قصص و روايات - قصص بوليسية :

رواية بنت القلب للكاتب عبد الرحمن أحمد الفصل الثالث والعشرون

رواية بنت القلب للكاتب عبد الرحمن أحمد جميع الفصول

رواية بنت القلب للكاتب عبد الرحمن أحمد الفصل الثالث والعشرون

انحنى بظهره ليستند بمرفقيه على ركبتيه ثم دفن وجهه بين كفيه وراح يفكر فى هذا القرار الذى اتخذه فى وقت قصير وسأل نفسه الكثير من الأسئلة، هل الفراق فى تلك الحالة هو الحل الأمثل ؟
ثم اعتدل فى جلسته وبدأ يحدث نفسه:
- معقول خلصت كدا مع تنّة ؟ أنا غبى علشان خدت قرار زى ده وطلقتها .. أيوة هى مش عايزانى بس أنا اللى عملته مش هين عليها برضه، أعمل ايه بس ؟

فى تلك اللحظة طرق أحدهم الباب فاتجهت إليه بخطوات متمهلة وسألت بحذر مَن بالخارج فوجدته أحد العاملين وأمامه عربة صغيرة يحمل عليها الطعام ففتحت وهتفت:

- شكرًا لك
ابتسم لها ثم سحب سلاحه ووجهه إلى رأسها وأطلق رصاصة على الفور .
لكن فى نفس التوقيت سحبها "غيث" بسرعة كبيرة للأسفل فاستقرت الرصاصة فى الحائط ورفع سلاحه وأطلق رصاصة منه فاستقرت فى جسد هذا الرجل، نهض من مكانه وتأكد من وفاته ثم عاود النظر إليها وهتف بلهفة:
- أنتِ كويسة ؟
هزت رأسها وهى تنظر إلى الجثة ورددت بصدمة:
- أيوة كويسة
ثم صوبت نظرها عليه وهتفت:
- أنتَ عرفت إنه هيعمل كدا ازاى؟

ابتسم بحب ثم اقترب منها وأمسك بكفيها وأردف:
- لازم تتوقع الغدر أو الهجوم عليك فى أى لحظة من اللحظات حتى لو ماشى بين ناس أنتَ متطمنلهم، لازم تكون مستعد لأى حاجة .. لازم تشوف من ضهرك .. مش لازم تشوف بعينيك بس لازم إحساسك وحواسك كلها برا جسمك وبتحس بالمكان اللى أنتَ ماشى فيه.

لازم يكون عندك رد فعل سريع جدًا وتقرأ الشخص اللى قدامك وتذاكره كويس وتفهم نقاط قوته ونقاط ضعفه وده كله من غير ما ياخد باله من أى حاجة، لازم تعرف إن الغلطة مهما كانت صغيرة مسئولة عن حياتك كلها والأهم من ده كله وهكررها تانى لازم تتوقع الضربة من أى حد وفى أى لحظة
صمت قليلًا ثم استطرد قائلًا بحب:
- مش ده كلامك يا سيادة المدربة برضه ؟

شعرت بالسعادة لتلك الكلمات التى ألقاها على مسامعها فأسرعت وارتمت بين أحضانه ودست وجهها فى صدره لتشعر بتلك الحرارة المنبعثة منه وكأنه الدفء والأمان بل هو بالفعل هكذا، شعرت بنبضات قلبه المتسارعة فرفعت رأسها قليلًا ونظرت إليه نظرة تعبر عن ما بداخلها وأردفت بحنو:
- بحبك
اتسعت حدقتيه وردد بعدم تصديق:
- أنتِ قلتى ايه ؟
ثم وضع كفه خلف أذنه وانخفض عليها قائلًا:
- سمعينى آخر كلمة تانى كدا.

اعتدلت فى وقفتها وعقدت ساعديها أمام صدرها لتقول بابتسامة:
- بقول إننا نلحق نسيب الفندق حالًا علشان بقى خطر جدًا
فى تلك اللحظة تذكر ما حدث منذ لحظات ونظر إلى جثة هذا المجهول الملقاه أمام غرفته فهتف:
- عندك حق يلا بينا .. خشى جهزى حاجتك بسرعة وأنا هخفى الجثة دى قبل ما حد يطلع ويشوفها.

وضع كفيه على وجهه وأخذ يفرك فيه بقوة ثم ردد بغضب:
- هيكونوا راحوا فين يعنى ! لا ومغطيين وشهم يعنى مستحيل نجيبهم
هتف "فهد" بنبرة جادة متشبعة بالثقة:
- أنا أديت أمر بإن مفيش عربية تخرج من القاهرة غير لما تتفتش وسيادة اللواء أيمن بيعمل كل اللى عليه وبيحاول يجمع تصوير كاميرات المنطقة كلها علشان يتتبع خط سير العربية دى وهنجيبها يا طيف متقلقش
زفر بقوة وأطبق جفنيه فى محاولة منه للسيطرة على أعصابه وردد بحنق:
- تمام وأنا هروح مشوار كدا يمكن يساعدنا.

توجه إلى سيارته واستقلها وانطلق إلى وجهته بغضب شديد حتى إنه لم يخبر نيران التى أصبحت مؤخرًا تتبعه خطوة بخطوة، فكر بمهاتفتها لكن سرعان ما نفض تلك الفكرة عن رأسه حتى لا تعارضه فى تلك الخطوة خاصةً، انتهى به التفكير أمام عقار كبير فترجل من سيارته ودلف إلى الداخل فأوقفه الحارس قائلًا:
- يا بيه ... استنى .. أنتَ طالع لمين
أشهر بطاقته وردد وهو يلتفت:
- النقيب طيف أيمن ومايخصكش طالع لمين.

ثم انطلق إلى الأعلى دون أن ينتظر رده، وصل أخيرًا أمام شقة بالطابق السادس لكنه لم يطرق الباب بل ركله بقدمه ففتحه على مصرعيه مما جعل "وائل" ينتفض من مكانه ووجه نظره إليه قائلًا بخوف وزعر:
- طيف ! في ايه؟
انطلق إليه بخطوات سريعة حتى وصل إليه وأطبق على ياقة قميصه ثم دفعه للخلف بقوة حتى التصق بالحائط وهتف بنبرة قاسية وحادة جحظت خلالها عيناه وتشنجت قسمات وجهه:
- فين أختى يا وائل يا أيمن .. انطق بدل ما أدفنك هنا.

ارتفع حاجبيه بدهشة وأردف بنبرة قلقة وخائفة:
- أختك ! وأنا ايه علاقتى بأختك يا طيف
حاول التقدم للأمام لكن أعاده طيف إلى الحائط مرة أخرى بقوة وأردف بنفس الحدة:
- أختى رنّة اللى خطفتوها النهاردة
حرك رأسه بعشوائية وهو يردد مدافعًا عن نفسه:
- والله ماليش علاقة باللى حصل، أنا لسة عارف منك حالًا أهو.

تمسك طيف بياقه قميصه وزاد من قوة ضغطه عليه فى الحائط وكشر عن أنيابه قائلًا بتهديد:
- الكلام ده مش عليا .. مفيش حد بيخطف غير اللى أنتَ شغال معاهم وأختى لو جرى ليها حاجة أقسم بالله لأعيشكم فى جحيم
نفذ صبره فبحركة سريعة منه تخلص من قبضته ثم دفعه بقوة إلى الخلف ورفع إصبعه فى وجهه محذرًا:
- طيف، أنا متدرب إنى أضرب ألف زيك بس أنا عاملك احترام، أقسم بالله أختك معرفش حاجة عنها ولا ليا علاقة باللى حصل ومستعد أعمل اللى عايزه علشان ترجع
رمقه بنظرات مجهولة و قد بدأ يصدق ما يقوله.

اقترب منها بحذر ثم انخفض وتحسس شعرها فاستيقظت على الفور وهى تنظر حولها وصرخت:
- أنا فين ! أنتوا مش عارفين أنا مين ؟ بابا وأخويا مش هيرحموكم
قهقه بصوت مرتفع ثم رمقها بابتسامة ساخرة وأردف:
- المفروض نخاف يعنى ولا الأمورة تؤمرنا بايه
ثم صمت وبدأ يتفحص جسدها بعينيه وأردف:
- حرام الجسم الحلو ده يتشرح علشان يتاخد منه أعضاء بس متقلقيش هنبسط بعض قبل ما ده يحصل.

تراجعت بحذر حتى التصقت بالحائط من خلفها وأردفت بخوف وهى تشهر إصبعها فى وجهه:
- أنتَ لو قربت منى أنا هقتلك
ارتفعت صوت ضحكاته ورمقها بنظرة أرعبتها وهزت كيانها ثم أردف بنبرة تسلية:
- تعجبنى القطة اللى بتخربش
ثم نهض واستعد للرحيل واستطرد قائلًا:
- رايح مشوار وبالليل هنقضى الليل كله مع بعض .. تشاو يا حلوة.

بدأت تتفحص تلك الغرفة بعينيها وشعرت بالنهاية القريبة منها ولكنها ليست كأى نهاية بل ستكون أسوأ النهايات، دفنت وجهها بين كفيها وأجهشت بالبكاء وهى تتخيل هذا المصير .

دلف إلى مكتب والده بعد أن طرق الباب ثم أردف بجدية:
- أيوة يا بابا عايزنى فى ايه
نهض من مكانه وقال بنبرة حادة خالية من المشاعر:
- ايه اللى هببته من ساعة ده ؟ أنتَ روحت لوائل واتعديت عليه كمان ! أنتَ عارف باللى عملته ده هببت الدنيا أكتر.

تأفف بضجر من لهجة والده التى أزعجته كثيرًا وأجابه:
- بابا أنا عايز أرجع رنّة ومش هاممنى ايه يحصل، لما ترجع ابقى حاسبنى على اللى بعمله متضيعش وقتنا بقى بالكلام اللى مش هيودى ولا هيجيب ده
نهض عن كرسيه واقترب منه وهو يقول بحدة وغضب:
- باللى عملته ده لو وائل واللى شغال معاهم ماكانوش يعرفوا فأنتَ كدا عرفتهم ولو هم المسئولين عن خطفها فأنتَ كدا عرفتهم إن احنا بلعنا الطعم علشان كدا أنتَ غبى وحسك عينك تتصرف أى تصرف تانى غير بعد ما تستشيرنى .. مفهوم !

شهر بخطأه الغير مقصود فأجفل بصره وردد بلهجة رسمية:
- تمام يا باشا
خرج من المكتب وهو يزفر بقوة ليتفاجئ بها أمامه فحدق بها بنظرات متفحصة وأردف:
- معلش يا نيران .. بهدلتك من الصبح معايا
رسمت ابتسامة خفيفة على ثغرها واقتربت منه قائلة:
- متقولش كدا يا طيف احنا زمايل وكمان كنت الدكتور بتاعى وساعدتنى كتير.

حاول رسم ابتسامة رغم ما يمر به وردد:
- سمعتى طبعًا وصلة التهزيق اللى كانت من شوية
حاولت كتم ضحكاتها وأردفت:
- ما أنتَ عارف اللواء أيمن وعصبيته .. إيش حال ماكانش أبوك

وصلا أخيرًا إلى أمريكا وتحديدًا "لوس أنجلوس" وانطلقا فى طريقهما إلى الفندق، كان صامتًا طوال الوقت ولم يسمح بأى مجال للحديث فقررت هى قطع هذا الصمت الطويل وأردفت:
- ما تتكلم شوية أنا نسيت الناس بتكلم بعض ازاى
رمقها بعينيه ثم وجه بنظره إلى الأمام مرة أخرى وأردف:
- أتكلم أقول ايه ؟

عقدت ساعديها أمام صدرها وتحدثت:
- قول أى حاجة إن شالله تغنى بنت الجيران وأنا أسقف لكن القطة تاكل لسانك كدا مايعجبنيش
تعجب من جرأتها فى الكلام فنظر اليها بحاجبين مرتفعين قائلًا:
- احنا طالعين مهمة على فكرة مش رحلة لحديقة البستان
رفعت إحدى حاجبيها وهتفت:
- لا ما أنا عارفة إنها مهمة شكرًا على المعلومة الجميلة، عايزة أعرف مش طايق كلامى ليه؟

ظل نظره مثبت على نقطة بالفراغ أمامه وردد:
- مين قالك إنى مش طايقك ؟ قرأتى عقلى مثلًا ولا بتقولى أى حاجة وخلاص ؟
ازداد ضيقها بعد تلك الجملة ورددت بضجر:
- مش محتاجة أقرأ عقلك بس أنتَ كنت رافض أجى معاك ودلوقتى مابتنطقش ومش طايقلى كلمة
التفت بوجهه إليها رافعًا حاجبيه وأردف:
- لا والله ! فاطمة شيلى كل ده من دماغك وسيبينى بالله عليكِ علشان مش فايق أصلًا
شعرت بالإهانة من حديثه فأثرت الصمت وقررت عدم التحدث فى الأمر مرة أخرى فهى لن تغير من حقيقة الأمر ...

انقضى اليوم وأصبحت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، كان "طيف" يتابع فيديوهات الطرق ليتتبع حركة تلك السيارة، كانت تهاجمه رغبة شديدة فى النوم لكنه قابل هذه الرغبة بعناد شديد وتناول الكثير من المشروبات التى تحتوى على الكافيين وبقى هو و فهد يحاولان معرفة نهاية تلك السيارة وأين توقفت، فى تلك اللحظة دلف اللواء أيمن إلى المكتب وهتف:
- أنتوا لسة موجودين ! روحوا واستريحوا شوية علشان تعرفوا تشوفوا شغلكوا بكرا ومتتعبوش.

نظر طيف إلى فهد وردد بجدية وصوت يشوبه الإرهاق:
- قوم أنتَ يا فهد روح استريح، أنا هستنى لغاية ما أعرف العربية دى فين
ثم نظر إلى والده وردد:
- اتفضل أنتَ يا سيادة اللواء .. أنا هفضل موجود.

لم يجبره على الرحيل فهو يعرف مدى عناد ابنه فأومأ برأسه ورحل وتبعه فهد بينما بقى طيف وحده فى غرفة مكتبه حوله العديد من الأسطوانات والذاكرات الإلكترونية "USB" وجهاز الكمبيوتر الخاص به، ظل يتابع بعينيه حركة المرور وهو يرتشف من قهوته، فرك بعينيه بقوة ليقاوم تلك الرغبة الملحة فى النوم وبدأ يتابع ما يحدث مرة أخرى إلى أن اهتز هاتفه برنين فنظر إلى شاشته ليجدها "نيران" فلمس الشاشة ورفعه على أذنه وهو يتابع الفيديو وأردف قائلًا:
- أيوة يا نيران
"وصلت لحاجة ؟"
حرك رأسه بالنفى قائلًا:
- للأسف لسة، أنا فى مكتبى أهو ومش هروح غير لما أعرف مكان العربية دى.

"معلش يا طيف .. كان نفسى والله أبقى معاك دلوقتى وأساعدك بس أنتَ عارف إن كلهم هنا مايعرفوش بإن الذاكرة رجعتلى فمقدرش أغيب الوقت ده كله "
- متقوليش كدا بالعكس أنتِ ساعدتى الصبح جامد ده غير إنى شربت قهوة وقاعد مش ورايا حاجة .. روحى أنتِ نامى وبكرا ربنا يحلها
ابتسمت بصفاء وأردفت:
- يارب، تصبح على خير
ارتسمت ابتسامة على وجهه هو الآخر وردد:

- وأنتِ من أهل الخير
أنهى المكالمة وألقى بهاتفه ثم عاود متابعة ما يفعله .

نطقت بصوت ضعيف وباكى بعد أن التقطت أنفاسها:
- بنتى فين يا أيمن .. أنا عايزة بنتى
أراح ظهره على الأريكة وأغلق عينيه من شدة التعب وهتف بصوت هادئ:
- متقلقيش يا أسماء بنتك هترجعلك وطيف مش راضى يسيب المكتب غير لما يوصلها وبكرا هتبقى فى حضنك .. سيبينى أريح شوية بقى علشان أقوم بدرى وأروح الشغل وأنا مستريح ودماغى فايقة علشان أعرف أتصرف.

ربتت تنّة على كتف والدتها بحنو وأردفت:
- إن شاء الله خير يا ماما ورنّة ترجع، اهدى كفاية عياط بالله عليكِ
نهض أيمن من مكانه ودلف إلى غرفته ثم استلقى على سريره بملابسه بسبب إرهاقه الشديد وسرعان ما راح فى نوم عميق تاركًا تنّة فى مهمة صعبة لتهدئة حال والدتها السىء

ارتفع أذان الفجر أثناء وجود طيف بمكتبه فترك الحاسوب قليلًا وعاد بظهره إلى الخلف، أغلق عينيه بتعب شديد ثم نهض وتوجه إلى الخارج حيث المسجد القريب من المديرية، وطأ بقدميه داخل المسجد وتوضأ ثم جلس فى انتظار الإقامة، رفع المؤذن صوته ليقيم الصلاة فاصطف المصلون وبدأوا الصلاة، تساقطت دموعه وهو يدعى الله فى سجوده بأن يعيد شقيقته سالمة إلى عائلتها مرة أخرى .

دقائق وانتهت الصلاة وهم بالخروج وعاد إلى مكتبه مرة أخرى، اقترب من حاسوبه وبدأ يتفحص باقى الفيديوهات ورصد حركة تلك السيارة التى كانت تتحرك دون توقف إلى أن ابتعدت عن الكاميرا فنزع الذاكرة الإلكترونية وقام بوضع أخرى ورصد حركة السيارة، تابعها بعينيه لكنه تفاجأ بتوقفها أمام منزل بمحافظة القليوبية بمنطقة شبرا الخيمة وخرجت منها تلك السيدة وتبعها الشابان ثم قاما بحملها إلى الداخل .

نهض مسرعًا من مكانه وأمسك بهاتفه ولمسه عدة لمسات وانتظر قليلًا حتى أجابه والده بصوت نائم:
- أيوة يا طيف
هتف بصوت مرتفع وكان الحماس يغمره:
- أنا عرفت مكان رنّة يا بابا
انتفض من مكانه وهتف بجدية:
- تمام .. أنا جايلك حالًا، متتصرفش غير لما أجيلك مفهوم ؟
أومأ رأسه بالإيجاب قائلًا:
- تمام يا بابا
أنهى أيمن المكالمة ولمس شاشة هاتفه عدة لمسات ثم وضع الهاتف على أذنه قائلًا:
- فهد فوق كدا وتعال على المديرية بسرعة احنا عرفنا مكانها
- تمام سعادتك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة