رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل السادس والعشرون
قامة طويلة ولا شيء يظهر من وجهه عدى الجزء الأدنى من فكه جراء قلنسوة قميصه الأسود الذي يرتديه ويدس يديه في جيبه.
أين رأيتُ هذا الرجل؟ أمام واجهة محل السيد هاريسون؟ نعم إنه هو!
طرفت بعيناي بترقب وحيرة و وجدت أنه يتحتم على المغادرة والابتعاد عن طريقه فلا يبدو بأنه ينوي التحرك أو افساح الطريق حتى!
ولكن.
لماذا شعرت بثقل غريب في قدمي! لماذا أعجز عن الحركة؟
هل أبالغ أم أنني أشعر بالارتياب والبرودة لمجرد الوقوف أمامه! هل. يحدق إلي؟ ل. لا أدري!
انتفضت بذعر ما ان شعرت بذراع تحيط بكتفي تلاها صوت مرح لعوب: ها أنتِ ذا تثيرين المتاعب مُجدداً آنستي!
ا. انه هذا المزعج الوقح مجدداً!
نظرت إليه بحزم وغضب أنوي دفعه بعيداً عني ولكن لساني قد انعقد فور ان لمحت التعبير المترع بالتحذير والوعيد تجاه الرجل الواقف أمامي.! بل أن عيناه البنية قد لمعت ببريق ينذر برغبته الواضحة في.
في التنفيس عن شيء أثار في نفسي الذعر!
أعدت ناظري إلى الأمام بتشتت وبقيت في مكاني جاهلة للخطوة التالية، لماذا ظهر هذا الحارس فجأة؟ أعلم أن رجال أبي في الأرجاء ولكن لماذا قد يتدخل الآن فقط ويعلن وجوده؟ ثم هذا الرجل الواقف أمامي. هل يعرفه؟
انتابني الاستغراب والقلق عندما ضغطت أنامله على كتفي وقد شعرت بالرجفة في يده!
ما الذي. يحدث الآن!
رفعت رأسي مجدداً أحدق إليه بترقب وعدم فهم ولكنه بقي يحدق في الرجل أمامه بعين حادة، لمحت فكه الذي تصلب بوضوح حتى طرفت بعيناي بتدارك عندما رأيت ذو القلنسوة يتحرك بعرجة خفيفة وسار بخطوات هادئة جداً، تجاوز موقعي حتى أكمل طريقه فتابعته بعيناي باستغراب وشيء من الحذر والتوجس ينتابني.
لهذا الرجل حضور وهالة غريبة! لا أدري ما الذي ينتابني تحديداً ولكنني أدرك فقط أنني. لا أشعر بالراحة الآن!
تفاجأت بالحارس الذي استمر بالضغط على كتفي فتأوهت مبتعدة عنه فوراً أمرر يدي على كتفي أنظر إليه بارتياب! احكم قبضتيه للحظة قبل أن اتفاجأ به يعض على شفته والغضب قد اكتسح ملامحه بوضوح.
هل هو. بخير!
كدت أتساءل لولا ان بقيت في مكاني مشتتة حين رفع يمناه نحو عنقه يمررها عليه وقد بدى يتنفس بصوت مسموع فجأة.
ل. لا يبدو على ما يرام!
اقتربت بتردد وبينما أفعل القيت نظرة نحو الرجل ذو القلنسوة الذي انعطف في نهاية الطريق واختفى عن ناظري، وليت اهتمامي الى الحارس الذي رأيته يرخى ربطة عنقه واحنى ظهره قليلاً وقد ارتفع صوت أنفاسه أكثر!
سألته بريبة: ما خطبك؟ تعاني من مشكلة صحية؟
لقد بدأ بالتنفس من خلال فمه! ازداد نسق سرعة أنفاسه وانحنى أكثر حتى تفاجأت به يجثو على كلتا ركبتيه وما جعل البرودة تسري في أطراف جسدي هو الغضب الذي يأبى التلاشي وقد برز السخط على وجهه أكثر بينما يجز على أسنانه!
كما لو. يكاد يختنق!
نظرت من حولي بسرعة بقلق وتوتر، قلت له فوراً بذعر: سأوقف سيارة أجرة عليك الذهاب إلى المشفى حالاً.
خطوت خطوة واحدة فقط حتى لمحت ذلك الرجل الضخم الذي ضربته في آخر مرة على مؤخرة رأسه!، شعرت بالراحة ما ان اقبل نحوي فأسرعت أقول له بإرتباك: أسرع زميلك لا يبدو بخير! هل لديه أي مشاكل صحية؟ عليه ان ي.
أنا. بخير
قالَها بصوت مبحوح متهدج بشدة.
مرر يده على عنقه وهو يقف مترنحاً في اللحظة التي وصل فيها الضخم ليسنده وقد قال بصوته الخشن بهدوء: يُمكنك الصمود؟ السيارة قريبة.
أومأ له وبدى وكأنه قد استعاد أنفاسه التي كان يجاهد ليلتقطها للتو!
رفعت يدي بتلقائية نحو صدري وبقيت واقفة بعدم فهم.
الرجل ذو القلنسوة. وجوده لم يكن صدفة! اليس كذلك؟ وظهور هذا الحارس والحالة الغريبة التي تعتريه. هل يوجد أي رابط بينهما؟
من يكون!
بل. من يكون كلاهما تحديداً؟
عقدت حاجباي ونظرت إليه بينما ينجلي شحوب وجهه وقد مرر يده في شعره للخلف يأخذ نفساً عميقاً حتى تساءلت: من أنت!
رمقني بهدوء فأعقبت أنفي برأسي بتشتت: لماذا يتجاوز أبي تصرفاتك! لماذا أنتَ تحديداً من يراقب في الأرجاء؟ وجود ذلك الرجل لم يكن صدفة اليس كذلك؟ ما الذي يقلق أبي منه أو من الذي على الحذر منه! إلى متى سيلتزم الجميع الصمت أنا لا أفهم شيئاً!
اعتدل وأبعد يد زميله عنه بهدوء، حتى قال له يرسم ابتسامة شاحبة بينما يحدثه: اسبقني سأتبعك بعد لحظات.
سأله الضخم بِجدية: إن كنت تنوي التهور والثرثرة فكن متأهباً لأي عقاب قد تناله. لا أحد سيكون متساهلاً معك، أنت تعرف الأوامر جيداً وتعلم ضريبة التفوه بحرف واحد.
اقتربت بغيظ من هذا الضخم وقلت أدفع صدره بإنزعاج: لا تُهدده ودعه يتحدث! وأنت أيضاً أخبرني حالاً بما تعرفه وإلا استكملت توجيه الضربات المتفرقة إليك.
ولكنه أخفض ناظره والتزم الصمت تماماً، حتى نظر إلى الأخر وقال: سأكونُ في انتظارك.
ابتعد بِخطى هادئة متزنة وعبر الطريق فأعدت ناظري إلى من أمسك بربطة عنقه في يده ودسها في جيبه قبل أن يرفع رأسه يحركها يميناً وشمالاً بينما يُغمض عَينيه.
تفاجأ بقدمي التي ركلت ساقه وقد نهرته بحزم: إن كنت تنوي زيادة فضولي وقلقي فأنا أحذرك الآن أن تطبق فمك وحسب.
امتعض يعقد حاجبيه بعدم رضى: كل ضربة أو أذىً جسدي أتعرض له سيكلف والدك نقوداً إضافية لذا حذاري أن يُفلس بسببك.
تكتفت بجدية: ما اسمك؟ من أنت تحديداً؟ لماذا يبدو أبي كما لو يعاملك معاملة خاصة؟ لماذا أنت الحارس المدلل بحق الإله! تحدث!
ارتخت ملامحه قليلاً ورسم ابتسامة عابثة: مهتمة بي إلى هذا الحَد آنستي؟
قلّص المسافة واقترب يضع يده اليسرى في جيبه بينما تفاجأت بسبابة يمناه التي استقرت أسفل عيني تحديداً على شامتي وقد همس يحدق إلى بتمعن: عذراً ولكنني أفضل النساء الشقراوات بقامة طويلة وتضاريس أنثوية صارخة، لستِ نوعي المفضل.
شعرت بالغيظ الشديد وقد رفعت يدي أمسك بسبابته بعنف قبل أن أبعده بحدة: عزائي الشديد لهن، كما وشاكرة على ولادتي بمعايير تنافي ذوقك الرفيع، على كل حال لا تجرؤ على لمسي أيها الوقح.
اتسعت ابتسامته العابثة وبدى غريباً متحمساً بينما تلمع عينيه البنية ببريق ماكر: ولكن يوجد من لا تترددين في لمسه وتعدي مساحته الخاصة اليس كذلك؟
ضاقت عيناي ولويت شفتي بإشمئزاز: إلى أي مدى تراقب تفاصيل يومياتي!
أردفتُ بإزدراء: أخبرني ما اسمك! بماذا يُناديك من حولك؟ ما الاسم الذي اختاره والداك أسرع.
أمال برأسه لليمين قليلاً وحدق إلى بتمعن للحظات قبل أن يقول بإيجاز: هذا سؤال حري بكِ أن توجهيه إلى والدك.
هذا الوغد الكريه!
علي كل حال يبدو لي أنه يعلم الكثير ويتواجد في الأرجاء معظم الوقت، لا أدري ما الذي يدفع أبي لكل هذا الحذر وأعلم جيداً أنه قادر على التعامل مع باتريك بطريقة أقل تعقيداً بكثير. ما الذي يَخشى منه؟ من ممن حولي لا يثق أبي به؟ هل الرجل الذي ظهر للتو وغادر بكل هدوء. له علاقة بمخاوف أبي؟
كورت قبضتي بإنزعاج شديد ونظرت إليه بهدوء والتزمت الصمت تماماً، بادلني النظرات بثقة قبل أن يستدير ولوح بيده: إلى اللقاء.
بقيت في مكاني أنظر إليه بينما يخطو مبتعداً ولكنه سرعان ما توقف والتفت ينظر إلي.
سألته بحدة: ماذا!
رسم ابتسامة هادئة على ثغره وبدت عيناه مترعة برغبة عارمة تنتابه في الاستمتاع وهو يقول بكلمات بطيئة ماكرة: سأسدي لكِ معروفاً.
عقدت حاجباي باستغراب فأضاف بكلمات أثارت في نفسي الريبة بينما يغمز بفتور: كيف قد يضعك السيد لارز أمام الأمر الواقع يا ترى؟
هاه؟
أعقب بثقة وقد اتسعت ابتسامته بمكر: لن يرفض طلباً لِعمه أبداً، يبدو لي شديد الطاعة والاحترام له! حتى لو كلفه ذلك تنفيذ طلباته التي. لا تتماشى مع رغبته الخاصة!
ارتجف كتفاي ووجدت نفسي أقترب منه أتساءل بعدم استيعاب: أنت لا تشير إلى. موضوع المواعدة صَحيح؟
أردفت بتوتر وعصبية: ما الذي تعرفه أخبرني!
ارتخى جفنا عينيه اللتان استمرتا في رصد تحركاتي بدقة قبل أن يتحرك فمه لينطق بما جعل من فرائصي ترتعد: أنا واثق أنه سيكون حفلاً مترعاً بأحداث شيقة، يبدو لي أن والدكِ ينوي تسريع الأحداث قليلاً.
ابتسم بعبث واستدار يكمل طريقه يشبك كلتا يديه خلف رأسه: سأتلقى عِقاباً قاسياً جراء ثرثرتي حتماً. لا تترددي في تمرير أناملكِ على جروحي حينها آنسة كتاليا. مَن يدري قد تلتئم بسرعة.
أبي ينوي. تسريع الأحداث؟
سيكون الحفل. فرصته لتسريع الأحداث؟
ذكر هذا الشاب موضوع لارز وعجزه عن رفض أوامر و طلبات أبي! هل هذا يعني.
أنه سيضعني أمام الأمر الواقع في الحفل؟ قبل الفترة التي حددها أبي ليعلن أنني ولارز نتواعد رسمياً؟
هل أتسرع في ربط كلماته والمغزى منه أم أن أبي ينوي بالفعل أن يعلن عن هذا خلال الحَفل؟
لا يمكنه أن يكون جاداً!
تسارعت أنفاسي ونال مني الغيظ والقلق، لا يمكنني الاتصال بلارز فلقد كانت كلماته واضحة وهو يطلب مني التصرف في هذا الشأن! ولكن لماذا بحق الإله لا يمكنه هو الآخر فعل أي شيء ليقنع أبي؟
أي شيء يفي بالغرض!
منذ متى كان لارز عاجزاً بهذا القدر!
عضضت على شفتي بقهر ورفعت ابهامي نحو فمي أعض على اصبعي بإرتباك.
فكري كتاليا.
هل تأخر الوقت للعثور على فتاة تناسب لارز ليواعدها؟ ولكن أبي ليس بهذه السذاجة! ان ظهرت امرأة فجأة في حياة لارز فسيغضب أبي حتماً وسيدرك فوراً أنها مجرد حيلة سخيفة. كما أشك بأن لارز سيتعاون معي في هذه الخطة، إنه صعب المراس ولن يسهل اقناعه.
ان كان ينوي أبي تسريع وتيرة الأحداث فَعلي أن. أفعل شيئاً قبل أن ينفذ لارز أوامره في الحفل!
التهرب من الحفل أمر مستحيل، وعدم حضور لارز سيعقد الأمر أكثر فلن يتخطى أبي هذا الأمر أبداً.
إن كانت الخيارات كلها بهذه الصعوبة وهذا التعقيد فأنا عاجزة تماماً سوى عن. خيار أخير!
طرفت بعيناي بتوتر وأكملت طريقي تحت سيطرة القلق التام، الخيار الأخير قد يترتب عليه الكثير من الكوارث! لن يغضب أبي فقط ولكنني. لا أضمن ردة فعله ومع هذا فأنا واثقة أنه سيجن جنونه.
وفي الجهة الأخرى. الشخص الذي يمكنه مساعدتي لن يقبل أبداً بهذا الاقتراح! فلقد أوضح لي مدى رفضه الشديد للفكرة برمتها!
دانيال لن يتعاون معي.
وإن اضطررت لِمصارحته فما الذي على قوله أصلاً!
لم يطرف لي جفن.
عاجزة عن النوم مهما حاولت! تأخر الوقت كثيراً وتجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.
تقلّبت على الفراش مرارا وتكرارا حتى ان بينديكت بدأ ينزعج مني وقد نزل من على السرير لينام على الأرضية بعيداً عني.
لا يكف عقلي عن محاولة نسج أي حيلة أو خطة لأقنع أبي بالعدول عن قراره وضمان عدم اتخاذ تلك الخطوة الجريئة في الحفل أمام الجميع.
حتى لو كان لأبي أسباب مقنعة قوية فلماذا لارز من بين الجميع! لن أرغم لارز على مواعدتي لقد تعرض لما يكفي من مواقف وأحداث ستترك في نفسه أثراً ولو قطع شوطاً طويلاً في محاولة المضي قدماً، لقد نال كفايته مني. ولا يمكنني تقبل فكرة فرض نفسي عليه مهما كانت الظروف والأسباب!، زفرت بلا حيلة أحدق إلى السقف في الظلام وبقيت على هذا الحال حتى اعتدلت أجلس على السرير اعيد شعري الفوضوي خلف أذني.
نظرت إلى المنضدة مدركة أنني لَم أضع زجاجة ماء بجانبي لذا ارتديت الخفين وخرجت من الغرفة أنزل الدرج وعقلي يستمر في عملية البحث عن مخرج وحياكة حل مناسب مهما كان صعباً.
المنزل مُظلم جداً و الهدوء يُعم أرجاءه. سوف أندم حتماً على بقائي يقظة حتى هذا الوقت، إنها بضعة أيام قليلة وسأعود إلى العمل ماذا لو أفسدت نظامي وجدولي.
شهقت بذعر وكذلك ارتاب وسكب القليل من الماء من الكوب إثر دهشته بدخولي الى المطبخ الذي كان ينوي الخروج منه.! نظرتُ إليه وقلت أزفر ارفع يدي نحو صدري: لماذا لم تصدر أي صوت بحق الإله!
اعترض ينظر إلى الكوب في يده وقال بصوت منخفض: السؤال موجه إليكِ!
أشاح بوجهه منزعجاً وقال ينوي تجاوز مكاني ليخرج: حذرناك مئة مرة من التصرف وكأنكِ تعيشين هنا وحدك لذا ارتدي ملابساً أنسب!
دانيال.
استوقفته بهدوء وبقيت في مكاني دون أن أتزحزح فأسرع يقول: سأخلد إلى النوم ابتعدي عن الباب.
تكتفتُ متسائلة: لماذا لم تنام حتى الآن لقد تأخر الوقت ألم أحذرك بأن العواقب ستكون وخيمة إن شحب وجهك أو ظهرت الهالات السوداء او.
أومأ بضجر وفتور: آه نعم ولهذا عليكِ ان تبتعدي سأذهب إلى الغرفة وأغمض عيناي حالاً.
لماذا لا يزال يقظاً؟ لا يبدو نعساً حتى!
حافظت على موقعي ونظرت إليه قليلاً قبل أن أخفض عيناي.
الشخص الذي يمكنه مساعدتي ومجاراتي مؤقتاً. الذي أعلم جيداً أنه لن يجرؤ على الحاق الضرر بي أو لمسي والتقرب إلي، والشخص الذي أدرك أنه ليس من السهل أن يستوعب أي مشاعر جديدة قد تجتاحه بما يجعلني في منطقة آمنة. يقف أمامي!
هل على المخاطرة؟ رغم علمي أن تصرفاتي المتمردة في الآونة الأخيرة قد يكون لها. تأثير سلبي عليه! لقد لاحظت بالفعل التغيرات التي طرأت على أسلوبه أو حتى نظراته الموجهة نحوي فهل على ضرب كل هذا في عرض الحائط؟
ولكن. ربما لا بأس!
زميت شفتاي بتردد شديد وعاودت أنظر إليه فوجدته يعقد حاجبيه وقد لوى شفته بإنزعاج وشك: م. ماذا؟
لا بأس من المحاولة مجدداً كتاليا.
أ. أنا. في الحقيقة.
خرجت الكلمات مبعثرة ثم سرعان ما أطبقت بفمي فتراجع خطوة للوراء وزفر بملل و نفاذ صبر: أنتِ ماذا؟ قلتِ أن الوقت تأخر اليس كذلك؟
لا تترددي أكثر!
تعلمين جيداً أنه لا يمانع تقديم المساعدة إن لزم! لربما. يقتنع بطريقة ما!
نظرت إليه للحظة قبل أن أخذ نفساً عميقاً.
زفرتُ الهواء من صدري ببطء وتمالكت نفسي قبل أن أقول أحدق إلى عينيه مباشرة: أحتاج إلى مُساعدتك.
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه وبدى وكأن قولي قد لفت انتباهه بالفعل!
بداية جيدة!
لا يبدو منزعجاً على الإطلاق.
أكملت قولي بهدوء وجدية: أنتَ الوحيد القادر على مساعدتي، قد أكون مصدر ازعاج بالنسبة لك، ربما تصرفاتي تستفزك ولن تأخذني على محمل الجد، وربما تصرفت طوال الوقت بطيش و بدافع رغبتي في تحقيق مصالحي المهنية ولكنني هذه المرة. أحتاج إلى مساعدتك في شؤوني الخاصة!
طرف باستغراب واخفض يده التي يمسك بها الكوب قليلاً ليردد باستنكار: شؤونك. الخاصة؟
أومأتُ فوراً وبادرت لأوضح: مؤقتاً فقط، . سأحتاج إليكَ إلى جانبي مؤقتاً! أعدك أن الأمر لن يطول. أعدك أنك لن تتورط معي أو أجلب لك أي مصيبة، أنا فقط بحاجة إلى اقناع شخص ما بأنكَ الرجل الذي أواعده، لا. بل بحاجة إلى اقناع الجميع بذلك!
اتسعت عينيه قليلاً وبدى يردد كلماتي في عقله حتى قال ممتعضاً: هذا الموضوع مجدداً، لماذا لا ت.
حاولت البحث عن أي حلول أخرى ولكنني لم أجد حلاً أنسب! كل ما عليك فعله هو التظاهر بأننا على وفاق، بأننا نتواعد وحسب ولا أكثر من ذلك، دانيال أنا حقاً بحاجة إليك وهذه المرة أؤكد أنني لن أتخطى حدودي معك!
أضفت بسرعة محاولة اقناعه: يمكنك مساعدتي، كل ما علينا فعله هو الادعاء والتظاهر مؤقتاً! أنتَ ملفت للانتباه بطبيعتك ولن يستبعد من حولي أنني منجذبة إليك ولن يشك أحدهم في هذا! سيعتقدون أننا مناسبان لبعضنا البعض، قد يكون لسانك سليطاً وتتصرف بجنوح أحياناً ولكنك قادر على فعل الكثير في المقابل! مواعدتك ستفي بالغرض، ستكون الأنسب لتقنعهم أنك رجل قوي ويتمتع بمبادئ مستقيمة، بأنك رجل جريء ولا تتردد في تقديم يد العون. لقد ساعدتني في المطعم دون تردد ولم تبالي بأي ضرر قد يلحق بك!، سيعلم الجميع أنك الأنسب ومقنع لهذا الدور المؤقت عندما يلاحظون كل هذا.!
انهيت كلماتي أتنفس بتوتر راجية أنني قد اقنعته ولو قليلا!
ولكنني بقيت أحدق إليه بترقب أستغرب التعبير الذي اعتلى وجهه.!
أحكم قبضته على الكوب الذي ارتجف بين أنامله، بقي ينظر إلى بأعين مشتتة وفغر فمه قليلاً حتى أنتزع ناظره عني بصمت.
همست بإسمه بترقب أحاول تنبيهه وأضفت أخفض رأسي: قلتَ بأنك ستتحمل مسؤوليتي. وأنا الآن بحاجة إليك! لا أعرف شخص أنسب لهذا الدور منك.
أطرق برأسه ينظر إلى الأرض بهدوء.
حتى تمتم بصوت عميق خافت: هل هكذا. أبدو أمام الجميع برأيك؟
هاه؟
فكرت قليلاً بسؤاله قبل أن أنتقي اجابتي بحذر: هل. يراودك الشك؟ تحاول ان تبدو متواضعاً؟ إنها الحقيقة! أنا لن أقوم بمجاملتك، على الرغم من صفاتك الأخرى المستفزة ولسانك الوقح ولكنني لا أنكر كل ما قلته الآن فقط!
كما لو. شردت عيناه تماماً!
ارتخت ملامحه كثيراً واختفى اي تعبير منزعج أو عدائي حازم معتاد عن وجهه، انتابتني الحيرة الشديدة ما ان نظر إلى وواجهتني عينيه المشتتة بينما يتساءل: الوحيد القادر على المساعدة؟ إن قدمت يد العون. ستكونين راضية؟ إن رفضت. هل سأكون الشخص السيء اللئيم؟
م. ما خطبه فجأة!
لِسبب ما. قررت أن التزم الصمت مؤقتاً! لم أجد ما أقوله وقد احترت لنظراته الحائرة المشتتة وهو يترقب قولي!
بماذا أجيبه!
أنا حقاً. بحاجة إليه!
لم أكذب للتو في أي كلمة، هو حقاً لا يتردد في تقديم المساعدة ولا يجب أن يهول الأمر أكثر. أعلم جيداً أنه لا حق لي في فرض هذا عليه ولكنني عاجزة تماماً الآن فماذا عساي أفعل تحديداً؟
ابتلعت ريقي بصعوبة وحزمت أمري حتى زميت شفتاي بقوة ثم قلت بجدية: قد تكون أنانية مني بينما ألح عليك وأطلب هذا مرارا وتكرارا، أعترف أنني لا أهتم الآن عدى بمصلحتي لأخرج نفسي من المأزق الذي أحاول التخلص منه ولكنني. أعترف أيضاً أنني يائسة أمام جميع الحلول ولا حل سوى اللجوء إليك!
أعقبت بهدوء: واعِدني. مؤقتاً.
أنا لا أعلم ما الذي يفكر فيه أو لماذا يبدو هادئاً جداً وذهنه مشتت، إلا أن شحوبه لا يبدو. طبيعيا!
تساءلت بتردد: أنتَ. بخير؟
طرف ببطء ورفع ناظره نحوي، انتابتني البرودة في أطرافي تحت تأثير عيناه التي وجهت إلى نظرة غريبة جافة بينما يهمس: مَن الذي تحاولين اقناعه؟
لا مهرب من ضرورة الافصاح عن القليل ليقتنع ويوافق، ولكن لماذا ينتابني شعور غريب الآن! هل يتصرف بطريقة مختلفة أم أنني أبالغ في تفسير تصرفاته؟ لماذا لا يبدو مرتاحاً وهالة غير مفهومة تحوم حوله؟، تجاوزت أفكاري بينما أتمتم: والدي.
تحرّك ليستدير بينما يرتشف ما تبقى من الماء يعود للوراء إلى الطاولة فقلت بتحفيز: لقد أخذت دور العارض البديل دان، بدى الأمر صعباً في البداية ثم بدأت تعتاد شيئاً فشيئاً، الآن أيضاً ستلعب دور الرجل البديل مؤقتاً وكل ما عليك فعله هو مجاراة الوضع.
شهقت بذعر عندما وضع الكوب على الطاولة مصدراً صوتاً قوياً والتفت ينظر إلى بحدة.
اتسعت عيناي ما ان رمقني بتحذير وجز على أسنانه بغيظ قبل أن يقول بصوت متهدج: هل من الصعب أن أكون أنا وحسب!
شبكت كلتا يداي بتلقائية بحذر وارتياب في حين طرف بتدارك وقال بجفاء: ق. قد أجاري جنونك مؤقتاً.
تحرك يتحاشى النظر إلى فابتعدت عن الباب لأفسح المجال له في حين أكمل ببرود مبتعداً: وقد يكون هناك مقابلاً ستقدمينه لاحقاً.
سيفعل هذا بمقابل؟ ما هو؟ لِسبب ما استبعدت هذا الرد منه، اعتقدت أنه ليس من النوع الذي سيضع شروطاً او يطالب بضريبة خدمة يقدمها.
أياً يكن ما يريده لا أهتم! المهم أنه وافق مبدئياً على ما أريده!
ابتسمت براحة وقد زفرت الهواء من صدري ولكنني سرعان ما أجفلت لقوله بجمود: ما الذي عنيته بالرجل البديل؟
أضاف متهكماً بفتور: من السهل تخمين ما تترتب عليه حماقتك، هل تحاولين ايقاف الفرن الهائج عند حده؟ أو ربما. يوجد رجل ترفضين مواعدته مثلاً؟
كيف. علم بهذا!
قرأ الدهشة على وجهي فتمتم يمرر يده على كفته الأيسر يشيح بناظره بعيداً: سمعتكِ تهذين ذات مرة لا أريد مواعدة لارز ، لقد قلتِ هذا بوضوح.
ماذا!
م. متى تفوهت بهذا تحديداً؟
عقدت حاجباي باستغراب شديد ثم سرعان ما تداركت الأمر وقلت على مضض: لم أعلم قبل هذه اللحظة أنني أثرثر وأهذي بخصوصياتي بصوت عالي، أياً يكن. إن كان الأمر واضحاً فيمكنك مسايرتي صحيح؟
بقي يقف بصمت حتى القى على نظرة بينما يشير إلى نفسه بإبهامه: كوني ممتنة لأن شخص مثلي سيسمح لكِ باللجوء إليه مؤقتاً.
انتابني الغيظ من قوله ولكنني ابتسمت وأومأت برأسي فلوى شفتيه والتفت ليتمتم: البدلة. مقاسها مناسب.
نظرت إليه بينما يبتعد ويخرج وقد بقيت واقفة في مكاني.
لقد قام بتجربتها!
و. مناسبة تماماً!
هذا يعني أنه قد وافق على الذهاب إلى الحفل أيضاً.! رغم رفضه التام ومحاولاتي المستمرة لاقناعه؟
لا أدري كيف اقتنع ولكن لا يهم.
اتجهت إلى الثلاجة والراحة تغمرني لأخرج زجاجة ماء وأخذها معي.
سعيدة بأنه وافق على اقتراحي أخيراً! بقي أن أتفق معه على بعض الأمور التي يتعين علينا القيام بها أمام الجميع.
ولكن. بطريقة ما.
يبدو دانيال. مُختلفاً!
لا أدري كيف أصف هذا الاختلاف.
ولكنه مختلف وحسب!
صحيح بأنني سعيدة برضوخه ولكن. لماذا وافق على مساعدتي؟
وما المقابل الذي قد يطلبه لاحقاً؟ ما الذي. يفكر فيه؟
ولماذا هو مستيقظ حتى وقت متأخر كما لو عجز بالفعل عن النوم!
ليس بديلاً. يريد أن يكون هو. وحسب؟
لا يتوقف عقلي عن تذكيري بكلمات كيفين.
أتساءل إن كان.
دانيال بخير!
آرنولد:.
عقدت حاجباي بأسى أنظر إلى تيدي الذي بادلني النظرات بلا حيلة بينما يمشي على يميني، ثم وجهت ناظري إلى من تحافظ على ابتسامتها الهادئة على ثغرها تمسك بالكيس الورقي المغلف مصحوباً ببطاقة الدعوة.
لماذا إيما مصرة على دعوة دودة الكتب إلى حفل يوم ميلادها بنفسها! لا يمكنها أن تكون جادة. لماذا ذوقها بهذا السوء! ما الذي يعجبها فيه؟
زفرت وتساءلت بعدم اقتناع: إيما ستدركين حتماً أنكِ تسرعتِ بقرارك، جميع من في الحفل يحبونك فلماذا تصرين على دعوة ذلك الكيفين قطعة الجليد المتحركة! ثم إصابة قدمك لم تشفى بعد لم يكن عليكِ الضغط على نفسك لأجل شخص مثله!
نظرت إلى بعينيها العسلية الواسعة وابتسمت دون أن تعلق قبل أن تعيد ناظرها إلى الطريق أمامها، وقفنا في إشارة المشاة ليقول تيدي متكتفاً: أخبرتكِ أننا حاولنا اقناعه دون جدوى.
حرك نسيم لطيف شعرها الأشقر القصير فأعادت الخصلات المتناثرة خلف أذنها لتقول: لماذا أنتما مصران على مرافقتي؟
اعترضتُ فوراً: هل تمازحينني؟ إنه وقح بارد عديم المشاعر لن يتردد في جرحك والاساءة إليكِ كالعادة! سألكمه بقوة إن تجرأ وفتح فمه بكلمة مسيئة.
أضاف تيدي بحزم: كما ان اخاه الأكبر أوقح منه بدرجة لا يمكن تصورها، لا أقصد أخاه كارل فهو رجل مهذب لبق وإنما ذلك المدعو دانيال الذي يعتقد أنه يسيطر على الحي وضواحي المدينة. إنه رجل سوابق ولا يتردد في لكم وركل أي شخص يعكر صفو مزاجه!
ابتسمت إيما وأومأت بفهم تحتضن الكيس إليها قبل ان تقول: يمكنني تولي المسألة بنفسي لا داعي لتهويل الموضوع.
ولكن كلانا قد اعترض وقد صممنا على الذهاب معها ومرافقتها حتى النهاية.
وصلنا حيث منزله وقد وقفنا أمام باب المَحل ننظر بعدم استيعاب إلى أخاه الأصغر الذي خرج من الباب مسرعاً وهو يلهث ويمسك بين يديه الجرو الصغير ولم تكن سوى لحظة فقط حتى تفاجأنا بمن خرجت خلفه غاضبة بملابس قصيرة خفيفة تبدو أنسب للنوم! ولكنها سرعان ما توقفت عن العدو خلفه حين تعثرت وأسرعت تتوازن تتمسك بالحائط وتنادي بصوت عالي بغضب: مصيرك العودة إلى المنزل سنرى حينها كيف ستستمر بالهرب!
نظرنا ببلاهة إلى من خرج مسرعاً وقد نهرها بحزم وإنزعاج وكلتا عينيه الزمردية مترعة بالوعيد: ألم تَسمعي ما أقوله! ضعي شيئاً بحق الإله فوق ملابسك أنتِ لا تلتزمين بأخلاقيات الذوق العام!
ولكنها اعترضت تشير إلى الوراء بغيظ: لماذا يتصرف وكأن بينديكت هو الجرو الخاص به! إن واصل أخذه للخارج كل يوم فسيعتاد بينديكت على الأمر وستكون العناية به منهكة للغاية! حذرته من هذا ألم أفعل؟ هاه؟
أشار بعدم اكتراث وعصبية: لا أهتم! أنظري هذا ما أقصده ملابسك تلفت النظر ألا يوجد لديكِ حس بالمسؤولية! سوف تسيئين إلى سمعة المحل وإلى سمعة أبي بلا شك!
وكأن تصرفاته لا تسيء إلى سمعة البلاد بأسرها!
ولكنه.
محق!
الكثير من الرجال المارة يحدقون إليها!
مظهرها. لم يكن ملفتاً وحسب!
تسارعت أنفاسي لسبب ما أحدق إلى تقطيبة حاجبيها وهي تجادله بعصبية، كان شعرها الأسود الذي تجمره إلى الأعلى فوضوياً بطريقة بدت. لطيفة! ترتدي خف منزلي خفيف و قد كانت باختصار.
فاتنة!
ازدردت ريقي بصعوبة أحاول جاهداً انتزاع عيناي عنها حتى استوعبت عودتها إلى الداخل بسخط، بقي هو واقفاً يزفر وقد وضع يمناه على خصره بنفاذ صبر واقتضاب.
أغمض عينيه يأخذ شهيقاً قبل أن ينظر من حوله حتى نظر إلينا باستيعاب.
طرف باستغراب قبل ان يتجهم وجهه بشدة، تفاجأت به يتجاهلنا وعاد أدراجه ينوي الدخول لولا ان استوقفه تيدي بإنزعاج: مهلاً لا تتصرف وكأنك لا ترانا!
ولكنه أكمل طريقه بضع خطوات حتى وقف والقى نظرة سريعة على تيدي ليتمتم بجفاء: غادر يا فتى، هذا الصباح مترع بالاحداث التي أفسدت وعكرت صفو مزاجي ولا ينقصني وجودكم الآن.
لا يبدو أنه انتبه إلى وجود إيما التي تقف بيننا! هذا الوقح كيف يجرؤ على طردنا وهي معنا؟
لقد دخل بالفعل وصفق الباب خلفه.!
اشتعلت غيظاً وأسرعت لأقترب من الباب لأطرق عليه بقوة بينما المحه من الزجاج يصعد إلى الأعلى بلا اكتراث!
تساءل تيدي بغيظ يوجه كلماته إلى إيما: ألا زلتِ مصرة؟ هذا ما كنا نتحدث عنه! هل توقعت هذا الاستقبال؟ إنها البداية فقط!
رأيتها تخفض عينيها تحكم قبضتها على الكيس الورقي وبدت تكبح انزعاجها بينما تقول: لا بأس. لقد وصلنا على أي حال، سأسلمه الدعوة و. أرحل.
أكملت الطرق على الباب حتى شحب وجهي رغماً عني لرؤية والده الذي نزل الدرج.
ابتعدت بسرعة عن الباب وقلت هامساً بتحذير: إيما!، من سيفتح الباب الآن أصعب بكثير من الذي رأيته قبل لحظات، واثقة بأنكِ ستنجزين مهمتك؟
أخذت نفساً قبل ان تبتسم بهدوء: لن يتغير موقفي أرنولد، لا تقلق.
لا يمكنها أن تكون جادة.
ما الذي يدفعها للصبر على تصرفات كيفين الوقح!
أسرعت ابتعد عن الباب وأقف بجانبهما حتى رأيت والده الذي فتحه ونظر إلينا بوجهه المتجهم، بقي يحدق إلينا مطولاً حتى قال بصوته الجهوري: كيفين لا يزال يستحم، تشاجروا معه عندما يخرج والآن انصرفوا.
وضح تيدي بتوتر: سيدي لسنا هنا بدافع الشجار معه، في الحقيقة.
صمت قليلاً ونظر إلى فأسرعت أعقب على كلماته: لا ننوي إثارة أي جدل او فوضى نريد فقط أن. يقبل بدعوة إيما!
نظرتُ بدوري إليها فرسمت على ثغرها ابتسامة هادئة تحدق إليه بتمعن، تقدمت تحتضن الكيس إليها واقتربت منه لتقول: صباح الخير، أنا إيما زميلة كيفين في الفصل.
طرف بعينيه ينظر إليها بحدته يستمر في التمعن في ملامحها حتى ازدردت هي ريقها ورفعت يدها التي ترتجف رغبة منها في مصافحته: س. سعيدة بلقائك سيدي!
هذا الرجل مخيف!
لماذا يحدق إليها بتركيز، هل ينوي طردها بقسوة؟، زميت شفتاي بصبر حتى رأيته يرفع يده ليصافحها وقد قال بجمود: هاريسون.
أومأت برأسها واتسعت ابتسامتها لتقول: تشرفت بمعرفتك سيد هاريسون.
أشار بذقنه لي ولتيدي: وما الذي تفعلانه أنتما هنا؟
أجاب تيدي فوراً ينظر إلى بنظرات متقطعة: في الواقع. حاولت إيما دعوة كيفين مرارا وتكرارا لحفل عيد ميلادها، اقترحت هي أن تزوره في المنزل وبصراحة أردنا مرافقتها لنطمئن وحسب. لا أقصد أن كيفين وغد لئيم، وقح ووغد، بليد ولا يبالي بمشاعرها! نحن معها لأننا زملائها لا أكثر.
لمحت شبح ابتسامة متهكمة بالكاد ترى على ثغره وهو يلقي نظرة تقييم بعينيه الزرقاء على تيدي ثم قال: أخبركم منذ الآن، إن سمعت أي شجار فسأطردكم فوراً وسأطرد كيفين معكم بلا تردد، الزموا الهدوء.
أومأت برضوخ: مفهوم!
عندما عاد أدراجه نظر تيدي إلينا وهمس محذراً: لقد سمح لنا بالدخول! لا يجب أن نتشاجر مع أحدهم، نحن في وكر الوحش لسنا في منزل عادي!
ابتسمت إيما بلا حيلة: كفاك مبالغة تيدي!
اعترضت بينما أؤيده بإنزعاج: إنه محق، تتذكرين تلك المرة عندما تغيب توماس عن المدرسة؟ لقد لوى ذلك البربري الهجمي دانيال يده بقوة واضطر لأخذ اجازة مرضية قصيرة.
ارتفع حاجبيها للحظة قبل ان تتساءل بإستنكار: ما الذي فعله توماس قبل أن يلوي ذراعه؟
أجابها تيدي بإقتضاب: لم يفعل شيئاً! قام بتسديد قبضته نحو معدة كيفين الذي استفزه.
أومأت برأسي: صحيح لقد كان دفاعاً عن النفس!
لوت شفتيها وبدت تنظر إلينا بنفاذ صبر قبل ان تقول بإمتعاض وتسبقنا بخطوات متزنة: لم يكن عليه التعرض له منذ البداية. يستحق هذا!
قلّبت عيناي وقلت: أياً يكن. سنسلمه الدعوة ونخرج فوراً.
كنا نجلس انا وتيدي على الأريكة نفسها في حين إيما على الأريكة المنفردة المجاورة، تبادلنا النظرات بصمت بينما نسمع صراخ السيد هاريسون بغضب وبدى من أحد الغرف القريبة: صحيح، قلت بأنني لا أريد رؤية وجهك في المحل خلال هذه الفترة ولكنني لم أقل أنني سأعفيك من كافة المهام في المنزل! حري بك أن تعد الفطور على الأقل!، أنت تعلم أن كارل يخرج مبكراً، سيغادر الآن بينما لم يتناول فطوره بعد!
أتى صوت منزعج: أخبرتك أنه دور كيفين اليوم! أين ذهب فائض اللطف والحنان الذي أغرقتني فيه بحق الإله، أياً يكن سأعده الآن ولكنني لن أبذل أي مجهود إضافي بعده.
حري بك أن تخبر كتاليا على الأقل بتولي المهمة بدلاً من ترك الجميع يترقب طعام الفطور!
ومن السبب في رأيك في اعتقادها أنها تقيم هنا في فندق يقدم لها خدمات مجانية؟
شجار بشأن. مهام المنزل!
الرجل البربري الهمجي الذي يعتقد أن الحي تحت سيطرته ونفوذه، يتبع مع أفراد عائلته جدول مهام. منزلية؟
زميت شفتاي بقوة أكبح رغبتي في القهقهة بسخرية، نظرت إلى وجه تيدي الذي تورد بشدة وقد برزت عروق جبينه يحاول كتم رغبته في الضحك كذلك بينما يحدق إلى موضع قدميه.
يمكنني. كبح ضحكتي لا بأس، يمكنني هذا.
سيطر على نفسك أيها الأحمق!
شعرت بالحرارة تتصاعد نحو عيناي وقد تجمعت الدموع فيهما رغماً عني أكبح ضحكتي ما ان رأيت البربري يدخل إلى غرفة الجلوس بوجه ممتعض يتذمر محدثاً نفسه: يفترض أنني المصاب الذي سيُعفى من كافة المهام! هذا الرجل يحتاج إلى دروس مكثفة في كيفية إدارة وتوزيع العاطفة تجاه ابنائه بالتساوي.
انتبه لنا ولوى شفته يتجاهلنا ولكنه سرعان ما توقف باستنكار ينظر إلى إيما حتى استوعب وبدى متفاجئاً وقال ينظر إلى فوراً: م. من هذه!
لم ينتبه إليها مسبقاً؟ ياللوقاحة! كيف لم ينتبه إلى الهالة اللطيفة البراقة التي تحيط بها؟ كيف لم ينتبه إلى أناقتها منذ البداية!
استمر بالنظر إلى بترقب ونفاذ صبر وقد القى علينا نظرة سريعة قبل ان يقول بحزم: هل تتجاهلني؟ هيه أنت!
تنحنحت قليلاً قبل أن أجيبه بإنزعاج: إنها زميلتنا إيما.
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه قبل أن تتسع عيناه بدهشة وطرف بعدم استيعاب، حينها دخل أخاه الأكبر كارل وبدى على عجلة من أمره، مهندم المظهر وقد ابتسم لنا بهدوء وسار ينوي الدخول إلى الباب بجانبنا المؤدي إلى المطبخ، ولكنه سرعان ما توقف عندما جذبه بقوة من ذراعه وقال له بدهشة: كارل، أترى هذه الفتاة؟ إ. إنها تلك المدعوة إيما!
رفع كارل حاجبيه باستغراب ونظر بعينيه الزرقاء إليها قبل أن يشيح بناظره بسرعة وقال متفاجئاً: الفتاة التي تلاحق كيفين أينما ذهب!
ثم سرعان ما وضع يده على فمه بتردد ورفعها نحو شعره كما لو انتابه الإحراج لما قاله دون ادراك! يمكنني التماس الأعذار لهذا الرجل فأنا أعلم جيداً كم هو لبق، ولكن ها هو الآخر يجيبه بسخرية كما لو كنا لن نسمع ما يقوله لأخاه: أتت بنفسها للظفر به، لا مهرب لكيفين الآن، إن سمح أبي لهم بالدخول فلا شك بأنه يريد أن يرى ما سؤول إليه الوضع، هل تتفق؟
أومأ له كارل بجدية ثم نظر إلينا مبتسماً: صباح الخير جميعاً! لم نحظى بفرصة مسبقة للتعرف عليكم عن قرب.
نظرنا جميعنا إلى إيما التي وقفت تبتسم بهدوء وتحركت نحوهما، اتخذ دانيال وضعية الحذر والترقب في حين تسمر كارل في مكانه، رفعت يدها تنوي مصافحة دانيال بينما تقول بمرح: إيما، سعيدة بلقائكما. لقد سمعتُ الكثير عنكما من الزملاء!
ولكنه رفع كلتا يداه ليشبكهما خلف رأسه يتمتم بينما يشيح بناظره: آ. آه نعم.
وكزه كارل على خصره فرمقه بإنزعاج قبل أن يقول: سأعد الفطور.
انسحب فوراً واتجه نحو المطبخ، تابعته إيما بعينيها قبل أن ينبهها كارل بهدوء: أرجو المعذرة إنه. في مزاج سيء قليلاً.
علق تيدي هامساً بتأثر: إنه الأخ الأكبر بالفعل!
أضاف بإنزعاج: كيف يجرؤ هذا المتسلط على تجاهل يد إيما!
أيدته بإمتعاض: لم يصافحها! لا بد وأنها تدرك الآن لماذا نرافقها.
أنزلت إيما يدها وقالت بتفهم لكارل: ل. لا بأس.
أشار بإبهامه إلى الخلف: سوف أنادي كيفين حالاً.
رسمت على ثغرها ابتسامة مترقبة وهي تعود أدراجها إلى الأريكة، حينها دخلت كتاليا وقد غيرت ملابسها إلى أخرى أنسب بينما تنظر إلى هاتفها، انتبهت لنا فوقفت في مكانها باستغراب حتى قالت: آه مرحباً، صباح الخير!
أسرعت أجيبها: ص. صباح الخير، أنتِ على ما يرام؟
أومأت مبتسمة: نعم لا تقلق.
ثم نظرت بدورها إلى إيما وبدت حائرة بشدة قبل ان تطرف بعينيها بتدارك، ثم أسرعت ترفع يدها ملوحة على عجالة وهي تتجه إلى المطبخ: أرجو المعذرة.
تبادلنا النظرات بِصمت حتى تساءلت إيما: شقيقتهم؟
نفيت برأسي: مستأجرة في هذا المنزل، لا أعلم ما طبيعة علاقتها بهم تحديداً ولكن أمرهم غريب قليلاً ولا سيما علاقتها بذلك المتسلط.
عقدت إيما حاجبيها بإستنكار فأسرع تيدي ليقول: آه ولكن لا تقلقي لا يبدو لي أن دودة الكتب مهتم بها.
أخفضت عينيها العسلية قليلاً قبل أن تقول: هل طرأ لها أمر ما؟ بدوتَ قلقاً؟
وجهت سؤالها إلى فأشحت بناظري بينما أتمتم: التقيت بها صدفة مؤخراً واعتقدت أنها ستكون بحاجة إلى المساعدة لا أكثر، أياً يكن.
هل تملك أدنى فكرة عن سبب استئجارها لغرفة هنا؟
نفيت بحيرة: لا أعرف شيئاً.
بدت تتصرف بأريحية تامة مع الجميع للتو أمام المنزل، هل مجرد مستأجرة ستكون قادرة على الجدال والشجار مع ذلك الصغير؟
تساءلت بينما تحكم قبضتيها على الكيس فقال تيدي بتفكير: يبدو لي أن الطباع الوحشية في هذا المنزل يتم نشرها وتوريثها، ربما يتحتم عليها معاملتهم بالمثل، العيش في هذا المكان يعادل الصراع للبقاء على قيد الحياة لذا لا بأس.
لسبب ما. تبدو إيما حذرة أو. منزعجة؟
هل تعتقد أن كتاليا قد تكون مقربة من كيفين؟ ولكن كيفين لا يولي أي فتاة اهتماما خاص ويفترض أنها تعلم هذا جيداً.!
حدقت إليها بهدوء حتى نظرتُ إلى كارل الذي كان يسحب ذراع شخص ما بالقوة يحاول ارغامه على الدخول! ولم يكن سوى كيفين الذي يضع منشفة صغيرة على كتفه وشعره مبلول وبدى أنه خرج للتو فقط من الحمام بعد استحمامه، زمجر بحدة يحاول مقاومته: دعني وشأني لا أريد رؤية أحد!
ولكن كارل نهره بجدية ودفعه بقوة بكلتا يديه: رحّب بهم على الأقل وافعل بعدها ما شئت، لقد تأخرتُ على أي حال وعلى الخروج حالاً.
دفعه بقوة أكثر حتى دخل وتحرك بضع خطوات للأمام يحاول التوازن، في حين تراجع كارل ولوح بهدوء بينما يغادر مسرعاً.
لم يكن يَرتدي نظارته لذا ضيق عينيه قليلاً قبل ان يلوي شِفته بإزدراء، رفع المِنشفة يجفف بها شعره بينما يتمتم ببرود: الحارسان برفقة أميرة المدرسة. دعوة اجبارية إلى ذلك الحفل؟
وقفتْ إيما تبتسم بهدوء وأسرعت تمد الكيس والبطاقة: ليست اجبارية أردت فقط أن أسلمك الدعوة بنفسي. ولك حرية القبول أو الرفض.
أضافت تخفض عينيها: أعددت قطع البسكويت بنفسي.
ولكنه رمقها بعدم اكتراث وتمتم: غادروا.
وقفت بإنزعاج واتجهت إليه ارفع حاجبي الأيسر وقربت وجهي منه بإقتضاب: كيف تجرؤ على رفض لطفها! حاول مجاملتها على الأقل أيها الوقح!
نظر إلى قبل ان يقول بتهكم: مُجرد حمقى. لا تعرفون شيئاً عن الاستلام حقاً.
أمسكت بيقاته بغيظ وهمستُ بتحذير: أكره غرورك وأمقت نظرتك المتعالية.
انتزعت الكيس من إيما والبطاقة ودفعتها نحوه بقوة فاضطر للإمساك بها فقلت بحدة: خذ، رغم أنني آمل ألا أرى وجهك في الحفل.
اعترضت إيما مهدئة: مهلا آرنولد!
كتاليا:
أعقبت أحدث دانيال المنهمك في إعداد الفطور على عجالة: لذاعليك الذهاب غداً في تمام التاسعة صباحاً إلى المجلة لأجل جلسة التصوير مع فرانك، هذه المرة ستروّج لجهاز العاب جديد تقدم المجلة دعمها الكامل له.
أومأ بلا اكتراث فشددت على كلماتي منبهة: فرانك مستفز بطبعه حاول أن تتجاوز كلماته وكن هادئاً اتفقنا؟
عقد حاجبيه وما ان كسر البيضة في المقلاة حتى نظر إلى وقال: عذرا هل تعاملينني كما لو كنت في السابعة من عمري؟
أغمضت عيناي بلا حيلة ثم زفرت مهدئة: ما أريد قوله هو أنه من الصعب التعامل مع فرانك، جلسة التصوير لن تقتصر على الصور فقط، هناك مقاطع مصورة مع باقي فريق التصوير، وأيضاً اقترب موعد الحفل سأخبرك لاحقاً ب.
زمجر منزعجاً: حسناً فهمت كفاك ثرثرة! وكأن التعامل معكِ سيكون أسهل منه! والآن ما رأيك بفعل شيء مفيد مثلاً؟ هل يعجبك بقائك هنا دون تقديم أي فائدة ترجى؟
لويت شفتي وتكتفت أحاول عدم مجادلته جاهدة.
ثم سرعان ما سألته: ما الذي يمكنني فعله؟
أجاب وهو يعيد ناظره إلى البيض ويقلبه: جهزي الأطباق على الطاولة، تفقدي الثلاجة وجهزي ما يمكننا تناوله.
تساءلت أنظر من حولي: أين هي الأطباق؟
أشار بملل نحو الخزانة على يمينه: ستجدينها هناك، خرج كارل مسبقاً ولا أدري متى ينوي لاري العودة بعد هروبه الغير مخطط له، ضعي أطباق كافية وحسب.
تحركت لأخذ الأطباق وقد تمتمت بحيرة أكبح تهكمي: تفاجأت برؤية تلك الفتاة! يبدو ان وضعكم في تطور مستمر، لا يسعني سوى الاعتراف بأنني فخورة بتقدمكم!
وضع البيض جانباً قبل ان يبدأ بكسر بيضة أخرى وهو يقول بينما يسند جذعه للوراء على الرخامة ينتظر نضوج البيض: يبدو انها تلاحق كيفين ومصرة على التقرب إليه، تلك الجماعة تعاملها كما لو كانت أميرة المدرسة.
أومأت بفهم أضع الأطباق ثم نظرت إليه فبادلني النظرات بِهدوء للحظة قبل أن يخفض ناظره.
تحركتُ نحو الثلاجة وأخرجت المُربى وما يمكنني وضعه على الطاولة، وبينما أفعل ذلك سمعنا الأصوات قد ارتفعت في غرفة الجلوس فاتجهنا إلى الباب فوراً، رأيتُ كيفين الذي يمسك بكيس ورقي بني بيده وبطاقة مزخرفة في حين آرنولد قد أمسك بياقته بغضب وقال بإنفعال: ماذا قلت؟
نظر كيفين إليه ببرود وتفاجأت بقوله بينما يشدد على كلماته: قلتُ أنكم مجرد جماعة من القطيع التافه ولن أهدر وقتي معكم، كما يؤسفني أنني لا أتناول الحلويات مؤخراً لذا يمكنكِ أخذه والتوقف عن محاولة التودد أكثر.
شعرت بالأسى حين أخفضت رأسها للحظة في حين اشتعل آرنولد غضباً ورفع يده ليلكم كيفين ولكنه توقف ما ان اندفع دانيال وأمسك بمعصمه يستوقفه.
اعترض أرنولد فوراً: مهلاً توقف عن الدفاع عن أخاك لقد كان المخطئ رغم أننا نحاول معاملته بهدوء و.
ولكنه توقف عن الحديث ما ان علا صوت كيفين وقال بضجر وتهكم: آه لا بأس دعه يستعرض قدراته كالعادة ويلفت الأنظار.
عقدت حاجباي ولا أنكر أن انزعاج وانكار شديد قد انتابني لقوله!
نظرتُ إلى دانيال بتلقائية فوجدته ينظر إليه باستنكار حتى ابعد يده عن معصم آرنولد وقال بجفاء: عذراً؟
هذا سيء. سيتشاجرا بلا شك وسيسوء الوضع، على أن أفعل شيئاً.
أولاً لابد ان أخرج هؤلاء الفتية بسرعة، وهذا ما فعلته إذ أسرعت أقول أوجه حديثي إليهم بهدوء أتبسم في وجههم: أرجو المعذرة منكم سيكون عليهما التفاهم قليلاً حول شؤون خاصة، هل يمكنكم العودة في وقت لاحق؟
لوى أرنولد شفته وقال بحزم وازدراء: من سيرغب في العودة لاحقاً بحق الإله، سأغادر إن أردتما البقاء هنا فافعلا.
تحرك فوراً ليخرج بخطى واسعة غاضبة، شجع الفتى الممتلئ الفتاة التي تنظر إلى كيفين ودانيال بترقب وقلق بوضوح وقال لها بإمتعاض: لنغادر إيما.
زمت شفتيها بقوة وتفاجأت بها تقول برجاء: من فضلك كيفين لا داعي لهذا الغضب، إن كانت دعوتي لك تستفزك وتفقدك أعصابك فأنا آسفة لربما كنت أضغط عليك طوال هذا الوقت. اهدأ!
ولكنه بقي يحدق إلى دانيال الذي يبادله النظرات بغضب يجوبه تشتت، اضطررت للاقتراب منها ووضعت يدي على كتفها مربتة: لا داعلي للقلق سيكون كل شيء على ما يرام.
ثم أشرت بعيناي للفتى فأومأ برأسه واقترب منها يدفع ظهرها برفق ويحثها على الخروج: لنغادر إيما. هيا!
استجابت له وبقيت تلتفت تنظر إليهما بقلق وضيق حتى غاب الاثنان عن عيناي.
نظرت إلى من يلتزمان الصمت تماماً وقلت بهدوء: اسمعا انا لا أنوي التدخل في شؤونكما ولكن لا يجب أن.
توقفت عن الحديث حين سأله دانيال بجمود: ما الذي تحاول قوله والتلميح إليه في الآونة الأخيرة؟
طرف كيفين بعينيه البنية ببرود قبل أن يخفضهما نحو الكيس وتمتم بتبرم: تدخلت وأنهيت شجاراً كان على وشك البدء لذا لا بد وأنكَ سعيد، لماذا أنت غاضب الآن؟
نفي برأسه واعترض بحزم: لماذا تخاطبني بهذا الأسلوب العدائي بحق الإله!
لا توجه إلى هذا السؤال! لماذا لا تسأل أنت نفسك عن حقيقة ما تقوم به مؤخراً! لا. ليس مؤخراً فقط بل منذ البداية!
تفاجأت بنبرته التي سيطر الغضب عليها بينما يردف: أشعر بالإشمئزاز والاكتفاء من رغبتك الدائمة في اظهاري بصورة الوغد البائس البليد! حري بكَ أن تلتفت إلى نفسك قبل أن تحاول اشباع رغبتك بتصيد الزلة في كل فعل يبدر مني دان!
ما الذي يقوله فجأة!
طرفت باستنكار ما ان التقط أنفي رائحة بدت لشيء. يحترق!
نظرت للخلف وترددت قبل أن أقول باستيعاب لدانيال: لا بد وأن البيض قد احترق!
ولكنه تجاهلني وقال بشك وحذر: كيفين. ما الذي تحاول قوله لي؟ متى رغبت في اظهارك بصورة مماثلة! كنت واللعنة أحاول مساعدتك لئلا يقوم بالتعدي عليك فلماذا كل هذه العدائية! لماذا لا تتحدث بصراحة وتواجهني بما يجول في خاطرك!
تحركت فوراً نحو المطبخ ورفعت المقلاة من على الموقد وأغلقت الغاز، لقد تفحم البيض تماماً! عدت حيث يقف الإثنان وقد سمعت كيفين الذي قال يرمقني بنظرة سريعة: لماذا لا تكون أنت صريح بما يكفي؟ هل ستنكر الآن أنني أصبحت مجرد لاعب يجلس على دكة الاحتياط طالما عثرت على صيد ثمين؟
ردد دانيال بعدم فهم ونفاذ صبر: صيد ثمين؟ تحدث بِوضوح وإلا لكمتك!
رسم كيفين ابتسامة باردة ورفع حاجبه الأيسر: أتحدث فقط؟ على العكس دانيال أنا لا أمانع أن أريكَ ما أحاول قوله.
عقدت حاجباي باستنكار ما ان تحرك ورغم الجفاء في ملامحه إلا ان التوتر كان واضحاً على وجهه وهو يتجه نحوي!
م. ماذا!؟
بقيت في مكاني بترقب في حين قطب دانيال جبينه يتابعه بعينيه بِغضب، اعتلى التورد وجه كيفين وقد لمحته يعض على طرف شفته بإضطراب حتى وقف أمامي وهمس بحدة وتحذير: لا تتفوهي بحرف واحد.
اتسعت عيناي ما أن وقف خلفي مباشرة ووضع يده على كتفي يقربني إليه! مهلاً. الشخص الذي تجرأ ولمسني الآن هو كيفين؟
هل استيقظت اليوم في منزل السيد هاريسون من العالم الموازي بحق خالق الكون!؟
ي. يده ترتجف بوضوح!
لماذا يرغم نفسه على فعل أمر لا يريده! ما الذي يحاول اثباته تحديداً؟
رأيت الدهشة على وجه دانيال وقد ارتخت ملامحه ينظر إلينا بعدم استيعاب!
كانت ثواني فقط حتى رفع كيفين يده من على كتفي إلى رأسي وابقاها ليقول ببرود: سأخرج من دائرة الشعور بالحرج من الجنس الآخر، عن طريق المصورة التي يستعين بها أبي لنتخلص جميعنا من هذه القيود السخيفة، لي كامل الحق في هذا اليس كذلك؟
جف حلقي وطرفت بعيناي أحاول استيعاب كلماته فأضاف بتهكم يوجه حديثه إلي: نعلم أن أبي اتفق معكِ منذ البداية على تقديم يد العون في هذا الشأن لذا لا ضرر من توليك لهذه المهمة عندما يتعلق الأمر بي. صحيح؟
ما الذي ينوي عليه هذا الفتى؟ لماذا يتعمد استفزاز دانيال بهذه الطريقة الغريبة؟ ما الذي من المفترض أن أقوله الآن تحديداً؟ أنا حتى لا أفهم ما يحاول فعله، هل على أن أجاريه وحسب؟
أبعد يدك.
مجرد كلمتين ولكن النبرة التي قيلت بهما كانت. ثقيلة جداً!
نظرت إلى دانيال الذي تفوه بها وقد رأيت بروز عرق صدغه بينما تسمرت عيناه على كيفين الذي تفاجأت به يقول بنبرة ضجرة هازئة: ولكنني لا أتعدى حدودي أنا واثق أن أبي سيكون فخوراً بهذا التقدم، ما الذي يزعجك دان؟
لا تزال يده ترتجف فوق رأسي، ما الذي يرغمه على كبح اضطرابه وتوتره رغم عداوته تجاهي أنا أيضاً؟ ألم يقل بصريح العبارة أنه لم يتقبل وجودي يوماً؟
بالكاد طرف دانيال بعينيه وهو يستمر في التحديق إليه حتى شعرت بالغرابة لرؤية التعابير تختفي ببطء عن ملامحه حتى ارتخى جفنا عينيه وبدأ ينظر إلى كيفين ببرود وتمتم ببطء: لا تُلوث ما أبقيه بعيداً عن الجميع، لا يحق لكَ لمسها.
تسارع نسق تنفسي إثر قلقي ودهشتي! هل رأيته يوماً يتحدث بهذا البرود؟ كان للتو فقط يشتعل غضباً!
لا حق لكيفين بلمسي؟
ومن له. الحق في هذا؟
أرجو أن ما يجول في ذهني الآن. مجرد أفكار عشوائية! لا يجب أن يكون ما أفكر به صحيحاً!
زفر كيفين بسخرية وقال بإستفزاز: لا بأس دان انزع قناعك المثالي المقرف يمكنكَ أن تتصرف على سجيتك!
أعاد يده على كتفي وقربني إليه أكثر ليقول وقد علت نبرته أكثر وفي صوته رجفة طفيفة: وضعت يدي على ما تكتنزه الآن لنفسك، ما الذي ستفعله؟
تساءلت بعدم فهم وتشتت بينما أبعد يده عني: أنت. ما خطبك تحديداً!
أعقبت بحزم: لماذا تسعى جاهداً لاستفزازه والشجار معه ان كان هناك من يتحدث بعدم وضوح فهو أنت! قل وحسب ما تلمح إليه ليس عليك أن.
تبخرت الكلمات من فمي إثر اليد التي أمسكت برسغي بقوة تعيدني للوراء بعيداً عن كيفين حتى وجدت نفسي أقف أمام من يُمسك بياقة قميصي من الخلف يثبتني في مكاني وتمتم ببرود: لن أحذركَ مجدداً. من الأفضل ألا يكون هناك مرة أخرى.
جادله كيفين بفتور: ما الحق الذي تمتلكه أنت لتفرض هذا الأمر؟ أنت مجرد عارض قبل بالعمل المؤقت معها هل أنا مخطئ؟ ما هو عذرك يا تُرى؟ ما الذي تريده تحديداً!
ساد الصمت في المكان للحظات حتى كُسر بكلمات هادئة خلفي: أياً يكن ما أريده. سأحصل عليه.
شعور وتوجس غريب. يجتاحني! شيء من القلق قد سيطر علي، تلك النبرة لم تكن. مُعتادة.
أومأ كيفين فوراً وقد تفاجأت بابتسامة ماكرة تهكمية على وجهه: آه صحيح! ستحصل عليه فهذا ما اعتدت عليه دان. أن تكون المحور دائماً، ان تكون الأكثر لفتاً للأنظار، أنك الأفضل ونحن الأسوأ! أنك الأخ الأكثر قوة والجميع يحتاج إلى حمايتك ولطفك! اليس كذلك؟
شهقت بدهشة ما ان رأيت دانيال يترك ياقتي وتقدم بخطوات واسعة نحو كيفين ليطيحه أرضاً!
جثى فوقه وأمسك بقميصه بقوة ليجز على أسنانه! تأوه كيفين للحظة ولكنه سرعان ما صاح به بغضب: اكتفيت من رغبتك الدائمة في حشر أنفك! اكتفيت من كوني الشخص السيء دائماً مقابلك، أنت لم تترك فرصة الا وقمت باستغلالها لتبرز نفسك وحسب! أنا لست غبياً لطالما لاحظت أنكَ ستفعل المستحيل فقط لاثارة اعجاب من حولك، حتى لو كان ذلك يعني التحقير من شأن الآخرين. أنت مجرد منافق دانيال!
زميت شفتاي بقوة بعدم رضى وقد انتابني الذهول لهذا الكم الهائل من الاهانات! لم أستطع الوقوف مكتوفة الأيدي وقد تحركت أحاول سحب دانيال من قميصه بقوة ولكنه لم يتزحزح قد أنملة!
يديه التي تمسك بياقة كيفين. ترتجف بشدة!
ومع أنني اعتقدت كيفين قد أنهى كلماته القاسية ولكنه استكمل بحزم وحِدة: لا تعاملني وكأنني شخص بديل فقط ومجرد أداة تنفذ من خلالها أهدافك الخاصة، ما الذي تفعله تحديداً؟ ما الذي تريده بحق الإله بعد كل هذا؟ أنتَ لستَ كارل لتحاول أن تبدو لطيفاً مراعياً، ولست دامين لتبدو بارداً متبلداً! أنتَ مجرد بديل بلا هوية محددة تجيد استبدال الآخرين ببعضهم البعض وحسب.
قطع كلماته ما أن تركه دانيال فجأة بقوة وقد ارتطم ظهره بالأرض بقوة، عقد حاجبيه يحدق إليه بأعين مشتتة فهمست بدوري بإضطراب: دانيال!
أنا حقاً لا أدري لماذا ينتقي كيفين كل تلك الكلمات والاتهامات ولكنها وإن كانت. حقيقة فستظل قاسية! لماذا هو مشحون إلى هذه الدرجة؟ لماذا يحاول استفزازه بكل قوته! من هو دامين!
لمحت قبضة دانيال التي ترتجف قبل أن يتسارع نسق أنفاسه وقد وقف يترنح قليلاً بعدم اتزان.!
ابتلعت ريقي بصعوبة وارتفعت يدي بتلقائية أنوي مساعدته على التوازن ولكنه بقي واقفاً مكانه يحدق إلى كيفين وهمس متلعثماً بصوت خافت: أنا لستُ بديلاً.
مرر يده على عنقه كما لو كان منزعجاً بشدة يكاد يختنق!
شحب وجهه كثيراً وقد تاهت عيناه الزمردية في الفراغ ثم تحرك مجدداً وتحاشى النظر إلينا تماماً بينما يسير بخطوات سريعة ليخرج من غرفة الجلوس!
تابعته بعيناي بعدم استيعاب وبتشتت ثم أعدت ناظري إلى كيفين الذي اعتدل يجلس على الأرض يمرر يده على ظهره متأوهاً بإنزعاج.
اعدت ناظري إلى الباب وقد تحركت قدماي بتلقائية لأتبعه فوراً، لا يجب أن أتدخل. ما يحدث ليس من شؤوني الخاصة، ولكنني.
مستأجرة هنا، زميلته في العمل ومديرة أعماله وقريباً سأواعده مؤقتا لذا. لا بد أن أحاول الحفاظ على زمام الأمور على الأقل!
نزل الدرج فتبعته لأنادي بهدوء: مهلاً!
ولكنه استمر في النزول يتجاهلني تماماً، أين السيد هاريسون بحق الإله لماذا ليس هنا! ما الذي على فعله أصلاً؟
اتجه نحو الباب ليخرج فأسرعت خلفه وقد رأيت السيد هاريسون يتحدث مع رجل من المتجر المجاور ويبدو منهمكاً في الحديث، ولكنه لمحنا وقد عقد حاجبيه، وقفت للحظة بتشتت حتى قلتُ له بصوت عالي: تأكد من أن كيفين بخير، سوف ألحق بدانيال.
بدى مستنكراً بشدة وقلقاً وقد تحرك فوراً نحو المنزل ليدخل في حين ناديت بدانيال الذي كانت خطواته واسعة وقلت: توقف! دانيال توقف ألا تسمعني!
آه يا الهي. حينها اضطررت للعدو بسرعة أكبر حتى تجاوزته ووقفت أمامه أحيل عنه الطريق، كدت انهره ولكنني توقفت أنظر إلى التعبير الذي يعتلي وجهه!
لقد. كان الضيق والتشتت يرتسم على وجهه بوضوح!
ارتخى كلا كتفاي أستمر في التحديق إليه بتعجب وإضطراب! لم يسبق لي وأن رأيت التعبير الجانح الحازم والمتهكم ينجلي عن وجهه سوى الآن!
كلمات كيفين. تثير حيرتي وقلقي.
لن يقول هذا دون دافع اليس كذلك؟ قال كلمات مشابهة لي حول دانيال وقد كان من الواضح أنه يعتبرني شخص بديل في حياته ولكن.
بديل لمن تحديداً أنا لا أفهم؟
لم يقم بخوض تجربة مع امرأة من قبل فهل سأكون بديلة لرجل مهم في حياته؟ ولكن هذا غير منطقي! أقصد. كيف قد يكون هذا ممكن؟
هل يتعلق سببه بالموافقة على عرض المواعدة المؤقتة بهذا الشأن مثلاً؟
أياً يكن على أن.
أفعل شيئاً!
ولكنني سيئة في المواساة أو تلطيف الأجواء! ماذا لو قلت أمراً سيزيد الطين بلة؟ قد ينزعج أكثر!
عيناه تتابع خاصتي وبالكاد يطرف، بدى يترقب وفي الآن نفسه يقف بلا حيلة وحسب ولا طاقة له في الجدال حتى.
ما الذي أوصل كيفين إلى هذه المرحلة ليتفوه بكل هذه الكلمات التي بدى يكبحها بصعوبة؟
لم أقم بإيذائه أو ضربه، لذا لا داعي لاستكمال أي كلمة أخرى لا أريد سماع شيء
نظرت اليه بهدوء وأخذت نفساً عميقاً لأقول: لم أتبعك لأعاتبك وما شابه، لِنعد وحسب لا أضمن ما قد تفعله إن حاولت تفريغ غضبك.
آه لماذا أتحدث عن أهدافي المهنية الآن لهذا تحديداً أقول أنني سيئة في تلطيف الأجواء!
أخفضت ناظري بتردد قبل أن أقول بسرعة: كيفين يُحبك بلا شك، أنتما فقط قد اعتدتما على الشجار والجدال في كلِ وقت ومكان، سيعود كل شيء كما كان ما ان نرجع إلى المنزل، سيوبخكما السيد هاريسون ويشتم كلاكما ثم سيمضي الأمر وكأن شيئاً لم يكن.
طرف ببطء وقد نظر إلى يمينه إلى الشارع حتى شردت عينيه قليلاً، بقي على حاله حتى تحرك فمه ليهمس بذهن شارد تماماً: لم أتقن دوري بَعد. دور كارل لا يلائمني مهما حاولت، ربما جودة أدائي سيئة جداً.
دور كارل؟
ي. يؤدي. دور أخاه؟
ما هذا.!
لحظات حتى زفر الهواء من رئتيه بقوة وقال بتبرم: يمكنكِ العودة، سأتمشى في الأرجاء قليلاً.
إنه يتصرف بغرابة مُنذ فترة، هو لَيس على طبيعته!، شعور القلق يَستمر في التسلل إلى كلما تفوه بكلمة! أنا حتى لم أعد أعلم إن كان على الإنسحاب أو لا.
تحرك ليتجاوزني ولكنه سرعان ما توقف وقد انتبه لمن يمشي بينما يرسم ابتسامة واسعة على ثغره يسند على مرفقه كيس مشتريات صغير وبين يديه بينديكت.
لقد عاد لاري، ستكون فرصة جيدة ليعود الوضع إلى طبيعته.
أسرعت أقول بصوت عالي بوعيد: توقف عندك!
توقف لاري بدهشة فقلت لدانيال بجدية: سُرق بينديكت مني، أنتَ مسؤول عن تقويم تصرفات هذا المزعج الصغير.
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه حتى تفاجأ بيدي التي أمسكت بمعصمه وقلت بغضب: تحرك معي حالاً!
أخفض ناظره نحو يدي فسحبته معي بقوة وصرخت أشير إلى لاري الذي تراجع فوراً: قف حالاً لقد وعدت نفسي بأن ألقنك درساً.
أرغمته على التحرك معي لنركض خلف لاري وبينديكت الذي ينبح بصوت عالي، حتى شعرت به يجاري سرعتي بصمت دون أن ينتزع يده.
وقفنا نحن الثلاثة نلهث بتعب في الزقاق الجانبي في أحد الشوارع القريبة وقد وقف بينديكت أسفل قدماي يلهث بحماس بينما يهز ذيله. أسندت يداي على ركبتي لأحني ظهري قليلاً ثم رفعت رأسي وسألت دانيال بأنفاس متقطعة: هل أضعناه؟
تحرك نحو الزاوية لينظر بحذر قبل أن يقول منزعجاً بشدة: يبدو لي أنه قد غادر!
مسح لاري العرق عن جبينه واعترض بوجهه المتورد: أنتِ السبب! لم أقصد كَسر تلك الأشياء أمام واجهة المتجر لقد كان عليكِ تركي وشأني!
اعترض دانيال بغيظ: أصمت أيها الأحمق لم يكن عليكما الهرب على كل حال فجيمس لن يستهدف سواي! لماذا كان قريباً في الأرجاء هذا الشرطي لديه حاسة شم قوية تجاه أي شيء يتعلق بي! لا يمكنه ان يكون جاداً.
ولكن لاري جادله بغضب وضيق: ولكنها من كسرت المصابيح ايضا لذا لا شأن لي!
نظرت إليه بغيظ: ومن الذي قام بدفعي يا ترى؟
لا أصدق أنني.
أهرب بعد التسبب بالمتاعب لمالك متجر يعيش حياته بسلام!
لماذا بحق الإله تصرفت وكأنني مشهورة بالسوابق وافعال الجنوح في الأرجاء؟
أغمضت عيناي وقلت بلا حيلة: على تعويض المالك، سأترك مبلغ من المال له لابد أن أعتذر عما حدث.
لوى دانيال شفته ومرر يده في شعره ليتساءل موجهاً حديثه إلى لاري: هل اكتفيت من اختطاف هذا الجرو؟ أرجو أنك قد استمعت بوقتك!
عبس لاري وتمتم على مضض: بينديكت يقضي وقتاً ممتعاً معي، هو لا يشتاق إلى خطاف الزمرد بقدر اشتياقه إلي.
قلّبت عيناي بملل وتكتفت بترقب في حين تنهد دانيال وقال يشير بإبهامه: لقد غادر جيمس، يمكننا العودة. لا أدري لما الهرب أصلاً منذ البداية، وكأنه لا يعلم أين منزلي! ياللحماقة.
ابتسمت بتهكم: اليس كذلك؟
استعاد طَبيعته وها هو ذا يتصرف على سجيته، على الأقل تخلصت من تلك الهالة الغريبة التي تحوم حوله!
شهق لاري فجأة ونظر إلينا بحذر وشك قبل أن يصيح بي: لماذا لمستِ داني! توقفي عن الأخذ بيده أيتها المنحرفة!
رمقته بفتور في حين لمحت دانيال الذي طرف بعينيه باستيعاب ينظر إلى معصمه.
ابتسمت بثقة وقلت اقترب من لاري: منحرفة؟
انحنيت نحو وجهه أقرب وجهي منه حتى مررت سبابتي على وجنته وقلت بمكر: والآن؟ بماذا ستلقبني؟
أجفل وقد تورد وجهه ليعود إلى الوراء حتى صرخ: بينديكت لا بد وأنك تعاني مع هذه المرأة الماكرة! ابتعدي عني.
نبح بينديكت بقوة بينما وضع دانيال يده على خصره ينظر إليه للحظة قبل أن يتساءل بتدارك: مهلاً كيس المشتريات الذي أوقعته من يدك بينما نركض، ماذا كان!؟
عبس بينما يجيب بضيق: جمعت بعض القوارير الفارغة لأجمع الحشرات الزاحفة فيها ولكنني تركت الكيس خلفي أمام المتجر.
شعرت بالإشمئزاز وقد قلت بإنزعاج: لا شيء جديد، سأعود إلى المنزل. ما كان على الخروج بخفين للمنزل تكاد قدماي تتمزقان، فليكن.
أسرع لاري يمسك ببينديكت وقال له بحماس: لنعد معاً.
حمله بين يديه وتحرك قبلنا فتبعته فوراً قبل أن القي نظرة على دانيال الذي يتبعنا بينما يحدق إلى معصمه الذي كنت امسك به.
اتسعت عيناي بذهول وتوقفت قدماي عن الحركة ما ان رأيته قد رفع معصمه نحو أنفه ببطء بأعين شاردة وقد ارتخى جفنا عينيه تماماً!
فغرت فمي بتلقائية حتى توقف ما ان استوعب وقوفي أمامه في الطريق لتتسع عينيه وسرعان ما أشاح بوجهه وقد برز عِرق عنقه بوضوح!، رفعت يدي نحو صدري أخفف من اضطرابي ودهشتي قبل أن أبعد عيناي بسرعة وألحق بلاري!