قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي والعشرون

كانت تقف في شرفة حجرة طفلتها تطالع غيوم اعتلت السماء في هذا الصباح الباكر لتعكس مزاجها المكفهر، لقد انبلج الصباح ولم تنل قسطا من النوم بعد، طالعت محيطها لا تدري هل هي بقايا ليل بارد أم برودة قلبها ما أرسل قشعريرة علي طول جسدها، تمر الدقائق متثاقلة وشعاع من شمس يحاول اختراق الغيوم والشروق علي وجهها. تري ان فعل هل ستشرق السعادة بروحها مجددا؟ لم تنم في غرفتها الليلة الماضية تشعر بالحزن جراء ماوصلها من شكوك في نبرات زوجها، جاءها في منتصف الليل مطالبا إياها بالعودة إلى غرفتهما فأبت مشيحة بوجهها عنه، آلمها عدم اعترافه بخطأه والاعتذار عنه فلم تستطع الغفران والعودة معه إلى حجرتهما رغم أنها لا تستطيع عنه فراقا. دلفت إلى الحجرة حين سمعت تململ الصغيرة في نومها، اقتربت منها تتأملها بحنان، تشبهها كثيرا صغيرتها ولكنها أخذت منه لون مقلتيه ولكم تحب عينيه وتحبه. رغما عنها وجدت دموعا تغزو عينيها وتتساقط علي وجهها، سقطت دمعة علي وجنة الصغيرة فمالت تمسحها بحنان قبل أن تستقيم حين سمعت الباب يفتح ويطل منه وليد بهيئة مزرية وكأنه قضي ليلته يتقلب ذات اليمين وذات الشمال، انقضي مضجعه مثلها بأنين الفراق، اشتبكت العينان بمشاعر قوية عصفت بهما، تأمل دموعها بندم قبل أن يقترب منها بسرعة يسحبها إلى صدره ويحتضنها بقوة يدفن رأسه في حنايا عنقها فاستسلمت لعناقه المشتاق وقد ذهب عنها كل غضب وحنق وحزن ماإن همس جوار أذنها: وحشتيني.

اكتفت بتنهيدة تخبره أنها إشتاقت له بدورها فزاد من ضمها مردفا: أوعي تاني تسيبي مكانك جنبي مهما حصل مابينا.

خرجت من حضنه تطالع عينيه تري عشقا خالصا بهما دون أدني شك فوجدته نقيا خالي من الظنون لتشرق ملامحها، مسح بثغره دموعا علقت بأهدابها وهو يقول بكلمات نادمة: آسف. حقك عليا. سامحيني. مكنش قصدي، أنا بحبك قوي ياميسون بحبك وبغير عليكي بس مش هسمح لغيرتي تعميني عن حقايق مآمن بيها ومش ممكن أي حاجة في الدنيا تقلل إيماني ده. وأول حقيقة هي حبي ليكي وحبك ليا وأخلاقك اللي شدتني ليكي من أول ماشفتك. عشان خاطري سامحيني ياحبيبتي ومراتي وكل ماليا في الدنيا.

مسامحاك ياحبيبي.
وصلته همستها الحارة وقد أثارتها لمساته الحانية لكل انش في وجهها وكلماته العاشقة فالتقط شفاهها في قبلة اجتاح بها روحها العاشقة فرحبت باجتياحه وقد نالت ماأرادت. اعتذارا وعشقا.

كانت تأكل بنهم كما لم تأكل قط وهي تنقل بصريها مابين ابنتها ذات الوجه البشوش و ابنها مالك، لحظة. مابال هذه التقطيبة التي اعتلت جبين الأخير وماباله يأكل بضع لقيمات بسيطة؟ تري ماالذي يشغل باله؟ وجدت نفسها تسأله قائلة: مالك ياحبييي. مبتاكلش ليه وليه بس مكشر بالشكل ده؟

انتبهت أخته تطالعه بدورها بينما انفرجت تقطيبة جبينه وهو يطالعهما قائلا: ها. لا أبدا مفيش، موقف بايخ حصل كدة عند أم إبراهيم وخلاص انتهي. مش عايزة أشغل بالكم بيه.
مادام لسة مأثر عليك بالشكل ده يبقي ماانتهاش، احكيلنا جايز ترتاح.

واحدة قابلتها في مطار لندن وكانت بتكدب علي جوزها في التليفون وتقول انها في البيت وهي كانت في المطار، نسخة تانية من زوجة خاينة آمنها جوزها علي اسمه وبيته وخانت أمانته، كمان ضيعت بنتها في المطار يعني زوجة خاينة وأم مهملة، شكرتني لاني رجعتلها بنتها اديتلها كلمتين ومشيت.

عقدت غادة حاجبيها تنفي صدمة كون الفتاة التي يحكي عنها هي جارتهم فيروز، لقد قصت عليها الاخيرة موقف مشابه حدث لها في مطار لندن، بينما يردف مالك: شفتها النهاردة عند أم إبراهيم وقلبت طبق الفول عليا. اديتلها كلمتين كمان بس أم إبراهيم حسستني بالذنب، مصدقة دموع التماسيح بتاعة الست الهانم وآل ايه انت لو تعرفها كويس مش هتقول عليها كدة، مش عايز أعرف أشكالها لكن اللي زعلني بجد هي انها طلعت بنت راجل محترم بعزه وبحترمه ومش مصدق ان دي بتكون بنته.

قالت غادة بعينين متسعتين: اوعي تكون تقصد فيروز بنت عمي مصطفي.
شهقت قمر ليطالعهما بعينين حائرتين من معالم الصدمة البادية علي وجهيهما.
عقد حاجبيه قائلا: أرملة! أمال مين اللي كلمته من المطار يومها وكدبت عليه ده؟
قالت غادة: تقدر تفتكر التاريخ؟
طبعا مش هفتكر، الموضوع ده كان من فترة. لأ استني افتكرت، كان قبل عيد الحب بيومين عشان صاحبي كان مسافر يقضي عيد الحب مع مراته.

ابتسمت قمر فبادلتها غادة ابتسامتها وهي تقول بثقة: هي حكيتلي فعلا عن الموقف ده، كانت بتكلم باباها ياأستاذ مالك، كانت عاملاله مفاجأة برجوعها والطبيعي انها تكدب عليه ولا هتحرق المفاجأة وتقوله انا في المطار يابابا وجايالك عشان دماغك متجيش شمال ياباشا.
ضرب رأسها بخفة وهو يقول: متتريأيش علي أخوكي يابت انت وتعملي عليا صحفية.
بس أنا فعلا صحفية.

علمناهم الشحاتة سبقونا علي الأبواب. عموما حصل خير. طلعت مظلومة في موضوع الخيانة بس ده ميمنعش انها أم مهملة.

قالت قمر بعتاب: اتقي الله ياابني، متعودتش منك تستهون بدينك وأحكامه يامالك، اتسرعت في الحكم عليها وقذفت محصنة ودلوقتي لما اتبرأت قدامك مفكرتش حتى تعتذر لها وبتقول حصل خير، لأ و مصر تظلمها. فيروز أم حاربت الكل عشان متخسرش ولادها، اسأل ولادها نفسهم وكل اللي حواليها علي حبها واهتمامها بيهم، ربنا مبيحاسبش مخلوق ويحاكمه ويدخله النار من غلطة، ومفيش حد فينا مبيغلطش ليه اتغيرت بالشكل ده ياابني، ده انت كنت الناصح بشرع ربنا ودينه، ليه بقيت زي المخالفين ليه؟

أستغفر الله العظيم واتوب إليه، معاكي حق ياأمي. انا فعلا اتغيرت وللأسف اتغيرت للأسوأ. لكن بينكم هنا هرجع لنفسي اللي تاهت مني.
أمسكت غادة بيده من جهة قائلة بابتسامة: واحنا مش هنسيبك غير لما ترجع مالك اللي وحشنا كلنا.
أمسكت والدته بيده الأخري وهي تضمها بابتسامة حانية فنقل بصره بينهما بامتنان، يحمد الله علي عودته إلى رشده حين عاد إلى الوطن.

نقر بإصبعه علي ورقة من بين الأوراق قائلا: مقدرتيش تدينيه لغاية دلوقتي لإنك بتدوري في المكان الغلط، بصي كدة علي الورقة دي.
أمسكت الورقة تطالعها باهتمام بحاجبين منعقدين ينفرجان بصدمة وهي تسترسل بالقراءة ليردف مالك قائلا: شركة وهمية زي ماانت شايفة، مكان كبير لكن لا صادرات ولا واردات عن طريقها وموظف او اتنين بالكتير اللي شغالين فيها يعني علي الأغلب مخزن ميشكش فيه حد لانه في وسط البلد وقدام الكل.

طالعته قائلة بإعجاب: إزاي مفكرتش في الاحتمال ده قبل كدة رغم ان الورق ده معايا من مدة؟ لكنك ومن بصة واحدة ليه استنتجته.
نهض مالك من خلف مكتبه قائلا: انت لسة في البداية ياحبيبتي. ذكاءك كبير هيقدمك كتير في مهنتنا لكن خبرتك في المجال العملي لسة مش كبيرة، مع الأيام هتتحسن.

ليصمت للحظة قبل أن يردف: حماسك اللي شايفه ورغم اني معجب بيه جدا لانه بيدل علي حبك للمهنة لكنه خطر جدا لانه هيغلطك والغلطة في مهنتنا بروح ياغادة. فاهماني؟
كلامك تقريبا زي كلامه.
عقد حاجبيه قائلا: كلام مين؟
الظابط ممدوح. هو كمان حذرني.
قال مالك بامتنان: ممدوح ده صديق وفي بجد، أنقذني من نفسي في لحظة هانت عليا، وكمل جميله وحماكي لحد مارجعت.
أنا كنت قادرة أحمي نفسي...

قاطعها قائلا: متكابريش ياغادة، أكبر صفة ممكن تضيع بني آدم هي الكبر، انه يفتكر نفسه كبير علي الخوف والاحتياج للمساعدة، كبير علي الوجع والألم والحماية. كبير علي طعنة غدر أو خيانة. كلنا بشر ضعيف أمرنا في ايد اللي خالقنا ممكن يبتلينا بأي ابتلاء وده حب فينا عشان يرجعنا لطريقه بالصبر والاستغفار والدعاء، احنا بنقوي بيه وباللي حوالينا وبيحبونا، بنقوي بربنا و بقلوب مخلصة مسابتناش في لحظات ضعفنا، بالعكس وقفوا جنبنا وقدمولنا ايديهم طوق نجاة. وفي حالتنا دي ممدوح هيكون طوق النجاة اللي هيساعدنا في تسليم أبو الدهب واللي وراه للعدالة.

معه حق. لا تستطيع جداله في هذا الأمر، انها تكابر حين تعلن لنفسها وللجميع أنها أقوي من كل شيء بينما هي ضعيفة تستقوي كي لا يري الجميع ضعفها فيكسروها كما فعل أباها بأمها ولكن رغم ذلك كسرها حسام، لا مجال لكبر قد يضيع حياتها ان تمسكت به، ستقر وتعترف أنه مهما كنا اقوياء تنتابنا لحظات عجز لا نستطيع وقتها حمل حقائب الهموم وحدنا. ولا نستطيع التصدي فيها لضربات القدر، قد نجد أنفسنا عاجزين عن مساعدة أنفسنا فمابالنا بالغير لذا لا بأس من طلب المساعدة ان تطلب الأمر ذلك.

طالعت قمر هذه السيدة الطيبة التي ما رأتها قط بهذا الحزن من قبل بصدمة بينما تردف بمرارة: أنا جيتلك لإني عارفة إنك ست حقانية ومش هيرضيكي اللي بيحصل لبنتي بسبب رياض يا ست قمر، بنتي شافت كتير علي ايده وكانت بنت آصول واستحملت ولما اتقطع النصيب مجبناش سيرته لا بخير ولا بشر. بقينا علي العشرة اللي كانت بينا وبينكم لإنكم ملكوش ذنب في اللي عمله، انت ربيتي الكل زي بعض لكن ربنا أراد يبتليكي برياض ومتتطمرش فيه تربيتك، كان ممكن نعمله محضر ونرفع عليه قضية ونوديه في داهية لما ضرب حنان لكن لما اتوسطيله عندنا وجيبتيلنا ورقة الطلاق منه شيلنا خاطرك فوق الراس وبعدنا وقلنا نقفل الباب وخلاص ننسي اللي فات، لكنه مصر يفتحه ويرازي فينا، واقفلنا في الزور وكل عريس يتقدم لبنتنا يهدده ويبعده وبنتي بطلت تنزل الشارع من مضايقاته ليها، كنت عايزة أعمل له محضر بعدم التعرض بس بنتي قالتلي بناقص ياماما، مش هيهمه وماهينوبنا غير استفزازه واحنا ولايا ملناش حد، ياماما مش عايزة أتجوز ولا عايزة أنزل الشارع. خلينا في حالنا ماشيين جنب الحيط وخلاص وبكرة يلاقي حد غيرنا يضايقه لما سمعنا انه اتجوز قلنا خلاص العقدة اتحلت لكن مااتحلتش وامبارح فرج علينا الشارع كله ساعة كتب الكتاب.

لتنهمر دموعها وهي تأخذ نفسا قبل أن تردف: أنا مسكت عماد بالعافية وطلبت منه يمشي والا كان زمانا بنحضر جنازته دلوقت، أنا شفت الشر في عينين رياض ياست قمر، اللي جوة عيونه خوفني وخلاني مش عارفة أعمل ايه ولا اتصرف ازاي؟
منحتها قمر علبة المناديل وهي تقول بحزن: اهدي وبطلي بكا ياأم حنان، أنا مش عارفة أقولك ايه؟ ولا عارفة الواد ده جراله ايه؟ بس وعد مني مش هيقربلكم تاني ولو كان التمن حياتي.

مسحت والدة حنان دموعها وهي تقول: بعيد الشر عنك. ربنا مايحرمنا منك.
ربتت قمر علي يدها قائلة بحنان: أنا هقوم أعملك كوباية لمون تهدي بيها أعصابك.

ملوش لزوم أنا اتأخرت علي حنان ومش عايزاها تصحي ومتلاقنيش في البيت، أصلي نزلت بعد مانامت. فضلت سهرانة ياحبة عيني طول الليل ودمعتها علي خدها منشفتش. مش عايزة أعرفها اني جيتلك لاني لما قلتلها اني هجيلك رفضت وقالتلي متزعليهاش، طنط قمر ياما حزنت، كفاية عليها اللي شافته زمان.

قالت قمر بحب امتزج بحزن: مخسرتش غيرها، كانت بنتي التالتة. ربنا يحميها ويسعدها ويحفظها من كل شر. متقلقيش ياأم حنان، مبقاش رياض يقربلكم تاني.

هزت والدة حنان رأسها بامتنان قبل أن تنهض وتغادر توصلها قمر حتى الباب ثم تغلقه وتسند ظهرها إليه. تشعر بالغضب يغزو كل كيانها تجاه ولدها، غضب قد يحرق الأخضر واليابس جراء أفعاله الشنعاء التي لا تكف عن الظهور بوجهها. ليظهر الحزم علي وجهها وتقرر القيام بزيارة تأخرت كثيرا.

انفرجت أسارير مصطفي وهو يري مالك لدي الباب ليقول بترحاب: حمد الله ع السلامة يامالك، رجعت من السفر امتي ياابني؟ والدتك أكيد مش سايعاها الدنيا من الفرحة دلوقت، تعالي ادخل واقف كدة ليه؟
قال مالك بحرج وقد أخجلته بشاشة جاره وترحابه به: رجعت امبارح ياعمي والحقيقة مش هقدر أدخل قبل ماتقبل اعتذاري.
قطب مصطفي جبينه قائلا بحيرة: اعتذارك عن ايه ياابني؟
بتتكلم مع مين يابابا؟

أطلت برأسها تري من بالباب لتتسع عيناها بصدمة وهي تقول بلهجة عدائية: انت! وليك عين تيجي لحد هنا كمان؟
أنا جاي أعتذر...
قاطعته قائلة بحدة: آسفة مش قابلة اعتذارك وياريت تمشي من هنا.
نقل مصطفي بصره بينهما قبل أن يقول بحزم: بتطردي ضيفي يافيروز؟
تحولت ملامحها علي الفور للأسف الذي امتزج باحترام أطل من مقلتيها وهي تقول: أنا آسفة يابابا بس...

قاطعها قائلا: من غير بس، مالك هيدخل بيتي وهسمع منكم انتوا الاتنين ايه اللي حصل. مفهوم؟
أطرقت برأسها دون أن تتفوه بكلمة تفسح الطريق بينما قال مصطفي: ادخل يامالك.
عمي أنا...
أدخل يامالك.
قالها بحزم فلم يدع خيار لمالك سوى الدلوف والاعتذار بالداخل رغم صعوبة ذلك ان كان علي مرأي ومسمع من ابنته، فقد أراد اعتذارا لها ينقله أباها إليها ولكن يبدو أنه لا مجال لذلك الآن وسيكون عليه الاعتذار لها، شخصيا.

انت رايح فين يامراد؟ النهاردة أجازة علي فكرة.
رايح النادي، حسين كان عايزني في موضوع وهيقابلني هناك.
موضوع ايه ده؟
قال مراد بنفاذ صبر: معرفش ياناهد. مسألتوش. لما أروح وأعرف أبقي أقولك.
قالت ناهد بحنق: وأنا قلت ايه بس عشان تكلمني بعصبية كدة؟ مالك يامراد مبقتش طايق ليا كلمة بقالك فترة.
زفر مراد قائلا: أبدا ياناهد يمكن ضغط الشغل اللي عليا مضيق خلقي حبتين.

طب ماتخف شوية الضغط من عليك وخليه علي ابنك، أهو علي الأقل ينشغل شوية وميفضلش قاعد جنب الست مراته لا شغلة ولا مشغلة ليه غيرها.
هو ده كل اللي يهمك. تبعدي ابنك عنها بأي شكل. غيرانة عليه مش كدة؟
قالت في نفسها بحنق: وياريته نافع، ده حتى خطتي فشلت واتصالحوا.
بتقولي حاجة ياناهد؟

اتسعت حدقتاها تظن أنها تفوهت بمكنون صدرها دون أن تدري وحين استمر تساؤله قالت: بقول انك ظالمني، أنا مش غيرانة منها، أنا بس مش عايزاها تتحكم فيه وتخليه لعبة في ايدها، هيهمل شغله وده هيضره ويضر الشركة.
هز رأسه بيأس قبل أن يقول: متقلقيش علي الشركة، أنا وابنك شايلينها فوق راسنا، ركزي انت في أصحابك والنادي واجتماعات الهوانم الراقية والبيت، أو أقولك متركزيش في البيت عشان متولعش أكتر ماهي والعة أساسا.

مراااد.
مراد ماشي لإنه إتأخر، سلام يا، ياحبيبتي.

تابعته يغادر بعينين مصدومتين، لم يكن مراد زوجها ليتفوه بما تفوه به للتو ان لم يكن هناك شيء قد غيره. تري هل كف عن حبها؟ أم ضاق ذرعا بتحكماتها وانشغالها عنه؟ تدرك أنها شخصية ذات طابع متسلط بعض الشيء وأنها منشغلة بأمور كثيرة ولكن هل يمنحه هذا العذر في انتقاده الدائم لها في الآونة الأخيرة أم أن هناك من لعب بعقله فانقلب بسببه ضدها؟ أو ربما بسبب امرأة ما؟ هذا الاحتمال الأخير أطاح بعقلها وقد زرع الشك بقلبها، لتسرع وتتصل بأحدهم تطلب منه مراقبة زوجها ابتداءا من هذه اللحظة تخبره أن يتبع سيارة زوجها التي ربما تقف الآن أمام باب النادي.

الحقيقة ياعمي أنا مليش أي عذر في اللي قلته لمدام فيروز، حتى لو كنت فهمت غلط فمكنش لازم أبني استنتاجات في عقلي وأنا واحد حافظ كلام ربنا وعارف ان بعض الظن اثم، كان لازم أحسن الظن أو حتى أخليني في حالي، مكنش لازم كمان لساني يتجاوز في الكلام معاها ويجرحها، أنا مهما اعتذرت فاعتذاري مش هيمحي الندم اللي جوايا علي اللي عملته وحتى لو هي سامحتني فصدقني أنا مش مسامح نفسي.

نظر مصطفي لفيروز قائلا: ايه رأيك في الكلام ده يافيروز؟

عدلت فيروز من وضع حجابها قائلة بهدوء: والله أنا كنت هرفض الاعتذار ده لو كنت حسيته واجب وخلاص لكن اعتذار من القلب وبالطريقة دي مخلاش قدامي غير حل واحد القبول بيه أصل الاعتراف بالغلط وطلب الغفران من القلب هو سلوك الانسان القوي اللي عنده الشجاعة يرجع للحق ويعترف انه ظلم أو إذي الشخص اللي قدامه واللي ميقابلش الاعتذار ده بالتسامح ميبقاش مسلم. أنا قبلت اعتذاره يابابا.

كان مطرق الرأس لا يقوي علي النظر إليها خجلا فأرغمته كلماتها علي النظر إليها وقد جذبته رصانتها وكلماتها المتسامحة علي عكس ظنه السابق بأنها ستصر علي رفض اعتذاره، وجد عيناه تجول علي ملامحها الرقيقة باعجاب وحين انتبه لإنه مأخوذ بهذه الملامح غض بصره علي الفور وأشاح بعينيه عنها حين قال مصطفي بطيبة: وده اللي أنا متوقعه منك يابنتي، الاعتذار فطرة الأنبياء والصالحين وربنا حكالنا قصة سيدنا آدم و أمنا حوا في الجنة، لما غلطوا مستكبروش استغفروا ربهم وتابوا واعتذروا فتاب عليهم وسامحهم، طب اذا كان ربنا قد سبق بالمغفرة لآدم، ليه طلب منه الاعتذار؟ طلبه لإنه أدب وتعليم، أدب الحياء من الله والتواضع لما غلط. وتعليم لفقه الاعتذار ومقاومة الشيطان ومقابلة كل ده بالتسامح والغفران. وده اللي حصل بينكم وخلاني فخور بيكم ياولادي.

ابتسموا فأردف مصطفي بحماس: ايه رأيك يامالك بمناسبة رجوعك وفرحتي بيك وبنجاحك في شغلك هقوم أعمل أحلي قهوة نشربها مع بعض ونتكلم أكتر عن انجازاتك في الغربة، أنا ماسبتش خبر انكتب عنك مقريتهوش.
خليك يابابا وأنا هعملكم القهوة، بتشرب قهوتك ازاي ياأستاذ مالك؟
قال متحاشيا النظر إليها: سادة من فضلك.
هزت رأسها وغادرت بينما يربت مصطفي علي ساق مالك قائلا: والله ليك وحشة كبيرة ياابني.

كانت تجلس علي الأريكة تدلك بطن صغيرها الذي لا يكف عن البكاء حين استمعت لطرقات الباب فنادت رياض قائلة: يارياض شوف مين اللي بيخبط؟

أدركت من صوت التلفاز العالي بالحجرة أنه لن يسمعها وأن انتباهه بالكامل منصب علي مباراة كرة القدم التي يشاهدها، فنهضت تحمل الصغير وتتجه إلى الباب تفتحه، تسمرت وهي تري السيدة قمر حماتها لدي الباب لتنطق اسمها بهمس مرتجف، طالعت قمر الصغير الباكي للحظة يرتجف قلبها توقا لحمله وضمه إلى صدرها، تمسح عن عيونه الدموع العالقة بأهدابه وتخبره أنها جدته وأنها ستحبه وتضمه طوال العمر فلا ذنب له فيم اقترفا والديه من جريمة شنعاء في حق الجميع ولكن ان فعلت فلن تستطيع عنه انفصاما وستعيد رياض وهيام إلى حياتهم وهذا من رابع المستحيلات، نفضت أفكارها علي صوت هيام وهي تقول: اتفضلي ياطنط، واقفة ليه علي الباب؟

قالت قمر بجمود: رياض فين؟
أشارت هيام إلى الحجرة المقابلة لها قائلة: في الأوضة بيتفرج علي الماتش.
دلفت تتجه مباشرة إلى الحجرة فلم تجرؤ هيام علي الاعتراض رغم أنها كانت بالماضي تفعل ولكن أين هي الآن من ماض كان يحترمها فيه الجميع لحاضر لا احترام لها فيه ولا تقدير، وقفت قمر علي عتبة الباب تستدير لهيام قائلة: الولد وشه أصفر وشفايفه بيضا، واضح انه عيان ياريت تودوه للدكتور.

لم تمنحها فرصة للرد وهي تدلف إلى الداخل بينما شعرت هيام بالقهر وحماتها التي لم تر وليدها سوى منذ لحظات قد أدركت مرض الصغير واهتمت به بينما أباه لا يأبه مطلقا.
في الجانب الآخر انتفض رياض ما ان رأي والدته تدلف إلى الحجرة فأسرع ينهض متجها إليها يفتح ذراعيه علي مصراعيهما وهو يقول: ماما. وحشتيني. معقول رضيتي عني و...

أوقفته باشارة من يدها ونظرة رادعة وهي تقول: أنا مرضيتش عنك ولا يمكن في يوم هرضي، أنا جاية عشان أقولك كلمتين تحطهم حلقة في ودانك ياابن عزيز. تصرفاتك اذا كنت سكت عنها كتير فده مش ضعف مني ولا قلة حيلة لكن بقايا مشاعر أم كانت بتدعي ربنا ليل ونهار انه يهديك لكن من الواضح انك هتفضل كدة طول عمرك، كلب ديله معووج وعمره ماهيتعدل.
ماما.

متقولش ماما، أنا اتبريت منك في اليوم اللي خنت فيه أخوك ودبحتنا كلنا، غلطاتك بشعة وملهاش آخر، ظلمت كل اللي حواليك واتماديت لان مفيش حد وقف قصادك وخوفك لكن أنا أهو قدامك بقولك خاف يارياض، خاف من ربنا واتقيه قبل فوات الأوان، كفاية ظلم وافترا، لسة عايز ايه من الغلبانة اللي مسببتلهاش غير الحزن والالم وكسرة النفس، انت مش طلقتها؟ لسة عايز منها ايه؟ لا بترحم ولا عايز رحمة ربنا تنزل؟

قال بغضب: هي الهانم اشتكيتلك؟
حنان. دي غلبانة وماشية جنب الحيط، عاملة زيي زمان بس ربنا نجاها منك قبل ماتعمل فيها اللي عمله فيا أبوك، أنا كنت ضعيفة بسببكم، كنت خايفة أخسركم وتضيعوا لو عشتوا معاه لوحدكم، لكن دلوقت باباك مات و مبقاش عندي حاجة أخسرها، انتوا كبرتم وكل واحد فيكم دلوقتي عارف الصح من الغلط، الضعيفة اللي جوايا ماتت واتولدت واحدة قوية قادرة تقف قدام الظلم بألف لأ.

كتف يديه أمامه قائلا بسخرية: هتعملي ايه يعني؟ هتمديني ولا تحبسيني في أوضة ضلمة زي ماكان عزيز بيعمل؟
لا ده ولا ده. هطلع دفاترك القديمة وانت عارف انها موجودة عندي وهفضحك يارياض، مش هخليك تترفد من شغلك وبس. لأ. هخليك تنكسف تنزل وتكون بين الناس.
حل يديه وهو يقول بحنق: مش هتقدري تعملي كدة، مش عشان بتحبيني. أنا عارف انك بقيتي دلوقتي بتكرهيني، لكن عشان صورة العيلة قدام الناس. صح ولا أنا غلطان؟

ابتسمت بمرارة قائلة: غلطان طبعا عارف ليه؟ لان العيلة مبتفقدش احترامها من واحد ضاع فيها ومشي في طريق الشيطان، انت مش حالة فريدة لأ فيه زيك كتير وقالوا فيهم يخلق من ضهر العالم فاسد وانت فاسد من ضهر فاسد، مشيت في طريق أبوك ومكمل رغم انك شفت نهاية طريقه، اما بخصوص كرهي ليك فمفيش أم بتكره ولادها، فيه أم مبقاش بيزعلها ويقهرها حد من ولادها لانها شافت منه كتير بس بتفضل لآخر لحظة في عمرها تدعيله بالهداية.

قالت كلماتها واستدارت مغادرة لتتوقف تمنحه ظهرها وهي تقول: متنساش يارياض، ده أول وآخر تحذير ليك، ابعد عن حنان وإلا هسلم رقبتك للعدالة بنفسي ومش هتراجع ولو كان التمن حياتي.
لتستدير بجانب وجهها قائلة بسخرية: هتبعد أو تقتلني مفيش قدامك خيار تالت، بصراحة مش عارفة أحدد هتختار ايه لاني بقيت أتوقع منك كل حاجة.

غادرت تغلق الباب خلفها وتمشي تجاه باب المنزل متجاهلة التي وقفت جوار الغرفة تغلي من الغيظ بعد أن استمعت لحوار حماتها مع زوجها لتعرف أنه مازال متعلقا بزوجته الأولي لتنتفض علي صوت تحطيم بالداخل فابتعدت مسرعة تجاه غرفة الصغير حتى تهدأ العاصفة فلا تقتلعها ولتفكر بهدوء فيما حدث حتى تستطيع التصرف.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة