قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الحادي والثلاثون

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الحادي والثلاثون

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الحادي والثلاثون

كارل:
فتحت باب المحل بهدوء وقبل ان أرحب بها وجدت نفسي اقف في مكاني باستنكار ادرك مدى الاحباط الذي ارتسم على ملامحها وقد اتضحت امارات الضيق على وجهها رغم ابتسامتها المسايرة وهي تقول تشبك كلتا يديها بقوة: مرحباً.
أومأت اتنحنح: صباح الخير.!
اخضت ناظرها تحدق بعينها العسلية الى موضع قدميها قبل ان ترمقني بنظرات متقطعة بصمت!
م.
ماذا؟

اشحت بوجهي قليلا احافظ على هدوئي ثم قلت متداركاً لأساير الوضع: لا أحد من زملائك معك! هل تريدين التحدث الى كيفين؟
ما خطبها تحديداً.!؟
التفت للوراء انظر حيث الدرج دون سبب محدد جراء اضطرابي.
أعدت ناظري اليها وبقيت اقف بحيرة حتى اشرت بيدي للداخل: تفضلي!
سينزعج كيفين بلا شك! ولكن ماذا عساي افعل بحق الإله؟ هل بإمكاني سؤالها الرحيل حتى؟

اتسعت عيناي مجفلاً ما ان زمت شفتيها بقوة وتورد وجهها بشدة ثم سرعان ما قالت بصوت مبحوح تحدق الي: هل يمكنني البقاء هنا قليلاً؟
تبقى. في منزلنا؟ ما هذا فجأة.!
هل ساد اعتقاد بين النساء ينص على ان منزلنا هو الانسب للاستقرار مؤقتا؟
أرغب لو ارفض حالا ولكنها.
تترقب ردي ولم يتوقف كلا كتفيها عن الاهتزاز اثر الرجفة الطفيفة!

ابتعدت عن الباب بلا حيلة وسمحت لها بالدخول، تحركت بخطوات بطيئة متثاقلة ودخلت فأشرت لها نحو الدرج: تفضلي.
سبقتها لاصعد قبلها فتبعتني بصمت.
انا حقا لا افهم اي شيء!
ما خطبها تحديداً؟ ما غرضها من المجيء الآن في الصباح الباكر؟
لماذا هذه الفتاة عنيدة جداً ومثابرة تجاه كيفين!
عندما وصلنا حيث غرفة الجلوس شهق لاري الذي يستلقي على الاريكة بينما يتابع التلفاز.

نظر اليها بعدم استيعاب قبل ان يعترض بغيظ: كارل لماذا تستمر النساء بالمجيء الى منزلنا!
نفيت برأسي له بهدوء وعتاب: كن اكثر لباقة لاري.
اعقبت اشير لها نحو الاريكة المجاورة له: يمكنكِ الجلوس، أعددت الفطور هل ترغبين في تناول الطعام؟
ولكنها نفت برأسها وقالت بنبرة خافتة: لا، شكراً.
عقدت حاجباي بحيرة وقد اخفضت عيناي نحو قدميها بينما تسير الى الاريكة.

هل المح طرف ضمادة بيضاء حول قدمها؟ اتساءل ان كانت بخير! ثم. ألم تكن هذه الضمادة حول كاحلها منذ المرة الماضية أيضاً؟
تأفف لاري وتذمر بإشمئزاز يحدق اليها: اولا خطاف الزمرد التي ترغب في سرقة داني، ثم هذه الفتاة التي تترصد لكيفين! ثم تلك المارثا التي تنوي اخذي أنا أيضاً! كارل هل يوجد امراة تحوم حولك انت ايضاً؟ ماذا لو تفرقت عائلتنا! سيهرم أبي وحيداً.!

عاتبته بجدية: مارثا؟ انها والدتك لاري! اياً يكن اذهب واخبر كيفين ان يأتي.
ولكنها استوقفتني وهي تنفي برأسها وقد ارتخى جفنا عينيها: لا داعي لذلك.
قالت ذلك وقد تفاجأت بها تستلقي على الاريكة متكورة على نفسها بينما تغمض عينيها تحتضن وسادة الاريكة الصغيرة اليها.! م. مهلا ما الذي.
تبادلت النظرات مع لاري الذي ارتفع حاجبيه بعدم استيعاب!

استلقت على الاريكة ببساطة؟ بحق خالق الكون ما الذي أتى بها الى هنا ولماذا تبدو شاحبة منهكة؟
تنحنحت وقلت بجدية: انسة ايما! هل انتِ بخير؟
تفاجأت وكذلك لاري ما ان اعترضت على قولي بنبرة باكية تدفن وجهها في الوسادة: هذه الحياة. غير منصفة على الاطلاق.
هل هي منزعجة من مسألة خاصة؟ امر يتعلق بالدراسة؟ بالفتيات؟ بعائلتها؟
ما الذي يفترض بي فعله الان تحديداً؟
ما الذي تفعلينه هنا؟

أتى صوت كيفين المليء بالإستنكار، نظرتْ بدورها نحوه لتتلألأ عينيها بالدموع في حين بحث هو بعينيه في المكان كما لو يتأكد من وجودها وحدها، اقتربت منه وهمست بهدوء: لا تبدو زميلتك بخير، ولا فكرة لدي عن سبب وجودها هنا.
عقد حاجبيه يرمقني بحيرة للحظة قبل ان يمتعض بشدة وجادلني بإنزعاج: لا فكرة لديك ولكنك ادخلتها إلى المنزل ببساطة! ما خطبك تحديداً كارل؟ صارحني هل تطمح لتكون كاهن يُضرب فيه المثل!

تنهدت بعمق ولم أكد اتفوه بحرف حتى أردف بغيظ: تخلص منها وحسب.
تذمر لاري بصوت خافت وهو يأخذ بينديكت معه ليخرجا من غرفة الجلوس وما ان مر بجانبي حتى قال لي بإمتعاض: سأتمشى في الأرجاء مع بينديكت.
نوهت عليه بجدية: لا تبتعد كثيراً.
تلك المرأة.
أتى صوت المدعوة إيما بهدوء وبدت تحاول التخلص من بحة صوتها، نظرنا نحوها في حين أخفضت عينيها العسلية تتطرف ببطء لتعقب قولها تحتضن الوسادة إليها بقوة: لازالت هنا؟

جمدت ملامح كيفين بينما يقول ببرود: تأتين إلى منزلي في الصباح الباكر وتحشرين أنفك فيما لا يعنيكِ! أنا منهك من محاولات اعادة عقلكِ إليك، أين جماعتك الفاشلة على أي حال؟
ولكنها تجاهلت سؤاله فوراً لتردد بإصرار: كيفين تلك المرأة لا زالت تعيش هنا؟
عقدت حاجباي بإستنكار ووجدت نفسي اتكتف بترقب التزم الصمت لأنظر إلى كيفين الذي لوى شفته بجفاء: يا لكِ من عنيدة مزعجة!

تدخلت بهدوء: عفواً ولكن. لماذا أنتِ مهتمة بشأن الآنسة كتاليا؟
تقدم كيفين بضع خطوات وقد احتد صوته وهو يشير لها بحزم: تجاوزت أمور عديدة برغبتي الخاصة، الأمر لا يقتصر حول معرفتك للكثير ولكنكِ لن تتوقفي عن التصرف كما يحلو لكِ! غادري منزلي وابقي بعيدة قدر الإمكان. كان مجرد سؤال ولكنكِ تماديت كثيراً!
معرفتها للكثير؟ وكيف تمادت؟
نظرت إليهما بإستنكار وعدم استيعاب.

اهتمامها الشديد ببقاء الآنسة كتاليا هنا. هل تخشى أنها ستكون مقربة إلى كيفين مثلاً؟ هل هذه الفتاة تغار منها؟ قلقة حول وجودها؟ لا يمكنها أن تكون جادة!
احكمت قبضتها على الوسادة وزمت شفتيها بقوة تحدق إليه قبل أن تنفجر فجأة وسط دهشتنا: ورغم أنني أعلم بالكثير ولكنك لا تنصت أو تتعظ! ما الذي على فعله لتقتنع؟ ألم تحصل على أجوبة لكل أسئلتك؟ لماذا لا زالت هنا إذاً؟ ما تفعله أنت مجرد استغلال!

يراودني شعور سيء حول ما تتحدث عنه وأرجو أنني أبالغ في أفكاري!
حدقتُ إلى كيفين بشك وترقب فوجدته يسترق نحوي نظرة سريعة مضطربة قبل أن يتنحنح ويمرر يده في شعره بعصبية.
ساد الصمت في المكان للحظات حتى قلت أحدثها بجدية: فضلاً منكِ التعريف بنفسكِ أكثر! ما اسمك بالكامل؟
وكما توقعت اعترض كيفين بإنزعاج فوراً: لماذا قد يهمك هذا كارل! عليها أن تغادر لا أكثر وانت وحدك من سمح لها بالدخول لذا تصرف!

تجاهلته وعاودت أسألها بهدوء: عرّفي عن نفسك. إيما ماذا؟
أردفتُ بجفاء أنظر إلى كيفين بتحذير: حصلت على اجوبة لأسئلتك من خلالها؟ وهذا مرتبط وبطريقة ما بالآنسة كتاليا، كيفين هل تفوهك بالهراء وخصوصيات الآنسة كتاليا ذلك اليوم كان ب.

قاطعني بجفاء: الحقائق هي الأهم لا المصدر، ثم ان طرح الأسئلة لم يكن بأي مقابل فلماذا كل هذا الحذر، أنا لم أسمح لهذه الفتاة بالتواجد هنا كارل، وأياً تكن أسبابها إلى متى تنوي استقبال الجميع بصدر رحب؟
تجاوزت كلماته ونظرت إليها بهدوء: سأسألك مجدداً يا آنسة أن تعرفي عن نفسك. من فضلك!
جزت على أسنانها بوضوح تنظر إلى كيفين بقهر قبل أن تجيبني بحزم: إيما هاردي روبرت.

أعقبت تقف فجأة وتلقي بالوسادة نحو كيفين بحنق بينما تحدثني: لا بأس بأن تخبرها باسمي فأنا واثقة بأن هذا ما تفكر به وتنوي فعله.
يصعب انكار حقيقة الأمر، فلقد فكرت بالفعل باخبارها باسم هذه الفتاة رغبة مني في التأكد من الكثير!

يبدو لي الآن أنها تريد أن تتقدم خطوات عديدة بدلاً من التأني كما لو. تتعمد كشف هويتها لها! ربما. كما توقعت هي تعرفها مسبقاً! الشخص الذي أدلى بخصوصيات الآنسة كتاليا وبعض التفاصيل المهمة لكيفين. كانت هي! ولكن. كيف بحق الإله! أقصد. ما علاقتها بها تحديداً؟
إيما هاردي روبرت. أتساءل إن كانت الآنسة كتاليا ستتعرف على هذا الاسم!

أغمضت عيناي لثواني أتمالك رباطة جأشي قبل أن أزفر أنظر إليها بينما تنظر إلى بترقب ثم نحو كيفين الذي وضع يمناه على خصره وأشاح بوجهه بعيداً.
تقدمت باتجاهنا، إلى كيفين تحديداً!
وقفتْ تحكم قبضتيها ترفع رأسها تحدق إليه بإمتعاض تكبح غصة واضحة في جوفها.!

لم تكن سوى ثواني حتى قالت بصوت يرتجف دون توقف: أنت محق كيفين، لم أسألك عن أي مقابل عندما أدليت لك بكل ما اعرفه، ولكنني توقعت أن تتخذ القرار الصحيح! لا يبدو لي أنك أخلفت بوعدك. ولكنك.
توقفت عن الحديث وشفتيها ترتجف مما جعلها تتلعثم رغماً عنها! اغرورقت عيناها بالمزيد من الدموع وهمست بغصة: أنت لا تفكر سوى بنفسك! لم يكن عليّ منحك أي ثقة.

أي وعد هذا الذي لم يخلف كيفين به؟ يبدو لي أن الأمر معقد أكثر مما ظننت! ما قصتهما بحق الإله؟ اعتقدت أن كيفين. لا يحتك على الإطلاق بهذه الفتاة خصيصاً!
اتسعت عيناي عندما تحركت بسرعة مبتعدة وهي تتعمد ضرب صدره بقبضتها وتغادر بخطوات واسعة!

بقي واقفاً في مكانه ينظر إلى الفراغ للحظات حتى زفر بعمق واستدار ينوي الخروج من غرفة المعيشة فاستوقفته بهدوء: اعتقدت أنني أبالغ في التفكير وربط الأمور ولكن يبدو أنها أدلت لك بالكثير من المعلومات حول الآنسة كتاليا التي بدت متضايقة بشدة ذلك اليوم! لم أجرؤ على الاعتراف لها بأنني استمعت إلى حديثكما وتظاهرت بالغباء وحسب! ولكنك تماديت كثيراً كيفين. الأمور التي تفوهت بها أمامها كانت جارحة وخاصة جداً! ما الذي يحدث معك!

أردفت أعاتبه بحزم: لا يحق لأي شخص الحديث عن الجانب السيء من الآخرين طالما لم يظهره له! يحق لنا انتقاد الجانب الذي يظهره لنا فقط وعدى ذلك فأنت تنتهك خصوصيات الآخرين وتنبش في أمورهم التي يحاولون ابقاءها بعيداً عن الآخرين.

التفت نحوي بغضب وجادلني بغيظ: تحاول ابقاءها عن البعيد؟ ما الذي أخفته بحق الإله اليس من الواضح انها مجرد أنانية تهتم بمصلحتها الخاصة؟ هل ستتظاهر الآن أنك لم تعلم منذ البداية أو تشك بنوايا دانيال تجاهها؟ حاول اقناع نفسه بأنه قبِل بالعمل معها ولكن كل ما كان يريده هو التمسك بشخص يصرح بعيوبه دون تردد! عثر على امرأة جريئة سلبية لا تهتم بالآخرين وستفعل المستحيل لأجل مصلحتها فأنّى له التفريط بها؟ كل ما يريده دانيال هو الظهور بصورة مثالية قدر المستطاع حتى لو كان ذلك يعني التقليل من شأن الآخرين! لقد سئمت هذا الحال!

مُنزعج لانه أدار وجهه بعيداً عنك؟ هل هذا ما يسيّرك مؤخراً لهذه التصرفات؟

تورد وجهه من شدة غيظه وقد التمست القهر والاحباط في نفسه وهو يصرخ: أياً تكن أسبابي كارل! نعم سألت هذه الفتاة عن هوية كتاليا أين تكمن المشكلة؟ علمتُ بالمصادفة أن عائلتها على معرفة قديمة بها ولم أستطع تمالك نفسي فسألتها وعلمت بأنها مجرد استغلالية متنمرة لا تتوقف عن جلب المشاكل إلى الآخرين، حينها أدركت وتيقنت أن لدانيال بُعد نظر منذ البداية ولن يسيطر على انجذابه نحو أمثالها! عثر بالفعل على الشخص الأنسب الذي سيغذي فيه جانبه الذي يحب انتقاد الآخرين دون توقف! وفي حين أحاول أن أوجه له صفعة ليفيق بها تستمر أنت في مساعدته على اغماض عينيه! هل تعلم حتى أي نوع من الأشخاص تكون هذه الفتاة؟ ستفعل أي شيء للحصول على مُرادها هي حتى لم تتردد في ابعاد حبيبة زوجها السابق عنه فقط لتحصل عليه!

زوجها! ما سمعته تلك المرة بينهما لم يكن خطئاً ولم أبالغ في توقعاتي.
لدى الآنسة كتاليا. زوج سابق بالفعل.
شعرت بالغصة المزعجة في حلقي مدركاً لإنزعاج وضيق شديد قد سيطر على صدري جعلني أطرف بعيناي بإضطراب بالغ، كيفين. يعرف الكثير! أكثر من اللازم.
تلك الفتاة المدعوة إيما. ما طبيعة العلاقة التي تربطها بعائلتها؟

استأنف كيفين حديثه بقهر: وعلى الصعيد الآخر لم يكن عليك تركها تجهل ما يحدث حولها، يفترض أن تعلم أن دانيال سيقبل العمل معها محاولاً استغلال شخصيتها لا أكثر!
أومأت له بحدة: كنت أنوي مصارحتها! رغبت في تحذيرها بألا تتمادى مع دانيال أكثر ولكن لا أدري واللعنة لماذا تسرع هو في الأمس وما دافعه! في جميع الأحوال ما تفعله أنت خاطئ، لا تردد للآخرين أخطاؤهم القديمة إن لم تكن جزءاً منها وتوقف عن حشر انفك!

برز عرق جبينه واقترب مني يجادلني بغضب: أتساءل إن كنت ساذجاً أو أحمقاً! أنتم حتى لا تصارحونه بحقيقة أن وضع دامين النفسي قد زاد سوءاً بسببه هو! لا أحد منكم يخبره بأنه يعيش في أوهام خاصة في عقله وحده! لا أنت أو أبي أو حتى كيدمان تصارحونه بمدى الكارثة التي تسبب بها لنفسه وأن دامين بات مهووساً به بسبب تصرفاته التي.

عن أي مصارحة تتحدث بحق الإله أنت تعلم أنه من الصعب اخباره مباشرة بالأمر! دانيال لا يتذكر أي شيء لذا لا تتسرع وكن متأنياً!
ما الصعب في اخباره حول حقيقة تعرضه لصدمة إثر الحادثة التي تعرض لها دامين! صارحتموني بالأمر فور أن بدأت بالعيش معكم فأين تكمن المشكلة في اخبار دانيال صاحب الشأن نفسه! ماذا لو أدرك أن دامين أصيب بعاهة في قدمه بسببه هو؟

هل فقدت عقلك؟ ستخبر شخص ما أنه قد تعرض لصدمة وبناء على ذلك تعرضت سلوكياته للتغيير؟ ما الذي يجول في عقلك تحديداً! كيف ستخبر المعني بالأمر بحقيقة ما حدث! دانيال لن يتوقف عن لوم نفسه حتى آخر رمق! لا شيء إيجابي سينتج عن اتخاذ قرارات متهورة، عليه ان يتذكر سبب تعرضه للصدمة بنفسه لا ان نزيد الوضع سوءاً!

أنهيت كلماتي بالصراخ دون أن أشعر وقد تمكن الانفعال مني حتى استوعبت أنني أمسكت بياقته فتركته فوراً بشراسة!
ومع أنني اعتقدت بأن كلماتي الأخيرة ستنهي الحوار ولكنه اعترض بسخط: من الظلم رؤيته يصارع نفسه وهو عاجز عن معرفة السبب! ان رأيتُ وجهه فحتماً سأخبره بكل شيء!

كيفين لا تنهك أعصابي أرجوك هذا يكفي! الأمر ليس بهذه البساطة لماذا لا تفهم! عندما تعرض للصدمة اتخذ عقله مسار يرغمه على نسيان ما شهده ولديه يقين بأنه السبب في تعرض دامين للأذى، قرر أنه سيكون الأخ والابن الذي سيتولى حماية الجميع! قرر أنه سيطمس ذاته ويكون كل شيء عدى نفسه! بأنه سيعمل جاهداً لإرضاء من حوله!
عليه أن يتذكر ما حدث ليستعيد وعيه وحسب!
جزيت على أسناني أصارع نفسي أحدق إليه بيأس.

تصارعت الرغبات في صدري وبقيت أحملق في وجهه بينما ينظر إلى بغضب ونفاذ صبر، حتى استسلمت وهمست: توفيت شقيقة كيدمان.
شحب وجهه وارتخت ملامحه يحدق إلى بعدم استيعاب!
بقي ينظر إلى بصمت حتى ارتفع حاجبيه وطرف ببطء ليفغر فمه قليلاً.

أضفت بإنهاك: كيفين. أشعر بالقلق حيال ردة فعله دانيال، إن أدرك أن شقيقة صديق طفولته توفيت إثر الحريق متأثرة به. فلا بد وأنه سيلوم نفسه دون توقف. ماذا لو تذكر كل شيء حينها؟ ماذا لو بدأ دانيال يدرك حقيقة تصرفاته وكل ما كان يفعله!

أعقبت انتزع الكلمات من جوفي انتزاعاً عنيفاً: برأيك هل سيكون راضياً عندما يدرك أنه كان يؤذي من حوله بَدلاً من مساعدتهم؟ بأنه تمادى كثيراً وصنع من دامين شخص غير سوي؟ بسبب من برأيك كان أهالى القرية يتمادون مع دامين! بسبب من كان يتعرض للأذى اللفظي والجسدي؟

تسارعت أنفاسي قليلاً احكم قبضتي بقنوط شديد: دانيال هو بطل قصته الخاصة! عندما خرج دامين من القرية وتركه خلفه بدى لي كما لو تحرر من ثقل كاد يكسر عاتقه! ولكن. عندما يدرك أنه كان السبب في تفاقم الأمور بعد ايمانه الراسخ بأنه من كان يرمم كل شيء. سيكون هذا عسيراً عليه!، إن أدرك أن كيدمان فقد شقيقته ف. هل سيتذكر كل ما غفل عنه عمداً؟
م. متى توفيت تحديداً!
قبل بضعة أشهر.

ولكنه لم يتوقف عن التواصل مع دانيال سوى مؤخراً! كيف لم يخبره بذلك مسبقاً؟
أومأت بضيق أخفض ناظري: هذا يثير حيرتي أيضاً. لا أعلم ما الذي يجول في عقل كيدمان! ولكن كلمات أبي تقلقني.
تعالى رنين هاتفي فاسرعت لالتقطه وأجيب ما ان رأيت رقم ويل! لم أكد أتفوه بحرف واحد حتى أسرع يقول: كارل أنت بخير؟
أجبته بهدوء: نعم بخير، تذكرت بضرورة اعلام المدير بمغادرتي أعتذر لقد نسيت تماماً، سأخبره الآن و.

كارل المدير منزعج جداً! يوجد الكثير من طالبات الثانوية والجامعة اللواتي غادرن عندما وجدوا أنك متغيب عن العمل وما ان أدرك المدير الأمر حتى اشتعل غيظاً! يبدو لي أنه سيتصل بك بعد قليل.
عقدت حاجباي بعدم رضى: ما شأني أنا بتواجد الزبائن!
هل فقدت عقلك! لقد زاد اقبال الزبائن ولا سيما الفتيات لذا لا تدعي التواضع، على كل حال لقد رأيته يتجه بغضب إلى مكتبه لذا استعد وكن حذراً.

استنكرت تلقي هاتفي لاتصال آخر فابعدت الهاتف عن أذني لأنظر إلى الشاشة حتى تنهدت بلا حيلة وقلت لويل بهدوء: انه يتصل بالفعل، أغلق ويل، شكراً لاعلامي.
حظاً موفقاً.
انهيت المكالمة معه واسرعت لأجيب على المدير بينما أنظر إلى كيفين الذي يحدق إلى بإنزعاج شديد: مرحباً.
أتى صوت المدير حازم غليظ: قيل لي أنك غادرت فجأة كارل!

نظرت إلى كيفين الذي انسحب من غرفة الجلوس واتجه إلى المطبخ، تحركت لأجلس على مسند الأريكة بينما أجيبه: أرجو المعذرة كان على اخبارك فوراً، طرأ لي ظرف خاص واضطررت للمغادرة.
زفر منزعجاً وصمت قليلاً قبل أن يقول: كن هنا في الوردية المسائية.
فغرت فمي بدهشة: ماذا؟ اليوم؟
نعم اليوم!

جزيت على أسناني للحظة حتى وجدت نفسي أندفع بالقول: سيدي. هناك ما أريد اخبارك به!، عندما قبلت العمل في ركن القهوة كنت ممتناً بالفعل ولكنني لا أريد أن تعتقد بأنني أزاول عملي هناك لأجل اقبال الفتيات، لأصدقك القول الأمر مزعج غالباً ولا أتمتع بالخصوصية الكافية لذا اعتقد بأن العمل في المطبخ أو أي مهام أخرى سيكون أنسب لي! لماذا لا ن.
لا أحد سواك سيكون في واجهة المقهى كارل، قلتُ ما لدي. كُن هنا في المساء.

انهى كلماته وأغلق في وجهي فأغمضت عيناي بلا حيلة!
غير معقول. يغضب من تغيبي لأجل تذمر الزبائن من عدم تواجدي؟ ماذا أكون تحديداً بالنسبة له!
كتاليا:
كنت أجلس على الاريكة المقابلة للارز بصمت بينما أمرر يدي على الكدمة على مرفقي.

لم يستيقظ دانيال بعد. أتساءل إن كان. بخير! إلى متى سيستمر هذا اليخت في الابحار بالقرب من الساحل لقد مللت البقاء هنا!، امتعضت وفقدت قدرتي على الصمت لأقول أوجه حديثي إلى لارز: سأذهب لألقي نظرة، ربما استيقظ بالفعل!

تمتم ببرود وهو يبقي عيناه على شاشة هاتفه: هذا غير متوقع، يوجد فتيات يتحسرن على ما حدث في البث المباشر، لديه جمهور من النساء بالفعل.!، أتساءل إن كان سيحظى بشهرة أوسع إن قبِل بالعمل في وكالتي.
بدى يتعمد استفزازي بكلماته الأخيرة فتجاوزت قوله وقلت بهدوء: لقد قلت بأنني سألقي نظرة!
رفع عيناه عن الهاتف ونظر إلى للحظة، اخفض ناظره نحو مرفقي وقال بشيء من التهكم ببرود: يبدو لي مرفقك في حال سيء.

انه مرفقي ويعنيني وحدي!
قلتها بإمتعاض من تجاهله إياي فقال بما أثار في نفسي انزعاجاً: مرفقك. ليسَ بسوء تلك المرة.
أشحت بوجهي بهدوء قبل أن أهمس على مضض: أحمق، من سيقارن كَسر بِكدمة!
تلك المرة كان عملاً بطولياً غير متوقع، هذا يحتسب لكِ على الأقل، نقطة ايجابية في بحر ماضيك التعيس.

لا أحاول تجميل الماضي التعيس الذي يجمعنا لارز لذا كف عن ازعاجي وحسب! لماذا تركني أبي وحدي معك هذا أسوأ ما قد يفعله في ظِل الظروف الراهنة!
رسم ابتسامة صغيرة بالكاد تُرى وهو يعيد ناظره إلى الهاتف: يستمر في توبيخ كيدمان بلا شك.
وضعتُ قدماً على الأخرى، تكتفت بينما أطرف بجدية وعقدت حاجباي بتركيز لأقول: تصرف دانيال بغرابة عندما علم بخبر وفاة شقيقة صديقه، لم يبدو لي حزيناً فقط ولكن بدى.

فكرت قبل أن استكمل أحدق إلى لارز: نادم جداً!، ثم ما قصة شقيق دانيال؟ من حقي معرفة ما يحدث وما سبق وحدث لذا تحدث لقد سئمت الانتظار!
من حقك معرفة الأمر؟
رفعت ذقني بثقة وهدوء: ورطته في شؤوني الخاصة ويبدو لي أبي قلقاً جداً، وإن كنت متورطة كذلك في شأن يخصه فمن حقي فهم ما يحدث.
سيكون كل شيء مؤقت وسنعمل على حل الأمور لذا لما كل هذه الرغبة المفاجئة في التعمق!

قالها باستنكار يميل إلى الترقب، نظرت إليه للحظة قبل أن أقول اهز قدمي العليا بخفة: أخبرني بكل وضوح قبل أن يتدخل رجال أبي المزعجين أنه لي! هذا الرجل قد سلّم نفسه تماماً لي ويبدو أنه يخفي شيئاً يصعب تفسيره، استسلامه آنذاك بدى لي غير منطقي، ومع ذلك. حقيقة أن دانيال لي لا يجب أن تتعارض مع ضرورة فهمي لكل شيء.

رفع حاجبه الأيسر وقد ارتخت ملامحه بشيء من التعجب قبل ان يتمتم ببرود يعيد ناظره إلى هاتفه: متملكة مدللة، كُنتُ أعلم أنه مجرد ضحية أخرى.
لا تتمادى في أفكارك.
أياً يكن. لا أدري حقاً إن كان ضحية حتى، فما فعله كان جنونياً وغير متوقع.
أخفضت عيناي وتوقفت عن هز قدمي.

لامستني كلماته وسرت في جسدي برودة غريبة فبقيت اتكتفت بقوة. ولكنني حررت يمناي دون شعور، استقرت سبابتي على كلتا شفتاي وغاصت عيناي في الفراغ. لم يكن غير متوقع فقط، ولكنه كسر حاجزاً في نفسه بوضوح. ما حدث يرغمني على التفكير دون توقف حول أمر يصعب تأكيده!
أقصد قد أكون متملكة، أنا كذلك بالفعل ولكن. هل أبالغ في تفكيري ان اعتقدت انني التمست جانباً مشابهاً في دانيال؟
اصراره بدى غريباً.

لا يبدو لي أن الأمر يأخذ منحنى معتاد، ربما كنت سأعتقد في ظروف مختلفة أن شيء قد نمى في داخله بسبب تصرفاتي الجريئة الوقحة معه ولكن دانيال لم يبدو لي ان امر مثل العاطفة يحركه في تلك اللحظة!
وقعتُ في الحب ذات مرة. وأفهم جيداً التصرفات النابعة من عاطفة كهذه!
فعلت كل شيء لأكسب الطرف الآخر، قدمت نفسي على طبق من ذهب فقط ليبادلني مشاعري.

ما قدمته لباتريك استهلك كل طاقتي، ولا أنوي تقديم المزيد لأي شخص آخر مهما حدث.
أبداً.
لا أنوي التساهل مع نفسي.
ولكن على الصعيد الآخر. لا أدري منذ متى ولكنني واثقة جداً أن نظرتي تجاه دانيال لم تعد مُجرد نظرة مهنية، لربما أشعر برغبة في أخذ منحنى آخر والاعتراف بأنه بات صديق على أن أكون أكثر مراعاة له بدلاً من التفكير الدائم به كأداة تمكنني من تعزيز عملي وحسب!
صديق.
لا أكثر من ذلك.

دانيال لم يتورط في شؤوني فقط ولكنه لم يتردد من قبل في توريط نفسه أو التعرض للأذى لأجلي!

غامر بضرب ذلك الرجل الذي كاد يعتدي على في الميناء القديم وهشّم خوذته تماما، كان الأكثر انتباهاً عندما أصبت كتفي ولم يتردد في مساعدتي في رحلة العمل، لم يتركني أتعرض للأذى عندما كنت أحاول مُرغمة على تقديم المساعدة في التنظيف معهم وتقديم يد العون حتى عندما كنت عديمة الفائدة بالنسبة للسيد هاريسون وعائلته!، دانيال تلقى الأذى وأصيب بالحروق في ظهره بسببي، كما ولسبب ما تجاهل تحذيرات لارز وأصّر بغرابة على موقفه في الحفل أمام مرأى الجميع.

بقيت أمرر سبابتي على شفتاي أستشعر ضيق ممزوج بشعور غريب في صدري.
لم أستوعب شيئاً مما حدث آنذاك، ولكن الشخص الذي قبلني هو الرجل الذي كان حذراً مني دائماً ويحرص على ترك مسافة كافية بيننا.
تلك الرجفة التي سيطرت على أنامله التي استقرت على وجنتي حينها.
أتساءل إن كان في تلك اللحظة.
علي ما يُرام!؟

أنزلت يدي وتنهدت لأقول: لارز. أنا مستعدة لسماع كل ما سيقوله أبي، حول ما هية الورطة التي أوقع دانيال نفسه بها وعن قصة شقيقه وحتى حول ما تخفيه أنت.
رمقني بترقب ولم يعلق، فأكملت بجدية: ولكن من فضلك. أريد التحدث إلى دانيال قبل أن يجمع أبي الجميع فور استيقاظه.

انفرجت زاوية فمه بشيء من السخرية فأسرعت أردف: أحتاج إلى رؤيته هناك ما أريد قوله له، سأهدر فرصتي إن جمعنا أبي فمن يعلم أي نوع من الكوارث التي سيتحدث بشأنها. أريد رؤيته قبل أن يتضح كل شيء!
أنتِ تهدرين وقتك، لن يسمح عمي ب.
لارز. لا أفعل هذا لأجلي الآن، يصعب ان تثق بي ولكنني أؤكد لكَ أنني أريد التحدث معه على انفراد لدوافع تخصه هو لا أنا، أقصد. أشعر بالأسى مما حدث وهناك ما يجول في خاطري على التفوه به.

اعتدلت في الجلوس وأخفضت ناظري قليلاً لأقول بهدوء وجدية أحافظ على رباطة جأشي: هناك حاجة ماسة تدعوني للحديث معه حالاً.
طرف بعينيه ببطء وبقي يحدق إلى حتى اسند مرفقه على مسند الأريكة ثم أراح وجنته على كفه يتمتم ببرود: أخبريني. ما انطباعك عنه تحديداً؟
ما غرضك من السؤال؟
تنوين التحديث إليه. ولكن قبل كل شيء ما هي طبيعة الرجل الذي تنوين التحدث إليه؟ ما الذي تعرفينه عنه؟

عقدت حاجباي باستنكار فأردف بجفاء: لا شيء. لا تعرفين أي شيء.
ما الذي تلمح إليه؟ هل. دانيال بنظرك سيء إلى هذه الدرجة؟
سألته بحدة فجادلني ببرود: هو ليس سيء، ولكنه ليس الرجل الرائع الذي يظن نفسه عليه. أو ربما لا يجب أن أتسرع حتى يعثر على نفسه وحسب.

ازعجني قوله لسبب ما بقدر ما أثار حيرتي، فوجدت نفسي ابتسم بتهكم: ما هذا فجأة؟ إذاً دعني أوجه السؤال إليك أنت! ما الذي تعرفه عنه يا ترى؟ لماذا بدى منزعجاً فور أن تعرف عليك؟
رسم ابتسامة مسايرة وأومأ بملل: ما الذي قاله فور أن تعرف علي؟ لا يبدو أنه سينسى الشخص الذي لم تنطلي عليه حيلة ادعاءه للمثالية منذ البداية.
لماذا قد يدعي المثالية؟
لم يراودك الشك في هذا يوماً؟

الجمني قوله وقد بقيت أحدق إليه بصمت وجفاء.
لم يراودني الشك؟ وكأنني سأنسى الشجار الذي اندلع بيننا ذلك اليوم وقد طفح الكيل بي ووصفته بالمدعي حينها.!
أحكمت قبضتي ووقفت لأقول بهدوء: على كل حال. أنا ذاهبة لرؤيته قبل عودة أبي.
رفع كتفيه ببرود: لماذا تخبرينني؟
أحتاج إلى مساعدتك!
لن أتزحزح من مكاني.
آه نعم لا داعي لذلك، ولكنني أطلب منك تقديم يد العون من فضلك لارز تعاون معي! في أي غرفة هو تحديداً؟

مرر ابهامه وسبابته على عينيه يفركهما قبل ان يرمقني بنظرة سريعة ويخفض ناظره إلى هاتفه: إحدى الغرف في الطابق الثالث.
زفرت بغيظ أحاول تمالك نفسي: حقاً؟ لماذا يتسم جوابك بكل هذه الدقة! أسرع لارز ماذا لو عاد أبي الآن في أي لحظة.

في الحقيقة لا أهتم بما تريدين قوله له، ولكنني لا أنكر أيضاً شعوري بالمسؤولية على عاتقي بسبب ما حدث في الحفل، لذا لا أدري إن كان ما تنوين قوله له سيزيد الطين بلة مجدداً ويغضب عمي ل.
عمي عمي عمي!
رددتها بإنزعاج وقد التقطت وسادة الأريكة الصغيرة أهدده بغضب: هل ستخبرني برقم الغرفة أم لا؟

نظر إلى الساعة حول معصمه وقال بإستفزاز بنبرته الباردة بينما يضع قدماً على الأخرى: يوشك عمي على الوصول بلا أدنى شك، هل سيسعفك الوقت للبحث من بين كافة الغرف يا تُرى؟
زميت شفتي بقوة وقهر وتحركت بسرعة ولكنني سرعان ما القيت عليه الوسادة فارتطمت بناظرته مباشرة، ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه تنم عن حنقه وهو يلقي نحوي نظرة جافة فبادلته النظرات بِحدة وأسرعت لأخرج بخطوات واسعة.

إحدى الغرف في الطابق الثالث، تباً للارز كم هو مستفز!
لم يحاول أحد رجال أبي ايقافي فأيقنت مدى شعوره بالطمأنينة وخلو اليخت من أي شخص قد يخشى وجوده بيننا.!
كانت خطواتي واسعة حتى ولجت إلى المصعد وضغطت على زر الطابق الثالث اتكتف بترقب بينما أسند ظهري نحو المرآة خلفي وأنظر من حولي حيث كانت أبواب المصعد شفافة تتيح لي التجول بعيناي في المكان.

أخفضت ناظري للحظة أنظر إلى قدمي التي بدأت تؤلمني قليلاً جراء ارتدائي للحذاء العالي لوقت طويل فحركت قدمي بخفة حتى فُتح باب المصعد وتجولت في الطابق الثالث أفتح باب كل غرفة على حِدى، كما من الواضح أنه قد تم تعطيل النظام الأمني لعدم تواجد أي زوار في اليخت فكل الأبواب يمكنني فتحها ببساطة دون استخدام بطاقتها الخاصة وقد استبعدتها جميعها فلقد كانت الغرف مظلمة تماما من الداخل دون أي إنارة، أكملت طريقي تارة أتجه للجزء الأيمن وتارة نحو الأيسر.

زفرت بإنهاك لكثرة الغُرف ولكنني أسرعت في خطواتي خشية أن يدرك أبي محاولتي للحديث مع دانيال على انفراد حتى يبلغه لارز بنفسه فور عودته.
ارتفع حاجباي وتوقفت في مكاني مدركة لدفعي أحد الأبواب وقد لاحظت أن إضاءة الغرفة تنير المكان في الداخل.
نظرتُ إلى الممر بحذر قبل أن أهرع بدخولي وأغلقت الباب خلفي جيداً تحسباً لمحاولة رجال أبي اقتحام الغرفة في أي وقت، ثم بدأت أنادي باسم دانيال.

تجولت أكثر حتى لمحته أخيراً!
وقفت في مكاني بترقب لأراه قد استيقظ مسبقاً، يقف وخلفه سياج الشرفة الصغيرة، سبق ونزع بَدلته السوداء التي لمحتها على طرف السرير المجاور له. يسند كلا مرفقيه نحو السياج خلفه وقد أبعد عينيه الزمردية ببطء عن الساحل خلفه يوجهها نحوي.
أخفضت ناظري للحظة قبل أن أتنهد بعمق وتقدمتُ بخطى صغيرة.
كلتا عيناه تطرف ببطء، ثم ضاقت قليلاً قبل أن المح شبح ابتسامة صغيرة بالكاد تُرى على ثغره!

تجاوزت غرابة ردة فعله بعد أن كان يبدو مرتاباَ غير متزن أمام صديقه كيدمان! وسألته بهدوء ما ان وقفت على بعد مسافة كافية منه: تشعر بالتحسن؟
ترقبتُ رده في حين بقي على وضعيته يسند جذعه للوراء حتى التفت نصف التفاتة يشيح بوجهه بعيداً، حينها كان من السهل النظر إلى ظهره لألمح تلك البقع الصغيرة التي لطخت قميصه فعقدت حاجباي بإنزعاج واعترضت مقتضبة: كما توقعت. عليك أن تهتم بإصابة ظهرك مجدداً دانيال.

رفع يمناه يمرر أنامله في شعره للوراء، ثم أنزل يده التي استقرت خلف عنقه واستنكرت إيماءة رأسه إيجاباً: إن كان هذا ما تقولينه.
عقدت حاجباي باستغراب أحدق إليه لوهلة قبل أن أقول بجدية أنظر إلى الجرح على طرف شفتيه: آسفة لما حدث لك، إنه خطأي.
أردفت بترقب: لم أتوقع أن ينفعل أبي بِهذا القَدر. أردت الحديث إليكَ قبل أن نجتمع جميعنا فلا بد وأن أبي بحوزته الكثير ليتحدث حوله.

حدق إلى بصمت مطولاً وقد استغربت تأييده مجدداً وهي يمرر طرف ابهامه بخفة على الجرح بجانب شفته: لما لا. سينفعل بلا شك فهو أب قلق على ابنته فكيف عساه سيتصرف.
لم يبدي انفعاله وانزعاجه مما حدث! رغم أنني واثقة كم كان غاضباً آنذاك ولاسيما وأنني رأيت تلك الأموال في كل مكان من حوله ومن السهل تصور ما حدث بينهما!
انتابني الإضطراب رغماً عني فأشحت بناظري قليلاً امرر يدي على رسغي.

بحثت عن الكلمات الأنسب حتى قلتُ أشبك كلتا يداي خلف ظهري: لم أملك أدنى فكرة أن ذلك الرجل يكون صديقك، تفاجأت بهذا أنا أيضاً. سيفسر أبي الكثير ومن حق كِلانا سماع تبريرات مقنعة، ولكن لا تقلق أنا واثقة أن لأبي أسباب تدفعه لإخفاء الكثير.
لا سبب يدفعك لإخفاء أمر مماثل.
فشلت في السيطرة على استنكاري الشديد وقد تساءلتُ بعدم استيعاب: لماذا. تؤيد كل كلمة أقولها!

انفرجت زاوية فمه بِتهكم إلا أن كلتا عينيه كانت واثقة بينما يضع يديه في جيب بنطاله: لماذا لن أفعل! أنتِ سيئة في اختلاق الأعذار والكذب ولا يوجد ما سيدفعني للشك في قولك.
هذا. ليس ما أعنيه!
ما الذي عنيته؟
هذا!
قلتها بجدية وأردفت: ما تفعله الآن! الأسلوب الذي تتبعه في الحديث دانيال، لماذا لست غاضباً أو منزعجاً؟
أنا منزعج بالفعل.
ولكنك لا تظهرهذا! منذ متى تتصرف بهذه الرزانة وهذا الهدوء!

تلى كلمتي اشاحته لوجهه قليلاً وقد التمست شيئاً من الانزعاج على ملامح وجهه حتى تفاجأت به يزفر بإمتعاض وتمتم يحدث نفسه: إذاً ليس الأسلوب الصحيح! هناك طريقة أنسب بلا شك. هذا لا يليق بي أيضاً!
هاه؟
وقفت في مكاني حائرة أحملق في وجهه حتى بادلني النظرات بضجر وتنهد: برأيك كيف يجب أن أبدو؟
أردف بتململ واضح: الهدوء لا يناسبني هاه؟ ماذا لو بدوتُ أكثر حيوية ولطفاً؟

حسناً أنا. لا أفهم ما يدفعه لفعل هذا، ولكنني أدرك جيداً أنها ليست المرة الأولى التي التمس هذا التشتت والضياع في أسلوبه وحديثه. دانيال يميل إلى التصرف بعدم ثبات حقاً! الأمر يتعدى كونه مزاجياً.
قررت التزام الصمت تماماً ووقفت في مكاني بثبات أترقب بهدوء.
وبدى لسبب ما أن ذلك قد أثار استمتاعه فلقد انقشع الضجر عن وجهه وقال: كيف من المفترض أن أبدو لكِ؟ أي منهم هو الأنسب في نظرك؟

هناك ما يدفعه للتصرف بغرابة، ولكنكِ تعلمين بأن دانيال مهما كانت سلوكياته فهو في النهاية.
ليس باتريك.
بقي يترقب ردي حتى أصر وتساءل يرسم ابتسامة مضمرة: من منهم ستفضلين؟
أنا حقاً. لا أدري كيف أساير ما يحدث الآن!
ولكنني. لا أقوى على تجاهل قوله أو حتى زيادة الوضع سوءاً!، ثم لماذا يبدي هذا الاهتمام في حديثه. تجاهي؟ لماذا قد يكون رأيي مهماً حتى!
ما الذي يجول في خاطره؟
كل هذا يرغم عقلي على ترديد كلمات كيفين!

تنحنحت قليلاً ونظرتُ من حولي أبحث عن ما يمكنني استخدامه لأجمر شعري للأعلى، لمحتُ على المنضدة قلماَ رفيعاً وعليه شعار اليخت، تقدمت لأخذه وقد قمت برفع شعري للأعلى أثبته بالقلم متمتمة بجدية: اعتقدت انه من السهل فهمك، ظننت أنك رجل واضح وحسب.
أومأ فوراً: ثم تبين عكس ذلك!، لذا أخبريني. أي منهم ستفضلين؟
لماذا قد تهتم برأيي الشخصي؟
أتى جوابه سريعاً: أنا رجل تملكينه، اليس من الطبيعي ان تختاري أي رجل سأكون؟

ارتجفت شفتاي رغماً عني من غرابة قوله ولكنني أومأت بهدوء وتجاهلت تسارع خفقات قلبي إثر التوتر وقلت أقف بثبات مقابله: لأجل هذا السبب فقط؟ دانيال كن صريحاً معي. ما الذي يعنيه أن أكون بديلة بالنسبة لك؟ لم اكن لأهتم يوماً ولكنني أخبرك وبوضوح الآن أنني اعتبرك. صديقاً لي و لا يمكنني توريطك في شؤوني دون تحمل عواقب فداحة ما أرتكبه في حقك، كما تعمدت الحديث إليك على انفراد لأفهم منكَ ما يثير حيرتي قبل أن يسوء الوضع بتواجد الجميع. أخبرني لماذا أنت مصر على قول مماثل؟ لماذا تبدو وكأنك. تسلم نفسك لي!

تجولت عيناه الزمردية على وجهي لثواني ثم تجاوز النظر إلى وهو يرطب شفتيه بلسانه كما لو انتابه الاضطراب فجأة.
لحظات تمر والوقت يبدو بطيئاً والهواء ثقيل! كما كانت فكرة مواجهتي إياه بأمر مماثل تزيد من شعوري بغرابة الوضع أكثر! كيف لا ولم أكن لأولي اهتماماً لشيء كهذا يوماً؟
لم أعد أنكر شعوري بالقلق حياله، هو بالفعل صديق لا يمكنني تجاهل أمره! وما يفعله الآن غير معتاد مهما حاولت النظر إليه من زوايا مختلفة.

طال صمته فحفزته بينما اتساءل بصوت خافت: لماذا أنا؟
أخذ نفساً وتحرك قليلاً للوراء ليعود بالاتكاء للخلف مجدداً حيث سياج الشرفة، اسند مرفقيه ونظر إلى الخارج بينما يقول: سبق وقررت. أنكِ الوحيدة التي يحق لها رؤيتي.
عقدت حاجباي بعدم فهم: رؤيتك؟

كما لو يقاوم شيئاً في نفسه وهو ينتزع الكلمات من جوفه ويسترسل: رؤية حقيقة الأمر، أعني. رؤيتي على ما أنا عليه! الشخص الذي لا زلت لا أدري كيف قد يكون ومن هو حقاً ولكن لا ضرر من تحرره أمام شخص مثلك! أين تكمن المشكلة في التخلص من تلك القيود الخانقة أمام امرأة لا تتردد في انتقاد نفسها ولا تبالي بالتركيز على تلك الجوانب المزعجة في الآخرين رغبة منها في تقديم مصلحتها الخاصة، أين تكمن المشكلة في التصرف بأريحية أمام امرأة ستتجاهل الجانب السلبي عندما تكون بحاجة إلى الجانب الإيجابي!

أردف بكلمات بطيئة ينظر إلى بنظرات متقطعة: قد يبدو هذا غريباً، ربما سأبدو بالنسبة لكِ مجرد مغفل يتفوه بالجنون والتراهات ولكنني.

لمحت قبضته التي أحكمها بقوة وهو يعقب بصوته العميق بهدوء: امنحيني فرصة البقاء إلى جانبك، أحتاج إلى تحرير شيء كامن في داخلي يزعجني منذ سنوات طويلة! الجانب الذي أمقته في شخصيتك ربما لا يكون بهذا السوء بالنسبة لي. ربما أريد التحلي بالشجاعة التي تتحلين بها، الهرب مُنهك والتشتت لن يأتي بنتائج حميدة لقد مللت التشكل والتلون، لذا دعيني أضمن بقائي إلى جانبك وحسب، أنا السبب الرئيسي بما حلّ بشقيقة صديق طفولتي ولن أتحمل رؤية الآخرين يتألمون أكثر. يبدو لي أنه يوجد حلقة مفقودة ولكن يتعسر على تذكرها! إلى ذلك الحين ابقي بجانبي.

تلاحقت أنفاسي بتسارع وقد فغرت فمي بتعجب في حين أردف وكلتا مقلتيه تلمع ببريق غارق بالقنوط والإحباط: لم يكن من السهل خوض ذلك الصراع في نفسي، سترين من أكون ولن تترددي في الثناء أو حتى في. نقدي! لا سبب منطقي قد يدعوني للثقة بكِ ولكنني كذلك، سبق وقررت أنكِ الوحيدة التي لها الحق في رؤية من قد أكون عليه في النهاية، والتي لها الحق في عبور خطوط مساحتي الخاصة، في لمسي وفي اكتشافي.

حدق إليّ يطرف ببطء ليردف بما جعل القشعريرة تنتابني: حتى هذه اللحظة. يبدو لي أنني كنت الرجل الكاذب المزيف طوال الوقت، حتى لو لم أتعمد ذلك. ولكن تزييف ذاتي أمامكِ يشعرني ب. تقييد شديد.

لاحظت الرجفة في نبرته مهما حاول أن يتمالك رباطة جأشه! وقد تفاقم ذلك في قوله وهو يخفض من صوته: تلك الفتاة الصغيرة كانت تعاني منذ ولادتها، هي لا تستحق مصير قاسي كهذا بعد ان ناضلت وحاولت بكل جهدها. لا أفهم ما الخطأ الذي ارتكتبه انا ولكنني مدرك جيداً أن كيدمان لن يلقي نظرة عذل وعتاب كهذه أبداً. دون سبب مقنع!
رفعت يدي نحو صدري بتلقائية أخفف من ثقل وطأة كلماته علي.

لم تكن أنفاسي وحدها السريعة فحتى عيناي لم تتوقف عن التجول في كل مكان جراء محاولتي لتخفيف التوتر والتعجب.
بالكاد. استوعب كل حرف تفوه به!
قرر أنني الوحيدة التي سيمنحها كل تلك الصلاحيات فقط ليكتشف نفسه بتواجده إلى جانبي؟ يشعر بالندم جراء ما حل بشقيقة صديقه دون ان يدرك السبب المنطقي للشعور الذي ينتابه؟ هل. يرتكب خطأً فادحا دون أن يعي؟ كيف هذا!
الأهم.

لم يسبق لي وأن سمعت دانيال ينتقد نفسه بسهولة كما يفعل الآن!
لطالما تصرف بطريقة توحي بأن له الأحقية الكاملة في انتقاد من حوله متجاهلاً عيوبه وسلوكياته المستفزة! بل لطالما كان يصر على انتقادي إن لزم الأمر أو حتى دون داعي! في حين أنه الآن يتهم نفسه بالكذب والتزييف بعد ان كان يردد ذلك على مسامعي طوال الوقت؟

نفيت برأسي بعدم فهم وجدية: كيف قد تكون السبب فيما حل بشقيقته!؟ ثم دانيال لقد بدوت قلقاً وقلت أمام الجميع أنه على البقاء بعيدة عنك! لماذا تقول العكس الآن؟
كما لو.
وجهتْ كلماتي له صفعة قوية!
ارتخت ملامحه بشدة ينظر إلى بتفاجؤ بالكاد يطرف بعينيه.

ابتعد عن الشرفة وعقد حاجبيه ثم سرعان ما قال بتدارك وقد شحب وجهه بوضوح: صحيح! ما الهراء الذي أتفوه به بحق خالق الجحيم لقد تماديت كثيراً! لا شيء سيتغير إن تصرفت كما يحلو لي، لا يجب أن أمشي في اتجاه معاكس لدامين، لماذا لا أستوعب أن تنفيذ أي شيء من كل هذا الهراء من شأنه استفزازه ببساطة!

دانيال هناك ما تريده أنت. وهناك ما يُريده دامين؟ هل هو شقيقك ذاك؟ لماذا لم يسبق لأحدكم وان تحدث عنه مسبقاً! ثم ما علاقته هو بما ترغب أنت فيه!
تجاهل قولي وسرعان ما تراجع عن كل كلمة قالها يرفع كف يده نحو فمه وثغره ثم زفر بشيء من العصبية: تجاهلي كل ما تفوهت به من الأفضل أن تبقي بعيدة عني، الاقتراب مني سيعود بالضرر عليكِ لذا تجاهلي كل ما قلته للتو!

يبدو بالفعل كما لو استوعب أمراً قد غفل عنه! تماماً كما تصرف أمامنا آنذاك. هناك ما يريده بشدة ولكنه. عاجز عن الوصول إليه!؟ هل أتخيل أم أنه. يكبح نفسه بشدة!
أجفلتُ لطرقات على الباب فالتفت للوراء قبل أن اعيد ناظري نحوه في حين نظر بدوره إلى الباب قبل أن يدرك كلانا أنهم رجال أبي بلا شك.
تجاهلت تواجدهم وسألته بهدوء: ما الذي تريده دانيال، أن أبقى بعيدة عنك أو إلى جانبك؟

تحرك بخطى واسعة وتجاوزني دون أن ينظر إلى بينما يَهمِس: أن تبقي آمِنة وحسب.
ارتفع حاجباي أراقبه بعيناي وهو يتجه إلى الباب.
كما ذكرت.
اعتقدت أنه من السهل فهمه وبكونه مجرد رجل واضح، ولكن يتضح لي شيئاً فشيئاً وجود جانب منه يصعب تفسيره! أو ربما.
يصعب اظهاره من الأساس.
ما الذي تخفيه دانيال! من أنت!
رأيت رجال أبي الذين دخلو ليقول أحدهم بجمود: السيد آرثر في انتظارك.
ثم أضاف برسمية: هل أنت بخير؟

وجدت نفسي أتدخل بإنزعاج وقد انتبه لوجودي: وكيف سيكون بخير لقد ساء وضعه سوءاً!
بدى مستنكراً لتواجدي وهو يسألني فوراً: آنسة كتاليا لا يجب أن تكوني هنا! سيغضب والدكِ إن أدرك ذلك.
أومأت بفتور: بالطبع سيغضب، هل هو برفقة ذلك الكيدمان؟
نعم، الجميع في انتظاركم.
لارز لم يقوم بالبوح لأبي بحقيقة تواجدي مع دانيال!
انتابني شعور الامتنان وقد ابتسمت بهدوء.

تحرك دانيال دون كلمة فأسرعت كذلك لألحق به وخلفنا اثنان من رجال أبي.
وقفنا أمام المصعد بترقب فتكتفت وتساءلت أوجه حديثي إلى الرجلان دون أن أستدير: سنستمر في الابحار و العيش في هذا اليخت إلى الأبد؟ الم يخبركما أبي متى سنعود إلى الساحل؟
لمحت دانيال الذي يقف بجانبي يتجنب النظر إلى بوضوح!
هو يبدو جاداً حقاً حول ضرورة بقائي بعيدة عنه!

تجاوزت الأمر جاهدة في حين أجابني أحدهما: ننتظر الأوامر من السيد آرثر يا آنسة.
تنهدت بعمق وقد ولجنا إلى المصعد، سبقت الجميع بالدخول وقد نظرت إلى وجهي بالمرآة أرتب بعض الخصلات التي تناثرت بعشوائية بعد ان رفعت شعري.
وبينما يُغلق باب المصعد لمحت أحدهما يلقي نظرات متقطعة نحوي ثم سرعان ما أشاح بوجهه برسميه.

هل كانت عيناه مصوبة نحو ظهري؟ أتساءل إن كان دانيال محقاً بكون هذا الفستان مبالغ فيه؟ ولكنه أنيق جداً ومميز هل كنتُ سأحضر إلى الحفل بفستان ذو مستوى أقل بحق الإله؟

تملكني التعجب عندما انسدل شعري فجأة على ظهري وحول وجهي! مُدركة لوجود القَلم بين أنامل دانيال الذي التفت لاواجه ظهره في حين يقابل وجهه باب المصعد بترقب، استدرت ابعد وجهي عن المرآة ونظرت إلى القلم بين أنامله وقبضته التي تحكم عليه بقوة قبل ان يدسه في جيب الحارس يرمقه بِحدة.

أخفض الحارس عينه نحو القلم الذي وُضع في جيبه وتنحنح عدة مرات يهندم بدلته بصمت ثم ارتفعت كلتا يديه ليقوم بتعديل ربطة عنقه بتحركات سريعة!

لم يكن صمتاً ثقيلاً لفترة طويلة وحسب ولكن. لا أحد يتفاعل ولو بحركة! نجلس في إحدى قاعات الاستراحات الصغيرة، تحديدا على الأرائك التي تتوسط المكان، أجلس على الأريكة بجانب أبي، الأريكة المجاورة يجلس عليها لارز وبجانبه كيدمان في حين كان دانيال على يسار أبي على الأريكة المجاورة له، ومع أنه كان مقابلاً لكيدمان إلا أن لا أحد منهما قد القى نظرة تجاه الآخر ولو صدفة!

لم يتحدث أحدهما. ولم يحاولا التجاوب ولو قليلاً!
الكدمات في وجه كيدمان كانت واضحة جداً، ومع ذلك يتصرف بأريحية وعدم اكتراث، دانيال يجلس بينما ينظر إلى يمينه نحو الفراغ ويهز قدمه اليمنى بخفة.

لارز يستمر في النظر إلى هاتفه بتركيز بينما أبي يتكتف بجمود حتى شهقتُ بذعر لقوله المفاجئ بغضب: يتصرف الجميع كالمجانين الآن من بين كل الأوقات! لا يوجد ما ستقوله كيدمان أم أنك فقدت أسنانك أثناء التعرض للضرب؟ وأنت لارز ستلتزم الصمت بدلاً من قول كلمة مفيدة؟ وأنت أيها العدائي المتهور ذو المظهر الجانح هل تلجأ إلى الدور الغامض أم أن تلك الصفعة قد أصابتك بالخرس!

أسرعت أقول بعدم استيعاب: يبدو لي أن الجميع في انتظارك أبي!
أجفلتُ ما أن القى نحوي نظرة وعيد في حين وقف لارز وتحرك ليقف أمامنا على بعد مسافة، نظر إلى ثم نحو دانيال وكيدمان وقال ببرود: أنتما، لا وقت للانشغال بخلافكما.
أضاف بجدية: كل من في هذه الغرفة مخطئ ولكل منا تصرفات متهورة تسببت في تفاقم أمور مُعينة، لذا سنتوقف عن لوم بعضنا البعض ونتحدث الآن بصراحة عما ينبغي علينا فعله خلال الفترة المقبلة.

بقي أبي يجلس بجفاء وترقب في حين عقدت حاجباي باستنكار وشك شديد!
أعلم أن أبي يثق بلارز كثيراً ولكن.
هو من سيدير حوارنا حتى؟ لماذا لارز!
لماذا يَعلم بالكثير.؟
النقطة الوحيدة المشتركة بين هؤلاء الثلاثة هي أن جميعهم قد نشؤوا في مكان واحد!
تجاهلت تساؤلاتي أنظر إلى دانيال الذي يُصر على عدم النظر نحو كيدمان، ثم وجهت ناظري إلى الآخر الذي كان ينظر إلى لارز بتململ شديد يشبك كلتا يديه خلف رأسه.

وضع لارز يديه في جيبه وبدأ يتحرك ببطء بينما يقول بجدية: لا أهتم بأي أسباب شخصية قد تحرك أحد الجالسين هنا، إن كان هناك من يرغب في الانتقام فعليه أن يدرك أن رغبته ستعيدنا إلى الوراء وحسب ولا يجب أن يتصرف من تلقاء نفسه، وإن كان هناك من يرغب في الدفاع عن مُجرم هارب فعليه استيعاب خطورة ما يفعله على نفسه وعلى الآخرين.

أضاف يتحاشى النظر إلى أبي: أنا أيضاً، ما كان على التصرف بتهور والتفكير بنفسي، من الضروري تجاهل أي مشاحنات أو خلافات بيننا.
وجه عيناه إلى وقال: لِنعد إلى نقطة البداية.
تمتمت أحاول السيطرة على انزعاجي: آه منذ أن أخفيتم عني حقيقة معرفتكم بالسيد هاريسون.
نظر دانيال إلى لارز بترقب وجدية في حين شدد لارز على كلماته بهدوء: بَل قبل ذلك بكثير. لنعد حيث الوقت الذي تعرفتِ فيه على باتريك.
ب. باتريك؟

اعتدلت في جلستي على الاريكة واستقمت بظهري لأنظر إليه بعدائية: لماذا تذكر أمره الآن! تحدث عن أي شخص سواه لارز.
تدخل أبي بفتور: لا مفر من ضرورة معرفتك للحقيقة وإن لم تكن الآن كاملة واضحة، ولكن لا تعاندي وتتجنبي سماع شيء مهم.
زميت شفتي بقوة واعترضت بصوت خافت: اللعنة عليه لا أريد سماع اسمه حتى!

انتابتني حرقة في صدري فأخذت شهيقاً وأغمضت عيناي قبل ان أتمالك نفسي وهمست: ما خطبه لماذا تذكران أمره الآن؟ وهل عليكم التحدث عن خصوصياتي امام الآخرين؟
سألني ابي بحزم: وبسبب من سنضطر لاقحام الآخرين بخصوصياتك يا ترى!
جزيت على أسناني بقهر والتزمت الصمت أهدئ نفسي، أن يُذكر أمره وعلى مسامع الجميع الآن. هو أسوأ أمر قد يحدث لي!

عندما رأى لارز التزامي التام بالهدوء والترقب استكمل حديثه يحدق إلى بتمعن: قد يكون من المفاجئ سماع ما سأقوله الآن، ولكن لا شيء متعلق بباتريك قد حدث بمحض الصدفة. لا لقائكما الأول، ولا زواجكما، ولا حتى عودته مؤخراً، ما حدث منذ البداية حاول باتريك جاهداً دراسته جيداً ليضمن نجاحه، ربما فشل في الكثير من النقاط ولكن حتى فشله كان متعمداً.

جفت الدماء في عروقي واندفعت بقولي بارتياب: ما الذي تقصده بأن لقاءنا لم يكن مجرد صدفة! حسناً لا أنكر أنني كنت مغفلة وسمحت له باستغلالي ولكن عدى ذلك فكل شيء كان. أ. أقصد كان مجرد لقاء عفوي كيف قد يكون غير ذلك؟
سألني بهدوء: ما العفوية التي تتحدثين عنها تحديداً؟

أجبت بأنفاسي السريعة المغتاظة: رجل أنقذ ساذجة مغفلة من حادثة عرضية ثم شعرتْ بالانجذاب نحوه وسمحت له باستغلالها والتقرب إليها ليكشر عن أنيابه! فعن أي تخطيط تتحدث الآن؟
تلك الحادثة كانت مجرد ذريعة لاستغلالك، سائق الأجرة الذي كاد يصطدم بكِ في خط المشاة لم يكن سوى أداة استخدمها باتريك آنذاك ليفتح مجالاً للتعارف بينكما.

كما لو كانت ملامح لارز تتلاشى من أمامي بينما أسمع صوت طنين حاد في أذني! تلاه سماعي لصوت مكابح سيارة وأصوات مذعورة من حولي! تلك اللحظة التي عبرتُ فيها خط المشاة القريب من المدرسة. وجدتُ نفسي بين ذراعَي رجل تلقى الضرر بَدلاً مني.! كانت النظرة الأولى بمثابة الوقوع في بئر لا نهاية له.

دوره البطولي آنذاك وتصرفه بشهامة جعلني أقع له وأفقد كافة حواسي، بعدها بدأت بمحاولاتي للتقرب إليه واعتقدت انه قد تغير وسمح للوحش الكامن بداخله بالسيطرة عليه بعد ارتباطنا بفترة لمجرد استغلال اسم أبي وأمواله!
تلك الحادثة التي كانت الشيء الوحيد الذي ظننته عفوياً وحقيقياً.
كانت مجرد كذبة؟
كل الاكاذيب قد بدأت منذ. البداية؟ منذ اللحظة الاولى؟

ومع أن جزء كبير من روحي قد كُسر بعنف بسبب باتريك، الا انني اعتقدت أنني قد تخطيت كل شيء! اعتقدت انني نجحت في ترميم ما خسرته من ذاتي ولم يبقى امامي سوى تدارك أخطائي وتصحيح مسار أفعالي. ليتضح الآن أن.
جزء خفي كان لا يزال عالقاً في روحي ويمكنني سماع صوت تحطمه الآن بوضوح!

رغبت في المضي قدما ونسيان باتريك وحسب، شعرت بالكراهية تجاهه بقدر ما احببته ذات مرة! ولكن اللحظة الأولى. ظننتها اللحظة الوحيدة النظيفة إلى جمعت شخصين استحقا بعضهما بقدر مساوؤهما!
استشعرت يد قوية تربت على كتفي.
لم يكن سوى أبي الذي ينظر إلى بهدوء وقد شد بقبضته على كتفي.
وجدت نفسي اقلص المسافة بيني وبينه أكثر.
البرودة تسري في جسدي رغماً عني!

أكمل لارز بهدوء: نوايا باتريك تجاهك لم تكن مجرد تبعات لتهورك، لقد كنتِ فريسته منذ البداية. كما لا أعلم كيف من المفترض أن أوصل الرسالة إليكِ دون التهور أكثر ولكن باتريك السيء. قد لا يكون الأسوأ.
عقدت حاجباي بضياع وتشتت بينما أردف يخرج يمناه من جيبه ليحك أنفه بحركة سريعة: يخشى عمي عليكِ من الطرف الأسوأ، هو قلق بشأنه أكثر بكثير من باتريك الذي قد يسهل التعامل معه.

نفيت برأسي بعدم استيعاب: من الذي قد يكون أسوأ من ذلك الوغد! من سيتخطى حقارة باتريك بحق الإله؟ ثم لماذا منذ البداية؟ أنا لا أفهم شيئاً!

تنهد أبي وأشار للارز أن يتوقف عن الحديث قليلاً، ثم سرعان ما تولى الحديث وقال لي بجمود: خروجه من السجن كان بمساعدة شخص ما، لو كنت قادراً على البوح بهويته لفعلت منذ البداية، وفي المقابل هناك دامين ابن هاري الذي لن يتجاوز ما حدث في الحفل بسهولة، وعلاوة على ذلك لدينا طرف لا يتوقف تحريك باتريك ومن يعاونه منذ البداية.

استوقفته بتشتت وارتياب: ما كل هذا! لدي يقين أنني أستحق عقوبة من الإله ولكن بربك أبي هذا كثير جداً.!
نظر أبي الى الفراغ بتفكير للحظة قبل أن يقول: تتعقد الأمور باستمرار كتاليا، على التدرج باعلامك بما يحدث والحذر من كل كلمة أتفوه بها ومن شأنها أن تضعك في خطر محدق.
علق لارز: المعني بتقديم يد العون لباتريك قد يكون شخص في الدائرة المحيطة بكِ. لذا يصر عمي أن تتوقفي عن الثقة بالآخرين.

احكمت قبضتي بقوة أنظر إلى لارز ثم نحو أبي وتساءلت فوراً بقلق: والمعني بدعم باتريك لن يفعل كل هذا بسبب الخلافات التي حدثت بينه وبيننا! هل هناك أي دافع أقوى؟ بالطبع يوجد! ولكن ما هو؟ ولماذا يوجد عدة أطراف دفعة واحدة هذا كثير جداً!

تبادل لارز وأبي النظرات حتى تفاجأت بقول أبي ببرود: لقد حان وقت ان تحذري وتتبعي تعليماتي، ولكن لم يحن الوقت المناسب لتفهمي الدوافع كتاليا، هناك أمور يجب أن لا تكون استباقية.
اعترضت بغيظ: إلى متى على الحذر من المجهول!
إلى أن يستسلم الطرف الآخر.
وكيف سيستسلم بحق الإله!
إن فعلتِ ما أمليه عليكِ وتوقفتِ عن الإصرار على التهور والتصرف من تلقاء نفسك.

جادلته بحزم: وكيف تورط دانيال الآن في شؤوني التي لا أعلم حتى ما هي أو كيف من المفترض أن أصفها.
نظر أبي إلى دانيال الذي رأيته يتابعني بعينيه بجدية واهتمام حتى طرف يبعد ناظره فور التقاء مقلتيه بخاصتي، حينها أجاب أبي على سؤالي: أخبرتكِ ان تقبلي بمواعدة لارز مؤقتاً ولكن لا أنتِ أو هو قمتما بمراعاة طلبي الذي أوضحت من خلاله مدى جدية الوضع.

انتابني القهر لأقول بنفاذ صبر: انت مصر على ضرورة تنبيهي للحذر من شيء ترفض توضيحه لي. كيف من المفترض أن اتصرف بجدية وآخذ تحذيراتك بعين الاعتبار!
هناك من يُحاول جاهداً التخلص منكِ، وارتباطك بأي شخص سيكون بمثابة ورطة حقيقية لمن ستجرينه معكِ.
ولماذا قد يكون لارز في أمان إن كان المعني بمواعدتي!

بقي لارز يحدق إلى أبي بصمت حتى استنكرت صمتهما وقلت بتشتت: ماذا! هل هذا أحد الأمور التي لا حق لي في معرفتها الآن؟
أكملت بشك: هل من يحاول التخلص مني شخص لا يجرؤ على ايذاء لارز مثلاً؟
أجابني أبي بجمود: أعدكِ بمعرفة السبب لاحقاً، الآن هذا الرجل متورط معكِ ولا يجب أن أتجاهل حقيقة أنني المسؤول عن ذلك أيضاً.

رأيت دانيال الذي التوى طرف شفته بشيء من الغيظ وقد عقد حاجبيه باستنكار وغضب!، بل وتدخل يردد كلماته: متورط؟ هل هذا كل ما تفكر فيه؟ وبينما يوجد من يحاول التخلص منها وافقت عَلى ان تعيش في منزلي مدركاً لما يفكر فيه شقيقي أيضاً؟
علق لارز ببرود: ربما كان خطأ فادحاً، ولكن لا أحد توقع أن يسوء الأمر إلى هذه الدرجة.
زفر دانيال بتهكم غاضب: لم تتوقعا ماذا؟ رغم علمكما بكل تلك الحقائق؟

القى لارز نظرة سريعة يجوبها ما يشبه العذل والعتاب نحو كيدمان قبل أن يتجاوز قول دانيال وهو يسايره: أعلم أن ما حدث ينقصه المنطق، ولكن اعتقدنا أن الأمور ستأخذ منحنى آخر.
أضاف ينظر إلى بجدية: يوجد سبب وجيه يدفع عمي منذ البداية لمحاولة اقناعكِ ب. اقناعنا بالمواعدة المؤقتة ولكن لا أحد قد استجاب لمحاولاته.

أكمل يحدق إلى دانيال للحظة قبل أن يخرج يده الأخرى من جيبه وتكتف: الطريقة الوحيدة لأتحمل فيها عواقب ما حدث في الحفل هي أن تبدأ كتاليا المواعدة المؤقتة دون تأخير أكثر.
امتعضت مرددة: لا زلت تردد هذا الهراء دون أن يوضح أحدكم ما يجري من حولي، امنحني سبباً الآن لأواعدك بحق الإله لارز!
تحرك بخطى صغيرة يقلص المسافة قليلاً بينه وبين دانيال وتمتم يوجه حديثه إليه: واعِدها.
هاه!
أواعد. دانيال؟

نظرت فوراً إلى أبي الذي لا يبدو أنه يعارض قول لارز رغم تجهم وجهه الشديد وانزعاجه!، رغم أنني كنت سأفعل المستحيل لأقنعه بأنني أواعد دانيال لأتخلص من الحاحه على بشأن لارز؟
لا أستطيع
ارتخت ملامحي أنظر إلى دانيال الذي عقّب على قول لارز!
قال ذلك بينما يتحاشى النظر إلى تماما.
يبدو. محتفظاً حذراً جداً! لا يتوقف عن هز قدمه بخفة.
هل دانيال. قلق إلى هذه الدرجة؟ ذلك المَدعو دامين إلى أي مدى هو حذر منه و لماذا؟

لقد تراجع عن قراره في رغبته أن أبقى إلى جانبه ما ان ذكّرته بالقرار العكسي الذي تفوه به!
في أي موضوع على التركيز الآن بحق خالق الكون! بمن يعاون باتريك وسبب ذلك المجهول في التخلص مني؟ أو بموضوع شقيق دانيال الذي لا فكرة لدي عنه!، مهلاً كيف نسيت ان اطلع أبي على الرسائل التي وردتني من ذلك الرقم على هات.
لا أمانع ترشيحي لهذا الدور سيد آرثر.

عقدت حاجباي أنظُر بعدم استيعاب إلى كيدمان الذي قال كلماته بِنبرة مُتهكِمة!
نظر دانيال إليه بجمود وقد تصلب فكه بوضوح.
في حين احتدت عينا أبي الذي رمقه شزراً وهمس بحنق: أنت وصديقك. مجرد كارثة حلت عليّ من اللامكان! هاريسون مُحاط بحفنة من الحمقى المندفعين!
أضاف بوعيد بصوت مبحوح: لا تتحدث عن ابنتي كما لو كنتُ في صدد البحث عن أي رجل يواعدها وإلا أرغمتك ابتلاع عظام فكك.

تدخل لارز بهدوء: لا يمكن تغيير الواقعة التي يراها الجميع مقنعة في البث الذي يتم تداوله، ظهر وجه دانيال بوضوح وكذلكِ وجهكِ ومن الصعب اللجوء إلى حل آخر.

تدخل كيدمان مجدداً يوجه حديثه إلى أبي يبتسم بعبث: سيد آرثر لدي تصور خاص! من تطلب مساعدته الآن لن يخاطر بتلبية أي رغبة تخصه أو أمر يريده فلقد أدمن التنازل وحسب، يجيد افساد الأمور ثم الانسحاب فقط والمضي قدماً باحثاً عن شيء آخر ليفسده، خطر ذلك السافل دامين سيبقى يحوم حول ابنتك بعد أن رأى البث، لذا أتطوع للعب هذا الدور وأؤكد لكَ أنه سيكون أقل سخطاً حينها.
ما الذي تحاول فعله!

تساءل دانيال بحزم يحدق إلى كيدمان بترقب، وبالرغم من حزم صوته إلا أن نظراته المصوبة نحوه لم تكن حازمة فقط.
كما لو كان.
لا يزال تحت سيطرة الاحباط الذي رأيته في عينيه مسبقاً!
تجاوز كيدمان النظر إليه تماماً ولكنه تمتم ببرود بينما ينظر إلي: مُساعدتكَ عَلى التنازل والهرب، لا داعي للإمتنان.

تورد طفيف يعتلي وجه دانيال أوضح لي مدى صعوبة كبح نفسه، ذلك العرق الواضح قد برز في عنقه بينما كلتا قبضتيه لم تتوقفا عن الارتجاف! حتى قال بصوت متهدج: لا فكرة لديك كم يؤسفني سماع ما حدث لشقيقتك، ولكن لا يجب أن تجلب المشاكل لنفسك كِيد! أي طريقة تحديداً التي اتخذتها لتنتقم من دامين؟
رسم كيدمان ابتسامة هادئة وقد أغمض عينيه للحظة قبل أن يتمتم: بما يَستحقه كلاكما. سيكون هذا أكثر عَدلاً وانصَافاً.

وجدت نفسي أنظر إلى أبي بإضطراب، بينما وقف فجأة وقال بجمود: الوقت غير مناسب للتحدث حول خلافكما، وعدتُ هاريسون أن يُلقى القبض على دامين في أقرب وقت، وفي حين أخلفت بوعدك بمساعدتنا كيدمان فعليك أن تطبق فمك وحسب، على العودة إلى الساحل في أقرب وقت، لذا ليخرس الجميع الآن!
عقد دانيال حاجبيه وقد وقف يردد بعدائية: هذا رائع. يوجد الكثير خلف الكواليس! نعم يستحق أن يُلقى به في السِجن ولكن لا شيء قبل هذا؟ هاه!

نظر أبي إليه بهدوء وبدى وكأنه. يتعمد الابتعاد عن اللجوء إلى الغضب في هذه اللحظة تحديداً رغم نفاذ صبره!
تضايقت بشدة لرؤية التعبير على وجه دانيال بينما أعقب وقد علا صوته: ليس من العدل معاقبته دون معاقبة كل من كان السبب في ما عانى منه! لقد مللت ترديد هذا في كل حين!
وعلى رأسهم أنت
تمتم كيدمان بهذه الكلمات ببرود وجفاء! تجهم وجه أبي بشدة وحذره بحدة: توقف.

ولكنه تجاهل أبي ووقف بفتور ينظر إلى دانيال: اعتقدت انك ستستيقظ مدركاً أخيراً لكل ما تسببت فيه، ولكن اتضح انك لا تزال مصراً على موقفك!
زفر أبي بغيظ شديد ولم يكن يتفوه بحرف واحد حتى تساءل دانيال بغضب أفزعني: متى ينوي فمك التفوه بما تحاول التلميح إليه!

اتسعت عيناي لرؤية انفعاله وهو يقترب من كيدمان على حين غرة ممسكة بياقته بقوة يجذبه نحوه بسخط: خرجت من العدم لتتصرف كشخص آخر لا يجيد سوى التحدث بكلمات مليئة بالعذل، كفاك غموضاً وتحدث حالاً! كيف قد أكون السبب في كل ما فعله دامين؟
مرر أبي يده على جبينه وهمس بإنزعاج: هاذان الاثنان.
نزع لارز نظارته ووضعها جانباً على الطاولة وتقدم منهما بجدية: هذا يكفي.
ولكن لا أحد منهما ينصت!

ان تدخلت بينهما فسأكون هالكة لا محالة بين حرب يخوضها العمالقة، المرة السابقة أصبت بارتجاج طفيف ولا يمكنني المغامرة مجدداً، على كل حال دانيال لا يبدو على سجيته أبداً ولدي شعور سيء بأنه قد يتهور بالفعل!
وقفت وربت على ظهر أبي بتحذير وقلق: أبي لا يبدو أنهما سيتوقفا عن الشجار!
كيف قد تكون السبب؟

ردد كيدمان سؤال دانيال قبل ان يردف: بأنكَ لم تكن المُنقذ يوماً، بأن دامين حاول منذ البداية التعايش مع حالته الصحية النادرة ولكنكَ اخترت أن تدفنه بأقوالك الداكنة السامة أمام الجميع حتى بات وجبة دسمة لهم.

أضاف بما جعل الغرابة تسيطر على والقلق ينتابني جراء ردة فعل دانيال: كنت مستمراً فيما تفعله بينما تصنع وهماً تعيشه وحدك، جعلت من دامين يَتمادى ليفقد مشاعره الانسانية الحسية لا الجسدية فقط، حتى بات كلاكما يشكّل الآخر كما يرغب. جعلتَ منه وحشاً لا يشعر، بينما جعلَ مِنك شخص فاقد لهويته. أصبحتَ الجميع. الجميع عداكَ أنت، نجح في تدميرك ذاتياً كما فعلتَ به.

أردف وقد انخفضت عيناه يجز على أسنانه بقهر: نجح في ذلك. حتى بات مهووساً بالشيء الذي جعلكَ عليه بجهده الخاص، رجل بلا هوية لا يجيد سوى التنازل عن رغباته الخاصة، انتَ الجزء المُكمل له الذي تلوثك المشاعر. هذا ما يراك عليه أيها الوغد.
أكمل يرسم ابتسامة مضمرة وقد تهكم صوته وصاح به بسخرية: ألم تتساءل يوماً لماذا لن تشعر بالرضى مهما حاولت لفت الأنظار نحوك؟

ارتجفت أنامل دانيال ولكنه بقي يمسك بياقته بقوة! ارتجفت مقلتيه وهو يحدق إلى كيدمان بأعين زائغة ليكمل الآخر: لأنك لن تفهم أي جزء منك هو الذي يلفت انتباه الناس تجاهك، انتزع مِنك نفسك كما قمتَ باغراقه في ظلام حالك، دامين ليس مهووساً بكَ فقط ولكنه لن يتوقف عن محاولة تقويم مسارك الذي رسمه لأجلك، لا الصداقة أو المشاعر والعاطفة ستكون واردة في قاموسك. لن أفهم كيف قد يتحول الحقد إلى هوس، ولكنني أفهم جيداً كيف قد تتحول الصداقة اللعينة إلى غِل وحقد خانق.!

دانيال.
زميت شفتي بتوتر أستنكر صمت أبي ولارز!
بقي يمسك ياقته حتى شد عليها أكثر واعترض بحنق: كفاك كذباً! لطالما دافعتُ عن دامين وفعلت المستحيل لأجله، لم أتنازل عن رغباتي فقط ولكنني اتخذت على عاتقي مسؤولية أن يشعر بالأمان وأضمن بقائه بعيداً عن.
هذا ما ظننته أنت أيها المزيف! هذا ما تصر على تصديقه.

أعقب بغضب يدفعه بعيداً عنه بقوة: يحق لك ان تكون بطل قصتك الخاصة لا أن تسلب من الآخرين ذكرياتهم أيضاً!، ان اعتقدت انك لازمته ودافعت عنه فلقد كنت في الحقيقة تفتح المجال للآخرين بالضغط عليه أكثر! من سيحمي شقيقه بمعايرته طوال الوقت وترديده هراء مِثل ابتعدوا عنه لا يمكنه الشعور بالألم! من سيدافع عن شقيقه بينما يقول إياكم والاقتراب من أخي إن تلاحم في شجار معكم فسيواصل ضربكم حتى تتهشم عظام يده دون أن يشعر! من خلق في نفس أخاه نقصاً شديد وهو يردد أمام مسامع الجميع لا تطعموه الوجبات الحارة قد يحرق لسانه ! برأيك بسبب من كان المجال مفتوحاً لحثالات القرية للتنمر عليه! من كان يزرع في نفوسهم شعور الرغبة في التجربة والمغامرة؟ لماذا لم تدرك يوماً أنا ما تفعله بدامين كان يزيد من وضعه سوءاً! لماذا لم تستوعب ان كل كلمة خرجت من فمك كانت تحريضاً عليه لتبرز أنت كالبطل بينما تحاول الدفاع عنه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة