قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل التاسع عشر

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل التاسع عشر

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل التاسع عشر

دانيال:
بالكاد نمت لبضع ساعات.
تقلّبت مرارا وتكرارا حتى نهرني كارل منزعجاً مني وقد قال بنفاذ صبر أحاول النوم لأستيقظ باكراً دان! أخبرتك أن مقابلة العمل في المقهى ستكون غداً لذا انقلع وابحث عن مكان تتقلب فيه كما ترغب!
بصراحة لم أجد ما أجادله فيه فلقد بالغت بالفعل بتحركي على الفراش وقد أزعجته بلا شك! وجدت نفسي أخرج إلى غرفة المعيشة وحاولت جاهداً النوم على الأريكة.
بلا جدوى!

القيت نظرة على هاتفي الذي أضعه أسفل الوسادة، لا يزال الوقت مبكر جداً إنها السادسة فقط.
اعدته حيث كان وشبكت كلتا يداي أحدق إلى السقف بنعاس وكسل.
كلماتها لا تفارق ذهني!
أنّى لها التفوه بكلمات كهذه بكل جرأة وشجاعة؟ كيف قالت ذلك ببساطة! أن تقبل اعتذاري مقابل ذلك الشرط.
لا يمكن أن تكون في كامل قواها العقلية!
عقلي أيضاً لا يبدو بخير مهما حاولت استيعاب الأمر.

لم أعد أعلم هل هي وقحة جريئة أم أنها ترى الحياة من منظور آخر بسيط جداً لا يستحق أي تعقيد.!
كادت تغلق باب الغرفة رافضة اعتذاري، لم أتقبل فكرة كونها ستستمر في تجاهل وجودي لذا وجدت نفسي أستوقفها متسائلاً بإندفاع: ما هو شرطك؟
توقفت بالفعل والقت على نظرة حازمة هادئة، ترقبت قولها رغم انزعاجي الشديد.

بدت وكأنها غارقة في أفكارها تحاول انتقاء الكلمات المناسبة، فتحت الباب أكثر واسندت ظهرها عليه متمتمة بجدية: لقد أسأت الى ريتشارد بكلماتك ولن أقبل اعتذارك حتى توافق على ما سأقوله الآن، تجاوزت حدودك بالفعل ولن أتخطى ما حدث!
لويت شفتي بإنزعاج وسخرية: وكأنكِ تتمتعين بألطف لسان على مر التاريخ! لطالما تجاوزت الكثير من كلماتك أيضاً دون مطالبتك بأي اعتذار فما الفرق الآن!

رفعت كتفيها بلا اكتراث: أنتَ من يصر الآن ولست أنا!
أشحت بناظري بغيظ شديد.
إنها محقة! أنا من يُصر واللعنة لا يمكنني تجاوز حقيقة أنها تعاملني كما لو كنت مجرد حائط في المنزل!
ربما.
قلبي الطيب المرهف لن يتقبل واقع اساءتي إليها وإلى أخاها ذاك! صحيح لا يبدو الموضوع معقداً كما ظننت.
تمتمتُ بجفاء: وما هو شرطك يا تُرى؟ إن كنتِ ستقولين الآن أنكِ ستشترطين ذهابي إلى ذلك الحفل إذاً انسي الأمر لن أفعل.

تكتفت وقالت بجدية: في الواقع أنت مدعو بصفتك أحد العاملين على أعمال الربع الثاني من العام ولا مهرب من هذا، ولكن هذا ليس ما أريده الآن تحديداً فهناك ما هو أهم بكثير.
عقدت حاجباي بإستنكار أترقب قولها لتكمل: أخبرني دانيال، وكن صريحاً معي. ماذا لو حظيت بفرصة العمل مع شخص غيري؟
رددت بعدم فهم أنظر إليها بحيرة: ما الذي تقصدينه؟ مصور آخر مثلاً؟ اليس هذا طبيعي؟

بل شخص آخر يدير أعمالك مستقبلاً، أن أكون مجرد مصورة لا أكثر ولن أتدخل في أي أعمال تدرج ضمن جدولك ومهامك. صحيح أننا لم نبدء بعد بشكل صريح ورسمي المشاركة في الأعمال التي سيتم عرضها عليك ولكنني أسألك ماذا لو لم نحظى بهذه الفرصة حتى؟
نفيت برأسي: ولماذا تفترضين هذا؟
أنا لا أفترض وانما أخيّرك.
تخيرينني؟ تقصدين بأنه. يوجد بالفعل شخص آخر سيتولى مهمة ادارة الأعمال التي سأقوم بها؟

سألتها باستغراب فأومأت بهدوء: هذا صحيح.
ابتسمت بسخرية: ومن يكون؟
هويته ليست مهمة، المهم هو قرارك أنت، هل.
صمتت قليلاً قبل أن تكمل بهدوء: ان عرض عليك شخص ما توليه إدارة أعمالك، هل ستتركني؟
فغرت فمي قليلاً أحدق إليها بعدم استيعاب وقد ارتخت ملامحها تبادلني النظرات بترقب شديد!
هل يوجد حقاً شخص يرغب في ذلك؟ رغم كوني مجرد مبتدئ؟ لماذا؟
لحظة.
هل قالت تتركني؟
م. ما هذا فجأة!

لماذا تجعل الأمر يبدو غريباً بحق الإله؟
انتابني الإضطراب رغماً عني وقد تنحنحت أشيح بناظري: لا أدري ما مناسبة قول هذا كما لا أحب استباق الأحداث، على كل حال لقد اعتذرت وفعلت ما ينبغي لي فعله، سأذهب لأنام.
استدردت ونزلت الدرج أحافظ على هدوء أعصابي أتنفس بعمق.
أتركها.؟
هذا. غير متوقع!
إن لم تكن هي. فمن سيكون؟ ولماذا شخص مبتدئ مثلي قد يفكر أحد في إدارة أعماله؟

أجفلت ووقفت متسمراً في مكاني أستشعر يدها التي أمسكت بطرف قميصي من الخلف تستوقفني بصمت!
ازدردت ريقي بصعوبة والتفت بسرعة أرمقها بحذر وجدية وقبل أن أنهرها وجدتها تحدق إلى بهدوء وقد ومضت كلتا عينيها ب. الضيق؟
شبكت كلتا يديها خلف ظهرها وقالت بصوت خافت: لقد بدأنا معاً. وعلينا أن نكمل طريقنا معاً، لازلنا في بداية الطريق دانيال. لا تتركني لأسير وحدي منذ الآن.

ماخطبها بحق الإله! هل أمري مهم إلى هذه الدرجة حتى!
ابتعدت للوراء أخلق بيننا مسافة كافية وقلت بجدية وشك: ما الذي ينص عليه شرطك تحديداً؟ أن أرفض أي عرض سيأتي إلى بهذا الشأن؟
أخفضت عينيها قليلاً قبل أن ترفع يدها وتعيد خصلات شعرها خلف أذنها متمتمة بما جعل دمائي تجتاح وجهي ورأسي بشراسة: شَرطي هو. أن تسلمني نفسك، أن أدير أعمالك وأسير معك طوال الطريق الذي سيلمع فيه نجمك. باختصار دان. كُن لي!

أعقبت تستكمل كلماتها في حين اشتعلت حرباً في جوفي جراء تنافس شهيقاً لم يتوازن مع زفير الهواء الثقيل في صدري!: امنحني ثقتك! دعني أضمن بقاءنا معاً حتى يحقق كل منا مبتغاه، لا توافق على أي عرض قد تتلقاه ولا تنسى أن كلانا بحاجة إلى الآخر!
هي تتحدث عن العمل. ولكن عقلي يأبى تصديق كون كلماتها ضمن إطار العمل فقط!

يحاول عقلي تفسير كلماتها بمنحنى آخر وهذا ما أزعجني وقد رفعت ظهر كفي يدي نحو جبيني أخفف من اضطرابي الشديد!
مع أنها تشير إلى رغبتها في تحقيق مصالحها العملية ولكنني.
لا أشعر بأنني بخير!
أ. أكون لها؟ هل انتهت كل الأساليب والمفاهيم والمصطلحات من قاموسها لتنتقي لفظاً كهذا؟
لماذا لا تتأنى هذه الفتاة المجنونة وتحسن اختيار ألفاظها أكثر!
سوف تفقدني عقلي!

لو تفوهت بهذه الحماقة أمام رجل آخر. فمن المحال ألا يسيء الفهم!
أو أنني من. يبالغ في تفسير ما يسمعه أكثر من اللازم!؟
خرج صوتي متهدجاً بينما أتراجع للوراء على عجالة: لا يمكنني مقاومة رغبتي في النوم. لا تزعجيني!
استوقفتني منادية بإسمي ولكنني تجاهلتها تماماً، لو بقيت دقيقة أخرى فسيحلق عقلي بعيداً جداً بأفكار دخيلة غبية ولن أتوقف عن تفسير كل شيء بحماقة!

انتبهت لدخول أبي إلى غرفة المعيشة فاعتدلت أجلس على الأريكة امرر يدي في شعري الفوضوي، عقد حاجبيه ما ان لمحني وقال بإستنكار: لماذا أنت هنا؟
أجبته بملل: أقوم بحراستكم.
احتدت عيناه فتمتمت بينما ارفع قدمي اليمنى على الطاولة أمامي: واجهت أرقاً لذا ظننت أنني سأنام إن غيرت مكاني، هل أعد الفطور؟

فكّر قليلاً قبل أن يقول: انه دور كيفين، اذهب أنتَ إلى المتجر المعتاد وقم بشراء عدة الحلاقة الناقصة التي طلبتُها من التاجر في الأمس.

دفعت المبلغ وخرجت من المتجر أحمل أكياس المشتريات التي طلبها أبي بالجُملة من متجر أدوات الحلاقة ومستحضرات العناية.
أشعر بالنعاس.
ان عثرت على فرصة لأرتاح فيها فلن أتردد، انها ضريبة تقلبي على الفراش دون توقف منذ الأمس كالأحمق!
كل هذا بسبب تلك المتهورة الجريئة.

زفرت بإنزعاج ونزلت إلى الطابق الأرض في المركز التجاري، كنت أقف على الدرج المتحرك عندما لفت انتباهي عرضاً ترفيهياً لألعاب الخفة يقدمه رجل في مقتبل العمر، إنها العاشرة فقط من الأحمق الذي سيقدم عروضاً كهذه في وقت مبكر.!
ولكن يوجد بالفعل بعض المتجمهرين حوله!
يالمزاجهم العليل!

في حين يستيقظ أهل القرى في وقت مبكر لحصاد الزراعة ولرعاية المواشي أو لصيد الأسماك يقف سكان المدينة بكل تفرغ لمشاهدة العروض السخيفة التي لا تهدف إلى أي شيء.! كم هذا ممل، أغمضت عيناي قليلاً بنعاس وحركت رأسي يميناً وشمالاً وما ان وصلت نهاية الدرج حتى أكملت طريقي.
مررت بجانب المتجمهرين على العرض وقد لمحت بطرف عيني من يقدم العرض.

رفع يده اليُسرى بخفة وقال مبتسماً يتحدث بنبرة جهورية: وها هي نقود السيد المخضرم، تُؤخذ من تابعي في العالم الموازي أمام أعينكم! ثواني معدودة. وستصبح هذه النقود من الماضي.
هذا.
أسخف من أسخف شيء سمعته طوال حياتي.
رفع النقود التي كانت ورقة نقدية بعملة باهظة وقد تساءلت في نفسي عن المسرف الذي لا يمانع تجربة استخدام نقوده في عرض تافه مثل هذا!

انتابني الإنزعاج الشديد وقد أكملت طريقي أتذمر بصوت خافت ولكنني سرعان ما توقفت ما ان لمحت هيئة مألوفة من بين المتجمهرين.
ضيقت عيناي قليلاً أحاول التركيز وكما توقعت!
تأففت وقد كنت آمل أنه لم يكن من دفع تلك النقود للعرض!
نفيت برأسي بلا حيلة وأكملت طريقي، لا أهتم!
حذرته المرة الماضية من تصرفه بطريقة تعرضه للإحتيال ولكن لا هو أو تابعه ينصتان إلى نصائح الناس!
فليكن.
مشيت بخطى واسعة أحاول تجاهل ما يحدث.

وها قد اختفت النقود كما ترون جمهوري العزيز! أين ذهبت يا ترى؟ يمكنكم التأكد من الصندوق الفارغ أو حتى من جيوب سترتي بأنفسكم.!
صفق الجمهور فأغمضت عيناي منزعجاً بشدة قبل أن أقف وأنظر إليهم، تلك الورقة النقدية. سيضحي بها وكأنها لم تكن؟
كنت سأتجاوز الأمر لو كانت مجرد عملة بسيطة ولكنها واللعنة مبلغ ضخم فأنّى له ان يبذر ماله دون أدنى مسؤولية!

انتابني الغيظ وقد اقتربت لأضع الأكياس على مقعد قريب ودخلت من بين المتجمهرين أتجه نحو الساحر الذي ينحني واضعاً يده على صدره يرحب بتصفيقهم وتعجبهم.
وقفت أمامه وقلت بضجر شديد اصفق بخفة: عرض شيق، والآن أخبر صديقك من العالم الموازي أن يعيد النقود.
تهامس الناس من حولي في حين اتسعت عيناه وقال: عفواً؟ من أنت!

تجاهلته ونظرت إلى من يقف يرتدي نظارته الشمسية يرفع ذقنه ورغم انزعاجي الشديد منه إلا أنني لا أنكر حضوره الذي يفرض هيبته ويميزه من بين الجميع هنا!
لويت شفتي أبحث بعيناي قبل أن أعلق: سائق سيارتك ليس هنا أيضاً، هذا يعني أن الخلل ليس فيه فقط ولكنك عرضة للاحتيال بالفعل!
تحدث بصوت عميق وقد لمحت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه: هذا أنت مجدداً.

أومأت له بإمتعاض: يبدو أنه قد كُتب على مشاهدتك تتعرض للنصب في كل حين! كيف تمنحه ورقة نقدية كتلك! أخبرني أرجوك أنك تمزح!
أعقبت أحدث الرجل الذي انتابه التوتر ينظر من حوله: يبدو أن صديقك من العالم الموازي قد تأخر! هل أنفذ المهمة عوضاً عنه؟
نفي برأسه واعترض غاضباً: أنا أقدم عرضاً هنا لماذا تتدخل وبصفتك من!؟

زفرت بضجر وقلت له مهدئاً: أنا على عجلة من أمري لذا أسرع. لا تقلق لن نثير الجلبة طالما تنصت إلي. هيا!
صاح بي بإنفعال يحاول لفت انظار من حوله: أزاول مهنتي وهوايتي في ألعاب الخفة منذ صغري ويأتي الآن متطفل مثلك يشير إلى كوني مجرد محتال! هل يسمع الجميع تهجم هذا الشاب علي؟

تهامس الناس أكثر وعلت أصواتهم فتجاهلتهم واقتربت منه لأمسك بكم قميصه بقوة، حاول التملص مني في حين أخرجت الورقة النقدية من داخل كمه وقد كان يخفيها بطريقة ما على بعد مسافة من رسغه!، شهق بغضب وسخط: كيف تجرؤ!
ابتسمت بملل وقلت للجميع من حولي: لا بأس أخبرني صديقه من العالم الموازي بمكانها. انتهى العرض.

تورد وجهه بشدة فهمست له بجفاء: يوجد مئات الطرق لتستعرض فيها مهاراتك، ابقى بعيداً عن الطرق الأسهل لكسب المال باحتيالك على الآخرين. مهنتك غير شريفة وتستحق الشعور بالحرج.

طرف بعينيه بتوتر بالغ فتركته وأعقبت بهدوء أسايره بجدية: من يدري كم من الأوراق النقدية قمتَ بأخذها بالتحايل على أمثال هذا الرجل المبذر. يوجد الكثير من الأطفال هنا، لا تفخر بما تقوم به أمامهم، لا يشترط بألعاب الخفة ان تُبنى على المقاصد الاستغلالية هل تسمعني؟

جز على أسنانه بقهر ولم ينبس وقد انتابه الإرتباك يسرع في ترتيب حاجياته ينوي الابتعاد عن هذا المكان، استدرت واقتربت من الرجل الذي لا زال يرتدي نظارته الشمسية ويقف بترقب، رفعت الورقة أمامه وقلت بحزم: نقودك.
قطب جبينه ونظر إلى المال قبل ان يرفع يده يتناوله مني وقال بصوته العميق بنبرة هادئة: ما اسمك أيها الشاب؟
لوحت بيدي بعدم اكتراث: لن تجني أي فائدة تُرجى بمعرفته.

استوقفني بجدية: لماذا تتواجد أينما أذهب!
ازعجتني كلماته بشدة وقد التفت أنظر إليه معترضاً: ولماذا تستمر في الظهور أمامي بينما تتعرض للإحتيال! ان كانت نقودك تفيض إلى هذه الدرجة فما رأيك أن تبحث عن طريقة أخرى لتخسرها من خلالها؟
أعقبت بغيظ: لا ترغمني على رؤية مشهد تعيس مماثل مرة أخرى هذا يثير حنقي! افعَل هذا حين لا اكون في الجوار.

تصلب فكه بوضوح وقد دس نقوده في جيب سترته وقال بحزم: تجيد حشر أنفك جيداً في شؤون الآخرين.
اعتراني الذهول لكلماته وقد انتابني السخط لأقول أحاول السيطرة على نبرة صوتي: رائع، طريقة مثالية لتشكر الناس فيها!
هذا سيء.
تعكر مزاجي بشدة ولا يجب أن أتمادى معه أكثر وإلا تهورت حقاً! على أن أنسحب حالاً.
هذا الرجل لا يكفي أنه ساذج جداً ولكن ناكر للجميل أيضاً! من يظن نفسه بحق الإله؟

كبحت غيظي واستدرت لأكمل طريقي مغادراً، لم يستوقفني كذلك وقد لمحته يكمل طريقه أيضاً ليسير مبتعداً.
هل هذا ما أجنيه بعد اعادة أمواله إليه؟
تباً.

أنا أتعامل مع الزبائن بأسوأ الأخلاق الممكنة حقاً! كلمات ذلك الرجل لا زالت تتردد في أذني وتستفزني أكثر!
أتخيله في كل حين أمامي ويعاود ترديد تلك الكلمات وأجد نفسي أتمالك نفسي بصعوبة! كيف يجرؤ على أن يتهمني بحشر أنفي في شؤونه بينما كنت أنوي إعادة نقوده التي تم أخذها منه بالحيلة؟
ضربت بقبضتي بخفة على الطاولة بينما اعيد رغوة الحلاقة عليها فزفر أبي وقال محذراً: ما خطبك تحديداً!

ضاقت عيناي وقلت بإيجاز: هل تعتقد أنني. أحشر أنفي في شؤون الآخرين أكثر من اللازم؟
تمتم بجفاء يقص أطراف شعر الزبون أمامه: ومتى كان أنفك خارج شؤون الآخرين! إنه كبير إلى درجة حشرك إياه في كل صغيرة وكبيرة!
لمحت الزبون أمامه يبتسم يكبح ضحكته فرفعت حاجبي الأيسر وتساءلت بجمود: ما الطرفة التي سمعتها؟ أخبرني لعلي أشاركك الضحك!
شحب وجهه ونفي برأسه: تذكرتُ موقفاً مضحكاً!

نهرني أبي بحزم: دعه وشأنه! أرأيت؟ هذا ما أعنيه! ما شأنك أنت إن كان يضحك أو حتى يبكي. يا الهي! العمل معك هو أصعب ما قد يجربه المرء على الإطلاق. سأتولى باقي الزبائن قُم بتجهيز الغداء قبل عودة الجميع.
لم أعلق وقد اكتفيت بنزع حزام الحلاقة من على خصري وتركته جانباً، صعدت حيث المطبخ وقد وقفتُ أمام الباب دون أن أدخل أزدرد ريقي بصعوبة بالغة وأشيح بناظري بعيداً!

ماذا تظن نفسها فاعلة بملابس خفيفة قصيرة كهذه؟، تنحنحت بإنزعاج وبقيت أنظر خارج المطبخ، تحركت بدورها ببطء تأخذ معها كوب من الماء البارد وقالت تعبر بجانبي: هل فكرت بما قلته لك؟
تجاوزت النظر إليها قدر الإمكان وقد دخلت إلى المطبخ بجمود دون كلمة.
سمعتها تزفر منزعجة من تجاهلي إياها وقد علقت: ما خطب مزاجك العكر الآن! دانيال هل فكرت بكلماتي؟ لا تتجاهلني!

وكيف لا يكون مزاجي عكراً! أنا أحاول جاهداً ألا أهشم الأثاث من حولي.
صورة ذلك الرجل لا تفارق ذهني! آه اللعنة كم هذا يغيظني.
كم أرجو الآن رؤيته يتعرض للإحتيال لأبقى واقفاً أحدق اليه شامِتاً من مسافة قريبة!
تسمرت في مكاني بعدم استيعاب أحدق إلى اليدين اللتان تحيطان بي تحاصرني دون أن تلمسني بينما تمسك بطرف قاعدة رخامة المطبخ الخاصة بتحضير الطعام!

بدت خفقات قلبي جنونية حين استوعب عقلي وقوفها خلفي مباشرة. كنتُ كمن أصابه الدوار الحاد يعجز عن التوازن في مكانه!، هذه الفتاة. لا تفهم أو تعي خطورة ما تقوم به!
انتابني الإضطراب البالغ وبالكاد خرج صوتي من حنجرتي محذراً: ابتعدي وتحلي بالأخلاق قليلاً!

ابعدت يديها بالفعل ولم أكد اتنفس الصعداء حتى دفعت جانبي ترغمني على النظر إليها، نال الغضب مني لأنهرها ولكن رؤية المقلتين الرمادية مواجهة لي. قد أطفأ الغضب ليحل مكانه أمر آخر. لم يُعرّف بعد. أو حتى يحظى بعنوان مناسب!
وميض رمادي لمع أمام عيناي مباشرة! ينم عن الحزم والجدية وقد أدركت أنني أنحني نحو قامتها وكلتا قبضتيها تمسك بياقتي تسحبني وترغمني على الانحناء نحوها.

وأنا كالمغفل قد رضخت وخارت قواي أنحني مستسلماً!
هناك أمر خاطئ.
شيء غير منطقي يحدث!
يفترض أنها لن تكون قادرة على فعلة مماثلة فكيف استجاب جسدي ببساطة! هل أنا تحت تأثير قوة خفية؟
ربما كنتُ. منهمكاً في أفكاري أكثر من اللازم!؟
لا أدري.
ولكنني واللعنة بالكاد طرفت بعيناي أحدق إليها مباشرة!

تحرك ثغرها وقد قالت هامسة بجدية: امنحني جوابك أنا لست صبورة. أخبرتك أن تكون لي بالكامل! اقطع لي وعدك دانيال وأخبرني أنك لن تقبل بأي عروض تتلقاها!، أنا لا أمانع التحول إلى فتاة وقحة جريئة ان كانت الطريقة الوحيدة التي سترغمك على سماعي لتنصت إلي! لماذا تتجاهلني؟ ما أريده منك بسيط جداً ومؤقت، أنت لن تكون سجيناً للعمل معي طوال حياتك!
كلماتها تغيب عن أذني.

عقلي لسبب يواجه صعوبة في التركيز! كل ما أعرفه أنني أستمر في التحديق إليها وقد كانت فعلة مستحيلة قبل فترة قصيرة. أنا. هل أستغل الفرصة لأسرق النظرات بحق الإله؟
شعرت بكلا جفناي يرتخيان رغماً عني وقد انزلقت عيناي أحدق إلى تلك الشامة بجانب عينها. وما ان انزلقت عيناي أكثر نحو ثغرها حتى انتزعت نفسي وابعدتها فوراً.

لهذا تحديداً أقول بأنه يوجد خطب ما غير صحيح! هناك بالفعل شيء غريب غير منطقي. لم أكن لأتسمر وأقف شاخصاً هكذا بينما أحدق إليها دون توقف.
أحدث هذا في نفسي عدم استقرار و زغزغة غير مسبقة.
ولكنها.
لم تكن سيئة!
أغمضت عيناي منزعجاً من أفكاري والأصوات العشوائية في رأسي، مررت يدي على جبيني وقلت: أنتِ مُلِحة وقحة إلى حد غير معقول!
أعلم.

قالتها فوراً وبحزم فتجاوزت النظر إليها وتجولت عيناي على خزانة المطبخ التي فتحتها وقد تمتمت بجفاء: اهتمامك بمصالحك الشخصية قد عزز من حصانتك النفسية بالفعل!
أعلم هذا أيضاً.
لا تترقبي ردي الآن.
ماذا؟
لن أمنحكِ رداً الآن! سأقرر بنفسي ما ان كان على الموافقة على جنونك أو لا.
ولماذا قد ترفض!
امنحيني سبباً واحداً فقط لأوافق!
استشعرت غضبها ومع ذلك قالت بنبرة حاولت أن تجعلها هادئة: فهمت، سأنتظر!

أومأت لها بلا اكتراث وابقيت ناظري على الخزانة، استدارت لتغادر بخطى غاضبة وقد اخذت الكوب من على الطاوبة وخرجت.
تنفست بعمق كمن جاهد وقاوم ليخرج من أعماق المحيط بجهد بالغ!
البقاء مع هذه الفتاة تحت سقف واحد يحتاج إلى صبر عظيم!
من الجيد أنها ستخرج مع لاري بعد عودته من المدرسة. أحتاج إلى الراحة من تواجدها في الأرجاء بلا شك!

أنا منهك. أشعر بالنعاس حقاً! كلماتها منذ الأمس تصيبني بالأرق وها هي ذا تستكمل رحلتها دون كلل أو تعب.
أنانيتها لا تطاق. خانقة جداً ومزعجة!
تنهدت والتفت اسند جذعي على الرخامة خلفي أحدق إلى السقف بلا حيلة وشرود.
تشبهه.
لا تنكف تذكرني به.
اهتمامها بنفسها وفي المقابل فشلها الذريع في حماية نفسها.
يا لها من صدفة غير معقولة!
تنمو في داخلي رغبة تدفعني بشدة لتحمل مسؤوليتها رغم صعوبة ذلك.
أريد حقاً تحمل مسؤوليتها!

إن كان هذا ما أريده.
هل على الانصياع لرغبتها الأنانية وحسب؟
كُن لي.! ؟
إن منحتها نفسي لتحقق مصالحها العملية والشخصية.
فهل ستمنحني فرصة تحقيق رغبتي أنا أيضاً؟
شردت عيناي أكثر وغاب ذهني بينما أحدق إلى السقف دون وجهة محددة، وقد نسج عقلي صورة لوجهه البارد الغير معبر أمامي مباشرة.
هي تصرح عن رغباتها. تصرح بما تريده دون تردد أو خوف.

في حين سيطّر عليه الخوف منذ صغره، كان حبيساً للشعور بالرهبة ممن حوله، اختار الصمت وكبح رغباته. حتى كتب نهاية مشؤومة لنا. ولنفسه!
فشلتُ في مساعدته، فشلتُ في انتشاله من عتمته وحمايته.
لم أتحمل مسؤوليته كما ينبغي منذ البداية!
أنا مجرد. فاشل!
الشعور بالفشل مزعج إلى حد يدفعني للغثيان.
كارل:
لا يوجد حتى الآن ولو مقعد شاغر في الحافلة.

كلما رغبت في الجلوس على المقاعد الشاغرة في احدى المحطات أجد الركاب الجدد يتدافعون ومن بينهم مجموعة كبيرة من النساء من الفئة العمرية الكبيرة. لا بأس لازال أمامي محطة واحدة فقط لأصل.
كما لا أظنني سأتأخر عن موعد مقابلة العمل فلقد خرجت مبكراً.

بقيت واقفاً أمسك بالحلقة المعدنية لأتشبث فيها، نظرت إلى أحد الرجال أمامي ولم تكن ملامحه واضحة بسبب قناع الوجه الذي يغطي ثغره، استنكرت ابتعاده عن المكان الذي كان يقف فيه بجانبي وتوجهه للوقوف في منتصف الحافلة.
تحديداً خلف إحدى الفتيات.

تجاهلت الأمر واخرجت هاتفي ألهي نفسي لولا ان تمكن مني هاجس غريب أرغمني على النظر إليه مجدداً، لمحته يقلص المسافة بينه وبينها وقد بدت منشغلة تحدق إلى الكتاب الذي تمسكه بيمناها بينما تتشبث بالحلقة المعدنية بيدها الأخرى لتتوازن.
أعتقد أنه.
قريب منها أكثر من اللازم، بدت تحركاته مثيرة للريبة وهو يقلص المسافة تدريجياً وخفية.

عقدت حاجباي بإستنكار حين ارتفعت يده اليمنى نحو حقيبة ظهرها بينما يحدق إلى الجهة الأخرى يتظاهر بالانشغال! هل ينوي سرقتها!؟
هذا الوغد من الواضح أنها مجرد طالبة جامعية فما الذي سيجنيه من سرقتها!
تنحنحت أنبهه ولكنه لم ينتبه، بل تسللت يده إلى جرار حقيبتها وبدأ يسحبه ببطء!
تباً هذا ما ينقصني الآن! لا أريد التورط في أي مشكلة في الأرجاء.
ماذا لو ساءت الأمور وتأخرت عن المقابلة؟

أشحت بناظري منزعجاً أحاول عدم الاكتراث جاهداً ومع ذلك لم أستطع تجاوز الأمر! وجدت نفسي أتحرك قليلاً أتمسك بالعصا الحديدية القريبة من الباب لأقف بالقرب منه وتنحنحت بحزم فانتبه لي وأجفل يبعد يده فوراً بخفة.

القى على النظرات المضطربة يشيح بوجهه وقد توقفت الحافلة في الإشارة الحمراء، ابتعد عن الفتاة التي لمحت في أذنها سماعة وبدت منهمكة في قراءة الكتاب، اسندت ظهرها على جانب مساند احد المقاعد وأخرجت من جيب بنطالها القصير قلماً تدون فيه ملاحظات على إحدى الصفحات.

لقد ترك جرار حقيبتها مفتوحاً. هذا الأحمق! سار مبتعداً عنها ووقف في نهاية الحافلة. زفرت بلا حيلة وبقيت في مكاني ساكناً، جيد. على الأقل تراجع عما كان ينوي فعله.
مضت لحظات حتى توقفت الحافلة في المحطة الأخيرة، همّ الناس بالدخول من الباب الأمامي فتوجهت إلى الآخر الخلفي لأنزل ولكنني تراجعت رغماً عني انتظر نزول الركاب الأقرب إلى الباب.

استنكرت عدم التزام بعض الركاب من الفتية الصغار بالاجراءات وقد دخلوا إلى الحافلة من الباب الخلفي، تراجعت أكثر ليدخلوا وقد تزاحموا مع الآخرين عند المخرج.
بقيت أتراجع أنصت إلى تذمر امرأة عجوز منزعجة من فعلتهم وبصراحة يصعب لومها كان من المفترض أن يدخلوا من الباب الأمامي بالفعل!

تنهدت بترقب ولكنني أجفلت لاندفاعي إثر تدافعهم إلا أنني سرعان ما تسمرت في مكاني حين اصطدم جسدي بجسد آخر خلفي، القيت نظرة سريعة لأدرك أنني اصطدمت بظهر تلك الفتاة وتحديداً بحقيبتها، انتبهت لي تعقد حاجبيها وتنزع سماعة اذنها اليمنى بينما اعتراني الاضطراب رغماً عني واسرعت أعتذر مبتعداً: آرجو المعذرة لم أنتبه.

بدت منزعجة ولكنها لم تعلق وقد القت نظرة سريعة للخلف نحو حقيبتها قبل أن يبرز الاستنكار على ملامحها وهي تنظر إلى الجرار العلوي الذي لم يكن مغلقاً بالكامل.
القت على نظرة مقيمة بعينيها السوداء قبل ان تنزع سماعتها الاخرى وتغلق الكتاب تتفحص حقيبتها بسرعة.!
طرفت بعيني بترقب وقد استوعبت شعورها بالتوجس والحذر نحوي!
هل. تشك بي؟
من الجيد أنه لم يسرق شيئاً وإلا كنت محل للشبهة بالفعل وتورطت في.
أين ظرف مكافأتي!

اتسعت عيناي لانفعالها المفاجئ وقد نظرت إلى بشك وصاحت بي بحزم: هيه أنت! هل أنت من سرق مكافأتي؟ أعد إلى نقودي حالاً!
لفت صوتها انظار جميع من في الحافلة!
وجدت نفسي أنفي برأسي فوراً بهدوء: لم أفعل، اصطدمت بكِ عن طريق الخطأ.
أعقبت بجدية أبحث بعيناي: ولكن ان فقدتِ غرض يخصك فذلك الرجل هناك كان يحاول سرقتك! مهلاً. أين هو!
انتابني التوتر أبحث عنه وقد أدركت انه اختفى تماماً! هل. نزل دون ان الاحظه؟

أين ذهب! اعتقدت انه لم يحظى بفرصة ووقت كافي ليسرق، كيف لم أراه يأخذ ما في حقيبتها!
هذا الوغد المتمرس!
قلت بجدية أنبهها: ابلغي الشرطة فوراً!
لوت شفتيها قبل أن تشتعل غضباً: يالوقاحتك! أعد إلى مكافأتي حالاً.!
يوجد بالفعل من كان ينوي سرقتك! اعتقدت انه لم يفعل ولكنه قد هرب وها انت تهدرين وقتك باتهامي! أسرعي وتقدمي ببلاغ للشرطة لتسرعي من فرصة القبض عليه!

نظرت من حولها للجميع وقالت تستنجد بهم: لقد سرق مكافأتي الجامعية! لا تنخدعوا بوجهه البريء لقد كان من سرقني! أرجوك أيها السائق إياك والتحرك وأغلق الباب لئلا يهرب!
هذه الفتاة.!
لماذا لا تنصت إلي؟
حاولت تهدئتها للحظة قبل أن أرى النظرات الموجهة نحوي.
الجميع يحدق إلى بلا استثناء!
الفتيات الصغار يشعرن بالخوف والتوتر في حين أن معظم ركاب الحافلة كانو من النساء العجائز!

وقفت احداهن وانهالت على بحقيبتها تصرخ بصوتها المبحوح الضعيف جراء كبر سنها: أعد إليها نقودها حالاً أيها اللص! اخجل من نفسك وأرجع مكافأتها!
هذا. سيء!
رفعت كلتا يداي أحاول تهدئتها وقد انتابني الإضطراب والضغط جراء نظرات الجميع وأعينهم المليئة بالاتهام واللوم: مهلاً جدتي! لم أسرق شيئاً لقد هرب السارق للتو!

أعقبت أتجاهل ضربها إياي لأنظر إلى الفتاة بجدية وانزعاج: قلت لك لم أفعل! يمكنكِ الرجوع إلى كاميرات المراقبة في الحافلة لتتأكدي بنفسك!
أجفلت لحقيبة المرأة العجوز التي ضربت وجهي وقد أسرعت أغمض عيني اليسرى متأوهاً قبل أن تعتريني الدهشة مدركاً أن تلك الفتاة الجامعية قد دفعتني لأتعثر وأسقط على ظهري!

انحنت فوقي تدخل يديها في جيوب بنطالي باحثة بحزم: أين هي؟ أين أخفيتها! لن يعترف السارق بفعلته فلماذا على تصديقك! أين نقودي أعدها إلى حالاً!
كتمت أنفاسي أحاول السيطرة على نفسي.
ولكن ذلك كان مستحيلاً كلما اقتربت أكثر تبحث عن نقودها!
ما هذا الحظ السيء!؟
انتابني التوتر بشدة ما ان مالت نحوي أكثر وأدخلت يدها أسفل قميصي من الأعلى وصاحت بي بغضب: يا لك من عنيد اعدها وحسب!

تمكن مني الارتباك الشديد واغمضت عيناي للحظة قبل ان ينفذ صبري!
زمجرت بصوت شديد التهدج: كيف أعيد شيئاً ليس بحوزتي لقد هرب السارق بينما تستمرين في اتهامي ظلماً!، ابتعدي!
ابعدتها بقوة ولكنني تفاجأت بها تنزع حقيبة ظهرها وتضرب بها صدري بقوة مستمرة في اتهامي! لم يكن في يدي سوى أن. أعكس الحال فوراً!

دفعتها للوراء وارغمتها على السقوط على ظهرها بخفة وقد تبعثر شعرها الأسود القصير حول وجهها بفوضوية!، وضعت يدي على حقيبتها التي استقرت أسفل ذقنها وقلت لاهثاً جراء توتري: هذا يكفي! رأيته يحاول سرقتك يمكنني مساعدتك في مركز الشرطة!
طرفت بعينيها بتفاجؤ كما لو انها لازالت تعجز عن استيعاب ما حدث قبل أن تتدارك الأمر وتصرخ مستنجدة: النجدة هذا الوغد يحاول الاعتداء علي!

أجفلت لقولها وأسرعت ابتعد واقفاً ولكنني ما ان فعلت حتى ضُربت بحقيبة المرأة العجوز مجدداً، حاولت تهدئة الجميع وقد بدؤوا بالصراخ على ولكن. بلا جدوى!

بل وان تلك الفتاة وقفت تحتضن حقيبتها وقالت مشيرة إلى بجفاء: هل قلت بأنك رأيته يحاول سرقتي؟ إن كنت محقاً فلماذا تركته ببساطة! هاه؟ سيدي إياك وان تفتح باب الحافلة أنا لا أنوي ترك عظمة سليمة في جسد هذا اللص الوقح! أخبرني حالاً أين تخفي مكافأتي؟ هل هي في بنطالك؟ في جواربك؟ تحدث!
أغمضت عيناي منهكاً من هذه الفوضى وقد قلت بلا حيلة: لا فائدة. لنتفاهم في مركز الشرطة لن تقتنعي مهما حاولت!

بدت وكأنها تنوي الاقتراب مني فرفعت يمناي محذراً: لا تقتربي! سنرى هناك إن كنت أكذب أو أقول الحقيقة.
يا الهي. اعتدت الذهاب إلى مركز الشرطة لأخرج دانيال، لا أن أذهب بنفسي لتورطي في أمر كهذا.!
لماذا يحدث لي كل هذا في حين على التواجد في المقهى لمقابلة عمل!

تكتفتُ بإنزعاج شديد أخفض رأسي بترقب في حين التزمت هي الصمت وطرفت بعينيها بتفاجؤ بينما تحدق إلى الشاشة ليُعرض عليها تصوير كاميرات المراقبة الخاصة بالحافلة.
وها هي ذا تدرك خطأها!
بدى التوتر واضحاً عليها وقد توقعت سماع اعتذار فوري أمام رجال الشرطة بينما نجلس في إحدى الغرف ولكنني تفاجأت بقولها مشيرة إلى بعناد: كان عليه أن يحذرني فوراً يا حضرة الشرطي!

أغمضت عيناي أحاول السيطرة على كم هائل من المشاعر السلبية قبل أن أقف بعصبية.
حافظت على هدوئي ونظرت إلى يميني: جيمس، اتضح أنه مجرد سوء فهم هل يمكنني المغادرة الآن؟
زفر جيمس يحتسي من قهوته المثلجة ونظر إلى الحاسوب أمامه وقد أومأ بملل: لم أكن لأتركك ترحل لو كنت دانيال فلقد مللت رؤية وجهه وأخطط لحبسه بالفعل، ولكن يمكنك المغادرة لا بأس. نعتذر على ازعاجك كارل.

اعترضت الفتاة فوراً: لماذا لم تخبرني بوضوح أنك حاولت ايقافه وتدخلت لتساعدني ربما كنت سأسامحك آنذاك!
هذه ال. تباً أشعر بالغضب!
ومع ذلك فشلت قليلاً في الحفاظ على رزانتي وتساءلت بحزم: قلت ذلك مرارا وتكرارا ولكن هل كنتِ تنصتين حتى؟
خرج رجل الشرطة الآخر من الغرفة يحمل في يده الحاسوب الذي عرض عليه تسجيلات الكاميرا، في حين لوت هي شفتيها بغيظ ورفعت ذقنها بعناد وكم تفاجأت بسلوكها الفظ!

يفترض ان تعتذر حالاً ولكنها. تراوغ بشدة!
شعرت بالإنزعاج يعتريني في حين قالت تعقد حاجبيها ترجو جيمس: أرجوك يا حضرة الشرطي أنا بحاجة إلى مكافأتي الجامعية! لا يمكن أنني سأدرس ليلاً ونهاراً ليسرق ذلك الحثالة نقودي بعد طول انتظار.!
تنهد جيمس وقال يرمقني بنظرات متقطعة: ما كان اسمكِ؟ آه تاتيانا. لقد ازعجناه بسوء فهم قد تورط فيه لذا نرجو فقط أن تتقدمي له باعتذار ونعدك باسترداد نقودك.

احتدت عينيها قليلاً قبل أن تشيح بناظرها وتفاجأت كما تفاجأ جيمس بقولها: هذا ما يطمح إليه الرجال أمثاله غالباً!
أردفت بإشمئزاز: الظهور كالبطل المظلوم الذي يُهدَر حقه، أنا لن أعتذر لقد كان عليه ان يبلغني بما حاول ذلك السارق فعله.
التقيت قبل مماتي بمن يفوق دانيال في وقاحته وفظاظته.!
جزء مني يشعر بالراحة أن شقيقي ليس الأسوأ في هذا المجال.

إن كانت أعصاب هذه الفتاة حارّة مثله فمجادلتها فكرة سيئة جداً، لقد تأخرت عن موعد المقابلة بما يكفي ولا أريد اهدار المزيد من وقتي.
الخيار الأفضل هو الانسحاب!
لا زالت غير ناضجة بما يكفي ولا أستطيع الصبر على تصرفاتها الفظة.
تنهدت بلا حيلة وقلت أحدث جيمس بهدوء: لا بأس جيمس، سأغادر أنا على عجلة من أمري. أرجو ان تعثروا على السارق.

طرفت بعينيها باستنكار شديد ولكنها تكتفت بعناد فرمقها جيمس بحزم وعتاب، وما أن خطوت مبتعداً حتى قال جيمس: يؤسفني أننا لن نفعل، آسف يا آنسة لن تتعاون الشرطة معكِ.
نظرتُ إلى جيمس بإستغراب فرفع كتفيه بضجر وقال: لدينا مهام أخرى، هل انتهيتِ من شكواكِ؟ يمكنكِ المغادرة.
التزمتْ الصمت تحدق إلى جيمس للحظات ثم القت على نظرة حازمة.

كورت قبضتها وقالت توجه حديثها إليه: فقط لأن حضرة البطل لم يلقى اعتذاراً لكونه لم يساعدني في تنبيهي منذ البداية؟
أومأ لها: تماماً.
احتسى من قهوته بينما بقيت تحدق إليه وقالت ببرود: فهمت.
طرفت بعيناي بتعجب وعدم رضى حين أخذت حقيبتها تضعها على ظهرها وأسرعت تخرج بخطى واسعة دون أن تلتفت!

زميت شفتي وزفرت أنظر إلى جيمس بجدية: لا بأس أنا لا أطالبها بأي اعتذار حقاً! ساعدها لا بد وأن تلك المكافأة تعني لها الكثير والا لما أثارت كل هذه الفوضى.
تمتم بجفاء: حري بها ان تتجه إلى شرطي غيري، لن أساعد من يلقون التهم على أشخاص لا ذنب لهم حتى بعد اتضاح الحقيقة.

نفيت برأسي بحزم: ولكنني المعني بالأمر وأخبرك ألا تقلق أنا بالفعل لا أهتم! ان كانت تحظى بمكافأة جامعية فلا بد وأنها تبذل جهداً كبيراً في الدراسة، بدت لي تدرس حتى في الحافلة! أعد النظر في قرارك جيمس.
أكملت ممازحاً: اعتدت على الأساليب المماثلة هذا لا يشكل لي فارقاً.

علق بينما ينظر إلى الاوراق أمامه: على الأقل شقيقك يدرك جيداً متى يعتذر إلى الطرف الآخر، ما أقوله واضح. ان كانت ترغب في المساعدة فعليها التوجه إلى شرطي آخر وحسب. أنا مشغول الآن لدي بعض المهام لأنجزها.
بقيت أنظر إليه قبل أن امرر يدي خلف عنقي.
يبدو صعب الإقناع.
تحركت بإستسلام ولكنه استوقفني بتدارك: صحيح. كيف هو حال الآنسة التي تعيش في منزلكم؟
لماذا يسأل عن الآنسة كتاليا!

التفتُ نحوه بإستغراب وسألته بحيرة: كيف تعلم بشأنها!؟
تعلقت عينيه على شاشة حاسوبه ثم الى الاوراق وقال: لم يخبرك؟ ربما اعتاد بالفعل على هذا الروتين.
أضاف بهدوء: سأسدي لكَ نصيحة، أخبر أخاك الا يورط نفسه بأي شكل من الأشكال مع ابنة آرثر فريمان، كان اتصال موجز منه فقط ليأمر المركز باطلاق سراح أخيك.

عقدت حاجباي أحاول فهم ما يقوله وربط كلماته لأستوضح منه أكثر: دانيال كان هنا؟ متى حدث هذا تحديداً؟ هل كان هذا أثناء عدم تواجد أي شخص في المنزل؟
أومأ بصمت فغرقت في حيرتي!
لم يتفوه دانيال بهذا الشأن.
هذا المتهور.!

أرى أن يبقى خارج أي أمر متعلق بتلك الفتاة، حدسي يخبرني بوجود موضوع غريب حولها، والدها قادر على حبس المتسبب بتعنيف ابنته فلماذا لم يحدث شيئ من هذا القبيل؟، لذا أحذرك بهذا الشأن، أخبر أخاك ألا يحشر أنفه فيما لا يعنيه. يكفينا اهداراً لوقتنا على المصائب والفوضى التي يتسبب فيها.
بقيت أحدق إليه بإضطراب قبل ان أبلل شفتاي بلساني أحاول تهدئة نفسي وترتيب أفكاري.
هل رأيتها بنفسك؟

أومأ بجمود: استدعتنا الطبيبة آنذاك لرؤيتها، جسدها كان مليئاً بالكدمات جراء التعنيف، لا أعلم ما يحدث ولكنني أدرك أن وجودها معكم قد يورطكم. هل لا زالت في منزلكم؟
نعم.
وهل ترى الأمر طبيعي؟ هل وجودها في منزلكم رغم اتصال والدها يعد بالنسبة لكم أمر عادي يا ترى؟
اتصل والدها ليخرج دانيال من مركز الشرطة.!
ورغم ذلك لم تعد ابنته إليه؟
لماذا.!

شكوكي منذ البداية حول الآنسة كتاليا تتمحور حول دافعها من وجودها في منزلنا.! كنت أعلم بوجود خطب ما ولكن.
تعقّد الأمر أكثر بقول جيمس.
ما الذي يحدث تحديداً؟
ضاقت عينيه بينما يسألني: هي وشقيقك. لا يتواعدان صحيح؟
نفيت برأسي فوراً فعلق بتفكير: مع أننا دخلنا المنزل ورأيناه في وضع يثير الشك! اعتقدت انه يواعدها للحظة. على كل حال أسديت لك نصيحة.

ان كانت الآنسة كتاليا تتعرض للتعنيف فلماذا لا تحتمي في كنف منزل عائلتها؟
اصرارها على البقاء إلى جانب دان لا يقتصر على مصالحها العملية فقط.
الأهم من ذلك.
دانيال يبدو غريباً في الآونة الاخيرة بالفعل!
مشتت بوضوح ويشرد بذهنه للحظات مطولة.
صعب المراس أكثر من المعتاد ومزاجي جداً!
لمجرد اكتشاف حقيقة علاقتها بالمدعو ريتشارد بدى مرتاح البال فجأة.
يبدو متقلباً وشرساً في مواضع لا تستحق أي غضب.
والأهم.

لا يبدو لي ادراكه التام باستراقه النظرات نحوها في أحيان كثيرة دون ان يلحظ ذلك.!
قد يبدو هذا تغييراً جيداً بالنسبة له ولصعوبة تعامله معها خاصة ومع النساء عامة ولكن.
ما يثير قلقي أمر آخر تماماً.
دانيال يعيد الكرة دون أن يشعر.
يفعل ما فعله مسبقاً.!
أنا حائر.

هل على تنبيهه لعله يدرك ويستوعب؟ ولكن. ماذا لو أدرك حينها انه تسبب بسوء الوضع قبل سنوات؟ ماذا لو شعر بالكراهية تجاه نفسه! و ماذا لو عجز عن التوقف عن لوم نفسه؟
لست مستعداً لخسارة دانيال بطريقة أو أخرى.
ولكنني لست مرتاح البال لرؤيته غارقاً في عتمته أيضاً!

اعتقدت قبل فترة طويلة أنه يمارس الأسلوب نفسه دون أن يدرك ولا سيما مع كيفين، ولكن منذ ظهور الآنسة كتاليا توقف عن ذلك تماماً وبدأ يتبع النهج ذاته معها هي.! ربما على أن.
أجد طريقة مناسبة لأحاوره قبل أن أتعجل.!
خرجت من مركز الشرطة أسير بين زحام عشرات الأفكار والقرارات.

تعكر مزاجي ولاسيما حين اضطررت للاتصال بمالك المقهى لأعتذرعن تخلفي عن الموعد، بدى متضايقاً منزعجاً يلومني بطريقة غير مباشرة ولكنه منحني فرصة في الغد صباحاً.
ربما منحني هذه الفرصة لحاجته الفعلية إلى وجود موظف إضافي. إنها فرصتي غداً.
كتاليا:
نظرت إليهما يتهامسان بينما يحدقان إلى خلسة، تجاوزت أفعالهما الصبيانية ونظرت عبر نافذة سيارة الأجرة بملل.

لا زال على الإستمرار في ارتداء غطاء الحبور واللطف، هدفي هو أن يرخي هذا الشيطان الصغير راية الحرب ويتأثر دانيال بتحسن علاقتنا لعلي أكسبه هو أيضاً.
ولكن صدقاً لست مهتمة في عالم الحشرات المقرف الذي يصيبني بالقشعريرة!

جلب صديقه معه والآخر يبدو أكثر هدوئاً وعقلانية، هذا ما يوحي به مظهره فقط ولكن لاري لن يبني علاقة صداقة مع أشخاص من هذا النوع لذا يمكنني القول أن صديقه المدعو روي لم يكشر عن أنيابه الحقيقية بعد.
لا بأس أنا متأهبة معنوياً وجسدياً لأي حالة طارئة.
لمحت روي يرمقني خلسة بعينيه البنية الواسعة ليبتسم ويتساءل: هل صحيح أنكِ تحاولين سرقة دانيال والزواج منه؟

نظرت إلى لاري الذي يجلس بيننا في المنتصف ثم إلى السائق بطرف عيني حين سمعته يكبح ضحكة ساخرة خافتة!
تمالكت نفسي وابتسمت له بلطف: يحب لاري المزاح الثقيل، أنا ودانيال أصدقاء وزملاء عمل فقط.
سألني روي بفضول وعدم اقتناع: لماذا تعيشين في منزله إذاً؟ ولماذا تحاولين إغواءه بإستمرار؟
هل أستطيع تغيير وجهتي من المتحف الأحيائي إلى غابة غير مأهولة لأنهي أمرهما وحسب؟ آه تباً لا يمكنني مسايرة ما أسمعه أكثر.

ومع ذلك عقدت حاجباي ابتسم بلا حيلة: ما الذي تقوله! بالطبع لا.
اجفلت لاعتراض لاري بحزم وهو يتكفت ينظر للأمام بجدية: إنها كاذبة. أخي ضحية لأفعالها وتعتقد أنها ستفلت بأفعالها الجريئة معه!
قلّبت عيناي وعلقت بتبرم: تتجسس على الآخرين؟ هل أنت مهتم بتفاصيل حياتي إلى هذه الدرجة؟ أو أنك مهووس بأخاك إلى درجة محاولة اكتنازه لنفسك من كل من يحوم حوله؟
صاح بنصر: تعترفين أنكِ مجرد ذبابة مزعجة تحول حوله!

أومأت أجاريه بلا اكتراث: فليكن.
أعقبت أغير الموضوع بينما أنظر إلى شاشة هاتفي: اقتربنا من الموقع، كونا مطيعان وانصتا إلى ما أقوله إن تسببتما بأي مصيبة أو أحدثتما أي جلبة فلن أغطي على أفعالكما أنا جادة. دعونا نستمتع معاً اتفقنا؟
همس روي له بصوت يمكنني سماعه: لا تبدو سيئة جداً كما وصفتها لاري!

جادله الآخر هامساً: أنت لم ترى شيئاً إنها شيطانة تحاول السيطرة على عائلتي! جميعهم يقفون في صفها حتى كيفين بدأ يقلق بشأنها ماذا لو نجحت في خداع الجميع وحققت مبتغاها؟
لماذا لا نتجاهل أمرها ونستمتع في نزهتنا؟ لقد كانت الرحلة المدرسية ممتعة جداً!
دعك من المتحف أشعر بالحماس للغابة أكثر!

معك حق لقد ذهبنا إلى المتحف فقط وأشعر بالحماس أنا أيضاً لزيارة الغابة، دعنا نلتقط الكثير من الصور لنري الفصل بأكمله ما قضينا وقتنا فيه.
استمرا في التخطيط وابداء حماسهما بينما اسندت رأسي على النافذة بضجر.
هذه الأجواء لا تناسبني إطلاقاً.
بدأت شخصيتي الحقيقية تنسلخ عن الأخرى المزيفة رغماً عني جراء عناد دانيال وصعوبة التأثير عليه!، كلما أخبرت نفسي بضرورة السيطرة على انفعالاتي أجد نفسي أعود للوراء.

تصرفت بجنون ووقاحة بلا شك، كيف بحق الإله أتوقف عن التفكير بقلق ما ان كان سيتخذ قرارا عكسياً.
لارز يجيد اقناع الطرف الآخر وعبقري في مجاله ماذا لو شعر دانيال بالارتياح للعمل في وكالته عوضاً عن التعاون معي؟ بقيت الأفكار تأخذني ذهاباً وإياباً.
الأهم من كل هذا.

ربما على التوقف عن المبالغة في انفعالاتي فما شعرت به اليوم جعلني أستشعر خطراً مقبلاً! حتى لو كان دانيال رجل يواجه صعوبة في تقبل الجنس الآخر بالقرب منه ولكن تصرفاتي أتت بنتيجة قد لا يُحمد عقباها.
لست غبية لئلا ألاحظ الفرق بين نظراته المعتادة وبين نظراته اليوم نتيجة فعلتي المتهورة.
كان مختلفاً.
سلكت عيناه طريقاً لست معتادة عليه!
تعقلي وتأني كتاليا.

حتى لو اضطررت لمواجهة لارز بنفسك لاحقاً ليعدل عن قراره ولكن لا حاجة للجوء إلى استخدام جرعة مفرطة من الجنون أكثر!

تنتابني القشعريرة في سائرة أطراف جسدي، تجهمت بتقزز أحدق إلى الحشرات الضخمة خلف الزجاج ورغم كونها محنطة بعناية إلا أنني أشحت بوجهي أتجاوز النظر إليها! زيارة متحف كهذا فكرة سيئة بالفعل.
كانا مفعمان بالحماس بشدة يلتقطان الصور، ولا أنكر أنني ذهلت بالكم الهائل من المعلومات بحوزة لاري الذي كلما مر بجانب حشرة حتى سرد تفاصيل ما يميز كل واحدة عن الأخرى مدركاً لفصيلتها ونوعها وكل ما يتعلق بها!

هذا الطفل سيكبر ليصبح عالماً متخصصاً في مجال مماثل او مستكشف يحظى ببرنامجه التلفزيوني الخاص!
مررت يدي على عنقي أخفف من الغثيان الذي ينتابني وقد قلت لهما: سأكون في انتظاركما عند ردهة المدخل.
اشار روي بيده بعدم اكتراث بينما تجاهلني لاري تماماً فعاودت أقول بجدية: قولا مفهوم!
نظر الإثنان إلى بإنزعاج ليقول لاري بنفاذ صبر: حسناً.

لويت شفتي منزعجة وابتعدت عنهما لينتهي بي الأمر أرتشف من زجاجة ماء بارد اشتريته من ثلاجة الردهة وجلست على الأريكة المجاورة للحائط الزجاجي المطل على الساحة الخارجية.
ما أن وضعت الزجاجة على الطاولة حتى تعالى رنين هاتفي.
أجبت فوراً: مرحباً روز.
أتى صوتها مرحاً: الأميرة النائمة التي تستلقي على سريرها منعّمة تحت غطاءها.
زفرت بلا حيلة: عن أي نعيم تتحدثين. انها اجازة اجبارية لم يكن في يدي أي حيلة.

اعتراها الاستغراب متمتمة: ما خطبك؟ لستِ في منزل السيد هاريسون؟
أخذت الشيطان الصغير ليتنزه مع صديقه.
تفاجأت ضاحكة: حسناً هذا مر غير معهود تماماً! كتاليا تأخذ أطفالاً للتنزه؟ هل هذا ما تقضين اجازتك فيه؟
ماذا تريدين روز أنا حقاً في مزاج سيء الآن.
حسناً حسناً، سنخرج جميعنا غداً لتناول العشاء انضمي إلينا واستغلي الفرصة وتفاهمي مع جانيت.

لم أعترض وقد أومأت مؤيدة: لا مانع لدي، لازالت جانيت منزعجة؟ الم تذكر شيئاً حول الأمر؟
تنهدت روز بعمق: كيف أقول هذا. هي منزعجة بلا شك ولكنها تواصل التلميح لي ولجاك وتسألنا ما ان كنتِ قد تساءلتِ بشأنها، انها مقدماتها المعتادة قبل فض أي خلاف. كفاكما سخفاً نحن في انتظار انهاء هذا الخلاف غداً.
ابتسمت بلا حيلة: لن أتصرف وكأن شيئاً لم يكن، أعتقد أن كلماتي ذلك اليوم قد استفزتها.

اكملت متذمرة: ولكن لم يكن عليها معاملتي بتلك الطريقة!
كلاكما تتنافسان بالحماقة لن أتحيز لإحداكما.
سمعت صوتاً بعيدا عن روز قليلاً وقد بدى مألوفا فسألتها: هل هذا ديفيد؟
قام بدعوتي لمشاهدة أحد الأفلام، لم أرفض طالما حظيت بوقت فراغ.

سايرتها بمكر: أوه حقاً؟ وما الذي كنتِ ستنشغلين فيه يا حضرة المدير التنفيذي؟ هذا جيد حاولا تجاهل مشاكلكما ونزاعاتكما الغير مبررة، وحبذاً لو تشاهدان فيلم عاطفي لعله يصقل عقليكما قليلاً. آه ديفيد كم أنتِ محظوظة بوجود رجل شغوف بكِ إلى هذا الحد رغم صدكِ الدائم وغباءك!
ها أنتِ ذا.!
ثم سمعتها تقول لديفيد بجانبها: أتحدث إلى كتاليا انتظر قليلاً.
هل هي بخير؟
قالت روز بملل: سمعتِ سؤاله؟

أجبتها: أخبريه أنني سأكون بخير طالما تسلك علاقتكما الطريق الصحيح.
أردفت مشجعة: هيا أغلقي واستمتعا بوقتكما.
قالت لي على عجلاة: سنتفق في مجموعة المراسلة على الوقت والمكان، سنرى ما يقرره سايمون أولاً إياكِ والتخلف عن الموعد.
عندما انهيت المكالمة اسندت ظهري للوراء والشعور بالراحة يغمرني.
سأحاول العثور على فرصة لأشتري فيها بعض الهدايا لألطف الأجواء في الغد.

أمضيت وقتي في انتظار لاري وروي، مضى الكثير من الوقت ولكنهما في النهاية خرجا يتحدثان بحماس ويتناقشان حول كل ما أثار اهتمامهما.
وقفت أنبههما لوجودي وقلت اشير إلى المخرج: لنسرع بالذهاب إلى الغابة قبل حلول الظلام.
ابتسم روي وأومأ فوراً: شكراً جزيلاً، لنذهب!
عقد لاري حاجبيه ووكزه معترضاً: لماذا أنت لطيف جداً!
ارتفع حاجبا الآخر متمتماً: اليس من الطبيعي أن. أشكرها؟
رمقني لاري بحزم وتجاوز سؤاله ليتكتف بصمت.

اقتربت منه ووضعت يدي على رأسه أبعثر شعره بقوة وعنف: تعلم من صديقك!
ابتعد يرتب شعره ممتعضاً: دعيني وشأني إنه تعويضك لي على أي حال!
لا فائدة. لنتحرك.

وقفت بتردد أحدق إلى مدخل الغابة في حين أشار كلاهما إلى المكان المخصص للتذاكر يعبران عن سعادتهما بينما يناقشان بعضهما بالحشرات التي يمكنهما اصطيادها.
لا أريد الدخول!
ولكن لا يمكنني البقاء هنا وحدي دون هدف معين!
يا الهي هذا مقرف، تنتابني رغبة ملحة في الاستحمام فوراً.

اشتريت ثلاثة تذاكر ولكن حين مررنا بجانب شبكات الصيد اكتفيت بمرافقتهما فقط، لن أخذ معي اي شبكة ولن أفكر حتى باصطياد أي حشرة مقززة. بل ارجو ان تنقرض جميعها!
مررت يداي على ذراعي أحاول التخفيف من القشعريرة التي تسري في جسدي، دخلت معهما وقد كان المدخل ضخم جداً كما رأيت على الانترنت بل وأضخم بكثير!
معظم الزوار من الرجال المهتمين في هذا المجال والنصف الآخر من الشبان الهاويين وأكاد أكون الفتاة الوحيدة هنا.

زميت شفتي أتبعهما وما أن أشار لاري نحو إحدى الأشجار البعيدة ليقول: انظر روي انها الشجرة التي يعيش عليها البق بكثرة.
حتى وجدت نفسي أنفض ملابسي بتلقائية بتوتر.
البق؟ ما هذا بحق الاله!
أيده روي بمرح: دعك منها لندخل ونتجه إلى البحيرة في الداخل سنجد عشرات الأنواع هناك من الحشرات المائية!

وضعت يداي على أذني منزعجة وقلت فوراً: هذا يكفي، سأجلس هناك بجانب المدخل اذهبا انتما، ولكن انتظرا قليلاً سأطلب من أحد المرشدين مرافقتكما.
اعترض لاري: لسنا بحاجة إلى أي مرشد يمكننا ال.
لن تدخلا دون مرشد!
قلتها بحزم وبحثت بناظري من حولي حتى رأيت مُرشدة ترتدي الزي البني الرسمي، بنطال قصير أبيض وقميص بني وقبعة بنية كذلك وعلى ظهرها حقيبة وشبكة صيد، اشرت لها مقتربة وطلبت منها مرافقتهما وقد رحبت بذلك فوراً.

نظرت إليهما وقلت بجدية: ستبقى معكما لا تثيرا المتاعب.
ثم عاودت النظر إليها وطلبت منها رقم هاتفها في حال تطلب الأمر أي اتصال هاتفي بيننا، عرفتها على اسمي وأخبرتها أنني سأجلس في انتظارهم هنا.
أمامهم ساعة ونصف تقريبا حتى يخيم الظلام على المكان. هذا جيد لن أضطر للبقاء وحدي هنا لوقت طويل.
سأشغل نفسي بأي شيء ولكنني لن أدخل إلى الغابة ولو على جثتي.

انتهى بي الحال أجلس على مقعد خشبي قريب من المدخل وبعيد عن الأشجار والحشائش الكثيفة.
مضت دقائق فقط ليتعالى رنين هاتفي، دانيال؟
أجبت فوراً: مرحباً.
هل كل شيء على ما يرام؟
تساءل بهدوء فأجبته بنبرة مماثلة: لم يحاول قتلي لا تقلق.
ان حاول إثارة المتاعب فهدديه بالاتصال بي أو بأبي حتى، وصديقه ذاك هل يحسن التصرف؟

تنهدت بعمق: أي طفل آخر في العالم سيكون ألطف من أخاك، ولكن لا بأس يمكنني تدبر أمري، سنعود خلال ساعتين كأقصى تقدير.
ساد الصمت للحظات قصيرة قبل أن يقول: ان أساء التصرف او اثار الفوضى فاتصلي وحسب. أين انتم الآن؟
وجهتنا الأخيرة، الغابة التي أخبرتكم بشأنها، تباً المكان مقزز مليء بالحشرات! على الأقل كان المتحف يضمن لي أن جميعها مجرد أحافير ميتة ولكنها هنا واللعنة حرة طليقة.

تساءل باستنكار: لا أسمع صوتهما بجوارك!؟
دخلا برفقة مرشدة، لم أجرؤ على الدخول معهما.
آه توقعت هذا.
ساد الصمت مجدداً فقلت بهدوء: هل هناك أمر آخر؟
لا. فقط اعتني بهما و.
واجه صعوبة في استكمال كلماته بنبرة خافتة: وتوقفي عن جلب المصائب لنفسكِ أيضاً، لا أحد متفرغ لأي زوبعة قد تحدثينها.
أردف بسرعة: ومن الأفضل ان تعودي بحافلة عند أقرب محطة تجدينها لا تركبي سيارة أجرة بحلول الليل.
انهيت سرد الموجهات الخاصة بك؟

أنا جاد! آه صحيح ولا تقرري من تلقاء نفسك ايصال الفتى روي اجلبيه معكما سأوصله بنفسي إلى منزله اتجهي مباشرة إلى المنزل هل تسمعينني؟ لا ت.
عقدت حاجباي بتبرم: أعتقد انني سأتأمل الطبيعة من حولي عوضاً عن سماع قائمة الشروط التي لا تنتهي. إلى اللقاء.
لا تنسي شيئاً مما قلته!
فهمت!
إ. إلى اللقاء.
أنهيت المكالمة أتنفس بعمق ونظرت للمكان من حولي.

من يصدق أن هذا المكان الساحر يضم عشرات ومئات الأنواع المقرفة من الحشرات.!
تفقدت المقعد والمكان من حولي أتأكد من خلوه من الحشرات للمرة المئة محاولة التخلص من توتري وخوفي.
المكان نظيف. آمل أن يدوم على ما هو عليه حتى نرحل.

عدت إلى المقعد أمسك بالمثلجات التي أتناولها بعد ان علمتُ بوجود أكشاك صغيرة بالقرب من هنا، جلست على المقعد وقد استكملت قضاء وقتي بمشاهدة حلقات إحدى الدراما التي انقطعت عن متابعة حلقاتها الجديدة.
القيت نظرة على الساعة أعلى الشاشة وقد تنهدت براحة، جيد مضى الوقت بسرعة. أقل من نصف ساعة وينبغي ان يكونا هنا لنغادر.

استغربت اتصال المرشدة التي تبادلت معها رقم هاتفي وأجبت فوراً وقبل ان أتفوه بكلمة تفاجأت بالتوتر في صوتها بينما تقول على عجالة: آنسة كتاليا هل خرج أحد الطفلين حيث تنتظرين؟
أحد الطفلين!
طرفت بإضطراب وقلت بقلق اتفقد المكان من حولي: لا! ماذا هناك؟
هذا الصوت بجانبها.
هل هو صوت روي؟
يبكي؟
اعتراني القلق الشديد وقلت بتوتر: لماذا يبكي؟ أين لاري؟

لا أدري، حذرتهما من الابتعاد عني ولكنهما تهورا بتركي وركضا بعيداً، وجدت روي مصاب بقدمه ولا أدري أين الآخر.! اعتقد ان ابَر احدى الحشرات قد سببت ورماً في قدمه!
كيف هي اصابته؟ يا الهي. انتظري سآتي لأخذه وانقله إلى المشفى حالاً، لحظة هل هناك عيادة بالقرب هنا؟ اتذكر وجود واحدة في خريطة المكان!
يوجد، سأخذه إلى هناك ولكنني أخشى التحرك بينما يعود الآخر ويضيع في الغابة ماذا لو توغل في الداخل أكثر.!
تباً.!

مررت يدي في شعري بإرتباك وخوف قبل ان أقترح بسرعة: سأطلب المساعدة للبحث عنه مع المرشدين، ولكن من فضلك خذي روي إلى العيادة حالاً.
سأفعل.
هاذان الشقيان!
واثقة أنهما اتبعا حيلة سخيفة ليلهيا المرشدة ويغيبا عن عينيها، على البحث عن لاري حالاً!

وهذا ما فعلته إذ أخبرت أحد المرشدين وقد نقل الخبر إلى اثنان آخران من زملائه، تجاوزت خوفي ودخلت معهم حيث المناطق القريبة في بداية الغابة وقد استبعدنا دخوله أكثر نظراً لوجود الكثير من اللافتات التي تمنع التجول في الداخل لمن هم دون سن الثامنة عشر دون مرافقة مرشد خاص.
أرجو أنه لم يتهور إلى هذه الدرجة!
هذا المجنون.
ماذا لو نفذ أفكاره المختلة ودخل بنفسه.!

عضضت على طرف شفتي استكمل البحث معهم وقد أخرجت هاتفي أتصل بدانيال فوراً.
علي اعلامه حالاً!
لحظات فقط وقد رد على مكالمتي لأقول واقفة انظر من حولي: أخاك لاري.
قلتها لاهثة التقط أنفاسي فأتى صوته قلقاً: ما خطبه!
صديقه روي. تم نقله إلى العيادة لمعالجة إصابة قدمه، هو يبكي ولا أظنه تفوه بحرف واحد، نحن نبحث عن أخاك في الأرجاء!
هذا الغبي! ارسلي لي الموقع حالاً! واصلوا البحث ربما لم يبتعد، كوني حذرة!

أعقب بغضب: ارسليه بسرعة.
انهى المكالمة فأسرعت أرسل له الموقع استكمل البحث مع المرشدين، هذا الأحمق لاري إلى متى سيثير هذه الفوضى؟ ماذا لو أصابه مكروه!
عقدت حاجباي باستنكار حين انتبهت لوجود رجل لم ألمحه للمرة الأولى حولي، ربما تكون الثالثة أو الرابعة منذ أن خرجت برفقة لاري وروي منذ البداية!

لمحته يحدق إلى حتى اقترب من تلقاء نفسه وقال بهدوء: سلامتك تأتي في المرتبة الأولى آنسة كتاليا، والدك حريص على بقاءك آمنة لذا دعينا نتولى مهمة البحث عن الطفل.
أحد رجال أبي.!
سألته فوراً: لا وقت نهدره في الانتظار دعنا نبحث عنه سيحل الظلام قريباً بدأت الشمس بالمغيب بالفعل! ذلك الطفل مجنون ولا يخاف من أي شيء.!
اعترض بتردد: ولكنها أوامر السيد آرثر! انتظري حيث المدخل بينما نبحث عنه من فضلك.

نهرته بغيظ: أسرع وابحث عنه بدلاً من الثرثرة! سأكون بالقرب من المرشدين هناك تحرك أنت أيضاً ذلك الطفل يلهو وحده ولا يدرك عواقب فعلته الغبية.
أخفض ناظره قليلاً قبل أن يزفر ويتحرك مسرعاً يبحث مع أحد المرشدين، استنفر الجميع تقريباً وأخذ كل منا موقعاً يبحث فيه.
أسرعت في خطواتي وقد شهقت بتوتر دون توقف كلما لمحت حشرة قريبة.
انهم في كل مكان.!
تسارعت أنفاسي بإضطراب أحاول تجاهل وجودها، والتركيز في البحث.

وقفت بتردد بجانب إحدى اللوحات التحذيرية التي تشير إلى اتجاه البحيرة!
عقدت حاجباي وقد تمكن مني هاجس يذكرني بحديثهما حول البحيرة قبل دخولهما، لمحت أحد المرشدين بالقرب مني وسألته فوراً: هل من الممكن أن يكون هناك؟
سألته بينما أشير إلى الموقع فقال بحذر: لا أظنه هناك، كما ان زيارة البحيرة اليوم ممنوعة لوعورة الطريق المؤدي إليها.

دب الرعب في قلبي وقد انتابتني رغبة ملحة في الإصرار عليه: هذا المتهور لا يهتم بهذه التفاصيل سينفذ ما يرغب فيه وحسب.!
أعقبت أحفزه: دعنا نلقي نظرة وننادي بإسمه لعله يسمعنا.
حذرني بجدية: يا آنسة من الصعب ان نسلك ذلك الطريق دون معدات سلامة ماذا لو.
أخبر الفريق وسأكون بانتظارك هنا.! أسرع ماذا لو غابت الشمس تماماً؟

طرف بعينيه بتردد شديد قبل ان يلقي نظرة حوله وقال: سأجلب بعض المعدات وأستدعي الفريق، انتظري هنا ولا تدخلي وحدك.
أومأت مشجعة: سأنتظرك لا تتأخر.
قلتها بينما اصرخ بخفة مذعورة من إحدى الفراشات الضخمة التي تطير فوقي، أسرع يتحرك فبقيت احرك يدي فوق رأسي بإضطراب وانحني لئلا تقترب.

بقيت أنظر في الأرجاء وقد لمحت ذلك الرجل التابع لأبي يبحث على بعد مسافة وقد سلك طريقاً معاكساً، نظرت خلفي حين استشعرت وجود حركة قريبة.
كما لو كان صوت تكسر بعض الأغصان الصغيرة!
رفعت يدي بتلقائية نحو صدري أخفف من خفقات قلبي المتسارعة.
بقيت في مكاني بترقب أركز ناظري حيث المكان الذي اعتقد ان الصوت صادر منه!
م. ما كان ذلك للتو؟
بقيت أطبق فمي بقوة وعاودت أنظر للأمام مدركة أن تابع أبي قد سلك طريقه واختفى.

استدرت مجدداً بذعر حين تهاوى على مسامعي الصوت نفسه.
ولكنني سرعان ما تسمرت في مكاني بذهول ما ان لمحت الجسد الصغير الذي يركض هناك، مدركة أنه كان سبب الصوت وهو يتحرك بحذر كما يظن! لاري؟
سرت خلفه بسرعة وناديت به بغضب: لاري هل هذا أنت؟
وقف قليلاً ونظر إلى باستغراب قبل ان يعترض: ماذا تفعلين هنا؟ أين روي؟

تمكن السخط مني لأقترب منه أكثر وقلت احاول التوازن لئلا أتعثر بالأغصان: أيها الطفل الغبي المتهور اخبرتك ان تبقى مع المرشدة فلماذا استغفلتها! لقد أخبرت دانيال بحماقتك أراهن أنك ستُعاقب ولن يبقي في وجهك مكاناً سليماً.!
اتسعت عينيه بغضب وخوف: لماذا اتصلتِ به أيتها المشعوذة! أيتها الساحرة الشريرة أكرهك! لقد كنت اتنزه في الارجاء!
حين وصلت حيث يقف تراجع للوراء وصرخ بغيظ: لا تقتربي مني! أين روي؟

أجبته بإنزعاج مشيرة له أن يقف: لا تبتعد واقترب لنعود معاً! صديقك أصاب قدمه بينما تلهو أنت بلا اكتراث!
شحب وجهه بقلق: ماذا؟
تحرك راغباً في الركض فنهرته فوراً: لا تسلك ذلك الطريق قال المرشد أنها وعرة ومؤدية إلى البحيرة! لنعد ادراجنا من هناك.
أومأ بسرعة وتقدم نحوي لولا ان لوى كاحله وتعثر للوراء، اسرعت أحاول مساعدته ولكنه تدحرج قليلاً حتى استقر على الأرض يتأوه.

اتجهت إليه أمسك بذراعه أساعده على الوقوف، تأوه واغرورقت عيناه بالدموع ليعترض: قدمي!
زميت شفتي بقوة مدركة انه لا مهرب من مساعدته لنخرج بسرعة.
جثوت وقلت بعصبية: سأحملك على ظهري أسرع.
بدت الفكرة برمتها تزعجه بشدة وقد تجاهلني ليقول بعناد: لا أحتاجك.
تحرك قليلاً قبل ان يترنح ويقع جاثياً على ركبته فقلت بغضب: أسرع لاري لا وقت نهدره في هراءك! لقد كانت هذه النزهة معك فكرة سيئة منذ البداية! آه تباً.

انتهى به الأمر فوق ظهري لأحمله وقد أحاط عنقي بذراعيه متشبثاً.
خطوت بصعوبة فلقد كان طريق العودة مرتفعاً يحتاج إلى المزيد من الجهد!
الأرض مليئة بالأغصان الصغيرة والمتفاوتة في حجمها، هذا بالإضافة إلى النباتات التي تشبه الحبال وتملأ الأرض في كل مكان وقد علقت بها قدمي مرارا وتكرارا.
لم أعد أريد التقرب إلى هذا الطفل أكثر!
أنا أعلن استسلامي.

كان هذا ما يشغل تفكيري قبل أن أفزع لصوت جناح حشرة ضخمة تحلق أمام وجهي فصرخت بذعر وتعثرت رغماً عني.!
أجفلت مدركة حقيقة أنني اسقطت لاري من فوق ظهري ولم أكد أستوعب الأمر حتى شعرت بالألم في ظهري الذي ارتطم بجذع الشجرة. استغرق الأمر مني لحظات قليلة لأشهق بينما أحدق إلى جسد لاري الذي تدحرج بسببي للأسفل فركضت خلفه بسرعة أحاول سحبه بقوة.

هربت الدماء من عروقي رغم استمراري في محاولة مساعدته حين علمت أن نهاية الطريق تبدو مثل الجرف المنحدر العميق.
صرخت بتوتر: لاري تمسك بأي شيء حالاً!
تمسك بالفعل بأحد الجذوع المائلة ولكنني وبحماقتي لم أكبح سرعتي المبالغ فيها بينما أتبعه وقد تجاوزت مكانه! انزلقت قدمي واسرعت أتمسك بأقرب ما التقطت يدي ولم يكن سوى جذع بالي أخشابه بارزة.

تسمرت عيناي في الفراغ وقد كانت لحظة ثقيلة بطيئة يترجم فيها عقلي المكان الذي استقر فيه جسدي.
كتمت صراخي وحافظت على هدوئي لأسمع لاري يقول بتوتر: أنتِ ايتها الغبية! سوف. سوف تسقطين من الجرف ان تحركتِ! تمسكي بالجذع سوف أجلب المساعدة.
نفيت بسرعة محذرة: لا تتحرك بتهور ماذا لو انزلقت قدمك! المكان رطب جداً هنا لم أنتبه لذا ابقى مكانك.
أقول هذا بينما أتظاهر بالقوة في الوقت الذي أرغب فيه بالصراخ بأعلى صوتي.!

إن انكسر هذا الجذع فسأكون في عداد الموتى.
علي البقاء ساكنة في مكاني دون حركة.
كما لا يجب أن يتحرك هو. الأرض رطبة جداً إلى درجة عجزي عن التحكم بسرعتي قبل ثواني!
هذا سيء.
أجفل لاري بخوف لسماعي احاول عدم الصراخ وقد سيطر على الذعر فتساءل: ما الأمر!
قلت بهلع أغمض عيناي بقوة وأحرك رأسي بقوة: المزيد من الحشرات! اللعنة كيف أبعدها.!
أخبرتك أنه على الذهاب لطلب المساعدة!

إياك والتحرك أيها الأحمق يكفي ما يحدث الآن بسببك! ان تحركت سأقتلك هل تسمعني؟
سحقا لهذه الحشرات يكاد قلبي يتوقف عن النبض حقاً.
انخفض قرص الشمس كثيراً وترك أثرها فقط.!
ان كان لاري في منطقة أبعد عن هذا الجرف فربما عليه أن يصرخ طلباً للمساعدة ليلفت انتباههم وحسب!
كان هذا ما سأقترحه عليه عندما هربت الدماء من عروقي أحدق إلى الجسد الذي يقترب من لاري يسير بخطى بطيئة حذرة.
م.
ما الذي يفعله هنا!

بدأت أنفاسي تتلاحق إلى درجة أنني عجزت عن سماع أي صوت عداها.
التقت عينيه الخضراء بعيناي وقد ومضتا ببريق الاستنكار وقال ينظر إلى ثم إلى لاري: ماذا لدينا هنا.!
ارتفع حاجبا لاري وقال يتنفس الصعداء: أخيراً! انها بحاجة إلى المساعدة!
أومأ له وقد تفاجأت به يبتسم له مطمئناً بلطف: ابقى ساكناً، لا تتحرك يا صغير.
ه. هذه الابتسامة اللطيفة المقرفة.
كيف وصل إلى هنا بحق خالق الكون!

هل كان يعلم بوجود أحد رجال أبي في الأنحاء؟ ظهر فقط بعد ان اختفى الآخر!
أي جرأة هذه!
جزيت على أسناني بقهر حين ضاقت عينيه يحدق إلى بتمعن.!
اقترب وقد بدى مدركاً لرطوبة الأرض ووعورتها، خطواته حذرة وموزنة جداً.
صرخت بصوت عالي: إياك والاقتراب مني!
في حين اعترض لاري بعدم تصديق: ما خطبك إنه يحاول مساعدتك!
نفيت برأسي اتمسك بالجذع بقوة: حاول ان تنادي المتواجدين في الأرجاء أنت الأقرب إليهم!

جادلني بإستنكار وتشتت: ولكن هذا الرجل قادر على مساعدتك ما الذي تحاولين فعله!
تجاهلت سؤاله وأخفضت رأسي أنظر حيث موضع قدمي.
وليتني لم أفعل.
إن سقطت في هذا الجرف فسأصبح مجرد قطع متفرقة هنا وهناك!
أجفلت وصرخت بخفة حين سمعت صوتاً يصدر من الجذع وأيقنت انه لن يتحمل وزني أكثر!

رفعت رأسي حين تقدمت خطاه نحوي أكثر يحدق إلى الغصن بتقييم قبل ان يقول بجمود يمسك بيده اليسرى بجذع ثابت لشجرة متوسطة الحجم: حاولي التحرك نحو اليسار قليلاً، اقتربي لنصف المسافة.
اعترضت بسخط: لا شأن لك! اغرب عن وجهي.
من بين الجميع. يظهر هذا الوغد في وضع مماثل؟
يالسخرية القدر!
باتريك من بين الجميع؟

احتدت نبرته: ما الذي تنتظرينه؟ سأمسك بكِ ما ان تصلي الى نصف المسافة على الاقل لا أريد التقدم حيث تقفين قد أزيد الطين بلة. أسرعي!
من يظن نفسه؟
من الذي يتحدث بهذه الطريقة الآن؟ لو كان الامر بيده لدفعني من فوق هذا الجرف حالاً!
لو لم يكن لاري هنا لانتهز الفرصة وتخلص مني لينتقم!
الا تسمعينني بحق الاله! تحركي فوراً قدمك لن تثبت لوقت طويل في تلك البقعة!
يصرخ بهذه النبرة.

وكأنه يرغب في مساعدتي! اي اتقان وتزييف هذا؟
كيف يجرؤ على الظهور امامي في لحظة حرجة كهذه؟ انا اقبل مساعدته؟ اقبل مساعدة شخص مثله؟ اسلمه يدي لينقذني ويتفضل على ليذلني ويستغل اصغر الثغرات؟
وهل سأحكم على نفسي بالموت مرارا وتكرارا!؟
لطالما كان يؤذيني!
باتريك لم يتوقف يوما عن اهانتي، ضربي، خداعي، واستغلالي! لن يظهر في مشهد درامي حرج مثل هذا ليتصرف بلطف ابداً، لن يقدم المساعدة مجاناً.

لن استمر في خلق اي موقف او كلمة قد تورطني معه يوما بطريقة او اخرى.
لقد ضقت منه ذرعاً!
اريد التحرر منه!
اللعنة كتاليا تحركي والا لقنتك درساً!
نظرت بألم الى يدي التي تجرحت بسبب الأخشاب البارزة، وبرعب الى الحشرات التي تتجول فوق الغصن، زدت من قوة تمسكي بالغصن وصرخت بإنفعال: لاري اسرع لمناداة احد الاشخاص حالاً!
سمعت صوته مرتابا بإرتباك: ما الذي تقولينه! س. سوف يساعدك هذا الرجل تحركي لليسار فقط و.

انا لن اتحرك وتلك الحشرات امامي! لن المسها مهما حدث! ولن أقبل بمساعدته حتى لو عنى ذلك موتي.
أ. أنتِ مختلة!
قالها لاري بعدم استيعاب. تحرك الوغد باتريك بضعة خطوات يقترب من الغصن بانفعال: تحركي قليلا ايتها المجنونة! الغصن لن يسعفك لوقت أطول!
اعقب وقد احتد صوته يأمرني بغضب: قلت تحركي والا جذبتك من شعرك!

صرخت بسخط وحنق اغمض عيناي بقوة: لا تتدخل ولا تقترب! لا تتظاهر بالاهتمام او الخوف! انقلع من هنا لا اريد رؤيتك، وانت اسرع لمناداة شخص ما لقد نفذ صبري وبدأت يدي تؤلمني لم اعد احتمل!

توتر لاري بشدة وظل يحدق إلى بعدم استيعاب، كان حذراً بطيئاً وهو يصعد على أطرافه الأربعة يحاول التوازن، تعثر قليلاً ولكنه توازن مجدداً قبل أن يصل للأعلى و يركض بسرعة، ابتعدت خطواته بالفعل فتنهدت بانهاك شديد وتعب وحاولت تهدئة نفسي، الا انني صرخت بخوف لاقتراب تلك الحشرات وقد ابتعدت عني فور صراخي.
ان لم امت بالسقوط من هنا فسأموت من شدة الذعر!
ما الذي يعنيه هذا؟

تساءل بجمود فتجاهلته تماماً، ليعقب بحدة: هل تنوين الانتحار بعد ادعاءاتك البطولية؟ ترغبين بالذهاب إلى الجحيم الذي تستحقينه بهذه السرعة؟
رفعت عيناي نحوه بجفاء وقلت بصوت يرتجف بشدة: لما لا؟ قد يكون افضل من جحيمك باتريك.
صرخ بغضب حتى برزت عروق صدغيه واحتدت عينيه الخضراء: لا بد وانكِ فقدت عقلك! دعي المشاكل بيننا جانبا مؤقتاً! تحركي واقتربي لنصف المسافة!
اضاف بسخط: تحركي والا!

والا ماذا؟ ما الذي ستفعله في وضع مماثل؟ ستسرع من امكانية موتي؟
تساءلت ببرود وصوت لا حياة فيه.
تمتمت بنبرتي السابقة انظر اليه: والا ماذا باتريك تحدث!؟ لقد ابدعت في اهانتي وتعذيبي، فعلت كل ما هو مستحيل لأجل ان اعاني فقط، ما الفرق الان اذاً؟ ما الذي تغير؟ انت تكرهني وتحتقرني ولعلها فرصة رائعة لا تفوت! لا بد وان رؤيتي اعاني الان وقد اسقط في اي لحظة عرض سينمائي مبهر بالنسبة لك.

اكملت بشرود وجمود: لن اقبل مساعدتك، لن اقبل بها ولو عنى ذلك موتي المحتم، ولكنني فقط لا اريد الموت قبل تصحيح اخطائي وتعويض عائلتي عن كل ما ارتكبته في حقهم.
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه وقد طرف بدهشة قبل ان يهمس: امراة مختلة! سحقاً لكِ لا وقت لهذا الهراء! هل تعين الموقف الذي انتِ فيه حتى؟
اردف بصوت متهدج يجوبه تهكم: ام انكِ. تنوين توريطي بشأنك كآخر حيلة تقومين فيها؟

نظرت اليه بصمت قبل ان اغمض عيناي بانهاك: انت تقف خلف اخر شيء في قائمة اهتماماتي، غادر. لا اريدك هنا.

اردفت بتعب وبلاحيلة: لا اريد مساعدتك، لا اريدك ان تلمسني، لم اعد احتمل الاشمئزاز والغضب الذي يعتريني كلما رأيت وجهك! فقط غادر. انت بالفعل تستهلك طاقتي. يدكَ لم تكن للعون يوماً، لطالما كنت تجرني الى الهاوية، لطالما امسكت بيدك وسمحت لك بأخذي إلى اي مكان تطأ عليه قدمك، ولكنني لم اعد احتمل مجرد التفكير بالأمر، انا حقاً افضل الموت على ان انجو بفضلك انت.

ظهر الغضب الشديد على وجهه حتى تورد بأكمله، جز على أسنانه وهمس بغلِ وحقد: سأقتلك بكلتا يداي ان نجوتِ، ستخرجين من هذا المأزق لأقتلك ايتها الفاسقة، انا حقاً سأحول حياتك الى جحيم حقيقي لم تكوني لتحلمي فيه في اسوأ كوابيسك حتى. لستِ انتِ من تقلب الطاولة لصالحها، لست كذلك ولن تكوني.
وهل هناك جحيم يضاهي ما تجرعته من حمم جحيمك يا ترى؟

يوجد كات. وستفهمين ما أعنيه جيداً في الوقت المناسب. إنه آخر انذار لكِ، تحركي وأمسكي بيدي.
غادر، حتى لو كُتب على الموت هنا فتخيل فقط ان يكون آخر وجه أراه أمامي هو وجهك؟ أنا لن أرضى بنهاية مماثلة.

سمعت أصواتاً خافتة تلاها وصول لاري برفقة أحد المرشدين ومعه رجل مرشد اخر بحوزته عدة السلامة، انتبه باتريك لخطواتهم فضاقت عينيه الخضراء ولمعت ببريق شيطاني اصابني بالارتياب وهو يحدق إلى بوعيد بينما يكور قبضتيه: ستتمنين لو سقطتي من فوق هذا الجرف كتاليا.
عضضت على شفتي بقهر ولم أعلق.
الا ان الشعور بالراحة لوصول المرشدين قد تغلب على أي مشاعر أخرى وقد زفرت براحة وأغمضت عيناي أرخي اعصابي جاهدة.
اعتقدت أن.

أمري قد انتهى!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة