رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الخامس والعشرون
كتاليا:
لماذا.
يعلم كيفين بكل هذا؟
منذ متى!
كلماته لم تكن مجرد ثقل على عاتقي ولكنها شكلت في نفسي ضغطاً مريعاً جعل من لساني عاجزاً عن وضع حداً له لأنهي الأمر!
أنا حتى لا أدري لماذا لازلت أقف أحدق إليه بترقب وعجز تام! هل. سيطر الخجل على وجعل مني مجرد جسد ينصت إلى الحقائق المخجلة الموجهة إلي! أريد نهره حالاً. أريد أن أخبره أنني. فعلت كل هذا ولكنني قادرة على التغير وتقديم الأفضل لكل من حولي!
ولكن.
هل انا حقاً. قادرة على التغير للأفضل؟ هل يمكنني ذلك في ظل كل ما أفكر به وأقوم به؟ أنا لا أدري. وكل ما أعرفه أنني أستمر في الشعور بالمقت والكراهية تجاه نفسي دون توقف! كما أنني منهكة من البحث عن المبررات لأفعالي التي لا يمكنني تسويغها بكلمات مناسبة! بأي حق يتم مواجهتي الآن. بكل هذا؟ لماذا الآن! جف حلقي تماماً عندما استشعرت رغبته في قول المزيد وقد أصبت ما ان تمتم ببرود: أنا لا أهتم ان بقيتِ أو رحلتِ، في جميع الأحوال سيتمسك بكِ، لربما أريد أن أسدي لك نصيحة وأقول لكِ بكل وضوح بأنه عليكِ ايقاف كل شيء عند حده منذ الآن.
سيتمسك بي؟
الشخص الذي أثير اهتمامه ونظره، وسيتمسك بي هو. دانيال؟ أم أنه يشير إلى شخص آخر!
أنا مشتتة وعاجزة عن ترتيب أفكاري! ولكنني وبطريقة ما أعتقد أنه يشير إلى دانيال ومن سواه! ولكن. لماذا يصيغ كلماته بهذه الطريقة!؟
خرج صوتي متهدجاً أتمالك نفسي: ما الذي تعنيه ببديلة مؤقتة!؟ هل تتحدث بشأن دانيال؟ ولماذا تعرف الكثير! ممن سمعت كل هذا؟ ما الذي تخفيه!
جابت عينيه الباردة في الفراغ للحظات وقد وضع يده اليمنى في جيب بنطاله قبل أن يتمتم: لا تبدين ساذجة. ولكنكِ كذلك بالفعل.
عقدت حاجباي أستنكر قوله وقد زميت شفتي أهدئ من نفسي، علا صوتي قليلاً بينما أسأله بجدية: لماذا أنت عدائي جداً تجاهي! لأنني رافقت والدتك فقط؟
أجفلت لحدة عينيه المفاجئة وهو يجز على أسنانه ويحدق إلى بإزدراء: تلك المرأة لا شيء في حياتي لذا لا تفكري بمحاولة التدخل فيما لا يعنيكِ.
أضاف وقد تهدج صوته بغضب: لأنكِ ظهرتِ في حياته فهو لا يمانع لقاء تِلك المرأة وتشجيعها على محاولة حشر أنفها في حياتي!
هاه!
أعقب بحزم وفي صوته بحة حانقة بينما يكور قبضة يده اليسرى بقوة: لأنه لم يعد بحاجة إلى شخص مثلي! لم يعد بحاجة إلى التزين بأخطائي أو عيوبي وشخصيتي التي تستفزه، لأنكِ تبدين الأسوأ في عينيه الآن! الأسوأ والأفضل بلا شك.
ما الذي. يقوله!
استكمل كلماته الجافة بنبرة يجوبها تهكم: إلى ماذا سيؤول بكِ الحال يا تُرى. عندما يكشر عن أنيابه وتكتشفين أنه ينوي إبقاؤك إلى جانبه ليمارس أسلوبه المعتاد في ادعاء ال.
كيفين!
أجفل كلانا بفزع للصوت الحازم المترع بالوعيد خلفي فأسرعت أستدير بإرتياب!
كارل! اتسعت عيناي بعدم استيعاب أحدق إلى ملامحه التي لم يسبق لي وأن رأيت هذا الكم الهائل من الغضب والسخط فيها!
اعتدت الهدوء والحبور الذي يتربع على وجهه ولكنه بدى. شخص لم يعرف اللين او اللطف يوماً! البريق الازرق في كلتا عيناه لم يكن يشير سوى إلى رغبة عارمة في حرق ما حوله دون تردد.!
تابعته بناظري بصمت وإرتياب بينما يتحرك بخطى حازمة نحو كيفين وقد أمسك بياقة قميصه يرفعه إليه بجفاء وهمس بجمود وتحذير: تجاوزتَ حدودك كثيراً، كلمة أخرى بشأنه. وستدفع الثمن غالياً.
تجهم وجه كيفين بحنق شديد وانتزع نفسه بغضب، مرر يده على عنقه وهو يتحرك بجفاء مُبتعِداً نحو الباب لِيخرج دون كَلمة!
أعدت ناظري حيث كارل الذي ألقى على النظرة الحانقة قبل ان يتدارك نفسه وأشاح بوجهه يزفر ويمرر يده خلف رأسه.
نظر إلى الفراغ لثواني قبل أن يقول بهدوء يطرف ببطء: أعتذر بالنيابة عنه.
نفيت برأسي وتجاوزت قوله أتساءل بتشتت: ما الذي. يظنه دانيال بشأني! ما الذي كان يحاول كيفين التلميح إليه؟
بقي ينظر إلى الفراغ ولانت ملامحه بينما يرتخي جفنا عينيه وتساءل بدلاً من إجابتي: ما الذي تنظنينه أنتِ بشأنه؟
ما الذي أظنه بشأن دانيال؟ إنه. الرجل الذي عثرت فيه على المواصفات المطلوبة للدعاية منذ البداية! هو ابن مالك هذا المكان الذي أقطن فيه مؤقتاً، إنه زميل عمل، والرجل الذي أدير أعماله و. وحسب! هو مجرد رجل صعب المراس وعفوي إلى حد كبير، من السهل أن يشعر بالتوتر أو الخجل وفي الواقت آنه جريء ولا يبالي بهوية من يقف أمامه.
هل هناك.
ما أظنه أكثر حوله؟
أنا لا ادري.
كما لو. يُوجد في أعمَاقي ما ينتابني أكثر ولكنني أجهل تحديد هوية ما ينتابني. بل يصعب تحديد ما إن كانت ما يستحوذ على يعود على مشاعري بالإيجاب أو السلب حتى! ومع ذلك. لا زلت لا أفهم لماذا كلمات كيفين وبطريقة ما قد. لمست في داخلي شيئاً!
رددت أمام كارل بإستنكار وجدية: لا يهم ما أظنه أنا، ولكن بديلة مؤقتة بالنسبة لدانيال؟ بديلة ماذا تحديداً؟
بقي يشيح بناظره بعيداً وقد أطبق شفتيه بقوة ولم تعكس مقلتيه سوى. التردد!
عاودت أسأله بهدوء وجدية: ما الذي كان يتحدث كيفين عنه أخبرني! إن كنت تخفي أمراً مهماً يخصني فلا يجب أن يطول هذا أكثر، بدى جاداً في كلماته لا يبدو لي أنه يكذب أو يحاول استفزازي! حتى لو كان غاضباً لأنني رافقت دانيال مع والدته ولكن لا أرى أن هذا مرتبط بأي شكل من الأشكال مع ما تفوه به للتو! تحدث كارل من فضلك!
ازدرد ريقه وطرف بحركة سريعة قبل أن يغمض عينيه ويتنفس بعمق، ثم نظر إلى بهدوء ونفي برأسه: أنا لا أنوي اخفاء أي شيء، كما أعدك أن أكون واضحاً. ولكن هل.
فكّر قليلاً قبل أن يتساءل بجدية: هل يمكنني التحدث إليكِ بعد بضعة أيام من الآن؟ أحتاج إلى المزيد من الوقت لأتأكد من أمر معين! لا أريد التسرع أو التفوه بالهراء لذا. من فضلك آنسة كتاليا تحلي بالصبر لبضعة أيام فقط وأعدك أن أخبرك بما أظنه! حتى ذلك الحين تصرفي على سجيتك وحسب.
يحتاج إلى الوقت ليتأكد؟
يتأكد من ماذا!
اعتراني القلق رَغماً عني ورددت كلماته في عقلي دون توقف أتساءل عما يجول في خاطره تحديداً أو ما يحاول التأكد منه خلال الأيام القادمة!
زميت شفتاي بعدم رضى وانزعاج فتفاجأت به يقول بجدية وقلق: أنا حقاً آسف، من حقك فهم ما يتحدث كيفين حوله، ولكنني أكره قول أي حرف ووضع الفرضيات التي لا صحة لها لذا احتاج إلى الوقت الكافي وسأفعل ما بوسعي لئلا أتأخر بمصارحتك بما. نويت الحديث بشأنه معكِ أيضاً.
إذاً هناك ما تريد قوله لي منذ مدة؟
أومأ بصمت وأردف بسرعة: تصرفي على طبيعتك! لا داعي للقلق سيكون كل شيء على ما يرام.
القلق؟ وهل يمكنني فهم ما سأشعر بالقلق لأجله حتى؟
رغم أنني.
أشعر به بالفعل.!
تساءلت على مضض أتكتف بإقتضاب وشيء من الإحراج راغبة في أن ينفي تساؤلاتي: لماذا يعرف كيفين الكثير عني؟ هل. سمعتَ ما قاله منذ البداية؟
شعرت بشيء من الراحة ما ان نفي برأسه فوراً وعقد حاجبيه بإستنكار: لم أسمع ما تتحدثان حوله منذ البداية، هل أزعجك بذكر أمور تخصك؟
أومأت بعدم فهم ونظرت إليه بجدية: وفق ما قاله فيبدو أنه سمعه من شخص ما؟ لا أدري ولكنني. لا أتحدث عن خصوصياتي ولا أشعر بالراحة لفكرة أنه تلقى كلمات كهذه من شخص معين.! هذا. يزعجني!
مرر يده في شعره الأسود بنفاذ صبر وقال بلا حيلة: ما الذي يمكنني فعله؟
أخفضت ناظري قليلاً بتردد قبل أن أشبك كلتا يداي خلف ظهري وقلت بهدوء: أن تعرف كيف علم بشأن خصوصياتي. ولا تعتذر لي نيابة عنه أو عن أي شخص.
أضفت أتنهد بإنهاك: لماذا أنت لطيف إلى هذا الحد بِحق الإله!
طرف بحيرة قبل أن يبتسم بهدوء وتوتر، تحرك ليتجه إلى المطبخ يتمتم بإمتنان: سأفعل ما بوسعي لأعرف، ولكن لا تتوقعي أن يتحدث بسهولة.
شكراً جزيلاً كارل.
كاد يدخل المطبخ لولا أن شهقت أستوقفه باستيعاب: لحظة!
وقف ونظر إلى بترقب فأسرعت أقول على عجالة: هل يمكنك أن تسدي لي خِدمة ضرورية؟
أومأ دون تردد يرمقني بنظرات متقطعة: تفضلي!
أخبرته فوراً حول حاجتي إلى القياسات الخاصة بدانيال لأجهز بدلة مناسبة له للحفل الذي ينبغي عليه حضوره، وكما توقعت لم يتراخى أو حتى يبدي انزعاجه وقد أخبرني بأنه سيرسلها لي اليوم.!
ابتسمت بسعادة في حين تساءل باستغراب: متى سيعود دانيال؟ هل تعلمين إلى أين خرج؟
لم يخرج! آه صحيح لم أخبرك بعد. إنه نائم ومنهك بسبب المسكن الذي تناوله، لقد أ.
مُسكن!
قاطعني بسرعة بقلق واهتمام فأسرعت أوضح: عندما خرجنا مع مارثا أصيب في ظهره بسبب سكب الطعام الساخن عليه، هذا الأحمق أصيب صباحاً كذلك بسبب تعرضه لحادث على دراجته، أخبرته أن يذهب إلى المشفى ولكنه رفض، زادت حرارة الطعام على ظهره الطين بلة لذا التهبت الجروح وحذره الطبيب من النوم على ظهره حتى يلتئم ويُشفى من الحروق.
طرف بعدم تصديق قبل ان يعقد حاجبيه وتساءل بقلق: منذ متى هو نائم؟
عدنا قبل بضعة ساعات من المشفى، قد يستيقظ قريباً! كان ينوي الاعتناء بدراجته بدلاً من الحرص على تلقي العناية اللازمة لإصابته، أخاك مجنون بلا شك!
أغمض عينيه بلا حيلة وغير مساره ليخرج من غرفة المعيشة بدلاً من المطبخ وهو يقول: سأتفقد الوضع.
كنت أعبث بهاتفي بينما أجلس على الأريكة، كارل يُعد طعام العشاء عندما سمعت أصوات بالأسفل، وما ان تهاوى على مسامعي صوت نباح حاد حتى هرعت لأخرج من غرفة الجلوس واتجهت إلى الدرج لأنزل!
رأيت بينديكت الذي يحمله لاري متمسكاً به وهو يداعب فروه وخلفه السيد هاريسون الذي انتبه لي وقال بهدوء: مرحباً بعودتكِ كتاليا، أنتِ بخير؟
نبح بينديكت ينظر إلى بينما مررت يدي على شعري أشيح بناظري قليلاً، تغيبت عن المنزل بسبب ثمالتي بينما يظن أنني ذهبت للقاء أحد الأصدقاء، ابتسمت له وقلت: نعم بخير سيد هاريسون!
أضفت أنظر إلى بينديكت واقتربت أنوي أخذه: اشتقت إليكَ كثيراً!
تفاجأت بلاري الذي أبعده عني وابقاه بين يديه في حين نبح بينديكت دون توقف ينظر إلى بحماس.
رفعت حاجبي الأيسر وقلت أوجه حديثي إلى لاري: لماذا تبعده عني؟
أجابني ببرود وبكل ثقة: هذا الجرو لي! عليكِ ان تأخذي الإذن مني قبل التفكير بلمسه.
هاه؟
ضحكت بسخرية واقتربت منه بتهكم: طرفة سخيفة! ابحث عن أي حشرة في الأرجاء فهو اختصاصك حسب ما أذكر! أعد إلى بينديكت.
كنت أنوي أخذه مجدداً ولكنه استدار مبتعداً وهرب مني ليقول برفض تام: لا تلمسيه! لقد أصبح لي!
انزعجت بشدة وتبعته حين صعد للأعلى: توقف عندك إنه الجرو الخاص بي! قلت توقف!
نبح بينديكت ولهث دون توقف وبدى كما لو كان مستمتعاً بالشجار الذي يدور حوله!
امتعضت كثيراً حين دخلت إلى غرفة المعيشة واختبئ خلف الأريكة ليقول بحزم: ابتعدي عني!
اعترضت بغيظ: لا تأخذ ما يخص الآخرين بكل وقاحة وأعد إلى بينديكت حالاً!
نفي برأسه بل وابتسم بثقة بينما يحضنه بقوة: ولكنه تعلق بي! كما أنني طلبت من ابي العناية به ولم يعترض!
لا تحرف كلماتي كما يحلو لك، وتصرف بتهذيب.
قالها السيد هاريسون الذي نظر إلينا بجمود قبل أن يتساءل: أين دانيال لماذا ليس في المحل؟
نال الغيظ مني جراء تصرفات لاري ومع ذلك أخبرت السيد هاريسون بكل ما حدث ابتداء من إصابته على الدراجة ثم مجيئ مارثا وحتى سوء حالته في المطعم، بقي هادئاً جداً ينصت إلى ولكنه انزعج بوضوح لذكر أمر عِناده حول العناية بجرحه وقد لوى شفته بعدم رضى وأومأ بجفاء: فهمت.
دانيال:.
نظرت إلى كيس المشتريات الممتلئ الذي كان بين يداي أمشي بجانبه أجاري خطواته البطيئة وقلتُ بثقة: أخبرتك أن النقود ستكون كافية لنشتري هذا الكم الهائل من التسالي!
أكملت بإنزعاج وحذر: هذه المرة سأخفي المشتريات في مكان آمن! إياك وأن تخبر كيدمان بِمكانها.
في آخر مرة وشى بنا كارل وأخبر كيدمان ببساطة عن المكان السري! كارل هذا لا يتردد في منح الاجابات الصادقة فوراً وهذا. يزعجني!
بقي يُحدق إلى الطريق أمامه ببريق عينيه البارد المُعتاد ولم يعلق، حينها نظرتُ إلى حقول القمح على يساري واقترحت مبتسماً: هل نجلس هناك قليلاً؟ لا يَزال الوقت مبكراً!
ردد بصوته الغير معبر والنسيم الهادئ يعبث بخصلات شعره الأسود: مُبكر.
أومأت بتفكير أحك عيناي منزعجا من شيء قد دخل الى عيني جراء النسيم الذي ازدادت قوته: يمكننا حل الفروض المدرسية عندما نصل، سيُساعدنا كارل في حلها لا تقلق بهذا الشأن.
عبرت بجانبا في الطريق شاحنة للشحن الزراعي وخلفها مجموعة من الفتية اللذين كانو في أحد الفصول المجاورة لفصلنا في المدرسة، بدى أنهم يقضون وقتاً ممتعاً في الركض خلف الشاحنة والتسابق فنظرت إليهم بإهتمام وحماس احكم قبضتي على الكيس.
توقفت قدماه عن الحركة ينظر إلى الحقول بصمت فوقفت كذلك بجانبه.
بقي واقفاً على حاله وأطال النظر حتى قال بكلمات بطيئة: يمكنك مرافقتهم.
نظرت اليه لوهلة قبل ان اقول بامتعاض: اخبرتك منذ الصباح اننا سننفذ الخطة التي قمت برسمها! قطفنا كمية كبيرة من التوت وتناولناه، ثم نجحنا في اصطياد ثلاثة انواع مختلفة من السمك في البحيرة! لازال الوقت مبكر يمكننا فعل الكثير قبل العودة.
الوقت دائماً مُبكر. بالنسبة لك.
تذمرتُ بينما أبحث عن شيئ من التسالي يمكنني تناوله في طريقنا: ولكن لا يوجد ما انتظره!
كان يطرف ببطء شديد كعادته، نظر إلى بصمت ثم أعاد ناظره إلى الحقول وردد كلماتي بينما يتحرك قليلاً على جانب الطريق بعرجته الخفيفة: لأنك. لا تنتظر شيئاً.
أضاف يستدير لأواجه ظهره بالكامل: ولكن الوقت يصعب فهمه.
أكمل بصوت منخفض بارد: لا يمضي. لا شيء مبكر، ولا شيء قد تأخر. هل هو بطيئ أم لا وجود له، هل تتحرك عقارب الساعة! ما الذي يعنيه الوقت.
مجدداً، يتحدث بهذه الطريقة التي اعجز عن فهمها وتفسيرها وقد كان دائما اسلوبه لرجل بالغ.
وقفت في مكاني أنظر إليه بضيق وقد اعتراني القلق أمسك بالكيس بقوة واقتربت منه أتساءل: هل سترتدي الساعة المؤقتة؟
ردد كلماتي فعلمت برغبته في السؤال لذا أسرعت أوضح مبتسماً بمرح بينما أقف أمامه: يقوم كيدمان بارتدائها في الفصل، قم بفعل هذا وحسب.
رفعت معصمي نحو ثغري وقمت بعضه حتى تركت أسناني أثراً عليه وأسرعت أقول بثقة: هذا كل شيء! ساعة مؤقتة يمكنك من خلالها فعل اي شيء او انتظار ما تريده!
نظر بعينيه الزرقاء إلى مِعصمي فشجعته بعدم صبر: إنها بمثابة العد التنازل، ستختفي بعد فترة مؤقتة فقط.
تعلقت عينيه بشكل متواصل على معصمي بل واقترب وأمسك بيدي يرفعها لينظر إليها عن قرب وهمس: عد تنازلي.
لمحت إحدى النساء العجائز التي كانت تمسك بمجموعة من السلال التي وُضعت فيها المحاصيل التي قطفتها، القت على نظرة ثم عليه لتتعثر في خطواتها وقد شحب وجهها بشدة!
ارتخت يداي اراقبها بعيناي وقد انقبض صدري اتجاهلها.
يبدو انها تعرفنا جيداً. صحيح اظنني رأيتها تعمل طاهية في ملجئ الأيتام غرب القرية.
انتبهتُ لمن ترك يدي ورفع خاصته نحو ثغره، استقر معصمه في فمه حتى قام بعض نفسه كما فعلت، ابتسمتُ بهدوء ووجهت ناظري إلى كيس المشتريات أعاود البحث عما يمكنني تناوله حتى وقع الاختيار على احدى رقائق البطاطا الرفيعة والمملّحة، تهاوى إلى مسامعي صوت شهقة العجوز فنظرت إليها باستنكار لأجدها تحدق إلينا بذعر قبل ان تقول لي بقلق وارتياب: دانيال، اقترب مني حالاً! ابتعد عنه بُنَي.
أعدت ناظري إليه لأتسمر في مكاني وترتجف أناملي لأسقط الكيس من يدي.
انتابتني البرودة التي جعلت مني أرتجف دون توقف شاخصاً في مكاني بينما أحدق إليه بذهول. وضعف!
سمعت صوت أسناني التي اصطكت ببعضها البعض جراء جزعي وارتعاد فرائصي، أدركت أنني تعثرت وجلست على الأرض أمامه مباشرة أسفل قدميه.
بقيت أرفع رأسي عاجزاً عن إحالة بصري عنه، واللحظة التي رفع فيها يده أمامه لينظر إليها يتأملها ببرود تهاوى ذلك السائل الأحمر على وجنتِي مُباشرة ليسيل نحو عنقي!
شعرت بألم شديد في صَدري، ولم تكف تلك الصور العشوائية المشوشة عن اقتحام عقلي! صور كثيرة لا حصر لها كما لو. نسيتها تماماً! ما الذي. يحاول اقتحام رأسي ويشتت ذهني!
يصعب تجميعها أو ترتيبها ولكنها أثارت بي المزيد من الفزع وجعلتني أفتح فمي الذي يرتجف أحاول التفوه ولو بحرف واحد وفي النهاية لم أفلح سوى التفوه بكلمة واحدة بصوت مخنوق باكي مبحوح: دامين.!
ي. يا رفاق علينا أن نبلغ أحد البالغين بسرعة!
تهاوى على مسامعي صوت أحد الفتية اللذين كانو يلهون تواً، ليؤيده الآخر بخوف: ما يُقال حقيقة! إنه. إنه مجرد مسخ!
أعقب يصرخ بذعر: هذا الوحش يتصرف مثل مصاصي الدماء! هل ينتمي إليهم؟
كل كلمة كانت أقسى من السابقة! ومع كل حرف كان يستمر في النظر إلى بترقب وثبات حتى أنزل يده.
جثى على الأرض أمامي مباشرة، رفع يده الملطخة بالدماء لتستقر على وجنتي بينما يهمس: حتى ساعتي المؤقتة مشوهة. دانيال!
دمعت عيناي أحملق في ثغره الذي سالت منه دماء معصمه، استمرت تلك الصور في غزو مخيلتي أكثر حتى شعرت بالألم في رأسي!
احتوتني كلتا يديه يعانقني ويضمني إليه بقوة.
سمعت العجوز تنادي محذرة بخوف: ابتعد عنه دانيال ما الذي تنتظره! أيها الفتية أسرعوا بإبلاغ أي شخص في الأرجاء، فليذهب أحدكم لإبلاغ والدهما هاريسون!
أضافت تصرخ بهلع: دعه وشأنه أيها الوحش! ما الذي كدت تفعله بحق خالق السماء! تتناول قضمة مِنك؟ هل جننت أيها المسخ!
مع آخر حرف تفوهت بها شعرت بالرجفة التي سرت في جسده! ومع ذلك بقي يعانقني بقوته حتى همس في أذني: كما ترى، أنت البَطل الأنسب لهذه الحكاية دان. أنت فتى قوي ومثالي، جريء، لا تتردد في المساعدة ويحبك الجميع.
أعقب يبتعد ببطء لينظر إلى بأعين لا تعبير فيها يمرر سَبابته على وجنتي الملطخة بدماءه: أنت البطل الذي سيغلب الوَحش يوماً، قبل ذلك ستستمر في حمايتي أنا وكارل، ستحمي من حولك دون تردد. ستحافظ على مبادئك، لا تَسمح بتدنيس نفسك بِطباع جنس البشر. أنت شخص لا يُخطئ، لا مساوئ تسيطر عليك، ولن تضعف أمام ما يُسمى بالمِشاعر! هذا الشيء لا يُلائمك. لا يُلائمنا دان.
احتوى جسدي مجدداً وعانقني ليهمس: ستجعلك المشاعر ضعيفاً هشاً قابلاً للكسر في أي لحظة، لا تسمح بأن تُلوثك.
أضاف يربت على رأسي بلطف وقد تبلل كتفه جراء دموعي التي امتزجت بدماءه على وجهي: سأعلمك دان. كيف تأخذ مكاننا. سأعلمك جيداً كيف ستصبح كِلانا، وكيف سيكون منهجك مثالياً.
توقفت يداه عن التربيت على رأسي وهو يقول: لِنعد إلى المنزل. لنستكمل الفروض المدرسية معاً.
ظلام دامس!
لا حقول قمح. لا شمس ساطعة.
أو سماء زرقاء صافية.
المكان خافت الإنارة، ولكنني أشعر بحرقة في عيناي، كما انزعجت من ضيق لا يُطاق في صَدري جعلني ادرك انني الهث دون توقف!
ح. حُلم!
لا زلتُ أستلقي على السرير على معدتي!
الألم الذي ينتابني في ظهري. لماذا أشعر بأنه بات أسوأ بكثير.
لماذا أشعر برغبة عارمة في. أخذ كمية هائلة من الهواء إلى صدري!
ولماذا أتذكر أحداث مضى عليها وقت طويل جداً! كيف يجرؤ عقلي النتتن اللعين على أن ينسج لي أحلاماً مسمومة كهذه!
أحكمت قبضتي بقوة على غطاء السرير وجزيت على أسناني أغرس وجهي في الوسادة بقوة.
رأسي يؤلمني!
بقيت على حالي حتى اعتدلت قليلاً مدركاً بإنزعاج مدى تعرق جسدي.
أبقيت الوسادة بين يداي في حجري.
لن تضعف أمام ما يُسمى بالمِشاعر.
احنيت ظهري الذي احترق كالجحيم ولكنني لم أبالي، لأسند رأسي على الوسادة في حجري اتكور على نفسي بينما أغمض عيناي بإنهاك.
سأعلمك دان. كيف تأخذ مكاننا
ازدردت ريقي بصعوبة جراء شعوري بالعطش الشديد. عاودت أستلقي على معدتي وقد شعرت بالندم الشديد ما ان احنيت جذعي فلقد عاود الشعور بألم الحرق والجروح بالعودة بسرعة. رأسي يؤلمني وينتابني الصداع.
سمعتُ صوت باب الغرفة يُفتح، حركت رأسي ببطء أنظر إلى من ولج إلى الغرفة ولم يكن سوى أبي الذي فتح الإنارة ونظر إلى بوجه متجهم بشدة.
اعتدلت لأجلس على السرير وقد تركت الوسادة لأتساءل امرر يدي على رأسي: لقد عدت. قابلت السيد راف؟
خرج صوتي مبحوحاً غريباً. ومخنوقاً بشدة!
أغلق الباب خلفه وتقدم نحوي، جلس على سرير كارل مقابلاً لي وقال بجمود: لم تذهب إلى المشفى فور تعرضك للإصابة الأولى، هل ترغب في أن أوسعك ضرباً؟
زفرت ورفعت يدي نحو عنقي أحرك رأسي يميناً وشمالاً: تلك المزيفة. لن تغلق فمها طبعاً.
أخذ وسادة كارل والقاها على وجهي لينهرني بحزم: اخرس، ولماذا أنت متعرق إلى هذا الحد!
تمتمت بسخرية: تعلم أنني أحب ممارسة الرياضة في جميع الأحوال.
ركل ساقي بقدمه مزمجراً: كفاك سخفاً، خذ حماماً وتحضّر لتناول العشاء سينتهي كارل من اعداده في غضون دقائق.
مررت يدي على ساقي أخفف من حدة الألم بينما أتساءل بإنزعاج: لماذا تجاهلت سؤالي منذ البداية! ما الذي فعلته في منزل السيد راف مجدداً؟ ماذا يريد؟ إن كان متفرغاً لطلب لقائك في كل حين فلماذا لا يمنحنا مَعلومة كافية حول كيدمان على الأقل! هذا الكهل يستفزني! خرج مؤخرا فقط من القرية لا يعقل انه لا يعلم شيئا.!
وقف بجفاء وقال ببرود: مجرد لقاء لماذا تهتم إلى هذا الحد، لا أريد رؤية وجهك غداً في المحل، إن استلقيت على ظهرك فسأقوم بسكب الماء النتن المغلي عليه.
أومأت بضجر قبل أن أقول ابتسم براحة: سأفعل ما كنت أحلم به دوماً! التنفس والاستلقاء دون تقديم فائدة تذكر للمجتمع!
سيحتفل المجتمع بغيابك ايها الاحمق.
لا بأس سأكون ضيف شرف الاحتفال.
تفاجأت بيده التي رفعها فنويت تفادي قبضته التي ستهوي على رأسي بقوة لولا أن تسمرت أستشعر أنامله التي ضرب بها بخفة على شعري: أنا الأسوأ حظاً بلا شك. من سيتخيل ما يعانيه المرء عندما يكون حفنة من الحمقى المثيرين للمتاعب أبناؤه!
بقيت أجلس وقد سرت في جسدي رجفة طفيفة إثر ثقل يده على رأسي وبطريقة ما. التزمت الصمت تماماً!
أتساءل ما خطب الغصة التي تنتابني الآن.!
ابتسمت بتهكم ورفعت رأسي أنظر إليه، إلا ان ابتسامتي قد تلاشت تدريجياً.
عندما رأيت التعبير الشارد الهادئ على وجهه وهو يسألني: هل هذا ممتع؟
عقدت حاجباي بعدم فهم فأردف: هل تستمع بتحميل نفسك مسؤولية ثقيلة على عاتقك؟
خفقات غير منتظمة قد جعلت من صدري يصعد ويهبط في حالة من عدم الاستقرار!
وجدت نفسي أحدق إلى كلتا عينيه الجادة قبل أن اعلق بسخرية ابعد يده وانا أقف: هاريسون فريدريك ألم تصبح عاطفياً بشكل مفاجئ؟ يا رجل هذا مقرف لست معتاد على رؤيتك تتصرف بهذا اللطف! ماذا فعل بك راف؟ استبدلك برجل ألطف؟
أكملت ممازحاً أضرب كتفه بخفة: عد إلى رشدك هاري هذا الدور الزهري لا يليق بك! أنا جائع. سأستحم بسرعة.
كارل:.
كانت فرصة مناسبة، عندما انهيت اعداد العشاء وعلمت أن دانيال يستحم أسرعت إلى الغرفة لأقوم بأخذ قياساته.
طويت البنطال وأعدته إلى الخزانة ثم أخرجت القميص الأبيض لأستكمل أخذ باقي القياسات حتى كتبتها كافة في المحادثة وأرسلتها إلى الآنسة كتاليا التي تلقتها بينما تجلس تنتظر في غرفة المعيشة وأرسلت لي رمزاً ممتناً سعيداً فوراً.
كانت فترة قصيرة من الانتظار حتى اجتمعنا كافة على طاولة العشاء، عدى كيفين الذي رفض مشاركتنا وأصر على الجلوس في الغرفة يعزل نفسه!
بدى أبي منزعجاً سيء المزاج جراء ذلك.
وبالرغم من هذا.
يمكنني تفهم سبب استسلامه وجلوسه بدلاً من الذهاب لمجادلته كالعادة، لم يقرر أبي الذهاب إليه وعوضاً عن ذلك التزم الصمت تماماً.!
شعرت بالإنزعاج والضيق وتساءلت إن كان على الذهاب لإقناعه! ولكنني.
ماذا لو زدت الطين بلة؟ ماذا لو علت اصواتنا والقى كيفين سيل كلماته الجارحة على الجميع حينها؟
ربما من الأفضل أن.
فزعت وقد سعلت بقوة شديدة حين توقفت اللقمة في حلقي فور أن شهق دانيال بذهول وحماس بشكل مفاجئ ثم قال: خصومات بأرقام فلكية على منتجات الألبان في المركز التجاري المقابل لمحطة القطار!
بقيت أسعل حتى وقف لاري بقلق يضرب ظهري بخفة دون جدوى! اتسعت عينا الآنسة كتاليا وقالت: سوف يختنق!
نفيت برأسي وأشرت للاري بالتوقف حتى هدأت تدريجياً ليقول أبي بإنزعاج: رأسي يؤلمني كارل اذهب للسعال بعيداً!
طرفت الآنسة كتاليا بعينيها بعدم استيعاب في حين عاد لاري ليجلس، بينما قال دانيال بجدية يحدثني: لنذهب غداً في تمام الرابعة مساءً، لحسن الحظ ستكون قد انهيتَ عملك في هذا الوقت أيضاً! لا أعذار لا تأخير ولا تهاون إنها خصومات يصعب تكرارها.
اسندت الآنسة كتاليا مرفقها على الطاولة وقالت بتهكم: عذراً أيها السيد الجريح هل نسيت حالتك الصحية؟ ستجمع البضائع بتحريكها عن بعد؟ حري بك أن ترتاح لا أن تغامر بالدخول في الاكتظاظ والتجمهر الذي قد يزيد من سوء حالتك.
لوى شفته منزعجاً وقال يرمقها بنفاذ صبر: لن تفهمي أهمية الأمر وجديته لذا ابقي خارج الموضوع.
نظرت بدورها إلى أبي كما لو تحاول ضمه إلى صفها ليؤيد رأيها ولكنها تفاجأ به يقول بحزم: لا أحد هنا يملك الحق في الحديث، هناك من هو مصاب وينوي الانتحار غداً، وهناك من يفقد وعيه ويتغيب عن المنزل ليوم كامل. حري بكما أن تعملا على تقويم تصرفاتكما قبل توجيه أي نقد. والآن اخرسوا جميعكم وتناولوا الطعام بصمت.
لفت انتباهنا صوت نباح الجرو الصغير الذي دخل إلى المطبخ وبقي واقفاً أمام الباب، تبادل لاري النظرات الحادة مع الآنسة كتاليا التي لوت شفتها وقالت محذرة: لا تفكر في لمسه حتى! كما أنه سينام في غرفتي لذا لا تحاول اختطافه أو ازعاجه!
كان هذا ما قالته بوعيد قبل ان. ينفجر باكياً ويعود إلى سلسلة محاولات اقناع أبي بأن هذا الجرو قد أصبح له وهو الوحيد الذي يحق له لمسه والعناية به!
جلست على الكرسي لأخذ قسطاً من الراحة فور أن غادرت الزبونة ممسكة بكوب قهوتها، رفعت كلتا يداي أمدد جسدي في حين قال ويل على عجالة: لن أتأخر سأجري مكالمة وأعود، إن دخل أي زبون فلا بأس بأن تستعين بزاك أو مويرا أو حتى تاتيانا.
نظرت إليه بينما يضع هاتفه على اذنه مبتعداً ليدخل إلى غرفة الاستراحة.
لفت انتباهي اهتزاز هاتفي على الطاولة فأخذته لأتفقده، وجدت رسالة واردة وقد اعتدلت في جلستي ووليت اهتمامي التام إلى الشاشة فور ادراكي أنها من العارضة ستيلا!
كيف يسير الأمر معك؟ كيف تبلي في التدريب؟ أردت الإطمئنان فقط
الحقت كلماتها برمز لطيف وخرجت فوراً من المحادثة، وجدت نفسي ابتسم وقد شعرت بزغزغة طفيفة في صدري!
أنا حتى لا أدري ما الذي على كتابته! بماذا أجيب عليها؟
تعرقت أناملي بسهولة حتى انني تركت الهاتف قليلاً أفكر فيما على قوله لها.
في النهاية وجدت نفسي أكتب كل شيء يسير إلى نحو جيد
ارسلتها وقد شعرت فوراً بالإنزعاج أتساءل في نفسي لماذا كانت كلماتي موجزة إلى هذا الحد!
لا أجرؤ على كتابة المزيد!
أنا بالفعل مضطرب بشدة الآن.
كان على الإطمئنان على حالها أنا أيضاً! أحمق.
كنت مستعد لكتابة المزيد ولكنني وجدتها تكتب رسالة لثواني قبل أن ترسل سأكون متفرغة في الظهيرة، لا بد وأنك تجيد اعداد الموكا البيضاء الآن.
ستأتي إلى هنا في الظهيرة! تسللت ابتسامة بلهاء إلى ثغري وشعرت بخفة غير معتادة!
ما هذا التعبير المريع بحق الإله!
قيلت بصوت مترع بالجفاء والإزدراء، لم تكن سوى الآنسة تاتيانا التي أكملت تعقد حاجبيها بإشمئزاز: لا ترعب الزبائن بابتسامتك هذه! حضّر كوبين من الكورتادو.
تنهدت بعمق وقلت بهدوء: حسناً.
تركت الهاتف جانباً ووقفت لأعد الطلبين ولحسن الحظ قد أتقنت كيفية اعداد الكورتادو أطبق التعليمات، وقفت تعطيني ظهرها وهي تسند جذعها للوراء على الركن خلفها، كانت تعبث بهاتفها بينما أعد الطلب بإنهماك.
لا تغمرني بهالتك اللطيفة، فلتبقيها بعيداً عني
عقدت حاجباي باستنكار وتساءلت ما ان كانت تحدثني!
عندما القت على نظرة سريعة بصمت أيقنت أنها تقصدني! ابقي هالتي اللطيفة بعيداً؟ ما هذا؟
هل على أن أعلق على قولها حتى؟ لا أفهم ما تشير إليه!
دسّت هاتفها في جيب المئزر البني وقالت بهدوء دون أن تنظر إلي: لم يكن عليك التحايل وتتظاهر بأن طاقم العمل قد أرسلو تلك الكعكة لي. لا تعتقد بأن لطفك المفرط يعود بالنفع دائماً! أنت. تستفزني!
آه. تشير إلى هذا الأمر! هل كان من المزعج جداً أن تكتشف هذا؟ مهلاً لماذا تذكره فجأة وكيف علمت!
لحظة.
لا يمكن أنها.
وضعتُ الكوبين على اللوح وناولتها إياه، فتحت فمي لأتساءل ولكنها أسرعت تنتزعه مني وغادرت بوجه متجهم!
أرجو أن ما أفكر به لم يحدث!، لمحتُ زاك متفرغاً يقف في زاوية بعيدة قليلاً، أسرعت إليه وسألته بهدوء: زاك بشأن يوم ميلاد الطاهي، هل ذكر أحدكم شيئاً للآنسة تاتيانا؟
ارتخت ملامحه باستغراب قبل أن يبتسم بسخرية: يا رجل ما الذي حدث تحديداً؟
أعقب يضحك بتهكم: لم اراها تبادر في شكر أحدهم قبل هذه اللحظة، ولكنها على كل حال لم تكن تجربة موفقة! لقد قالت أنها شاكرة لارسال قطعة كعك إليها ولكن.
نفي برأسه وتمتم يمرر يده خلف عنقه: أخبرتها مويرا أن لا أحد قد أرسل الكعكة إليها، كما قالت لا بد وأنها قد رأت طبقك وتناولته دون علمك. هل هذا ما حدث حقاً؟
كما توقعت.! لقد تم احراجها! اعتقدت أنني.
آه تباً لماذا تدخلت وحشرت أنفي كان على تجاهل الأمر وحسب!
أشعر. بالذنب والإحراج من نفسي!
عدت حيث ركن القهوة أجر قدماي منزعجاً بشدة، أردت حقاً ألا يتم تجاهل فرد ينتمي إلى المجموعة ولكنني لم أضع في عين الاعتبار إمكانية وقوعها في هذا الموقف المحرج. أدين لها باعتذار!
جلستُ بلا حيلة وعندما وقعت عيناي على الهاتف تذكرت أمر ستيلا فأسرعت التقطه لأجدها قد أرسلت إضافة إلى قولها ابذل جهدك وأعلمني في حال رغبت في أي عون كارل
ابتسمت بهدوء وبقيت أحدق إلى المحادثة مرارا وتكرارا حتى كتبت لها بإيجاز جراء ارتباكي فعلتِ ما بوسعك، ويتحتم على أن أبذل جهدي، شكراً جزيلاً
لا تزال الساعة تشير إلى العاشرة فقط، لا زال هناك متسع من الوقت حتى يصل وقت الظهيرة قبل قدومها.
يبدو أن. الحماس ينتابني بالفعل!
حاولت العثور على فرصة مناسبة أعتذر فيها من الآنسة تاتيانا ولكن. لا جدوى! تأخذ الطلبات على عجالة وتتحاشاني بوضوح، كما انها لا تتوقف عن القاء النظرات المترعة بالغضب والإنزعاج تجاهي بل أنها لا تمانع في ابداء نفورها الشديد مني أمام الجميع.
جثيت أمسح بقع القهوة التي انسكبت أسفل قدماي أنظفها جيداً، وما ان استقمت حتى لمحت من دخلت إلى المقهى ترتدي قناع الوجه الأسود ونظارتها الشمسية بينما شعرها الذهبي مُسدل يلفت الأنظار بانعكاس أشعة الشمس الساطعة عليه!
أدركت أنني أقف في مكاني بلا حركة شاخصاً دون أي حيلة أحدق إليها عاجزاً عن إحالة ناظري.
كما استوعبت وقوفها أمام ركن القهوة منذ لحظات عندما رفعت كف يدها ملوحة لي لتنتزعني من أفكاري! طرفت بعيني بتدارك وقد سرت الرجفة في أطرافي ونال الإرتباك الشديد مني!
اهدأ، لا تظهر نفسك كالأحمق عليك أن تبدو هادئاً رزيناً وتقف بثبات!
أسرعت أحافظ على هدوئي وابتسمت برسمية: م. مرحباً بعودتكِ!
لماذا تلعثمت بوضوح بحق الإله!
حافظت على نظارتها الشمسية على عينيها بينما أنزلت القناع لتقول مبتسمة بهدوء: أهلا كارل، تبدو في حال جيدة!
أومأت فوراً: آه أنا بخير! هل. تأثر عملك بأي شكل من الأشكال جراء زيارتك للمقهى؟
تقصد الفتى الذي قام بتصوير البث المباشر؟ لا تقلق إنه روتين معتاد.
أضافت تنظر للأرجاء من حَولِها: بذكر هذا الموضوع. لم أشكر تلك الفتاة جيداً! هل هي هنا؟
أجبتها بهدوء: أعتقد أنها في الطابق الثاني، لا بد وأنها ستنزل خلال لحظات فقط.
تفهمت الأمر وقالت: الموكا البيضاء من فضلك كارل.
لحسن الحظ تدرّبت جيداً على اعدادها!
تساءلت بينما أبدأ باعدادها أحاول تجاهل شعور التوتر الذي يُرغم لِساني على اللعثمة: ستنتظرين هنا؟ أم ستختارين طاولة لتحتسي القهوة؟
اقتربت من الرُكن واسندت مرفقيها عليه بينما تجيبني: لا بأس سأنتظر هُنا، لدي جلسة تصوير بعد فترة قصيرة لذا لن أطيل.
ارتفع حاجباي بحيرة فاستكملت من تلقاء نفسها تخفض رأسها وتعبث بأناملها بأحد المناديل المطوية أمامها: موقع التصوير قريب من هنا، لذا. لدي فرصة لأتمشى في الأرجاء قليلاً.
توقفت يداي عن العمل للحظة. لديها فرصة إذاً.!
لسبب ما.
يغمرني السرور!
اكملت اعداد القهوة وقد لاحظتُ يدي التي تعمدت العمل ببطئ شديد.
هل من مشكلة كارل؟
اندفعت وانتابني التوتر لأقول فوراً بإضطراب وتلعثم: سوف أنهي القهوة حالاً لا أتعمد التأخير أنا فقط.
لا أتحدث عن القهوة! أقصد. إنه لقاؤنا الرابع ولكنك.
توقفت قليلاً قبل أن تضيف بحيرة: هل تتجنب النظر إلي؟ أعني أنك. ربما لا تحب التواصل البصري؟
لقد. لاحظت الأمر! اعتقدت أنني سأبدو هادئاً رزيناً لا أكثر! إن كانت قد لاحظت ببساطة فلا شك أن جميع الفتيات يلاحظن هذا بسهولة أيضاً.
ازدردت ريقي وقد شعرت بالسعادة لأول مرة لدخول مجموعة من الفتيات واقترابهن من الركن ليطلبن القهوة! جيد. يمكنني تجنب هذا الموضوع وإلا سأبدو مثيراً للشفقة أمامها.
وما عساي أفعل! فحتى لو أصبحت قادراً على تبادل الحديث والمحاورة ولكن الالتقاء البصري لا يزال الأصعب في التواصل! فحتى الآنسة كتاليا في الأمس شعرت بمدى عجزي عن النظر إليها مطولاً رغم جدية الوضع!
إنه هو! هل قمتِ بتصويره؟
استنكرت هذا السؤال الذي بدر من إحدى الفتيات بينما اضع الغطاء على كوب الآنسة ستيلا واناولها إياه، قرّبت إليها الجهاز لتقوم بالدفع عن طريق هاتفها وقد ابتسمت لي بإمتنان وقالت بصوت منخفض: شكراً جزيلاً، المرة القادمة قد أحظى بفرصة الجلوس هنا.
سوف تغادر.
بقيت أنظر إلى الجهاز قبل أن أرفع عيناي نحوها ولكنها استدارت على عجالة لتبتعد وتخرج من المقهى.
أنت. بطيء جداً في التقدم كارل! ما الذي كنت تتوقعه أصلاً!
شعرت بالإنزعاج من نفسي وقد تنهدت بعمق وشردت عيناي قليلاً قبل أن أدرك أن مجموعة الفتيات اللواتي كنّ أربعة يوجهن هواتفهن نحو. وجهي!
ربما سأفشل في الحفاظ على رباطة جأشي، لم أشعر يوماً بانتهاك خصوصيتي بقدر الآن!، انتزعت عيناي بسرعة وقلت بهدوء: مرحباً بكن.
كدت أسأل عن نوع القهوة الذي ستقوم كل واحدة منهن بطلبه ولكن احداهما تساءلت بحماس: لقد انتشر مؤخراً مقطع مصور لك في مواقع التواصل هل تعلم بهذا؟
ه. هاه!
نظرت إليها بعدم استيعاب لتكمل صديقتها تنظر إلى هاتفها تبتسم بوجه متورد: انتظر سأريك!
كانت ثواني فقط حتى رفعت هاتفها أمامي لأتفاجئ بمقطع قصير مصور لي ويبدو ان من نشرته فتاة قامت بزيارة المقهى فلقد كتبت أدناه عبارة بلون مبهرج عندما يُعد باريستا وسيم كهذا قهوتك فأنّى لكِ التركيز في مذاق كوب القهوة وحده!
سرت الحرارة في سائر جسدي وتمركزت في وجهي خاصة، وقد أخفضت رأسي بسرعة الاحظ ارتجاف طفيف في أناملي، ب. بحق خالق الكون هذا كثير جداً علي! لقد تعدى الأمر انتهاك الخصوصية.
أشعر. بالتوعك! لستُ بخير!
أنا بالفعل مثير للشفقة! فقد لساني القدرة على النطق حتى.
تجمهر الزبائن أمام الركن ولكنك لا تقوم بالإستجابة للطلبات كارل!
سمعتُ هذه الكلمات في أذني ولم يكن سوى ويل الذي لا يدري كم شعرت بالسعادة لوجوده!، لا يملك أدنى فكرة كم أنا شاكر لولادته في هذا العالم.!
هل أنتَ. بخير؟
تساءل بإستغراب فقلت له أنظر إليه بإمتنان شديد: شكراً جزيلاً!
عقد حاجبيه ببلاهة وعدم فهم وهو يقول بتشتت: ا. العفو؟
اسندت ظهري خلفي نحو واجهة أحد المتاجر ووضعت كلتا يداي في جيب بنطالي أترقب وصولهم.
هل التزم دانيال بالمواعيد يوماً؟ أنا أنتظر هنا منذ أكثر من نصف ساعة.
زفرت بضجر وأخرجت يدي اليمنى لأنظر إلى هاتفي، كم مرة قمت بإعادة قراءة المحادثة مع العارضة ستيلا؟ لا أدري ولكنني لم أتوقف عن قراءتها مراراً وتكراراً.
علي كل حال أشعر بالسوء. تهربت من حقيقة أنني لم أكن قادراً على الاعتذار إلى الآنسة تاتيانا، رغم أنني أردت حقاً ألا تشعر بالعزلة بينما يحتفل الجميع ولكن ربما لم أحسن التصرف بما يكفي أو أفكر بالأمر بتروي وحذر.
بدت على عجالة اليوم وقد استغربت خروجها فور انتهاء ورديتها رغم أنها من المفترض أن تبقى في المقهى حتى ورديتها التالية! ربما. شعرت أنها منهكة وتبالغ في العمل؟ ربما أدركت أنها كلفت نفسها فوق طاقتها وعليها أن ترتاح؟
انتبهت لصوت بكاء قريب فالتفت إلى يساري، رأيت دانيال يقترب بوجه منزعج متجهم وبجانبه لاري ذو الوجه المتورد وهو يبكي بشهقات متكررة دون توقف حتى لفت انظار الجميع من حوله!
عقدت حاجباي بحيرة وما ان وصلا حيث أقف حتى تساءلت أنظر إلى لاري: لماذا تبكي؟
عجز عن اجابتي بسبب شهقاته وقد اقترب يعانقني وينفجر باكياً بشدة!
نظرت إلى دانيال بينما أربت على رأس لاري ليهدأ: ما خطبه بحق الإله؟ هل ضربته؟
امتعض دانيال وقال ينظر إليه بنظرة شيطانية محذرة: لم أفعل ولكنني أتمنى ذلك الآن!
أردف بتهديد: كيف يكون بمقدورك ذرف الدموع دون توقف! بربك لاري أطبق فمك أنت مزعج جداً!
قطبت جبيني بعدم فهمي: رويدك! لماذا يبكي؟
أضاف ينظر إلى بنفاذ صبر: تشاجرا مجدداً بسبب ذلك الجرو الصغير! هذا الأحمق مقتنع تماماً أن الجرو يخصه وحده. وذلك الجرو يبدو أنه يشعر بالسعادة لشجار الجميع عليه!
يا الهي.
ابتسمت بإنهاك وضربت على ظهر لاري بخفة لأقول بهدوء: ألم أخبرك أنه للآنسة كتاليا؟ يمكنك مشاركتها العناية به ولكن لا حق لك في سلبه منها.
وضع دانيال يده على خصره بينما ينظر إلى هاتفه يتفقده وقال: لنسرع لاوقت نهدره.
انزعجت لأعلق بينما أمسك بيد لاري ليسير معنا: ومن برأيك من تأخر عن الموعد المحدد! اتفقنا ان نلتقي هنا في تمام ال.
قاطعني معترضاً: لم أكن المسؤول عن التأخير إنه هذا الصغير المزعج الذي بقي يحاول أخذ الجرو معنا حتى حملته معي رغماً عنه! لو لمحني جيمس في الأرجاء فلن يتردد في القبض على بتهمة اختطاف هذا الأحمق!
زفرت بعمق وتساءلت بهدوء: أياً يكن. هل حاولت اقناع كيفين؟
هدأ وارتخت ملامحه وهو يجيبني: يرفض الخروج من الغرفة.
فهمت.
انفصلنا وأخذ كل منا ركن خاص وسلة خفيفة لنجمع فيها المنتجات المحدودة، المكان مزدحم بِشدة، ولكنه الوضع المعتاد.
خرجت من تجمهر الناس عند أحد الأقسام وقد كُنت أجمع المنتجات الموجودة على أحد الرفوف العالية عندما تجمهرو في المكان الذي أقف فيه، لمحت دانيال عند القسم المجاور وقد بدى أنه جمع ما يلزم كذلك.
دفعني شخص جراء الازدحام فابتعدت عن مكاني قليلاً لأفسح المجال ولكنني سرعان ما دست بقدمي على شيء ما جعلني أتعثر بقوة!
السلة التي أحملها فقدت كل ما فيها وقد تهاوت على الشخص الذي دفعته نحو الأرض دون قصد ما ان تعثرت!، استلقى وقد تساقط كل ما في سلتي على وجهه فأسرعت أتدارك الأمر وأعتذر: هل أنت بخير؟ لم أقصد دفعك!
ه. هاه!
الشخص الذي دفعته.
الآنسة تاتيانا؟ طرفت بعدم استيعاب أنظر إليها بينما تبعد عن وجهها المنتجات وتزمجر بغضب: ما خطبك تحديداً! لماذا أنت هنا من بين جميع الأماكن في العالم بحق الإله!
اعتقدت أنها. مجرد فتى!
ترتدي ملابس صبيانية وتضع على رأسها قبعة سوداء رياضية بينما تجمر شعرها أسفلها، استوعبت الأمر حين اعتدلت وهي تتذمر وتجمع منتجاتها في سلتها بسرعة، لمحت الأشخاص الذين تدافعوا خلفها فأسرعت لأتحرك وأقف خلفها فاصطدموا بي بقوة، قلت منبهاً بجدية: قفي الجلوس هنا فكرة سيئة لن يترددو بسحقك بأقدامهم!
لوت شفتيها ممتعضة في حين اتسعت عيناي بعدم تصديق عندما ضربت ساقي بغيظ بمرفقها!
أخذت سلتها ولكنني تفاجأت بها تنظر إلى الأشياء التي تناثرت مني وقالت تنظر إلى أحدها بجفاء: سوف أخذ هذه.
أخذت العلبة دون ان تنتظر موافقتي حتى! وضعتها في سلتها وأسرعت تتحرك مبتعدة بمسافة قصيرة تحاول أخذ أحد المنتجات من الرف العلوي، ما فعلته الآن سرقة! لقد أخذت ما يفترض أنه لي. هذه الفتاة لا أدري كيف يفترض وصفها! زفرت بلا حيلة وجمعت الأشياء من على الأرض لأعيدها إلى السلة، رأيتها لا تزال تحاول الوصول إلى الرف، نظرت إلى سلتها وأخذت ما كان لي منها وقلت بهدوء: سأستعيده.
احتدت عينيها ولكنها سرعان ما نظرت إلى باستنكار عندما جلبت لها ما تريده من الرف العلوي ووضعته في سلتها بصمت وغادرت هذا القسم.
لهذا غادرت المقهى إذاً. أرادت أن تستغل فرصة الخصومات هنا!
شعرنا بالضجر نحن الثلاثة بينما ننتظر في الصف لحين وصول دورنا لدفع ثمن المشتريات، رفع دانيال يديه بكسل فسألته: أنت بخير؟ هل ساءت إصابتك؟
نفي برأسه وقال بسخرية: تصرفت مثل القنفذ الذي لا يجرؤ أي شخص على لمسه، لذا لا تقلق.
ضاقت عيناي بشك: مهلاً دان. هل انت من كان يُصدر تلك الأصوات الغريبة هناك؟
قال لاري بفخر: نعم إنه هو! كان الجميع يحدق إليه برعب وخوف ولم يتجرأ أيا منهم على أخذ المنتجات منه! داني ذكي!
شعرت بالإحراج ينتابني ونفيت برأسي أضع يدي على جبيني: حمداًلله لم أكن معكما! لا يمكنك أن تكون جاداً بدى الصوت لشخص قد حلت عليه لعنة مظلمة!
نظرت بعيداً وقد لمحت من انتهت قبلنا من دفع المستحقات وتقف أمام أحد التجار في ركن مخصص للمخللات الجاهزة تمسك بأكياس المشتريات بينما يروج لها حول المعلبات الموضوعة أمامه.
طرفت بتفاجؤ عندما رأيتها تقوم بتناول عينات التجربة كافة!
بدى لي أنه يروج لها بحماس ويحاول اقناعها، ولكنها ما ان حشت فمها بالطعام حتى نفيت برأسها وأعتقد أنها تظاهرت بأن مذاقه لم ينال اعجابها وأسرعت تغادر بخطوات واسعة تمسك الأكياس جيداً بينما فمها قد حشته بالكامل فعلياً!
حينها تجهم وجه البائع متذمراً بإنزعاج!
تصرفات هذه الفتاة غير معقولة.
ما الذي تبتسم لأجله كالأبله؟
تساءل دانيال بحيرة فأجفلتُ ونظرت إليه باستغراب حتى نفيت برأسي بهدوء.
أبتسِم؟
وقفنا أمام باب المحل ننظر إلى الصندوق الصغير المغلف بطريقة أنيقة لطيفة أمام الواجهة!، نظرتُ إلى دانيال وقلت بحيرة: هدية أخرى؟
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه بينما يترك الأكياس وجثى ليمسك بالصندوق ثم نظر من حوله في الشارع حتى أعاد ناظره إليه وقال بإنزعاج: مجدداً!
احتار لاري يتساءل بإمتعاض: أخي. هل تتلقى الهدايا من خطاف الزمرد؟ لماذا وضعتها هنا؟
نفي دانيال برأسه ونظر إلى بإستنكار وجدية: وُضعت في هذا الوقت كما لو يدرك من وضعها أننا في طريقنا إلى المنزل، ما غرضه تحديداً من ارسال هذه الهدايا أنا لا أفهم!
ثم زفر وتفاجأت به يلقيها على الأرض بجانب المحل وأخذ الأكياس بعصبية!
لحقت به بعدم رضى: مهلاً لا يمكنك أن تلقي بها في الشارع لمجرد أنك تجهل هوية من يرسلها! تبدو مكلفة جداً إنه لمن الهدر أن.
ولكنني توقفت عن الحديث عندما تجاهلي ليصعد الدرج بخطوات واسعة.
نظر أبي إليه للحظة ثم نحونا فرفعت كتفاي بلا حيلة، صعد لاري الدرج كذلك بينما وضعت الأكياس وعدت فوراً أدراجي لأخذ الهدية التي القاها وأضعها في الداخل.
كتاليا:
نظرت إلى السقف بينما أستلقي على ظهري على السرير وأترقب رده على مكالمتي، وما ان أجاب حتى سبقته القول: مرحباً ريتشارد.
أتى صوته هادئاً: كتاليا. أنتِ بخير؟
هذا السؤال الذي أوجهه إليك، كيف هي إصابتك؟ تشعر بالتحسن؟
أعقبت بقلق: كيف هو الجرح لا بد وأنه لا زال يؤلمك!
شعرت به يبتسم بينما يقول: كفاكِ سخفاً الأمر ليس بهذا السوء، أنا بخير لا تقلقي.
نزف كثيراً وقد كانت إصابة قوية كيف يمكنه قول هذا.!، تنهدت بعمق وبقيت أحدق إلى السقف لأسأله: هل راجعت المشفى؟
ماذا عنكِ؟ تحسنت صحتك؟ كيف تشعرين بينما أنتِ مرغمة على أخذ إجازة للراحة عن العمل؟
لويت شفتي منزعجة: يتولى زميلي فرانك معظم جلسات التصوير، والمُصورين الجدد كذلك. على كل حال سأعود للعمل قريباً لن يطول هذا الوضع أكثر لقد مللت الجلوس دون فعل أي شيء!
ثم سرعان ما استوعبت لأقول معاتبة بضيق: لماذا لم تخبرني أن هانا ستكون متواجدة في حفل حصاد انجازات المجلة ريتشارد!
سمعته يأخذ شهيقاً قبل أن يتساءل بإنهاك: اتصلتِ لمعاتبي بدلاً من الإطمئنان علي، اليس كذلك؟
عقدت حاجباي واستلقيت على جانبي لأتمتم على مضض بصوت خافت: ولكنك أخفيت الأمر عني.
وها قد علمتِ. ما الذي سيتغير؟
هل ستكون متواجدة منذ بداية الحفل؟ أما أنها ستحضر في وقت معين خلال التكريم الخاص بها؟
لهذه الدرجة لا تريدين لقائها؟ هل ستتهربين منها لوقت أطول؟
ارتخت عيناي وشعرت بانقباض في صدري بينما أهمس بإستياء: رأيت واتسون. كان يضع خاتماً حول اصبعه، لديه خطيبة بالفعل!
هانا على علم بالأمر.
أدرك هذا جيداً. أنا فقط. تمنيت ألا أراه!
ساد الصمت بيننا للحظات ثقيلة حتى أتت كلماته بنبرة حانية: الهرب لن يجدي نفعاً. يوماً ما كات، ستدركين أن كل ما تهربتِ منه كان مجرد مخاوف سخيفة، طالما لا يزال عقلك يصر على الاهتمام بصغائر الأمور. ستفهمين جيداً أنكِ أهدرت وقتاً ثميناً حري بك استغلاله في فعل الكثير.
صمت قليلاً قبل أن يردف: ما يهم هو. أن تتوقفي عن الهرب نحو الطريق الخاطئ، أخبرتك كات. أن تنتقي الأشخاص الذين يستحقون البقاء في دائرتك الخاصة.
تستمر في قول هذا. دون رغبة منك في توضيح أي شيء!
أعقبت بأسى: لا أدري ما الذي على الحذر منه، ولا أعلم ما الذي تتحدث عنه. عليك أن تصارحني وتتوقف عن جعلي أعيش في هذا التشتت وحسب.
كتاليا.
همس بإسمي ثم أكمل بصوته الهادئ: سأسدي لكِ نصيحة. أنا واثق أنكِ ستتذكرينها في الوقت المناسب.
انتابني الفضول والاستغراب المترع بالقلق لأسأله: ماذا؟
عندما يحين الوقت المناسب. في ذلك الأوان فقط. عندما تدركين حقيقة ما يدور حولك. يحق لكِ آنذاك الهرب بإغماض عينيكِ والاستلقاء دون فعل أي شيء، لا ترهقي نفسك بالمحاولة. واتركي الأحداث تأخذ مسارها الخاص.
ما الذي.
يحاول قوله!
الهرب. بعدم فعل أي شيء؟
تكورت على نفسي وأبقيت الهاتف على أذني عاجزة عن العثور على السؤال الأنسب حتى قلت معاتبة بضيق: لا تخاطبني بلغة الروائي الغامض أنا لا افهم فشيئاً مما تقوله!
ضحك بخفوت واعترض: لا تفكري كثيراً، هل وجهتِ لي نقداً للتو؟
كدت أجيبه لولا ان اجفلت في مكاني بفزع عندما فُتح باب الغرفة بقوة على حين غرة!
دخل لاري بوجه حازم وأمسك ببينديكت بين يديه وصاح بي بحزم: قال أبي أنه على الاستئذان منكِ لأخذه معي في جولة.
أغمضت عيناي بغيظ شديد وقلت أحدث ريتشارد بجمود: لدي مهمة اعدام على تنفيذها حالاً، وداعاً.
أنهيت المكالمة وقفزت من على السرير لأقول بإنزعاج: هل فقدت عقلك لتقتحم الغرفة دون إذن مسبق؟ ثم ان بينديكت لديه جدول بأيام وأوقات محددة ليتنزه في الخارج! لا تأخذه كثيراً والا اعتاد على الخروج يومياً وسيكره البقاء في المنزل!
اعترض يحضنه بقوة: ولكنني سأذهب لشراء المعجنات من المخبز!
اعتدت الذهاب وحدك منذ أن خُلقت في هذا العالم فلماذا لا يمكنك الآن الذهاب سوى برفقة بينديكت!
عبس وقوس شفتيه بعناد: لماذا ستعترضين رغم أخذي الاذن منكِ!
هذا الفتى. مزعج إلى حد كبير!
ألا يكفيه الشجار الذي حدث في وقت الظهيرة؟
آه لا أستطيع تحمل هذا الوضع أكثر أنا مضطرة لمسايرته! نظرتُ إلى بينديكت بتردد للحظة قبل أن أقول بجمود: عد في غضون نصف ساعة إياك وأن تتأخر لاري!
تفاجأت بالابتسامة السعيدة المرحة التي ارتسمت على ملامحه وقد قال بحماس وهو يخرج بسرعة: لنذهب بينديكت لقد وافقت خطاف الزمرد سوف أفكر بترقيتها بلقب أفضل.
بقيت في مكاني حائرة أنظر إلى الباب الذي خرج منه.
أعتقد أن هذا الصغير. يجيد التبسم بلطف وطفولية مثل أي طفل طبيعي!
مررت يدي في شعري ورتبته لأعيد الخصلات الفوضوية خلف أذني وسؤال قد تبادر إلى ذهني.
هو لا يعلم بأن مارثا تكون والدته. أتساءل كيف قد يكون وقع الخبر عليه؟
إنه شديد التعلق بكارل ودانيال رغم عدم علمه بالحقيقة! يبدو لي أنه بالكاد تجاوز العاشرة من عمره لذا لا عجب انه قد نسي أمر والدته تماماً وتعلق بالسيد هاريسون. ألم يفكر كيفين بمصارحته يوماً؟
وهل كيفين. بخير حتى؟
لم يتناول الطعام معنا ويفضل عزل نفسه بشكل متواصل في الغرفة، هل من الجيد تركه وحيداً؟
أنا.
لماذا أستمر في التفكير بشأنهم!
لا تتدخلي.
ابقي بعيداً وحسب، لا تجيدين إصلاح الأمور كتاليا وكل ما يمكنكِ فعله هو افساد الوضع أكثر لذا لا تحشري أنفك وحسب!
أغمضت عيناي بإنهاك وتعب من هذا الجدال وقد قلت أوجه حديثي إلى السيد هاريسون الذي يجلس على الأريكة: أرجوك أقنعه بأنه من الضروري أن يتواجد! لقد قام بالترويج لعملين وعليه أن يتلقى التكريم المناسب في الحفل!
بقيت أقف في منتصف غرفة المعيشة في حين بقي دانيال يستلقي على جانبه على الأريكة الأكبر وتمتم بملل وعدم اكتراث: لا داعي لتخبري أبي، لقد قلت ما لدي.
نظر كارل إليه بلا حيلة وقد كان يقف متكتفاً أمام باب المطبخ يحدق إليه قبل أن يقول بعدم رضى: ولكن حضورك أمر متعلق بالعمل فلماذا ترفض الموضوع برمته! كما أنك تبدو بخير فلماذا تهول الأمر وتبدو مثل الطائر الجريح العاجز عن الطيران! في الأمس ذهبنا إلى المركز التجاري لأجل الخصومات وبدوت في كامل قواك!
علق دانيال يعبث بهاتفه بفتور: أنا بالفعل طائر جريح مليء بالندوب، خلاصة القول لن أذهب.
أضاف بتهكم يرمقني بإستفزاز: هل يمكنني حضوره افتراضياً؟ تقدم العالم كما ترين ولا بأس في الاحتفال معكم عن بعد اليس كذلك؟
ضاقت عيناي بغضب: لديك الوقت الكافي لتلقي طرفاً سخيفة! دانيال إنه مجرد حفل رسمي ومهني ويوجد فقرة خاصة بتكريم أي عارض تعاون مع المجلة فلماذا تصر على فعل أمر لا يتماشى مع موجهات وشروط العمل! ستتوالى عليك المزيد من العروض ولن يتحتم عليك حضور هذا النوع من الحفلات فقط ولكنك ستكون مرغماً على اجراء مقابلات صحفية مهما كان نوعها أيها الغبي الأرعن!
نظر السيد هاريسون إلى دانيال الذي بقي يستلقي بلا اكتراث بل وتثاءب ورفع كلتا يديه متمتماً: أنا رجل طريح الفراش عليه أن ينال قسط كافي من النوم وصوتكِ الحاد يتعارض مع متطلبات الراحة لذا دعيني وشأني.
علق كارل بجدية: توقف عن هذا.! ما تفعله ضد مصلحة العمل المشترك بينكما.
أيدته بغضب: هذا صحيح!
أجفلنا نحن الثلاثة للصوت الجهوري الذي صرخ صاحبه بسخط: فليخرس الجميع! دام هذا الجدال أكثر من ساعة إلى متى على ان أنصت إلى شجاركم السخيف بينما على أن أرتاح قبل أن أفتتح المحل مجدداً؟ اخرجو جميعكم من هنا! قلت اخرجو وإلا!
نظرنا إليه بدهشة فقد تورد وجهه إثر عصبيته ونفاذ صبر! كنت أول من انسحبت من غرفة المعيشة ثم كارل وتلانا من يتحرك بخطوات غير مكترثة، وما ان خرجنا حتى دفعت دانيال بغيظ أمسك بقميصه بشراسة: ستصل البدلة خلال اليوم، ستقوم بتجربتها واعلامي بمدى ملائمة القياس هل تسمعني!
اتسعت عينيه بعدم استيعاب وقد توتر يرفع كلتا يديه في الهواء معترضاً بإضطراب: ابعدي يدك عن قميصي حالاً!
صعد بينديكت الدرج وخلفه لاري الذي يلاحقه، اتجه بينديكت إلى قدم دانيال وقد بد يغرس أنيابه في طرف بنطاله من الأسفل يشده فقال دانيال بغضب وقد تهدج صوته إثر توتره الذي سيطر عليه: أيها الجرو الغبي أنا من يتعرض للإعتداء هنا!
أضاف يحاول انتزاع قميصه من يدي: افعل شيئاً كارل!
ولكنه تفاجئ بكارل الذي قال ببرود: سأذهب للاستحمام. هذا ما سأفعله.
تعالى رنين هاتفي فأخرجته بينما أبقي يدي اليمنى تشد على قميصه، جاك!، أجبت على المكالمة بينما أنظر إلى دانيال بحدة: مرحباً.
كتاليا، لقد. كنا نحاول الوصول إلى روز دون جدوى، هل تواصلت معكِ مؤخراً؟
روز!
الوصول إليها. دون جدوى؟
تركت قميص دانيال فوراً وقد انتابني القلق بينما أتساءل: لماذا؟ ما خطبها؟
أتى صوته هادئاً: اعتقدت أنكِ تعرفين شيئاً. لا بأس كتاليا إنها بخير أردت فقط أن أتأكد.
مهلاً جاك أخبرني حالاً ما الأمر!
ابتعدت عن الجميع وأسرعت أنزل الدرج بينما أقول بعصبية وخوف: أنت في شقتك؟ سوف آتي حالاً، ولكن أخبرني أولاً ما خطبها؟
لم تأتي إلى العمل في الأمس، في الواقع لقد أرسلت رسالة وقالت فيها أنها ستأخذ اجازة ليوم واحد ولكنها لا تجيب على اتصالاتنا كما أنها غير متواجدة في شقتها لذا ظننا أنكِ قد تعرفين شيئاً حولها.
م. ماذا عن ديفيد؟ ألا يعرف أي شيء؟
الأمر سيان معه، لا داعي لمجيئك كات. سأرى ما يمكنني فعله.
كنت قد خرجت من باب المحل عندما قلت بحزم وارتياب: كفاك سخفاً وكيف لي أن أبقى مكاني! سوف أكون في شقتك في غضون.
توقفت عن الحديث بتفاجؤ.
وبقيت ساكنة في مكاني أطرف بعيني أحدق إلى الأعين البنية التي تنظر إلى بهدوء وترقب بينما تدس يديها في جيب سترتها البيضاء الخفيفة فوق فستانها الصيفي الأزرق القصير، قلتُ بعدم استيعاب يجوبه ارتياح شديد وخفة في صدري: إنها. معي!
تساءل بعدم فهم: ماذا؟ روز معك؟
قلت على عجالة: روز معي لا داعي للقلق! سأغلق الآن.
اقتربت منها باستغراب ووضعت يدي على كتفها بتشتت: روز الجميع يبحث عنكِ! لماذا تجاهلت اتصالاتهم؟
طرفت ببطء قبل أن تشيح بناظرها مُتمتمة: حَمقى. أخبرتهم أنني بِحاجة إلى اجازة فلماذا كل هذا القلق!
وضعت الهاتف في جيبي وتساءلت بقلق: لم تكوني في شقتك؟
نفيت برأسها ومررت يدها في شعرها الأشقر القصير: لم أكن هناك منذ الأمس، كنت بحاجة إلى الاسترخاء بعيداً عن العمل وشقتي فلماذا هوّل الجميع المسألة!
أضافت تتساءل بحيرة ترفع كفيها لتستقر على كلتا وجنتاي: هل أتخيل. أم أن وجنتيك قد امتلئتا؟
همست بدهشة: ماذا؟
ابتسمت بخبث: هل اكتسبتِ وزناً بجلوسك بلا عمل؟
ابعدت يديها عني بإنزعاج: كفاكِ سخفاً! حسناً نعلم أنكِ الفتاة الرشيقة التي تحافظ على جسدها ولكنكِ تعلمين أن لياقتي أفضل منكِ!، أياً يكن روز عليكِ أن تجيبي على الرفاق ليطمئنوا.
أومأت دون اعتراض: سأبلغهم بعد قليل. هل أنتِ متفرغة؟
نعم. تريدين أن نتمشى في الأرجاء؟
كان كتفي ملاصقاً لكتفها عندما جلسنا على الدرج الحجري الذي يؤدي إلى الأسفل حيث الشاطئ. سيحين قريباً وقت الغروب وقد كان الوقت الأنسب إذ أن المكان كان هادئاً جداً ومناسباً، كما وقد تحسن الجو كثيرا والنسيم اللطيف قد داعب شعري بينما أضم قدماي إلى وقلت: مضى وقت منذ ان شاركتنا جانيت أي نزهة.
همهمت إيجاباً فقلت على مضض: بدت غريبة مختلفة في لقاءنا الأخير في المطعم.! لم أعد أعلم كيف ومتى على التواصل معها. ماذا عنكِ؟ هل كل شيء بخير بينكما؟
آه نعم! أخبرتكِ ألا تعيري عصبيتها وردودها أي اهتمام تعلمين أنها تقول هذا ثم تتصرف وكأن شيئاً لم يكن، صحيح أنني لا أؤيد طريقتها ولكن.
قاطعتها بلا حيلة أسند ذقني على مرفقاي: ولكنها صديقتنا.
أردفت أسألها: لماذا تجاهلت اتصالات الجميع روز؟ أسبابك غير مقنعة وسطحية جداً أخبريني بالحقيقة! لماذا علاقتك بديفيد متوترة جداً مؤخراً؟ لماذا تعاملينه بهذه الطريقة رغم انكِ تحبينه؟ هل نسيتِ كيف اعجبتِ به منذ التحاقك بالمجلة وكيف اعترفتِ له؟
بقيت تحدق إلى البحر بهدوء وشردت عينيها لفترة طويلة، وجدت نفسي أعيد ناظري للأمام وتساءلت بقلق: ألا زلتِ. تحبين ديفيد؟
ترقبت ردها الذي أتى فوراً بنبرة منخفضة: لا يهم.
عقدت حاجباي بإستنكار شديد ومددت قدماي على الدرج استدير بنصف جسدي لأتساءل: لا يهم؟ ما هو الذي لا يهمك تحديداً؟ مشاعره تجاهك؟ أم مشاعركِ أنتِ؟ أو المنحنى الذي تأخذه علاقتكما! لماذا. تتصرفين بغرابة!
تجاهلت كل أسئلتي وبدلاً من ذلك نظرت إلى بهدوء: هل أنتِ بخير مؤخراً؟
هاه! لماذا. تسألينني؟
ذلك الوغد لم يتعرض لكِ منذ آخر مرة صحيح؟ عائلة دانيال من الآمن العيش معهم اليس كذلك؟ ستبقين في منزلهم لفترة أطول؟ لديكِ الكثير من الخيارات؟
تفاجأت بصوتها يعلو تمسك بيدي بقوة بينما تستكمل بتوتر واضطراب: ستكونين أكثر حذراً ولن تسمحي له بالإقتراب منكِ مجدداً اليس كذلك؟ لن تستمري في اخفاء ما يحدث لكِ عن والدك صحيح؟ ستلجئين إليه أو إلى عائلة هاريسون عندما ت.
روز!
همست بإسمها بتشتت أتأملها باستغراب شديد، طرفت بعينيها باستيعاب وابعدت يدها بسرعة قبل أن تشيح بوجهها وتضم قدميها إليها بقوة!
ما الذي.
يحدث لروز!
تسارعت أنفاسي جراء الخوف الذي انتابني وقد تحركت لأجلس أمامها على الدرجة التي تليها مباشرة، وضعتُ كلتا يداي على كتفيها أهزها بخفة: لستِ بخير أنا لا أدري ما الذي تهذين به أو لِماذا؟ مما أنتِ قلقة؟ ما مناسبة ذكرك لأمر باتريك فجأة؟ هل هناك ما يشغل تفكيرك! صارحيني روز أرجوكِ!
بقيت تخفي وجهها لوقت طويل بينما ألح عليها بأسئلتي.
ولكنني استسلمت والتزمت الصمت أجلس أمامها بترقب أنتظر مبادرتها لئلا أضغط عليها أكثر!
حتى سمعت صوتها الخافت: هل هناك مجال للتراجع.؟
التراجع عن ماذا؟
سألتها بقلق فانكمشت على نفسها ونفيت برأسها بقوة ترفض قول كلمة!
ضاق صدري بشدة وكرهت عجزي!
ما الذي يمكنني فعله لأجلها؟ كيف أتصرف! أنا لا أدري حتى ما الذي يزعجها ويجعلها تمر في هذه الحالة التي لم أراها تمر فيها مسبقاً!
رفعت يدي أنوي التخفيف عنها لاربت على رأسها ولكنني توقفت فور ان تعالى رنين هاتفها.
أجفلت هي بدورها وأسرعت لتخرجه من جيب سترتها الخفيفة تنظر إليه، وسرعان ما شحب وجهها بوضوح وهي تقف على عجلة من أمرها لتقول: إلى اللقاء، أراكِ لاحقاً.
مهلاً! روز انتظري.
ولكنها أسرعت تصعد الدرج ولم تكن سوى درجات قليلة حتى شهقتُ بخفة واتجهت إليها ما ان تعثرت بقوة وسقطت على ركبتها اليسرى!
عاتبتها بحزم: أيتها الغبية انظري إلى ما حدث لكِ!
تجاهلتني تنوي الوقوف لتكمل طريقها ولكنها تسمرت في مكانها وقد انكفأ لونها بشدة وبدت تتألم كثيراً!
نظرت إلى ركبتها التي خُدشت ويبدو انه يوجد رضة قوية فيها، حاولت أن تنهض مجدداً ولكنها عجزت وبقيت في مكانها تتأوه بصوت خافت وهاتفها يرن دون توقف!
بدت وكأن.
اضطرابها يزداد كلما استمر رنين هاتفها!
من المتصل؟ لماذا كل هذا الفزع والتوتر؟
بقيت أحدق إلى هاتفها بتردد قبل أن أتجاهل الأمر وجلست أمامها أسحب يدها بقوة على حين غرة لأحملها على ظهري، شهقت بتفاجؤ وقالت معترضة: انزليني أيتها المجنونة ماذا لو سقطنا معاً!
أجبتها بإنزعاج: ستتحملين تكاليف علاجي، ستكونين السبب روز فمن الواضح أنكِ لن تتوقفي عن هذا الأداء الغامض المثير للريبة!
احاطت عنقي بذراعيها وقالت بحدة: يمكنني الصعود وحدي! لن تتحملي حتى نصل إلى نهاية الدرج أيتها المتهورة أنتِ لست المرأة الخارقة!
تمتمت بينما أصعد بخطى حذرة: أنتِ مزعجة حقاً، سأمنح ديفيد مكافأة صبره عليكِ، دعيني أخذك إلى المشفى.
أعقبت ممازحة الهث محاولة السيطرة على أنفاسي: أصبحت الأكثر زيارة مؤخراً في هذه المدينة لكل العيادات والمستشفيات في الأنحاء!
التزمت الصمت بدورها باستسلام، بقيت تحيط عنقي بذراعيها تتمسك بي وقد القى علينا ثنائي ينزلان الدرج نظرة استغراب.
قلتُ ممازحة: نحن نلفت النظر.
لم تعلق وقد اكتفت بالهمهمة خافتة إيجاباً كما لو. تسايرني!
لسبب ما.
أدركت اليوم أمراً قد جعل مني أشعر ببرودة غريبة!
في الواقع.
أنا لا أعرف أي شيء عن الأشخاص المحيطين بي!
لا أعرف عن روز أي شيء! لا أدري ما الذي يضايقها، لا أعلم من تكون، لا أعرف شيئاً حول حياتها ولا حتى قراراتها المفاجئة، لا أعرف أي شيء عن جانيت. رغم أنني اعتدت أسلوبها العدائي البارد تجاهي ولكنني. أجهل الكثير!
لا فكرة لدي حول ما يخص جاك أو ديفيد!
أنا.
لم أفكّر يوماً في اكتشافهم! كنت سعيدة بأنني حظيت بعلاقات حقيقية وصداقة مع أشخاص في مرحلة جديدة من حياتي ولم أهتم يوماً بمعرفة أي شيء عنهم.
اعتقدت أنني لست بحاجة إلى الغوص والتوغل في أية تفاصيل! اعتقدت أن تكوين العلاقات المناسبة كافٍ جداً بالنسبة لي.
ظننت أنني سأبدأ من جديد وسأطوي الصفحات القديمة ولا حاجة لي في. اكتشاف من يحيط بي!
لا أصدق أنني أدرك هذا الآن فقط! لا أعلم شيئاً عن أصدقائي.!
أبقيت ذاتي الحقيقية بعيداً عنهم واخفيت كل ما يخصني في أعماقي ومقابل ذلك رسم لي عقلي المسار ذاته في التعرف على الآخرين! بأنه لا داعي لمعرفة ما يخصهم! أن لكل منا أسرار ولكل منا خفايا ولكن. لم يكن قراراً حكيماً بما يكفي!
صديقتي تعاني. وأنا جاهلة لأبسط التفاصيل!
لم يتوقف ديفيد عن الاتصال بي منذ أن أعلمه جاك بأن روز بخير وبرفقتي، بالكاد عثرت على فرصة لأخبره أنني معها في المشفى لتعتني بإصابة ركبتها، أغلق فوراً ما ان علم بإسم المشفى وقد تساءلت إن كانت روز ستغضب إن علمت أنه. قد يأتي في أي لحظة!
انتابني التردد والإرتباك أنظر إليها بينما تستعين بالعكازة لتقف حتى تحرك لساني وقلت: يمكنك التحرك؟ دعيني أساعدك.
نفيت بسرعة وابتسمت بهدوء: لا بأس أنا بخير.
سأوصلكِ إلى شقتك، انتظري في ردهة الاستقبال ريثما أوقف سيارة أجرة.
أومأت لي دون اعتراض وبدأت تخطو لتخرج من غرفة العلاج الفارغة ولكنها سرعان ما توقفت وكذلك انتبهت لمن يقف خلفي يلهث بتعب وقد وصل للتو يسند يده على الباب وينظر بعينيه الخضراء إلى روز.
كنت أعلم أنه سيأتي دون تردد! أرجو ألا ينشب أي شجار بينهما.
انخفض ناظريه نحو ركبتها وقد التقط أنفاسه ومرر يده للوراء في شعره الأسود يقترب منا فأسرعت ألطف الأجواء أقول مطمئنة: لقد تعثرت وأصابت ركبتها، ولكنها بخير. قال الطبيب أنها قادرة على ترك العكازة خلال ثلاثة أيام على الأقل.
أعقبت أبتسم بتشجيع: اليس كذلك روز؟
أومأتْ بصمت والقت نظرة على ديفيد قبل أن تقول على مضض: لِنغادر كات.
قلتِ أنكِ لم تكوني في شقتك منذ الأمس.
تحدث ديفيد بجمود بينما يريح يديه إلى جانبيه وقد ضاقت عينيه بجدية وحدة لتقول هي تشيح بوجهها بعيداً: كما قلت، أين المشكلة!
زميت شفتاي وبقيت أقف أنظر إلى قدماي أشعر بثقل الهواء في الغرفة في حتى رفعت رأسي باستنكار إثر كلمات ديفيد الباردة: إذاً ما الذي يُفسر الضجة التي سمعتها جارتك في شقتك بعد منتصف الليل؟
ضجة؟
عقدت حاجباي بعدم فهم في حين طرفت روز بسرعة واقتضبت لتقول بإنزعاج: وهل أنا الجارة الوحيدة التي تقطن في الطابق نفسه! هل أتيت بحثاً عن شجار معي؟
أعقبت بعصبية تمسك بعكازها تتكئ عليه بيد ترتجف دون توقف: توقف عن هذا ديفيد! قلت لكم أنني بحاجة إلى اجازة لأرتاح فيها فما الذي يهم في كيف أو متى أو لماذا قررت الغياب عن العمل ألا يحق لي الاسترخاء وقتما أشاء؟
جمدت ملامح ديفيد بشدة وقد بقيت عيناه الخضراء تحدق إليها بتمعن. لم يسبق لي وأن رأيت هذا التعبير على وجهه! كما لو. نفذ صبره بالفعل!
انتابني القلق أتساءل عما ستكون عليه ردة فعله ولا سيما عندما علا صوتها ونظرت إليه بعدائية لتنهره بغيظ: يمكنني فعل ما أريد واتخاذ القرار الذي أرغب فيه طالما لا يضرك فلماذا تستمر في تهويل الأمور! قضاء الوقت في شقتي أو في الجحيم إنه أمر يعنيني وحدي! دعني وشأني ديفيد لقد ضقت ذرعاً لِماذا لا تفهم!
رفعت يدي نحو فمي بتلقائية أنظر بدهشة إليه ما ان دفعها نحو الحائط خلفي وأمسك بكلتا يديها يثبتها على الحائط وتمتم بجفاء: لقد طفح الكيل.
ما الذي. ينوي فعله!
نظرتُ إلى العكاز الذي استقر على الأرض قبل أن أعيد ناظري إلى روز التي تحدق إليه بتفاجؤ وشحوب، بقي يحدق إليها حتى قال بصوت متهدج: عبري عن رغبتك حالاً، أخبريني الآن. أنكِ تريدين أن ننفصل!
تشتت مقلتيها وفغرت فمها تنظر إليه بدهشة، ليكمل بحزم بدى من الصعب أن يخفي فيه حنقه والإنكسار الذي يعتريه: ما الذي تنتظرينه بحق خالق الجحيم فلينطق فمك حالاً برغبتك في أن ينفصل كلانا لننهي الأمر! ساعديني لأتركك وشأنكِ!
ديفيد!
إ. إلى أي مدى كان من الصعب عليه أن يتفوه بهذا.!
هذا. الأحمق! شعرت بغصة شديدة تنتابني ورغبت في عذله وعتابه لما يقوله ولكنني تفاجأت بها تقوس شفتيها اللتان ارتجفتا بشدة وقد كانت لمعة الدموع في عينيها بداية لانهيارها لتخفض رأسها فوراً تكبح رغبتها في البكاء!
بدى مرتاباً قلقاً لردة فعلها وقد ترك كلتا يديها فوراً وبقي واقفاً أمامها مباشرة يلتزم الصمت.
انتابني الإضطراب والخوف عليها ما ان جلست على الأرض وأخفت وجهها بكفيها تحاول منع نفسها من البكاء أكثر!
اقتربت فوراً عاجزة عن الوقوف مكتوفة الأيدي وقد جثوت بجانبها أجذب رأسها إلى كتفي أربت عليه بهدوء.
رفعت عيناي نحو ديفيد حائرة فبقي يحدق إليها مشتتاً بضياع حتى تراجع للوراء خطوة وهمس ينفي برأسه يعقد حاجبيه: ما الذي. على فعله أكثر بحق الإله! أو. ما الذي لا يجب أن أقوم به!
أغمض عينيه بإنهاك ومرر يده على صدغيه وبدى بلا حول أو قوة.
ما الذي. يمكنني فعله لأجلهما؟ كيف أتصرف!
استمرت يدي في حركتها في التربيت على رأسها حتى بدت تحاول تمالك نفسها وقالت بصوت متقطع: أردتُ فقط. أن أخذ إجازة من العمل!
ارتخت ملامح ديفيد في حين تنهدتُ بعمق.
قولها الطفولي وعنادها جعله يجثو على الأرض بجانبها وقد وجدته يومئ برأسه يحدق إلى اللاشيء بعين قد انكفأ بريقها بطريقة آلمتني وهو يسايرها هامساً: فهمت.
ما يحدث الآن حتماً فوضى!
أبعدت نفسي عن روز ونظرت إلى ديفيد الذي اقترب من تلقاء نفسه منها وضمها إليه.
نظرة الفراغ والاكتفاء في عينيه. جعلتني ازم شفتاي بقنوط وأسى! ديفيد تائه مشتت. وعاجز تماماً!
وضعت يدي على ظهره بخفة محفزة فأخفى وجهه في شعرها وتمتم: سأوصلكِ إلى شقتك. لقد أُنهِكت كتاليا بما يكفي.
ابتسمت بضمور أخفض رأسي وأبعد يدي عنه.
حتى بعد مغادرتهما المشفى وقرار عودتي إلى منزل السيد هاريسون بدى لي الطريق موحشاً وخالياً من الناس من حولي!
خطواتي ليست بطيئة ولكن كل شيء من حولي يبدو كذلك.
لا أفهم شيئاً.
كما لم أعد أجيد اتخاذ خطوتي إلى الإمام حتى.
الكثير من التساؤلات تجول في خاطري ورغم ذلك. حتى هذه التساؤلات لا يمكنني قراءتها او ادراكها بوضوح! كل شيء ضبابي غير واضح.
كما لو كنت عاجزة عن طرح الأسئلة الصحيحة!
شعرت بالألم في رأسي الذي ارتطم بشيء ما، رفعت يدي نحو جبيني أتأوه قبل أن أدرك أنني اصطدمت بشخص ما!
رفعت ناظري إلى الأعلى أعتذر بوهن: آسفة.
يقف بثبات.
لا يتزحزح.
قامة طويلة ولا شيء يظهر من وجهه عدى الجزء الأدنى من فكه جراء قلنسوة قميصه الأسود الذي يرتديه ويدس يديه في جيبه.
أين رأيتُ هذا الرجل؟ أمام واجهة محل السيد هاريسون؟ نعم إنه هو!
طرفت بعيناي بترقب وحيرة ووجدت أنه يتحتم على المغادرة والابتعاد عن طريقه فلا يبدو بأنه ينوي التحرك أو افساح الطريق حتى!
ولكن.
لماذا شعرت بثقل غريب في قدمي! لماذا أعجز عن الحركة؟
هل أبالغ أم أنني أشعر بالارتياب والبرودة لمجرد الوقوف أمامه! هل. يحدق إلي؟ ل. لا أدري!
انتفضت بذعر ما ان شعرت بذراع تحيط بكتفي تلاها صوت مرح لعوب: ها أنتِ ذا تثيرين المتاعب مُجدداً آنستي!
ا. انه هذا المزعج الوقح مجدداً! كيف يجرؤ على لمسي!
نظرت إليه بحزم وغضب أنوي دفعه بعيداً عني ولكن لساني قد انعقد فور ان لمحت التعبير المترع بالتحذير والوعيد تجاه الرجل الواقف أمامي.! بل أن عيناه البنية قد لمعت ببريق ينذر برغبته الواضحة في.
التنفيس عن شيء أثار في نفسي الذعر!