رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثاني والثلاثون
انزلت يدي فوراً احكم قبضتي بتوتر! قبل أن يستحوذ على الذهول الشديد كما انتاب أبي الدهشة والغضب ما ان تفاجأنا بكلتا يديه التي جذبتني نحوه ليعانقني بقوة!
ما الذي.
بدى عناقه قوياً جداً وقد شعرت برطوبة قطرات قليلة من دماء شفتيه التي تساقطت على عاتقي بينما يهمس في اذني بصوت مترع بالتهدج والرجاء: اصنعي مني انساناً، أعيدي هويتي إلي.
دانيال.!
أ. أعيد هويته إليه؟
هوية.؟
رجل بلا هوية!
لا تعاملني وكأنني شخص بديل فقط ومجرد أداة تنفذ من خلالها أهدافك الخاصة، ما الذي تفعله تحديداً؟ ما الذي تريده بحق الإله بعد كل هذا؟ أنتَ لستَ كارل لتحاول أن تبدو لطيفاً مراعياً، ولست دامين لتبدو بارداً متبلداً! أنتَ مجرد بديل بلا هوية محددة تجيد استبدال الآخرين ببعضهم البعض وحسب.
لم يتردد صدى صوت كيفين في عقلي فقط ولكن كلماته فتحت لي أبواباً لأطلّع على أمور كثيرة ربما لم أوليها أدنى اهتمام. أو لم أرغب وحسب في الالتفات نحوها منذ البداية! لم أرغب في اقحام نفسي في أي شيء!
تناقضات دانيال أحياناً، تصرفاته المتضاربة مع أقواله، الطريقة التي ينظر إلى فيها وقد كان واضحاً وصريحاً وهو يخبرني برغبته في تحمل مسؤوليتي بعد ان كان يرفض مجرد التعاون معي!، تركيزه الدائم على عيوبي وسلبياتي كما لو يتعمد ان يبرزها بأي شكل من الأشكال. ثم تساؤلاته اللامنطقية وتشتته الواضح! الأمر ليس أنني تجاهلت كل هذا فقط. ولكنني خشيت طوال الوقت أن أفتح أي مجال ولو بشق ثغرة بسيطة لتتخذ علاقتي بدانيال مسار آخر.
لم أرغب في التركيز على أي أمر من شأنه تحويل هذا المسار! كل ما أردته علاقة مهنية قائمة على تبادل المصلحة.
تجاهلت ان تصرفاتي الجريئة منذ البداية ستترك أثراً على دانيال! تجاهلت أنه رجل قد تحركه غريزته يوماً وعندما استشعرت ذلك الخطر أرخيت رايتي قليلاً ولكنني سرعان ما عدت للتصرف بتهور معه وكأن شيئاً لم يكن.! ومع علمي المسبق أنه رجل تتحكم به مبادئه في المقام الأول وادراكي العميق بأنه لن يمسني بسوء. تسببت أنا بانقلاب الوضع تماماً كما لو كنت لم أتعلم أي شيء من تجاربي السابقة مستمرة في اقحامه في شؤوني!، والآن أجد نفسي أمام دانيال الذي يتصرف بغرابة تامة عاجزة عن ابداء ردة فعلة مناسبة!
ما الذي من المفترض ان يعني كونه رجل بلا هوية محددة؟ هل دانيال الذي أعرفه.
لا أعرف عنه أي شيء؟ هل تصرفاته لا تعبر عنه حتى؟ تشتت و تأثر بشدة منذ تم ذكر موضوع تلك الفتاة الصغيرة والمدعو دامين!
أعادتني قوة ذراعيه إلى الواقع مدركة إلى أنه ضمني إليه أكثر ولم تكن سوى ثواني معدودة حتى همس بصوت بالكاد يُسمع بنبرة مبحوحة: ما الذي أهدف إليه بِحق الإله! ما الذي أفعله! ما الذي كنت أفعله منذ البداية حتى الآن؟
رجفة صوته الطفيفة، أنفاسه السريعة، قوة ذراعيه وحرارة جسده. وتلك النبرة الخافتة التي عجز عن اخفاء غصته فيها. كل هذا أرغمني على اغماض عيناي للحظات أتساءل في نفسي.
عمّا على فعله الآن وقد لجأ إليّ من بين الجميع!
لم يكن يتردد في تقديم يد العون فوراً، لم يكن بطيئاً في الاستجابة لأي ضرر كنت على وشك التعرض إليه، فلماذا بحق خالق الكون يتعارض ما رأيته وخضته مع كلمات صديقه كيدمان؟
عندما صرخت منذ البداية في وجهه واتهمته بمدعي المثالية بدى غريباً ينكر كلماتي بشدة. عندما كنت أخوض معه أي جدال يستدعي تذكيره بتناقض تصرفاته كان يميل إلى التصرف بغرابة أكبر! كما لو.
كما لو كان مستعداً لسماع أي شيء. عدى تلك الكلمات تحديداً!
في جميع الأحوال كتاليا. الرجل الذي يعانقك لا يبدو بخير على الإطلاق!
إنه.
الصديق الذي اعترفتِ قبل قليل بأنه تلقى الأذى بدلاً منكِ مراراً وتكراراً.!
هل أتخيل أم أنها المرة الأولى التي قد يلجأ فيها إلى شخص ما في لحظة ضعف!
بعد أن كنت السبب في ضعف من حولي بضرب مشاعرهم بعرض الحائط والتسبب في انكسارهم بالتجريح والإهانة. أصبحتُ ملجئاً لشخص يبدو صلباً لا يهزه أي شيء!
أنا.
ملجأ له!
ابتلعت ريقي بصعوبة بالغة.
رجل مزيف أو كاذب، بلا هوية أو مخادع. في النهاية هو دانيال! لم أمضي معه وقتاً طويلاً ولكن الفترة التي قضيتها معه في منزله كفيلة بتذكيري بكل موقف أبدى فيه استعداده لحمايتي. كفيلة بتذكيري بتواجده في اللحظات التي كنت في حاجة إليه فيها!
حتى وإن كان كل هذا مجرد كذب وتزييف. ولكنه.
بدى لي آنذاك عفوياً تسيّره نفسه الطبيعية وغريزته في التصرف بطريقة صحيحة وحسب!
وإن كان مزيفاً حقاً.
فتلك الهوية المزيفة ليست سيئة على الإطلاق!
أنا حقاً لا أفهم دانيال جيداً ولكنني مصرة على أنه. لن يتعمد إيذاء الآخرين ببساطة!
قد يكون الآن من المنطقي غرابة اصراره على رغبته في تحمل مسؤوليتي وفي تنصيب نفسه في منصب يسمح له بلعب دور ولي أمري وحشر أنفه في كل ما يعنيني! ومن المنطقي تفسير غرابة تصرفاته السابقة في إصراره على ترديد مساوئي بالفعل والتركيز على سلبياتي وعيوبي.
كلمات كيدمان تشير إلى أن كل ما كان يستفزني لم يكن مجرد وهم أو أفكار يبالغ عقلي في نسجها! ولكنني بحق الإله لم يسبق لي وأن تلقيت أي أذى يُذكر بسببه!
أنّى لي. ألا أحتويه أنا أيضاً الآن وقد لجأ إليّ أنا؟
لا تقلقي لن يسوء الوضع. لن تأخذ علاقتكما مسار آخر، لذا افعلي شيئاً.!
تلك الصراعات النفسية في داخلي جعلتني أدرك أنني استغرقت وقتاً في التشتت بين كل هذه الأفكار العاصفة وقد شعرت بتصاعد غضب أبي وبدى لي سيتدخل حالاً فرفعت يدي له أستوقفه برجاء لئلا يفعل.
تعلقت عينا أبي على وجهي بحنق واضح وهو يحكم قبضته يتمالك نفسه وقد تصلب فكّه بشدة.
اغمضت عيناي أهرب منه وقد أسندت رأسي على صدر دانيال هامسة: أدين لكَ بحمايتي مرار وتكرارا دان، لذا أخبرني ما الذي تحتاج إليه؟
التقطت اذنه كلماتي الخافتة، شدّ على بذراعيه أكثر وأرخى رأسه وهمس بصوت مبحوح حانق لا يسمعه سواي: لا أدري، زِحام شديد في عقلي. أنا أقف في المنتصف والكثير من أشباهي يحومون حولي! لا يمكنني الخروج من هناك، هل أنا عالق بينهم أو أنني من جذبهم جميعهم نحوي؟ بِحق الإله المكان مكتظ جداً!
فغرت فمي أردد كلماته في عقلي قبل أن يردف بحنجرة مُنهكة بوضوح: علمتُ أن كل شيء سينتهي يوماً ما برحيلهم. علمتُ أنهم سيغادرون وسأبقى أتساءل من منهم كانَ أنا.!، حاولت ارضاءهم دون استثناء فلماذا إذاً يرحلون! لماذا يتلاشون من عقلي!
أحنى ظهره أكثر وبقي يتشبث بي حتى قال بكلمات بطيئة ثقيلة: مُنذ متى كنتُ السبب في معاناة الجميع؟ كيف يُصبح بطل القصة هو مصدر التعاسة منذ البداية؟ هل كنت أرغمهم على التجرع من سموم تصرفاتي وكلماتي ببطء! أنا لم أتعمد إيذائهم. أردتُ أن يعترفوا بي وحسب! علمتُ أن هذا اليوم سيأتي لا محالة، علمتُ أن ذلك الشخص الذي أكون عليه سيرحل هو الآخر وسأبدأ بالبحث من جديد عمّا أكون عليه.
د. دانيال!؟
تسارعت أنفاسي باحثة عن كلمات مناسبة قد تخفف هول ما يشعر به وهو متشبث بي بقوة!
دامين هذا. ما قصته تحديداً! لماذا ترك هذا الأثر خلفه؟
دانيال لا يتوقف عن لوم نفسه بمرارة!
عقدت حاجباي وتساءلت أحاوره: هل تلوم نفسك تأييداً لكلام صديقك؟ أم أنك تعتقد بأن كل ما حدث بسببك بالفعل؟
سرت رجفة واضحة في جسده إثر قولي فوجدت نفسي أرفع يداي فوراً أبادله العناق وأربت على ظهره بهدوء.
كنت أعلم هذا! راودني شعور مسبق لسبب ما. أن الاقرار بكونه المخطئ في أمر ما. يُعتبر شيء حساس بالنسبة له!
إن كان دانيال معتاد على التركيز على عيوب الآخرين وتذكيرهم بسلبياتهم وأخطائهم بالفعل. هل هذا يعني أنه لا يستطيع الاقرار بعيوبه وأخطائه في المقابل؟
هل كان يدرك للتو حتى أنه يلوم نفسه بشكل مباشر؟
لماذا كل هذا الجهد. للظهور بصورة الرجل المثالي!
ارتفع حاجباي بترقب أنظر إليه ما ان ابعد نفسه وتشتت عينيه في الفراغ كما لو تزاحمت أفكار عقله بفوضوية! دماء شفتيه قد لطخت عنقه قليلاً وبدى كلا عاتقيه ينكمشان وهو يعقد حاجبيه وينفي برأسه بضياع وانكار: لستُ المخطِئ!
يقول. العكس فجأة!
بقيت أحدق إليه بتشتت ونظرت إلى كيدمان الذي لمحت بين حاجبيه تقطيبة صغيرة تنم عن ضيق عجز عن اخفاؤه في كلتا عينيه الداكنة وهو يحدق إليه حتى تفاجأتُ به يقول بنبرة استسلام بعيدة كل البعد عن التهكم أو الاستفزاز: اخترت البقاء في غيبوبتك، فكيف لا يكون خطأك بحق الإله.! لا تنوي تحمل جزء من المسؤولية على الأقل؟
ارتجف صوته وهو يردف وقد شحب وجهه بوضوح وأحكم قبضتيه بقوة: كانت تحلُم بالسفر حول العالم ما أن تتحسن صحتها، كانت تعتقد انّ غسيل الكلى الدوري الذي تقوم به سيكون مؤقتاً وبعدها ستطلق العنان لحريتها المطلقة! قالت أنها تريد زيارة هذا المكان وذاك، بأنها ستكون أشهر طباخة في البلاد، ستصنع الكعك والطعام لكل من تحبهم، ولكن كلوي لم تعد موجودة الآن.
اخذ شهيقا سريعا وبدى يصارع نفسه ويتحدث بجهد بالغ وهو يكمل: تبددت أحلامها وكأنها لم تكن منذ اللحظة التي أسقط دامين عود الكبريت في الحقل وغادر بكل برود! بل تبددت أحلامها منذ اللحظة التي قررت فيها أنّك ستكون شخص يطمس هويته الحقيقية لإرضاء من حوله فقط! بدأ كل شيء منذ أن رفضْتَ تصديق مدى ضعفك وعجزك وأصرّيت على ارتداء قناع الشاب القوي المؤثر! فكيف لا يكون خطأك بحق الإله! أنتَ وحدك من صنع ذلك الوحش البليد! كنتَ الوحيد القادر على تغيير دامين ولكنك لم تفعل!
رفعت يدي بتلقائية نحو صدري أخفف على نفسي وقع كلماته على مسماعي!
نظرت إلى لارز الذي وضع كلتا يديه في جيب بنطاله وحدق إلى كيدمان بأعين هادئة، ثم نحو أبي الذي يزم شفتيه وينظر بعيداً بوجه شديد الجمود.
كيدمان هذا.
أقر بمدى شعوري بالغضب نحوه وبمدى استفزازه ولكن لم يبدو لي الآن يتهكم بقوله أو يزّيف كلماته!
رأيت دانيال يحدق إلى كيدمان بذهول للحظات قبل أن يرفع يديه نحو أذنه كما لو يرفض سماع المزيد! بل وقال بكلمات بطيئة يحدث نفسه يتحاشى أي تواصل بصري معه: أنتَ قوي، يمكنك مساندة الجميع، لا تكن عرضة لأي أسباب قد تجعل منكَ ضعيفاً واستمر في فعل ما عليك فعله وحسب، هم بحاجة إليكَ أنت.
ما الذي. يهذي به!
تفاجأت بالتعبير الذي يعتلي وجه كيدمان وقد بدى أن صبره قد نفذ وهو يحدق إلى دانيال ومقلتيه الداكنة تعكس بريق إحباط شديد!
بل نفي برأسه وهمس وهو يأخذ نفساً متقطعاً: إلى متى. بربكَ إلى متى.!
أصرّ دانيال على ألا يبعد يديه عن أذنيه وبقي يهمس لنفسه بكلمات تحفيزية يتحاشى النظر إلى كيدمان بأي وسيلة ممكنة.
شعرت بالضيق يتصاعد في جوفي أتساءل عما جعله يصل إلى هذه المرحلة التي تحكم عليه برفض سماع تلك الحقائق؟ لماذا يتصرف دانيال هكذا؟ لماذا كل هذا التشتت والفزع؟
تقدم لارز بخطوات متزنة ووقف أمام دانيال مباشرة، أخرج يمناه من جيبه وتفاجأت به يمسك بياقته بقوة يقربه إليه وهو يقول محافظاً على نبرته الباردة: حتى لو قررت أن تكف سمعك عن الانصات إلى الحقيقة، ستطاردك الحقائق مهما تهربت منها.
أضاف وقد احتد صوته قليلاً مقابل تحديق دانيال إليه بأعين زمردية مغيّبة بوضوح: واجه نفسك، توقف عن الهرب لا وقت تهدره في البقاء حبيساً لقناعاتك المشوهة، قم بتسوية الأمور وكفّ عن توجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين! الجميع حولك كان يدرك مدى زيفك وادعاءاتك! الجميع كان يعلم سواك.
انقبض صدري بشدة أرى تعبير عدم الاستيعاب والانكسار على وجه دانيال وهو ينظر إلى لارز بإنكار شديد في حين أكمل الآخر بحدة: كان من الواضح استمرارك في زيارة الملجئ مع والدك رغبة منكَ في البروز كالفتى اللطيف الذي يقدم يد العون إلى الأيتام دون أن تدرك نظرات الإزدراء والغيرة التي ترمقهم بها.! تقديم يد العون بزراعة محاصيل فناء الملجئ أمام الجميع بكل لطف وحماس في حين أنّ يدك كانت تصر على افساد البذور وتسحقها بِغل وحقد! تبسمك في وجوه الناس ثم تلاشي تلك الابتسامة إلى تعبير جفاء ميّت فور أن يستديرو على أعقابهم! تدخلك في شؤونهم والدفاع عنهم أمام الملأ بغرض إظهارهم بصورة الحمقى المثيرين للشفقة محاولاً نيل شرف حمايتهم وتوجيههم!
وقفت في مكاني أشعر بثقل قدماي وقد تفاجأت بكلمات كيدمان الذي يعقب على قول لارز: ادعاءك للمرض والانهاك وتزييف تعبك وارهاقك محاولاً استعطاف الآخرين ولفت انتباههم نحوك، التباهي بالجروح والدماء التي كانت تلطخ جسدك لتشعر بمدى قلقهم عليك! كم مرة بحق الإله رأيتُك تتخذ زاوية معزولة في الخفاء تحاول فيها كَسر يدك أو كاحلك فقط لتثير قلق واهتمام والدك! كم مرة وجدتك تدّعي المرض محاولاً تقليد كارل ظناً منك أنك ستعثر على الاهتمام الذي تبحث عنه! برأيك كم مرة حاولت فيها مساعدتك لتفيق وتستوعب أنك لم تتوقف عن ايذاء نفسك مرارا وتكرارا؟ محاولاتك البائسة في تعريض نفسك للخطر اعتقاداً منك أنك قادر على سرقة مكان وحالة دامين في تعرضك الدائم للمخاطر وإيذاء نفسك بالخطأ؟ هل تدرك حتى عدد المرات التي كنتَ ترغم نفسك فيها على تقيؤ الطعام لتقنع والدك بمدى عجزك ومرضك؟ القاءك الكلمات الجارحة تجاه كارل معايراً إياه بمناعته الضعيفة آنذاك؟ ترديدك الدائم لمرض دامين أمام مسامع الجميع؟ هل حقاً لم تستوعب يوماً مهما حاولت توعيتك. عن مدى تعطشك لنيل اهتمام الآخرين بأسوأ الطرق؟ لم تفهم أنكَ لست كارل أو دامين! لم تدرك حتى الآن أنّك تقف بعيداً جداً. جداً. عن دانيال!
تلاحقت أنفاسي السريعة أنظر إليه بذهول وغرابة قوله قد جعلتني أقف عاجزة عن اصدار ولو ردة فعل واحدة متسمرة في مكاني!
سيفعل أي شيء. ليلفت الانتباه نحوه؟ سيقوم باستنساخ شخصية من حوله دون شعور؟ سيوقع نفسه في المشاكل ليكون محط الأنظار؟
بدى دانيال مذهولاً شاخصاً في مكانه وقد أنزل يديه ببطء يحدق إلى كيدمان بالكاد يطرف بعينيه!، بل وارتخى كتفيه بوضوح يهمس مردداً الكلمات الأخيرة بصوت عميق: أنا. أقف بعيداً؟
أبعد لارز يديه عنه في حين زميت شفتي بقوة ما ان انحنى دانيال قليلا بجذعه للامام يمسك بقميصه يشد على صدره كما لو. يكاد يختنق!
لهث بأنفاس سريعة قبل ان يقول بصوت متهدج: مُجرد. هراء!
أشاح كيدمان بنظره بعصبية ونفاذ صبر للحظة قبل أن يقول بما جعلني أقف فاغرة لفمي بعدم تصديق: كنت تتصرف كالفتى الاجتماعي سريع التجاوب مع الآخرين، ثم وبدخول كارل إلى الثانوية رأيتَ مدى كَون شخصيته الخجولة تجاه الجنس الآخر تثير انتباه الفتيات وفضولهن تجاهه! كنتَ تعامل الجميع على حد سواء دون أي تمييز ولكنك رأيت كيف لشخصية كارل تأثيراً على فضول الآخرين نحوه ولا سيما بمواجهته صعوبة في التعامل مع النساء. وجدتُك تدريجياً تميل إلى نسخ هذا السلوك حتى اقتنعتَ تماماً أنك شاب يواجه هو الآخر مشكلة في التعامل معهن! تقدمتَ في السنوات وتقدم معك هذا الخداع والتزييف بل وتفوقت على كارل تماماً حتى ذاع سيط هذه العقدة الوهمية بين الآخرين بالتدريج! لقد أتقنت هذا الدور. حتى كارل لم يجد ما يمكنه فعله وقد تمكن هذا الوهم منك! كارل اعتقد انه قام بالتأثير عليك بشكل سلبي ولا بد وأنه يلوم نفسه على ذلك!
مهلاً.
صعوبة دانيال في التعامل مع النساء منذ البداية. كان مُجرد وهم يختلقه!؟
إ. إلى أي مدى كان قد صدّق هذا؟ إلى أي مدى كان واثقاً أنه يعاني من هذه العقدة؟ إلى درجة. أنه ومن معه قد تعايشوا تماماً مع الوضع؟
تلك المرة عندما فقد دانيال وعيه. بسبب خطتي المتهورة في غرفة تبديل الملابس في مقر المجلة! اليس من المنطقي أكثر أن يفقد وعيه عند لقاءنا الأول وقد كان من المفترض أن يكون حينها أكثر اضطرابا وارتباكاً؟ مهلاً. في لقاءنا الأول بدى مُحرجاً متوتراً ولكنه لم يكن بسوء اللقاءات التالية!
أقصد.
إن كانت كلمات كيدمان الآن مجرد حقيقة، فهذا يُفسر مدى منطقية ردة فعل دانيال! كنت قريبة منه جداً في لقاءنا الأول! أمسكت بوجهه أمام مرأى الجميع وتحدثت بجرأة بالغة ولكنه لم يتصرف بمثل المرات التي تليها اليس كذلك؟ هل كانت آنذاك ردة فعل طبيعية بشعوره بالاحراج وحسب؟ وهل كان يبالغ كثيراً بعد ذلك اللقاء؟ غ. غير معقول! ب. بلى معقول! أي رجل هذا الذي سيفقد وعيه بسبب قبلة؟ هل كان واهم إلى هذه الدرجة؟ ربما لهذا بدى لي. التعامل مع كارل أسهل بكثير من دانيال منذ البداية؟ لأن كارل يتصرف بعفوية؟ لأن شعوره بالخجل والاحراج كان. حقيقياً لا مزيفاً؟ في حين كان دانيال. يزيف ردود أفعاله دون إدراك ويبالغ فيها معرقلاً الأمر أكثر؟
وأفعاله مؤخراً.
القبلة في الحفل، عناقه قبل قليل، نظراته وسلوكياته معي في الآونة الأخير. هل هذا يعني. أنه انشق عن تلك الشخصية التي اقتبسها من كارل حول كونه رجل يعاني من صعوبة في التعامل مع النساء؟
أتذكر جيداً أنني ومنذ البداية اتهمته بالمبالغة! تجادلت معه وأخبرته أنني لا أصدق تصرفاته حول عقدة التعامل معي! عندما انفعل آنذاك وانتابه الغضب. ربما شعر بتوجيهي إليه تهمة الكذب وأثار ذلك حفيظته بشدة محاولا كبح نفسه!
هذا يفسر الكثير!
ولا سيما أنني لم أشعر بمدى مبالغة كارل!
كان يعاملني كرجل ينتابه الخجل من التعامل معي بالفعل وبدى ذلك. حقيقياً جداً!
في حين دانيال. تقمص الدور وقام بتأديته بأبعاد أكثر من اللازم؟ عندما بدى وكأنه ينافس كارل في تجاوز الأمر. كل هذا كان. رغبةً منه في الانسلاخ عن شخصية وسلوك وهمي لم يعد يشعر بالراحة في تأديته؟
عندما قال السيد هاريسون في لقاءنا المنفرد الأول وبكل وضوح أنه على مساعدة ابناءه وخصص كارل ودانيال وركزّ عليهما في حديثه. هل كان يعلم أن تخلص كارل من مشكلة وتحديات التعامل مع النساء من شأنه أن. يؤثر على دانيال الذي يقوم بنسخ تصرفاته؟
رفعت يدي بتلقائية نحو ثغري أسيطر على مدى ذهولي ودهشتي بينما عقلي يستمر في ترجمة الكثير من الأحداث التي مررت بها!
نظرت نحو دانيال الذي يطرف بأعين ناصلة شاردة. بينما استدار لارز نحو كيدمان ليقول ببرود: لم يكن من المخطط الثرثرة بكل شيء الآن، رغب عمي في تدارك ما حدث في الحفل ولكن أخذت الأحداث منحنى غير متوقع.
أعقب يحاوره بهدوء: لقد قلتَ الكثير، لذا هل يمكننا البدء بالحديث حول ما نرغب في قوله نحن أيضاً؟
أشاح كيدمان بوجهه في حين قال أبي ببرود: لارز، إنها فَوضى. سيتوجب على توضيح ما يجب فعله في الأيام القادمة بدلاً من الاسهاب في الحديث فالوقت ضيق جداً.
ثم وجه ناظره نحو دانيال يسأله بهدوء: أنتَ بخير؟
كان يخفض رأسه يقف بلا حركة وقد كان من الصعب رؤية التعبير الذي يعتلي وجهه.
تعلقت أبصارنا عليه بترقب للحظات حتى استغربت تحركه بهدوء ليتجه نحو الأريكة بأقدام بدت تزن أطناناً!
لاحقته أعيننا بحيرة وهو يجلس على الأريكة، احنى جذعه للأمام يسند مرفقيه على حجره.
بقي يحدق إلى الأرض عند موضع قدمه مطولاً.
استمر يحني جذعه رغم الطريق الذي سلكته عيناه وقد رفع رأسه يحدق إلى الفراغ كما لو يتحدث باستسلام وإنهاك: هذا. مُمِل.
مُمِل!
طرف بعينيه ببطء قبل أن يعود بظهره للوراء يجلس باستقامة ويضع قدماً على الأخرى قبل أن يفرد ذراعيه على ظهر الأريكة ويحدق إلى السقف بصمت!
دانيال. ما خطبه؟
ثواني قليلة وأضاف يتحدث بضجر مثقل غريب: مُنهِك ومُمِل، أنا أستسلم. سئمت ما أقوم به رغم عدم علمي الكافي بما أقوم به حقاً، هل من المنطقي أن يضجر المرء من فعل شيء لا يملك أدنى فكرة عن كيفيه وصفه حتى! أنا فقط مكتفٍ وأشعر بالتخمة من شيء ثقيل يستنزف طاقتي. كيف أتوقف عن فعل ما لا أقوم بفعله في الوقت آنه؟
ضاقت عينا أبي ينظر إليه بتركيز في حين أكمل قوله يُعدد بينما يستمر في التحديق إلى السقف: الكذب والتزييف والخداع إذاً، الإساءة إلى الآخرين وحشر أنفي في شؤونهم، معايرتهم ومضايقتهم بكلماتي، والحريق المفتعل يبدو كذلك بأنني أتحمل مسؤوليته.
أمال برأسه قليلاً نحو اليمين ورفع يده يمسح دماء شفته بظهر كفه مردفاً وقد تعلقت عيناه على كيدمان: الهرب من الحقيقة. إن كان هذا ما كنت أفعله فأين كان الجميع بينما كنتُ مشغولاً طوال الوقت بالهرب؟
بدى الغضب يتسلل نحو وجه كيدمان، تدارك لارز الموضوع فوراً وقال بجدية: كنت لا تزال في الخامسة من عمرك عندما تعرضت لصدمة تغيرت سلوكياتك على إثرها، لم يكن الضغط عليك خيار وارد من قبل عائلتك أو من هم حولك.
أومأ دانيال باستخفاف وانزل يده يحدق إلى أثر الدماء عليها لثواني قبل ان تنفرج زاوية فمه بشيء من التهكم: ومتى كان من المفترض ان تُذاع الحلقة الأخيرة يا ترى؟ حتى يتم تصنيفي كرجل مجنون فاقد لوعيه وادراكه التام؟ الن تثير هذه النهاية استياء ولو شخص واحد من الجمهور؟ أو ربما حتى الجمهور كان يدرك الحقيقة منذ البداية. كما تعلم، تلك القصص التي تبدع في قلب الموازين لتدرك أن البطل الذي ينشر الخير ما هو إلا التفاحة الفاسدة.
اعترضت على قوله دون شعور: لا تتسرع في كلماتك قبل أن تفهم كل شيء!
تدخل لارز بهدوء: سأكون مباشراً معك ولن أميل لمجاملتك، كان بقاء ابنة عمي في منزلك منذ البداية صفقة مربحة للطرفين، هذا ما كان مخطط له ولكن انقلبت الموازين مؤخراً، حاول والدك مساعدتك في هذا الشأن ولم يتردد يوماً إلا أنه انتظر الفرصة الأنسب.
عقدت حاجباي باستغراب شديد في حين ابتسم دانيال باستخفاف: بالطبع سيكون بقاءها في منزلي أمر مخطط له، فمن سيترك ابنته في منزل يعج بالرجال الغرباء ويتركها تعود إليه رغم الخطر الذي يحدق بها من كل صوب؟
تدخلت أسأل ابي باندفاع وعدم فهم: ابي انت ام تجبني بعد، منذ متى تعرف السيد هاريسون؟ هل تعرفت عليه بعد ان انتقلت إلى منزلهم؟ أم قبل ذلك بكثير؟ ان كان لارز يعرف دانيال وكيدمان فهل هذا يعني ان علاقتك به أقدم بكثير مما اظن؟ لهذا تركتني في منزله؟ وان كان الأمر كذلك حقاً فلماذا تشعر بكل هذه الثقة تجاهه؟ هل البقاء في منزله آمن مقارنة بالبقاء في شقة مستقلة أو حتى العودة إلى منزل العائلة بعد ان كنت تحاول اقناعي بالعودة للعيش معكم؟
أجاب أبي بحزم: لم تكن عودتك إلى منزلي أو العيش في شقة مستقلة خيار متاح، الأمر لا يتعلق بخطر باتريك وحده!
نعم قلت هذا مسبقاً ولكن هل لهذا فقط سمحت لي بالعيش في منزل السيد هاريسون؟
هاريسون قادر على ابقائك بأمان كات وهذا أمر لم أكن قادر على توفيره لكِ في الآونة الأخيرة!
علّق دانيال بضجر: ولكن ليس بعد الآن وقد أثرتُ غضب وحنق دامين، هاه؟
أومأ أبي بغضب: تماماً!
سأله بتبرم: وما المقابل يا ترى؟ لماذا قد يتطوع أبي للسماح بابنتك في العيش في منزله؟
نظر أبي إلى كيدمان ولارز للحظات قبل أن يزفر ويعقد حاجبيه بإنزعاج.
ثم سرعان ما قال يحافظ على رباطة جأشه: كان يتم تشخيص حالتك النفسية طوال الوقت.
هاه؟
تقطيبة صغيرة قد اتخذت موقعها بين حاجبا دانيال يحدق إلى أبي باستنكار في حين رددت بعدم فهم: تشخيص حالته؟ ما الذي تعنيه أبي!
تحرك أبي يزفر بإنزعاج شديد وجلس على الأريكة المنفردة يمرر يده في شعره بعصبية.
في حين ابتعد كيدمان نحو الحائط وأسند ظهره عليه متكتفاً يشيح بناظره بعيداً!
أسرعتُ اقترب من أبي لأقف بجواره أتساءل مجدداً بامتعاض: أبي تحدث أرجوك!
عاد بظهره للوراء وأخذ نفساً ليزفره ببطء قبل أن ينظر إلى دانيال بهدوء: اتفقت مع هاريسون على أن أقدم له المساعدة فيما يخصك مقابل أن يسمح لابنتي بالعيش في منزله مؤقتاً، كما وعدته بأن يُلقى القبض على دامين عاجلاً أم آجلاً.
أعقب بجدية: وإن كنت ستتساءل عن كيفية تقديم المساعدة بشأنك فلقد كان يتم تشخيص تصرفاتك منذ اللحظة التي دخلت فيها ابنتي إلى منزلك، لم يكن الأمر يقتصر على مراقبة رجالي لك في الأنحاء ولكنهم كانوا يستفسرون عن تصرفاتك بكل الطرق المختلفة ليتم تزويد المعالج النفسي بها.
مهلاً.!
فغرت فمي بدهشة أردد بعدم استيعاب: أبي.؟
أغمض عينيه بإنزعاج في حين بقي دانيال يحدق إليه بجمود شديد!، استكمل لارز كلمات أبي وقال بهدوء: لم يرغب والدك في المخاطرة وترك الأمور على ما هي عليه ولا سيما بعد ما فعله أخاك في القرية ومعرفته المسبقة أنه يتواجد في أرجاء المدينة في مكان ما، يريدك أن تدرك حقيقة ما تقوم به قبل أن يظهر دامين نفسه مجدداً.
أضاف يلقي بنظرة سريعة نحو أبي: تعمد عمي مقابلتك مرتين بنفسه مسبقاً ليتأكد من كلمات المعالج الذي أخبره بالأعراض المحتملة التي تدل على منطقية وأسباب تصرفاتك.
تهدج صوت دانيال رغم تلك الابتسامة المشمئزة على شفتيه: وإلى ماذا توصلتم يا ترى بعد مراقبتي؟ رجل يشكل خطراً على المجتمع؟ أو ربما كنتُ من قام بحرق القرية اللعينة آنذاك؟
اضطراب الشخصية الهستيرية، الأمر ليس بهذا السوء كما وقد قلّت حدة الأعراض كثيراً فور ابتعاد دامين، أو ربما بعدما تحسنت مناعة كارل قبل أعوام مضت، لو كان الأمر بهذه الخطورة لما لجأنا إلى اقتراح مواعدتك لكتاليا مؤقتاً.
اضطراب الشخصية الهستيرية، ما هذا.؟
ارتجفت شفتا دانيال بوضوح وضاقت عيناه ليملأها الغضب وهو يهمس بحزم: يبدو أنه كان من الممتع معاملتي كالمغفل طوال الوقت! مراقبتي بحذر و تشخيص حالتي كان أسهل بكثير من مصارحتي ومحاورتي إذاً!
أخفض ناظره وامتلأت نفسه بالحنق الشديد وقد كان ذلك واضحاً من بروز عروق صدغيه حتى رسم ابتسامة تنم عن غضبه وهو يرفع ناظره مجدداً نحو كيدمان: دعني أخمن! تم تعيينه كجاسوس قادر على تزويدكم بالأخبار حولي؟ هل كان التقرير مفصل بما يكفي؟ هذا يُفسر اختفاءه لفترة من الزمن فجأة، لابد وأنك وجدت طريقة تنتقم فيها مني كِيد! عندما قاما بتقصي الأخبار المتعلقة بي ربما دلّهم أبي عليك فوافقت على العمل معهما مقابل ان تنتهز فرصة تستغلها لإثارة استفزاز دامين هاه؟
تدخل لارز بهدوء: بعد اتفاق عمي والسيد هاريسون، علِم عمي بشأن كيدمان وقام بتوظيفه مقابل أن يساعده على معالجة المشكلة وتزويد المعالج بكل ما يعرفه حولك، يعلم والدكَ مسبقاً حول عمل كيدمان مع عمي وقد كان مطمئناً لأنه عثر على وظيفة مناسبة، اما عن استفزاز دامين فكان تهوراً من كيدمان لذا لا تخلط الأمور ببعضها البعض!
جز دانيال على أسنانه بقوة: هل تم تعيينه بعد وفاة شقيقته؟
نظر لارز إلى كيدمان للحظة قبل أن يجيبه وقد بدأ يحرك سبابته بطريقة دائرية ببطئ: نَعم.
ضاقت عينا دان ونظر إلى كيدمان يعقد حاجبيه بعدم استيعاب: اذاً التزمتَ الصمت التام حول حقيقة وفاتها حتى عندما كنا على تواصل، هل كنت تبحث منذ ذلك الحين عن طريقة مناسبة؟ ما الذي كنتَ تفكر فيه تحديداً؟
أضاف بغيظ وقد ابعد ذراعيه عن ظهر الأريكة واحكم قبضتيه: والآن كيف ستنتقم من مجنون يعاني من خطب ما في عقله يا ترى؟
احتد صوت أبي محذراً: إنه مجرد اضطراب تم تشخصيه نتيجة الصدمة التي تعرضت لها وليس من الصعب التعامل معه لذا لا تهول الأمر وتعقده! يريد والدك أن يحل المشكلة لا أن.
قاطعته دانيال بحزم: ستقبض على دامين وستعالج اللعين المضطرب، لماذا كل هذه الخدمات الإنسانية؟ ما الذي قدمه لك أبي لنستحق عطفك ورحمتك وكل هذا العطاء! هل مجرد السماح لابنتك بالعيش في منزلنا تم اعتباره دور بطولي يستحق التكريم إلى هذا الحد! ما الذي تخفيه؟
شهقت مجفلة بذعر لصراخه بنفاذ صبر يوجه حديثه إلى لارز فجأة: أوقف سبابتك اللعينة قبل أن أهشم عظام يدك!
اتسعت عيناي لرؤية تورد وجهه إثر سخطه المفاجئ وقد انفجر لاهثاً بأنفاس متقطعة بل ووقف يتجه نحو لارز! تحركتُ فوراً ووقفت أحيل عنه الطريق ليتقدم أكثر.
لا يجب أن يسوء هذا الوضع الفوضوي أكثر! تداخلت عشرات المواضيع معاً دفعة واحدة وبالكاد يستوعب عقلي ما يحدث.
احتدت عيناه بتحذير: ابتعدي.
تفاجأت به يعقب بسخرية وحِدة: تخشين على ابن عمكِ من المجنون الهائج؟
لا شك في أنه منفعل بعد كل ما سمعه، لا يمكنني لومه!
اكتشف للتو فقط أنه كان مراقب طوال الوقت ليتم تشخيص حالته، بل وأدرك أن صديقه أخفى عنه حقيقة وفاة شقيقته عمداً وعمل لدى أبي ليدلي له بكل ما يعرفه حوله، بل واستوعب للتو فقط أن الجميع تقريباً. يوجهون نحوه أصابع الاتهام في أمور عِدة!
لا بد وأنه يشعر بالعدائية تجاه الجميع الآن!
بطريقة ما.
لا أريد لدانيال أن ينتابه شعور الوِحدة! لا يجب ان يشعر أنه يقف بعيداً جداً بالفعل.
علي تأدية دوري كصديقة وأرد له جميل ما قام به معي كذلك!
أخذت شهيقاً وتمالكت رباطة جأشي لأقول بهدوء أنظر إلى كلتا عينيه: لا أخشى على لارز ففي الواقع أريد لو ألكمه بقوة.
التفت أنظر إلى لارز بحزم: أنت وأبي تخفيان الكثير ولازلتما تعاملانني كالحمقاء التي لا تفقه شيئاً، ترفضان تفسير كل شيء ومع ذلك سأثق بما تقولانه، ولكن. إن اخترت ان أثق بكما فعليكما أن تعداني الآن وحالاً.
أكملت قولي أنظر إلى أبي بجدية: أن يخرج دانيال من الورطة المتعلقة بي.
استشعرت غرابة قولي بالنسبة لدان فنظرت إليه بسرعة فوجدته يحدق إلى باستنكار لأردف فوراً: أنتَ أيضاً ورطتني بما يتعلق بشؤونك الخاصة لذا لا مجال ليهرب أحدنا الآن، لنتحمل مسؤولية تصرفاتنا ونتوقف عن تفريغ انفعالاتنا وحسب!
تكتفتُ ورفعت ذقني أنظر إليه بجدية لأكمل: إن كانت حياتي معرضة للخطر وفقاً لعدة حوادث لم تكن عرضية، واقحمتك في هذا الشأن فعلي مواجهة الأمر وعدم التهرب، وبالنسبة لذلك الدامين فيبدو مستعداً لفعل أي شيء يتوجب عليه فعله طالما سيعتبرني مجرد عقبة في طريقه، أصبح كلانا الآن يدين للآخر بالتفسير والتوضيح الأمر ليس بمزحة دان!
اعترض بجدية يجادلني بغيظ: لقد اختلف الأمر الآن! إن كنتُ قلقاً فيما سبق من تورطك بسبب أخي فحتى أنا لم لم يعد من الآمن البقاء معي! إن كنت مضطرباً أو حتى مصاب بأي لعنة أخرى ففي جميع الأحوال على البقاء بعيداً عنكِ قدر الإمكان!
علي الأقل لدي الآن أمر يمكنني استفزازك بشأنه أخيراً! لست وحدي المزيفة هنا أيها الرجل المزيف لذا لا تهول الموضوع ودعنا نهتم بما هو أكثر خطورة! شخصية مضطربة؟ أين تكمن المشكلة! إن كان على تشخيص حالتي فكنت سأطلق على نفسي اسم الشخصية المضربة المتنمرة! الشخصية المضطربة الأنانية، المضطربة مهووسة العمل! المضطربة الجريئة المدللة وستطول اللائحة دون ان تنتهي.
ارتخت ملامحه بوضوح و ومضت مقلتيه ببريق غريب يحدق إلى بتفاجؤ.
أكملت بحزم: سأرد اعتباري وأنتقم منك لأجل كل كلمة سيئة قلتها في حقي، إنها فرصتي ولن أهدرها! هل ستكون راضٍ حينئذ؟ حينها توقف عن لوم نفسك والشعور بالخوف فهذا ما عليك تناوله بنفسك، سيكون مؤلماً مزعجاً جداً ولكنك قادر على تخطي الأمر فهذا ما قررته أنا أيضاً!
فغر فمه قليلاً وقد تعلقت عيناه على فابتسمت محفزة: سأعود إلى عملي في غضون يومين وستنفجر فوهة الأسئلة في وجهي من جميع العاملين في المجلة! لن يكون هناك شخص لن يسألني حول ما حدث في الحفل لذا على الاستعداد التام لهذا الأمر، أنا مصورة تسعى لتطوير قدراتها وأطمح يوماً ما لأصل إلى مكان أبعد بكثير، أن يُذكر اسمي على ألسنة الناس ويثنون علي، أن يعترفوا بقدراتي وكفاءتي ولن أسمح لمشاكلي أو مشاكلك في عرقلتي، سأتحمل مسؤولية ما ورطتك فيه، مقابل أن تتحمل المسؤولية أنتَ أيضاً.
ارتجفت مقلتيه دون أن يبعدها عني! هدأت أنفاسه كثيراً فأومأت له برأسي بجدية: مررت بلحظات كثيرة كنت أصارع فيها نفسي، هل تملك أدنى فكرة حتى كم من المرات حاولت فيها استغلالك؟ هل تعلم كم كنت أحاول العبث بمشاعرك وتسييرك كما يحلو لي؟
أعقبت أوجه حديثي إلى لارز وأبي: حاولت مرارا وتكرارا فعل المستحيل لتنفيذ خططي المجنونة كما يحلو لي، لاستغلال الأحداث والأشخاص والأشياء كما ارغب، صارعت نفسي دون توقف لأقنع نفسي بفداحة ما أرتكب، ولازلت في صراع نفسي حتى هذه اللحظة، أنا مستعدة لفعل أي شيء لأحقق ما أطمح إليه! هذا يعني أنني أطمع بلفت انتباه الناس إلى أيضاً، ادعيت المعرفة والثقة وزيفت جوانب عديدة من شخصيتي، أخفيت أنانيتي وحاولت التجمل بأقوالي التي تسير في اتجاه معاكس لأفعالي.
أخذت نفساً وأكملت بهدوء: هل هذا يعني. أن كل منا قد يعاني من اضطراب يَعنيه وحده؟ إن قمنا بتعيين شخص مكلف بتشخيص حالة كل منا فأنا واثقة أن لكل منا تقرير مليء بالعجب، من بحق الإله سيُكتب عنه تقريراً ينم عن كونه شخص يعيش في أرض لا تعترف بالرغبة في ارضاء النفس في قاموسها! هل يسلك الجميع طرقاً مسالمة حقاً؟
جابت عينا أبي على وجهي يتأملني وهو يطرف ببطء، في حين ارتخت ملامح لارز يحملق بي بشيء من الاستغراب قبل أن يرفع يمناه يمررها في شعره، أعدت ناظري إلى دانيال وقلت بجدية: والآن. هل ستواعدني أم ستتراجع؟
ل.
لماذا يتألمني بهذا التعمق!
لم يكن يتأملني فقط ولكنه بدى وكأنه يراني للمرة الأولى!
ابتلعت ريقي بصعوبة لأردف بسرعة أوجه حديثي إلى أبي: إن كان سيتراجع عن تأدية هذه المهمة فيوجد مُرشح آخر مناسب للعب هذا الدور المؤقت ح.
لا أعرف مرشح آخر مناسب لأمرأة صعبة
قاطعني دانيال بكلماته بصوت مليء بالاندفاع وأعقب بجفاء: سوى الأحمق الذي تهورَ في البث المباشر.
تبادلنا النظرات لثواني قبل أن أميء برأسي إيجاباً وابتسمت له بهدوء، فبقي يحدق إلى بنظرات عميقة قبل أن يلتفت وينظر نحو كيدمان قبل أن يحدث أبي: كلي اذان صاغية، ولكن لدي شرط واحد في النهاية.
عقد أبي حاجبيه بحدة: وستضع شروطك أيضاً؟ هيه أنت لا تعتقد بأنك.
قاطعه لارز بهدوء: عمي لنخبرهما بشأن المواعدة أولاً ونسمع ما يريد قوله لاحقاً.
القى أبي نظرة وعيد نحو دانيال فبادله الآخر النظرات بهدوء وعدنا جميعنا لنجلس مجدداً كل منا على مقعده.
تحدث أبي بإيجاز وقال يوجه حديثه إلى كلانا: أخر ما أرغب فيه هو أن يواعد هذا الشيء ابنتي ولكنني لا أملك خيار آخر الآن بعد كل ما حدث أمام مرأى الجميع، لدي سبب يدفعني لاختيار رجل يواعد كتاليا مؤقتاً، باختصار أنا بحاجة إلى اقناع بعض الأطراف أن كتاليا قد عثرت على رجل تواعده إلى أجلٍ مسمى.
علّق كيدمان بشيء من الاستخفاف: ماذا لو تطورت علاقة هذا الشيء بابنتك سيد آرثر أثناء المواعدة المؤقتة المزيفة! هل ستواصل نعت صهرك ب هذا الشيء ؟
زفر لارز بملل والتزم الصمت يدفع نظارته بسبابته في حين لوى أبي شفته بغضب: اخرس! يوجد قيود لهذه المسرحية المؤقتة وضوابط عليه اتباعها، على كل حال لن يدوم الأمر طويلاً أنا في انتظار يوم ميلادك القادم كات، عندما يحين ذلك الوقت أعدكِ بشرح كل شيء لكِ كما ترغبين ولكنني حتى ذلك الحين عاجز عن توضيح أي شيء، ومع ذلك أعلم أنه من الغير منصف فعل هذا لذا انصتي إلى جيداً الآن.
أومأت بهدوء رغم شعوري بالتوتر واستنكار كلماته حول تعلق الأمر بيوم ميلادي المقبل!، أردف بجدية: سأقول هذا مجددا، الحوادث التي تتعرضين لها قد تستمر في الوقوع وهذه المرة لكما معاً، الآن بعد ان اعتقد الجميع وفق ذلك البث أنه يوجد أمر ما بينكما فسيطول الخطر إليكما معاً، لذا سأطلب منكما الحذر التام، سيكون رجالي في الأنحاء حولكما ولكن هذا لا يعني أن يرخي أحدكما دفاعه.
ضاقت عينا دانيال بإشمئزاز: رجالك مجدداً. هل تستمتع بمراقبة الآخرين إلى هذا الحد!
ليكن في علمك أنني سأراقبك أضعاف ما سبق، لذا أحذرك من لمس ابنتي او استغلال أمر هذه المسرحية الهزلية.
ابتسم كيدمان ينظر إلى السقف بإستفزاز: ما الذي قد يحدث يا ترى عندما تغيب أعين رجالك سيد آرثر.
تدخلت ببرود: أنا على وشك شتمك لذا اطبق فمك.
عقد حاجبيه باستياء ونظر إلى بعبث: ياللقسوة.
تجاهلته بإنزعاج في حين توعد أبي لدانيال: هل سمعت ما قلته للتو؟ لا تضع اصبعاً على ابنتي!
لوى دانيال شفتيه وتمتم متذمراً بمزاج عكر بينما يتكتف بحزم: في حين لا بأس بالاعتداء على في أي وقت، هي لن تتردد في الاشهار باصابعها العشرة.
ازعجني قوله وقد قلت بامتعاض: كفاك وقاحة أنا لن أتمادى إلى هذا الحد.
علق لارز ببرود: هذا يعني أنه يوجد حد معين مسبقاً.
اتسعت عيناي إثر قوله في حين رمقني بإستفزاز!
هؤلاء ال.
ماذا يظنون بشأني تحديداً!
أكمل أبي قوله بحزم: انتهينا من القاعدة الأولى، القاعدة الثانية. عليكما أن تكونا مقنعين للجميع دون استثناء، وعندما أقول دون استثناء فأنا أعني هذا حرفياً، إياكما والافصاح عن كونها مواعدة مزيفة مهما حدث، سيكون لهذا عواقب وخيمة لذا التزما بما أقوله.
أومأ كلانا بترقب فأعقب ينظر إلى الساعة حول معصمه: القاعدة الثالثة، سيتم خلال الأيام القادمة العمل على البحث عن دامين لذا لا تتصرفا أي تصرف خاطئ من شأنه أن يزيد الوضع سوءاً.
أخفض دانيال عيناه قليلاً وقد مالت عليها أهدابه الكثيفة بينما يحدق إلى موضع قدمه بصمت.
استأنف أبي حديثه بجدية: القاعدة الرابعة، في الواقع ستكون في فترة تأهيل دانيال لذا التزم بأي ارشادات عليك ان تخضع لها، سيتوجب عليك الالتزام بمراجعات أسبوعية في عيادة مختصة، لن يكون هناك أي أدوية أو عقاقير عليك أخذها إنها مجرد استشارات نفسية منتظمة وقد كانت أولى خطواتها هي أن تدرك وضعك، لم أخطط لتعرف الأمر بهذه الطريقة الفوضوية ولكن صديقك العجول أفسد كل شيء.
اشمئز كيدمان ليعترض بحدة: لست صديقاً له ولا أهتم بما سيؤول اليه الوضع معه.
رمقه دانيال بهدوء قبل أن يقول لأبي: رائع، سأزور عيادة أيضاً! هل سأجد نفسي خلال الفترة المقبلة في العزل بغرض التأهيل؟ أياً يكن هل انهيت توجيهاتك؟ لدي ما أقوله أنا أيضاً.
فكر أبي قليلاً قبل أن يقول: قد تتلقيان تهديدات من أرقام مجهولة، وقد تصادفان أشخاص بعشوائية ولكنني أحذركما منذ الآن ألا تثقا بأي شخص غريب، وأيضاً. أريد لدائرة المعرفة والثقة ان تتقلص أكثر، حتى لو كان ذلك يعني الابتعاد عن الجميع.
عقدت حاجباي باستنكار شديد: الجميع؟
أومأ بحزم وفي عينيه بريق غامض مترع بالكثير: الجميع دون استثناء، لازلت أنوه على ألا تثقي بأي شخص كات.
ضاقت عينا دانيال يتساءل بشك: هل ستسمح لها بالعودة إلى منزلي؟
تبادل أبي النظرات مع لارز قبل أن يجيبه بجمود: لبضع أيام فقط، ولكنني أقوم باختيار شقة لها بعناية، إلى ذلك الحين ستبقى مع هاريسون.
تساءلت بجدية: بضع أيام فقط وسأنتقل إلى شقة خاصة بي إذاً فأنت لازلت مصر على أن حتى عودتي إلى منزل العائلة لن يكون مناسباً!
علق لارز بشيء من التهكم: مستعدة للعودة؟
اعترضت فوراً بحدة: لا!
أومأ بسخرية: إذاً توقفي عن رسم افتراضات غير قابلة للتنفيذ.
عبست اعترض بشك: ولكن هذا غريب، اصرار أبي على عدم عودتي إلى المنزل تولد بي الكثير من الشكوك!
تجاهل أبي كلماتي وسأل دانيال بترقب: هذا ما لدي للوقت الحالي، ستتلقى مني اتصالات في أي وقت لذا توقع هذا وإياك وتجاهل اتصالاتي أو رسائلي.
طرف دانيال بتدارك وأدخل يديه في جيب بنطاله وسترته وبدى يبحث عن شيء ما حتى قال من تلقاء نفسه باستنكار: أين هاتفي!
رفع أبي كتفيه بعدم اكتراث: ابحث عنه لاحقاً ودعنا ننهي الحديث سنصل إلى الساحل قريباً، ماذا كان شرطك الذي بدوت واثقاً جداً أنني سأنفذه لك؟
توقف عن البحث عن هاتفه ونظر إلى كيدمان بنظرة خاطفة قبل أن يقول لأبي: هل سيستمر في العمل معك؟
لمحت الاستنكار على وجه كيدمان وترقبه بينما قال أبي بهدوء: ماذا في ذلك؟
امنحه فرصة العمل في مجاله الدراسي بدلاً من اهدار وقته في أمر لا يناسبه.
هاه!
تعلقت أبصارنا عليه وكذلك كيدمان الذي انفعل فجأة ليقول بغضب: لا شأن لك بي ابقى خارج الموضوع ولا تحاول أن تبدو قلقاً مهتماً هذا لا يناسبك.
زفر دانيال بإنزعاج وجادله بجدية: تخرجنا معاً بمعدل عالي فلماذا ستهدر فرصتك وتقرر العمل في شيء لا فائدة ترجو منه!
ومن عينك ولياً لي لتهتم بمستقبلي بحق خالق الجحيم!
وكيف سيكون مستقبلك بينما تعمل في مجال لا يمكنني تسميته حتى! هل ستكون رئيس قسم الحِراسة والمراقبة بعد ثلاثة أعوام من الآن؟ ستتم ترقيتك لتراقب كبار الشخصيات لاحقاً! حصلت على ما تريده من خلال العمل معهم ودامين الآن يشتعل غيظاً لذا هنيئاً لك والآن ابقى بعيداً عن كل هذا وحسب!
وقف كيدمان بجفاء ووجه كلماته إلى دانيال بنبرة وعيد: أحذرك ألا تحاول الظهور كالبطل أمامي مجدداً، أي شيء ستبقي أنفك بعيداً عنه ثق بأنه سيكون على ما يرام.
تدخل أبي بجمود: كفاكما!
ولكن دانيال تجاهل قوله ووقف ليجادل كيدمان بغضب: سيكون دامين حولي بلا شك في الفترة الأخيرة! لازلت قلقاً من الأداء الذي على لعبه أثناء مواعدتها ولا أضمن العواقب لذا لا تجعل الأمر أسوأ لن تسره رؤيتك!
من قال بأنني أنوي البقاء حولك أينما ذهبت أفق أنا لست كلب حراسة لك أيها الوغد!
لم أقل هذا! ولكن ماذا لو صادفته هنا أو هناك، لقد وعد آرثر بأن يقبض عليه لذا ابتعد وحسب!
علق أبي بتفاجؤ: آرثر؟
آرثر إذاً. دون سيد أو لقب مهذب! سيقتله أبي.
أغمضت عيناي بلا حيلة بينما شبك لارز كلتا يديه خلف رأسه يحدق إليهما.
أجفلت لعلو صوت كيدمان: مشكلتي ليست في القبض عليه وحسب ولكن في الاستمتاع برؤيته مشتتاً ذليلاً لذا لا تعتقد أن القبض عليه سيشفي غليلي! ماذا الآن؟ لازلت ستدافع عنه!
اتسعت عيناي لصراخ دانيال عليه وقد قلص المسافة بينهما قليلاً: اللعنة كيدمان متى دافعت عنه! أي جزء من كلماتي الآن كان دفاعاً عنه تحديداً؟ لا أريدك أن تتورط أنت الآخر في أي شيء آخر هل من الصعب أن. تثق بي الآن؟
أثق بك؟ بمن؟ بمن كان له فضل كبير في كل هذه الكوارث؟
نهرهما أبي بإنزعاج: قلت كفى! وإلا أقسم أن أقيّد كلاكما إلى حين العودة إلى الساحل.
ولكن استمر جدالهما واحتد أكثر حتى اشتعلت بدوري غيظاً لكلمات كيدمان: والآن ستلعب دور الرجل العاشق وتترك كل تلك الفوضى خلف الكواليس فعن أي قلق أو توجيه تتحدث! الخطوة الأولى لتمضي قدما ليست أن تدرك المشكلة التي تعاني منها فقط ولكن أن تتوقف عن حشر أنفك!
تحركت بغيظ وتقدمت نحو كيدمان لأقف مقابله وقد حذرته بغضب: هيه أنت! تجاوزت حدودك كثيراً!
ابتسم لي بحدة: خضتِ في الدور قبل البدء به حتى؟ منزعجة لغضب معشوقك المزيف؟
أغمضت عيناي أتمالك نفسي قبل أن أقول بجدية: أنا حقاً. لا أستطيع مجاراتك أكثر!
قال دانيال الواقف خلفي بإنزعاج: ابقَي خارج الموضوع، وأنتْ. يمكنني تفهم سبب عدائتيك الشديدة تجاهي ولكن هل تعتقد حقاً أنه الوقت المناسب لما تفعله الآن؟ ما الذي على فعله لأقنعك أنني.
أنك ماذا؟ لم تتعمد أن يسوء الوضع أكثر؟ لم تتعمد استفزاز دامين بقولك بأنك ستغادر القرية؟ لم تتعمد ان تغلق اذنيك عن كل كلمة كنت أحاول توعيتك من خلالها؟ على كل حال لا تنهك نفسك في اقناعي بأي شيء، العمل الحالي كان قراري لذا أطبق فمك.
لقد تخصصت في مجالك لأنك لطالما حلمت بالعمل فيه كيد! هل مراقبة دامين أصبح طموحك الآن بحق الإله!؟
أحكم كيدمان قبضته بقوة وانتابني هاجس الخطر وقد كنت محقة إذ رفع قبضته ينوي الشجار مع دانيال الذي دفعته بسرعة للوراء ابعده عنه بينما أصرخ بغضب: لا مزيد من الكدمات او الجروح في وجهه هذا يكفي!
تفاجأت بدانيال الذي أبعدني عن طريقه واشتبك مع كيدمان! نظرت إلى أبي الذي يحدق إليهما بغضب حتى نادى بالحراس بأعلى صوته وقال آمراً بنفاذ صبر: قيدوهما.
تكتفت ببرود أحدق إلى كيدمان الذي كان مُقيداً على الكرسي وظهره مواجه لظهر دانيال الذي كان مقيداً هو الآخر.
تمتمت بتبرم: أرجو أن كلاكما راضٍ بالنتيجة الآن.
رمقني كيدمان بطرف عينه بصمت في حين تفاجأت بصوت قدر صدر من معدة دانيال الذي تمتم بجمود: أنا جائع.
علقت بتهكم: نعم لا داعي للتفسير.
حينها أخبرت أحد الرجال في الخارج أن يحضر طعاماً ثم عدت إليهما، كلاهما يلتزم الصمت وقد كان هناك مشاحنة وحرب باردة إذ ان ظهر دانيال قد لامس ظهر كيدمان فغضب الأخير ودفعه بكتفه بإشمئزاز فعاد الآخر ليدفعه رداً عليه.
بحثت بناظري حتى سحبت أحد الكراسي التي كانت أمام الشرفة، ووضعته بجوارهما لأجلس وقد قلت بهدوء أوجه حديثي إلى كيدمان: كان على تخمين الكثير عندما رفضت التعريف عن نفسك منذ البداية، يمكنني الآن فهم كل حرف تفوهت به آنذاك.
أعقبت اهز قدمي بخفة: تحدثت عنك السيدة مارثا.
قطب حاجبيه بشيء من الاستنكار محدثاً نفسه بكلمات ممتعضة خافتة.
كانت تصف لي مدى عمق علاقتك بدانيال وعن المواقف الطريفة بينكما.
رفعت كتفاي مردفة: في الحقيقة لا أهتم بما ستؤول إليه علاقتكما ولكنني أخبرك بأنني كونت عنك فكرة ذهنية مسبقة وحسب.
ابتسم بعبث: وهل كان الواقع أجمل بكثير من الصورة الذهنية؟
بل أسوأ بكثير مما تظن، وقح معسول اللسان مع النساء وماكر ومراوغ، متطاول جداً وتتجاوز حدودك دون تحفظ، هذا ما أعرفه عنك الآن.
قام بحك اذنه اليمنى بطرف كتفه ثم ابتسم بلا اكتراث وتمتم: لا بأس، أخبرتكِ أن نوعي المفضل هو الشقراوات المثيرات.
أخفض دانيال عينيه وعلق ببرود: كان نوعه المفضل ينحصر على النساء الناضجات الكبيرات في السن، ارتقى تفكيره إذاً.
اتسعت عيناي بإشمئزاز مرددة: ماذا؟ كان يفضل النساء اللواتي يكبرنه سناً بكثير؟
علق كيدمان ببرود مماثل: على الأقل لم أكن أتظاهر بمواجهتي لعقدة التعامل مع النساء.
أسرعت أتدخل: حسناً لا نريد خوض شجار آخر يكفي لا يوجد أسوأ من كونكما مقيدان الآن! على كل حال. دانيال هل أنت متأهب لكل شيء بعد عودتنا؟ أقصد. علينا أن نكون مقنعين بالنسبة للجميع كما قال أبي.
أومأ لي وكاد يتفوه برده لولا أن تساءل كيدمان بتهكم: كيف ستجعلين منه رجلاً عاشقاً أمام الجميع؟ سيقبلكِ مجدداً أمام مرأى رفاقك؟ آه فهمت. ربما سيشيرون إليه قائلين بتأثر آوه أنظروا إلى ذلك الجرح على طرف شفتيه! تلك الفتاة لابد وأنها كانت عنيفة جداً معه!
احكمت قبضتي أنظر إليه هامسة بأعين ضيقة: أيها السافل.
وقفتُ بغيظ وأمسكت بياقته بحزم: تهذب أيها الوقح!
أرسل لي قبلة في الهواء وهمس بمكر: إليكِ قبلتي الرقيقة.
دفعت صدره بغضب وعدت لأجلس على الكرسي متكتفة في حين تصلب فك دانيال وقال بحزم: انها ابنة الرجل الذي قررت الاستمرار في العمل لديه لذا توقف عن تجاوز حدودك!
أومأ بعدم اكتراث: أنف كبير عاد ليقتحم المكان مجدداً.
أغمض دانيال عينيه بنفاذ صبر وقبل أن ينفجر أسرعت أقول بجدية: سيكون رفاقي منزعجين على الأغلب لأنني لم المح لأي شيء بهذا الشأن، حسناً ربما حاولت التلميح في الحفل ولكن هذا لن يكون كافياً، حقاً. سيكون الأمر صعب جداً!
ابتسم كيدمان باستهزاء: هذا ما تفكرين فيه، رغم تحذير والدك لكِ قبل لحظات فقط ألا تثقي بأي شخص دون استثناء.
أزعجني قوله وقد نهرته بحزم: بالطبع لا يتعلق الأمر بهم!
ردد كلماته يحدق إلى بتمعن: دون استثناء.
ساد الصمت للحظات بعد قوله وقد أثار في نفسي ضيقاً وارتياباً رغماً عني.
الجميع. دون استثناء!
ارتفع حاجباي أنظر إلى دانيال الذي كان يعقد حاجبيه وبدى منزعجاً بوضوح، وقبل أن أسأله أدركت أنه يشعر بالألم في ظهره وقد كان يحاول ان يبعد نفسه عن ظهر الكرسي قليلاً.
بحثت في الأرجاء متمتمة: سيغضب أبي بلا شك ولكنني السبب في اصابتك ولا أستطيع تجاهل هذه الحقيقة.
انتابه الاستغراب يتساءل: ما الذي تنوين فعله، إن كنتِ تنوين فك قيدي فلقد حذركِ أيتها المغفلة قبل أن يخرج بأنه لن يتردد في تقييدك إن حاولتِ التدخل.
ابتسمت بثقة أبحث في أرجاء المكان عن أي أداة حادة: لا تقلق، سيتوعد أبي ثم يتجاوز الأمر فهذا ما يفعله دائماً، قد يقوم بأعمال العصابات تجاهكم ولكنه لن يفعل هذا لي، حتى وإن كان يظهر كل هذه الحدة تجاهي ولكن أبي لطيف معي.
شعرت بالانزعاج الشديد عندما تهاوى على مسامعي ضحكات كيدمان الخافتة!
زميت شفتاي بقوة أتمالك نفسي ولكنه استمر في الضحك حتى قال: ولكن أبي لطيف معي.!
امتعضت لأنهره بغيظ: هل اكتفيتَ من الضحك؟
تنهد دانيال وقال بإنزعاج: أخبرتكِ ألا تتهوري لقد بدى جاداً في وعيده، ستبقين مقيدة أنتِ الأخرى حتى نصل إلى الساحل، ألم تسمعي ما قاله أحد رجاله؟ ابتعدنا عن الساحل كثيراً لذا سيستغرقنا الوقت لنعود.
أردف بإمتعاض: كان عليكِ الاكتفاء باحضار الطعام وحسب.
لا أصدق انه وجّه رجاله بالفعل لتنفيذ وعيده!
عندما أحضر الرجل الطعام وتفاجأ بي على وشك أن أحرر دانيال من قيوده تفاجأت به يقوم بتقييدي دون أي تردد!
التفتُ برأسي وكتفي أنظر إلى دانيال المجاور لي للوراء قليلاً، قميصه ملطخ منذ ذلك الحين وأعلم أنه في حالة سيئة. على أبي أن يكون ألطف قليلاً بحق الإله! في النهاية هو مصاب بسببي أنا.
تنهدت بلا حيلة وبقيت مقيدة بصمت أترقب وصولنا إلى الساحل في أي لحظة أتجاهل الأصوات التي تُصدرها معدة دانيال.
الصمت يسود المكان.
من السهل سماع الطيور في الخارج على متن اليخت وحوله.
كما أن النوافذ والشرفة المفتوحة سمحت للنسيم بالتجول في أرجاء المكان وقد داعب شعري.
التفتُ ببطء وهدوء أنظر إلى دانيال مجدداً.
ولكن جسدي قد تصلّب تماماً مدركة إلى كونه قد التفت هو الآخر لينظر إلي!
أردت أن أبعد ناظري، أن اقطع هذا التواصل البصري فوراً. ولكنني حدَقت إلى مقلتيه مدركة استمراره في تأمل عيناي دون توقف!
مجدداً. ينظر إلى كما لو كانت المرة الأولى التي يفعل فيها هذا!
م.
مهلاً!
ألست أقوم بهذا أيضاً؟ أستمر في تأمل ملامحه بتمعن كما لو أتيحت لي فرصة لم تكن بحوزتي!
نظرت إلى الجرح بجانب شفتيه ثم أعدت ناظري إلى مقلتيه، في حين انزلق ناظره نحو ثغري حتى تهاوى على مسامعي صوته وهو ينتزع عيناه ويعيد ناظره إلى الأمام: أنا لستُ آسفاً على ما فعلتُه في الحفل.
اتسعت عيناي بدهشة ولا سيما عندما رسم ابتسامة صغيرة ومازحني يلقي نحوي نظرة سريعة: أو ربما على تزييف أسفي أيضاً؟
دانيال!
فغرتُ فمي أحدق إليه بعدم استيعاب، ابتلعت ريقي بصعوبة وأشحت بناظري بسرعة!
حمداً لله تم تقييدي بينما أحدق إلى هذا الحائط
قالها كيدمان بشيء من الإشمئزاز والتهكم فقلت بحدة: اخرس لم يحدث أي شيء! دانيال صديقي وزميل عمل لذا لا تتدخل.
أتى صوت دانيال هادئاً عميقاً: أنتما الإثنان. سيستغرقني الأمر وقتاً لأتعلم كيفية الاعتذار لكما بصدق، إلى ذلك الحين أنوي ابعاد أي خطر عنكما، هذه المرة لن أفشل.
تمتم كيدمان بانكار وانزعاج: وفّر الحماية لنفسك لا أحد بحاجة إليك.
علقت بهدوء: بَلى، الفترة المقبلة لن تكون سهلة لذا عليكَ أن تكون عند كلمتك دان، إن خدشتُ ولو اصبع واحد فقط.
فكرت قليلاً قبل أن أقول بحزم: فسأعاقبك حتماً على تخاذلك.
كان من الواضح أنه غارق في أفكاره عندما تم تقييدنا جميعنا، كما لو يصارع الكثير في جوفه ومشغول في التنقيب عن أمر ما بكل جهده! ولسبب ما خشيت أن كلمات أبي والجميع ستترك أثراً من شأنه تركه على ذلك السلوك الهادئ الغير معتاد.
ولهذا تحديداً أشعر بالراحة والطمأنينة لرؤيته الآن يتناول الطعام بعد ان تم تخليصنا من قيودنا، بل وتمت العناية باصابات ظهره عن طريق أحد رجال أبي وقد تم تطهير جروحه جيداً. بعدها تحركت انا ودانيال وكذلك لارز الى احدى قاعات الطعام.
وها هو قد عاد ليتصرف مثل دانيال الذي اعتدت عليه وهو يلقي بنظرة غاضبة نحو لارز الذي ألقى تعليقاً مستفزاً ولحسن الحظ لم يكن كيدمان متواجداً فلا طاقة لي في تحمل أي شجار آخر.
علي كل حال هناك أمر ما يشغل تفكيري.
إن كان دانيال قد تقبل حقيقة كونه يواجه اضطراب يؤثر على سلوكياته فماذا عن الأمور التي نسي بشأنها؟
أقصد.
هل تذكرها كافة حقاً؟
هل سيتصرف بهذه العفوية والبساطة بعد أن يدركها أخيراً؟ عندما ذكر أمر تلك الحادثة التي تتعلق بسقوط دامين.
بدى يمر في حالة غريبة جداً. ثم سرعان ما تكيّف مع باقي الحديث وانخرط في الحوار بأريحية؟ هل هذا يعني.
أنه لم يتذكر كل شيء؟
أيكون قد أدرك جزءاً فقط مما حاول أن يتناساه؟
توقفتُ عن التحديق إليه عندما تذكرت أمر هاتفي الذي لم أتفقده حتى الآن، وهذا ما جعلني أتذكر أمر هاتف دانيال وقد قلت بإستيعاب اسند مرفقاي على طاولة الطعام: هل عثرت على هاتفك؟
نفي برأسه وهو يمضغ طعامه قبل أن يقول: سأتفقد الغرفة التي كنتُ نائماً فيها.
وضع لارز قدماً على الأخرى وتكتف يتأمل دانيال ليتمتم: هل حقاً لا تريد الانضمام إلى وكالتي؟
ازعجني قوله وقد رمقته بتحذير في حين أكمل: تناسبك أنواع كثيرة من العروض والدعايات والتي لن تكون متوفرة في مجلة الألعاب!
وقف دانيال ليأخذ طبقاً كان بعيداً قليلاً مليئاً بالمقرمشات وقال: تجلس مديرة أعمالي على بعد ثلاثة كراسي منك، يمكنك توجيه الحديث إليها لا تقاطعني بينما أتناول طعامي.
ابتسمتُ بانتصار أنظر إلى لارز بمكر فدفع نظارته بسبابته وتمتم ببرود: ساذج.
رفع دانيال حاجبه الأيسر يحدق إليه بحزم للحظات مطولة.
قبل أن يشير إليه: ناولني ذلك الطبق أمامك.
عندما امتلأت معدته وعاد إلى الغرفة ليبحث عن الهاتف كنت قد رافقته كذلك لنستعد للمغادرة استغرقنا الأمر وقتاً بينما نبحث هنا وهناك!
كنت أبحث في أدراج المنضدة بينما أنظر إليه وهو يجثو باحثاً أسفل السرير قبل أن يعتدل ويقول باستنكار: ليس هنا!
زميت شفتاي وتمتمت بتفكير: هل كانت بطارية هاتفك على وشك النفاد؟
نفي برأسه يجلس متربعاً على الأرض بجانب السرير: لا، لم أستخدمه كثيراً في المقام الأول! كان في جيب سترتي أنا واثق من هذا.
ولكنه مغلق مهما حاولت الاتصال على رقمك الخاص.!
هل. تم سرقة هاتفي!
قالها باستيعاب وتدارك فنفيت برأسي سلباً بعدم اقناع: من سيسرقه ولماذا!
طرف بعينيه بتفكير وتساءل بإنزعاج: صحيح، ما الغرض من سرقته على متن يخت كهذا! ولكنني بحق الإله واثق أنني أبقيته في جيب سترتي.!
استمرينا في البحث حتى ان رجال أبي قد تعاونوا معنا في ذلك. دون جدوى!
بحثت في الأرجاء عن دانيال أمسك بحقيبتي حتى لمحته أمام قاعة مسرح الاحتفال المغلقة متكتفاً يحدق إلى الباب بتفكير عميق.
وقفت بجانبه متسائلة: ما الأمر؟
ربما أفكر أكثر من اللازم.
أعقب ينظر إلى بجدية: ولكنني واثق أنني لم أفقد هاتفي عن طريق الخطأ.
نظرتُ إلى باب القاعة ثم نحوه لأتساءل بهدوء: مُصر على أن هاتفك قد سُرق؟
أخفض عينيه كما لو يتذكر أمراً ثم تحرك قليلاً يضع يديه في جيب بنطاله: قبل أن ينقطع التيار الكهربائي لم ألمح أي شخص يقف بعيداً عن مقعده من حولي، تلك العارضة كاثرين كانت الوحيدة التي تقف إلى جواري! ولكن فور انقطاع الكهرباء دفعني شخص ما بقوة! هل فقدت هاتفي آنذاك؟
عقدت حاجباي بتركيز وتحركت معه بلا وجهة وقد كنا نجوب في المكان حول القاعة: واثق أنك لا تفكر أكثر من اللازم؟ أقصد. ربما كانت احدى الاعيب كاثرين!
نفي برأسه ينظر للمكان من حوله: كيف أصف الأمر. عندما يدفعك شخص ما قريب منكِ لن يندفع جسدك للوراء كثيراً! في حين إن كان قادم إليكِ من بعيد أو على بعد مسافة كافية فسيكون دفعه لكِ أكبر بكثير وسيرتد جسدك جراء ذلك. آه تباً انسي الأمر ربما كلمات والدك أثارت قلقي وحسب.
استوقفته بجدية: مهلاً دان! إن كان أبي حذراً جداً فربما كان لذلك الشخص دافع بالفعل، أقصد فكر بالأمر لماذا قد ينقطع التيار الكهربائي على متن اليخت رغم عدم وجود فرصة لورود أخطاء مماثلة؟ ماذا عن كاثرين؟ هل تاثرت كذلك؟
أومأ بتفكير: نعم، حدث الأمر بسرعة. هل فقدت هاتفي حينها؟
أسند ظهره نحو أحد الأعمدة المستديرة الضخمة بجوار الدرج المؤدي للأعلى في حين قلت بهدوء: لا أدري ما الذي قد يعنيه هذا، ولكن لنكن أكثر حذراً، بصراحة لم أرغب في توريطك أكثر ولكن لا خيار أمامنا، هل تتذكر تلك المرة التي عدت فيها إلى منزلكم وملابسي ملطخة بالدماء؟
آه نعم! قلتِ ان شقيقك ريتشارد أصيب بالأذى.
كانت أولى الحوادث التي تم تدبيرها، قال أبي وبكل وضوح أنني كنت الهدف في تلك الحادثة، وقعت إحدى معدات البناء الثقيلة ولو لم يبعدني أخي عن الموقع لسُحقت تماماً.
اتسعت عيناه بذهول وانتابه الغضب ليتساءل بعدم تصديق: من الذي سيقدم على فعل مماثل ولماذا!
رفعت كتفاي بعدم فهم أحاول التخلص من الشعور بالتوتر والإضطراب: سنعرف قريباً لا بد وأن لأبي سبباً يرغمه على التزام الصمت.
أضفت أتنهد بعمق: اصابتك أيضاً، كان من المفترض أن أكون الضحية ولكنك تدخلت فوراً.
تجهم وجهه بشدة فرفعت يمناي بلا حيلة لأردف: المشرد الذي قلت بأنه ظهر أمامك فجأة بينما تقود دراجتك والإصابات التي تعرضت لها جراء ذلك، في الحقيقة تلك لم تكن مجرد صدفة أيضاً. يمكنني تفهم مدى قلق وخوف أبي الآن.
كان وقع كلماتي عليه ثقيلاً وقد ابعد ظهره عن العمود بعدم تصديق فأومأت له بصمت.
عقد حاجبيه وانخفض صوته بتلقائية: إلى أي مدى ذلك المجهول جاد في التخلص منكِ! وأيضاً. ذلك المدعو باتريك.
قاطعته بينما أستدير بانزعاج: ليس الآن، الحديث عنه يتطلب طاقة عظيمة، ربما لاحقاً.
أضفت بتردد وقد واجهت صعوبة في الاستدارة نحوه: أكره التحدث عن خصوصياتي، فكيف بخصوصيات ملوثة مُحرجة!
استوقفني قبل أن أكمل طريقي: لم يعد التردد وارد، ورطتك بشأن دامين وعلى مصارحتك أيضاً بكل ما يتعلق به.
دامين.
وباتريك إذاً.
ما يثير قلقي أن أبي يتملكه الخوف من شخص آخر لم يصرح حتى بأي شيء يتعلق به!
تحركنا مجدداً لنخرج أخيراً ونعود حيث سيارة ريتشارد التي كانت الوحيدة في مواقف السيارات ولم يتوقف أبي حتى آخر لحظة عند إعادة تذكيرنا بالقواعد الأربعة.
القاعدة الأولى أن نحافظ على تركيزنا وحذرنا، القاعدة الثانية علينا أن نكون مقنعين بالنسبة للجميع دون استثناء، والثالثة ألا ننسى أن أبي ورجال الشرطة يبحثون عن دامين ولا يجب ان نتهور بشأنه، والقاعدة الرابعة. أن يلتزم دانيال بمواعيد التأهيل النفسي.
جلست خلف المقود وقمت بتشغيل محرك السيارة أنظر إلى اليخت بشرود.
حدث الكثير.
نظرت حيث دانيال على يميني وقد كان كذلك يحدق بعين هادئة إلى اليخت، تنحنحت منبهة فنظر إلى بصمت، اشرت له بتبرم: سيصل الهاتف الجديد اليوم، احرص على أن تحافظ عليه.
تجاهل قولي وقد تساءل بجدية: ما الذي يحفزك على محاولة التغير للأفضل؟
ارتفع حاجباي بحيرة قبل أن ابتسم وانا احرك السيارة لأجيبه: من منا يتمنى ان يكون الأسوأ.
لهذا فقط؟
فكرت قليلاً قبل أن أقول: سيصل المرء إلى مرحلة تشعره بالغثيان والاكتفاء من سوء نفسه عندما تنعكس نتائج تصرفاته على من يحبهم. أو عندما. تفقد شيئاً يعني لك الكثير.
فقدتِ. شيئاً؟ في الحقيقة. سمعتُ من الطبيب في المشفى حول سجلك وتقريرك الطبي قبل بضعة أعوام، لم أقصد التطفل.
احكمت قبضتي على المقود أتمالك نفسي.
لم أعلق أو ربما لم أجد ما أقوله.
استشعر ذلك وقد تمتم بتفكير: فقد كيدمان شقيقته. هذا أمر لا يمكنني استيعابه!
هل ستكون نقطة التغيير بالنسبة لك؟
لا يمكن تعويضه. خسر كلوي، هي لم تعد موجودة، هناك خسائر لا بديل لها.
بدت الغصة واضحة في جوفة وهو ينتزع الكلمات بصعوبة، خرجتُ من المواقف ووصلت حيث الشارع العام لأقول بهدوء: لن يكون من السهل تعويضه، ولكن عليك أن تبذل جهدك لتدرك السبب الحقيقي وراء خسراته لشقيقته، فلازلت تبدو لي مشتتاً جداً. ربما تدين له باستيعابك على الأقل.
أردفت بتردد وحيرة: ذلك الكيدمان. يبدو لي أنه يشعر بالحقد تجاه أخاك بالفعل، ربما يحاول تفريغ غضبه بك! لأكن صريحة معك. لا زلت لم أقتنع بعد أنّك السبب في ذلك الحريق!
ماذا لو كان من يلقي عود الكبريت يتشارك الجريمة مع من دفعه لذلك؟ ماذا لو كان دامين يكره كل من في القرية بسببي أنا! حينها سأكون قد حرضته على فعل ذلك حقاً.
إذاً أنت. لم تتذكر كل شيء صحيح؟
نظر عبر النافذة وأخذ شهيقاً عميقاً ليزفره ببطء: القليل. فقط.
أردف يرخى المسند للوراء قليلاً: على تذكر كل شيء مهما حدث، لن أهرب.
ساد الصمت بيننا بينما نقف في الاشارة الحمراء.
كان عقلي مشوشاً بالكثير في حين بدى كذلك في عالم آخر.
تلى هذا الصمت العميق المطبق سؤاله الغريب بينما يتحاشى النظر إلي: الرجل الذي. ستواعدينه مؤقتاً، كيف تفضلين أن يكون؟
تصاعدت زغزغة طريفة في صدري جراء قوله وقد شعرت بتوتر طفيف، ابتسمت بلا حيلة ونظرت إليه للحظة قبل أن أقول بتهكم: قادر على حماية كِلانا، هل هناك ما هو أهم؟
تجنب النظر إلى واستمر في التحديق عبر النافذة بينما يقول على مضض: أعني. مع جلسات التأهيل، ماذا لو كانت شخصيتي تميل حينها إلى طريق آخر؟
رفعت كتفاي ببساطة: هذا بديهي.
ماذا لو تغيرتُ إلى شخص آخر لا يعجبك!
طرفت بعيناي بتدارك وضربت بأناملي بخفة على المقود.
إنه حقاً.
يصبح مباشر جداً أحياناً!
ما خطب هذا الرجل بحق الإله لم أعد أفهم!
تنهدت وقلت دون مراوغة: إنها مواعدة مؤقتة في جميع الأحوال فلماذا كل هذا القلق.
كما لو تدارك الأمر إثر قولي وقد نظر إلى باستيعاب مطولاً حتى أشاح بوجهه.
مواعدة مؤقتة. هذا كل شيء، عليه أن يدرك هذا وألا يغيب عن ذهنه، سأحرص على تأصيل هذه الحقيقة في ذهنه كلما سنحت لي الفرصة.
ترددت قليلاً قبل أن يتفوه فمي بكلمات مباشرة: دانيال، أنت حقاً صديق لا يمكنني رؤيته يتأذى، عدى ذلك فلا أنوي أن تتخذ علاقتنا مسار مختلف، اللحظة التي سيحدث في هذا. لا يجب أن يكون لها وجود حتى.
مسار مختلف، وهل يوجد مسار واضح حتى!
قالها بشيء من العدائية والتهكم فقلت بملل: أقولُ هذا تحسباً واحتياطاً فقط، أنا لن أقع في حبك أو أكّن لك عاطفة خاصة لذا أخبرك الآن أنك صديق أكره رؤيته يتأذى، هذا كل شيء!
أعقبت أمازحه بسخرية أكبح في نفسي ضيق قد تسلل إلى خفية: لربما كنتُ سأفعل قبل أعوام من الآن! على كل حال سيكون لديك جيش من النساء المعجبات في الأيام القادمة عندما تستأنف جلسات التصوير، من يدري ربما ستصبح زيراً طماعاً يستمتع برؤيتهن حوله!
لا أريدُ جيشاً من النِساء، إن وقعتُ في حبكِ يوماً فلن أتردد في قول هذا مُباشرةً.