رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثالث والثلاثون
كارل:
زفرت بلا حِيلة بينما أقوم بوضع الملابس في الغسالة وأغلقت بابها وأنا أنظر إلى شاشة هاتفي لأقرأ رسالة مدير المقهى الذي يؤكد لي ضرورة تواجدي في الوردية المسائية التي تبدأ بعد ساعة ونصف تقريباً.
حلّ المساء وقد تناولت الغداء مع لاري في حين لم يشاركنا كيفين، أصرّ على البقاء في غرفته وقد بدى لي يعيد التفكير مرارا وتكرارا حول السيدة مارثا التي قد تتواجد هنا في أي لحظة لزيارتهما. كيفين يجاهد نفسه، مشتت كثيراً ولربما يرغب في منحها فرصة بعد كل ما أخبرته به حول ما أصابها، ولكنه في الوقت نفسه يخشى التعرض لخيبة أمل وإحباط يفقده أي حماس قد ينتابه لعودة المياه إلى مجراها.
علي بذل جهدي في هذا الشأن ومساعدة السيدة مارثا.
أفقت من شرودي على صوت لاري خلفي الذي دخل إلى المرأب وتساءل بحيرة وانزعاج: كارل متى سيعود أبي وداني؟ لقد حلّ المساء بالفعل!
دانيال والآنسة كتاليا لا يجيبان على الهاتف مهما حاولت. في حين أن أبي الذي عاد للقرية وحده لا فكرة لدي عما يقوم به أو ما ينوي فعله! لماذا دُفعة المصائب هذه في فترة وجيزة!
ابتسمت له بهدوء: لدى أبي بعض الأمور ليتعامل معها لاري لا تقلق سيعود غداً أو بعد غد، لا تتصل به في كل حين وإلا غضب وفقد أعصابه.
أعقبت ابتعد عن الغسالة وأسير نحوه: دانيال سيعود قريباً بلا شك لا تقلق.
اقترح بحماس: لنخرج ونتنزه كارل! يوجد مطعم صغير جديد في نهاية المتنزه قال أصدقائي أنه يُعد أطباقاً لذيذة!
ضاقت عيناي: لا زلت جائع؟ تناولنا الطعام بالفعل!
أضفت بجدية وهدوء بينما أربت على كتفه وارغمه على الخروج من المرأب معي: قد تأتي والدتك في أي لحظة، أحسن التصرف وأنصت إلى كل ما تقوله، لا تكُن عِدائياً معها.
لوى شفته بعدم اقتناع فأسرعت أقول أطوي أكمام قميصي الذي تبلل قليلاً جراء غسالة الملابس: سأغير ملابسي قبل أن أخرج للعمل، اتصل بي إن احتجت إلى أي شيء، سأمر على المتجر في طريقي للعودة لشراء بعض المستلزمات لذا قد أتأخر قليلاً.
أومأ بفهم وتنهد يقلب عينيه يتذمر بصوت خافت وصعد الدرج فوّجهته محذراً: ولا تُدخِل أي حشرات إلى المنزل لاري هل تسمعني؟
قال دون أن يتوقف يستكمل صعوده: إن عادت خطاف الزمرد وحاولت استفزازي فلا أعدك بالإمتثال لطلبك كارل.
تهذب لاري!
عبس يلقي على نظرة سريعة ثم اختفى عن ناظري، تنهدت بعمق ووضعت يدي على خاصرتي أنظر بهدوء إلى باب المحل الذي قمتُ بعكس اللافتة عليه إلى مُغلق .
يصعب التعامل مع الوحشة التي تنتابني في ظل اختفاء دانيال وغياب أبي.
تأملت هدوء وخلو المَحل من حولي، إلى كراسي الحلاقة الخالية والصمت المطبق في المكان.
اعتدت أن يعج بتذمر دانيال وصراخه على الزبائن، وحدة صوت أبي في نهره والجدال معه.
أكره هذا الصمت!
لا يمكنني التكيف ولو لفترة مؤقتة مع هذا الهدوء الذي يسيطر على المكان!
لا فكرة لدي عن السبب وراء عودة أبي إلى القرية، ولا أفهم السر وراء غياب دانيال وهاتفه المغلق!
لا أدري ما الذي. على فعله!
استبدلت ملابسي بأخرى وقبل أن أغادر المنزل طرقت على باب غرفة كيفين ودخلت لأجده يرتدي السماعة ويحدق إلى هاتفه بإنهماك، لا يبدو أنه انتبه لدخولي فاقتربت على عجالة وضربت على كتفه بسبابتي بخفة فرفع ناظره نحوي، ابتسمت بهدوء وسحبت السماعة من أذنه: لدي وردية مسائية لذا سأخرج الآن، لا تنسى ما تحدثنا بشأنه مسبقاً.
أشاح بناظره وارتدى السماعة مُجدداً دون أن يعلق.
رفعت كتفاي بلا حيلة ونويت أن أخرج وما ان كدت أغلق الباب خلفي حتى سمعت صوته البارد متهدجاً قليلاً: إيّاك أن تتأخر.
ارتخت ملامحي أحدق إليه بإدراك وفهم، وقد استشعرت مدى رهبته من فكرة التخلي عنه بالفعل! حتى وإن حاول الحفاظ على برود أعصابه وهدوءه إلا ان ذلك الجزء الذي يخشى التخلي عنه لا يزال يتلاعب به بوضوح!
تنحنحت وابتسمت له مطمئناً: سأشتري بعض الحاجيات بعد العمل وأعود فوراً، أبلغ السيدة مارثا سلامي. كُن حذراً.
وبالطبع لم أجد منه تعليقاً او ردة فعل فأغلقت الباب خلفي وغادرت، خرجت من المنزل وقد لفت انتباهي المحل المُقابل لنا، وقفتُ باستغراب أعقد حاجباي وقد بدى لي أنه قد تم إغلاقه أو ربما سيتم استبداله؟ كان متجر لبيع الأقمشة، ولكنه خالٍ تماماً الآن ويوجد بعض العمال الذي يقومون بإفراغه. كان الإقبال عليه ضعيفاً لربما أعلن المالك إفلاسه وقام بتأجيره أو بيعه.
أكملت طريقي بضع خطوات فقط قبل أن تتوقف قدماي عن الحَركة أحدق إلى من يقتربا يسيران معاً منهمكان في الحديث!
أحكمت قبضة يدي بترقب وبقيت متسمراً في مكاني، حتى انتبها لي ولاسيما الآنسة كتاليا التي ابتسمت بهدوء.
متأنقان كما خرجا تماماً، لا أحد منهما قد استبدل ملابسه!
هُما بخير.
انتابني الإطمئنان وقد غمرتني الراحة لرؤيتهما على ما يرام! ومع ذلك بقيت أحدق إلى دانيال وبالكاد تمالكت نفسي احافظ على هدوئي، ومع أنه كان يتحدث إليها للتو بأريحية إلا أنه وما ان وقع ناظره على حتى استنكرت نظراته الغريبة التي يرمقني بها.
ما ان وصلا حيث أقف حتى اتسعت ابتسامة الآنسة كتاليا وحيتني بهدوء منادية بإسمي، جاهدت لأبادلها الإبتسامة ولم أكد أتفوه بحرف حتى تفاجأت بدانيال الذي أكمل طريقه أمامي دون أن يلتفت نحوي أو يتفوه بحرف واحد!
تابعته بعيناي بإستنكار بالغ والتفت نحوه من فوق كتفي في حين توقفت الآنسة كتاليا أمامي وبدت حائرة كذلك.
فشلت في الحفاظ على هدوئي وقد ناديت بإسمه أستوقفه ولكنه أكمل طريقه!
ما الذي.
لماذا يتجاهلني!
وقفت بعدم فهم حتى بادرت مجدداً أنادي بإسمه ولكن النتيجة نفسها!
تملكني الإنزعاج الشديد وقد زفرت أسير خلفه بخطوات واسعة وقبل أن يقترب أكثر من المنزل استوقفته أمسك بكتفه بحزم فوقف يرمقني بحدة!
أو ربما.
عِتاب!
لماذا كلتا عيناه مترعة بالعذل واللوم؟
الأمر لا يقتصر على اللوم.
شيء آخر. مختلف تماماً يرتسم على ملامح دانيال ولا يمكنني تفسيره!
كسرت هذا الجمود أحدق إليه بتمعن وقلت أحافظ على رباطة جأشي: لماذا لم تجب على هاتفك منذ الأمس؟
أبعد يدي عن كتفه وتفاجأتُ به يستدير ينوي السير ليكمل طريقه فأسرعت امسك بكتفه مجدداً وقد نال مني الغضب رغماً عني ليتفوه لساني بكلمات حانقة: لا تتصرف وكأن شيئاً لم يَكن!
استنكرت ابتسامته الهازئة حين انفرجت زاوية فمه ينظر إلى بإستخفاف: التجاهل مزعج هاه؟ ولكن هذا ما كنت تفعله أنت أيضاً!
ما الذي يتحدث عنه!
عقدت حاجباي بعدم فهم وقد أرخيت يدي من على كتفه بينما أكمل يضع يديه في جيبه بجفاء: لا أريد أن أنفجر في وجهك كارل، لذا انقلع من أمامي وحسب.
كُن واضحاً!
ولكنه لم يكن سهلاً عليك أن تكون كذلك معي!
لا أفهم ما تعنيه بكلماتك بحق الإله دان تحدث! لماذا أنت عدائي معي الآن ما الذي تحاول قوله بعد اختفائك منذ الأمس؟
أعقبت بإنزعاج شديد: تغيبت لِليلة كاملة ولم تستجب لأي مكالمة بل وارتكبت تلك الحماقة في البث المباشر والآن تتصرف بغموض وكأن شيئاً لم يكن!
أردفت بشيء من الإنفعال: لقد رأيتُ دامين! هل تملك أدنى فكرة عما يفعله أمام صوّرك في الأرجاء؟ هل تعلم أنه لن يتجاوز الأمر؟
أكملتُ أشير إلى الآنسة كتاليا التي تقف تعقد حاجبيها: هل سيتركها وشأنها برأيك؟ لماذا لم تتحلى بالصبر قليلاً دان!
جز على أسنانه وقد تصلب فكه بشدة وهو يهمس بحدة: أخبرتك للتو. لا أريد أن أنفجر في وجهك لذا دعني وشأني.
أعقب بإستخفاف يجوبه غضب متهكم: تنتظرني محاضرة أخرى من أبي الآن لذا دعني أوفر طاقتي.
هذا ما قاله بسخرية قبل أن يتبدد الإستهزاء من ملامحه إثر قولي الحازم: عاد إلى كلوفيلي.
جمدت ملامحه تماماً وقد ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه للحظة قبل أن تتسع عينيه بإدراك: لماذا.!
ارتجفت شفتي رغماً عني بينما أقول بغيظ: من يعلم! لماذا قد يعود الآن فقط من بين كل الأوقات برأيك!
أردفت وقد وجدت نفسي أقلص المسافة بيننا أكثر وصوتي يعلو دون شعور: لماذا يعود بعد ذلك البث مباشرة؟ أخبرني أنت ما السبب في رأيك!
تملكه الحنق ليجادلني بغضب: لماذا سمحت له بالعودة! هل عاد وحده بحق الإله؟
ستعذلني الآن وقد تغيبت أنت دون أي أثر؟ أين كنتَ أنت لتوقفه إذاً!
حدث كل شيء فجأة ما علاقة هذا بذاك! كيف تتركه يغادر كارل لماذا لم توقفه! ما علاقة عدم تواجدي بربك! كان عليك فعل أي شيء لئلا يعود وحده هل تملك أدنى فكرة عن الكلمات المسمومة التي قد تُلقى على مسامعه دون أي مراعاة؟ هل سينصت إلى افواه أؤلئك الأوغاد ويلتزم الصمت وحسب؟
أضاف بسخط: سأعود إلى كلوفيلي لن أتركه هناك وحده!
جادلته بغضب: توقف! وجودك هناك سيزيد الأمر سوءاً لا فكرة لدي عن سبب عودته حتى!
هل سأبقى مكتوف الأيدي!
تساءل وقد تورد وجهه وبرزت عروق صدغيه في حين حاولت التحكم بنفسي وأنا أطفئ غضبي جاهداً: قال بأنه سيعود في الغد، إلى ذلك الحين ابقى خارج الموضوع، تجاهله كما تجاهلت الجميع منذ الأمس.
استفزته كلماتي الأخيرة وقد جز على اسنانه بغضب ليأتي صوت الآنسة كتاليا خلفي مهدئة: كارل، هو لم يتغيب عمداً كما تعتقد لقد.
ولكنه قاطعها بجفاء ينظر إلى بعدائية: لم أنوي تجاهل أي شخص، أنا لا أتمتع بقدرة التجاهل كارل كما تفعل أنت.
استنكرت كلماته وقد سألته بنفاذ صبر: ما الذي تُلمح إليه!
ابتسامة مليئة بالقهر قد ارتسمت على شفتيه وقد استوعبت للتو ذلك الجرح على طرفها! هل تم لكمه؟
أي شجار قد خاض أيضاً؟
ما الذي ألمح إليه؟
تساءل بتهكم واقترب مني ينظر إلى بتمعن حتى همس بصوت خافت يترقب ردة فعلي بجمود: تجاهلك لحقيقة أن أخاك المُنقذ لم يكن كذلك يوماً. على سبيل المثال؟
ارتخت قبضتي تماماً وكذلك كتفاي أنظر إليه بعدم استيعاب!
في حين أكمل: أو تجاهلك لحقيقة أنه كان بطريقة أو أخرى مصدر لتعاستكم؟ تجاهلك لأهمية مصارحته ولو بكلمة واحدة؟ إلى أنه كان يزيد الوضع سوءاً طوال الوقت؟
أرخى عينيه قليلاً وقد مالت أهدابه عليها قبل أن يرمقني بعتاب شديد: أو حتى تجاهلك لكوني السبب في العاهة التي يعاني دامين منها؟ في كل مرة كان يعرج فيها. كنت تستمر في تجاهل حقيقة الأمر! تجاهلتَ أنني نسيتُ حقيقة أنني السبب؟ بدلاً من فعل أي شيء لأتذكر أو أصحح مساري. أبقيت فَمك مطبقاً؟
هل.
تذكر تلك الحادثة؟
فغرت فمي بدهشة في حين قال بجفاء يبتعد: فلتبقي فمك مطبقاً كما كنت تفعل وحسب، سأعود إلى كلوفيلي.
تداركت الأمر فوراً واسرعت خلفه، امسكت بمرفقه بقوة حتى التفت نحوي، بقيت أحملق في وجهه وكم آلمتني نظرات اللوم في كلتا عينيه!
لا فكرة لدي عما يتذكره الآن تحديداً أو كيف علم بهذا ولكنني.
لن أتجاوز هذا العتاب في عينيه!
لا يمكنني تخطي هذه الخيبة الواضحة في صوته ووجهه!
نفيت برأسي وتساءلت: ما الذي تذكرته؟
ضاقت عينيه بتركيز حتى تفاجأت بقوله بإزدراء: تسألني عن هذا. ولم تنفي كلمة واحدة تفوهتُ بها للتو! هذا يعني أنني السبب بالفعل.
تمكن منه سخط مفاجئ وهو يدفع صدري بيمناه: ما الذي كان يمنعك من الحديث بحق الإله كارل! هل مراعاة شعوري كان أهم من استغفالي طوال الوقت! ما الذي قيّدك لئلا تصارحني طوال هذه الأعوام! ما الفرق بيني وبين أهالي القرية بالنسبة لدامين؟
أضاف يصرخ بقهر لفت انتباه جميع المارة في الشارع وكلماته تلتف حول صدري بقوة: هل تملك أدنى فكرة عما يعاني منه كيدمان حتى! هل إدراكي المتأخر لكل ما حدث سيعيد شقيقته إلى الحياة؟
كيف بحق الإله قد علم بهذا أيضاً!
أين كان تحديداً؟
شيء مختلف حول دانيال الآن ولا يمكنني تحديده!
شعور يصعب تفسيره ينتابني، كما لو هناك حقائق ضبابية تحاول أن تفرض نفسها أمامي فجأة!
شعرت بغصة مزعجة جداً في جوف حلقي وحاولت تهدئة الوضع وقد كنت أنوي السيطرة على نفسي ولكنه أكمل بحنق يمسك بقميصي: ما المُشكلة في عودتي إلى القرية إذاً؟ كل ما حدث لكم لا يعني سوى أمر واحد فقط! لا فرق بيني وبينهم كارل. أنا أنتمي إليهم بسلوكياتي وتصرفاتي وكل حرف تفوهت به! أين تكمن المشكلة إذاً تحدث!
تأخرتُ كثيراً!
كما أنني أتحمل جزء كَبير من المسؤولية لالتزامي الصمت!
ترك قميصي وقد أدركت نيته في اللحاق بأبي فقلت بحزم: لن تذهب دانيال.
وقف يرمقني شزراً قبل أن يتجاهلني ويكمل طريقه فقلت بغضب وأعصاب تالفة: ذهابك إليه لن يساعده في أي شيء.
استدار بنفاذ صبر: ماذا عنك؟ لماذا لم تلحق به! إن كنتَ الابن المطيع اللطيف ذو السلوك الحسن لماذا لم ترافقه؟
حاولتُ اقناعه وإيقافه دون جدوى! لم يكن كيفين بخير فكيف عساني أ.
هل هذا كل شيء؟ حاولت اقناعه ثم تركته يرحل؟ يلوم الجميع أبي على ما حل بالقرية فأي استقبال سيتلقى وقد أُرغم على تركها!
أضاف بما أزعجني بِشدة: هل أعجبتك حياة المدينة كارل؟ لم تعد ترغب في العودة؟ تعتقد أن محاولاتك البائسة لإيقافه كانت كافية؟
كفاك سخفاً!
قلتها بحنق في حين استكمل قوله: لماذا لم يرافقه الابن الطيب المهذب الذي يحبه سكان القرية يا ترى؟ إن كان وجودي سيزيد الوضع سوءاً فحري بك مرافقته! لماذا تخليت عنه؟ كان الجميع يتأمل مدى لطافتك ويُضرب بك المثل فمن أنسب منك لتأدية هذه المهمة؟ هاه!
قال كلمته الأخيرة بحزم في حين تساءلت في نفسي عما يعتريني من شعور الآن تجاه قوله. وقد بدى لي وكأن كلماته تنبع من نقص شديد! إنه. يقارن نفسه بي دون إدراك! مُجدداً.
انتبهت لبعض المارة الذي وقفوا ينظرون إلينا فقلت أتدارك الأمر بِهدوء: دانيال هذا يكفي!، لنتحدث فور عودتي من العمل لا يمكنني التأخر، سيكون لدينا الكثير لنتحدث بشأنه.
أسرعت الآنسة كتاليا تؤيد قولي: كارل مُحِق، اهدئ دانيال لا الوقت أو المَكان مُناسب لخوض هذا الحديث!
ولكنه تجاهل كلانا وأسرع نحو المنزل، وقفت في مكاني أتابعه بكلتا عيناي بإحباط وإنزعاج.
اعتقدت أنني سأتحدث إليه وأوضح له كل شيء فور عودته وقد تركت كلمات كيفين في نفسي ثقلاً يصعب التعامل معه بالفعل!
ما أن دخل إلى المنزل سألت الآنسة كتاليا بجدية أكبح قلقي: ما الذي حدث! كيف أدرك دانيال الكثير من الأمور في ليلة وضحاها؟
أومأت بتفهم وقالت بنبرة مماثلة: لا أعلم من أين على البدء تحديداً، مَتى ستعود من العمل عليك التحدث إليه!
نظرت إلى الساعة في هاتفي ثم قلت بإنزعاج: لا يمكنني التأخر أكثر، من فضلك آنسة كتاليا سأطلب منكِ معروفاً!
ارتفع حاجبيها قبل ان تقول: بالطبع؟
لا يجب أن يعود إلى القرية أنا واثق أن حدة طباعه ستزيد من الوضع سوءاً ولا سيما وأنني لا أزلت لا أفهم سبب عودة أبي، احرصي على أن يبقى حتى أعود. فوّتُ الوردية الصباحية ولا يمكنني التعامل مع عناد المدير أكثر.
سأفعل ما بوسعي، سأتبعه الآن من يدري ربما ينوي تغيير ملابسه والمغادرة بالفعل.
أشرت لها بأن تسرع بينما أتحرك مبتعداً: شكراً جزيلاً.
أضفت بإستيعاب: إن زارت السيدة مارثا كيفين ولاري من فضلكِ احرصي على ألا يحاول احدهما إزعاجها، أعددت كمية مناسبة من الطعام إن كنتِ جائعة أنت أو دانيال فستجدان الطعام لا يزال دافئاً.
أومأت تشير لي: لا تقلق وأسرع بالذهاب.
وضعت كوب القهوة على الركن أمامي ليأتي ويل ويأخذه بينما يغمز لي باستفزاز: آخر كوب قهوة أقوم بتقديمه قبل أن أغادر اليوم، بما تشعر كارل بينما ينتهي عملنا لليوم ويبدأ عملك الآن؟
تنهدت بهدوء ونفيت برأسي: لا أشعر بأي شيء.
ابتسم بسخرية وقال بينما يلوح لزاك الذي يغادر: ما الذي حدث كارل لقد أثرت قلق الجميع هذا الصباح! على كل حال لا أصدق مدى إصرار المدير على تواجدك وقد اشتعل غيظاً جراء إحباط الفتيات.
أومأت بهدوء اسند جذعي على الركن خلفي: اتصل وهددني بضرورة تواجدي في المساء عرضت عليه أن أعمل في المطبخ ولكنه رفض دون تردد، الزبون ينتظر قهوته لا تتأخر ويل.
استوعب الأمر وهو يميئ إيجاباً ثم سرعان ما قال بتدارك: مويرا وتاتيانا هنا وكلتاهما في مزاج سيء بسبب عراك سخيف قبل ساعة لذا احذر ان تشتعل احداهما في وجهك.
ابتعد عن الركن وهو يأخذ القهوة إلى الزبون في حين نظرت إلى الفراغ بهدوء.
نظرات دانيال وعتابه تجاهي.
هذا يزعجني جداً ويضايقني إلى حد كبير. خيار الصمت كان مناسب لفترة مؤقتة، ولكنني تأخرت في البوح له بكل شيء.
عن تصرفاته التي كانت تؤذي من حوله.
عن الضيق والإحراج الذي كان ينتابني من كلماته عني أمام الجميع، عن شعور العجز الذي كان ينتابني كلما صرح بصوت عالي عن حاجتي الماسة إلى العناية والإهتمام وضعف مناعتي آنذاك.
ولكن نصيحة الطبيب ذلك الوقت لأبي كانت التزام الصمت بعد الحادثة مباشرة حتى يتذكر الأمر شيئاً فشيئاً.
لم يكن من الممكن اخباره وبشكل مباشر أنه بالغ في تهوره وهو يصعد فوق السطح ليلجئ إلى حيلة وضع نفسه في خطر محدق في سن مبكرة.
ليس من السهل أن يستوعب في تلك السِن رؤية دامين وهو يسقط من السطح بدلاً منه.
ويعود حيث كان أمامه.
بمظهر وحالة يرثى لها.
بكاحل ملتوي بشدة وهو يدوس على قدمه عاجز عن الشعور بالألم وتلك الدماء تنساب بغزارة من كاحله ورأسه.
ليس من السهل ان يستوعب رعب وصراخ الأطفال آنذاك.
بالكاد تجاوزتُ ما رأيته حينها، ولكن دانيال قرر أن ينسى تماماً ما حدث وقد بدأ منذ ذلك الوقت ينسخ تصرفاتنا دون توقف.
كما لو كانت الحيلة الأخرى والبديلة. بعد أن فشل في حيلته الأولى للفت الإنتباه.
جزء مني يرغب في عتاب أبي، والجزء الآخر ينتابه الحرج من هذا الشعور وقد كنت ولازلت مدركاً حقيقة أنني ودامين كنا مسؤولية وعبء كبير على عاتق أبي.
الذي وجد نفسه أمام مسؤولية العناية بنا وحده وقد تركته أمي بعد وفاتها ليواجه كل هذا بنفسه.
الرجل الحازم الذي لا يجيد التصرف بلطف أو هدوء، وجد نفسه أمام تحدي العناية بأبنائه الثلاثة دون أي مساعدة.
أعلم جيداً أنه يلوم نفسه على لجوئه إلى دانيال ليساعده وقد ضغط عليه بشدة.
كما لا يمكنني الهرب من هذا الشعور الذي ينتابني وقد رغبت مراراً وتكراراً في مصارحته وأخبره أن دانيال قد أصبح على ما هو عليه. بسببه.
كم مرة رأيت دانيال يضع الكمادات الدافئة على جبينه لفترة طويلة حتى يخدع أبي ويقنعه بأنه طريح الفراش! وكم مرة رأيته يخدش جسده لينال اهتمامه ويراه يعاني بجرحه، أو كم مرة رأيته يدخل إلى المنزل بحماس راغباً في مشاركته انجازه في المدرسة أو شهادة تقدير قد حصل عليها، ليعود أدراجه خائباً وهو يرى أبي منهكاً قلقاً بشأني أو بشأن دامين.
ربما.
العتاب واللوم غير متاح بالنسبة للجميع.
ربما لا أحد مخطئ.
ولكن الجميع يدفع الثمن!
هيه أنت
انتشلني من عتمة أفكاري إثر صوت أنثوي مليء بالجفاء والتسلط.
لم يستغرقني الأمر ثانية حتى أدركت أنها الآنسة تاتيانا فالتفت بجذعي للوراء لأنظر إليها بترقب قبل أن أشيح بناظري مجدداً أنتظر قولها وقد بدأت تتذمر بإمتعاض: هل تعلم كم مرة ناديتك بها؟ قم بتجهيز كوبين من الاسبريسو.
أومأت بصمت أتحاشى أي جدال معها وأحاول طرد الأفكار السلبية من عقلي قدر الإمكان بينما أجهز القهوة.
ثم سرعان ما استوعبت أمر شحوب وجهها وقد بدت منهكة بوضوح وهي تسند كلا مرفقيها على الركن تنتظر الطلب ليجهز.
لا تبدو بخير!
أياً يكن.
لا شأن لي.
أخذ عقلي ذلك المسار مجدداً أفكر بقلق بأمر كيدمان. علِم دانيال بما حدث بكلوي شقيقة كيدمان، لا أدري كيف علم بهذا ولكنني أتساءل فقط عن حجم الذنب الذي سيشعر به وهو يفسر ويحلل الأمر بعمق.
لا شك في أن كيدمان سيلوم دانيال ودامين معاً، سيرى أن قرار دانيال في الخروج من القرية كان متأخراً عندما كان يحاول اقناعه بهذا منذ وقت طويل. تعلق دامين بدان كثيراً ولم يكن من السهل عليه تقبل فكرة خروجه من القرية.
أتمنى لو يتيح لي فرصة سؤاله مباشرة. أريد أن أسأله عما سيّره ليختار هذا الخيار من بين جميع الخيارات المتاحة أمامه! لماذا حرق المحاصيل بدلاً من اختيار طريقة أخرى ينتقم فيها؟ ما الذي كان يفكر فيه حقاً؟ هل كان الحريق سيجعل دانيال يتراجع حتى؟ بالطبع لا. دامين ليس بهذا الغباء! ماذا إذاً؟
لماذا حرقها بدلاً من افتعال حيلة أخرى يرغم فيها دان على البقاء إلى جانبه؟
لا يمكنني فهمه.
لا أستطيع مهما حاولت!
كان ولا زال من الصعب على أنا ودامين.
أن نتفق.
الرجل الذي نشأ بمناعة ضعيفة وقضى معظم حياته طريح الفراش لن يفهم الرجل الذي نشأ بمرض اللاشعور ولم ينتابه الألم أو المرض يوماً.
دامين الذي تمنى الشعور بالمرض والإنهاك ولو لمرة. لن يفهم من تمنى ذات يوم أن يحل مكانه.
ليتخلص من عجزه ومرضه.
ما الذي. أصابك!
أجفلت لصوتها خلفي وسرعان ما أدركت أنني وضعت كمية كبيرة من الاسبريسو في الكوب حتى امتلأ وانسكب تماماً.
أسرعت اتدارك الأمر أتجاهل نظراتها المستنكرة، تباً ما الذي أفعله على أن أركز في عملي!
أنا.
ما الذي.
لماذا جثوت على كلتا ركبتاي! كما لو انهار جسدي فجأة؟
ه. هيه أنت! ما الذي يحدث لك؟ أنت بخير؟
دامين.! الحالة التي يمر فيها.
أنت بخير؟ لا تتجاهلني وإلا لكمتك!
كُنت أتمنى. مكان دامين!
عدم الاتفاق بيننا والتنافر كان يعود إلى أن كلانا يملك ما يتمناه الآخر.
في حين حاول دانيال جاهداً أن يكون كِلانا، تارة الفتى الضعيف طريح الفراش وتارة أخرى القوي الذي لا يُقهر.
أخطأ دامين في حق الأبرياء من القرية. ولكنه تلقى الأذى النفسي والجسدي منهم أيضاً!
أنا.
لم أدافع عنه يوماً عندما كان فريسة سهلة لهم.
لم أحاول فعل شيء له!
بحق الإله هل تسمعني يا محبوب الفتيات؟ ما الذي أصابك؟
تملكتني الغيرة من دامين.
كرهت فكرة أنني سألازم فراشي في حين يتمتع بالقدرة على تخطي أي تعب أو مرض دون إن يدرك!
امتلأت نفسي بالغيرة. لم ألعب دور الشقيق الأكبر كما ينبغي!
ساء الوضع الآن أكثر، لا شيء في محله الصحيح!
تحسنت مناعتي وتخطيت تلك الأيام الصعبة ولكن لا شيء قد تغير بالنسبة لدامين.
لا شيء يتغير. لا شيء يتحسن.
لم أتردد في لومه على فعلته.
كما لو كنت.
أرغب في التنفيس عن شيء لطالما كان يزعجني!
م. ما أبشع. لحظة الإدراك هذه! شيء ثقيل جداً ينهش ضميري دون توقف!
اتسعت عيناي أنظر إلى الأعين الداكنة أمامي مباشرة لمن أمسكت بياقتي ترغمني على النظر إليها!
نهرتني بحزم: أفق! إن كنت منهكاً متعباً فعد إلى منزلك ما الذي تفعله هنا تحديداً؟
أضافت بحدة تبعد يديها: غادر!
أجلس على الأرضية منهكاً جاثياً وقد كنت حبيساً لأفكاري.
أنا بالفعل. لا أتصرف على سجيتي ولا ذنب لمن حولي بهذا!
تمالك نفسك.
حافظ على رباطة جأشك ولا تخلط الأمور ببعضها البعض! على الأقل. ليس الآن.
ابتلعت ريقي وكم كان ذلك صعباً جراء جفاف حلقي.
لم أكد أقف مستقيماً حتى تفاجأت بها تقول بإنزعاج وهي تخرج شيئاً من جيب بنطالها الخلفي: كم أنت مزعج، خُذ. لن أدين لكَ بحماية حقيبتي. خذها بسرعة لعلها تعدل صفو مزاجك!
عقدت حاجباي بينما اعتدل واقفاً أنظر إلى ما في يدها، انتابني الإضطراب رغماً عني ما ان أمسكت بيمناي بكلتا يديها تضع فيها قسائم تسوق! خصومات؟
ابتعدت وقالت بإمتعاض: كافح لأجل الخصومات، إنها مؤقتة حتى نهاية الأسبوع فقط.
أضافت تلوي شفتها وتشيح بنظرها بعيداً: لا يوجد خصومات على قسم منتجات الألبان او الإلكترونيات.
أخفضت ناظري إلى القسائم ثم قلت بهدوء أتحرر من شعور كاد يخنقني قبل لحظات: لا بأس شكراً، سأحصل على قسيمة خصومات بنفسي يمكنك الاحتفاظ ب.
لدي الكثير بحوزتي، اعتبرها رد امتن. أ أقصد. شفقة، أياً يكن أسرع سيتذمر الزبائن!
اضطررت لإعداد الاسبريسو مجدداً بينما أحاول جاهداً الحفاظ على تركيزي.
تلقيت المزيد من طلبات القهوة لاحقاً، ولسبب ما بدأ المقهى يكتظ مجدداً من جميع الفئات العمرية من النساء.
كنت على عجلة من أمري وأنا أعد القهوة لأستلم طلب آخر من الآنسة مويرا التي تلتقط انفاسها أمام الركن وتذمرت بصوت خافت: قرر فجأة الجميع زيارة المقهى! تباً هذا مُنهك.
أتى صوت الآنسة تاتيانا التي قالت بجفاء ترمق مويرا: سأخرج لنصف ساعة وأعود فوراً لدي ما أقوم به حالاً.
بدت على عجالة بالفعل وهي تسرع نحو غرفة الاستراحة! تذمرت مويرا بغيظ: كيف تجرؤ على الخروج بينما المقهى مكتظ في مثل هذا الوقت!
تمتمتُ بهدوء: لا بأس ربما لديها ظرف طارئ، هي لن تتردد في المبيت هنا كما تعلمين.
ولكنها اعترضت بعدم اقتناع: يمكنها تأجيل الأمر بلا شك! لماذا الآن فقط؟ عندما كنت بحاجة إلى استئذان طارئ في الأسبوع الماضي أفسدت الأمر ولم تسمح للمدير بتركي أغادر!
تجاهلت قولها بلا حيلة أكمل ما أقوم به بينما أنظف في الوقت آنه الركن والمكان من حولي، لمحتُ تاتيانا التي خرجت من غرفة الاستراحة ولم تكن قد غيرت الزي الرسمي للمقهى ولكنها خرجت ممسكة بذلك الكيس الأبيض المُعتم الذي كان معها مسبقاً.
بدت خطواتها واسعة وسريعة وما أن مرت بجانب الركن حتى اقتربت مويرا تمد قدمها بخفة!
اتسعت عيناي أنظر إليها وهي تتعثر تفقد توازنها لتسقط على وجهها مباشرة ويتناثر ما في الكيس أمامها!
اعتراني الغضب والإنزعاج فعلتها وقد نهرتها بلوم: آنسة مويرا لقد بالغتِ كثيراً! لا يمكنك أن تكوني جادة ماذا لو أصيبت!
ولكنها تجاهلتنا وتكتفت تكبح ضحكتها وهي تنظر إلى ما تناثر على الأرض في اللحظة التي اعتدلت في الآنسة تاتيانا ترمقها بقهر.
فغرت فمي بعدم استيعاب حين قالت تضحك مشيرة إلى حاجياتها: ما هذا بحق الإله؟
عقدت حاجباي اقترب أكثر من حافة الركن أركز النظر وقد استغربت ما تناثر من الكيس ولفت أنظار الزبائن!
هل هذه. حفاظات بحجم كبير؟
ضحكت مويرا بصوت خافت وقالت بعدم استيعاب: بربك ما هذا؟ حفاظات بالحجم العائلي؟ لماذا هي بحوزتك؟
عندما تهاوى على مسامعنا صوت ضحكات خافتة لبعض الزبائن رأيت التورد الذي يعتلي وجه تاتيانا، وقد أسرعت تجمع ما تناثر لتضعه في الكيس بتحركات سريعة مليئة بالحنق!
رغبت في الخروج من الركن لمساعدتها ولكن إحدى الزبائن تحركت فوراً لتساعدها، ولم تكن سوى ثانية فقط حتى تفاجأت بتاتيانا التي تتهجم على مويرا والأخيرة تحاول الدفاع عن نفسها! لم يقتصر الأمر على شد شعرها فقط ولكنها تقوم بعض رسغها بقوة جعلت الأخيرة تصرخ بألم محاولة الابتعاد عنها!
تباً!، تدخلت فوراً اتجاهل الإضطراب الذي يعتريني أحيل بينهما لتتمسك مويرا بقميصي من الوراء وتصرخ بإنفعال: أيتها المتوحشة المجنونة!
انتابني الإحراج والتوتر كلما تعلقت بقميصي بقوة! ولكن لا وقت للشعور بالحرج إذ أن الأخرى حاولت الوصول إليها وهي تصرخ بغضب في وجهي: ابتعد! اقتربي أيتها الجبانة السافلة لقد تماديتِ كثيراً!
علا صوتي أحاول تهدئة الوضع: هذا يكفي!
اتسعت عيناي بعدم استيعاب ما ان انحنت لتعض يدي أنا أيضاً فتأوهت واضطررت لأمسك بكلتا يديها ولكنها نطحت صدري برأسها!
هذه الفتاة.
يصعب السيطرة عليها!
رأيت المدير الذي خرج من مكتبه إثر الفوضى التي حلت في المكان، بدى غاضباً منفعلاً لما يراه وقد صرخ يقترب منهما: تاتيانا هل جننتِ!؟
صاحت مويرا تبتعد وتسير نحوه بخطوات واسعة: سيدي! هذه المتوحشة لا تتقبل المزاح.
أضافت ترفع رسغها أمامه وتشير إلى شعرها الفوضوي بأنفاس متقعطة: انهالت على بالضرب! لقد اعتدت على أمام الجميع!
نظر بدوره إلى تاتيانا التي قالت تجز على أسنانها تهددني: قلت لك اتركني! اقتربي أيتها العاهرة اللعينة وعودي بأردافكِ الممتلئة إن كنتِ تجرؤين! تباً اترك يدي! قلت لك دعني.
اشتعل المدير غيظاً وقال بسخط: كيف تجرؤين على التلفظ بكل هذا أمام الزبائن! تاتيانا إلى مكتبي حالاً.
ولكنها اعترضت بغضب: لدي أمر على فعله حالاً.
نظر من حوله وبدى منزعجاً من تهامس الزبائن واستنكارهم، أسرع يقترب واخفض من صوته ليقول بحدة: قلت إلى مكتبي!
ارخيت يدي من على يديها وتركتها عندما استشعرت توقفها عن المقاومة أخيراً!، ولكنها قالت بإصرار تأخذ الكيس: أخبرتك لدي ما أفعله وعلى الخروج حالاً لا أستطيع التأخر.
كانت تجادله بينما لفت انتباهي الخدوش أسفل ذقنها! لقد تأذت بوضوح، تلك المويرا تمادت معها بالفعل.
تنهدت بعمق وقلت للمدير: سيدي، يمكننا تولي العمل حتى تعود! لا بأس بأن تخرج قليلاً.
ولكن مويرا اعترضت وقالت بنبرة باكية: سيدي لقد تم الاعتداء علي!
تدخلتُ بهدوء: يمكنه مراجعة كاميرا المراقبة آنسة مويرا ولن يستغرقه ذلك وقتاً ليدرك أنكِ من بدأ في استفزازها.
عقدت حاجبيها بغيظ تحدق إلى بغضب في حين قالت تاتيانا تمسك بالكيس بقوة وتسير نحو باب المقهى بوعيد: سأقتلع شعركِ عن رأسك عندما أعود، سأجعل منكِ عبرة للجميع.
شحب وجه مويرا وعضت على شفتيها بتوتر في حين تابعت تاتيانا بعيناي وهو تغادر على عجالة.
فوضى!
لحظات حتى عاد الهدوء إلى المقهى وقد اعتذر المدير للزبائن عمّا حدث للتو واستدعى مويرا إلى مكتبه.
عدت إلى ركن القهوة أنظر إلى أثار عضتها.
تصرفاتها غير متوقعة!، ولكن. ذلك الموقف كان محرجاً بالفعل!
تلك الحفاظات الكبيرة. لِمن تحديداً؟
علي كل حال عليها ان تعتني بتلك الخدوش والجرح في ذقنها!
آه كارل لا تتدخل كثيراً تعلم جيداً أنها ستفسر تصرفاتك كما يحلو لها.
كتاليا:
بقيت أتكتف بعناد وقلت بهدوء: لن أبتعد عن الباب دانيال، كارل بحاجة إلى الحديث إليك، أخبرك أنه لا جدوى من اللحاق بالسيد هاريسون لذا أنصت إلى ما يقوله وحسب.
تأفف بضجر وغضب وقال بحزم يمسك بحبل الحقيبة الصغيرة التي استقرت خلف كتفه الأيسر: ابتعدي عن الباب!
نفيت برأسي بصمت وقلت بلا حيلة: كم أنت عنيد، على الأقل نجحتَ في تغيير ملابسك ماذا عني! لازلت أرتدي هذا الفستان وكم أرغب لو أخذ حماماً دافئاً.
سمعت اعتراضا من على الدرج بصوت متهكم: أخي، هل أتصرف مع خطاف الزمرد؟
قالها لاري بخبث فرمقته بحذر!
في حين قال دانيال بجفاء: ابقى مكانك لاري، وأنتِ ابتعدي بسرعة!
أعقب بما فاجأني وقد لانت ملامحه وفي صوته نبرة تميل إلى الإستخفاف: لن يكون من الصعب الاقتراب منكِ كما تعتقدين، ولكنني فقط أخشى أن أتمادى.
أردف بجدية: لا أريد إيذائك لذا ابتعدي.
بقيت أتكتف أحدق إليه وتمتمت بصوت خافت: لن تواجه أي صعوبة في لمسي الآن إذاً، هل فقدتُ مصدر قوتي أمامك يا ترى؟
بدى نفاذ الصبر جلياً على وجهه وقد أغمض عينيه للحظة ثم زفر واقترب!
راقبته بعيناي بترقب حتى حاول الامساك بقبضة الباب وهو يبعدني بهدوء بيده الأخرى وقد كان ذلك.
سهلاً جداً رغم مقاومتي!
نهرته بغيظ وهو يخرج لأتبعه فوراً: دانيال توقف! لا يجب أن تذهب ألم تسمع ما قاله كارل؟ ألا يمكنك الانتظار حتى ينتهي من عمله على الأقل؟
تجاوز المارة وكذلك كنت أفعل حتى وصلت إليه وأمسكت بحقيبته بقوة لأخذها منه على حين غرة.
التفت بغضب ولم يكد يتفوه بحرف حتى قلت بجدية: سيكون والدك بخير! ثق به.
عقد حاجبيه للحظة قبل أن يسألني بإستنكار شديد: ما الذي تعرفينه أنتِ! خرج أبي من تلك القرية المشؤومة عندما بلغ حده! فقد أبرياء حياتهم وأخرون محاصيلهم ورزقهم فعن أي ثقة تتحدثين الأمر لا يتعلق بالثقة حتى! اعيدي الحقيبة فوراً.
قال ذلك يحاول أخذها فوضعتها خلف ظهري وقلت بحزم: هل تملك حتى أدنى فكرة عن سبب عودته؟
ارتجفت شفتيه بقهر فقلت فوراً: أرأيت؟ إن كنت لا تعلم شيئاً عن سبب عودته فلا تتهور ماذا لو كان ذهابك من شأنه خلق مشكلة لم تكن لتحدث؟ تنحى عن الأمر قليلاً دانيال حتى يعود والدك ثم افعل ما شِئت!
تراجعت للوراء ممسكة بالحقيبة وقلت بجدية أنظر إليه: لنعد إلى المنزل وننتظر عودة كارل هو يرغب في الحديث إليك لذا ت.
تأوهت أشعر بجسدي الذي اندفع لليسار مدركة أن شخص ما قد ارتطم بي فجأة!
كانت يد دانيال أسرع من السماح لجسدي بفقدان توازنه وقد التقط يدي يمسكها ويوقفني فوراً.
نظرت إليه بعدم استيعاب قبل أن أخفض ناظري أحدق إلى من اصطدمت بي!
بدت على عجلة من أمرها وقد تناثر شعرها الأسود القصير حول وجهها وهي تمسك بكيس أبيض معتم كبير الحجم نسبياً وتحاول الوقوف لتستكمل طريقها دون التفوه بكلمة!
اصطدمت بي ولكنها لم تكلف نفسها عَناء الاعتذار حتى.!
ارتفع حاجباي أنظر إلى عجزها عن الوقوف تمرر يدها على ركبتها اليمنى فتساءلت بإستنكار أترك يد دانيال: أنتِ بخير؟
أومأت بسرعة ووقفت تعرج بخفة في حين لمحتُ ذقنها الذي لوثته بعض الخدوش وجرح صغير، ولكنها لم تصطدم بالأرض بوجهها! أتساءل إن اصطدمت بشخص ما قبلي؟
ابتعدت تَعرج محاولة السير بسرعة، لمحتُ ما أسقطته من الكيس فناديت بها التقطه وقد بدى لي حفاظة بحجم كبير: لقد أوقعتِه من الكيس!
التفتت بشيء من الإضطراب وعادت أدراجها في حين اقتربت منها لأقلص المسافة، القت على نظرة وهي تلتقطها من يدي وقد تسمرت يدها في الهواء تحدق إليه بتمعن و.
عدم استيعاب!
عقدت حاجباي باستغراب وبقيت يدي معلقة في الهواء، استمرت هي تتأمل وجهي حتى تعالى صوت رنين هاتفها وأسرعت تأخذها من يدي تقول وعلى وجهها أمارات الاستغراب الشديد: ش. شكراً. جزيلاً!
أومأت لها بحيرة بينما أردفت تتراجع للوراء وتبتعد ببطء: أعتذر.
نفيت بلا بأس فألقت على نظرة متمعنة أخيرة وسارت لتكمل طريقها حتى لمحتها تلتفت مجدداً تحدق إلي! َ!
م. ماذا؟
ما خَطب هذه الصبيانية!
تساءل دانيال باستنكار فقلت أتابعها بعيناي حتى اختفت بين المارة: لا أدري! أصابت ركبتها. لقد تمزق بنطالها، كما لا أدري متى أصابت ذقنها.
أضفتُ بتفكير وقد أصابني الإشمئزاز: لم تتوقف عن التحديق إلى مهلاً هي. ليست صبيانية حقاً صحيح؟
أجفلت ليده التي سحبت الحقيبة مني فجأة وقد استعادها فقلت أعترض: مهلاً دانيال ل.
سأنتظر الوغد كارل.
قالها بهدوء وأشار نحو قدمي: انزعي هذا الكعب بأسرع وقت.
اخفضت ناظري لأرى قدمي التي تورمت بوضوح وأيدته: على فعل ذلك حقاً. وأخيراً عدت إلى رشدك لقد كدت استسلم!
استدرنا لنعود أدراجنا وما أن عدت حتى باشرت فوراً بأخذ حمام دافئ وقد كان كل ما أرغب فيه!
عندما خرجت من الحمام أضع المنشفة على رأسي سمعتُ صوتاً مألوفاً في غرفة الجلوس لأدرك فوراً أنه صوت السيدة مارثا.
لمحتُ لاري الذي يقف عند المدخل لغرفة الجلوس متكتفاً بإنزعاج، ثم سمعت صوت دانيال في غرفة الجلوس يقول له: ما الذي تنتظره ادخل! أين كيفين؟
أجابه بإمتعاض: قال بأنه سيخلد إلى النوم.
تغيرت نبرة دانيال إلى الإنزعاج وهو يتذمر: لازال الوقت مبكراً جداً لينام!
سمعت مارثا تهدئ الوضع لتقول مسايرة: لا بأس دانيال لا ترغم كيفين وامنحه وقته، لاري. ألن تتناول شيئاً من الكعك الذي أحضرته معي؟
لوى شفته واشاح بوجهه حتى انتبه لوجودي، ثم سرعان ما قال: خطاف الزمرد هنا.
ثواني معدودة وأخرج دانيال رأسه بجانبه لينظر إلى ثم قال: السيدة مارثا بالداخل، أحضرتِ لكِ قطعة كذلك.
أومأت له اقترب وما ان مررت بجانب لاري حتى قلت بملل: سأتناول حصتك طالما ترفض تناولها.
استفزه قوله وقد تعمدت ذلك، ليدخل فوراً وقال بِحزم: أريد كعكتي!
ابتسمت مارثا بسعادة وأومأت له فوراً لتشير إلى الأريكة وقالت بحماس تتأمله دون توقف: اجلس لاري، تفضل بُني.
لمحت دانيال الذي ينظر إلى بهدوء فرفعت له كتفاي بضجر.
كارل:
جلست على الكرسي لأرتاح قليلاً وقد بدأ عدد الزبائن يتراجع أخيراً.
لفت انتباهي وصول إشعار إلى هاتفي فأسرعت لألقي نظرة وقد سرت قشعريرة في أناملي أقرأ رسالة واردة من الآنسة ستيلا!
قرأتها فوراً وقد كان مفادها مرحباً كارل هل يسير عملك على أكمل وجه؟
لم أتردد في الرد بسرعة نعم، ماذا عنكِ؟
استغرقت وقتاً وهي تكتب وبينما أنتظرها رأيت تاتيانا التي عادت ولكنني استغربت تمزق بنطالها تحديدا عند ركبتها! كما بدت لي تواجه صعوبة في المشي باستقامة!
تعثرت في طريقها؟
تابعتها بعيناي وهي تباشر بالعمل فوراً دون أن تعود إلى غرفة الاستراحة ولو لثانية.
هذه الفتاة.
لن تعتني بالجرح على ذقنها؟ ماذا عن ركبتها!؟
انتبهتُ لرد الآنسة ستيلا فأعدت ناظري إلى الهاتف الوكالة الفنية التي حاولت الإلتحاق بها منذ فترة، احزر ماذا؟
أعقبت تضيف رموز سعيدة لكلماتها سأنضم رسمياً إليها!
ابتسمت بهدوء بينما أكتب لها: سعيد لأجلك! هل سيختلف عملك عما هو عليه؟
تمنحني هذه الوكالة حق الاختيار والرفض الخاص بالعروض بشكل كامل، الرجل الذي يدير الأمر برمته ماهر جداً في المجال.
هكذا إذاً! ابذلي جهدك لقد حصلت أخيراً على فرصتك
تبادر إلى ذهني مظهرها في الحفل وأناقتها وقد عادت تلك التفاصيل إلى مخيلتي.!
وجدت أناملي تتحرك دون شعور وقد غابَت أصواتُ كل من في المقهى عن مسامعي إطلالتك في الحفل. مثالية
ومع أنني كتبت ذلك بالفعل إلا أنني لم أرسله وبقيت أتأمل كلماتي للحظة بتردد.
أرسلها وحسب.
لا بَأس!
تلك الإطلالة يصعب ألا تثني عليها!
أجفلتُ لصوت أنثوي مترع بالحِدة أمام الركن مباشرة: كوني سعيدة أيتها المتوحشة! خصم المدير من راتبي لهذا الشهر!
بدت مويرا منزعجة بشدة وهي تتكتف أمام تاتيانا التي قالت ببرود وهي تنوي السير بجانبها ممسكة بمنشفة التنظيف: أنا سعيدة.
إذاً ستحلقين من فرط سعادتك عندما أخبرك أنه خصم من راتبك كذلك.
توقفت عن السير ونظرت إليها فوراً بدهشة وقد شحب وجهها وانكفأ لونها بشدة!
حاولت تجاهل أمرهما ولكنني تنهدت بلا حيلة جراء الغضب والتعجب الذي سلك مجراه نحو وجهها وهي تعترض: ماذا؟ هل راجع كاميرات المراقبة بحق الإله! أنتِ من بدأت بالمشكلة برمتها لماذا قد يخصم من راتبي أنا!
لوت مويرا شفتيها بقهر وتحركت لتبتعد بل وصعدت إلى الطابق الثاني تستكمل عملها، بقيت تاتيانا تقف في مكانها تتابعها بكلتا عينيها حتى نفيت برأسها وأسرعت تتجه نحو مكتب المدير!
أخذت نفساً عميقاً وأخفضت رأسي نحو هاتفي مجدداً لأجد انني. أرسلت تلك الكلمات دون أن أدرك!
انتابني الإضطراب رغماً عني وقد هرعت أنوي حذف المحادثة ولكنني وجدت ردها الفوري شكراً جزيلاً كارل! والحقته برمز لطيف!
بل وأردفت تقترح متفرغ يوم الأربعاء القادم مساءً؟
ت. تريد أن. نخرج معاً؟ هل هذا موعد بحق الإله!
تلاحقت أنفاسي بسرعة وقد غمرني السرور بينما أكتب فوراً: متفرغ!
موعد. مع الآنسة ستيلا! بحق الإله الأمور تأخذ منحنى آخر تماماً سريع جداً.!
هذا.
غير متوقع!
بهذه السرعة؟
أحد مالكي الأعمال يرغب في الترويج عن الأطباق والمشروبات التي يعدها في مطعمه ويبحث عن شخص مناسب للترويج عنها وقد تبادر اسمك إلى ذهني فوراً، هل أرشحك له؟ سيكون يوم الأربعاء هو الأنسب وستَحصل على ربح جيد! ما رأيك هل ستقابله؟
ترويج.
مجرد ترويج. إذاً!
أغمضت عيناي قليلاً قبل أن أتنهد بعمق وارتخى كلا كتفاي بينما أكتب وقد غادرني الحماس فجأة لا بأس إذاً، مناسب
زفرت أعيد الهاتف إلى جيبي أنظر إلى تاتيانا التي خرجت من مكتب المدير بوجه متورد بشدة ينم عن مدى غضبها!
ربما.
رفض اعتراضها.! ليس ربما. بل واضح جداً!
أُغلق المقهى، غادرت مويرا التي أنهت تنظيف الطابق الثاني.
كما وغادر جميع الطهاة والعاملين في المطبخ ولم يبقى سواي أساهم في التنظيف مع تاتيانا المكان، كنت أنظف إحدى الطاولات في حين تقوم هي بكنس الأرضية والصمت المطبق يعم المكان.
أرغب في الاتصال بأبي مجدداً، على فعل هذا فور خروجي من هنا لأطمئن حول وصوله.
سيتجاهل مكالمتي ولن يستجب لاتصالي بسهولة ولكن على المحاولة.
أتمنى ان يعود غداً بالفعل كما قال!
إن تأخر.
لن أتردد في العودة بنفسي.
لمحت تاتيانا التي انحنت قليلاً، رمقتها بنظرة سريعة فوجدتها تمرر يدها بخفة أمام ركبتها كما لو ترغب في تبريد الهواء حول الجرح.
علقت أستكمل ما أقوم به: لا تَنسي العِناية بجرحك.
استشعرت النظرة السريعة التي ألقتها نحوي وهي تلتزم الصمت وكم بدت لي غاضبة بشدة تكبح حنقها بِصعوبة منذ علما بقرار خصم راتبها.!
تعالى رنين هاتفها فأسرعت تخرجه فوراً، اخفضت صوتها قليلاً وهي تجيب ورغم ذلك كان من السهل سماعها جراء الصمت الذي يعم المكان: ما الأمر جدتي؟
همهمت بِفهم وهي تنصت إليها حتى توقفت عن التنظيف وقد تهاوى على مسامعي تغير نبرتها عن الصبيانية العدائية المعتادة إلى أخرى مترعة باللطف والهدوء: سأفعل، لا تقلقي لن أتأخر!
ثم صمتت قليلاً حتى تعلقت عيناي عليها بينما ترسم ابتسامة. بَريئة لطيفة وهي تومئ برأسها: سأطهوه لكِ فور عودتي! استرخي إلى ذلك الحين اتفقنا؟ سأنتهي بعد قليل وأعود فوراً.
ابتلعتُ ريقي وحاولت مرارا وتكرارا انتزاع عيناي ولكنها أبت ذلك!
أنا حتى لم أدرك أنها قد انهت مكالمتها سوى عندما طرفت بعينيها بجفاء ولوت شفتها لتقول بسلوكها الصبياني تسند مرفقها على عصا المكنسة: هيه أنتْ، تبقى لي طاولتين فقط وأنت اثنتان أيضاً، سأغادر فوراً بعد ان انتهي، لا تنسى أن تغلق المدخل الأمامي وتخرج من الخلفي بعد ان تترك المفتاح في المكان الذي أخبرتك عنه.
أومأتُ بصمت وأخفضت ناظري نحو الطاولة لأستكمل تنظيفها قبل أن استوعب أنني انهيت تنظيفها للتو بالفعل!
كانت تسرع في التنظيف راغبة في المغادرة بِسرعة بل واستطاعت الانتهاء وهرعت إلى غرفة التبديل لتقوم بتغيير ملابسها وأخذت حقيبتها الجامعية على ظهرها لتستعد للخروج في الوقت الذي أنهيت فيه تنظيف الطاولة الأخيرة بينما ألقي نظرة على الساعة التي تشير إلى العاشرة والربع.
وعندما تحركت نحو غرفة الاستراحة توقفت في مكاني بعدم استيعاب أنظر إليها وهي تتراجع بسرعة نحو ركن القهوة بل وتفاجأت بها تنحني وتستقر هناك تخفي نفسها بحركة سريعة!
م. ما هذا فجأة؟
بقيت في مكاني أحاول استيعاب أمر اختبائها خلف الركن ولم تكن سوى ثواني معدودة حتى سمعت صوتاً خافتا خلفي فاستدرت لألمح رجلاً ممتلئاً بعض الشيء وبدى في عقده الرابع يلصق جبينه في واجهة المقهى ويحاول التركيز في الداخل! انتبه لي وقد نظر إلى بتمعن للحظات فعقدت حاجباي باستنكار.!
هل هو في وعيه حتى؟
يبدو لي ثمِلاً نوعاً ما.!
لم تكن ذقنه الكثيفة منظمة وكان كان مظهره كذلك مهملاً بوضوح وغير مهندم!
بقي يحدق إلى الداخل كما لو يبحث عن شيء أو شخص ما فتساءلت في نفسي إن كانت قد اختبأت منه؟
من يكون!
انتبهت لندبة كبيرة على جانب وجهه قريبة من أذنه اليسرى وبدت قديمة بعض الشيء، كما لمحت يده التي كانت تحكم قبضتها على هاتفه وهو يبدو مترقباً بشدة لشيء ما!
ولأن الباب مغلق بالفعل ولا يمكنه الدخول لجأت إلى حيلة سريعة وقد وضعت هاتفي على أذني بينما أقول بهدوء: اختبأتِ بسببه؟
لحظات حتى أتى صوتها من خلف الركن ولم تخفى عني الرجفة الطفيفة فيه: سأمنحكَ المزيد من القسائم ولكن. تصرف وكأنك لا تراه وحسب! طالما أنهيت التنظيف أغلق الإنارة وتظاهر بالمغادرة!
هكذا إذاً.
ابقيت هاتفي على أذني وقلت بجدية: ابقي حيث أنتِ.