رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل التاسع والثلاثون
انتبهتُ لخروج الآنسة تاتيانا لتغادر مسرعة وهي تسير بخطوات واسعة. إنه وقت الاستراحة الخاص بها، ستذهب لشراء الكلب إذاً.
اشحت بوجهي لأعيد ناظري إلى دانيال، ولكنني سرعان ما أعدتُ ناظري إلى ما لمحتهُ لأجد نفسي اقف متسمراً في مكاني أحدق إلى من يسير بخطوات سريعة كذلك يضع يديه في جيبه و. يسلك الطريق الذي سلكته!
هذا السكّير. مجدداً!
انتابني الاضطراب وقد تمكن مني الحذر والقلق لاقول بحزم احدّث دانيال بجدية: قد أحتاج الى مساعدتك، اتبعني دان.
بدى مستنكراً لكلماتي وعينيه تتابعني بعدم فهم بينما ابتعدت بخطوات واسعة لأتبع ذلك الرجل فتحرك دانيال ليتساءل يقطب جبينه باستنكار وهو ياخذ مفتاح دراجته على عجالة: ما الأمر فجاة؟
أجبته وقد قلّصت المسافة بيني وبين من لازال يتبعها بحذر: هذا الرجل ينوي شراً.
اعقبت بصوت عال استوقفه بهدوء وجدية: هيه أنت!
كان صوتي عالٍ بما يكفي ليلتفت نحوي بتفاجؤ وفزع! ولتنتبه تاتيانا كذلك وتستدير للخلف بحيرة من أمرها. لتحدق إلى باستغراب قبل ان يقع ناظرها عليه، و يلي ذلك تصاعد الشحوب الى وجهها لينكفئ لونها بوضوح!
وقد ادرك هو كذلك وقوفها لنتفاجئ به يتجاهلني يهرع نحوها بخطوات سريعة!
هذا الوغد!
تحركت قدماي فوراً وبسرعة لأدركه في حين صَرخت هي بخوف لتبتعد عنه وقد وصلتُ بدوري اليه لامسك بذراعه بقوة واستوقفه فدفعني بانفعال وقد داهم انفي رائحة الشراب اللاذعة التي تفوح من جسده وفمه وهو يصرخ: ابتعد أيها السافل!
كان قد دفع كتفي وتحرك فوراً يحاول مراوغتي ولكنني أمسكتُ بقميصه بقوة من الخَلف اجذبه نحوي قبل أن اركل قدمه أرغمه على الانحناء على كلتا ركبتيه فصرخ بغضب: سُحقاً لك! ما الذي تريده بالظهور أمامي مرة أخرى؟
تهاوى على مسامعي صوت دانيال خلفي باستنكار شديد: ما الذي يحدث تحديداً كارل!
رمقته بنظرة سريعة قبل ان أوجه حديثي الى تاتيانا التي توقفت عن الركض وكانت قد التقطت من على الارض حجرة بجانب الرصيف تحدق إليه بحذر واشمئزاز لاقول لها بحزم: قدّمي بلاغاً حالاً!، والا سيُعاود الظهور مراراً وتكراراً.
طرفت بعينيها باستيعاب ونظرتْ إليه بإشمئزاز وتوتر وهي تميء لي ايجابا تُبقي الحجارة في يمناها بينما تخرج هاتفها بيدها الأخرى وتنظر اليه دون ان تفارقه عينيها. بدى الخوف قد تمكن منها و جعل كلتا قدميها ترتجفان بوضوح و بالكاد يمكنها الوقوف باستقامة!
اجفلتُ لِيد قد تدخلت لتدفع السكّير على الارض بقوة ودون مقدمات!
كان دانيال الذي حذرني بحدة وعصبية: كُن يقظاً! هذا الوغد يحمِل سلاحاً في جيب بنطالِه!
ماذا!
نظرتُ اليه بعدم استيعاب لألمح في يده سلاح أبيض صغير بالفعل!
لم يكن ليتردد في إيذائي! هذا يعني أنه.
قد أتى الى هنا وهو يستهدفها دون تردد!
أطاحه دانيال بغضب بل وقام بركل بطنه قبل أن يدوس بقدمه على يده بقوة ويمسك بياقته يوجه حديثهُ إلي: يبدو أنها اتصلت بالشرطة، ماذا تقترح! هل نبقيه على هذه الحال إلى حين وصولهم؟
عقدت حاجباي وهاجس غريب يسيطر على أحدق إلى الابتسامة التي رسمها هذا السكير على ثغره وهو يتأوه! حيث كان يبتسم بشيء يشبه. المَكر والثقة؟
بينما عينيه تُحدق. اليها!
انتزعت ناظري عنه لأنظر إليها بتركيز، كانت قد أنهت المكالمة وهي تحدق إليه بكراهية رغم وضوح التوتر والخوف الذي سيطر على تحركاتها ويدها لا تزال تتمسك بالحجارة بقوة حتى ابيضت أصابعها!
بحثت بعيناي عن شيء يشفي التوجس الذي سيطر علي، ولا سيما حولها أو تحديداً حيث يسترق هذا النذل نظرات متقطعة!
لأدرك أن شعوري قد كان في محله!
لا أدري متى تحركت قدماي وكم كنتُ سريعاً حينها. ولكنني أدرك جيداً انني قد لا أصل في الوقت المناسب!
انقبض صدري أنظر إلى الكيان الذي اقترب منها وينوي مهاجمتها وصوت ذلك السكّير قد علا وهو يصرخ ضاحكاً بجنون: عَليك بها! تخلص من هذه العاهرة حالاً!
حركتْ هي مقلتيها بارتياب نحو من تقدم اليها بعد ان كان يدّعي كونه أحد المارّة بجانبها طوال الوقت.
بالكاد وصلتُ حيث تقف! عندما رفع يده نحوها تراجعتْ هي فوراً للوراء تتفاداه وبالكاد قد نجحت! ولكنه اقترب مجدداً ينوي النّيل منها فوجدت نفسي أدفع بجسدي نحوها بسرعة أتجاهل الشد الذي أصاب ساقي جراء حركتي المفاجئة!
ورفعتُ كفي أمامها لأحيل يده عن الاقتراب منها وأمسك بالسكين التي أخرجها من سترته لأوقفه.
لا يبدو أنه توقع تدخلي كما لا يبدو انه يتمتع بشجاعة كافية، فلقد اصابه التوتر والخوف فوراً وترك السكين ليغادر بخطوات واسعة ليبتعد عن المكان بسرعة وهو يدفع الناس في طريقه فتعالت صرخاتهم جراء ما حدث مبتعدين عن طريقه!
عمت الفوضى المكان بل ان أحد المارّة قد دفع تاتيانا بالخطأ لتترنح وتفقد توازنها لولا انها استعادته فوراً تتمالك نفسها فسألتها بجدية: هل ستنتظرين في استراحة المقهى الى حين وصول الشرطة؟
انهيت كلماتي وانا استدير احدق الى دانيال الذي لا يزال يحاول تثبيته على الارض بينما يراوغه ويحاول مقاومته فأسرعت لأتدخل وأعاونه لأمسك به أيضا وما ان فعلت حتى انتابني الم غريب في عُمق باطن كفي!
عقد دانيال حاجبيه وقد ومضت عينيه بالغضب وهو يرى الجرح الذي تركته سكين ذلك الرجل للتو! يبدو انني تأخرت في استيعاب إصابتي جراء ما حدث! هذا النزيف. غزير الى حد ما.
نظرت من حولي قبل ان اقول لدانيال بجدية ولازلت اعاونه: لا بأس ساهتم بالجرح فور وصول الشرطة.
دعني أساعدك في تثبيته، وانت ايها الشاب يمكنك محاولة ايقاف النزيف.
هذا ما قاله احد المارّة وهو يشير لي بان أبتعد ليساعد هو دانيال في تثبيت هذا السكير، بدى شاب في عمر المراهقة ولكنه يتمتع ببنية جيدة فوجدت نفسي أعتمد على مساعدته التي عرضها، وبالفعل تركته يساعده في حين ناولتني امرأة عجوز وشاحها الخفيف بتوتربينما ترتجف يديها فقلت لها مجفلاً: اه لا بأس يمكنني العثور على.
قاطعتني تمسك بكيس مشترياتها بيدها الاخرى لتقول باصرار و اضطراب بصوتها المبحوح: خذه لا مشكلة لدي، بحوزتي الكثير من الاوشحة الجديدة!
بدت مُصرة وهي تواصل اقناعي حتى تفاجأتُ بمَن تدخلت لتأخذه منها بهدوء و تقترب باتجاهي لتسحب يدي وتحيط الوشاح على كف يدي بقوة و ملامحها لا تنم سوى عن. الغضب وفكها يرتجف دون توقف، تقطيبة تنم عن العصبية البالغة قد اعتلت جبينها الذي برزت عروقه. بل وقد همست بصوت خافت وهي ترفع عينيها الداكنة تحدق ورائي بحقد: النذل الحقير.
كانت اناملها ترتجف بينما تلف الوشاح بل و زمت شفتيها بقوة وهي تردد كلماتها بنفاذ صبر قبل ان تُلحقها بما جعلني انظر اليها باستنكار: سأقتله. نكرة مثله لا يستحق العيش!
أعقبت بعصبية توجه حديثها إلى بحدة: لم يكن عليك التدخل في شؤوني! اعتني باصابتك أيها المتطفل!
تركت الوشاح بيدي وتفاجأت بها تتحرك فوراً لتتجه اليه بل وتحاول دفع دانيال بعيداً وذلك الشاب في محاولة مستمرة منها لتنقض عليه وهي تصرخ بانفعال: أيها المقامر الجبان هل هذا كُل ما يمكنك فعله! الاختباء كالجرذان والتجول بحثاً عن المال؟ ابتعدا عن طريقي! اقترب ليدغير لأبصق عليك أيها الحثالة!
صرختْ عليهما تحاول النيل منه ولكنهما استمرا في محاولة إبعادها وتثبيته في حين صرخ عليها المدعو ليدغير يحاول ابعادهما كذلك: هذا ان تجرأتي على الوقوف امامي ايتها العاهرة! هل ظننتِ بأنك ستنجين بفعلتك؟ هل تعتقدين ان محاولتك الفاشلة لقتلي ستمر دون عواقب!
اغمضت عيناي بصبر أحاول تمالك أعصابي!
هناك الكثير من الناس قد رفعو هواتفهم لتوثيق ما يحدث!
لذا اقتربت منهم وقلت بجدية وحزم: يكفي انسة تاتيانا لقد حاول للتو النيل منك مستعيناً بشخص ما لذا لا ت.
ولكنها صرخت عليه تتجاهلني تماما: لن تعثر عليها، لن تستغلها ولن تأخذ منها فلس واحد! ستموت بحسرتك على ما ستناله حتماً! أمّا عن محاولتي الفاشلة فأعدك بأنني لن أفشل مجدداً.
قالت ذلك وهي تحاول ابعاد يد دانيال عنه، وعندما فشلت قامت بركل ليدغير في بطنه بغضب ليصرخ منفعلا بقهر وعصبية!
اهدأ كارل.
حافظ على هدوءك.
ولكنها استمرت في ضربه مما جعل دانيال والفتى الذي يعاونه يواجهان صعوبة في الحفاظ على زمام الامور!
فذلك الليدغير تنتابه العصبية والانفعال راغباً في الهجوم عليها كما لو تملكته شياطين الأرض لتقدح عينيه شرراً ويتورد وجهه بالكامل.!
عندما لمحتُ ذلك الحجر لا يزال في يدها ادركت انها قد تفقد اعصابها بالفعل لينتهي الامر به مصابا لتشج به رأسه لذا تحركتُ وقلت اقف خلفها موجهاً حديثي إليها بجدية وحزم: هذا يكفي انتِ تصعبين الأمر عليهما.
هذه الفتاة.
كم هي عنيدة!
تفاجأتُ به قد ابعد الفتى عنه ليحرر يده اليسرى محاولاً ضرب دانيال ليبعده عنه ولكن لحسن الحظ قد استعاد ذلك الفتى سيطرته ليمسك به في حين شهقت هي مجفلة بخوف متسمرة في مكانها!
ثم سرعان ما اتسعت عينيها جراء صوتي الجهوري الذي علا عليها ويدي قد تحركت دون شعور لاجذبها من ذراعها بعيدا عنهم: تراجعي للوراء وابتعدي عن وجههِ اللعين!
كان صوتي عالٍ الى درجة.
اكتساح الصمت في المكان بين الجميع ليلتزم المارّة الهدوء!
أنفاسي متلاحقة وشفتاي ترتجفان جراء نفاد صبري!
بقيت تطرف بذهول وببطء تنظر إليّ بعدم استيعاب حتى انزلقت الحجارة من بَين أصابعها لتُسقطها على الأرض.
كانت لحظات من النظر إلى بتفاجؤ حتى أخفضت ناظرها باستيعاب تنظر الى قبضتي التي أحكم بها على ذراعها!
وعندما اخفضتُ كذلك ناظري، و رأيتُ كم كانت يدي قد ابيضت حول ذراعها انتابني الاضطراب لانتزع يدي فوراً وانظر اليها بإدراك!
بحق الاله لقد. بالغت كثيراً!
اجفلت لرؤيتها تطبق فمها بقوة قبل ان تزم شفتيها تعض عليها وهي ترفع يدها الاخرى تمررها على ذراعها بألم.!
حينها ارتبكت لاقول بتوتر وارتباك رغماً عني مدركا كم امسكتها بقوة بالغة: يا الهي! أنا آ. أسف!
لم اقم بإيذائها وحسب ولكنني قد. لطختُ ذراعها بدماء كفي دون قصد! جف حلقي جراء قلق قد تصاعد في جوفي وانا ارى كم تهورت في امساك ذراعها بعنف.
كانت لحظات من صمتها المطبق، حتى انتزعت عينيها عني و وجهتها نحو المدعو ليدغير تحدق إليه!
هاجس قد دفعني للتحرك قليلاً وقد وجدت نفسي مضطر لأحيل الطريق عنها أقف امام ليدغير، ولكنها أبقت عينيها عليه وهو يحاول مقاومتهما، لتهمس بصوت خافت متهدج: حبسُكَ لن يكون كافياً أبداً. يوماً ما سأتصل بالشرطة ليتخلصوا من جسدك العَفِن، هذا عهد قد قطعته مسبقاً، و سأوفي به.
كتاليا:.
ترجلتُ مِن السيارة التي يقودها السيد آرون أمسك بينديكت بين يديّ وقد تبعني السيد هاريسون كذلك لينزل ويلتفت نحو نافذة السائق ليقول بجموده المُعتاد: شكراً على ايصالك لنا، ستتناول الآنسة كتاليا العشاء معنا، يعلم آرثر بهذا مُسبقاً.
ابتسم له آرون وأومأ برسمية وهدوء: تلقيتُ هذا الأمر بالفعل، سأترك الآنسة في رعايتك، إلى اللقاء.
ثم وجه عيناه نحوي وأردف بجدية: من فضلك آنسة كتاليا لا تتصرفي بتهور واحرصي على اعلام والدك بكل خطوة تنوين اتخاذها فلا شيء حولك يمكنك منحه الأمان المُطلق.
حدقت إليه للحظة قبل ان انظر للشارع من حولي واتمتم بينما ارسم ابتسامة هادئة: عُلم.
ارتفع حاجبيه بشيء من الحيرة ثم سُرعان ما تنهد بِرضى، بينما لوحتُ له لأتبع السيد هاريسون وأدخل إلى المتجر.
وبينما يدلف السيد هاريسون إلى المحل بقيت أقف عند الباب بعد دخولي أدرك كم كان المكان هَادئاً.!
بعيداً عن الصخب المعتاد، بعيداً عن الأجواء الحيوية.
وبعيداً عن المشاحنات المُعتادة.
المعتاد والمُعتادة؟
أنا.
كم. اعتدت البقاء هنا تحديداً؟
نظرتُ إليه وهو يَتجه إلى المرأب وقد بدى يدفع بعض الصناديق الصغيرة ويأخذها امام باب المرأب.
تركت بينديكت لينزل حيث بدأ يتجول للحظة وهو يهز ذيله، قبل ان ينبح لي مراراً وتكراراً.
ارتفع حاجباي بحيرة وسألته: مَا الأمر؟
ولكنه استمر في النباح يدور حول نفسه قبل أن يصعد الدرج بخطوات سريعة.
لويت شفتي بحيرة ولكنني وجدت نفسي أتنهد وقد بدأتُ في التحديق الى المكان من حَولي بتركيز.
هذا المكان.
كان بمثابة المأوى المؤقت لي!
وهذا المأوى سيصبح اليوم. مُجرد مرحلة قد مررتُ بها وأمضيتُ فيها وقتٌ أحارب فيه نفسي.
لا أصدق أنني لجأتُ إلى هذا المكان لأكون على مقربةٍ من العارض الذي حاولتُ بكلِ الطرقِ اقناعهُ للإنضمامِ إلى العملِ لتعويض مكان العارض السابق.
لم تكن أيامي تمضي بسلامٍ هُنا.
كانت مليئة بالتحديات!
ولكن التفكير بضرورة الرحيل من هنا أمرٌ. يُشعِرني بالغرابة!
وربما.
عدم الارتياح!
أنتِ هنا لمساعدتي في تحضير العشاء، لا للوقوف كضيفة شرف!
أجفلتُ لصوته الحازم وأومأت فوراً: آه نعم، قادِمة!
انتهى الأمر بنا في المطبخ وقد أدركت أن لا كيفين أو لاري هنا بعد، وهذا يفسر السلام الذي عمّ ارجاء المنزل هنا فلاري لم يكن ليتركني وشأني.
تساءلت بحيرة وانا اقف بجانبه باستغراب: ما الذي تخطط لطهيهِ للعشاء؟
كان ينظر إلى المطبخ من حوله، يفتح أدراج الخزانات يتفقدها على عجالة ثم فتح باب الثلاجة وهو يفكر قبل أن يقول: ينقصنا بعض الضروريات، سنُعِد يخنة اللحم الطازج، وحساء القرع إلى جانبه الخُبز. أيا يكن الجرو ينبح دون توقف هل هو بخير؟
رفعت كتفاي: لا ادري حقاً ولكنه يبدو أنه مُصر على دخول غرفتي، توقف عن النباح عندما وضعت له الطعام.
نظر إلى بتفكير قبل ان يقول بجموده المعتاد: سأذهب على عجالة إلى المتجر لن أتأخر، يمكنكِ استغلال الوقت في ترتيب حقيبتك ان شئتِ ريثما أعود.
لا تبدو فكرة سيئة.
أومأت له بهدوء وابتسمت انظر إليه بترقب وهو يخرج من المطبخ بخطوات واسعة.
وما ان سمعتُ صوت باب المتجر في الأسفل بعد رحيله حتى وقفتُ حائرة جراء الهدوء والصمت المطبق الذي يعم أرجاء المنزل بالكامل!
هذا الهدوء.
لا يليق بهذا المكان على الإطلاق!
إنه مُزعج. ومُوحِش!
بطريقة ما. كان حيوياً دافئاً، لقد كان مفعماً بالحياة بلا شك!
دانيال لم يعد بعد، كارل في عمله، كيفين قد خرج أيضاً، لاري على الأغلب لا زال يتجول في الخارج.
الامر ليس بِكون الهدوء لا يلائم هذا المكان فقط ولكن.
أروقة المنزل وكل زاوية هنا. أفتقد لسماع تفاصيلها المليئة بالحياة!
حيث ينبغي أنها مليئة بالمشاحنات والصراخ، بالضحكات أو حتى الجدال.
لن أنسى كم كان الوضع كارثيا في يومي الأول هُنا.
يفترض انني سأرتاح من الازعاج الذي اضطررت للعيش فيه طيلة الفترة الماضية.
اليس كذلك؟
اسندت جذعي للوراء على طاولة تحضير الطعام أنظر الى هاتفي الذي قد وصله اشعار للتو.
فغرت فمي بحماس وشهقت بسعادة استوعب وصول هذا الاشعار من تحديث المدونة التي مضى وقت طويل على آخر تحديث فيها!
بل ابتعدت عن الطاولة وخرجت من المطبخ لأتحرك بخطوات واسعة وقد لمحتُ بينديكت الذي أنهى طعامه ليستلقي بسلام على الأريكة، أكملت طريقي أنوي الصعود إلى غرفتي راغبة في الإستلقاء على السرير فوراً لاقرأ التحديث بتركيز وبكل استرخاء.
الا انني قد توقفتُ عندما تعالى رنين هاتفي لالقي نظرة سريعة على هوية المتصل.
اتسعت ابتسامتي بلا حيلة وتوقفت عن الصعود لأجلس على الدرج وأجيب فوراً: اهلا بالأخ الأكبر!
اتى صوته الهادئ موبخاً: الذي لن تُلقي لهُ بالاً أو تتواصَلي مَعه حتى يُبادر هو!
زممت شفتي بلا حيلة وتنهدتُ بعمق: انها لَوقاحة مني حقاً، أعتذر على التقصير ريتشارد أنا بالفعل. حسناً لا أعذار هذه المرة.
امتعض بوضوح: تعترفين باستنزاف كافة الاعذار الممكنة؟
أعقب بجدية: لم تجيبي منذ الصباح على رسالتي لذا انتابني القلق!
عقدتُ حاجباي بِحيرة وفُضول أُبْعِد الهاتفَ عن أذني والقي نظرة سريعة على الشاشة، لأرى بالفعل رسالة قد فاتتني صَباحاً منه كان يحييني فيها!
أخفضت ناظري وأنا اعيد الهاتف عَلى أذني ممازحة أتجنب خجلي: ما نوع التعويض الذي ينبغي على تقديمه لك؟
اتى رده حازما: كتاليا.! كانت مجرد رسالة رغبت فيها بالاطمئنان عليك لاسيما وانكِ. تعلمين جيداً ما يحدث مؤخرا وخصيصا بعد خروج ذلك المُحتال الوغد من السجن!
لم أنتبه لهاتفي حقاً لقد. انشغلتُ اليوم ببعض الأمور، لا تقلق كل شيء على ما يرام، ماذا عنك!؟ هل أنت بخير؟ اقصد. تحسنت اصابتك؟
انتزعت الكلمات الاخيرة من جوفي جراء ثقل دهشتي من اهمالي ولامبالاتي باصابته بسببي! لقد أصِيب اثر مُساعدتي ولكنني لم أكلف نفسي عناء السؤال او الاطمئنان عليه!
جزيت على فكي مُحرجة من نفسي بشدة وقد شعرت بثقل غريب في لساني!
هذا.
لا يمكن ان يكون حقيقة! كيف بحق الاله قد قصّرت في مجرد الاستفسار عن حاله؟
أنا بخير. هناك من ترغب في التواصل معك!
تلى قوله صوت طفولي يقول بحماس: عمتي كاتي! اقترب موعد حفلتي وعليك التواجد في الصفوف الامامية لتشاهدي مهارتي في تأدية الرقصة إلى أتدرب عليها كل يوم!
ابتسمت بتلقائية بسعادة وانا أقول ممازحة: فيونا! بالطبع سأتواجد لالتقاط أفضل الصور لكِ على المسرح كما وعدتكِ آخر مرة، هل أنت بخير عزيزتي؟
اجابتني بسعادة وبدى ثغرها قريب جدا من الهاتف إذ كانَ صوتُ الهواء أعلى مِن كلماتها: عَمتي، لقد قال أبي أنه سيُفاجئك بالحَفل أنّ ذلك الشيء في بطن أمي هو ذكر و سيُسميه فيليب!
سمعتُ ريتشارد الذي يوبخها بصوت خافت: مَ. مَهلاً فيونا كان يفترض أنها مفاجأة! ثم كيف علمتِ بالأمر انه سر بيني وبين والدتكِ هل استرقتِ السمع!
ضحكتُ بخفوت وسعادة، بينما أجابته فيونا مُعترضة: لم أسترق السمع هذا ما قاله جدي بالأمس وهو يتحدث على الهاتف.
وضعتُ يدي على ثغري أضحك بلا حيلة وعلقتُ ساخِرة: لا بأس ريتشارد، سأتظاهر بالدهشة عِندما تُخبرني بهذا لاحِقاً.
ترقبتُ رده وقد طال صمته قليلا حتى ناديت باسمه عندما اختفى صوته فتنهد بِلا حيلة وقال: كما سمعتِ كتاليا، اخترنا اسم فيليب.
فيليب و فيونا، يروقُ لي اسميهُما مَعاً!
ستكون زوجتي متواجدة في الحفل وترغب في رؤيتك. لا تفوتي الدعوة كات، عليكِ التواجُد.
لا مشكلة لديّ على الاطلاق مع زوجة ريتشارد، فلطالما كانتْ امرأة بسيطة متواضعة تكره التدخل في شؤون الآخرين.
هي تحب ريتشارد كثيراً وتحترم خصوصياته العائلية، لم تقم بإيذائي بأي كلمة يوماً، كما لم تتدخل في المشاكل التي حدثتْ قبل رحيلي عن منزل العائلة.
لذا أعتقد أنه. لا بأس برؤيتها هناك.
حسنا ريتشارد، لا بأس.
كتاليا، علينا الحديث بشأن موضوع ما، هل يمكنكِ مقابلتي اليوم ان امكن؟
ا. اليوم؟
لماذا قد يقترح رؤيتي اليوم؟ لقد تأخر الوقت بالفعل ولا أرى اي مجال لأن نلتقي!، لذا أعقبت بحيرة واستنكار: بشأن ماذا؟
بدى كما لو تحرك مبتعدا عن المكان الذي كان فيه وهو يقول بهدوء: لن اراوغكِ كات، يزعجني كثيراً تكرار ما حدث مسبقاً!
تكرار ماذا تحديداً ريتش.
هل بالفعل تواعدين ذلك العارض! كتاليا ماذا عن. تجربتك السابقة؟ الا تعتقدين انها مشابهة الى حد كبير لما يحدث الآن؟ الم تستوعبي بعد ان العارض الذي قام بتجاوز حدوده امام مرأى الجميع لا يناسبك إطلاقاً؟ الا يفترض انك تعلمتِ درسا تختارين من خلاله الشخص المناسب لكِ!
أمر دانيال إذاً.
يبدو ان هذه الكذبة السخيفة قد انطلت على ريتشارد الذي تغيرت نبرته في كلماته الأخيرة الى الجفاء والحدة.
يصعب لومه حقاً ولكن.
لا أصدق انني مضطرة لمسايرة الجميع!
ومع ذلك وجدت نفسي أقول بكلمات ملتوية هادئة أحدق إلى الدرج اسفل قدمي التي اضمها إلي: اعلم جيداً كم هو من الصعب اقناعك بأن ما يحدث الآن لا يشبه ما حدث مسبقاً بأي شكل من الاشكال، ولكن. لا تقلق ريتشارد، أنا.
ترددت قليلاُ قبل ان اتفوه بكلمات جادّة مطمئنة: لستُ جادة في الوقوع في حب أي رجل، وإن كنتُ أواعد هذا الرجل الآن ولكنني لن أمنح نفسي إلى أي شخص آخر. ريتشارد أنا فقط قادرة على اخبارك الآن بأن العارض دانيال. رجُل شهم وحسب.
كتاليا! هل تستوعبين قولك حتى! هل نسيت ما فعله باتريك وكم كان لطيفاً مسالماً قبل ان يكشّر عن أنيابه! ستواعدينَه لمجرد أنه.
لا تقارنه بباتريك أبداً.
ماذا لو كان يحوم حولكِ للأسباب نفسها! ماذا لو كان الطمع يتملكه منذ البداية! وماذا لو كانت شهامته مجرد مَسْرحية هزلية وستكتشفين لاحقاً أنكِ خدعت به تماماً كما حدث من قبل!
هو لا يحوم حولي.
أعقبت اتنهد بعمق أغمض عيناي بإنهاك: أنا من أحوم حوله ريتشارد، أنا من أواعده بملء إرادتي.
أنتِ كذلك من اخترتِ باتريك مسبقاً! أنتِ من كانت تحوم حوله كتاليا! لماذا بحق الإله لا يكون شريك حياتك شخص سيفعل المستحيل لأجلك! سيفعل كل شيء لتلاحظيه! او سيحاول بكل الطرق نيل رضاكِ ولفت انتباهك اليه لصدقه في مشاعره نحوك؟
علا صوته بغضب وقد كنت لا زلت أغمض عيناي عاجزة عن مجادلته، ففي الحقيقة يمكنني فهم سبب غضبه جيداً.
كيف يمكنني لومه وقد كنت مُصرة دائماً ان باتريك هو الشخص المثالي!
كيف يمكنني انكار خوفه أو قلقه وقد كان يرى تحول حياتي إلى جحيم، او افسادي لحياتهم تدريجياً الواحد تلو الآخر.
قد لا أملك مشاعر عاطفية تجاه دانيال، قد اكون حذرة تجاه أي شعور مشابه نحوه، ولكن يصعب انكار حقيقة شعوري تجاهه بالإمتنان، أو حتى الأمان.
كيف لا وقد رأيته يتأذى مراراً وتكراراً بسببي!
أو كيف أجْحد هذا وقد تورط في شؤوني الخاصة ولم يتفوه بأي عتابٍ أو لوم بشأن هذا.!
دانيال. لم يعرض نفسه للخطر فقط ولكنه.
علي الأغلب لم يفكر في نفسه أصلاً!
طال صمتي عن حديث ريتشارد فقلت مهدئة: معك حق، ولكنني لا أمانع مواعدة دانيال، ولازلت أؤكد لك ريتشارد ألا تقارن هذا الأمر بذاك. وقد تكون وقاحة مني لأسألك هذا ولكن مِن فضلك. أنا أرجوكَ لتتوقف عَن ذكر أمرِ باتريك مجدداً.
كتاليا.
همس بإسمي بإنزعاج وعدم اقتناع وبدى يرغب في مجادلتي لولا أن قلتُ له مبتسمة أحدِق إلى الفراغ اتمالك نفسي: أقدّر قلقك وخوفك، واتفهم ما تشعر به، ولكن. تجربتي السابقة كانت درس بالنسبة لي ولا أنوي خوضها مجدداً، اطمئن أرجوك.
ولكن. هل حقاً سيتجاوز أبي هذا الأمر ببساطة؟ تعتقدين بأنه سيسمح لكِ بفعل ما يحلو لكِ مع رجلٍ مثله!
وكأنه لم يفقد عقله بعد ما حدث في البث المباشر، لقد اختطف دانيال فعلياً!
لقد وُضع أبي أمام الأمر الواقع بعد أن أكد مرارا وتكرارا على رغبته في اختيار لارز وحسب.
تجاوزت أفكاري وقلتُ بلا حيلة: سيقتنع بلا شك عندما يدرك أي نوع من الرجال يكون دانيال.
ولكنه لم يَقتنع بعد كتاليا!
ولكنه رأى كم هو رجل يُعتمد عليه لذا أعلم جيداً أنه لن يجرؤ على مقارنته بباتريك! من فضلك ريتشارد لا تشغل بالك في أمر دانيال و. ثِق بي وحسب!
دانيال الذي تدّعين كونه رجل متميز وفريد من نوعه هو مجرد رجل فقير لن أستبعد يوماً أن ينتابه الطمع تجاهك! أفيقي! لا شيء جديد بالنسبة لي ولا انوي رؤيتك تذرفين الدموع مجدداً لأجل رجل كهذا.!
كان صوته قد علا بغضب واضح ليكمل بكلمات سريعة بعصبية: يُفترض أنكِ قد غادرت لتبدأي من جديد لا لتُعيدي الكَرّة! رأيتكِ تخسرين الكثير وتتأذين فكيف آلت بكِ الظروف إلى.
ريتشارد، إن استمرت هذه المكالمة فنحن بلا شك سنتشاجر لذا أرجوك. هذا يكفي!
لقد. رحلتِ بالفعل!
عقدت حاجباي بعدم فهم واستنكار لأردد كلماته بتشتت!، ساد الصمت بيننا مطولا حتى همس بنبرة خافتة مليئة بالعتب: اعتقدت ان اختي الصغيرة قد غادرت لتعيد ترتيب وتنقية أفكارها، لتصفية حساباتها وحياكة طريق جديد يمحو كل ما مضى ولكنها قد رحلت وحسب! لقد رحلتِ كات. ولا يبدو انك تنوين العودة حقاً!
ر. ريتشارد!
لا أمانع عودتك من طريق آخر مختلف تماما، لا أمانع عودتك إلى العائلة بفكر مختلف ولكنكِ تسلكين طريقاً ضبابياً. مجدداً!
لقد قطعتُ عَهداً ألا أتسببُ بالأذى لأحدكم من جديد، عاهدتُ نفسي ألا أجلب المصائب لكم وأنا عند وعدي.
لم تستوعبي ولو كلمة واحدة قد نطقتها للتو.
همس بتلك الكلمات بيأس مترع بالضيق وهو يردف بكلمات سريعة: لننهي المكالمة عند هذا الحد.
هذه المرة لن أسألك ان تثق بي. فربما قد خسرت ثقتك بالفعل ولكنني سأسألك أمر واحد فقط ريتشارد.
قلتُ كلماتي بنبرة حاولتُ فيها تمالك هدوئي قدر المستطاع، وعندما التزم الصمت يترقب قولي وجدت نفسي ازم شفتاي بقوة امنع نفسي من الانهيار قبل ان أقول بإنهاك رغماً عني: لا تقف ضدي. لا تصرخ أو تنتقدني مُباشرة، لا تغضب أو تنهرني ريتشارد! من الوقاحة ان أطلب هذا ولكن.
فلتت من بين شفتاي شهقة خافتة إثر رغبتي في كبح بكاء وغصة تحاول خنقي لأكمل برجاء وضعف لا أدري كيف قد اجتاحني دون مقدمات: ولكنك الوحيد الذي لا زال على تواصل معي، الوحيد الذي لا يزال يهتم لأمري ويُفكر بي. لذا أرجوك، كُن معي واصبر على ما اقوله وحسب، قم بمجاراتي الآن فقط، أنا حقاً. بحاجة إلى.
لماذا قد تمكن الضعف مني الآن بحق الإله فجأة!
لماذا انتابتني برودة غريبة في اطراف جسدي!
وكيف يتصاعد في داخلي شعور وِحدةٌ موحش دون مقدمات؟
لم اتزحزح من مكاني عندما واصل أبي صراخه وتأنيبه ولكنني فقدت ثقتي تماماً وانهار جزء كبير مني لمجرد استياء ريتشارد وعلو نبرته للتو!
هل وضعتُ نفسي تحت كومة من التراكمات مؤخراً أم أنني. مُنهكة وحسب!
هل ما حدث اليوم وقرار رحيلي عن هذا المنزل س.
ر. رحيلي عن هذا المنزل!
أنا.
سأرحلُ من هنا بالفعل؟
و. وليكن؟
ما الذي سأجنيه من البقاء في منزل بالكاد يمكنني استخدام حمام خاص بي فيه؟ أو غرفة تفتقر إلى الكثير من الأساسيات!
ما المغزى من التواجد في منزل مترع بالضجة والإزعاج في كلِ حين ولا سيما في الصباح الباكر! يعج بالمهام المُزعجة والأوامر المستفزة! يفتقر إلى حِس الأناقة والفخامة!
يحتاج إلى الكثير من اللمسات والكمالياتْ! رواق ضيق، ودرج يصدر صوت مزعج ونوافذ صغيرة! هذا المنزل مجرد م.
كتاليا. أنا بحاجة ماسّة إلى لقائه.
انتزعني صوت ريتشارد المليء بالجدية والحزم، ولم امنح كلماته أولوية أمام دهشتي بالدموع التي تسللت إلى كلتا عيناي.
أنا.
سوف.
أغادر اليوم!
سأستيقظ كما يحلو لي. لن أسمع شجار دانيال مع الآخرين! لن أشهد على جدال السيد هاريسون مع ابنائه او زبائنه! سأقطن في شقة واسعة واتحرك كما يحلو لي، سأتناول وجباتي في الوقت الذي. أريده!
لن أبالي بمبادئ او قوانين محددة، كما لن أخضع لرغباتهم في تقييد حُريتي!
يُفترض أن.
أحتفل بحق الإله فلماذا اشعر بهذا الكم الهائل من الكئابة والضيق الذي يكبتني ويخنقني!
كتاليا!
اجفلتُ لصوتهِ الذي ينم عن نفاد صبره ولم يمنحني فرصة الاستيعاب ليكمل قولهُ بحدة: قلتُ للتو أنني أرغب في لقائه، وفي رأيي لا مجال لترفضي او تتعذري!
هاه؟
ابتلعت ريقي بصعوبة وتساءلت اتنحنح لأبعد الغصة عن حَلقي: تلتقي بدانيال؟
و من غيره!
لِ. لماذا!
وما السبب في رأيك! أنا جاد كتاليا، لن اقبل اي عذر قد تختلقينه، سألتقي به لذا أعلميه بهذا ليتأهب.
مهلاً!
تجاوز كلماتي ليقول مختصراً يحافظ على هدوء صوتِه: حفل فيونا سيحين بعد بضعة أيام، سأرسل لكِ تذكرة إضافية، قومي بدعوتهِ نيابة عني واحرصي على أن يُرافقك.
فغرت فمي بعدم تصديق في حين أكمل بجدية: على الذهاب الآن، سأغلق ولكن قبل كل شيء.
تنهد بعمق وأضاف: لا تحزني كات، أنا معكِ ولكنني لستُ مع تهورك لذا لا تستائي عندما يؤدّي أخاكِ الأكبر دوره.
تلك لم تكن مجرد كلمات مواسية، ولكنني شعرت بيده الحانية على رأسي حينها!
ولن ابالغ لو قلت بانني قد أغمضتُ عيناي راغبة في الحفاظ على لمسة يده الحانية لأطول وقت ممكن!
الامر ليس بأنني لستُ معتادة على معاتبته إيّاي ولكن،
ربما لا أقوى على سماع أي عذل او لوم في هذه اللحظة خصّيصاً.!
نهضتُ من على الدرج أسير بخطوات ثقيلة لأصعد نحو الغرفة.
كما لو انتهيت الان فقط من تنفيذ مئة خطوة لتمرين يستهدف كلتا قدمي!
آخر ما أرغب في حدوثه هو لقاء ريتشارد بدانيال برغبة تقييمه أو اختباره!
لا يمكنني البوح بالحقيقة لأخبره ببساطة ان كل ما يحدث مجرد ادعاء وكذب!
كما أعلم جيداً أنّ دانيال.
أنه ماذا؟
هذا الرجل يُصبح غير متوقع أحياناً كثيرة، ويصعب حقاً تخمين كل فعل قد يبدر منه ولا سيما مؤخراً.
رغم بَساطة قوله وأفكاره إلا أنهُ قد أصبَح مِن الصَعبِ توقعه في الأيامِ الأخيرة.
أخذت شهيقاً عميقاً وانا أدخل الغرفة أعيد الهاتف في جيبي واتجه إلى الخزانة احاول التركيز على هدفي الحالي.
قومي بجمع كل مَلابسك وحاجياتك وَ وضبي حقيبتك لتغادري اليوم بعد تناول العشاء مع الجميع.
افعلي هذا الآن.
وتوقفي عن التفكير في أي أفكار سلبية من شأنها تعكير صفو المزاج والأجواء العامة فيَكفي ما حدثَ اليومَ لكِ ولدانيال.
هذا اليوم. قد يكون أطول يوم في حياتي كُلها منذ ولادتي!
ابتسمت بإنهاك وبلا حيلة وانا أمسك ببعض الملابس بين يداي وأستدير لأخذها على السرير وقد سمعت صوت بينديكت خلف الباب في الخارج يرغب في الدخول.
ربما على البدء بالملابس أولاً قبل.
ق. قبل.
لامستْ الملابس التي كنت أحملها قدمي، خانتني قوة يدي وقد استقرت الملابس على الأرض.
في حين تعلقتْ عيناي على الكيان الواقف خلفَ الباب!
ذلك لم يكن ضرباً من الخيال أو نتيجة الإنهاك الذي ينتابني.
فالأعين الخضراء التي تُحدق إلى بترقب وتتبرص تحركاتي قد مُزجت بتعبير جعلني أتسمر في مكاني وجسدي مُحاط بظِلال مُشبعة بالخوف والإضطراب لأتراجع خطوة للوراء بتلقائية!
يديه قد استقرت في جيب بنطاله، ظهره مواجه للحائط خلفه يستند عليه وقد بدى الملل الذي ينتابه ممزوج بشيء أشبه بالسرور!، ليرسم ابتسامة هادئة قد علت ثغره الذي احتوى سيجارة قد أخرجها من جيبه لتستقر بين شفتيه دون أن يشعلها وهو يواصل التحديق إلى بالكاد يطرف بكلتا عينيه!
جسدي. يصرخ بلا شك! ولكنه عاجز أمام انعقاد لساني الذي بات ثقيلاً مهزوماً مقروناً بفكي الذي يرتجف دون توقف.
كما لو ضاقت الغرفة الى درجة شعوري بعدم وجود أي مسافة بيني وبينه!
تابعته بعيناي وهو يتجه إلى الباب، وقد تفاجأتُ به يدير المفتاح في قبضة الباب ليغلقه، ثم انتزعه ممسكاً به وهو يخطو باتجاهي بثبات!
لم يَعد جسدي يستجيب لرغباتي!
أرغب في. الابتعاد حالاً! الصراخ او الهرب ولكنني عاجزة!
انا حتى لا أدري كيف لازلتُ أقف في مكاني دون حركة بينما قد وصَل حيثُ أقف!
بل وقد ارتعدت فرائصي بِعنف حين دفن المفتاح في الصدرية الخاصة بي وهو يحدق إلى بثبات قد مُزج بالثقة المُطلقة!
ما الذي.
يفعلهُ تحديداً!
أي جرأة أو وقاحة يتحلى بها ليظهر وجهه هنا في منزل السيد هاريسون؟ أو ربما.
أي رغبة او غاية قد انتابته لتدفعه للمغامرة والتواجد هنا!
ما الذي. يفكر فيه!
كما لو قرأ الاستعجاب والدهشة على ملامحي وهو يرفع يده ليربت على رأسي، لم تكُن مجرد لمسة بالنسبة لي ولكنها إهانة مثيرة للقرف والإشمئزاز! كل خلية في جسدي قد نفرت واستنكرت ملمس كفه على شعري وهو يهمس بصوت خافت بينما يقربّ وجهه من وجهي حتى لامس ذقنه خدي: مُشاغبة.
لم تعد حواسي تصرخ وتطالبني بالابتعاد او خلق مسافة كافية بيني وبينه!
كما كان صوت الخوف خافتاً أمام الكراهية التي ملأتني وانا اكشّر وأقطب جبيني بإشمئزاز جراء قربه الشديد مني!
ان يظهر نفسه بجرأة وهو على علم تام بأنه عُرضة ليتم التعامل معه بالقوة. أمر يدفعني لأحاول تحريك قدمي للخلف بدفاعية وحذر، وقد حاولتُ جاهدة ولكنها بدت وكأنها قد تأصّلت وتجذرت في الأرض!
رفعت عيناي أنظر إليه بينما أقاوم رغبتي في البصق على وجهه الذي رغم علو التعبير المتهكم عليه لم يُخفي البرود الممزوج بالوعيد والازدراء تجاهي.
كما يبدو انني أظهرت ما يكفي من الكراهية النابعة من الخذلان والخيبة تجاهه مما جعل التعبير المتهكّم يتلاشى بينما يتساءل والسيجارة تتحرك مع كل كلمة يتفوه بها: لم تصرخي او تحاولي الهرب، هل يا تُرى بحوزتك ما تقولينه؟
هذه النبرة المتعالية والنظرات المليئة بالتغطرس لم تشعرني بالحنق والقهر وحسب! ولكنني قمت بالجز على فكي احاول جاهدة تمالك نفسي بينما أتذكر آخر وعيد قد القاه على مسامعي في الغابة.
أفيقي كتاليا.
لقد ظهر بنفسه وعليك ان تستوعبي الأمر برمته!
لم يكن ليُظهر نفسه ويخاطر ان لم يكن بحاجة إلى مواجهتك الآن.
بل يمكنني تخمين كم انتظر ليحين وقت عودتي الى هنا وقد غامر باحتمالية ظهور دانيال او عائلته هنا في وقت غير مناسب.
مما يعني.
باتريك قد نفد صبره بالفعل!
مهلاً.
نفد صبره؟
بالتفكير بالأمر.
كنت اليوم على وشك التعرض لإصابة مميتة، كما قد ازداد ظهور أبي ورجاله في الأرجاء مؤخراً، والأدهى.
استمر منذ ظهوره في محاولة اقناعي بالعودة إلى منزل العائلة دون فائدة!
ما الذي يريده تحديداً؟
ما الذي. ينوي كشفه الأن! أو.
ما الذي تغيّر؟
باتريك ليس شخص أعرفه على الإطلاق، لو كنت أعرفه لما وقعتُ فريسة لألاعيبه، لما غامرتُ بخسارة الكثير لأجله.
أصابني التخبط الشديد بين مزيج المشاعر التي غلفت جسدي من كل جهة وانا أخفض ناظري واقطع التواصل البصري بيننا في محاولة مني لتجميع أفكاري وتهدئة نفسي!
أمامي الكَثير من الخيارات!
يمكنني اللجوء إلى طلب المساعدة بالصراخ او المقاومة أو أياً تكن الوسيلة. كما سيعود السيد هاريسون في أي لحظة وليس من الصعب سماع خطواته التي تتأرجح على الأرضية الخشبية، أو يمكنني باتصال واحد فقط لأبي انهاء ما قد يحاول البدء به ولكنني.
ربما ليس هذا ما أريده.
إن كان قد أتى بنفسه إلى هنا.
فهو في ملعبي أنا!
قد يكون ملعبي ملطخ بمشاعر الخوف والتوتر ومزدحم بعشوائية أفكاري ولكن. كَتاليا! انها فرصتك ليتعثر هنا ويتفوه بما من شأنه أن يشفي فضولك!
ظهوره في هذا الوقت وفي ظل كل هذه الأحداث يعني الكثير!
تلك القبلة بينكما قد آذتني مُجدداً كتاليا! هل انا شخص من السهل نسيانه؟
تساءل كما لو يكبح ضحكة تنتابه!
لم ينتابني القهر أو الانزعاج بقدر ما تصاعد في صدري شعور غريب لرؤيته يبدأ الحديث بهذا الموضوع تحديداً!
شعور كما لو أرى شيء غامض في ضحكته المكبوحة يشبه.
الوعيد!
ربما؟
قد يكون باتريك منزعجاً لدوافعه الخاصة وغاياته النتِنة، كما أعلم جيداً مدى نرجسيته وتملكه واعتقاده الدائم بأنه مُحور هذا العالم!
هو يعتقد انني مجرد دمية يملكها وله كامل الاحقية في فعل ما يشاء فيها.!
ظهوره الآن ينم عن رغبته ربما في قول شيء ما أو قد يبدر منه تصرف غير متوقع أيضاً! فهو مجرد مُختل مخادع لديه نَفسٌ طويل ينافس الشيطان بحد ذاته!
همم، و اتضح أن دانيال رجل جريء غير مُتوقع. اليس كذلك؟
انهيت كلماتي ارفع ذقني ابتسم بهدوء.
انا حقا لا ادري كيف قد آل الامر بي لأبتسم حتى!
في حين نظرَ إلى للحظة، قبل ان يضيّق عينيه قليلاً وهو يرسم ابتسامة سريعة ويعلق: بلا شك!، بدوتِ متفاجئة بالفعل، فأنا أكثر من يعلم أي تعبير أحمق قد يعلو وجهكِ عندما لا تجري الأمور على ما تشتهينه.
رفعت كتفاي ادفن توتري واضطرابي تجاهه وقد قلّبت عيناي لأتساءل: هل انت هنا لتستنقص ما تبقى من رجولتك؟ محاولة اهانتي او ايذائي مثلاً؟ أو أنكَ.
توقفت قليلاً أحدق إليه بتمعن وانا أردف بهدوء مُغلف بالجفاء: لديك ما تقوله بالفعل وقد خاطرتَ بمواجهتي!
نفي برأسه وهو يسير نحو النافذة ينظر إلى الخارج تحديداً إلى الأسفل ثم قال بفتور: أوه كاتي اعطيتك المفتاح بالفعل والقرار عائد إليكِ! الا يكفي هذا لتعلمي كم انا جاد في رغبتي في الحديث معكِ لا اكثر؟ ومن يجرؤ على اهانتك! أنا هُنا لتنوير بصيرتك عزيزتي.! أنا هنا لأنني اكاد اختنق.
التفت ينظر إلى مطولاً وقد ارتخت ملامحه إلى البرود المترع بالازدراء وهو يهمس: فرائحة والدكِ الفاسدة قد فاحت في الأرجاء بالفعل.
رائحة. فاسِدة!
هل يشير إلى تواجده هو ورجاله في الأرجاء أم أنه يعني أمر آخر!
بطريقة ما. يذكرني هذا بما تلقيته على هاتفي في الرسالة النصية!
عقدت حاجباي باستنكار شديد ولكنني حافظت على اتزاني وتساءلت بهدوء: هل كنتَ من أرسل تلك الرسالة إلى هاتفي؟
ربما. مَن يعلم.
تمتم بذلك وهو يخرج قداحة معدنية من جيبه ويشعل السيجارة ليأخذ شهيقاً عميقاً قبل ان ينفث الدخان ببطء وهو يعيد القداحة إلى جيبه، اسند ظهره بجانب النافذة وبقي يستنشق السيجارة وهو ينظر إلى بتمعن حتى بادرتُ بكلمات حذرة متأنية احاول تجاهل نباح بينديكت خارج الغرفة ويديه لا تتوقف عن خربشة الباب محاولا الدخول: ما غرضك من التواجد هنا!
أمسك بالسيجارة بين أنامله وحرك قدمه اليمنى بحركة خفيفة سريعة عشوائية وقد التقطت اذني كلماته البطيئة: ربما لأتساءل كم من الأشخاص قد سُلب كل شيء بسببكِ أنتِ.
هاه!
لم يمهلني فرصة وهو يردف بينما يسألني بذقن مرفوع بثقة وعينيه تخترق كياني: كتاليا، المُضحك في الأمر أنكِ كنت واقعة في الحبِ حقاً! بأنكِ مجرد ساذجة من السهل خداعها ببساطة! ولكنكِ. فاسدة وحسب! لا تستحقين ان يُهدر المرء طاقته في وصفكِ حتى.
كورت قبضتي بقوة احاول جاهدة تمالك أعصابي! اطبقت فكي بينما ازم شفتي لئلا افلت من ثغري كلمات عشوائية او متهورة.
هذا ال.
حقير!
ولكن يبدو ان فوضى المشاعر في داخلي قد ارخت فكي الذي سمح لثغري بالحديث وانا اقول بصوت متهدج: هل قلت للتو طرفة حول رغبتك في تنوير بصيرتي؟ لماذا إذاً اعميتني بأكاذيبك مسبقاً يا ترى؟، منحتك كل شعور جديد قد انتابني حينها، كنت اخسر كل من حولي بينما أظن انني اربحك، المشاعر العميقة التي انتابتني نحوك يوماً لم تتبدد ولكنها تآكلت بالكراهية والخذلان الذي اشعر به نحوك الآن، ولهذا اقول لك. انني لا اخشى مواجهتك وربما لست خائفة منك بقدر خوفي من تذكر مرارة افعالي وحسب. إنها مُرّة إلى درجة رغبتي في التقيؤ!
اعاد السيجارة إلى فمه وهو ينصت بوجه مُظلم بينما أكملتُ احاول ارخاء قبضتي ببطء: يقال اننا لن نقابل الاشخاص المناسبين حتى نتخلص من الشخص الخطأ، ولكنني اقول اننا لن نقابلهم حتى نتغير، او على الاقل نتجاوز! وجودك كان ولازال اكبر خطأ قد ارتكبته في حياتي وانا لن أكون جبانة لألقي اللوم عليك وحدك و اتغاضى عن ما اقترفته بيدي، ولكنني لازلت انظف كلتا يدي باتريك ولازلت قادرة على التخطي، ان كنت مُصراً على التواجد فسأبقى مُصرة على التغير واكمل طريقي الجديد الذي رسمته منذ ان سقط قناعك.
نفث الدخان من فمه وهو ينظر إلى السقف قبل أن يبتسم بضمور وهو يعلّق بكلمات مبهمة: كم أنا حزين كاتي، أنتِ لم تتخطي الأمر بعد فلازلتِ ترددين على مَسامعي أمر مشاعركِ وكل ما منحتني إيّاه! ولكن لا بأس عزيزتي فالأمر سيّان، لم يكن وجودك مجرد خطأ في حياتي. أنتِ كارثة يا فتاة! أنا لا أختنق من فساد والدكِ فقط، فأنتِ.
توقف عن الحديث وبدى كما لو يراجع نفسه أو. يفكر فيما عليه قوله! م. ما هذا الحذر في انتقاء الكلمات فجأة؟
ما الذي يخفيه بحق الإله!
ربما لا ينوي الحديث.
إنه هنا لغاية أخرى لا للحديث، هذا الوغد لا فكرة لدي عما يجول في خاطره!
هذا العجز في داخلي أرغمني على التحدث باندفاع وأنا انهره بقهر: فيما مضى منحتك الكثير من العاطفة ونفذت الافكار المجنونة لأحظى بنصيب استحقه من مشاعرك تجاهي، واليوم ارجو ان تبقى على وتيرة حقارتك لئلا اتهاون او ارخي من عزيمتي.
عزيمتك على ماذا؟
علي أن أمحي كل صفحة ملطخة كنتَ جُزءاً منها، لقد كنتُ في غفلة وعلى خطأ عندما حاول الجميع تحذيري منك، لذا لا حق لي في التألم ولا وقت اهدره على الحسرة، ولكن يحق لي ابداء شعوري بالخيبة! أنا لن اهدر ثانية واحدة على شخص مثلك باتريك، سأنجح واستمر وأحقق طموحي.
لازلتِ تتحدثين عن المستقبل فقط، سوف. سوف. وسوف!
قالها ببطء ساخر فقلت بحدة: هو غايتي الوحيدة، مادام الماضي ملوث بك فلا طريق امامي سوى مستقبل لا اراك فيه.
ولكن حياتي تتمحور حولكِ كات، حول والدك، الماضي والحاضر وحتى المستقبل! ولا مجال أمامي لأرى مستقبل يخلو من تلطخه بكِ أو. به.
لا يبدو انك تنوي الافصاح عن شيء! إذاً لماذا أنتَ هنا؟
تحرك من مكانه يتجه نحوي بخطوات هادئة ثقيلة وهو يعلّق على قولي: أخبرتكِ للتو بالفعل وانا لا اكذب الان، والدك مجرد حثالة فاسد، انا لا افتري عليه أو ازور الحقائق! يمكنكِ سؤاله بنفسك، وجّهي له السؤال مباشرة على انفراد! اخبريه لماذا استهلكت كل ما تملكه لتستر على كذبة قد دامت اربعة وعشرون عاماً؟ او اسأليه كاتي. الى متى ستبقين اضحوكة!؟
مال نحو وجهي يحدق إلى بلا تعبير واضح قبل ان يميل اكثر نحو اذني ويهمس: اخبريه، لماذا قد زوّر الحقائق! ولماذا التَهم حق فتى لا يملك في هذا العالم اي شيء سوى ما اعتقد أنه ملك له! لماذا جعل عينيه تفيض وتنهكها الدموع لينشأ وهو يتنفس القَسم على الانتقام؟
ابتعد يحدق الى كلتا عيناي.
ومع ذلك لم يبدو بأنه ينظر إلى مباشرة!
كما لو يحدق إلى شيء بعيد! حتى تفاجأت بمقلتيه تعكس وميضاً شاحباً وهو يهمس: لقد عمل جاهداً لمنحكِ السعادة كما عمل بمجهود أكبر لينتزعها مني! لقد رُزقت الكراهية نحوك كتاليا، هذا قدري منذ زمن. وأنا رجل مهزوم أمام قدره، مُنازِع أمام غايته.
ولا يبدو انك تنوي الاعتراف بأي شيء! لماذا لا تختصر الأمر وتتفوه بما جعل وجودي في هذه الحياة مجرد أزمة بالنسبة لكَ! لماذا تتحدث كما لو تربطك علاقة ما بنا من زمن؟
أنتِ أقل من أن تستحقي اعترافاً واضحاً، أقل من استحقاقكِ لفهم أي شيء! ربما يكفيكِ أن تشعري بأنك وبمجرد ولادتك قد سلبتِ الكثير منا!
منا؟
منه؟ لا. لقد قال منا!
منْ هُم!
ابتلعت ريقي بصعوبة وانا أعيد ترتيب كلماته في رأسي، بدى الهواء ثقيل وخانق وقد تبددت مني كل الكلمات التي قد أرغب في القائها في وجهه! أنا حقاً. لا أفهم أي شيء!
لطالما اعتقدتُ أنني شيطانة! اعتقدت انني مجرد متنمرة مدللة ومُزعجة ولكنني. أحمل يقيناً بأنني لست بمثل السوء الذي وصلتَ له! أنت حتى لم تستوعب حتى الآن أنني نلتُ منكَ ما يكفي مقابل. مشاعر صادقة قد منحتُك إياها!
ساد الصمت في الغرفة وكلانا يحدق إلى الآخر!
أخرج السيجارة من بين شفتيه وهو يقول بفتور غريب مؤيداً لكلماتي ببساطة: بلا شك عزيزتي! لقد منحتِني كلّ شيء، لأسلبكِ كل شيء، كل المشاعر التي سبق وشعرتِ بها نحوي صادقة، كان هذا واضح في صوتك، عينيك، ابتسامتك! وهذا أمر جعلني ازداد يقيناً، بأنكِ تستحقين كل انكسار ستشعرين بهِ لاحقاً.
أنتَ بالفعل تمنحني سبب آخر لأمضي قدماً! فهذه الكلمات نابعة من حثالة يصر على موقفه فقط!
انتابتني رغبة عارمة في الصراخ بغضب قبل أن اتمالك نفسي وانا اراه يبتسم بإستفزاز وهو يقول بشفقة ساخرة: كم أنتِ تعيسة! تعيسة وحزينة على نفسك لا على شيء آخر، منحتني مشاعر كانت جديدة بالنسبة لكِ، وقد لا تنتابك هذه الحماسة من جديد، اياً يكن الرجل الذي سيحاول الفوز بقلبك لاحقاً. لم يعد بمقدوركِ منح المزيد فلقد أعطيتني كل شيء بالفعل!
أضاف يشدد على كلماته بثقة: أنتِ مُستنزَفة. بالكامل.
أنت مُجرد. مجنون! أنت مختل يقف في مزبلة أفكاره منشغل بغاياتٍ مظلمة!
قد تكونين مُحقة.
رسم ابتسامة على ثغره قبل ان تتسع تدريجيا وهو ينظر نحو النافذة ليتمتم بصوت خافت ساخر: انا لا اتقدم او اتراجع، كما لا انوي سحبكِ للوراء فلقد اتممت مهمتي بالفعل، ولكنني هنا اليوم لتكملي أنتِ مهمتك.
تلى قوله بنظرة يرمقني فيها بتفحص في حين انتابني هاجس ارغمني على الوقوف باستقامة وترقب!
مهمتي أنا؟ ما الذي. يشير اليه!
عقدت حاجباي انصت الى صوت خافت بدى وكأنه يصدر من الاسفل تحديدا المتجر!
هل فُتح الباب للتو؟ أ. أيكون السيد هاريسون قد عاد اخيراً.!
ابتلعت ريقي وتصاعد نسق تنفسي ولاسيما وأنا أراه ينصت الى الصوت كذلك مدركاً وجود شخص ما.
أخذ شهيقاً عميقا ونفث الدخان ثم التقط السيجارة بين اصابعه وهو يرميها من النافذة قبل ان يعيد ناظره نحوي ويَهمس: كوني هادئة مُطيعة.
تسمرت في مكاني بذهول لرؤية مِقص الحلاقة الذي أخرجه من جيب بنطاله!
اتجه نحوي بخطوات هادئة في حين تراجعت للوراء وقد دبّ الرعب في قلبي لأحذره: مَ. ما الذي تنوي فعله! توقف. أنت بالفعل مجرد مجنون!
ولكنه استمر في التقرب إلى فلم اجد سوى تحريك قدمي بذعر لأقفز فوق السرير أنوي مراوغته وأنا أخرج المفتاح من صدريتي ولكنني تعثرت على السرير جراء يده التي امسكت بقدمي وقد بقيت امسك بالمفتاح بيدي بقوة وانا اصرخ برعب واضطراب: دعني! ماذا تريد مني؟ اتركني وشأني!
كنت احرك جسدي بدفاعية تلقائية دون توقف حتى شعرت بقدمي تركله في مكان ما في جسده! ولكن الوغد يفوقني قوة وقد انحنى فوقي يحدق إلى بوعيد وهو يهمس: ماذا أريد؟
اردف يضرب كلتا يداي بقوة ليثبتها فوق راسي: أن أعيش وأكون أنا لا أكثر.
يده اليمنى قد حافظت على كلتا يداي فوق رأسي في حين أمسك بالمِقص بيده الأخرى يُحدق اليّ لاهثا بانهاك جراء مقاومتي! وما ان التقت عيناه بعيناي حتى اغمضت عيناي لاصرخ بقوة: النّجدة! ليُساعِدني أحد.!
أجفلتُ بذعر جراء صوت مدوي على الباب ولم يكن سوى طرقات عشوائية في حين حدّق إلى البابِ بنفاد صبر وقد كانت اللحظة الكافية والكفيلة بجعلي احرر يدي واثني ركبتي لأركله في معدته وادفع نفسي من فوق السرير فوراً.!
اللعنة! لقد قفز فوقي مباشرة ولم يمهلني فرصة حتى! أمسك بشعري بعنف فصرخت مُجدداً بأعلى صوتي أحاول التملص من بين يديه حتى سمعت صوت تمزق قميصي وازراره التي تطايرت على الارضية تلاها صوت قد جعل الزمن يتوقف للحظة: توقف باتريك! افتح الباب حالاً، لم يكن هذا ما تريده حقاً.!
ه.
هذا الصوت خلف الباب.
ما الذي.!
تأوهت ماأن أمسك برأسي وقد لمحتُ المِقص الذي ارتفع بين أنامله فتحركت غريزتي فوراً وقد تلاشت كل ذرة شعور جسدي. حتى رأيته يصرخ متأوهاً وهو يردد بألم وحنق: ا. اللعنة! أيتها السافِلة!
جلستُ فورا أتراجع للوراء ادفع الارض بكلتا قدماي بسرعة بينما احدق بذعر الى المفتاح الذي غرسته في فخذه من الجانب الايسر!
حتى ارتجفت كلتا شفتاي برعب أرى دماؤه تسيل على الأرضية وقد اصطدم ظهري بالحائط خلفي يستوقفني بقوة!
صدري يعلو ويهبط بعنف وقد بدى وكأن الهواء ينفذ مني.
انحنى يجثي على ركبتيه بألم وعينيه تحدق اليّ بكراهية ووعيد وهو يجز على أسنانِه بقوة!
ما الذي حدث! هل تسمعني؟ باتريك افتح البابَ حالاً
هذا الصوت. مجدداً!
ترددت الطرقات على الباب واستمر نداؤها من خلفه وهي تحرك مقبض الباب دون توقف بل انني خمنت امساكها باداة ثقيلة عندما سمعتُ صوت ضربات قوية على المقبض!
لا أريد.
لا يجب أن تدخل!
صوتها وحده كفيل بشلِ حركتي!
انا حتى مجرد جسد خائر القوى ينصت الى صوتها وهي تردد اسمه دون توقف!
لم تكن مجرد غصة في حلقي أو نبضات قلب سريعة مع كل طرقة على الباب.
كنت في كل ثانية. أفقد شيئاً مني!
ارتخت ملامح وجهي حتى شعرت بتراجع كل تعابير قد تعتلي ملامحي! وتباطأت أنفاسي حتى بتُ اسمع نبضات قلبي في كلتا اذني.
غابت الأصوات عني وأنا أراها قد كسرت الباب بأداة معدَنية وهي تدخل لاهثة متعرقة تنظر إلى بأعين بُنيّة فزِعة تحدق إلى قميصي الممزق، لأقابلها بأعين تكاد لا تعرف شيئا عن الحياة!
كنت آمل الّا تدخل.
أن يكون صوتها ضرب من وحي الخيال!
ولم تكن سوى لحظات حتى رأيتُها تتجِه نحوه ولا أدري ما كانت تقوله حتى!، فلقد خانتني اذني رافضة سماع اي كلمة!
بل أنني أخفضت عيناي الميتة نحوْ من كان يلعق أناملي مهدئا وهو ينبح بقلق وخوف.
قبل ان أعيد عيناي الميتّة إلى من كانت قد انحت نحوه وبدت قلقة وهي تضع يدها على جُرحه!
لترفع يديها بتوتر وتشير الى الباب كما لو تطلب منه المغادرة فوراً.!
هل اختفى صوتها أم بات عقلي يتحكم بأذني يرفض ولوج ولو حرف واحد إليه؟
لازلت أجلس أرخي ظهري للوراء على الحائط أحدق اليهما بعجز أو ربما. أتلقى بصمت صفعة على وَجهي قد لامست روحي مُباشرةً.
اتأمل خيانة قد اشعرتي ببرودة في اطراف جسدي لم يسبق لها مثيل!
ربما لم تكن برودة حتى.
فأنا افقد الشعور بأطراف جسدي تدريجياً!
لم يعد لسان بينديكت دافئا او ذو ملمس يُذكر على أناملي.
أعادت خصلات شعرها الاشقر القصير خلف أذنها وهي تُرغمه على الاتكاء على كتفها لتسنده ليقف!
هي تسند الكتف الذي استندت عليه يوماً قبل أن يكسرني!
وتمسك بذراعه التي كان للتو فقط يهينني ويُعنفني بها!
تهمس بإسمه محفزة وقلقة.
الاسم الذي تعلمُ جيداً كم هو مميت و سامٌ في عروقي!
لِماذا!
لماذا هي من بين الجميع!
كيف؟
ربما. تقوم بمسايرته لأجلي؟ اليس كذلك؟
أنا حتى لم أنتفض أو أجفل جراء اقترابه المفاجئ مني وهو يدفعها بعيداً عنه لتقوم بدورها بابعاد الجرو عنه فوراً تمسكه بين ذراعيها!
لينحني ويمسك بياقتي بقوة يجز على أسناني وعينيه تحدق إلى بوعيد وحنق.
لم تبدر مني ردة فعل واحدة! وبقيت في مكاني أنظر إليه أو ربما. إلى اللاشيء.
لم تلتقط أذني أي كلمة قد تفوه بها ولا أدري ان فعل هذا أصلاً.
بل أنني بقيت بجسد مُتيبس خائرة القوى ليتركني مجدداً عندما اقتربت هي تدفعه بعيداً وتقول بغضب: هذا يكفي! لنتعامل مع اصابتك! أحدهم سيكون في طريقه إلى هنا لذا لنغادر فوراً.
اصابتك؟
كانت توجه كلماتها إليه وحده.
لنغادر؟
م.
ما هذا؟
لماذا هي؟ وكيف آلت الأمور إلى ما هو عليه الآن؟
هل الجو قد بات حار أم أني دمائي تغلي في عروقي دون قيود!
بالكاد أخفضتُ عيناي نحو يده لأستوعب ما كان يمسك به بين أنامله للتو!
إذ لمحتْ عيناي ما أحكم قبضته عليه تاركاً المقص على الارض.
خصلات شعر أسود.
ش. شعري.
في قبضته!
اهتزاز في جيب بنطالي كان سبباً في عودة الاصوات من حَولي!، رن هاتفي ولم يتوقف عن ذلك في حين لم اتوقف عن النظر اليهما دون حركة.
فتارة أحدق الى شعري الذي يُمسك به وتارة اليها وهي تساعده ليخطو خطوة ثم يفقد توازنه قبل ان يدفع كتفها بنفاذ صبر ليصرخ: دعيني ولا تحشري أنفك في أمر لا يعنيك!
لتصرخ هي باضطراب وعتاب واضح قد الجمني تماماً ليدوس على ما تبقى من أمل لي: اخرس! هل تعلم حقاً إلى أي مدى قد يسوء الامر؟ تمالك نفسك باتريك! هل فقدت عقلك ونفد صبرك الى درجة ال.
قلتُ لا تحشري أنفك!
هذا ليس الوقت المناسب لكبريائك أيّها المغفل! ان تم امساكك هنا فما الذي ستجنيه حينها؟ هاريسون في طريقه الى هنا.! ان تم الامساك بك سينتهي كل شيء! هذه المرة لن يتمكن من اخراجك من السجن لذا أفق!
تعلقت عيناي على يدها التي تجره وهي ترغمه على الحركة، بل أنها أضافت بحزم وقد بدت مريبة تتصرف بغرابة ما ان التقت عينيها بعيناي صدفة: ل. لنذهب، لا يجب أن ينتهي كل شيء فجأة! ليس الآن.
لنذهب.؟
إذاً هي لا تقوم بالادعاء مثلاً؟ لا تسايره؟
هي هنا لأجله هو؟
لنذهب؟
يا لها من كلمة.
مُوجِعة!
انا حتى لا أدري كيف وقفت على كلتا قدماي أحدق إليهما وقد بدى غاضباً بشدة وبدأ يسير معها رغم انكاره لكلماتها!
مُنذ متى!
خرج صوتي مبحوحاً رغماً عني وقد انهال لساني بالأسئلة العشوائية أحدق إليها والشعور بالحرارة يتصاعد في كل أطرافي التي ترتجف: لماذا؟ منذ متى! أ. أخبريني. كيف! ما يحدث الان مجرد كذبة روز اليس كذلك؟ أنتِ تعرفين جيداً من يكون. صحيح؟ تحدثي أرجوكِ!
لأردد مجدداً انفي برأسي انكمش على نفسي بشدة: غير معقول، لِماذا؟
لا يجب ان تغادر قبل ان تجيبني!
أنا.
أنا لن اتركها.!
إما أن تنفي ما أراه بأمِ عيني أو.
توجه لي صفعة أخرى وحسب!
بقيت واقفة في مكانها دون ان تستدير! لأحدق إلى ظهرها راجية سماع اجابة ولو مختصرة!
لا أدري ان كان انتظاري قد طال أو انني اترجم كل ثانية كما لو كانت ساعة!
ولكنني سمعتُ صوتها الذي صدح صداه في عقلي: مُنذ البداية، منذ أن كرهتُ النظر إلى انعكاس صورتي في المرآة. بسببك.
كان وقع كلماتها على ثقيلاً! منحني شعور مألوف جداً قد غاب عن ذهني منذ زمن!
التفتت من فوق كتفها تنظر إلى بأعين لم أعهدها!، مليئة بالعتب واللوم وشيء آخر. يصعب تفسيره!
ليتحرك فمها مُلقياً سيلاً من الكلمات التي أثارت في نفسي خوفاً من كل شيء قد دفنته في أعماق جوفي: مُنذ ان تمنيتُ المرض والوهن لأبقى طريحة الفراش عوضاً عن الذهاب إلى المدرسة!، مُنذ أن نجحتِ في اقناعي بأنني شيء لا يستحق الاحترام أو الوجود، بأنني مُجرد شيء للتسلية، و طمستِ هويتي و أثرتِ بي شعور الإشمئزاز من نفسي. منذ أن ان اكتشفت أن ذهابي إلى المدرسة كان.
تهدج صوتها بشدة كما اختل توازن أفكاري بالكامل وتهيّجت مشاعري لتكمل بصوت مبحوح تشيح بناظرها للأمام: كان ساحة حرب بالنسبة لي دائماً، المكان الذي قتل كل ذرة حياة تملؤني! المكان الذي كنت أخوض فيه حرباً مع نفسي والآخرين. ، المكان الذي سلب طفولتي ومراهقتي. والذي كنت أعود منه مهزومة كُل يوم. كُل يوم!
لتردف بما كان أقوى من مُجرد صفعة وشفتيها ترتجفان بوضوح: مُنذ أن كُنتُ سبباً لشعوركِ بالتخمة لمجرد النظر إلى جسدي السمين، منذ أن نعتّني ب طَن لَحم متحرك ، ولُقِبتُ بالخنزير البري على كل لسان، منذُ أن دخلتُ في دوامةٍ من الاكتئاب والفضل يعودُ. إليكِ.
تسارع نسق أنفاسي بعد ان كدتُ أختنق جراء توقفي عن التنفس للحظات لا أدري كم دامت!
رفعت يداي نحو فكي قبل ان أضعها على ثغري بذهول وأحدق إلى ظهرها وهي تكمل طريقها لتسند ذراعه على كتفها.
روز!
خارت قواي لأجلس على الأرض ارتجف دون توقف.!
تعرّق جسدي بشدة وانهالت الرجفة لتصيب كل جزء مني!
ر. روز! كانت.
إحدى ضحايا حماقتي؟
طن لحم متحرك! خنزير بري؟
هذه الكلمات.
مألوفة جداً!
أجفلتُ لشهقة قد افلتُها من بين شفتاي لأتفاجئ بصوتي الذي عَلا دون مقدمات فور أن انهمرت الدموع من كلتا عيناي!
روز. كانت تلك الفتاة البدينة في مدرستي!
بحق خالق الجحيم هذا مستحيل! أنا.
ما الذي فعلتُه تحديداً!
رفعتُ كلتا يداي أحدق بعدم تصديق إلى كفيّ وأبكي كطفلة صغيرة تعجز عن اطباق فمها!
لا يمكن.
مُحال أن تكون روز إحدى ضحايا أفعالي! لا أريد.
لا.
لا أريد!
ليست روز أيضاً.!
انحنيت أسند جبيني على الأرض أغمض عيناي أنكمش على نفسي والخجل يحاول طعن جسدي والنيل منّي، وقد تأوهت بالفعل كما لو أصابتني إحدى طعناته!
قبل ان اغادر تناولت القطعة الاخيرة من التحلية في حين تجهم وجه روز واشاحت بعينيها. ها هي ذا ستشعر بالاشمئزاز المعتاد عندما تركز عينيها على اطباق التحلية! هل هناك شخص طبيعي يمقت الحلويات والسكريات الى هذا الحد بحق الإله؟
كانت تشمئز في كل مرة والمتسبب في الأمر أمامها! كانت تبتسم وتتظاهر طوال الوقت!
الفتاة النحيلة الرشيقة التي تتباهي بهذا الأمر دائماً كانت في الواقع تُخفي الظلام الدامس الذي جعلتُها تتذوقه مرارا وتكراراً بنفسي! كانت تتهرب من حقيقة كونها وجبة دسمة لي منذ زمن!
هي لم تعد بمظهر جديد وحسب ولكنها.
لم تُبدي لي يوماً ولو قليلاً من لومها وانكسارها!
منذ متى وهي تخفي حقيقة مشاعرها! هل تعرفتْ على منذ البداية أم بمرور الوقت؟ هل انضمت إلى المجلة لتنال مني وتسترد حقها أم كانت مجرد صدفة!
دخلت أدفع الباب وقد سمعت صوت مياه المغسلة، تقدمت ورأيتها تغسل فمها وتمسحه بالمناديل مرارا وتكرارا بوجه مشمئز فقلت بحيرة: روز؟ هل أنتِ بخير؟
أومأت تتنفس بعمق وأغلقت صنبور الماء فاقتربت أكثر اربت على ظهرها: أعلم أنكِ تكرهين السكريات ولكن. قطعة صغيرة لن تضر! ألهذه الدرجة تشعرين بالغثيان؟
كانت قطعة واحدة صغيرة كفيلة بدفعها إلى حافة الإنهيار والذعر من رؤية صورتها القديمة في مخيلتها! كانت كفيلة بتذكيرها كم باتت تكره نفسها بسببي!
لقد حاصرتُها بكلماتي المسمومة في كل مكان وزمان!
نظرت من حولها وتساءلت: دانيال ليس هنا؟ يفترض أنه مدعو إلى الحفل!
أشرت بإبهامي للخلف: هناك.
كشرت روز بوجهها تنظر إلى الكم الهائل من التحلية في المكان وقد أخفضت عينيها قليلاً بإشمئزاز كعادتها.
لم تكن تدّعي أو تبالغ!، كان مجرد النظر إلى السكريات او الوجبات الدسمة أمر يدعوها إلى الغثيان!
باتت تعاني من اضطراب تجاه الطعام ووزنها المثالي أو ما شابه! أُصيبت بهذه الحالة. بسببي أنا!
كتاليا!
نادى صوت مضطرب مليء بالتوتر اسمي، ولمجرد سماع اسمي انتابتني رغبة التقيؤ!
هذا الاسم.
مُجرد لعنة وحسب!
أنا مُجرد سُم يصعب استئصاله!
انا حتى لم أدرك انني جُذبت بذراعين قوية نحو جسد أرغمني على رفع رأسي لأنظر منهارة وباكية إلى العينان الزرقاء الجادّة التي تحيط بها بعض التجاعيد ويغلفها الحزم المعتاد! لأحدق إليه بعدم استيعاب قبل ان أهمس بصوتٍ باكي مبحوح: لا فائدة! مهما حاولتُ التقدم أستمر بالعودة. لا فائدة، أنا لستُ إنسانة حتى!
لا يبدو أنه يدرك ما أقوله، ولا يبدو أنني قادرة على قول المزيد!
إذ رغبتُ في الابتعاد عنه لأنحني مجدداً ولكنه جذبني نحوه لأجد نفسي بين ذراعيه ليربت على ظهري ورأسي يتساءل: قولي حالاً أنها ليست دماءك!
لَيتها كانتْ!
كفى! أياً يكن ما يبكيكِ واجهي الأمر وحسب! أخبريني حالاً أنكِ بخير!
أنت لا تفهم! لا أحد يستوعِب، أنا أخسر باستمرار!
أعقبت أصرخ بإنفعال قد تمكن مني: اعتقدت أنني أخيراً. أصبحت انسانة ستمنح الناس الاحترام والتقدير! اعتقدت أنني كوّنت صداقة حقيقية أخيراً! الأمر ليس بأنها تعرفه ولكن بأنها. كانت يوماً ما مُجرد ضحية!
أنا حقاً لا أفهم ما تحاولين قوله!، ولكن يمكنكِ قول ما شئتِ. هونّي عليكِ واهدئي، التقطي أنفاسك كتاليا.
لا أحد يفهم!
أنا لا أتغير.
أستمر في الوقوف أمام محطات تجرني للوراء باستمرار!
طمستُ تلك الهوية القديمة وظننت أنني لن أقابل نفسي مجدداً ولكن.
ما الخطأ الذي استمر في فعله وتكراره بحق الإله!
لماذا لا أُمنَح فُرصة؟
كما توقعت، لقد كان هنا بالفعل وتلك الشقراء قد تدخلت فوراً
هذا الصوت.
كيدمان؟
لم أكلف نفسي عناء الابتعاد عن السيد هاريسون، بقيت اتمسك بقميصه وادفن وجهي في صدره راغبة في ألا أواجه أي أحد!
أي أحد. حتى لو كان شخص عابر لا أعرفه!
فماذا لو كان.
يَعرفني!