رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل السابع والعشرون
كَتاليا:
أنزلت الهاتف من على أذني وأنهيت المكالمة أحدق إلى السقف في الظلام بينما أستلقي على السرير بشرود.
رغم أن جاك أخبرني بموقع الحفل أخيراً. ورغم أنني قد أكون قادرة على تقديم يد العون لديفيد بشأن علاقته مع روز، ولكن. أن يخبرني ديفيد أنه لن يذهب إلى الحفل؟ اعتقدت أنه سيحظى بفرصة محاولة التقرب إليها أكثر وفهمها.
بأنهما سيصارحان بعضهما عشرات المرات حتى يتمكنا من تنقية علاقتهما من الغموض والشوائب التي تحول عن جعل الرابط بينهما أقوى.
ديفيد كان يتحدث بإيجاز تام سأكون مع عائلتي، أنجبت شقيقتي مولدها الأول ولا يمكنني تأجيل زيارتها .
بالطبع لن يتخلى عنها في ظروف كهذه، آه يا الهي على التوقف عن تعقيد الأمور في عقلي وحسب، لا بأس سيكون هناك فرص أخرى بلا شك!
استلقيت على جانبي أتمعن النظر بالجدول الذي أرسله جاك وتفاصيل فقرات الحفل.
سيكون الحفل على متن أكبر اليخوت في البلاد، سيتحرك على أطراف الساحل في تمام السابعة مساءً، سيتم تكريم العاملين لكافة الدعايات التسويقية خلال الفترة الماضية بعد الثامنة، كما وسيتم تكريم شركاء المجلة في تمام التاسعة والنصف، لا بد وأن هانا ستكون متواجدة ابتداء من هذا الوقت حتى قبل العاشرة في المسرح، لن يستغرق تكريم الشركاء أكثر من نصف ساعة تقريباً، وبعدها سيعود اليخت وينتهي الحفل وقد يكون هذا في حلول العاشرة والنصف.
أعلم جيداً أن هانا ستُفضِل البقاء في إحدى القاعات إلى أن يحين الوقت المحدد بدلاً من حضور الحفل منذ البداية، في حين لا يمانع لارز التواجد طوال الحفل.
لا بأس بلقاء لارز ولكن ستكون لدي فرصتي لأتوارى عن الأنظار فور وصول هانا.
كما لا أدري متى قد ينوي لارز تنفيذ أوامر أبي، إلا أنني سأكون حريصة على أن أسبقه بِخطوة. لا بد من التفاهم مع دانيال حول الأمر، سأكون مضطرة لأكون واضحة أكثر معه.
بالإضافة إلى انني مستعدة بالفعل. لِغضب أبي حول ما سأقدم على فعله!
أرخيت جفنا عيناي بلا حيلة وبقيت أمرر سبابتي على إطار الهاتف.
لا يجب أن أتجاهل الرسائل التي وصلتني، سأخبر أبي بكل شيء عندما تسنح الفرصة.
سأجعل الرسالة سبباً لتهدئته بعد أن يتفاجئ بمواعدتي لدانيال! سأطفئ غَضبه ما أن أصارحه بشأن الرسائل، لا بد وأن هذا الموضوع سيكون أهم بكثير من المواعدة.
والآن متى سأستسلم للنوم! على ان اكون بكامل قواي. هذا ما أريده ولكن هيهات!
أجفلت لوصول إشعار إلى هاتفي فنظرت إلى الشاشة أخفض الإنارة أكثر بينما اقرأها.
نائمة؟
عقدت حاجباي بإستغراب بينما أنظر إلى محادثة دانيال! لماذا لا يزال يقظاً حتى الآن؟
ليس بعد! لماذا لست نائماً؟
كانت لحظات قليلة حتى أرسل لي رمزاً متململاً وألحقه بقوله أنا في غرفة الجلوس، لنتحدث.
ماذا!؟ لا يمكنه أن يكون جاداً، عليه أن ينال قسطاً من الراحة سيكون الغد حافلاً بالكثير بلا شك! أنا في مواجهة حتمية وسأكون مضطرة لكسر كلمات وأوامر أبي، هذا بحد ذاته سيتطلب مني جهداً ولا بد أن أرغم نفسي على النوم أيضاً. ومع ذلك ربما محاورة دانيال الآن لن تكون فكرة سيئة.!
نظرت إلى بينديكت الذي ينام بجانب الخفين وقد بقي مستلقياً يسترخي، ارتديت الخفين وأخذت السترة الخفيفة لأرتديها فوق بجامتي القصيرة قبل أن أخرج من الغرفة بِهدوء.
المكان مظلم كعادته في وقت كهذا، الهدوء يعم الأرجاء ولا أسمع سوى خطواتي، رأيته يقف يشبك يديه خلف رأسه بينما يوجه ناظره إلى النافذة يحدق إلى الشارع.
اقتربت حيث يقف وقد تكتفتُ بترقب بينما أقول بصوت منخفض: تطلبت جلسة التصوير صباحاً مع فرانك وقتاً وجهداً، هو لم يتوقف عن الإتصال بي ليشتكي منك بينما لم تتوقف أنت عن مراسلتي لتطلب مصوراً غيره! فلماذا لا تسترخي بدلاً من البقاء حتى وقت متأخر؟
بقي هادئاً لفترة حتى ارتفع حاجباي بحيرة: ما الأمر؟
أنزل يده والتفت يرمقني بنظرة سريعة ثم أعاد ناظره إلى الأمام، ثواني معدودة قبل أن يقول بهدوء: كنتُ أفكِر كثيراً، بأن قرار المواعدة المؤقتة سيكون تهور كبير.
عبست و كدت أعترض فوراً لولا أن تمتم يتنهد بعمق: أدرك أنني وافقت بالفعل، ولكنني أشعر بضرورة التحدث بوضوح الآن!
أومأت بسرعة لأتساءل: تحدث، ما الذي تريد قوله؟ سأنصت إليك!
أعقبت محفزة: ألم تقل بأنك ستقدم هذه الخدمة بمقابل؟ أينَ تكمن المشكلة إذاً!
طرف بعينيه ببطء ورغم الإنارة الخافتة إلا أنه كان من الغريب أن تلمع مقلتيه ببريق التشتت بينما يقول ينظر إلى الفراغ: هنا تكمن المشكلة تحديداً! لِسبب ما. أعتقد أنه على التراجع ولا تسأليني لماذا، أنا فقط.
مرر يده في شعره للوراء ببطء قبل أن يثبتها خلف عنقه وأردف بينما يزفر بنفاذ صبر: لا أعرف ما الذي أريده، قد يكون هذا غريباً ولكنني. أردت مقابلاً آنذاك ومع ذلك لا أدري ماذا يكون!
لا يعلم المقابل الذي قد طلبه مسبقاً؟ ما هذا؟
أضاف بكلمات عشوائية وبدى يفكر أكثر من كونه يحاورني: يصعب شرح الأمر، كنتُ غاضباً حينها ولا أدري كيف وافقت حتى! كما لست متيقناً بعد إلا أنني مدرك على الأقل بأنه يوجد خطب ما خاطئ في قراري، يُفترض أن أرفض وحسب!
لانت ملامحي أتجاوز انزعاجي وقد تساءلت بهدوء: فكّر مجدداً، ما هو المُقابل الذي تسعى إليه؟
أعقبت بجدية: ما الذي تريده دانيال؟ أخبرني بالمقابل الذي كان يجول في خاطرك آنذاك.! وأياً يكن. سأقدمه إليه!
نظر إلى بصمت كما لو يردد كلماتي في ذهنه حتى أخفض عينيه ببطء، انزلقت يده من على عنقه وقد اقترب أكثر من النافذة وأسند جذعه نحوها للوراء، أخذ شهيقاً عميقاً ثم نفي برأسه وتمتم: لا أعلم.
أضاف بما أثار حيرتي بينما ينظر إلى السقف بشرود: كان الأول سيقبَل تقديم المساعدة فوراً، والآخر لن يبدي أي اهتمام.
الأول.
والآخر؟
بقي يُحدق إلى السقف للحظات حتى أخفض عينيه ينظر إلى الفراغ قبل أن يوجه عيناه نحوي يتساءل: ولكن ما الذي أريده أنا تحديداً.؟
لا أفهم شيئاً.!
كما لا أصدق أنه يطيل التحديق إلى بتمعن وهدوء! هو حتى بالكاد يطرف وقد تعلقت مقلتيه الزمردية على وجهي.
مختلف.
مختلف ويتصرف بغرابة بالفعل، أكثر هدوءاً ولكن مشتت بوضوح، ولسبب ما. وإن كان يحدق إلى فيبدو وكأن ذهنه شارد تماماً في مكان بَعيد!
ليس مندفعاً أو عصبياً كعادته!
وهذا. لا يشعرني بالراحة على الإطلاق، أكره. هذا الهدوء الغريب!
كيف من المُفترض أن أتصرف؟ يرفض مساعدتي بعد أن قبل بنفسه؟ لماذا قد يتراجع؟
اقترح أن يقدم خدمته التي لن تكون مجانية حتى فلماذا تردد فجأة؟
ما الذي. يريده حقاً؟
بطريقة ما يذكرني قوله بكلمات كيفين. ألم يقل بوضوح أنه ليس كارل أو المدعو دامين؟ لم يتوقف عن نعت دانيال بكلمات مسمومة تشير كلها إلى أنه. لا يتصرف على سجيته وحسب!
رفعت يدي اليمنى بتلقائية نحو شعري لأعيد الخصلات المتناثرة خلف أذني.
لا مَفر من حقيقة أنني اتخذت قراري بِالفعل ولن أتنازل عن كونه الصديق الحميم الذي سيرغم لارز على أن يتخلى عن فكرة تنفيذ أوامر أبي.
كما لا مهرب أيضاً من حقيقة أنني على استعداد تام لفعل أي شيء ليقتنع بأن خَيار التراجع ليس مقبولاً.!
أنا لست معتادة على هذا الهدوء الغريب وتصرفاته الغير واضحة، كما لن أقبل بما يقوله الآن.
إن كان شعوره بالغضب والعصبية تجاهي ككل مرة سيرغم هذا التشتت الغريب والمزعج على أن يتلاشى، فلا مانع من التهور مجدداً إذاً.! هل يتنحى غضبه وانفعاله أمام تشتته؟ هل هذا سبب كافي ليتصرف بكل هذا الهدوء؟
فليكن، حتى لو كان ما سأفعله تهور وحماقة ولكنني سأندم في جميع الأحوال!
هناك سَبيل واحد فَقَط ليغضب ثم يدرك الواقع، هناك سبيل واحد الآن سيجعله يستوعب أنه غير قادر على التراجع! ولكن قبل كل شيء سأتنازل قليلاً وأبوح له بجزء من أسبابي لعله يقتنع هذه المرة دون تردد.
أحكمت قبضة يدي وتقدمت نحوه بهدوء بينما يَستمر في النظر إلى وكلا جفنيه قد ارتخيا وبدى ثابتاً حتى عندما وقفت أمامه مُباشرة.
قلتُ بجدية وترقب: لا فكرة لدي عن دافع أبي، ولكنه ولسبب ما يبدو قلقاً بشأني. لا أعلم لماذا يتصرف بحذر شديد في الآونة الأخيرة ولكنه يصر على ضرورة أن أواعد لارز، مع أنه قال بكل وضوح أنها مجرد مواعدة مؤقتة زائفة ولكنني لم أستطع ارغام نفسي على الإنصياع لقوله، حاولت بدوري أن أقنعه بأننا.
ترددت قليلاً قبل أن أستكمل: بصراحة أخبرته أنك اعترفت لي ولا مانع لدي من قبول اعترافك.
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه قبل أن تتسع عيناه بإستيعاب، أسرعت أردف أتنهد بلا حيلة: كان مصراً جداً على رأيه واضطررت للكذب، صحيح بأنه لم يقتنع بكلمة واحدة تفوهت بها ولكنها ستكون مقدمة لا بأس بها عندما يرى أنني نفذت كل حرف، لم يكن على التهور وذكر أمرك دون إذن مسبق، ولكن حدث ما حدث.
تسلل الغضب إلى ملامحه تدريجياً حتى جز على أسنانه بقهر: لقد فقدتِ عقلك بلا شك!
مررت يدي على جبيني بإنهاك وقلت: يحق لك الانزعاج، أخبرتكَ أنني مدركة لحقيقة تهوري.
ضاقت عينيه بشك وهو يسألني بعصبية: وما فائدة ادراكك المتأخر دائماً.! قلتِ بأنه لم يقتنع، لماذا؟
لأنه. يعلم بأنك بعيد كل البُعد عن الجنس الناعم.
قلّب عيناه ووضع يده على خصره، ثم أومأ إيجاباً وقال بتهكم بينما يبتسم بجفاء وترقب: آه وهذا يعود إلى.؟
إلى معرفته بكل صغيرة وكبيرة حولي، قلت للتو أنه قلق بشأني وحذر جداً، لذا يعرف كل شيء دانيال، عن مكوثي هنا وعنكم وعن كل شيء!
إن كان يحظى بنصيب كهذا من النفوذ فلماذا يتركك هنا من بين كل الأماكن؟ لماذا تعرضتِ للتعنيف دون أي حدود؟ لماذا يثق ببقائك آمنة هنا؟ منزل يعج الرجال فأنّى له تركك هنا ببساطة؟
أخفضت رأسي قليلاً وقد لامستني كلماته، تحركتُ وجلست على مسند الأريكة المجاورة للنافذة وقلت: لا أدري ما الذي يجول في عقله وما الذي يريده، فكرتُ في كل هذا مسبقاً ولم أتوصل إلى نتيجة. ولكنني أدرك أنني أثق به تماماً ولا أشكك في قراراته.
ماذا عن قرار المواعدة!
إنه الأمر الوحيد الذي لن أتفق بشأنه معه.
والمدعو لارز؟
تاهت عيناي في الفراغ بتفكير بينما أتمتم على مضض: يفترض أنه سيرفض اقتراح أبي، ولكنه عاجز عن الوقوف أمام طلبه!
أعقبت بسرعة: أياً يكن دانيال أردت أن أكون واضحة معك، إن كنتُ بحاجة إليك فحري بي توضيح أسبابي على الأقل، أخبرتك بالفعل بما يسيّرني للإلحاح عليك، لست مرغماً على قبول طلبي ولكن عليك أن تعلم أنني لجأت إليك ولا أنوي البحث عن شخص آخر الآن، أعتقد أن أبي ينوي وضعي أمام الأمر الواقع، ربما سيقوم لارز بإعلان مواعدته إياي في الحفل لذا وجب على أن أسبقه.
عندما أنهيت كلماتي ولم أتلقى منه رداً رفعت عيناي نحوه، وجدته غارقاً في أفكاره تماماً وبدى في عالم آخر!
ابتعدتُ عن مسند الأريكة واتجهت إليه فأفاق من أفكاره ليقول فوراً بشك وإضطراب: ماذا!
سترفض؟
أشاح بِوجهه وقال بينما يسند مرفقه على اطار زجاج النافذة: إن فعلت؟
نظرت إليه بِهدوء قبل أن يتفاجئ بكلماتي: سأتجاوز حدودي للمرة المئة، لن أتركك وشأنك دان.
أعقبت بفتور: في الحقيقة أنوي إثارة غضبك، أنت شخص يسهل اقناعه عندما ينفعل!
عقد حاجبيه بغضب ولوى شفته بإزدراء: هل سترغمين التاريخ على تسجيل دروس المثابرة الخاصة بكِ؟ أنتِ غير معقولة متى ستتعظين وتتعلمين من أخطائك؟
المهم الان دانيال أنك الرجل الذي سأواعده مؤقتاً.! لا يجب ان تتراجع لا وقت لدي للبحث عن حلول بديلة.
لماذا أنا من بين الجميع؟ قلتِ الكثير آخر مرة ولم تتوقفي عن التشعب في حديثك ولكنني أريد توضيح مقنع الآن! لماذا أنا بحق الإله؟
تلقى جوابي السريع بِحزم: أشعر بالاطمئنان إلى جانبك.
ارتجفت مقلتيه بتوتر وقد بدى متفاجئاً لِقولي وهو يحدق إلى بتعجب.
استكملت قولي بجدية دون توقف: لم أكن لأطلب أمر مماثل من رجل لن أشعر بالاطمئنان إلى جانبه، لن تلمسني عنوة ولن تؤذيني، لن تقوم بوضع اصبع واحد على حتى لو بلغ بك الغضب حدوده كما لن تتردد في مساعدتي أو حمايتي! ان كنتَ تعرف رجل آخر يتمتع بهذه المواصفات فسأكون سعيدة ان قمت بتقديمه إلى لترشحه لهذا الدور.
بالكاد طرف بعينيه والذهول قد تربع على وجهه!
بدت انفاسه سريعة بعض الشيء ثم سرعان ما زفر ونظر من خلال النافذة لتلين ملامحه، أعاد ناظره إلى وقد ألجمتني كلماته الموجزة الهادئة: ما تفوه بهِ كيفين. لا يقلقك؟
كنت أعلم أنه يتصرف بطريفة غريبة منذ ذلك الوقت ولكن. أن يتحدث بوضوح بهذا الشأن الآن؟
أردف وقد انخفضت نبرة صوته: كيفين يعجز عن كبح الكلمات التي تجول في خاطره، عندما ينفجر لن يتردد في القاء الحقائق ولن يبالي بالعواقب، حتى وإن رفض توضيح ما يحاول قوله ولكن حدسي يخبرني بضرورة.
صمت فحفزته بهدوء: بضرورة ماذا؟
أن تَبقي بعيدة عني قدر الإمكان.
فغرت فمي قليلاً أتأمل ملامحه الهادئة بينما يطرف ببطء، يريدني أن أبتعد عنه لسبب هو نفسه لا يدركه؟ ما الذي يقلقه إلى هذه الدرجة؟ هل على المخاطر واستخدام كلمات كيفين ذاتها؟
إن فعلت هذا.
هل سيسوء الأمر؟ ربما سنتشاجر وسأخلق مصيبة من العدم!
وعدني كارل أنه سيبوح لي بكل شيء في القريب العاجل فربما. لا يجب أن أتهور أو أتسرع!
تجاهلت رغبتي العارمة في مصارحته وقد وجدت نفسي أبتسم متسائلة: دانيال. هل يمكنك البدء بكسر حاجز مهم الآن؟
استنكر سؤالي وهو ينظر إلى بترقب فأعقبت موضحة أحافظ على ابتسامتي الهادئة: لا أنوي الإبتعاد عنك، على الأقل ليس الآن. اللحظة التي وافقت فيها على اقتراحي تم اقرار الأمر بالفعل، نحن في نظر الجميع وبدءاً من الغد صديقين حميمين يتواعدان بصورة طبيعية، كُن مستعداً وأحسِن التظاهر من فضلك.
أكملتُ أشبك يداي خلف ظهري متسائلة: ما اسمي؟
جمدت ملامحه للحظة باستغراب شديد قبل أن يفهم ما أشير إليه وقد أسرع يشيح بوجهه.
سألته مجدداً بإصرار بينما أقلّص المسافة فبقي يَسند مرفقه عَلى النافذة حتى اعتدل ووقف باستقامة ليقول بِجفاء: المستأجِرة المزيفة.
ابتسمتُ بلا حيلة: آه نعم وأيضاً؟
لم تفتني البحة الغريبة في صوته وهو يستكمل بإنزعاج ويُعدد: المصوِرة المُلِحة المتطفلة، الجريئة المُدللة المهملة، ماذا أيضاً! يوجد الكثير ولن يسعفني الوقت!
اقتربتُ أكثر حتى كتم أنفاسه قليلاً وقال مُحذراً: ماذا الآن؟ ابتعدي!
رفعتُ يمناي وقد تفاجأ بي أصافح يَده لأقول بجدية: ما اسم المرأة التي ستواعدها؟
سرت الرجفة في أنامله في حين كنت أستمر في التحديق إليه بحزم وترقب: لماذا التفوه باسمي صعب إلى هذه الدرجة؟ أريد سماعك تتفوه بهِ حالاً، وإلا سيتعقد الأمر أمام الجميع ولن يبدو طبيعياً بالنسبة لأي شخص.
انتزع يده وابتعد عن النافذة يتجاوزني وقد قال يلوي شفته منزعجاً بإقتضاب: ياللوقاحة، لم أسمع يوماً عن التفوه بإسم شخص ما بالإكراه!
أعقب بفتور: تأخر الوقت كثيراً، سأذهب للنوم، اذهبي أنتِ أيضاً.
لويت شفتي بإمتعاض شديد وقبل أن يتحرك سألته بإصرار: بماذا ستنادي بي أمام الجميع؟
تجهم يكمل طريقه وقد قال على مضض: سأفعل ما يجب على فعله في الوقت المناسب، ث. ثم الأمر ليس بهذه الصعوبة لذا كفاكِ سخفاً.
توقف عن الحركة وبَقي شاخصاً في مكانه عندما أمسكت بقميصه من الخلف.
نظر إلى من فوق كتفه وقد اعترض مضطرباً: كم أنتِ عنيدة!
أحكمت قبضتي أكثر على قميصه وقد حدقت إليه بجدية: لستُ قلقة.
هاه؟
سألتني ما إن كنتُ قلقة بعد كل الكلام الذي تفوه به كيفين، لا أنكر أنني أشعر بالغرابة والتشتت تجاه تصرفاته وما يعنيه ولكنني. لستُ قلقة.
ارتفع حاجبيه قليلاً وحدق إلى بصمت فأكملت بهدوء: بالأحرى. أنا لست خائفة من التقرب إليك.
أخفض ناظره فوراً وقد ارتجفت شفتيه برجفة طفيفة قبل أن يُعيد وجهه للأمام بعيداً عني. بقي يلتزم الصمت لفترة طويلة حتى ارتخت قبضتي وتركت قميصه، ظل واقفاً حتى أخذ نفساً عميقاً وتحرك يكمل طريقه لبضع خطوات فقط قبل أن يتوقف وسألني دون أن يلتفت: قلتِ بأننا سنخرج من المنزل في تمام الخامسة مساءً؟
صحيح، كما سنذهب معاً بسيارة أخي التي سيرسلها، الحفل سيكون على متن أحد أكبر اليخوت كما أنه يوجد عدد كبير من الحضور، كل ما عليك فعله هو البقاء إلى جانبي ومسايرة الوضع قدر الإمكان فقط.
متى ينتهي كل هذا؟
أجبته بتفكير: قال جاك أن الحفل الرسمي يبدأ في تمام السابعة تقريباً، أعتقد أنه يمكننا المغادرة عندما يَعود اليخت إلى الساحل.
وكم سيستغرق زمن العودة!
تساءل يلتفت بإستغراب فقلت أرفع كتفاي: لا أعلم، ليس قبل العاشرة؟ لست واثقة.
قلّب عينيه بضجر شديد وأومأ بلا اكتراث يتمم بنفاذ صبر: قد أخذ احتياطاتي وما يلزم، من يدري قد أضطر للعودة سباحةً بنفسي.
تبعته ساخرة: لا أستبعد قيامك بفعل مماثل ولكنني أخبرك منذ الآن أن تتحلى بالصبر، أنت مدعو إلى الحفل بصفتك عارض يقوم بالترويج لألعاب المجلة. كُن حليماً قدر الإمكان.
لوح بيده بعدم اهتمام وتحرك نحو الغرفة في حين اتجهت إلى الدرج.
وقبل أن أصعد على الدرجة الأولى نظرت إليه بهدوء فوجدته يضع يده على قبضة الباب ينظر إلي، ابتسمت له وقلتُ بصوت خافت بينما أغمز ممازحة: لن تقول لحبيبتك كلمة لطيفة مثل. تصبحين على خير؟
أجفل في مكانه بِدهشة وقد أسرع ليدخل إلى الغرفة لولا أنه لم يكن يدير القبضة جيداً وضرب بصدره الباب بتوتر حتى نجح في فتحه واختفى عن ناظري.
ابتسمت أنظر إلى الباب حتى تلاشت ابتسامتي ببطء.
هو بالفعل.
مختلف عن ذي قبل، أكره حقيقة هروبي من تغييره الواضح، ولكنني مرغمة على ترك الكثير من الأمور جانباً لحين التخلص من بعض العوائق أمامي، كان شارد الذهن طوال اليوم، لَقد حاول التحدث إلى كيفين ولكن الأخير يقوم بصده.
لا أدري كيف أصف هذا الإختلاف ولكن. الأمر لا يتعلق بهدوءه أو قلة انفعالاته مؤخراً وإنما بتعبيرات وجهه، بتحركاته، بالكلمات التي ينتقيها، وبالتشتت الواضح الذي يعتريه!
أ. أياً يكن كتاليا، ركزي في شؤونك واتركي كل شيء كما هو!
كارل:
اتكأت على الباب خَلفي فور أن أغلقته وتكتفت أنظر إلى دانيال ابتسم بمكر بينما يرتدي البدلة السوداء أمام المرآة: لم أرى أخي يوماً بمثل هذه الأناقة!
ابتسم لي بثقة وأشار إلى نفسه بإبهامه: تشعر بالفخر؟
أومأتُ مسايراً: آه كثيراً! من هيئة الرجل الجانح الذي ينتمي إلى عصابة الحي إلى رجل مُهندم أنيق.
البدلة التي أرسلتها الآنسة كتاليا إذاً!، إنها تناسبه جداً.
ابتعدت عن الباب وتقدمت نحوه لأبتسم بلا حيلة: يبدو مظهرك مختلفاً حقاً، أياً يكن ضع ربطة العنق ما الذي تنتظره؟
أشار بيدهِ نحو السرير وقال يعقد حاجبيه: هل على ارتداءها؟
توجهت لأخذها بينما أجيبه: بالطبع، مظهرك الحالي يبدو لرجل مافيا، ضعها لتصبح هيئتك أكثر رسمية إياك وجلب الخزي إلى الآنسة كتاليا.
اعترض ينظر إلى ربطة العنق وينتزعها مني: التفكير بربطها حول عنقي فقط يشعرني بالاختناق.
حاول أن يضعها بصورة صحيحة ولكنه لم يفلح، زفرتُ بملل وأخذتها منه بهدوء: اثبت مكانك!
ساعدته على وضعها وبينما كنت أقوم بِذلك كان هو يقوم بتصفيف شعره يسرحه للوراء منهمكاً فانزعجتُ وقلت منبهاً: انتظر قليلاً ريثما أنتهي!
طُرِق الباب مرات معدودة ثم فُتِح لتطل الآنسة كتاليا برأسها.
انتبهتْ لوجود دانيال فرسمت على ثغرها ابتسامة وهي تدخل تتأمله بإعجاب واضح بينما تقول بنبرة تعجب وحيرة: هذا أنتَ حقاً! أفضل بكثير مما تصورت، تبدو جذاباً جداً كُن حذراً ألا يتجمعن النساء حولك!
وقفت على مقربة منا، بقيت أنظر إليها وقد أبعدت ناظري عنها بسرعة، رغم أنها متأنقة معظم الأوقات ولكنها تبدو الآن ملفتة أكثر بمظهرها هذا.!، انتبهت لدانيال الذي ارتخت يده التي كانت فوق شعره وقد أنزلها يحدق إليها بينما حاجبيه قد ارتفعا وفغر فمه قليلاً.
بقيت عيناه تحملق بها في حين قالت هي بتدارك على عجالة بَينما تعود حَيث الباب بخطى واسعة: سأتجه إلى موقع شقتي لأستلم مفتاح السيارة من هُناك، أرسل أخي السائق ولكن لا أحد منهما يعلم بموقعي هنا بعد. لن أتأخر كُن متأهباً دان إياك والتأخر!
ما أن خرجت حتى طرف بعينه بإسيتعاب ونظر إلى الفراغ للحظة حتى ابتلع ريقه بوضوح.
تصاعدت الدماء في وجهه وبرزت عروق صدغيه، أشاح بناظره بعيداً حتى سمعته يهمس معترضاً: لحظة واحدة ذلك الفستان. مبالغ فيه!
عقدت حاجباي بحيرة: تبدو أنيقة، أين تكمن المشكلة!
طرف بحركة سريعة بعيناه ونفي برأسه متذمراً: لا أدري أين تكمن المشكلة تحديداً ولكنها.
تفاجأت بأمارات الشرود على وجهه ينظر حيث كانت تقف وقد همس يضع يمناه في جيب بنطاله: هذا سيء.
س. سيء؟ من أي ناحية سيء بحق الإله؟، سألته بشك: ما خطبك؟
تحرك يزفر وجلس على طرف السرير يقول بإنزعاج: آه سحقاً لا تسألني عن أي شيء!
أستلقى للوراء ينظر إلى السقف فنهرته: أفسدت شعرك أيها المهمل، لا يجب أن تتأخر!
بقي يحدق إلى السقف مطولاً حتى رفع يمناه يُحركها بطريقة لولبية وتمتم: موّجت شعرها بتلك الطريقة.
طرف ببطء وبقي يحدق إلى السقف قبل أن يتساءل: أليس من الخطر مرافقتها؟
تكتفتُ بحزم: أي نوع من الأفكار تراودك الآن تحديداً؟
نفي برأسه وأجاب بينما يجلس على السرير بإمتعاض: الكثير كارل، رأسي مزدحم ويكاد ينفجر! ل. لم يكن عليها أن تبالغ! بربكَ لا يمكن أنني سأتصرف وكأنني لا أراها! لا زال الوقت مبكراً سأقترح عليها أن تستبدل فستانها بآخر أطول أو أوسع، وأن ترفع شعرها وحسب لا داعي لكل هذه المبالغة! إنه مجرد حفل رسمي مهني لماذا تكشف الكثير من ساقيها أو ت.
لا أرى أنها بالغت في مظهرها، كما يجب أن تتأنق في مناسبة مماثلة اليس كذلك؟
التزم الصَمت وبقي التعبير المنزعج يَعتلي وجهه.
ما الذي يزعجه؟ إن كانت تبدو أنيقة مُلفتة فلماذا قد ينزعج؟ هل تختلط الأمور بالنسبة له؟ هل هناك أسباب أخرى إضافية تسيّره لقول هذا الآن؟ دانيال بطريقة ما. ربما يشعر بالقلق بالفعل! إن كان قلقاً مما أفكر فيه فلا بأس من استدراجه قليلاً، لقد وعدتها بأن أحاورها في أقرب وقت ممكن!، وهذا ما فعلته إذ قلت بفتور: أنا واثق أن الآنسة كتاليا ستلفت أنظار الرجال هناك، ستحظى بفرصة العثور على رفقة في الحفل لذا لا بأس سيكون كل شيء بخير!
نظر إلى بجفاء للحظة ثم سرعان ما تكتف ورفع حاجبه الأيسر بحزم: تغيير ذلك الفستان. فكرة جيدة.
ضاقت عيناي وسألته مباشرة دون مراوغة: ألا تعتقد أن الأمر يرجع إليها وحدها؟ أين تكمن المشكلة إن حظت برفقة في الحفل؟ حتى لو قامت بتغييره فمن الواضح أنها ستبقى ملفتة بطبيعة الحال! كما أنه لا حق لك في طلب أمر مماثل منها.
أومأ فجأة إيجاباً: محق! حتى لو ارتدت رداءً مهترئاً، المشكلة لا تكمن فيما ترتديه تحديداً.!
أعقب يرفع ابهامه نحو فمه يتمتم بتفكير: لا بأس، لماذا أميل إلى تعقيد الأمر!، في النهاية أنا من يرافقها!
ما نوع هذه الرفقة تحديداً؟
رمقني بتدارك ونفي برأسه بينما يُغير الموضوع يُشير إلى ربطة العنق: أسرع قُم بربطها جيداً لا أريد الإضطرار لتعديلها لاحقاً.
وقف أمامي مباشرة فبدأت أربطها حول عنقه، بدى مستغرقاً في أفكاره وكم كانت عيناه شاردة لا تزال تحدق حيث كانت تقف!
تحرك لساني من تلقاء نفسه لأتساءل بهدوء: هل فكرة أن يرافقها رجل آخر. تزعجك؟
نظر إلى بتفاجؤ وعقد حاجبيه يردد بإستنكار: لماذا سيرافقها رجل آخر في المقام الأول؟
ماذا لو حدث هذا؟
رفع كتفيه ببرود: لن يحدث.
لِماذا؟
ما خطبك كارل لماذا أنت مزعج جداً! دور جيمس لا يليق بك لا داعي لكل هذه التحقيقات.
أخفضت ناظري نحو ربطة العنق وتمتمتُ ببرود: تبدو واثقاً أنها لن تحظى بأي رفقة من رجل ما. أمرك غريب!
أعقبتُ أبتسم بتهكم بينما أبعد يداي فور أن انتهيت: الآنسة كتاليا ستلفت الأنظار بلا شك، لا أستبعد أن يطلب رجلين أو أكثر مرافقتها ولو لِساعة، أن تذهب أنت معها لا يعني بالضرورة أن تكون إلى جانبك طوال الوقت من بين جميع المتواجدين. فأنت في النهاية عارض يعمل لصالح المجلة وتقوم هي بإدارة أعمالك مؤقتاً ولا منطق من وقوفك إلى جانبها حتى النهاية.
رفع حاجبه الأيسر بخفة يحدق إلى مطولاً.
بقي يتأملني للحظة قبل أن يطرف ببرود وقد استنكرت النبرة الباردة التي سيطرت على صوته بينما يتمعن النظر إلي: اتخذت قراري بالفعل.
قطبت جبيني بعدم فهم: أي قرار؟
تمكن مني هاجس أرغمني على ترقب قوله بتركيز حتى انفرجت زاوية فمه بابتسامة باردة وقال: أنا لها.
ه. هاه!؟ أنتَ ماذا؟
اتسعت ابتسامته أكثر بينما يتحرك ليأخذ هاتفه من على المنضدة: جانبها المتملك بينما تبحث عن مصلحتها الخاصة يصر على التمسك بي، لذا لا أمانع أن أكون لها.
مهلاً.!
لماذا.
يتحدث باستمتاع؟
بقيت أحدق إليه بعدم استيعاب لأراه قد وقف يعبث بهاتفه قبل أن ينهمك بالنظر إلى شاشته.
قرر أن يكون لها؟ ما هذا فجأة بحق الإله؟
تساءلت فوراً بتدارك: ثم ماذا؟ ما الذي سيحدث بعد ذلك دانيال؟ إن أصبحت لها. ما الذي من المفترض أن يعنيه هذا؟
بقي ينظر إلى هاتفه بتبرم بينما يجيبني: هذا ما سأكتشفه أنا أيضاً، لا تبدو فكرة سيئة.
أنت لست ذلك النوع من الاشخاص، منذ متى تسلم نفسك الى شخص ما ببساطة؟ لماذا قد تسلم نفسك لها ما الدافع؟
قد تكون استثناء.
أعقب بفتور: كما ان الأمر لم يكن بهذه البساطة.
حتى وإن كانت تسعى إلى مصلحتها الخاصة ولكن. ألا تعتقد أن مبدئك في مسايرتها نوعاً ما. غير متزن؟
أومأ ببطء وتمتم يتنهد ويدس هاتفه في جيبه: أريد أن أرى بنفسي نهاية ما سيؤول إليه هذا الوضع، سأقوم بمسايرة جنونها وأسلم نفسي لها تماماً.
بدى جاداً غريباً وهو ينظر إلى اليسار حيث انعكاسه في المرآة وأردف: هُناك ما على فهمه، شيء ما بشأنها يثير حيرتي.
ثم ألقى على نظرة سريعة بينما يتحرك ينوي التوجه نحو الباب وهمس ما ان وصل حيث أقف: قد يرغمك هذا على الاستسلام والبوح بما تخفيه أنتَ أيضاً كارل.
فغرت فمي قليلاً ولا أنكر أنني تفاجأت من قوله!
ومع ذلك حافظت على هدوئي واستوقفته بجدية: هل تعي المعنى الحرفي لما تقوله؟ هل تدرك ما تشير إليه كلماتك عندما تصف الأمر بأنك ستسلم نفسك لها حرفياً؟ عندما يتفوه الرجل بأمر مماثل فلا بد ان تحمل كلماته معنى مختلف تماماً.!
اتجه نحو الباب وقبل أن يرفع يده نحو القبضة التفت ينظر إلى بهدوء ثم تنهد بعمق وقال: لا تحلق بأفكارك بَعيداً، أخبرتك أنني أسايرها لا داعي للتركيز على كل حرف أتفوه به!
ثم لانت ملامحه ورسم على ثغره ابتسامة مضمرة ليقول يخفض عينيه: لا بأس بأن تجيد فن الإستدراج وتحاول فِهمي، ولكن. جرب مصارحتي على الأقل، حاول أن تتحدث معي بأريحية ولا تُعاملني بمثل الغموض الذي اختاره كيفين.
أعقب بما أثار في نفسي ضيقاً شديداً وأرغمني على ابتلاع ريقي: قال دامين ذات مرة أنني شخص غير موجود بينكم وفي الوقت نفسه أنا الجميع، استدراجك إياي وحذرك في كل مرة كارل يُشعرني بأن كلاكما تفكران بالأمر نفسه! قلتُ هذا عشرات المرات وسأقوله مرارا وتكرارا أنا لستُ الهيئة التي يفسرها الجميع كما يرغب ولكن لا أحد يفهم، حتى لو كنتُ على يقين بأنكَ حذر بشأني رغم جهلي لمخاوفك أو ما تفكر فيه ولكنني لست ساذجاُ لئلا الاحظ قلقك، إن واصلت اتباع هذا السلوك محاولاً استدراجي وفهمي فربما.
همس يحدث نفسه بشرود: أياً يكن، سأختار الصمت للوقت الحالي، عندما تتنازل وتصارحني سأكون مستعداً لسماعك.
أغمضت عيناي بلا حيلة ونفيت برأسي مهدئاً: لا تقل هذا، الأمر ليس.
ما الذي من المُفترض أن يعنيه كيفين بكلماته؟ شخص بلا هوية محددة؟ أتصيد الأخطاء؟ هل أفعل هذا حقاً؟
توالت أسئلته وقد بدى مشتتاً يعقد حاجبيه بإنكار شديد واضاف بنبرة قد علت قليلاً: لماذا يغضب عندما أقدم له المساعدة؟ لماذا قد يشعر أي شخص بالإنزعاج عندما يتم تقديم يد العون له؟ هل يفترض أن أقف مكتوف الأيدي؟ لم أعد أفهم لماذا يردد الجميع أنني. أحشر أنفي في شؤونهم وأتباهى! إن كان هذا ما أقوم به حقاً فأنا.
أضاف ينظر إلى بضياع: ما الذي. أفعله تحديداً كارل؟ ما الذي أقوم به طوال الوقت؟ لماذا هي فَقط من تُبدي لي حاجتها الماسّة إلى دون تردد؟ ولماذا أطارد أنا الجميع لأقدم المساعدة في المقابل؟ أين من المفترض أن أقف تحديداً؟
حاجتها إليه.
تغذي النقص الذي يلازمه!
تحركت قدماي فوراً نحوه بخطى واسعة ووقفت أمامه أتحدث بصوت متهدج أسيطر على هدوئي بصعوبة: قُل ما شئت دان! تحدث كما تريد، أنا أنصت إليك ولن أتردد يوماً في سماع كلمة تقولها ولكن. كُن واضحاً مع نفسك أولاً عليك أن تبوح بما يجول في خاطرك وحسب!
حدق إلى بصمت فأكملت محفزاً بجدية وحبور: قلتَ بأنكَ لها. يصعب تجاوز تصريح كهذا دانيال، أخبرني بالحقيقة. ما الذي تعنيه بقولك؟ كيف ستنفذ هذا؟ ما معنى أن تسلم نفسك لها؟ هل من الصعب أن تصف ما تشعر به؟ لا بأس بحروف أو كلمات مبعثرة لا يجب أن تجتهد بصياغة قولك أنا أنصت إليك!
بقي ينظر إلى يطرف ببطء حتى أخفض عينيه ونفي برأسه بهدوء.
كانت لحظات قليلة حتى رفع عينيه مجدداً ينظر إلى وهمس: لا أفهم، اعتقدت في البداية أنها تذكرني به، بأنها فتاة مهملة مدللة لا تجيد التصرف وتحتاج إلى شخص يتحمل مسؤوليتها، ولكنني الآن لم أعد أفهم لماذا أنا.
صمت قليلاً قبل أن يبتسم بضمور يجوبه إقتضاب غريب: لا أدري إن كان الوصف الأدق ولكنني. أشعر بالغبطة لسبب ما.
عقدت حاجباي بعدم فهم: تغبطها؟
نفي برأسه وتنهد: لا أعلم لا تسأل أكثر، هناك ما يزعجني بالفعل بشأنها.
لهذا. تثير حيرتك واهتمامك؟
أعقبت بتشتت: دان. أن تسلم نفسك لها. هل ما تحاول قوله هو مسايرتها مؤقتاً حتى تكتشف ما يجول في خاطرك؟ هل ستسغل الفرصة لتفهم ما ينتابك مؤخراً؟
بقيت عيناه تجوب على وجهي حتى قال يشيح بوجهه ينظر إلى الفراغ: مؤخراً؟
رسم ابتسامة متهكمة وأكمل: ربما منذ زمن بعيد، أو حتى منذ البداية، ما ينتابني ليس شعور وَليد اللحظة، ولكن. قد أكون جيد في التهرب منه منذ وقت طويل.
تحركتُ لأقف أمامه حيث يوجه رأسه وقلت بجدية: أنصت إلى ما يقوله قلبك لك! من الضروري على الإنسان أن يسمح لنفسه بالتحدث بصراحة دون قيود، إن توقفت عن الهرب من نفسك فأعدك أن تعثر على كافة الإجابات التي تبحث عنها!، لذا تفوه الآن بأول كلمة تفكر فيها؟ ما الذي يرغب لسانك في قوله حالاً؟
ارتخت ملامحه كثيراً وبقي غارقاً في أفكاره حتى تحرك فمه يهمس كما لو يحدث نفسه: هي.
هي ماذا؟
استدار مجدداً نحو الباب وضغط بيده بقوة على المقبض حتى لمحت الرجفة الطفيفة التي سرت فيها وقد أجاب بصوت هادئ بينما يفتح الباب: تختلف عنهم.
هي مختلفة؟
بقيت في مكاني أنظر إلى الباب الذي أغلقه خلفه ولا ادري كم بقيت على وضعي!
مررت يدي خلف عنقي بإنهاك، أعترف بأنني أحاول فهمه طيلة الفترة الماضية ولا سيما بشأن حقيقة ما يشعر به تجاه الآنسة كتاليا، ولكنني لم أكن لأفكر بالطريقة نفسها التي يتبعها دامين!
لم أكن لأحاول يوماً زراعة أي أفكار مسمومة في عقل دان مهما حدث، أحاول انتشاله من تشتته الذي يجهله، أريد أن يستوعب ويدرك ما يريده حقاً! أن يتوقف عن اتخاذ طريق ومسار لا يناسب غاياته الحقيقية.
دانيال.
لا يدرك حقاً ما يريده.!
أريده أن يتصرف على سجيته فقط!
لن يتوقف عن ايذاء نفسه حتى يشعر بالرضى من ثناء من حوله له، لن يمانع التباهي بالألم الذي يشعر به او حتى تجاهل مداواة جروحه حتى يُرغم من حوله على النظر اليه كالبطل القوي الذي يمكنه التغلب على أي محنة يواجهها.
لن يتوقف عن طمس نفسه. لن يكف عن تشتيت هويته الحقيقية بين أدوار يرغم نفسه على أدائها، لن يشعر بالاكتفاء.
كما ليس من السهل تحديد ما ان كان بالفعل يكن مشاعر عاطفية كالإعجاب نحوها، ولكن من السهل ملاحظة أنّ جزء كبير من مشاعره يتم تسييره عن طريق رغبته الكامنة في معاملتها ك. ملجأ خاص!
الشخص الذي لا يتردد في التفوه بكل عيوبه ومساوئه بصوت عالي، الشخص الوحيد الذي لا يمانع أن يبرز الجانب السلبي من شخصيته، الوحيد الذي لا يشعر بالحرج من التصريح بكل هذا بصوت عالي. الآنسة كتاليا!
لقد طفح الكيل بكيفين الذي نال كفايته من نقد دانيال له طوال الوقت، وظهور الآنسة كتاليا في حياته جعله يصرف ناظره عن كيفين تماماً!، ولكن كيفين والآخرين من حوله كان يجيد انتقادهم وعتابهم دون قيود حتى لو كان ذلك يَعني التحقير من شأنهم بقسوة. ما الذي اختلف الآن؟ لماذا لا يسير الأمر على نحو مماثل مع الآنسة كتاليا؟ ما الذي يثير حيرته بشأنها؟ وهل هو السبب نفسه الذي. يقيّده ويهذب سلوكياته عما سبق؟
آه تباً لا يمكنني التوصل إلى أي شيء!
لا يهم.
لم أعد أهتم بتوصلي إلى أي نتيجة سأصارح الآنسة كتاليا عند عودتها وحسب، عندما تحركت لأخرج من الغرفة رأيت أبي الذي دخل بوجه هادئ وأغلق الباب خلفه، نظرت إليه بترقب وحيرة فقال بجمود: عندما يَعود دانيال من ذلك الحفل، سأحتاج إلى مُساعدتك.
عقدت حاجباي بإستنكار: بشأن ماذا؟
نظر إلى للحظات مطولة قبل أن يقول بكلمات بطيئة موجزة: غيّرت رأيي بشأن بقاء كتاليا على مَقربة منه، سأضع حداً بينهما.
فاجأني قوله وقد تساءلت في نفسي ما إن كان قد سمع أي شيء مما دار بيننا قبل لحظات؟ ولكن لا يبدو ذلك صحيحاً! لن يتردد في اقتحام الغرفة إن كان قد سمع أي شيء لا يعجبه.
هل. ينتابه القلق حول طبيعة علاقتهما الآن؟
حدقت إليه بإستنكار فقال بِجفاء: وجودها بالقرب منه قد يورطها، أنا مُضطر للتصرف!
فغرت فمي بدهشة فأعقب بحدة: لا تنظر إلى هكذا ولا تدعي الغباء كارل، أنت تعلم جيداً ما أشير إليه! ذلك المهووس لن يترك دانيال وشأنه ولا سيما وهو يرى كتاليا تحوم حوله بِعناد وإصرار.
استدار وقال بجدية وتحذير: سيكون لنا حديث في هذا الشأن لاحقاً ولكن قبل عودتهما، لستُ واثقاً مما أقوله الآن ولكن دانيال يبدو لي مستعد لفعل أي شيء ليرغمه على اظهار نفسه ويعلن وجوده، حتى لو كان ذلك يَعني استفزازه بأسوأ الطرق.
اعترضت فوراً استوقفه: مهلاً أبي، راودتني شكوك بالفعل في البداية، ولكنني أؤكد لك أن دانيال لا ينوي استغلال وجود الآنسة كتاليا بهذه الطريقة!
تجهم وجهه بشدة وعلا صوته قليلاً: وعلى ماذا تستدل؟
لا دليل بحوزتي ولكنني اعلم جيداً أنه لن يمسها بسوء!
إن كنت تفتقر إلى دليل واحد واضح فأنصت إلى ما أقوله ولا تثرثر.
هو مهتم بها.! على الأقل اهتمامه لا يأخذ منحنى سلبي، حتى لو كان ينقصني دليل يدعم ما اقوله ولكنني أثق به، أعلم أنه يتصرف بغرابة وهناك ما يسيّره ولا بد وأن الكثير يشغل تفكيره ولكنني أعلم جيداً أنه لا ينوي إيذائها او استخدامها كطعم ليظهر دامين نفسه.
أعقبت بحزم: ثِق به! حتى لو كان متعلق به ويرفض استيعاب رحيله ولكن. دانيال على استعداد لتعريض نفسه للأذى في سبيل أن تبقى هي آمنة.
جادلني ببرود: كان دائماً على استعداد تام ليتلقى الأذى بالنيابة عن الآخرين. اكتفيت من رؤيته يُدمن هذه الطريقة ليرضي نفسه.
نفيت برأسي واقتربت منه بجدية: الأمر مُختلف هذه المرة.
لا وقت لتثبت ذلك.
لماذا تبدو على عجلة من أمرك بحق الإله أبي!
أكملت بإنزعاج: لقد اتخذت قراري، سأصارح الآنسة كتاليا، كما وسأتحدث إلى دانيال بكل وضوح.
أخفض عيناه الزرقاء للحظة وطرف بهدوء قبل أن يقول ببرود: كلماتي كانت واضحة بما يكفي، ساعدني لأضع حداً لعلاقتهما.
حتى لو كان قد بدأ بالإعجاب بها؟
سألته باندفاع فأتى جوابه سريعاً بعصبية: لا يُهم!
تمالكت نفسي وقلت أجز على أسناني: امنحني فرصتي على الأقل! دع الأمر لي وأعدك أنها ستكون محاولة واحدة فقط!
تورد وجهه اثر غضبه وقد اقترب يقلص المسافة حتى وقف امامي مباشرة وقال: الضغط الذي كان يمر فيه، الظروف التي أرغمته على ما هو عليه، الوضع الذي وجد نفسه فيه. كل هذا مسؤوليتي أنا.
نفيت برأسي بلا حيلة وقبل ان اتفوه بحرف واحد أكمل بجمود: لا أريد رؤيته ينهك نفسه أكثر، عليه أن يفيق ويستوعب ما يقوم به.
اعترضت بهدوء: ولكن ما ستفعله لن يعالج المشكلة. دانيال ذكي في العثور على الاعذار التي ترضيه.
لا بأس، سيدرك لاحقاً أنه يعيش في عالم مزيف من صنع نفسه.
أبي الأمر ليس بهذا السوء عليك أن تثق به أكثر.!
انخفض صوته بتحذير وحزم: لن اضع الثقة وهذا الهراء أمام مصلحة ابني، لذا كفاك عناداً وافعل ما أقوله.
سأفعل. ولكن بعد ان اصارح كلاهما.!
اغمض عينيه بغضب يتمالك نفسه قبل ان يقترب اكثر يدفع كتفي بحنق: وما الذي ستقوله له تحديداً ومن أين ستبدأ حتى.! أنت تتحدث عن عنيد متحجر الرأس لن يقتنع بأن ذلك المهووس قد اقترف جرم عظيم في حق الكثير من الأبرياء!
هو لا يدافع عنه أبي! ولكنه يأبى مسامحة أهالي القرية كذلك!
مجرد هراء.! الجريمة لا مبرر لها. المجرم يبقى مجرماً.
قال كلماته الأخيرة بصوت متهدج بِشدة وقد اخفض ناظره وكم تفاجأت بالشحوب الذي يعتلي وجهه.!
اقتربت فوراً أربت على كتفه بهدوء فهمس: المسؤولية كلها تقع على عاتقي منذ البداية.
أضاف يرخي كتفيه ويغمض عينيه منزعجا منهكا وفي صوته بحّة واضحة: لو لم أكلفه فوق طاقته. لو كنت أكثر انتباهاً وحِرصاً فقط.!
انتابني الضيق الشديد وقد وجدت نفسي استمر في التربيت على كتفه مطمئناً: توقف عن لوم نفسك، وجدتَ نفسك منهكاً وشعرتَ بالضغط الشديد آنذاك، كنتَ بحاجة ملحة الى شخص ما يعاونك! أبي لم تكن العناية بنا أمر سهل عليك وحدك! عندما توفيت أمي اضطررت أنت الى حمل كل شيء على عاتقك ولم تجد حولك من يستطيع فهمك!
أردفت ابتسم بضمور: من سيجرؤ على لومك!، وجدت نفسك تعتني بطفل وُلِد بمناعة ضعيفة يحتاج الى عناية فائقة وآخر وُلِد بحالة صحية نادِرة! أحدهما كان ضحية مناعته السيئة الضعيفة وقد كان ملازماً لفراش المشفى معظم الوقت! والآخر لم يدرك يوماً أنه جريح مصاب أو حتى مريض وبالكاد يمضي يوماً لا يزور فيه طبيباً يداوي جرحه او يوقف نزيفه.! من كان سيساعدك بالعناية بِهما سوى دانيال بِحق الإله؟
أشاح بوجهه فوراً ينظر بعينيه الزرقاء بعيداً قبل ان يقول: لقد أدمن تحمل المسؤولية أكثر من اللازم، لن يقاوم رغبته في لفت الانظار إليه مهما حدث.
أكمل بصوت خافت: كيف بحق الإله يمكنني تعويض النقص الذي يشعر به!
نهرته بهدوء: توقف أبي، كِلانا يعلم جيداً متى بدأ دانيال يتصرف بهذه الطريقة!
أضفت احاول طرد الصورة الدموية من عقلي الذي نسجها لي بكامل دقتها: ترك الأمر في نفسه أثراً، كان لا يزال في الخامسة من عمره فقط. طفل في تلك العمر المبكرة لن يتجاوز رؤية شقيقه في تلك الحال التي يُرثى لها.
تحرك ليجلس على سريري يحني جذعه للأمام ينظر إلى الفراغ بتقطيبته المعتادة قبل أن يقول بنبرة جافة حاول أن يخفي الرجفة من خلالها: استوعبتُ في وقت متأخر جِداً أنه اضطر لأخذ دور ولي الأمر الذي لن يطرف له جفن حتى يرى رعيته في أفضل حال، أدركت متأخراً أنه صقل لنفسه شخصية ترغمه على تحمل ما لا يُطاق! بأنه سيواصل لوم نفسه على أي شيء حتى لو لم يكن باستطاعته فعل شيء حياله.
مرر يده بين حاجبيه وأغمض عينيه منهكاً ليستكمل بصوت خافت: لم أكن حريصاً بما يكفي، والآن أصبح كيفين بمزاج سيء جداً ولن يتردد في القاء الكلمات الجارحة العشوائية في أي وقت، أياً يكن عليك أن تنصت إلى ما أقوله كارل.
نفيت برأسي احاول جاهداً تجاهل الأمر، ثم تنهدت بعمق وقلت بجدية: إن كنتَ قلقاً جداً بشأن دامين فأنت على دراية إذاً بأنه في الأرجاء!
تحرك فمه بتحذير وجمود: أخبرتك ألا تتفوه بهذا الإسم أمامي!
أومأت بهدوء وقلت أستكمل حديثي: تبدو غريباً منذ زيارتك للسيّد راف، أخبرني أبي ما الذي ذهبت لأجله تحديداً؟ إن كنت تعلم أن دامي. أ. أنه في الأرجاء فلماذا تلتزم الصمت منذ البداية؟ ما الذي. تخفيه!
وقف أبي يبتعد عن سريري بعصبية بالغة فاستوقفته منادياً بإضطراب وقلق، وقف بالفعل والتفت إلى لينفجر يتحدث بِحنق يجز على أسنانه: توفيت شقيقة كيدمان قبل بضعة أشهر، مَسرور بعد أن شفيت فضولك؟
ألم مُفاجئ قد اعترى صدري أرغمني على أن أخفض رأسي فوراً وقد فغرت فمي أتنفس بصعوبة!
شعرت بصعوبة التوازن وتحركت فوراً لأجلس على طرف سريري أطرف بعدم اتزان.
شقيقة. كيدمان!
بقيت أحدق إلى أبي بذهول وقد ألجم لساني تماماً اعجز عن التفوه ولو بِحرف واحد!
اعتراني الضيق الشديد وصورة تلك الطفلة التي لا تتجاوز الثمانية أعوام لا تفارق مخيلتي.
لقد. عانت منذ طفولتها من المرض! بذل السيد ستانلي وكيدمان كل جهودهما لأجلها رغم تكلفة العلاج المستمر، فعلا المستحيل ولكن.
شعرت بالإنهاك رغماً عني وأغمضت عيناي فسمعت أبي يقول بصوت مليء بالغصة: هل هذا ما تريد مني قوله مباشرة لدانيال؟ أن صديقه قد فقد شقيقته المريضة بعد أن ساءت حالتها جراء الحريق المُفتعل؟ هل تدرك كيف سيكون وقع ذلك في نفسه حتى؟
أضاف بعصبية: لم يقم بحرق أجزاء كبيرة من القرية فقط، ولكنه مستعد ليبعد أي شخص عن طريقه طالما لا يفي بتوقعاته! لن يسمح لأي شخص بالتقرب إلى دانيال.
بقيت مُنهكاً أنظر إلى الفراغ وقد همستُ بصوت مخنوق بصعوبة: إن بقي يتجول كما يشاء. سيُكتب على دانيال البقاء وحيداً! بحق الإله لماذا لم يتم القبض عليه حتى الآن!، الأمر لن يكون متعلقاً بالآنسة كتاليا وحدها ولكن قد يفعل أي شيء ليبعد الجميع عن طريقه! ليصبح دان الكيان الذي يريده أن يكون.
أضفت أنظر إليه بشحوب: قال بكل وضوح أنه ودانيال لا ينتميان إلينا أو إلى أي أحد، لن يتردد في انتزاع كل شيء جميل حوله!
زفرت الهواء من صدري ثم أطبقت فمي بقوة أجز على أسناني بقهر.
لقد كانت شقيقة كيدمان مجرد طفلة ضعيفة!
كان الجميع يأمل بأن تتحسن حالتها، فعل أبي المستحيل ليتكفل بعلاجها بعد أن تدهورت صحتها إثر استنشاق دخان الحريق! ولكن.
انتبهت لوقوف أبي أمامي مباشرة وحينها أدركت أن كلتا يداي ترتجفان بشدة.! حاولت السيطرة على نفسي جاهداً وتساءلت بضياع: لماذا سمحت للآنسة كتاليا بالعيش هنا منذ البداية؟ ما الذي تغير بالنسبة لك ولماذا تقرر هذا الآن فقط؟ كن صريحاً معي ماذا كان دافعك منذ البداية لتسمح لها بالبقاء معنا؟ ثم. ثم هناك الكثير من النقاط الغير واضحة! أبي ل.
لم يتغير الكثير، هناك فقط من يستسلمون للحقد ويتخذون قرارات متسرعة في لحظة ضعف أو غضب، وهذا ما قلب الموازين!
لم أفهم. ما يرمي إليه!، تابعته بعيناي وهو يتحرك نحو الباب ويستكمل حديثه: لا خطأ في أن نثق بالأشخاص الذين ننتقيهم بحرص ولكن يحدث هذا الخلل المماثل عندما ننتقيهم حين يمرون في أسوأ حالاتهم بينما هم مستسلمين تماماً للضعف ورغبتهم في الثأر، حتى الانتقاء ليس كافياً ولن يصمد أمام رغباتهم المظلمة، الأمر لا يتعلق بالشخص الذي تختاره كارل، وإنما بالوقت الذي تتخذ فيه قرارك.
استوقفته بصعوبة كما لو كلفني التحدث طاقة هائلة: من الذي انتقيته وخذلك؟
فتح الباب ولكنه لم يخرج، بقي واقفاً ونظر إلى من فوق كتفه.
كان قد انكفأ لونه بالفعل وأخفض رأسه قليلاً قبل أن يقول ما جعلني أتسمر في مكاني: لم أكن من قام بانتقائه، ولكنني أشعر بالخذلان رغم عدم استحقاقي لهذا الشعور حتى. كارل حان دورك لتبذل جهدك الآن، قف إلى جانب دانيال ولا تسمح لعاطفتك بالتحكم بك، إيّاك وأن تلتزم الصمت عندما ينبغي عليك التحدث لتصحيح المسار، ولا تفكر أبداً بالتحدث عندما يكون صمتك حلاً، كما أستطيع للوقت الحالي اخبارك بأن كيدمان قد استسلم على الأغلب للضغينة والكراهية، من يدري ما قد يفكر في القيام بِه منذ وفاة شقيقته.
بقيت أحدق إلى السقف أستلقي على ظهري لفترة طويلة منذ خروجه من الغرفة.
كما لو كان تصريحه بوفاة تلك الصغيرة من السهل تخطيه!
لازالت صورة وجهها الشاحب وابتسامتها البريئة معلقة أمام عيناي، لم تقضي وقتاً ممتعاً بما يكفي كباقي الأطفال بسبب حالتها الصحية السيئة منذ ولادتها، حاجتها الدائمة إلى إجراء غسيل للكلى وبقائها طريحة للفراش معظم الوقت. كل هذا يذكرني بالطفولة التي قضيت معظمها على فراش المشفى.
أفهم جيداً معنى أن يولد المرء ضعيفاً، وأدرك معنى بقاءه معلقاً في ذكريات حاجته الماسة إلى الآخرين حتى لو نضج وبات قوياً يعتمد على نفسه وحتى لو أصبح قادراً على مساعدة الآخرين.
قال أبي أنها توفيت قبل بضعة أشهر ولكنه تفوه بهذا الآن فقط!
هذا يفسر اختفاء كيدمان وتجاهله لاتصالاتنا ورسائلنا منذ فترة.
أياً يكن السر خلف قرارات وتصرفات أبي وكلماته الغامضة ولكنني لم أعد متردداً الآن، من الضروري بقاء الآنسة كتاليا آمِنة ولا حل سوى أن تبتعد عن الحيز المحيط بدانيال وحسب.
نظرت بشرود إلى سريره وبقيت أحملق فيه.
فعلتَ ما بوسعك منذ صغرك، ربما حان الوقت لتسترخي وتجد نفسك التائهة، اعثر على نفسك الحقيقية ليس من الممتع أن تكون الشخصية الملفتة البارزة والمثالية دائماً! هذا يكفي.
ارتكاب الأخطاء والاهتمام بالنفس ليس بالضرورة أن يكون خطأ أو أنانية، في المقابل اهمال النفس وكبحها وطمسها طوال الوقت أسوأ بكثير من الأنانية!
كتاليا:
اعترضت بإنزعاج بينما أقود لأنعطف نحو الشارع الأيمن: توقف عن هذا أنت تصيبني بالإضطراب اخبرتك أنه لدي بالفعل رخصة قيادة!
عقد حاجبيه وقال يستكمل تذمره بينما يتكتف ينظر عبر النافذة بعدم رضى: هكذا تقودين بينما بحوزتك الرخصة فما الذي ستفعليه إن لم تكن بحوزتك! لقد لامس إطار السيارة الرصيف أنا واثق مما أقوله!، سيارة شقيقك كلاسيكية فارهة وليس من السهل العثور على قطع غيار ل.
توقف عن الحديث ما ان مال بجسده للأمام قليلاً على حين غرة فور أن أوقفت السيارة بالضغط على المكابح بقوة في الإشارة الحمراء وقد علا صوتي بغيظ: آه يا الهي! لماذا لا تتوقف عن التذمر منذ ان خرجنا؟ إن كان هناك سبب لمزاجك السيء فتحدث منذ هذه اللحظة لأنني لا أنوي استكمال هذا الشجار في الحفل أخبرتك أننا نتواعد أمام الجميع ألم أفعل؟
طرف بتفاجؤ وتجاهل كلماتي يتساءل بعدم استيعاب: مهلاً هل تعلمين ما قد يتسبب فيه الضغط على المكابح بقوة؟
ما رأيك بممارسة مجالك الدراسي بعيداً عني؟
نفي برأسه منزعجاً ثم قال بحزم: كان على الذهاب بدراجتي وحسب.
لن يكون من المناسب لي الجلوس خلفك بفستاني هذا!
تفاجأت به يؤيدني بحدة: حقاً؟ هل يبدو لكِ الآن فقط أنه مبالغ فيه؟
عقدت حاجباي أنظر إلى فستاني الأسود القصير باستغراب!
مبالغ فيه؟ من أي ناحية؟
إنه من أشهر العلامات التجارية والأنسب لمناسبة كهذه فأين تكمن المشكلة؟
تمتمت على مضض بينما أمرر أناملي على أطراف الدانتيل في نهاية الفستان: في العادة يثني الرجل على مظهر صديقته ويقول لها أنها تبدو جميلة أنيقة ولكنك فشلت حتى في بداية بسيطة كهذه. سيكون أدائك مريعاً دانيال!
ابتلع ريقه بوضوح والقى نظرة سريعة بينما يعترض: لماذا قد أثني على مظهرك لقد قلتِ أنه حفل رسمي! بربكِ ألا يبدو قصيراً أكثر من اللازم؟ ألا يكشف ظهرك وساقيك بطريقة مبالغ فيها؟ ولماذا هو ضيق جداً!
ه. هاه؟
فغرت فمي للحظة وقد نظرت إليه باستنكار قبل أن الوي شفتي: يالوقاحتك هل تشير إلى أنني أتعمد الظهور كالمرأة التي ستغوي الرجال؟
تجهم وجهه ونظر إلى بحدة: لم أقل شيئاً كهذا.!
إذاً ما الذي من المفترض أن تعنيه بقولك؟ يبدو مظهركَ أنيقاً جذاباً فهل من المتوقع أن أقف إلى جانبك بمظهر مثير للسخرية دون المستوى وألفت الانظار الساخرة بينما سيحضر الكثير من شركاء المجلة والشخصيات الإعلامية الهامة؟
إن كنتِ ستقفين إلى جانبي أنا كما تزعمين فلستِ بحاجة إلى القلق مما سيظنونه بشأنك!
تسمرت أحدق إليه بعدم استيعاب في حين استكمل قوله يتذمر بغيظ وهو ينزع الحزام منزعجاً منه: اخترتِ هذه البدلة لي، لذا من العدل أن أكون من يختار ما سترتدينه أنتِ أيضاً! على كل حال هذا مُلفت جداً في رأيي.
بقيت أنظر إلى وجهه المتجهم حتى أعاد الكرسي للوراء أكثر ليفرد ساقيه قليلاً بل ووضعا قدماً على الأخرى ليهمس بصوت خافت بإقتضاب: الجرأة التي تتحلين بها تثير حنقي!
أجفلت لصوت السيارات خلفي فأدركت أن الإشارة تشير إلى اللون الأخضر فأسرعت استأنف القيادة بِصمت.
إلى أي مدى مظهري يزعجه وقد عكر مزاجه؟
هل كل هذا الانزعاج لان فستاني كما يزعم يكشف الكثير؟ أيهما يتحكم في رأيه؟ مبادئه؟ أم.
ابتلعت ريقي بصعوبة ووجدت نفسي أقول بهدوء أتجنب النظر إليه: دانيال أنا وأنت. نتظاهر وحسب، اليس كذلك؟
ياللسؤال الغبي وماذا عدى ذلك بحق الإله!
تساءل بتهكم واستنكار فأومتُ مرددة: م. محق، وماذا عدى ذلك.
مقر الحفل بعيد نوعاً ما، يبعد أكثر من خمسين دقيقة من منزل السيد هاريسون، وها نحن نقترب من الموقع المحدد.
ابتسمتُ بتلقائية وقلتُ أشير بينما أسلك الطريق المخصص للساحل: يمكنك رؤية اليخت من هنا، أنظر هناك!
ساد الصمت في السيارة للحظات فنظرت إليه بحيرة، وجدته يحدق إلى اليخت وقد ارتخت ملامحه وارتفع حاجبيه حتى قال بعدم استيعاب: لم أتصوره بهذه الضخامة!
أومأت مبتسمة: أرأيت؟ يتواجد الكثير من العارضين والمشاهير الذين يعملون لصالح المجلة، كما يوجد الكثير من الغرف والمسارح والقاعات والمرافق هناك، لنبقى معاً حتى نهاية الحفل.
بقي يحدق إلى اليخت وكلما اقتربنا كلما اتضحت مساحته وضخامته أكثر، أوقفت السيارة عند رصيف المواقف المخصصة قبل الطريق المؤدي إلى اليخت مباشرة، ترجلنا من السيارة وقد وضعت مفاتيح السيارة في حقيبتي الصغيرة لأسير معه.
كنت أمشي إلى جانبه وأمامنا بعض المدعوين على بعد مسافة، عندما لمحت ثنائي أمامنا نظرت إلى دانيال باستيعاب وقلت: ما الذي تنتظره لنبدأ!
اتسعت عيناه بتدارك: الآن؟ بهذه السرعة؟
أومأت فوراً: على الوضع أن يكون مقنعاً أكثر اليس كذلك؟ نزلنا من سيارة واحدة، وسندخل متشابكي الأيدي! أسرع أمسك بيدي لا يجب أن أبادر!
فغر فمه قليلاً ونظر للأرجاء من حوله ولم يكلف نفسه عناء الوقوف!
بقيت أمشي بجانبه اترقب حتى همست بحدة: تلعب دور المجنون الأصم؟ مهلاً لماذا خطواتك واسعة تمهل لا يمكنني مجاراتك!
جادلني بصوت خافت: تباً الأمر ليس بهذه السهولة لازلت أستجمع شتات نفسي، انتظري لا تلحّي أكثر!
تأففت بضجر وبقيت بجانبه بصمت وصبر محاولة تمالك رباطة جأشي، ولكن انتظاري قد طال حتى وجدت نفسي أقلّص المسافة أكثر أحفزه على المبادرة، حتى شعرت بأنامله التي لامست يدي للحظة قبل أن يبعد يده مجفلاً!، ثم سرعان ما أعادها مجدداً وقد كان ينظر بعيداً بينما تبدأ أنامله بالتشابك مع أناملي.
أحكمت قبضتي على يده وهمست بهدوء عندما بقي يشيح بوجهه: أنتَ بخير؟
سأكون بخير إن توقفتِ عن الحديث.
يده. دافئة أكثر من اللازم!، كان يرخي أنامله في البداية ولكن ومع وصولنا إلى المدخل لم يشعر بقبضته التي احتوت يدي جيداً.
تلفت من حولي وخلفي أتساءل في نفسي إن كنت سألمح أحد رجال أبي، ولكنني لم أجد من كان ملفتاً بالنسبة لي وبدى ان الجميع هناك من المدعوين للحفل.
في جميع الأحوال سيكون أبي حذراً ويأخذ كافة احتياطاته، لا أدري إن كان هناك من يعلمه الآن بالمستجدات لا أكثر، أم أنه سيخرج عن صمته في أي لحظة ولكنني متأهبة بالفعل!
وصلنا حيث المدخل وقد رفعت هاتفي لطاقم الاستقبال لينظروا إلى رمز الدخول الخاص وكذلك دانيال الذي تلقى الرمز اليوم صباحاً، بقينا متشابكي الأيدي حتى أشرت بيدي الأخرى وقلت له: لننتظر الرفاق هُناك في الداخل، أعتقد أننا أول الواصلين من بينهم.
الإنارة الصفراء تكتسح المكان وتضفي له فخامة ورقي، كل التفاصيل هنا يصعب وصفها! هو ليس اليخت الأكبر فقط ولكنه الأكثر فخامة تصاميم عصرية أيضاً، يطغي اللون الأبيض على الأثاث وكماليات المرافق.
ابتسمت أنظر للمكان من حولي حتى تهاوى على مسامعي صوت متهكم: هذا مشهد غير مألوف يحتاج إلى تفسير فوري!
قيلت بصوت محتار متهكم خلفنا فاستدرنا باستغراب، حتى قلّبت عيناي بضجر وسحبت دانيال معي ببرود: لنتحرك.
نظر خلفه حيث من يتبعنا والذي أصر على حشر أنفه وهو يقترب ليمشي بجانبي على يساري: آه كتاليا مهلاً هذا المشهد النادر من الضروري تفسيره حقاً! لماذا مصورة المجلة تدخل برفقة عارض جديد كلاهما متشابكي الأيدي؟ سمعتُ أنك ستديرين أعماله هل تطورت علاقتكما جراء هذا؟
أعقب بكلمات ماكرة ينحني قليلاً ليقرب وجهه مني: يُعجبك؟ هل هذا هو نوعك المفضل من الرجال؟
لويت شفتي بإشمئزاز واعترضت بينما أقف: لا شأن لكَ فرانك!
عقد حاجبيه ينظر إلى بشك قبل أن يبتسم: لا يمكنكِ أن تكوني جادة، هل تتواعدان؟
أتى صوت دانيال العميق يتململ بنفاذ صبر: بأي شكل من الأشكال قد يكون لك علاقة بهذا الشأن؟
ابتعد فرانك عني وأسرع نحو دانيال ليحيط كتفه بذراعه يقربه إليه وقال يبتسم بخبث: لم تتوقف في الأمس عن التأفف والتذمر في جلسة التصوير معي، هل كنت تأمل أن تكون كتاليا هي من تتولى الجلسة؟ لا يمكنك مفارقتها حتى أثناء التصوير؟ هاه؟ يا لك من رجل ماكر خبيث!
رمقه دانيال بإشمئزاز وترك يدي ليحاول ابعاده عنه: لا تلتصق بي، كما آمل أن تكون المرة الأخيرة لإضطراري لإجراء جلسة تصوير معك بالفعل، من بحق الإله سيصبر على سلوكياتك الغريبة أثناء التصوير!
ضاقت عينا فرانك يأبى الابتعاد عن دانيال وقال بمكر: كيف حصلت على كاتي؟ كيف بدأت علاقتكما؟ منذ متى؟
تأففت بفتور وتكتفت أحاول تمالك رباطة جأشي، في حين نظر دانيال إلى وتساءل بجمود: أستطيع لكمه؟
أومأت بهدوء: لاحقاً في مكان معزول.
ضحك فرانك بخفوت وابتعد قليلاً عن دانيال ولكنه بقي يُحدق إلينا ورسم ابتسامة واثقة: سينطلي ما تفعلانه على الجميع، ولكن ليس أنا!
أضاف بكلمات جعلتنا نحدق إليه بإستنكار وبدى ينظر إلينا بترقب يعدل ربطة عنقه يحافظ على ابتسامة هادئة على ثغره: شائعة تستمر في التجول بين موظفي المجلة باستمرار، يُقال أن العارض الجديد رجل قدم إلى المدينة من قرية متواضعة ولم يسبق له لمس امرأة قط!
طرفت بإستغراب وانزعاج لتتسع ابتسامته يحدق إلي: ما الأمر كتاليا؟ ما الذي ستطمحين إليه مع العارض القروي؟
لماذا يعرف فرانك بهذا؟ لا أحد من الرفاق قد يتحدث في هذا الشأن فكيف علم بأمر مماثل؟
ارتفع حاجبا دانيال وتساءل ببلاهة: عندما قلت العارض القروي. يفترض أن أشعر بالإهانة؟
بادله فرانك النظرات بحيرة وتلاشت ابتسامته بتفكير: في الواقع. نعم، على الأقل من منظور الآخرين!
حقاً؟ عندما أقول لرجل من العاصمة أنت عارض من المدينة، تلك لن تكون إهانة؟
حسناً يصعب وصف الأمر بدقة، ولكن. كما تعلم يميل سكان المدينة إلى الشعور بالتقدم عن سكان القرى!
لا يمكنك أن تكون جاداً!
لا يشعرك الأمر بالغضب؟
نفي برأسه يجيبه بينما يدخل يديه في جيب بنطاله: ولا حتى بنسبة ضئيلة، اعتقدت أنك تصفني وحسب!
عقد فرانك حاجبيه وتمتم باستغراب: تغضب من أتفه الأمور بينما تمرر الأكثر تأثيراً وحساسية بالنسبة إلى الآخرين، هل أنت بخير؟
دانيال لم يشعر بالخجل ولو قليلاً من حقيقة أنه قد يناديه البعض بالرجل القروي، لا يبدو أنه يدرك النظرة الدونية التي يلقيها معظم سكان المدينة على سكان الأرياف والقرى! حتى لو كانت نظرتهم نحوه لن تكون إيجابية. ولكنني لا أنكر شعوري بالإطمئنان الشديد إن كانت أقاويلهم لن تؤثر به!
أحكمت قبضتي وقد بدأ شي من الانزعاج والضيق يتسلل إلي.
كنت فيما مضى ضمن تلك الفئة، سبق ووصفت لارز بالفتى القروي وقد كنت آمن بكل ثقة أنني أوجه إليه الإهانة واستفزه!، ومع أنه لم يبدي التأثر في البداية لما أقوله ولكن المضايقات التي كانت تلاحقه بسببي من الطلاب من حوله جعلت صبره ينفذ، رفعت عيناي نحو دانيال الذي لا يزال يحاور فرانك.
الأشياء السطحية التي يتداولها الناس. قد لا تترك أثراً عليه، وهذا أمر يشعرني بالراحة!
سمعته يقول بضجر يحاول انهاء هذا الحوار بينهما: آه نعم أياً يكن، سأكتب في سيرتي الذاتية الموقع المحدد لمسقط رأسي لا أهتم، والآن ابتعد عن وجهي، تلك ليست شائعة وإنما حقيقة.
أضاف يلقي على نظرة جافة وفي نبرته عتاب واضح: ولكن يبدو أنه يوجد من يثرثر دون قيود.
اتسعت عيناي بدهشة أدرك ما يرمي إليه بينما سار ليكمل طريقه بخطى واسعة!
بقيت في مكاني أنظر إليه حتى تحركت خلفه باستيعاب لولا ان استوقفني فرانك ببرود: من الواضح أن الأمر قد بدأ من ثرثرة فمكِ ولكن بمن انتهى يا ترى؟
عقدت حاجباي بإستنكار وتساءلت بحزم: مِمَن سمعت بالأمر تحديداً؟
رفع كتفيه بسخرية: ستحققين مع كافة موظفي المجلة؟ يفوق عددهم مئتي موظف فمن أين ستبدئين بِحق الإله؟
الجميع يعلم؟
يبدو الأمر سطحي ومجرد هراء بالنسبة للعارض ولكنه ليس كذلك بالنسبة للناس وتعلمين جيداً الفروقات بين ما نفكر فيه في هذا المجال وبين كونها مجرد حقائق عادية.
انتابني الغيظ الشديد وبقيت غارقة في أفكاري بتشتت، عندما بدأ الأمر كان الرفاق فقط على علم به، روز وديفيد، جانيت وجاك وسايمون.
أبدى دانيال انزعاجه في البداية عندما تم تسليط الضوء على أمر افتقاره للتجارب مع النساء لذا كان من البديهي لنا جميعنا أن لا نتمادى فلماذا انتشرت هذه الأقاويل الآن؟
وقف أمامي مباشرة وبقي يحملق في وجهي حتى ابتسم بمكر وسألني بصوت خافت: بحوزتي شيء قد يجعلك تعيدين التفكير من جديد كاتي، ولكن ما المقابل؟
ابتسمت بملل: واثق جدا فرانك أنني سوف أسألك عما تحمله في جعبتك؟
قلتها بعدم اكتراث وتحركت لأسلك الطريق الذي أخذه دانيال ولكنني توقفت بدهشة إثر قوله بهدوء: حتى لو كان الأمر يتعلق بالرجل الأشقر الذي أثار الفوضى في موقع التصوير وكسر أنف العارض؟
وقفت شاخصة وبالكاد استدرت نحوه بعدم استيعاب! ل. لماذا يذكر أمر باتريك؟
حدقت إليه بضياع وقلق فأخفض عينيه للحظة وتمتم: أنا لا أقدم خدمات مجانية كاتي، قد أسدي لكِ معروفاً وأخبركِ بأمر رأيته بنفسي يتعلق بذلك الرجل.
نهرته بحزم: لماذا قد تسدي لي معروفاً بهذا الشأن أنا لا أهتم بما يتعلق به! تلك كانت. مجرد حادثة لذا لا تتدخل فيما لا يعنيك!
كبح رغبته في السخرية مني وهو يقول يتقدم نحوي: أنا لا أتدخل فيما لا يعنيني ولكنه سيعني لكِ الكثير، ولكن مؤكد أنها لم تكن مجرد حادثة فجميعنا رأينا ما حدث وكيف حاولتِ تجنبه أثناء جلسة التصوير حتى تهجّم على ذلك العارض المسكين!
لا زلت أعتقد أنك تتدخل في شؤوني! لا أريد سماع أي شيء.
أومأ يتنهد بعمق: مؤسف! كنت أنوي مساعدتك على توسيع أفقك لتستوعبي فقط أنكِ مغفلة.
ما الذي يحاول قوله! ما الذي رآه بنفسه ويتعلق بباتريك؟، وجدت نفسي أتنازل وقد سألته بهدوء: أخبرني إذاً ولا داعي للمقدمات الشيّقة!
ضحك بخفوت ونفي برأسه فوراً: مجاناً؟
ما الذي تريده؟
حدّق إلى للحظات قليلة حتى تفاجأت به يقربني إليه وقد رفع ذقني بيده ليهمس: منحتِ العارض دانيال فرصة، بينما تجاهلتِني تماماً منذ البداية.
اشتعلت غيظاً أدرك ما يلمح إليه، نظرت إليه بجمود ودست على قدمه بقوة بطرف الكعب الذي ارتديه فتأوه يبعد يده فوراً.
مجرد زير خسيس، لا أحتاج إلى خدماتك وفرها لِنفسك فرانك.
ابتسم بغيظ: تباً كات، هذا مؤلم.
أعقب يغمز بعبث: امرأة صعبة، لذا أخبرتكِ أنكِ نوعي المفضل! كيف حصل عليكِ بحق الإله؟
تجاهلته واكملت طريقي أبحث عن دانيال.
ما الذي يحاول فرانك قوله؟ اعتراني القلق إثر قوله! هل صادف وأن رأى باتريك؟ وما هي تلك الصدفة تحديداً؟
ليس من الصعب ان يتذكر باتريك أو يخطئ بينه وبين شخص آخر، فلقد أثار ذلك الوقت فوضى في المجلة بالفعل، هل من طريقة ترغم فرانك على التحدث؟
بقيت أتجول في الأرجاء محاولة طرد شعور القلق الذي ينتابني، أين هو دانيال! لا فائدة لا أدري أين هو على الاتصال به وحسب، هذا ما فعلته وقد ترقبت بينما أضع الهاتف على اذني، ثواني حتى أجاب فتساءلت: أين أنت؟
بدى يتناول شيئاً بينما يجيبني: الطعام لذيذ جداً هنا!
آه تحسن مزاجه فوراً، أحياناً أشعر بالإمتنان لوجود الطعام في حياته!
ولكن لم يحن وقت العشاء بعد!
يوجد مقبلات خفيفة للضيافة.
تنهدت بلا حيلة وسألته: أي طريق سلكت؟
وصف لي الطريق فأسرعت حيث الموقع الذي يقصده، نظرت إلى الساعة حول معصمي قبل أن أدخل إلى قاعة استقبال كبيرة ووقفت أترقب حتى لمحته هناك يقف يتناول الطعام بينما يمسك بهاتفه بيده الأخرى ويحدق إلى الشاشة بإنهماك.
ها قد وجدتكِ كتاليا!
كان صوت روز التي تقف خلفي فاستدرت بسرعة وابتسمت لها أنظر إلى أناقتها بارتدائها الفستان الأزرق الضيق الطويل بينما تركت شعرها الأشقر القصير حراً وزينته على الجانب الأيمن باكسسوار فضي بسيط، رأيت جاك خلفها كذلك وقد دخل للتو فقلت: انتما هنا أخيراً، أين جانيت وسايمون؟
ابتسم جاك الذي كان مهندماً ببدلته السوداء وقال ينظر إلى بتفحص: أخبرتنا جانيت أن نسبقها لقد اتجهت إلى دورة المياه، سايمون في طريقه إلى هنا سيصل قريباً، آه فاتنة كعادتك عزيزتي كتاليا، صحيح رأيتكِ تضربين فرانك ولم تنتبهي لوصولنا هل ضايقك؟ قال لكِ شيئاً منحرفاً؟ حاول العبث معكِ؟
لويت شفتي ممتعضة: كان عليك التدخل فوراً ذلك الأحمق يسهل عليه استفزازي!
عقدت روز حاجبيها بعدم رضى: هذا المزعج! المرة القادمة اصفعيه دون تردد.
نظرت من حولها وتساءلت: دانيال ليس هنا؟ يفترض أنه مدعو الحفل!
أشرت بإبهامي للخلف: هناك.
كشرت روز بوجهها تنظر إلى الكم الهائل من التحلية في المكان وقد أخفضت عينيها قليلاً بإشمئزاز كعادتها.
تساءلت أنظر إليهما بجدية: يا رفاق هناك ما أريد سؤالكم عنه، ثرثر فرانك بالكثير للتو ولا يمكنني تخطي قوله!
أومأ كلاهما باستغراب ولم أكد أتساءل حتى رأيت من دخلت متأنقة بفستان أبيض قصير وقد جمعت كافة شعرها الذهبي على كتفها الأيمن، نظرت إلينا وابتسمت بهدوء: مرحباً.
رحبت بها روز فوراً: أهلاً ستيلا!، يبدو أن الجميع سينتظرون هنا مع أن قاعة الانتظار تلي هذه القاعة. هل نذهب إلى هناك؟
نظرت ستيلا إلى المكان وبدت تبحث بعينيها عن شخص ما حتى أيدت اقتراحها: سأذهب إلى هناك إذاً.
ولكنها وقبل أن تتحرك سألتني بإهتمام: كتاليا، سيحضر لارز إلى الحفل صحيح؟ سمعت أنه مدعو كذلك.
أومأت لها إيجاباً: صحيح، ولكنني لم ألمحه ربما لم يصل بعد.
آه هكذا إذاً. شكراً جزيلاً.
ثم تحركت وسبقتنا لتخرج حيث القاعة الأخرى، قال جاك يتبعها: لنذهب.
قلت لهما بينما أتجه حيث دانيال: سألحق بكما اسبقاني.
تحركت أسير نحو من لا يزال منهمكاً بالنظر إلى هاتفه وقبل أن أصل إليه انتبه لاقترابي منه، بدى منزعجاً قليلاً وقد أعاد ناظره إلى الهاتف، وقفت بجانبه وأخذتُ قطعة التحلية التي كان على وشك تناولها متمتمة بهدوء: ما قاله فرانك للتو، أنا آسفة لم أعلم سوى الآن بما يحدث.
قضمت من التحلية قطعة صغيرة وأكملت بلا حيلة: أتحمل المسؤولية بالكامل، حاول ان تتجاهل ما يُقال وحسب.
أخذ تحلية أخرى ليتناولها وقال ببرود: لا أرى ما يتداوله الجميع إهانة، ولكن من المزعج تداول أمور سطحية لا قيمة لها كما لو كانت أخبار حصرية تستحق النشر.
أيدته بهدوء: أعلم، كما أشعر بالإطمئنان طالما هذه وجهة نظرك، على كل حال أعتذر بالنيابة عن.
قاطعني بضجر: أخذتِ مني تحلية نكهة العسل والآن كيف أعثر على نكهة مماثلة! جميعهم متشابهون لا فرق بينهم!
سألته بحيرة: ما هذه بيدك؟
نكهة الفستق! لا أستسيغه.
ابتسمت بسخرية: يوجد أخيراً شيء لا يمكنك تناوله!
تفاجأ بي أخذها من يده وقد قدمت له الأخرى التي لم أتناول منها سوى قضمة صغيرة، نظر إليها في يده وقد قال بصوت خافت: يفترض أنها مجرد مواعدة مؤقتة ظاهرياً ولكن لماذا كل هذا التطبيق العملي.!
هاه؟ ما شأن المواعدة الآن لقد قضمت من التحلية قضمة صغيرة فلماذا تهوّل الموضوع؟ أياً يكن اعدها إليّ إذاً.
قلت كلماتي الأخيرة أنوي استعادتها ولكنه تحرك مبتعداً وتناولها دفعة واحدة، وقفت في مكاني أنظر إليه للحظة قبل أن أتبعه وتناولت ما بيدي.
اتجهنا إلى القاعة الأخرى وهناك انتهى بنا الأمر نقف مع روز وجاك، لمحت فرانك الذي يقف مع إحدى العارضات وقد انهمك في حديثه بينما يتودد إليها.
أشعر بالقلق والفضول تجاه ما يريد قوله! ما الذي يعرفه بشأن باتريك؟ هل كان عليه أن يضع مقابل بنوايا منحطة فقط ليعلمني بأمر كهذا؟ كم أود لكمه!
أتساءل إن كان هناك طريقة أخرى ترغمه على التفوه بما يعرفه!
رأيت سايمون الذي وصل أخيراً وتقدم نحونا، ابتسم يحيينا: مرحباً جميعاً.
ثم نظر إلى دانيال وقال بإستيعاب: صحيح. هناك من سمعتها تسأل المتواجدين عنك!
عقد حاجبيه بحيرة: عني أنا؟ من!
نفي سايمون برأسه مفكراً: لا أعرف اسمها، انها عارضة مستجدة صاعدة في المجال.
عارضة مستجدة تسأل عن دانيال. آه ومن غير تلك الكاثرين!
نظرت إلى دانيال واقتربت منه لأهمس بتهكم وتحذير: سرقت بطاقة غرفتك في الفندق من يدري ما قد تفعله الآن على متن يخت سيكون قريباً في منتصف البحر!
اتسعت عيناه وقال بحذر: ليس مجدداً! على كل حال المكان مكتظ هنا وأكثر أماناً، ابقي إلى جانبي وسيتعسر عليها ممارسة تلك التصرفات الجريئة الفظة.
كم أنت بريء ساذج! الأماكن المكتظة هي الأنسب.
أعقبت بنبرة جادة أترقب ردة فعله: يتسمتع الصياد الماهر بالصيد كلما واجه عقبات كثيرة دان.
قلتها ممازحة أستمتع برؤية الحذر على ملامح وجهه وهو يتلفت من حوله في كل مكان.
أنتما. هل أتخيل أم أنكما أقرب بكثير من قبل؟
تساءلت روز بحيرة تحدق إلينا وقد أيدها جاك بحدة: محقة، تجاوزتما المسافة القانونية لم يكن هذا ما أراه عادةً فما الذي تغير؟
ثم رفع حاجبه الأيسر وقال بعدم رضى يوجه حديثه إلى دانيال: ما الذي كنت تفعله لكتاليا أثناء مكوثها في منزلك؟ هل حاولت التقرب إليها؟ ما الذي تنوي فعله؟
تكتفت روز مفكرة بشك وعدم اقتناع: لن يبادر جاك، ربما كتاليا من تقربت إليه!
علق سايمون بهدوء: إنها شؤونهما الخاصة لا تحشرا أنفيكما.
رمقه جاك بإنزعاج: أصمت أنت سايمون، هيا أجب أيها العارض ما الذي ت.
قاطعه دانيال يسألني بملل وعدم اكتراث: سيواصل القاء تساؤلاته طويلاً؟ هل أجيبه؟
ابتسمت له بهدوء: دع كل شيء للوقت المناسب.
اتسعت عينا روز وعلقت بعدم تصديق تقترب مني وتمسك بيدي: أنتما على وفاق تام! تتحدثان معاً بأريحية تامة، لم يعد يعاملكِ بجفاء بأسلوبه الجانح ذاك! لقد حصل الكثير بلا شك!
تنهدت بعمق وتجاوزت قولها، لمحت جانيت التي دخلت ترتدي فستان رمادي داكن ضيق يصل إلى ركبتيها بينما تجمر شعرها للأعلى كعادتها دون أن تتخلى عن نظارتها، أشرت إليها وقلت أغير الموضوع: ها هي جانيت أخيراً.
عندما ابعدت روز يدها عني و وجهوا انظارهم إليها نظرت إلى دانيال بهدوء فبادلني النظرات لثواني قبل أن يحك أنفه بحركة سريعة.
سعيدة بأنه يجاريني بسهولة!
وكزته وهمست له ابتسم بإطمئنان: تقدّمت كثيراً في ضبط أعصابك ولسانك.