجابه بـ شهد ووضعها في رأسه، سيواعدها؟ كيف تحظى شهد بهذه الفرصة وهي لا؟
تركت المقرمشات ونهضت لتنظر للمرآة بشك، هل شهد اجمل منها حقاً!، تباً انه يجعلها تفقد ثقتها بنفسها حتى انها ترى نفسها اقل جمالاً من جميع من واعدهم، تكاد تؤمن انها قبيحة!

تأففت بضيق وهي تتجه لغرفتها لتحضر عباءتها لترتديها فوق بيجامتها القصيرة وتغادر، ستذهب وتستنشق بعض الهواء النقي في الحديقة المقابلة للعقار التي تسكن فيه.
- ما تحاسبي
قالتها المرأة بغضب بعد ان اصطدمت بها اروى فأسقطت الأكياس التي كانت تحملها على الارض، رغم ذلك لم تكترث اروى ولم تساعدها بل أكملت سيرها، فهتفت المرأة بإستحقار وهي تلملم أشياءها من على الارض
- واحدة قليلة الذوق.

توقفت اروى واستدارت لها، انها مستعدة لخوض شجار، ردت بوقاحة وهي تعود للمرأة
- انتِ اللي قليلة الذوق مش انا
توقفت المرأة وهي تحمل أكياسها من جديد، نظرت لـ اروى بصدمة من فظاظتها، كيف تُحدِث من اكبر منها بهذه الطريقة الفظة!، هتفت بإنفعال
- انتِ واحدة قليلة الادب اهلك معرفوش يربوكِ، دة انا قد أمك.

تصاعدت الدماء بغضب لرأسها بعد سماعها لجملة اهلك معرفوش يربوكِ، فقد اصطدمت هذه الكلمات بقلبها بقسوة، رغم ذلك ردت بنبرة مرتفعة اشبه للصراخ، بجانب نظراتها الغاضبة التي تكاد تفتك بهذه المرأة
- فعلاً معرفوش يربوني عشان مكنوش فاضينلي، ماشي!
ثم تخطتها بخطواتها المُتسارعة الغاضبة وبداخلها يغلي، ارادت ان تخرُج لتستنشق الهواء وتهدأ ثم تعود لشقتها لكنها عادت وحالتها اسوء من سابقها.

توقفت فجأة اثر إمساك احدهم لذراعها، كادت ان توبخ الفاعل لكن حين استدارت وجدته هو، يونس، اضاق الاخير عينيه وهو يسألها بإهتمام
- مالِك؟ حصل حاجة؟
رؤيتها له زادت من غضبها فقط، دفعت يده بعيداً عنها وهي ترد بخشونة
- مفيش.

ثم أكملت سيرها لداخل العقار فذهب خلفها، ولجت لداخل المصعد الكهربائي وضغطت على الزر الذي يحمل رقم الطابق التي تسكن فيه، دلف يونس للمصعد قبل ان يُغلّق بابه وظلت حدقتيه مُعلقة معها، يحاول ان يفهم ما بها، فأدرك دون عناء انها تريد ان تبكي من حركاتها، فقد احمر انفها وبدأت بـ عض شفتها السفلية.

وكانت كذلك، فقد ضمت كفيها لبعضهما وحدقتيها مُعلقة بالأرقام التي تتغير، تريد ان تصل سريعاً لشقتها وتغلق بابها فتبكي براحة، كم تكره شعور الشفقة التي تشعر به اتجاه نفسها.

اسرعت لتخرج من المصعد فور وصوله للطابق المطلوب، قبل ان يسألها يونس عن اي شيء كانت قد دلفت لشقتها وصفقت بابها؛ حك يونس جبينه بحيرة، ماذا حدث معها لتصبح هكذا؟، اتجه لشقته وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله، دلف وهو يضع الهاتف على اذنه ليصل له صوت والدته بعد لحظات، قاطع سلامات والدته الطويلة ليتطرق لسبب اتصاله بها
- اروى، اتصلي بـيها يا ماما
- لية؟ فيها حاجة؟

- مش عارف حصلها اية بظبط بس حالتها مش مظبوطة، ممكن حد ضايقها
- مسألتهاش طيب؟
- مجاوبتنيش
- ماشي، اقفل وهتصل بيها
انهى المكالمة معها وترك هاتفه على الكومود ليتجه للمرحاض ليأخذ حماماً ساخناً.

اليوم التالي
- صباح الخير
قالها يونس لـ شهد وهو يبتسم لها بجاذبية مما جعلها تحدق به وضربات قلبها تتزايد، لديه هالة تخطف الأنفاس وتُعجِز اللسان عن الرد، لماذا هو وسيم لهذا الحد؟ لا تستطيع اي امرأة مقاومته.
قرصت وجنتها بقوة لتُيقظ نفسها من هذا الهراء الذي بدأ منذ ان اوصلها ليلة امس، هل وقعت في شِباكه بهذه السرعة؟ انه ماهر في ذلك.
عادت حدقتيها للباب حين فتحه وأخبرها
- عايز قهوة، سادة ها.

ثم غمز لها واغلق الباب من جديد، رمشت اكثر من مرة ببلاهة، لماذا يعاملها بود فجأة! انه لشعور مُريب.
بعد فترة وجيزة دلفت له ومعها فنجان القهوة التي قدمته له فشكرها!، راودها سؤال فضولي، ارادت ان تسأله ففعلت بشيء من التردد
- ممكن اسأل حضرتك سؤال؟
- طبعاً
تراجعت بعد موافقته، لم تعرف كيف ستصيغ سؤالها لذا قالت بحرج
- خلاص، عن إذنك
قبل ان تستدير قال بذكاء.

- عارف هتسأليني عن اية، وأحب أجاوبك واقولك ان دة أسلوبي في العادة، اول يوم عاملتك وحش عشان كنت مضايق شوية فطلع عليكِ، فأنا اسف
حدقت به للحظات غير مصدقة، انه مختلف تماماً عن الفكرة التي اخذتها عنه في اول يوم لها في العمل، لم يكتفي بالوسامة بل ودي الطبع أيضاً، كيف لا تُعجب به في يومين فقط؟
ابتسمت له وقالت بخفوت وهي تتراجع للخلف
- عن إذنك
- اتفضلي.

اتجهت للباب وضعت كفها على مقبض الباب وقبل ان تبرمه وجدته يُفتح لتظهر اروى، استدارت شهد لتنظر لـ يونس فقال لها
- مش مشكلة
اومأت برأسها ورمقت اروى ببغض قبل ان تغادر وتتركهما، تابع يونس الاخيرة وهي تتقدم منه، تأمل ملامحها يبدو انها بخير، نقل نظراته للأوراق التي امامه وأخبرها بجدية
- لو هتتكلمي معايا في مواضيعك التافهة فأنا مش فاضي.

قبل ان ترد اعلن هاتفها عن وصول رسالة، فتحتها وقرأت محتواها، كانت من والدها، قررت تجاهلها لكنها وجدته يتصل بها، زفرت بضيق قبل ان تبتعد وتغادر دون قول اي شيء لـ يونس الذي رفع بصره لها وتابعها وهي تغادر.

مرت ساعات..
اتت احدى الموظفات سلوى لمكتب اروى وزملائها لتخبرهم بأجدد الأخبار التي عرفتها
- تعرفوا ان شهد اشتغلت هنا بالواسطة؟
تركزت اعيُن الجميع على سلوى بحيرة، فأضافت سؤال اخر لتزيد من فضولهم
- طب تعرفوا مين اللي رشحها؟
سألتها اروى بفضول
- مين يا سلوى؟
اجابت سلوى دة إطالة
- أستاذ إسماعيل بنفسه
ابتسمت احدى الموظفات بسخرية وهي تقول.

- طبعاً لازم تشتغل بالواسطة ولا من امتى أستاذ يونس بيختار حد من مِلتها، لا مستوى ولا استايله حتى
بينما شردت اروى، كيف لم تفكر ان إسماعيل هو من اختارها؟، شعرت بالغيظ، لماذا لم يختارها هي؟ لماذا شهد؟ ومن اين يعرفها؟
- الخبر طازة لسة فقولت اقولكم، هرجع لشغلي بقى وانتظروا كل جديد
قالتها سلوى بطريقة كوميدية قبل ان تغادر، فعاد تركيز الجميع لعمله، ماعدا اروى.

مر الوقت وحان موعد الانصراف..
طرقت شهد بخفة على باب غرفة مكتب المدير ثم دلفت بعد سماع الإذن، تقدمت للداخل وقالت فور وقوفها امامه
- الساعة تمانية، امشي ولا في شغل تاني؟
- تقدري تمشي
اومأت برأسها وهي تستأذن اثناء تراجعها للخلف
- عن إذنك
منحها ابتسامة وهو يخبرها بود
- خلي بالك من نفسك
ابتسمت بتلقائية وهي ترد
- حاضر
ثم خرجت من غرفة مكتبه، لملمت أشيائها وابتسامته لم تفارق مخيلتها.

همت للمغادرة وما لبثت ان توقفت حين اعاقت اروى طريقها، حاولت شهد تخطيها لكن الاخرى لم تسمح لها لذا قالت بنفاذ صبر
- ابعدي
قالت اروى بتسلط
- اسمعيني كويس...
قاطعتها شهد بحزم
- مفيش كلام بينا عشان اسمعه
كادت ان تتخطاها لكن اروى امسكت بذراعها لتمنعها من المغادرة وهي تقول
- متفكريش تحبي يونس وإلا...

سحبت شهد ذراعها بعنف من قبضة اروى والتي تركتها بسلاسة قصداً فأرتدت شهد للخلف وسقطت بقوة، صُدِمت الاخيرة مما حدث لها، تنفست بخشونة وهي ترفع رأسها لتنظر لـ اروى بشراسة بجانب دموعها التي لمعت في حدقتيها، هتفت بقهر وحدة
- انتِ مجنونة؟
شاهد الجميع ذلك لكن لم يساعدها احد، خرج يونس من غرفة مكتبه، تقدم منهم بخطوات واسعة ليصل سريعاً، سألهم بنبرة حادة
- اية اللي بيحصل هنا؟

نظر لـ شهد واسرع ليساعدها على النهوض، بينما ردت اروى بحدة على قول شهد
- مجنونة!، بتقولي على مين مجنونة؟
صرخ يونس بغضب وهو ينظر لـ اروى بعد ان اجلس شهد على الكرسي.
- هو انا مش واقف؟
صمتت اروى ثم اتجهت لمكتبه حين اخبرها بذلك بصرامة، ثم لحق بها، اغلق الباب وهو يسألها بغضب واستياء
- مش هتبطلي حركاتِك دي؟
انه لا يحتاج بأن يتأكد مما حدث، ردت اروى بعناد وهي تنظر له بغضب لن يهدأ
- مش هبطلها.

استدا حول نفسه وهو يتنفس بخشونة، حاول تمالك اعصابه ونجح، قال بإقتضاب
- مش هتكلم معاكِ هنا، كلامنا هيبقى قدام بابا عشان يتصرف هو معاكِ
لن يخوض حديث لا فائدة منه معها، اتجه لطاولة مكتبه ليأخذ هاتفه ومفاتيحه ثم يتجه للباب ويخرج ليدعو شهد
- تعالي اوصلك
لم تعترض، التقطت حقيبتها وغادرت معه، وكل ذلك تحت أنظار اروى الحانقة.

في السيارة..
كان الصمت سائد بينهما، فقطعه يونس مُعتذراً
- اسف على اللي عملته اروى معاكِ
تنفست شهد ببطء وردت
- مش مستنية الاعتذار منك لانك معملتش حاجة
نظرت له ولحقت قولها بطلبها
- ممكن اسأل حضرتك سؤال؟
- مش لازم تستأذني
- اروى تقرب لحضرتك اية؟
علق مرة اخرى ببساطة وهو يبتسم
- مش لازم تتكلمي معايا برسمية واحنا برة الشغل
تمتمت بخضوع
- حاضر
فأجاب عن سؤالها
- اروى بنت جارنا، متقربليش حاجة.

- طب لية بتتعامل كدة معايا؟ لية...
قبل ان تُكمِل تسائُلاتها، اجابها
- عشان شايفاني مُعجب بيكِ
- نعم!
شهقت بذهول من رده المُفاجئ والغير متوقع بالمرة، حدقت به بعدم تصديق ثم ضحكت بسخرية وهي تستنكر ذلك
- مستحيل، اكيد اروى بتفكر غلط
رد بغموض لم تفهمه
- ممكن
شردت بعد قوله، رده الاحتمالي شوشها!، ساد الصمت من جديد بعد رده.

اوقف السيارة عند محطة الحافلات القريبة من منزلها كالسابق وكما طلبت منه؛ قدّم لها هاتفه وهو يطلب منها
- سجلي رقمك
ردت بإستغراب
- لية؟
ابتسم وهو يرد ببساطة
- انتِ السكرتيرة بتاعتي، نسيتي؟
اخذت الهاتف منه لتسجل رقمها، بينما اضاف يونس
- كان ممكن اخده من الملف بتاعك بس حبيت اطلبه منك احسن
فكرت، كم هو لطيف!، اعطته الهاتف وودعته قبل ان تترجل، انتظر لحين اختفت في الشارع الضيق التي دخلته ثم غادر.

في شقة إسماعيل الأنصاري
- وحشتكم انا عارفة
قالتها اروى بمرح وثقة وهي تعانق إسماعيل، بينما أنكرت خديجة ذلك بمزاح
- لأ خالص
ضحكت اروى وهي تُسايرها
- صدقتك يا طنط صدقتك
جلست اروى على الاريكة بجوار خديجة التي سألتها
- هتباتي النهاردة معانا؟
- لا
- لية كدة؟
سألتها خديجة بحزن بينما قال إسماعيل
- اكيد اتخانقت هي والأستاذ يونس
اتسعت مقلتي اروى بذهول وهي تسأله بإعجاب
- عرفت منين؟

- هو انتِ وهو بتيجوا بعد الشغل الا لو في مشكلة!
رد بذكاء؛ سألته خديجة
- هو اتصل بيك؟
- ايوة وقال لي انه في الطريق
اشاحت اروى بوجهها بعيداً لتحرك شفتيها بشتائم موجهة لـ يونس، تمنت ان يتغاطى عن فعلتها لكن يبدو انه مُصِر، رفعت رأسها بشموخ، لا يهمها فهي ليست مُخطيئة فلم تدفعها قصداً هي من أسقطت نفسها بغباءها.
بعد نص ساعة..

وصل يونس وألقى التحية على والديه دون اروى، ما لبث ان جلس حتى بدأ يسرد عليهم تصرفات اروى، بعد ان انتهى، نقل إسماعيل بصره لها بعتاب وهو يسألها
- لية عملتي كدة يا اروى؟ شهد طيبة و..
قاطعته اروى سريعاً
- معملتلهاش حاجة يا عمو انا سيبت ايديها وهي كانت بتشد اوي فوقعت، كدة انا ليا ذنب؟ لا
تدخلت خديجة بهدوء.

- يا اروى يا حبيبتي مش قولتك اكتر من مرة مينفعش تعملي حركاتك دي في الشركة، دة شغل مينفعش فيه الحركات دي
صمتت اروى وهي تُشيح بوجهها بعيداً بينما ظلت تهز قدمها بقوة، فقال إسماعيل بصرامة
- اروى، بصيلي
اندفعت لتخبرهم وهي تنظر لـ إسماعيل
- انت عارف يا عمو يونس بيعمل اية عشان كدة انا ببعدهم عنه
رد إسماعيل بثقة وهدوء.

- شهد مختلفة، انا شغلتها عشان عارف انها محترمة وهي محتاجة الشغل دة فعلاً، يعني بتشتغل عشان تكسب لقمة عيشها مش زي اللي كان بيجبهم الافندي
لم تقتنع، فمخاوفها لن تختفي لمجرد انها فتاة جيدة، فأعترضت
- حتى لو محترمة دة ميمنعش انها تحبه وتُقع في شباكه
رد إسماعيل ببساطة
- هي مش هتعجبه
استنكر يونس قول والده
- ومين قال؟
احتدت نظرات والده وهو ينقلها اليه، حذره وهو يرفع إبهامه
- اياك تفكر تلعب بيها.

ابتسم يونس وهو يفكر
- مش ممكن تكون نهاية اللعب!
انقبض قلب اروى لسماع قوله، بينما سألته والدته بلهفة وعدم تصديق
- بتتكلم بجد؟
رفع ذراعه لينظر لساعة يده بينما يُجيب على والدته
- متفرحيش بالسرعة دي، بقول ممكن
- يارب بقى، عايزة افرح بيك
اختفت حروفها تدريجياً وهي تنهي جُملتها حين تذكرت وجود اروى، ربتت خديجة على كف اروى التي رمقتها بعتاب، إن والدته تعرف كل شيء فكيف تفرح بإحتمالية ارتباطه بأخرى غيرها!

نقلت نظراتها بتحدي له، لن تسمح بذلك، لن تأخذه أضعف منافسيها.

عشان شايفاني مُعجب بيكِ، تتردد تلك الكلمات في رأسها دون توقف، فكرة ان يُعجب بها غير معقولة، تخيلها فقط تُشعرها بالسعادة، لكن احتمالية ذلك تكاد ان تصل للصفر ولديها اسبابها.
لكن مايثير حيرتها هو لماذا فكرت اروى بذلك! فلن تتوهم أشياء غير حقيقة من نفسها.

قاطعت والدتها تفكيرها حين دلفت لغرفتها، اعتدلت لتترك لوالدتها مكان على الفراش لتجلس فيه بجوارها، قالت شهد بحماس لوالدتها وهي تحثها لكي تُسرع بالجلوس بجانبها
- تعالي اقعدي بسرعة عشان احكيلك عن الشغل ومديري
- اهو جيت
قالتها والدتها وهي تجلس بجوارها، اضافت
- احكيلي عن مديرك الاول، لسة بيعاملك بـنفـ...
قاطعتها شهد قبل ان تُكمِل والدتها سؤالها التي عرفته
- خاالص، دة بقى يعاملني حلو جدا.

واضافت بفكر شارد، شارد في ابتسامته التي ترسخت في عقلها رغماً عنها
- دة حاجة تانية كدة، شخصية قمر، شكل قمرين ضحكته...
ادركت انها تكاد تتغزل به، فابتسمت بحرج من والدتها وهي تُردف
- هو اعتذر عن معاملته معايا اول يوم..
غمغمت والدتها وهي ترمقها بشك، فضحكت شهد وقالت بسلاسة
- مش مشكلة أُعجب بيه، مش الوحيد اللي يعجبني يعني في لحظة!
- انتِ مشوفتيش عينك بتلمع ازاي وهو مجرد إعجاب من يومين!
ردت شهد بتلقائية.

- عشان هو حلو اوي
ضحكت بعد ان ادركت قولها، تحدثت محاولة ان تُطمئن والدتها
- متقلقيش، مش هزود من إعجابي بيه، شوية صغننة بس
تنهدت والدتها وتطرقت لنقطة اخرى
- والشغل، عاملة اية فيه؟ سهل؟
- مفيش حاجة سهلة، بس كويس قادرة اتعامل معاه
- طب الحمدالله.

اشرقت شمس يوم جديد
- اتكلمت مع اروى على اية امبارح لما خدتها لوحدها؟
سألت خديجة زوجها إسماعيل بفضول، فأجابها
- قولتلها انها تنتبه على تصرفاتها لان لو بدأت مشاكلها تزيد في الشركة هضطر اتصرف
سألته خديجة بريبة ونبرة خافتة
- يعني ممكن تطردها؟
- هشوفلها شغل بعيد عن يونس
ساد الصمت للحظات، ثم عاد ليقول بجدية.

- انا كنت بسكت على تصرفاتها عشان كانت ضد الناس الصح، اما دلوقتي لا، شهد كويسة وعايزها تكمل شغل مع يونس لانها محترمة، فلازم اروى تسيطر على نفسها، فياريت تصلحي تحريضك ليها
حركت خديجة حدقتيها بإستنكار لـ إسماعيل وسألته
- تحريضي!

لم يرد، قذفها بنظرة بدت لها ساخرة، فهل تُمثل البراءة الان! فهو يعلم انها من دفعت اروى لطريق يونس حتى تُبعد عنه النساء الذين يلتفون حوله، لقد طلبت منها المساعدة فهي بمثابة اخت له، وقد نفذت اروى الامر بكل جدارة وقد كان راضي عن ذلك، لكن الان لم يعد للأمر داعي.
لكن الحقيقة الذي لا يعرفها ان خديجة شجعت اروى فقط على تصرفها الذي صدر منها بتلقائية وحين اشتكى يونس لوالدته سألتها فأجابت اروى بذكاء.

- انا ببعِد عنه البنات الوحشة الصايعة، يعني هتبقي يا طنط مبسوطة لما يجيبلك واحدة ولابُد انه يتجوزها؟ طبعاً لا
شردت خديجة للحظة وقد تملكتها الريبة، هل يعلم بأن اروى تحب ابنهم!، طردت تلك الفكرة سريعاً حتى لا يتملكها الخوف، تطرقت لسؤال اخر
- ومقولتلهاش الكلام دة قدامنا لية؟
ابتلع ما في فمه واجاب
- عشان مش عايز اقف ضدها قدام يونس.

فركت خديجة رقبتها وهي تنظر لـ إسماعيل بحيرة، تتمنى ان تفهم سبب اسلوبه في تعامله مع اروى و يونس، لديه استراتيجية ذكية للتعامل معهم لكنها لا تفهمها.

في الشركة
جلست اروى خلف مكتبها وعينيها تتابع يونس الذي وصل بعدها ويتجه الان لمكتبه، تشعر بالحيرة، هل يتجاهل طرقاتها على باب شقته في الصباح! فوصوله بعدها لا يشير الا لذلك، لا يريد ان يصطحبها معه.
احتدت نظراتها وهي تراه يبتسم اثناء إلقاء التحية على شهد، لم يبتسم لها هكذا سابقاً، لم يفعلها بينما يفعلها مع الجميع ماعداها.

التقطت زجاجة المياة بعنف لتفتحها وتشرب منها الكثير لعل النيران التي تتأجج بداخلها تخمُد.
لكن هيهات، كيف تهدأ وتمر بسلام هكذا!، نهضت بعزم لما تنوي فعله؛ وصلت للمطبخ فرحب بها الساعي العجوز فردت عليه بود، انها ليست ودية مع الجميع؛تقدمت للداخل لتصنع القهوة، اعترض ليفعلها هو لكنها اصرت على ان تصنعها بنفسها فكيف ستنفذ خطتها!، وضعت معلقتين من الملح في القهوة دون ان يلاحظ ثم طلبت منه بلطف.

- ممكن تديها لـ شهد!، كانت قالتلي عليها وانا نازلة
- حاضر
- بس متقولهاش اني عملتها
ابتسم موافقاً وغادر بفنجان القهوة فإبتسمت هي بشر.
رفعت شهد رأسها على وقع اقدام تقترب منها فوجدته الساعي، ضربت جبينها وهي تقول بإمتنان
- صح القهوة، أنقذتني والله شكراً جداً
كيف نست قهوة مديرها!، اخذت فنجان القهوة منه واتجهت لمكتبه، كاد ان يعترض الساعي لكنها كانت دخلت، فعاد ادراجه وهو ينوي صنع واحد جديد لها.

- ها تم؟
سألته اروى حين قابلته عند نهاية السلم، فأجاب
- اة بس خدته لأستاذ يونس فأنا هعملها غيره
هتفت بصدمة
- نعم! لـ يونس؟
لم تنتظر تأكيد منه حتى ركضت لتمنع وقوع هذه الحادثة، اصطدمت بكتف شهد التي كانت على وشك الخروج من مكتب يونس ، فور وصولها للاخير سحبت الفنجان من يده، فقد كان على وشك شربه، فأنسكب نصفه امامه، على الأوراق.

تعلقت حدقتي يونس الغاضبة بها وزادت غضباً حين تلطخت الأوراق الموجودة امامه فنهض بعنف صارخاً
- دة ورق مهم
كانت شهد مصدومة مما حدث لكن صراخه ايقظها، اسرعت لتأخذ المناديل وتقف بجواره لتنقذ ما يمكن انقاذه؛ بينما شتمت اروى نفسها بداخلها، ألم تستطع ان تكون حذرة اكثر من ذلك؟، وضعت كفها على خصرها وهي تسأله بضيق مزيف
- القهوة دي بتاعتي تاخدها لية؟
هتف بعدم تصديق ونبرة غضب وغيظ ظاهرة.

- عملتي كدة عشان بتاعتك!
ضرب كفيه ببعضهم وهو يتنفس بعنف، يريد ان يطردها، ان ينطق بهذه الكلمة لكنه منع نفسه بصعوبة، فأكتفى بأن يطردها من مكتبه
- برة يا اروى
اشارت اروى لـ شهد وهي تُحملها خطأ ما حدث
- دة غلط سكرتيرتك عشان تاخد حاجة مش حاجتها
سقط فك شهد بصدمة مِما لجم لسانها، لكن يونس لم يصمت، هم لان يرد لكن رنين هاتفها منعه وردها على المُتصل قصداً أغضبه
- ايوة..

واستدارت اروى لتغادر سريعاً، لقد انقذت نفسها، توقفت بعد ان خرجت من مكتبه حين وصل لها صوت والدها، ابعدت هاتفها لتنظر للشاشة بإنزعاج، أيجب ان يكون هو؟، اضطرت ان تُكمِل المكالمة وهي تتجه لخارج الشركة.
بينما في الداخل..

تنهد يونس ونقل بصره لـ شهد، مد يده ليأخذ منها المناديل المستخدمة ليلقي بها في القمامة ثم اخرج مناديل مُبللة، التقط كفها لينظفه بالمناديل فجفلت ونظرت له بذهول، اسرعت لتسحب كفها وهي تقول بخفوت
- هغسلها احسن
اومأ برأسه ونقل تركيزه للأوراق التي نزعتها اروى بفعلتها، بينما ابتعدت شهد وهي تشعر بدقات قلبها التي تحولت لطبول لمجرد لمسه لها.

مساءً، في شقة إسماعيل الأنصاري
كان الجميع يجلس حول السفرة يتناولون طعام العشاء، تحدثت اروى لتُعلن لهم عن قرارها الجديد
- هسافر بكرة
استفسر إسماعيل
- لمين؟ ولية؟
- هحضر فرح ماما، قصدي هخربه
وضحكت، سألتها خديجة بدهشة
- هي هتتجوز تاني؟
- ايوة، بابا قالي النهاردة، عرِف بالصدفة
- وهي معزمتكيش؟
- طبعاً لا، عشان كدة انا هروح
نصحها إسماعيل اثر قلقه عليها.

- مش لازم تروحي يا اروى وتعملي مشاكل ملهاش فايدة
ابتسمت اروى بخبث وهي تقول ببراءة مُصطنعة
- تعرف عني كدة!
لم يناقشها اكثر؛ نظرت خديجة لساعة الحائط وتساءلت
- هو يونس أتأخر لية؟ مش جي؟
اقتربت اروى من خديجة لتُجيب بهمس بجوار اذن الاخيرة
- مشغول ياعيني بتوصيل الست شهد
قال إسماعيل
- اتصلي بيه يا خديجة وحتى لو مش جاي خليه يجي عشان اروى متروحش لوحدها.

نهضت خديجة لتجلب هاتفها وتتصل بـ يونس، اجاب مع محاولتها الثانية، ضربت على صدرها وهي تهتف بذعر
- في المستشفى؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة