قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

رنين هاتفها جذبها من حضن أخيها فنهضت مسرعة تحمل ابنتها وهي تقول: أنا إتأخرت ولازم أمشي، هجيلكم تاني.
نهض مالك يقول: استني هوصلك.
معايا السواق تحت هيوصلني، خليك هنا يامالك جنب ماما، احنا ماصدقنا نشوفها بتبتسم من تاني.
طالع والدته بحنان قبل أن يعود بنظراته إلى اخته يميل مقبلا جبينها وجبين طفلتها وهو يقول: خلي بالك من نفسك.
وانت كمان سلام.

غادرت بينما عاد مالك إلى والدته يجثو أمامها قائلا: انت بجد مسامحاني ياأمي؟ أنا غلط في حقك كتير قبل سفري وبسفري كمان وجعتك.
ربتت علي رأسه بيد حانية وهي تقول: مسامحاك يامالك والله مسامحاك بس اوعدني متغيبش تاني عن عيني، فراقك كان صعب قوي ياابني.

أوعدك ياأمي، انت متعرفيش لمستك دي ريحتني قد ايه؟ وكأن غربتي انتهت ووجعي بس لما بقيت بين ايديكي، ياريت تسمحيلي أحط راسي علي حجرك و ترقيني زي زمان يمكن ساعتها أنام من غير كوابيس.
سحبته من يده تجلسه جوارها، تأخذ رأسه بحنان وتضعه علي حجرها، تملس علي شعره وهي تتلو آيات القرآن فاستسلم لأناملها يشعر لأول مرة بالأمان منذ زمن. وكأنه عاد حقا للوطن.

منذ سفره وهي تطالع جدران المنزل فتراه مهجورا قد بليت أبوابه وتقشرت حيطانه، نوافذه تكسرت وهجر الجميع عتبته حتى أنها كانت تري حوض النعناع الذي تهتم به شخصيا والموجود بالشرفة وقد جفت عيدانه فلم تعد تشم له رائحة كانت تفوح بين أرجاء المنزل، ورغم أن كل شيء علي عهده إلا أن غياب ابنها وحبيبها مالك جعل كل شيء في نظرها باهت غابت عنه الحياة. وبعودته عادت جدران المنزل كما كانت والتئمت صدوعه و عادت تشم رائحة النعناع من جديد.

أما هو فشعر وكأنه عاد طفلا صغيرا في حضرتها بروحها النقية وذاتها الملائكية تنير ظلمته وترشده إلى الطريق القويم، تضمه فتريحه من كل عبء وترويه بحنان لا ينضب، كيف يمنحها سعادة تعادل ماتمنحه من حب وأمان؟ بذلت روحها دوما من أجلهم فماذا قد يمنحها بالمقابل ولا مقابل يكفيها جزاءا؟ ياليته يملك قدره فيمنحها اياه دون تردد، فرح مقابل حزن وصحة مقابل مرض وحياة مقابل موت.

استقام يقول بحنان: ايه رأيك ياماما نبيع الشقة هنا وناخد شقة في حتة تانية؟
قطبت جبينها بحيرة قائلة: ليه ياابني؟
تغيير ياأمي، احنا محتاجين تغيير في حياتنا.
تأملت أرجاء منزلها بحنين قائلة: مش هنلاقي شقة زي دي، ذكرياتنا في كل حتة جواها.
مش ذكريات حلوة عشان نتمسك بيها.

تأملته بعيون أطل العتاب منهما وهي تقول: ده عيب جيلكم، مبيفتكرش غير الذكريات المرة وبينسي الذكريات الحلوة، الدنيا ياابني كدة. يوم حلو ويوم مر والحلو بيحلي المر، زي مااتهانت واتجرحت جوة البيت ده من باباكم، اتكرمت من ربنا وعوضني بحبكم، هنا كنتوا بتجروا وبتضحكوا. هنا كانت خطواتكم الأولي وهنا كانت أول مرة أسمع كلمة ماما. الفرح كتير أكتر بكتير من أي حزن، تعرف يامالك لما ببص للبيت مبشوفش ألمي جواه، مبشوفش غيركم، بشوف احلي ذكرياتي معاكم بتونس وحدتي وبتداوي جروح الماضي. انتوا رزقي من الدنيا اللي تستاهلوا كل اللي استحملتوا عشانكم.

تأملها بحب قائلا: انت مبقاش فيه منك ياأمي؟
تغيرت نبرته وهو يردف: كل الستات بقت خاينة وغدارة، أنانيين مبيفكروش غير في نفسهم وبس.

مش كلهم يامالك. فيه كتير زيي وزي اخواتك البنات، عندك مثلا بنت جارنا، مات جوزها من سنين وسابلها طفلين، حاربت عشانهم أخو جوزها ومستسلمتش لتهديده وضحت بكل حاجة عشانهم ومستعدة تحارب كمان وتضحي بحياتها بس يكونوا بخير. مش كل الستات وحشة، فيه الأصيلة اللي تحافظ علي جوزها وبيتها وتديلهم روحها، ياابني الدنيا لسة بخير ولو دورت هتلاقي.

أدرك مالك ماتلمح إليه فأراد الهرب من النقاش في موضوع عقيم لن يجنوا من النقاش فيه سوي خلافا محتدما، ليقول بحيرة: فين غادة صحيح، مش باينة؟
تنهدت قمر قائلة: من ساعة مابترجع أوضتها مبتخرجش منها غير تاني يوم علي الشغل، بقالها فترة حالها غريب ومش مطمني وبجد خايفة عليها يامالك. غادة عاطفية بس مصرة تحكم عقلها وده مش في صالحها أبدا. انت كنت بتقدر تتفاهم معاها لكن أنا مش قادرة. رافضة تسمعني.

هز رأسه متفهما يربت علي يدها وهو يقول: أنا رجعت ياماما وبإذن الله كل حاجة تتصلح. متقلقيش.
نهض يتجه إلى حجرة أخته يطرق بابها ثم يدلف إليها فتنهدت قمر قائلة: ربنا يصلح حالكم ياولادي ويباركلي فيكم.

كانت تعلم أنه هناك بالخارج يجلس مع أمها الآن وحيدا بعد رحيل شقيقتها، استشعرت وجوده منذ اللحظة الأولي لعودته و قبل حتى سماعها إسمه ينادي بشوق من قبل والدتها، فما ان خطا بقدمه عتبة الباب حتى شعر قلبها بطمأنينة لم تستشعرها قط سوى في حضرته، سحبت الدثار تغطي به وجهها تنهر ذاتها.
لا تضعفي أيتها الذات الخائنة و لا تغفري.
هل نسيتي أم تناسيتي رحيله وتخليه عنك؟

أخبرته مرارا. أنت سندي و مصدر قوتي، لا تكسرني بالغياب فغاب.
رحل ولم ينظر إلى الوراء. لم يأبه بشأنك. فكيف يحن القلب إليه؟

هل هي روابط الدم؟ أم خيبة قلب؟ أم توق لماض صحبك فيه أمانا كنت تحظين به في حضرته؟ هل نسيتي أم تناسيتي ماعلمك إياه رحيله. لن يأبه أحد بدموعك سواك ولن يترك القهر آثاره سوي في قلبك. أنت سند نفسك وروحك قد اكتفت من جراح الغدر، لقد خان أخاك ثقتك وتبعه الحبيب لذا لا مجال للتسامح فأغلقي أبواب قلبك في وجوههم حتى لا يتكرر الجرح.

سمعت الباب يطرق ثم يفتح، علمت بوجوده في حجرتها، انخفض السرير من جهة اليمين فحبست أنفاسها تحت الغطاء، سمعته يقول بصوته العميق الذي تلعن روحها الآن حين أعلنت اشتياقها لنبراته: عارف انك صاحية وعاملة نايمة عشان زعلانة مني، لسة حافظ حركاتك وانت صغيرة منستهاش، فاتت سنين كتير قوي علي آخر مرة زعلتي مني وخاصمتيني بس وقتها كنت بعرف أصالحك، فاكرة ازاي؟

كان يجذب الغطاء ويدغدغها فتضحك بقوة ولكنه لا يتركها حتى تعلنها بقوة سامحتك أخي. أقسم أنني فعلت تري هل سيفعلها الآن؟ توسلت لله ألا يفعل فجاءتها كلماته التي جعلتها تطلق أنفاسها المحتبسة بصدرها: مبقاش ينفع خلاص اني أغلط وأجيلك من غير اعتذار ولو انه اعتذار ضعيف قصاد غلط كبير، أنا عذري اقبح من ذنب، حتى لو انجرحت والجرح كان صعب مكنش لازم أهرب، كنت هلاقي علاجي بينكم زي ماكنت بقول دايما، مينفعش كنت أنصح وأول ماانجرح أنسي اللي نصحتكوا بيه كتير، ده أنا الكبير، مشيت من غير وداع، بعدتكوا عني من غير ذنب، مفكرتش حالكوا هيكون ازاي من غيري، كنت أناني.

قوي.

ابتسم وكلمتها تصله تجعله يدرك أنه نفذ إلى قلبها من خلال بابه الذي واربته الآن أمامه وبقي عليه أن يجعلها تفتحه علي مصراعيه. قال بحنان: من ساعة ماسبتكم وأنا بندم في اليوم ألف مرة، بحاول أغرق في الشغل عشان محسش بيه بس أول مااحط راسي علي المخدة كنت بلاقيكم قدامي، كل واحدة فيكم بتبصلي بعتاب كان بيدبحني ومهما قفلت عيوني كنتوا بتطاردوني، كان قلبي بيقولي ارجع عشانهم وروحي رافضة الرجوع لإنها مجروحة وخايفة من رد فعل ممكن يضيعها أو يضيعكم مني، كنت أناني قوي زي ماقلتي بس أول ماحسيت ان حد فيكم في خطر مترددتش ورجعت، رجعت أحميكم وأتحامي بيكم، رجعت عشانكم وعشانك انت بالذات ياغادة.

رفعت عن وجهها الغطاء واستقامت جالسة تطالعه بعتاب فقال بحنان: أول ماممدوح قالي أختك في خطر مقدرتش أستني لحظة واحدة، حجزت في آول طيارة، رجعت عشان أكون سندك.
لسة بتفتكر؟ انا انكسرت كتير كنت فين وقتها؟
سامحيني ياغادة، قلتلك غلطت ومين فينا مبيغلطش؟ بس انا رجعت.
وايه اللي يضمنلي تفضل؟ مايمكن تضعف من تاني وتهرب.

هتمنعيني ومش هتسمحيلي. أختي اللي أعرفها، اللي اتحدت الكل عشان الحق واللي مستعدة تضحي بروحها عشان العدل زي ماسمعت من صاحبي مش هتتخلي عن أخوها.
أنا أضعف كتير صدقني، وقوتي كانت غلاف من برة، حماية من أي حد ممكن يستقل بيا، أنا قوتي كانت بوجودك جنبي ووقت ماسيبتني انكسرت، لزقت الشروخ جوايا لكني ماانجبرتش.

أمسك يدها بلهفة امتزجت بألم من كلماتها المثقلة بالوجع وهو يقول: هتنجبري، مع الأيام صدقيني هتنجبري. مفيش جرح بيفضل مفتوح، أكيد مع الأيام والعلاج بيلم.
بتقولها بثقة وكأن جرحك لم.

ظهر الألم علي وجهه ولكنه واراه وهو يخفض عيناه للحظات شعرت فيهم بالندم علي ماتفوهت به، كادت أن تعتذر ولكنه رفع وجهه قائلا: جرحي كان عميق قوي ياغادة، جرح مستحيل هتفهمي صعوبته، الرجل لو خان مراته الجرح بيبقي صعب علي الست لكنه مش قاتل، بتقدر بعده تقوم علي رجليها من تاني وممكن مع الأيام تحب من تاني وتتحب، لكن الراجل لو اتخان الجرح وقتها بيكون قاتل لمشاعره ورجولته وثقته بنفسه، بيبقي تقريبا انتهي وحياته عايشها كدة وخلاص، بتبقي وقعة مبعدهاش قومة ياحبيبتي. فاهماني؟

هزت رأسها فقال مردفا: يعني مسامحاني؟
هزت رأسها نفيا فظهر الحزن علي وجهه لتسرع قائلة: بس فيه أمل أسامحك لو فضلت جنبنا بجد ومسافرتش تاني.
ظللت ابتسامة شفتيه وهو يقول: أوعدك.
من غير وعود، خلاص فقدت الأمل فيها وإيماني دلوقت بالأفعال.

يبقي أفعالي هتثبتلك ووجودي جنبك هيبقي دايم في الشغل والبيت، أنا معاكي في الجرنال من بكرة و دي أول خطوة هعملها، أما الخطوة التانية اني هسكن معاكم هنا، في أوضتي القديمة. ها. إيه رأيك؟
لم تجبه ولكن اشراقة وجهها واتساع ابتسامتها كانتا خير دليل علي سعادتها وترحيبها به.

يعني ايه كنت فين ياوليد؟ ماانت عارف اني كنت عند ماما؟
بس السواق جالك وملقكيش هناك وبعدها بساعتين سيبتيله رسالة وقولتيله يجيلك.
قطبت جبينها قائلة: لأ طبعا محصلش.
عقد حاجبيه بدوره قائلا: السواق قالي الكلام ده ووراني الرسالة كمان.
ازداد انعقاد حاجبيها قائلة: بس ده محصلش، انت بتصدق السواق وتكدبني ياوليد؟
وبعدين ايه نبرة الاتهام اللي في صوتك دي؟ انت قصدك ايه؟
أنا بسأل مراتي كانت فين؟ أظن من حقي.

قالت ميسون بعصبية: وأنا جاوبتك. عايز تصدق السواق انت حر، تقدر تقولها صريحة وأنا أقسم بالله ماهقعد لحظة بعدها في البيت ياوليد، ماهو اللي معندوش ثقة في مراته ميستاهلش تقعد معاه ثانية واحدة.
وإيه علاقة الثقة بسؤال بسيط سألتهولك؟ وليه مكبرة الموضوع بالشكل ده؟

أنا اللي كبرته، تمام. اعتبرني ياسيدي مكبراه وجاوبني دلوقتي. مصدق اني كنت عند ماما طول الوقت والسواق أكيد غلطان والرسالة دي معرفش عنها حاجة ولا مصدق السواق؟
أكيد مصدقك انت.

كانت تدرك أنه يقول كلمات فارغة لا يؤمن بها وعيونه قد طفر منهم الشك بكلماتها أمام كلمات السائق و رسالة رآها بعينيه لا تدري من أين جائته، و لم كذب علي رب عمله قائلا أنها لم تكن بمنزل والدتها؟ ولكنها بالتأكيد ستتحري الامر ولكي تفعل ذلك عليها القبول بكلماته الفارغة والتي قالها خوفا من أن تكون دواخله ظنون لا أساس لها من الصحة، ستبقي بالجوار حتى تثبت له برائتها من شكوك لم ينطق بها ربما زرعتها بداخله حماتها العتيدة، ثم بعد ذلك ستحاسب الجاني وستعاقب وليد بطريقتها.

ضرب بقبضته المكتب بقوة وهو ينهض قائلا: وانت كنت فين يابغل طول الفترة اللي فاتت؟
قال المخبر وهو يرتجف خوفا: كنت براقب البيت زي ماسعادتك نبهت عليا.
ولما انت كنت متهبب وقاعد قصاد البيت. مشفتش ليه قبل كدة عريس الغفلة وهو طالع أو نازل؟ لسة جاي تقولي بعد الفاس ماوقعت في الراس وهيكتبوا الكتاب الليلة.
لا ياباشا ماهو ماطلعش ولا نزل ولا دخل البيت من أساسه؟

قطب رياض حاجبيه قائلا: أمال شافها فين ولا اتفقوا ازاي؟ هي الهانم نزلت من البيت وانت مبلغتنيش؟
لا والله يارياض باشا.
أمال هيتجوزها عمياني، ماتنطق يازفت، شافها في أنهي داهية؟
هيشوفها ليه وهو عارفها؟
قطب رياض حاجبيه متوجسا والمخبر يردف بخوف: ماهو يبقي عماد ابن عمها.

هذا الحقير الذي اختطفها رياض منه منذ سنوات، يريد أن ينل ماعجز عن نيله بالماضي، حلم يراوده سيجعله اليوم أسوأ كابوس له، وسيقلب الفرح إلى مأتم ولكنه حتى الآن لايدري جنازة من ستكون؟ أحد أقارب العروسين المقربين كالأم أو الأب مثلا أو ربما يصبح القتيل هو العريس نفسه؟ حتى الآن لم يصل عقله إلى قرار.

كانت تستعد للخروج لتحضر علبة الفول والفلافل الساخنة من أم إبراهيم، عادة توقفت عن فعلها منذ فترة وقد وجدت أن لا أحد يشاركها الطعام فسدت شهيتها، الطعام لا يحلو دون رفقة كما يقولون، ولكن مع عودة مالك عادت شهيتها للحياة والطعام، كادت ان تفتح الباب حين استوقفها صوت مالك الذي خرج من حجرته يرتدي قميصه وهو يقول بحيوية: صباح الفل ياأمي.

صباح الهنا ياحبيبي، رايح فين؟ ده أنا كنت نازلة أجيب الفول والطعمية السخنة.
ماأنا كنت عايز ألحقك عشان أنا اللي هنزل أجيب الفول من ام إبراهيم.
ماتخليك ياابني، انت لسة جاي امبارح من السفر وتعبان.
اقترب منها يقبل جبهتها قائلا: انا ارتحت ياأمي مجرد مابقيت بينكم من تاني، وبعدين انا الشارع وحشني وأم إبراهيم وإبراهيم، عايز أسلم عليهم.
براحتك ياابني، سلملي انا كمان عليهم.

ابتسم ثم اتجه إلى الباب ولكنه توقف واستدار يطالع هذا الشال الذي تضعه أمه علي كتفها قائلا: انت جبتي الشال ده منين ياماما؟
ده هدية من...
قاطعها صوت غادة وهي تقول بحماس: انت لسة هنا! يلا بسرعة ومتتأخرش ياباشا، عايزين نروح الشغل بدري مش من أول يوم هتتأخر، انت صحيح صحفي مشهور بس لازم تكون ملتزم وقدوة. ولا ايه يالوكا؟
مظبوط كلامك ياقلب لوكا. دقايق هروح وأرجع هوا.

غادر الشقة بينما اقتربت قمر من ابنتها قائلة: ايه الحماس والنشاط ده وايه الرضا ده كله؟ صحفي مشهور وقدوة ولوكا. برج ميزان صحيح وبتقلبي بسرعة.
قالت غادة بخجل: تبنا إلى الله وبعدين هو مالك مش أخويا ياماما؟
أخوكي ياقلب أمك.
يبقي صباح الحب بقي.
ثم قبلتها في وجنتها وهي تتجه إلى الحمام، لتنظر قمر في إثرها بحنان قبل ان تنظر إلى السماء وتقول: الحمد لله.

قالت أم إبراهيم بابتسامة واسعة منحتها لفيروز: يسعد صباحك ياعسل، أمانة توصلي سلامي لعم مصطفي.
إن شاء الله ياطنط، عن إذنك.

استدارت بسرعة وقد تأخرت علي إيقاظ والدها ليلحق بميعاده مع أصدقائه بالنادي فاصطدمت بأحدهم ليقع طبق الفول علي قميصه، شهقت بقوة ورفعت عيناها إلى الرجل الذي يقف أمامها ملطخ الثياب تعتذر بسرعة ولكن الكلمات توقفت في حلقها وعيناها تتسع بقوة حين وقعت علي عيناه اللتان امتزجت فيهما الصدمة بالغضب ليقولا بنفس واحد: انت!
انت!
طالع قميصه المتسخ قائلا بحنق: يعني أم مهملة وعامية كمان مبتشوفيش.

شعرت بشياطين الغضب تتقافز أمامها وهو يصفها بهذه النعات، وتجمعت دموع الحزن بعينيها رغما عنها لسماعها كلمات الإهانة مجددا من ثغره، كادت ان تلقي علي مسامعه كلمات لطالما ترددت في مخيلتها كرد علي اهانته لها بالمطار، لم يتح لها الوقت حينها لتقولها ولكن هذه المرة ستفعل، قاطعها وجود أم إبراهيم التي أسرعت إليهما تقول بجزع: حصل خير يا مالك ياابني، حصل خير يابنتي، خد يامالك الفوطة دي نضيفة وغسلاها بإيدي، نضف بيها قميصك وتعالي يابنتي أديكي طبق غير اللي وقع منك.

طالعت أم إبراهيم بعيون غائمة من الدموع وهي تقول بصوت مختنق: ملوش لزوم. نفسي اتسدت، عن إذنك.
تركتهما وغادرت بخطوات سريعة بينما وجهت أم إبراهيم حديثها بعتاب لمالك الذي كان ينظف قميصه بحنق: ليه كدة بس ياابني؟ دي غلطة مش مقصودة، وبعدين انت متعرفهاش كويس، دي فيروز بنت الأستاذ مصطفي جارنا. لو تعرفها مش هتقول عنها الكلام ده أبدا.

كاد أن يخبرها أنه يعرفها جيدا وأن دموع التماسيح تلك لن تؤثر به كما أثرت بها، ولكنه آثر الصمت وهو يقول: خلاص ياام إبراهيم هعتذر لباباها وأخليه يبلغها اعتذاري، معلش لسة راجع من السفر ومنمتش كويس. مش مركز يعني.
قالت بعطف: صحيح، حمد الله علي السلامة ياابني وحشتنا ووحشت ابني ابراهيم، ده هيفرح قوي لما يشوفك.
هو فين صحيح؟

جاي أهو تعالي وأقعد ارتاح علي الكرسي ده علي ما إبراهيم ييجي وأعملك أحسن طبق فول، وبالمرة أبعت معاه طبق بدل اللي وقع للدكتورة.
معلومة جديدة تثير غضبه، ألا يكفيه أن يعلم ان اسمها فيروز، اسم لا يليق بها مطلقا وأنها ابنة جارهم الطيب الذي ماعلم عنه سوي كل خير؟ تعمل كطبيبة أيضا وتأتي بتصرفات لا تليق بنخبة القوم. حقا كم يحتقر أمثالها من النساء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة