قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الثالث

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الثالث

نوفيلا بين شباكها للكاتبة مي علاء الفصل الثالث

توقفت حدقتي اروى على شهد الواقفة بجوار يونس امام العقار التي تسكن فيه، ماذا تفعل هنا؟، بينما أكملت خديجة تقدمها من ابنها بلهفة، ضربت على صدرها بذعر وهي تنظر لذراعه المُضمدة
- ياعيني يابني! اتخيطت؟
عانقت وجنتيه وهي تسأله ببكاء
- انت كويس طيب؟
ابتسم لها وهو يُطمئنها
- اهدي بس، مش حاجة كبيرة الحمدالله
ثم قبّل يدها ومسح دموعها وهو يهمس لها برجاء
- متعيطيش بقى.

تنحنحت شهد من جواره وقالت مُعتذرة بحرج شديد
- اسفة، انا السبب في اللي حصل فـ..
عاتبها وهو يرمقها بنفاذ صبر
- تاني!
عادت لتتقدم اروى منهم بينما سألتهم خديجة
- هو حصل اية؟
- ولاد حرام سرقوا شنطتها وانا جريت وراهم، كان معاه مطوة فعورني وهرب بالشنطة
ضم قبضته بغيظ مع قوله الاخير، فسألتهم
- عملتوا بلاغ طيب؟
ردت شهد
- ايوة، بس الحمدالله موبايلي كان في ايدي، والشنطة مفهاش حاجات مهمة وفلوس مش كتير.

دُهِش يونس حين ظهرت اروى امامه، اندفعت موبخة اياه بغضب، لماذا يُعرِض نفسه للخطر من اجلها؟
- وانت لية تساعدها؟ لية تعرض نفسك للخطر؟
ارتفعا حاجبي يونس وقبل ان يفرق شفتيه ليرد كانت قد نقلت نظراتها المُشتعلة لـ شهد وهي تسألها بفظاظة
- وانتِ بتعملي اية هنا تحت بيته؟ مش كفاية المصيبة اللي جيبتهاله!
امسكت خديجة ذراع اروى ودفعتها بخفة للأمام بينما رمقت يونس بنظرة يفهمها جيداً اثناء قولها.

- اطلعي مع يونس يلا وانا جيالكم
امسك يونس بكفها وجرها خلفه، نظرت هي ليدها المطوقة بكفه، انه يعرف كيف يسيطر عليها، سارت معه بصمت، لن تفرق يديهما من اجل شهد الان.
- تعالي اوصلك للمحطة يا شهد
قالتها خديجة بلطف، فجذبت انتباه شهد، اومأت الاخيرة برأسها وسارت معها.

ترك يونس يدها فور ولوجهما للمصعد الكهربائي، فتراجعت لتستند على الحائط لتصبح مُقابلة له، حدقتيها تُقابل حدقتيه بتصدي، سألته
- كام غرزة؟
- تلاتة
رفعت رأسها قليلاً وهي تقول بشماتة وغيظ خفي
- احسن
رفع زاوية فمه بسخرية ثم قطع اتصال اعينهما المُشتحن لينظر اتجاه الباب بعدم إكتراث.

خرجا من المصعد، توقف لينظر لها بإستنكار حين وجدها تمد أصابعها لتأخذ المفاتيح الظاهرة من جيبه وتسبقه لشقته وتفتحها، علّق بضيق
- ايدي مش مكسورة على فكرة
لم تسمعه، توقفت بجوار الباب حتى دلف ثم لحقت به، جفل بعد جلوسه حين وجدها تقترب منه وتفك أزرار قميصه، دفع يدها هاتِفاً
- بتعملي اية؟
- مش شايف الدم اللي على قميصك؟ فبساعدك عشان..
قاطعها بثبات
- اقدر اقلعه لوحدي، وفي الاوضة مش هنا.

هتفت اروى بسخرية وعدم تصديق
- انت مكسوف مني!
رمقها باستنكار وابتسم دون مرح وهو يقول
- انتِ مش مضمونة
ارتفعا حاجبيها بذهول ثم اخذت تضحك، قالت بتعجب
- المفروض العكس! انت لية واخد دوري وانا واخدة دورك؟
اردفت ببراءة
- متقلقش مني انا آمان، مش هتحرش بيك مثلاً! مش تربيتي
طرقات خديجة على باب الشقة بعد قول اروى منعه من الرد، كتم ضحكته ونهض ليتجه لغرفته، سألته خديجة فور دخولها
- رايح فين؟

- هغيّر لبسي واجي
عرضت عليه والدته
- اجي اساعدك!
رمقهم بنفاذ صبر قبل ان يُغلِق الباب.

صباح اليوم التالي
أصبحت الساعة التاسعة ولم تظهر اروى، لم تطرُق على بابه!؛ فتح باب شقته فوجد بابها يُفتح أيضاً، وضعت كفها على خصرها وهي ترفع حاجبها، قائلة بخفوت مُتداركة الامر
- دة انت طلعت كنت بتتجاهلني فعلاً
فهم ما تقصده، انتبه لحقيبة السفر التي تُمسك بها فنسى الرد على قولها السابق وسألها
- رايحة فين؟
- هسافر
عقد حاجبيه مُتسائلاً
- لية؟
- فرح ماما، التالت.

صاحبت نهاية قولها ضحكة ساخرة؛ خرج من شقته وقد تبدلت نظرته لتصبح جدية ومُنزعجة!
- ومقولتليش لية؟ كنت سافرت معاكِ بدل ما تروحي لوحدِك
ابتسمت، قوله ذكرها بأيامهما الماضية، صداقتهما التي أفسدتها هي بإعترافها بحبها له، رغم عدم ندمها على مشاعرها اتجاهه إلا انها حزينة لبُعدهما؛ قالت وهي تلويه ظهرها لتُغلق باب شقتها بالمفتاح
- رهف هناك، هبقى معاها
قال مؤكِداً
- قولتي لـ بابا اكيد
- امبارح.

غمغم وعاد ليسألها
- طلبتي أوبر؟
- ايوة
تقدم وأخذ حقيبتها ليحملها فهتفت بلهفة
- هتوصلني؟، ألغي...
قاطعها بنبرة قوية وهو ينظر لها
- لا طبعاً
اكمل وهو يتجه للمصعد
- هركبِك أوبر وامشي
تهكمت وهي تلحق به بسخط
- لا كتر خيرك تعبت
ولجا للمصعد، نظرت له بطرف عينيها وهي تنبهه، بل تُحذره
- متاخدش راحتك اوي في غيابي
نظر لها في سخرية، فأضافت
- متجيبهمش الشقة عندك
اتسعت مقلتيه وهو يهتف في إستنكار.

- اية اللي بتقوليه دة! عارفة لو حد سمع كلمتك هيفتكر اية؟
حكت جبينها وهي تُصحح قولها بحماقة اكثر
- متعملش السهرة عندك في البيت، متجبش بنات
ضرب كفيه ببعضهما بنفاذ صبر
- يخربيت كدة، هتجيبلنا بلوس الآداب
خرج من المصعد وهي خلفه، توقف مُستديراً لها، سألها بضيق
- وتعالي هنا، من امتى بجيب بنات عندي في الشقة؟
- نسيت بتاعة اخر مرة!
- ودي كانت اول مرة وانتِ متعرفيش سبب مجيّها
ابتسمت بإستفزاز وهي ترد.

- انت مش مضمون، ممكن تجيبها تاني في غيابي
ارتفعا حاجبيه بذهول، سخر وهو يضحك دون مرح
- في غيابِك!، كنتِ مراتي وانا معرفش!
لمعت حدقتيها بخبث وهي تهمس له بحماس
- قول يارب
ثم تخطته، انخفضا كتفيه وهو يتنهد بنفاذ صبر، ثم لحق بها.
وصلت السيارة التي طلبتها، بعد ان صعدت طلب منها
- خلي بالِك من نفسِك وطمنيني لما توصلي
- قلقان عليا للدرجاتي؟

ادار حدقتيه بضجر قبل ان يُغلِق الباب بوجهها ويبتعد، فابتسمت بإستمتاع وعينيها مُعلقة معه اثناء تحرك السيارة.

في الشركة
نهضت شهد فور رؤيتها لإقتراب يونس منها، تفحصته بإهتمام.
- صباح الخير
القى نظرة سريعة عليها وهو يرد
- صباح النور
قالت سريعاً قبل ان يُدلف لغرفة مكتبه
- القهوة هتبقى جاهزة خلال دقايق
منحها ابتسامة بجانب إماءة رأسه.
وخلال دقائق، دلفت له، توقفت امامه بعد ان وضعت فنجان القهوة على المكتب، سألته بقلق بدى على صوتها
- الجرح عامل اية؟ واجعك؟
رفع رأسها ناظراً لها بتعاطف، قال بود وهو يبتسم.

- انا كويس والجرح كويس، فمتفكريش كتير
ضمت كفيها لبعضهما وهي تعتذر
- اسف بجد علـ..
قاطعها بحزم مزيف
- لو اتأسفتي تاني هطردِك
اتسعت مقلتيها وهي تكتم فمها بكفها، فضحك وقال برجاء
- ياريت توقفي اعتذاراتك الكتير دي، عشان تعبت
- حاضر
قالتها بخفوت وهي تُبعِد كفها، استأذنت لتغادر، قبل ان تصل للباب سمعته وهو يُعلِق، بدى وكأنه يُحدِث نفسه
- بريئة اوي
توقفت للحظة ناظرة له دون ان يلاحظ، ابتسمت وخرجت.

رفع رأسه لينظر للباب اثر مُغادرتها، تنهد وقد شرد فِكرُه.

مساءً
ترجلت شهد من الحافلة، توقفت امام المقهى التي اتفقت ان تُقابل يونس فيه، فقد طلبت ان تعزمه لتعبر عن إمتنانها لِم فعله معها، رفض في البداية لكنها اصرت فوافق.
همت للدخول بعد ان رأته جالس في الداخل مُنتظرها، توقفت امامه وهي تقول بقلق
- أتأخرت عليك!
- لسة واصل
تمتمت براحة وهي تجلس في المقعد المُقابل له
- طب كويس.

حثته بأن يختار مايُريده، اتى النادل وأخذ طلباتهم ثم ظلت صامتة، ليست بارعة في التطرق لأحاديث مع الآخرين، لذا بادر هو في الحديث
- قوليلي بقى، تعرفي بابا منين! ازاي اختارِك؟
- بابا الله يرحمه كان شغال في الشركة دي قبل تلت سنين، عم إسماعيل كتر خيره كان بيسأل عليا انا وماما من فترة للتانية لمدة التلت سنين، وكان عارف اني بدور على شغل الفترة دي فقدملي العرض دة
غمغم يونس بتفهم وعلّق بخفوت.

- بيحب يعمل خير كتير وكله على راسي
عقدت شهد حاجبيها بعدم فهم
- مش فاهمة!
تطرق لموضوع اخر..
- انتِ لسة متخرجة من سنة، صح؟
- ايوة
وضع النادل طلباتهم على الطاولة وغادر، عاد يونس ليسألها بفضول
- كنتِ سمعتي عني قبل ما تيجي الشغل؟
اجابته بصراحة
- لا، اصلاً اتصدمت لما لقيتك، افتكرت ان عم إسماعيل هو الماسك الشركة، بس..
توقفت عن إكمال ما ارادت قوله بتردد، عقد حاجبيه بحيرة
- بس اية؟
قالت بخفوت مُتردد.

- سمعت جوة الشركة
- سمعتي اية؟
هربت عينيها، هل كان يجب ان تقول ذلك؟، ابتسم، انه يعرف ما يتداول عنه، اعاد ظهره للخلف بأريحية وواجهها بِم يُقال عنه بكل سلاسة
- اني صايع ومفيش سكرتيرة مبمشيش معاها؟
اتسعت مقلتيها بصدمة، لقد سمعت الجزء الاول اما الثاني فهو من اعلمها به الان، ضحك وعاد ليقترب بجسده من الطاولة ليشرح لها.

- بصي، لما النعمة تيجي لعندك مترفصهاش، انا ماشي على المبدأ دة، واحدة مُعجبة بيا وهي مُزة اقولها لا! ميصحش
انه صريح اكثر من اللازم معها، احمر وجهها بحرج وخجل، انهما ليسا صديقين حتى يتحدث معها براحة وصراحة هكذا، التقطت مشروبها لتحتسي منه القليل بتوتر ودون تركيز، جذب عينيها له من جديد حين قال مُطمأناً اياها
- متخافيش مني، ومتقلقيش على نفسك، انتِ غير.

انتِ غير!، لماذا يتلاعب بكلماته ويختار تلك التي تحمل اكثر من معنى يشوشها، ازدردت لُعابها باضطراب كإبتسامتها ثم اشاحت بوجهها بعيداً.
مر بقية الوقت في احاديث جانبية، طريقة حديثه أشعرتها وكأنهما مُقربين فهو يتحدث براحة ودون تكلُف، انه ماهر في الحديث مع النساء، يستطع ان يصادقهم في دقيقتين.
رفض ان تدفع هي وأصر على ذلك، خرجا من المقهى وهي تعترض
- بس انا اللي عزماك
هز كتفيه بلامبالاة
- ولو.

اضاف بنزاهة وهو يفتح لها باب المقهى لتخرج قبلُه
- مينفعش اخلي بنت تدفع وهي معايا
ابتسمت وقد تنظر له بإعجاب اثناء سيره بجوارها، تعترف ان شخصيته رائعة، لقد جعل قلبها ينبض له بمهارة.
- خلاص اعزمك على حاجة تانية
قالتها وهي تتوقف فتوقف هو أيضاً ونظر لها، إبتسم قائلاً
- اعزميني وانا اللي هدفع برضه
ضحكت وقالت وهي تنظر للطريق
- خلاص نروّح احسن
- ماشي يلـ...

تلاشت بقية حروفه حين رأى شهد تهم بعبور الشارع بإهمال، دون ان تلاحظ اقتراب سيارة منها، اسرع ليقبض على ذراعها ويجذبها للخلف، وبخها بخشونة
- فتحي عينيكِ شوية
صُدِمت من رد فعله، وتسارعت دقات قلبها حين انزل كفه المُمسِك بذراعها ليصل لكفها ويضمه، عبر الطريق وهي معه، ترك كفها حين وصل لسيارته.

ظلت واقفة كالبلهاء للحظات اثر إمساكه ليدها، تحاول استيعاب تلك اللحظة والمشاعر التي غمرتها، مشاعر جديدة وممتعة، شعرت بأن قلبها سيتوقف من مجرد إمساكه ليدها، ماذا يحدث لها؟، نظرت له من بعيد، تعتقد انها أصبحت مُعجبة به بحق، انه مُختلف عن الاخرين التي أُعجِبت بهم في جميع مراحل حياتها، تعتقد ان قلبها اصبح جاد في هذا الامر!

بعد اسبوع، في شقة إسماعيل الأنصاري
وضعت خديجة طبق البسبوسة على الطاولة وهي تتذمر
- انا مش عارفة لية اروى قاعدة كل دة هناك؟ مش الفرح كان من يومين؟ مرجعتش لية!
علّق يونس
- قاعدة مع رهف
أكملت خديجة بضيق
- دة حتى لما كلمتها قبل الفرح كانت بترد بإختصار، ومقالتش حاجة عن فرح امها
قال إسماعيل بصبر
- لما ترجع هتقول، اصبري بس عليها
تنهدت خديجة بتثاقل وهي تفكر بقلق.

- خايفة لتكون خرّبت الدنيا هناك وامها مسكتتش
تساءل إسماعيل
- مش هي كلمتِك وطمنتِك؟
- مكلمتنيش من يومين، من بعد الفرح للان
هتف يونس بذهول
- بجد!
ردت خديجة بتثاقل
- اومال انا مضايقة وقلقانة لية؟
اعلن هاتفه عن وصول رسالة، اخرج هاتفه لينظر للرسالة التي كانت مُرسلة من رهف بالإنجليزية
- يونس، هل اروى بخير؟
عقد حاجبيه وشرد، هل عادت ولم تُخبِر احد!، نهض قائلاً
- انا همشي
سأله إسماعيل
- رايح فين؟

سألته خديجة بشيء من الاعتراض
- مش هتبات هنا؟
- مش كفاية الاسبوع اللي قضيته معاكم!
قالها بضجر وهو يتجه للباب، علّقت خديجة
- اروى لسة مرجعتش
- قصدِك المراقبة بتاعتي مرجعتش
رمقته بعتاب وكأنه مُخطيء!، قال إسماعيل
- لو عرفت حاجة عن اروى طمن أُمك
- حاضر
فور خروجه من العقار اتصل بـ رهف التي رحبت به اولاً
- عامل اية يا عم يونس
- هي اروى رجعت؟
سألها بتعجل دون ان يسمع قولها السابق، فضحكت وكررت ما قالته.

- طب بقولك عامل اية
مازال مُستعجل..
- الحمدالله، ها؟
- اروى رجعت النهاردة الصبح، تقريباً وصلت مصر على العصر كدة، هي مقالتلكمش؟
- لا
غمغمت رهف بتعاطف وهي ترُد
- تلاقيها مضايقة من الحصل
- اية الحصل؟
صمتت رهف بتردد، قررت ان تهرب من الإجابة
- هي تبقى تحكي وتقول، بس تبقى تطمن عليها..
تراجعت سريعاً عن قولها الاخير
- ولا لا، اعمل كأنك متعرفش انها رجعت.

لم يُصِر على اخذ الكلام منها، فهو يعرف ان رهف مُخلِصة لـ اروى اكثر منه حتى إن كانا اصدقاء طفولة.
- ماشي، سلام
انهى المكالمة واتجه لسيارته لينطلق بها لمنزله؛ وصل للطابق المطلوب وتوقف امام شقته لكن وجهه مُقابِل لشقة اروى، أيفعل ما قالته رهف ام يتخطاه ويطرق على بابها! أم يتصل بوالدته؟، ظل واقفاً لمدة قاربت العشر دقائق يفكر بحيرة، قرر في النهاية ان يتركها ولا يقتحم خصوصيتها.

في منزل شهد
- بقينا صحاب، شبه صُحاب
قالتها شهد لوالدتها بسعادة انعكست على حدقتيها، نظرت لها والدتها بقلق، فأسرعت شهد لتمدح به
- يونس طلع كويس اوي، على الاقل معايا، مبيعملش حركات صايعة ومبيحاولش يتطاول عليا وبيعاملني بحدود وبيحترمني، ببقى مرتاحة وانا بتكلم معاه، فهو شخصية حلوة اوي فأرمي كل الوحش اللي قولتك عليه عنه قبل كدة
تنهدت والدتها بعدم راحة، شاركتها مخاوفها.

- خايفة ليأذيكِ، ليكون دة اسلوبه اصلا مع كل البنات وانتِ فاكراه بيعاملك بطريقة مميزة
- مبقولش بيعاملني بطريقة مميزة، بس ممكن المختلف بيني وبين البنات التانين انه بيعاملني حسب ما احب انا وبحدودي انا، واعتقد اني مختلفة بالنسباله عن التانين، بس كصحاب قصدي
اضاقت والدتها حدقتيها وهي تداهمها بشكوكها
- وانتِ؟
ارتفعا حاجبي شهد بعدم فهم
- وانا!
- انتِ مُعجبة بيه.

صارحتها والدتها بالحقيقة التي تشعر بها، لم تُنكِر شهد لكنها طمئنت والدتها
- متقلقيش من الناحية دي انا اقدر اتحكم بمشاعري
اندفعت والدتها مُستنكرة
- دة كلام في الهوا، محدش يقدر يتحكم في قلبه انه يحب دة ولا ميحبهوش
وضعت كفها على خصرها مُتسائلة بعدم اقتناع
- واية الصحوبية اللي اتعملت في اسبوع ونص دي!
زفرت شهد بضيق وهي تتنهد، قالت قبل ان تتجه لغرفتها
- عادي يا ماما عادي.

صباح يوم جديد
ولج يونس للمصعد وضغط على الزر الذي يحمل رقم الطابق الأرضي، قبل ان يُغلق الباب تماماً وضعت اروى ذراعها ليُفتح من جديد، نظر لها بدهشة وهي تقول بنبرة مليئة بالحيوية
- جووود مورنينج يونس باشا
والابتسامة تكاد تصل لاذنيها، دلفت للداخل وقالت بثقة
- وحشتك اكيد الاسبوع دة
لم يُعير قولها اهتمام، سألها بهدوء
- رجعتي امتى؟
- امبارح بليل
انها تكذب!، لم يُعلِق بينما اخبرته اروى.

- اتصلت بطنط خديجة النهاردة الصبح
رد بإقتضاب
- كويس، كانت قلقانة
هزت رأسها وردت
- هروح لها النهاردة بعد الشُغل اديها الأخبار
ثم ضحكت بسخرية دون سبب واضح له، عادت لتقول
- تعرف ان العريس اصغر منها بعشر سنين! خمسة وتلاتين
ضحكت مرة اخرى بقوة واضافت بتفكير وهي تذهب بحدقتيها بعيداً
- كان ممكن اغويه
جفلت حين زمجر بأسمها بخشونة وكأنه يُحذرها
- اروى
نظرت له بحذر ثم ابتسمت وهي تُتمتم
- بهزر.

استدار ناظراً لها بجدية، قال بصرامة
- متهزريش بالكلام دة لان لو حد سمعه هياخد عنك فكرة مش تمام
حركت كتفيها بلامُبالاة وهي ترُد
- ما هُما ماخدينها فمش مشكلة
اتسعت مقلتيه قليلاً وهو يسألها بنبرة لامست أعتاب الحدة
- هو انتِ بتظهريها لحد غيري؟!
لمعت حدقتيها وهي تتأكد بلهفة
- مش عايزني ابينها لغيرك! حاضر
اسرع ليوضح قصده بصبر.

- متفهمنيش غلط، قصدي ان انا عارفك وعارف معدنِك بس غيري لا، او اي حد يسمع عن تصرفاتك هيفكر فيكِ ازاي؟
قاطعته بعدم اكتراث حقيقي بينما أظهرت عكسه مع نهاية قولها
- مش مهم هيفكروا فيا اية، انت المهم عندي
حدق بها مُتنهداً، تركها وخرج من المصعد وهو يهز رأسه بإستياء، فلا فائدة من الحديث معها.

في الشركة
سرَّعت شهد من خطواتها لتلحق المصعد قبل ان يُغلق بابه، ذُهِلت حين رأت اروى داخل المصعد بجوار يونس لكنها تخطت ذلك ووقفت بجانبهم.
- صباح الخير يا يونس
عقدت اروى حاجبيها بإستنكار بسبب ذِكرها لأسمه دون لقب؛ رد يونس بسلاسة
- صباح النور، عاملة اية النهاردة
- الحمدالله كويسة، وانت؟
قبل ان يرُد يونس قالت اروى بدلع ساخر، انها تسخر من شهد
- ومفيش صباح الخير يا اروى!

استدارت لها شهد وقالت بلطف مُزيف
- صباح الخير يا اروى
تجهم وجه اروى وهي ترُد دون نفس
- صباح الزفت
وسبقتهم لخارج المصعد ببرود، فألقت شهد نظرة سريعة على يونس قبل ان يخرُجا من المصعد ويذهب كل شخص لعمله، كبتت شهد غيظها من اروى بصعوبة.

مرت ساعات
رفعت اروى عينيها بتلقائية للأمام فوجدت إسماعيل يقترب منها، متى وصل؟، تهللت أساريرها وهي تُرحب به اثناء نهوضها
- يا اهلا يا اهلا بحبيب قلبي
ابتسم بدوره وعانقها قائلاً
- وحشتيني الاسبوع دة
رحب به من حوله فرد عليهم، تساءلت اروى بحذر
- بتعمل اية هنا؟ في حاجة؟
ابتسم وهو يُمازحها
- تفتيش مُفاجيء
ابتسمت وسألته بلهفة
- صحيح شربت حاجة؟ اطلبلك!
- شربت متتعبيش نفسك.

اومأت برأسها، بينما قال إسماعيل
- همشي بقى، قولت اطمن عليكِ واشوفك
ربتت على كفه وهي تشكره
- تسلم
نبهها وهو يهم للمغادرة
- متتأخريش على العشا النهاردة
- عنيا
رافقته للأسفل، ثم عادت لتأخذ ملفات من مكتبها وتتجه بها لمكتب يونس.
فور رؤية شهد لـ اروى من بعيد التقطت الهاتف لتُخبر يونس عن حضورها؛ تقابلت عينيهما معاً، ابتسمت اروى بهزء وهي تسير امام شهد التي قالت بإنتصار
- قولت لـ أستاذ يونس ومستنيكِ.

ردت اروى برضا
- حلو عملالي حساب قبل ما اوصل
توقفت قبل ان تبرم مقبض الباب لتلتفت وتنظر لـ شهد بسخرية وهي تُعلِّق
- بقى دلوقتي أستاذ يونس!
لم تنتظر رد، فعيني شهد التي اشتعلت كان افضل رد وانتصار.
- حقيرة
همست بها شهد بكره شديد وهي تمسك بكوب الماء بحدة.
- هتيجي تتعشا عند اهلك النهاردة؟
قالتها اروى وهي تضع الملف امام يونس على المكتب، رد عليها مؤكداً
- ايوة، عشان في ضيفة جاية
- بجد! مين؟

فتح الملف ونظر فيه بصمت، هز رأسه قائلاً بجدية
- بعد كدة تسيبي الملفات المهمة زي دي مع شهد لما تاخدي اجازة
- هبقى اجيبه ليك بنفسي
ثم التفتت مُتجهة للباب، اخبرها قبل ان تصل للاخير
- هنروح سوا
توقفت تنظر اه وهي تلويه ظهرها، قالت بتهكم
- تعليمات عمو اسماعيل.

مساءً
اخذت اروى من يونس مُفتاح السيارة لتنتظره بداخلها، بعد دقائق اتى لكن شهد معه!، هل سيوصلها؟ لا وقت لهذا، اخرجت رأسها من النافذة لتهتف بإستنكار
- بتعمل معاك اية دي! متقولش انك هتوصلها في طريقنا!
رد وهو يلتف حول السيارة بينما شهد جلست في المقعد الخلفي
- هتيجي معانا
اتسعت مقلتي اروى بصدمة وهي تتساءل بعدم تصديق
- معانا! فين! بيتك! مستحيل.

صاحبت قولها الاخير ضحكة قصيرة ساخرة، اخذ مقعده خلف المقود وهو يؤكد ما قاله
- بابا عزمها
- نعم!، لية ان شاء الله؟
استدارت بانفعال لتنظر لـ شهد تسألها بفظاظة
- وانتِ بتروحي بيت اي حد كدة؟
رمقها يونس بحدة، ثم شرح لها علاقة والد شهد ووالده، رفعت رأسها بعدم اقتناع وقالت بصوت مُرتفع
- ولو.

انتهى الحديث هنا، لم يرد يونس حتى لا يفتح لها مجال النقاش، اما شهد كانت تحترق من الغيظ بداخلها كالعادة لكنها لم ترد، لا تُريد ان يراها يونس تتحدث كالأفاعي مثلما ترى هي اروى، انها شخصية هادئة بطبعها وتُفضل ان تُصبح بعيدة عن المشاكل قدر المُستطاع لكن اروى تُصِر على جرها لذلك الطريق المُناقض لشخصيتها.

صعدا معاً، فتحت لهم خديجة ورحبت بهم، اخذت اروى بين أحضانها تُعانقها بإشتياق، تابعت شهد ذلك بذهول لم تُظهره، كيف علاقتهم جيدة لهذه الدرجة؟ هل هي حقاً جارتهم!
- أهلاً بيكِ يا شهد
قالتها خديجة مع إبتسامة سمحة بعد ان تركت اروى، ابتسمت شهد وهي ترد بتهذيب
- ازاي حضرتك عاملة اية؟
- الحمدالله يا حبيبتي، اتفضلي متتكسفيش، عمك اسماعيل جوة مستنينا
سخرت اروى بخفوت
- وش كسوف اوي.

رمقتها خديجة بعتاب بينما لم تهتم اروى ودلفت للداخل، نهض اسماعيل مُرحباً بـ شهد
- أهلاً يا حبيبتي نورتي، اتفضلي
صافحته شهد بحرارة
- ملحقتش الصبح اشكرك على وقفتك جنبنا، شكراً بجد لحضرتك مش هنسى..
قاطعها وهو يُربت على كفها بحنان مُعاتباً
- الشكر لله، بس متقوليش كدة دة انتِ زي بنتي..
ابتسمت بإمتنان، قاطعت اروى هذه اللحظة المؤثرة
- انا جعانة مش هناكل بقى!
نظر لها اسماعيل وضحك قائلاً
- همك بطنك وبس.

- طبعا اهم منها
نظرت لها شهد، انها تقصدها، دعتهم خديجة للسفرة، صفّر يونس بإعجاب قبل ان يُعلِّق
- دة مش عشا دة غدا
ضحكت خديجة ؛ كادت اروى ان تصل للكرسي المجاور لـ يونس لكن حين وجدته يدعو شهد للجلوس فيه ولم تُمانع غضبت.
- تعالي اقعدي جمبي يا رورو
قالتها خديجة حين لاحظت وقوفها في الخلف، اومأت اروى برأسها وتقدمت لتجلس بجوارها، فأصبحت مُقابلة لهما، يبدوان كثنائي من مكانهما.
- مدي ايديك متتكسفيش.

قالها اسماعيل لـ شهد التي اومأت برأسها بخجل، اخذ يونس طبقها ليملأه لها بمُختلف الأصناف لكن في حين كان يأخذ من شيء كان يجد اروى تُعيقه بأخذ ما في مغرفته، نظر لها يونس بنفاذ صبر، فرَّقصت حاجبيها بإستفزاز، عاد للخلف وكاد ان يقول شيء لكنها سبقته بقولها الموجه لـ شهد.
- اية ايدك انكسرت؟ ما تغرفي لنفسك وبلاش تمثيل
نكزتها خديجة وهي تُعاتبها بنظراتها، فأضافت اروى بضيق
- مبحبش الدلع دة.

رفعت شهد نظراتها الغاضبة لـ اروى، هل يجب ان ترد ام تصمت وتحترم وجود الاكبر حولها!، رمقها اسماعيل بحدة مُزمجراً بأسمها
- اروى!
نظرت له اروى وقالت بانفعال
- مش معايا حق!
جذبتها خديجة بخفة لها وهمست في اذنها
- عيب يا اروى، ومش قدام عمَّك اسماعيل
ردت اروى بصون مرتفع
- هو انا بقول حاجة غلط!
ضمت شهد قبضتها بغضب وحرج من هذا الموقف، نهضت مُستأذنة
- بستأذنكم..

اسرع يونس لينهض ناظراً لوالده، بينما قالت اروى بوقاحة
- ايوة امشي مش عايزينك
جفل الجميع حين ضرب اسماعيل على الطاولة بكفه، حركّت اروى حدقتيها ببطء لتنظر للأخير، انه غاضب، استيقظت من الهراء التي كانت تفعله، غيظها من رؤية يونس و شهد بجوار بعضهما سيطر عليها رغماً عنها مما جعلها تتجاهل وجود عمها اسماعيل واحترامه، قال بصرامة
- أجري على اوضتك حالاً
- انا اسفة.

اعتذرت بحرج صادق، كادت ان تُبرر فعلتها لكنه لم يسمح لها، فقد قال مُنهياً الحديث
- مش هعيد كلامي يا اروى
ثم نظر لـ شهد وطلب منها
- اقعدي يا بنتي اقعدي
لم ترُّده شهد وفعلت ما طلبه احتراماً له، بينما ظل يونس واقفاً ينظر لـ اروى التي بدى عليها التخبط والتردد، حتى ان انفها أصحبت حمراء، هل ستبكي!، بادر ليقول لها
- اروى، تعالي معايا
مع نهاية قولة كانت قد نهضت اروى وقالت بكبرياء.

- شكل وجودي مش مرغوب فيه، فأنا هرّوح بيتي
انهت جملتها وابتعدت مُتجهة للباب، لم تكترث لنداء خديجة، توقفت للحظة عند الباب حين سمعت قول اسماعيل لـ خديجة
- سيبيها
سالت دموعها لسماعها لقوله، فتحت الباب وغادرت سريعاً، نظرت له خديجة بعتاب كقولها
- انت عارف ان مش قصدها يا اسماعيل
نظر لزوجته بحدة قائلاً
- دلعتها لدرجة انها مبقتش تحترم وجودي
تنهد وقال بحزم
- يلا اقعدوا نكمل اكل.

نظرت شهد لطبقها وبداخلها تشعر بالشماتة، انها تستحق، هكذا عاد لها حقها، بينما حك يونس جبينه وهو يشعر بالضيق، استدار مُتجهاً للباب فأوقفه والده
- رايح فين؟
رد دون ان يلتفت
- هلحقها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة