قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والعشرون

احنا آسفين يا ابني، بنتنا مش قليلة أبدا عشان نجوزها بالشكل ده.
عمي...
قاطعها عمها قائلا بحزم: اسكتي انت يامي.
ثم أردف موجها حديثه إلى كرم قائلا: انت عندك بنت ياكرم؟
هز كرم رأسه نفيا قائلا: أنا معنديش ولاد من جيهان. كنا مأجلين الخلفة في بداية الجواز وبعدين سافرنا والحياة بعد كدة أخدتنا.

لو عندك بنت كنت هتقدر موقفي، صعب قوي علي أي أب انه يدي بنته لواحد هيخليها طول حياتها عايشة في الضل، مش هتكون أبدا في مقدمة اهتمامه، لو كان الاختيار بين الزوجتين في أي شيء مهم في حياته هيختار اللي في النور ويفضلها وده هيقهر التانية ويكسر قلبها وفي النهاية هتدمر قصة الحب الجميلة اللي بينهم ومش بعيد كمان ينفصلوا.
ياعمي أنا...

قاطعه العم قائلا بحزم: مهما أنكرتوا الحقيقة الواضحة قدام عيونكم هتفضل حقيقة. حبكم اتحكم عليه بالموت نتيجة ظروفك ياابني، حتى لو دوامة الحب واخداها ومغمية عينيها فأنا من واجبي أحميها حتى من نفسها واختيار غلط ممكن يدمر حياتها. أنا حقيقي معجب بيك كإنسان ورجل أعمال سمعته زي الفل بين أقرانه لكن كعريس بتأسفلك، طلبك مرفوض ياابني.

نقل كرم بصره بيأس مابين العم وحبيبته التي ظهر عليها الحزن وامتلأت مقلتيها بالعبرات، قبل أن ينهض مغادرا بهيئة بائسة انكسرت خطواتها، تساقطت عبراتها وهي تحدق في طيفه الذي اختفي قبل أن تنظر إلى عمها الحزين بألم ثم تنقل بصرها إلى زوجة عمها التي حملت عيناها عطف وشفقة، نهضت واتجهت إلى حجرتها بقلب منفطر ودموع منهمرة من عينين شابهما مرارة الفراق. كادت زوجة عمها أن تتبعها ولكن عمها منعها وهو يقول: سيبيها يامديحة لحد ماتهدي وبعدين روحيلها واتكلمي معاها وفهميها بالراحة.

طب ليه بس كدة ياجمال؟ ليه استنيت لحد ماجه البيت؟ ليه مرفضتوش من الأول؟ البنت مخبتش علينا مشاعرهم وقالتلك انه جاي يتقدملها.

مكنش ينفع أرفض من قبل ماأقابله وأتكلم معاه، كان لازم يفهم ليه جوازهم مستحيل وكان لازم مي تسمع مني الكلام ده قدامه وتشوف ضعفه وقلة حيلته. أنا عرضت عليهم الحقيقة اللي بينكروها حتى علي نفسهم عشان يجمعهم بيت، البنت بتحبه ومشاعرها واخداها في تيار بعيد هيغرقها وهو راجل أناني، مش عايز يخسر حاجة، خايف يجرح مراته الأولانية وعايز يريح قلبه في نفس الوقت وكله علي حساب بنتنا وأنا مش ممكن هسمح بده ولو كان التمن اني أقف بينهم الاتنين وأحاربهم، بكرة هيتأكدوا اني كنت صح وساعتها هبقي عملت اللي يمليه عليه ضميري ويريح أخويا ومراته في قبرهم ويوم ماأقابله مش هنكسف منه لأ هرفع راسي وأقوله اني حافظت علي أمانته اللي سابهالي.

ربتت علي يده قائلة بحنان: ربنا مايحرمنا منك ياجمال ويباركلنا فيك.
ربت علي يدها بدوره قائلا: ولا يحرمنا منك يامديحة.

كانت تجلس في حجرتها تراجع بعض الأوراق، قطبت جبينها وهي تتساءل إن كان رجل الأعمال المعروف ناجي علوان وعضو مجلس الشعب صبري مبروك متورطين مع أبو الدهب، تخبرها هذه الأوراق أمامها بكل تأكيد عن تورطهما، لهذا حذرها ممدوح من المضي قدما في التحقيقات، يخشي عليها تورطا غير محسوبا قد يودي بحياتها، تري أيدق القلب الآن خوفا من الانغماس أكثر في تحقيق قد يكون ثمنه حياتها؟ لا. طالما مالك بجوارها فلن تخشي شيء أبدا، طالما الحق إلى جوارها فستقاتل الظلم حتى النهاية وطالما تدرك أن الضابط ممدوح يتابعهم عن كثب فلن تخشي الموت أبدا فلا مكروه سيصيبها وهو الضابط المسئول عن التحقيق، سينقذها كما أنقذها المرة الماضية بكل تأكيد، نهضت تبحث عن بطاقته تنقل الرقم إلى هاتفها وتكتب بضع كلمات ثم ترسلها إليه بسرعة قبل أن تتراجع.

ناجي علوان و صبري مبروك من ضمن الناس اللي كلمتني عنهم. مش كدة؟
لحظات دق فيها قلبها ندما، تتساءل عما إذا كان قد رأي رسالتها وتجاهلها متعمدا، ربما يعدها طفلة عنيدة لا تستمع لكلام أحد ولكنها انتفضت حين وصلتها رسالة، كانت منه فحواها أطار صوابها فرحا.
كنت متأكد انك هتوصلي ليهم واحد ورا التاني، بس مكنتش أتوقع انك توصلي بالسرعة دي، أنا عارف انك صحفية شاطرة لكن بصراحة فاجئتيني.
انت مسيف رقمي؟

مش رقمك بس. كل حاجة عنك هتلاقيها هنا.
أرفق جملته بصورة رجل يشير إلى رأسه.
شعرت بالاضطراب تتساءل ما الذي يعرفه عنها أيضا؟ كل شيء علي مايبدو، أرادت تغيير الموضوع فقالت: الموضوع كدة بقي كبير قوي ومحتاج خطوات محسوبة لان أقل غلطة هيروح قصادها روح.
ده اللي حذرتك منه. خايفة؟
لأ. أنا مش لوحدي معايا ربنا وانتوا.
يعني خلاص مش هتتحركي من ورانا؟
أكيد.

يبقي تجيلي بكرة مع مالك، عايز أوريكم شوية حاجات جايز تفيدكم وتفيدني في التحقيق.
جاية بإذن الله. آسفة لو كنت قلقتك أو صحيتك من النوم.
اللي زينا مبتغفلش عينه ياآنسة غادة غير لمايطمن علي أمن بلده. تصبحي علي خير.
تلاقي الخير.

أغلقت الهاتف وهي شاردة. لا تعلم لماذا في تلك اللحظة أطل حسام بصورته أمامها، رحيله كان في صالحها تستطيع أن تري ذلك الآن، كانت قصتها معه رواية حزينة لم تتوقف عند نهايتها، بل منحتها هذه النهاية جناحين حلقت بهما في سماء بلا قيود، تبذل قصاري جهدها لإثبات ذاتها وتحقيق العدالة للجميع، كانت معه تتأرجح بين السعادة و الحزن فاختفت الأرجوحة حين اختفي من حياتها وصارت الحياة بلا طعم ثم عاد إليها لونها ومذاقها الحلو حين أدركت أن في كل شر قد يقبع خير ان آمنت بذلك. وقد قبع في رحيله عثورها علي ذاتها التي تاهت منها بالماضي لتكون في النهاية هذه الفتاة التي تمنت يوما أن تكونها.

كان يطالع بضعة أوراق تخص القضية التي يعمل بها مع شقيقته بعد أن خلدت الأخيرة للنوم، لقد أخبرته عن شكوكها التي أكدها صديقه ممدوح وطلب منهما اجتماعا معه في الغد، هناك بضعة ملاحظات دونها في ورقة، شعر بالإنهاك فنهض يمسك فنجال القهوة ويخرج إلى شرفة حجرته، ارتشف رشفة وهو يطالع الشارع يتأمل المارة القليلون حين تناهي إلى مسامعه صوت السيدة فيروز.
أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود.

وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود
بحثت عيناه عن مصدر الصوت فوجدها تقف هناك تمسك فنجال القهوة بيدها وتتأمل نجوم السماء، شاردة علي مايبدو فلم تمس فنجالها لبعض الوقت، غافلة عن صورة ساحرة لفنان ان رسمها سيسلب آهات الاعجاب من متابعيه.
جميلة هي. بل فاتنة تتزين بالحجاب.
بها شيء ما يسلب الألباب.
مزيجا من الضعف والقوة، رجاحة عقل وحياء أنثى، فضيلة ووفاء.

رواء يعيد الروح إلى القلب الذابل وأمل يعيد حلم سرقته الخيانة.
شمسها ساطعة ستجفف وادي أحزانه ان سمح لحبها أن ينفذ بإشراقته إلى قلبه.
مازال الجرح عميقا به ولكنه لم يعد يؤلمه كما اعتاد أن يفعل.
وهو يعود إلى سابق عهده وإيمانه ويقينه بأن حواء إن أحبت صار الحب محرابا تتعبد فيه دون إلحاد.

أشاح بوجهه عنها يرفض استراقا محرما للنظر وأفكارا وجدها تجتاحه دون هوادة منذ أن علم بقصتها وسمع حديثها الخجول مع والدها في حضرته، ورأي اهتمامها وحبها لأطفالها الصغار الذين أحبهم وأحبوه، صوتها يعزف أشجي الألحان في مسامعه الآن، ترك فنجال الشاي علي سور الشرفة وهو يسد آذانه كي لا يدوي في أذنه، يستحرم أفكاره عنها ويتعجب لها، يتساءل عن تبدل حاله مابين اللحظة والأخري، قد كان عدوا للنساء فاقدا الأمل في استقامتهن فأعادته بعفتها وحبها الذي لاحظه تجاه أولادها ووالدها إلى الثقة بجنس حواء من جديد، يدرك أن في هذا الزمان يوجد شبيهات لأمه وإخوته بعد أن فقد الثقة في وجودهن، ويدرك أيضا أن لا أمل له معها وقد كرست حياتها لعملها وأبنائها لذا وجب أن يوأد مشاعره المستجدة في مهدها قبل أن يستحيل عليه ذلك.

رأته في هذه اللحظة وهو يسد أذنيه عن سماع شيء ما، ربما أفكار وذكريات الماضي المؤلم تهاجمه الآن، شعرت بالشفقة علي روح بائسة تماثل روحها فبينما يتعذب هذا الرجل جراء فراق بعد خيانة، تتعذب هي جراء رحيل بعد وفاء، العذاب مختلف لكن الألم سواء، كاد أن يستدير و يدلف إلى الداخل ويغلق الشرفة خلفه فتوقف متجمدا وعيناه تصطدم بعينيها، نظرة طويلة احتارت في تفسيرها وتفسير هذه المشاعر التي تصارعت بمقلتيه قبل أن يشيح ببصره عنها وهو يدخل الحجرة مغلقا الباب.

منذ أن اعتذر لها وهو يديم اشاحة بصره عنها، تعلم أنه يغض البصر كما أخبرها والدها لتدينه ولكنها تراه يحملق فيها في بعض الأحيان وكأنها كائن خرافي وحين يدرك أنه يفعل يشيح بناظريه عنها وتشمل ملامحه امارات الذنب والندم، لا تنكر أن تصرفاته وماسمعته عنه قد راق لها خاصة بعد زوال سوء التفاهم بينهما ولكن تظل شخصيته غريبة بالنسبة إليها ومحيرة، تدرك أنه لأول مرة يثير اهتمامها رجل بعد زوجها، لترغب من كل قلبها أن تعرف المزيد عنه وهذا أمر يبث في قلبها شعورا غريبا حتى الآن غامضا و مثيرا للقلق إلى أبعد حد.

هل إتخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور
فتتبعت السواقي وتسلقت الصخور
هل تحممت بعطره وتنشفت بنور
وشربت الفجر خمرا من كؤوس من أثير
هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب
والعناقيد تدلت كثريات الذهب
هل فرشت العشب ليلا وتلحفت الفضاء
زاهدا في ما سيأتي ناسيا ما قد مضى
أعطني الناي وغني وانسى داء ودواء
إنما الناس سطور كتبت لكن بماء.

مش تقول انك رجعت مصر، بقالك كام يوم راجع وأنامعرفش، ايه ياعم الندالة دي كلها، موحشتكش طيب زي ماانت وحشتني؟
والله وحشتني ياكيمو بس رجوعي كان مفاجأة ومن ساعة ماجيت وأنا في دوامة شغل فيها مصايب وانت عارف مصايب الصحافة بتاخد البني آدم من روحه مش من عيلته واخواته بس.
الله يعينك، المهم انك بخير. لازم نتقابل بكرة. هجيلك البيت وبالمرة أشوف ماما، بقالي كتير مشفتهاش.
تنور ياابني بس قولي انت كويس؟

الحمد لله، زي الفل.
مش باين ياكيمو، صوتك متغير فيه حزن غريب مسمعتوش فيه قبل كدة.
حكيم روحاني حضرتك.
بطل هزار وقول لأخوك عن اللي مضايقك زي مااتعودنا ولا كبرت عليا ياكرم؟
تنهد كرم قائلا: مش في التليفون، لما أشوفك هحكيلك يمكن يرتاح قلبي زي زمان. سلام مؤقت يامالك.
سلام ياأخويا.

أغلق كرم الهاتف، يطالع الفضاء أمامه بعيون حزينة، لقد كان في رفض العم جمال لطلبه كسرة في القلب لا تحتمل وهو يدرك الآن أنه لا مجال لبيت قد يجمعه بمحبوبته. قد كتب الفراق عليهما للأبد، يشعر بالجنون لمجرد تخيلها مع غيره وهذا ماقد يسعي العم لفعله كي ينسيها إياه وقتها، لن تتحمل خفقاته وربما أودي به ذلك إلى موت روح عاشقة قيدها الهوي دون ارادة منه فسحبها إلى دربه ثم تركها وتركه. عالقين تائهين لا مجال أبدا لعودة آمنة. زفر بقوة ثم دلف من الشرفة إلى الحجرة، ليطالع جيهان النائمة، يشعر بالذنب تجاهها لإن مشاعره خانتها ولكن مايواسيه هو ادراكه أنها مذنبة مثله فهي من أرسلته بعيدا إلى هذا المكان الموحش بارد الجنبات الصامت كالقبر، أراد ونيسا ودفئا فلم يجد خير منها تؤنس وحشته و تدفئ بروحها روحه. مي. ملاكه الرقيق، تري كيف حالها الآن؟ لابد أنها تعاني مثله، أغروقت عيناه بالدموع وهو يتمدد جوار زوجته يمنحها ظهره ويطلق سراح دموعه الحبيسة يمنحها فرجا، يتمني لو استطاع فعل ذلك بقلبه ولكن قلبه سيظل مقيدا بواجب بغيض وعشق يائس.

بينما بجانبه فتحت جيهان عيناها تفكر في حال زوجها الغريب، منذ فترة توقف عن احتوائها حين يخلدان للنوم، بل كف عن الاهتمام بها والسؤال عن أحوالها كما اعتاد أن يفعل، يسخر من تصرفات اعتادت أن تحاوطه بها وكأن الملل قد أصابه في علاقتهما أو ربما ضاق ذرعا بتصرفاتها معه. تسلل بداخلها خوفا من أن تفقده. لا تدري سبب هذا الخوف. هل تخشي شماتة المحيطين بها؟ أم تخشي فقدان رجل يحبها لنفسها وليس طمعا في مالها؟ أغلقت عيناها وهي توقف الأفكار المعتمة عن الإحاطة بها. هي لن تفقده، ربما تحضر له مفاجأة بالغد وتأخذه إلى مكان ما ليتناولوا العشاء فلم يفعلا ذلك منذ زمن طويل. طويل جدا.

برافو عليكي ياقمر، خطوة مهمة وفي محلها وأكيد هتكون بفايدة وتبعد رياض عن حنان. بس أكيد وقوفك قصاده وجعك من جوة.

قوي يامصطفي، متتخيلش مشاعري كانت عاملة ازاي وأنا واقفة قصاده بتظاهر بالقوة مع ان الضعف جوايا بيقتلني، والقهرة مبكياني، كسرة القلب والخاطر مش ممكن يجبرها أي شيء وأنا رياض كسرني بعمايله وخذلني بتصرفاته، بحاسب نفسي ميت مرة في اليوم نفسي أعرف قصرت معاه في ايه عشان يطلع بالشكل ده. مبلاقيش أي تقصير مني، أنا ضحيت بكل حاجة عشانهم، سعادتي راحتي حتى كرامتي وفي الآخر يكون عندي ولد زي رياض أناني غدار ميهموش غير نفسه وبس، مبقتش قادرة كأم أسامحه، جرحي منه بينزف دايما وكأنه حالف ينزف لحد الموت.

بعيد الشر عنك.
قالها بلهفة جعلتها تتطلع إلى مقلتيه ورغما عنها ابتسمت عيناها بحنان وظهر الحب بمقلتيها ليجعل خافق مصطفي يدق بجنون، أشاحت بمقلتيها تواري مشاعرها عنه وهي تتطلع إلى محيطها قائلة بارتباك: الظاهر ان الوقت اتأخر والتراك فضي، بتهيألي كفاية مشي كدة النهاردة ونروح.

نظر إلى ساعته قائلا: لسة بدري ياقمر، ايه رأيك نروح نقعد ونشرب فنجانين قهوة عشان أحكيلك عن مالك واللي حصل بينه وبين فيروز وزيارته لينا امبارح.
اتسعت عيناها بسعادة وهي تقول: بجد مالك جالكم امبارح واعتذر لفيروز؟
قال بحيرة: انت كنتي عارفة؟

هزت رأسها ايجابا وهي تقول: كان بيحكيلنا وغادة هي اللي عرفت ان اللي بيتكلم عنها فيروز بنتك. بس قولي اعتذر ازاي؟ مالك طول عمره خيبة في الاعتذار و كان دايما ياخدني معاه لما ييجي يعتذر لباباه.
كان اعتذار راجل ياقمر، بصراحة مالك ده من يوم ماشفته وأنا بحبه، إنسان محترم ويستاهل كل خير.
تنهدت قمر قائلة: بس حظه قليل واللي حصله كان شيء فوق احتمال البشر.

قال مصطفي بغموض: اللي زي مالك متخافيش عليه، ربنا بيجبره وجبرته بتكون كبيرة قوي لدرجة انك بتتعجبي من تبديل حاله، أصل اللي ربنا بيحبه بيبتليه ولما يصبر ويحتسب بيجازيه خير جزاء، اصبري شوية وبكرة هتشوفيه أسعد ولادك ياقمر.
يارب يامصطفي يااااارب.

كانت تجول في المكان جيئة وذهابا بعصبية بينما تجلس والدتها علي الأريكة تحمل الصبي الباكي تهدهده قائلة: معلش ياحبيبي ربنا يشفيك ويعافيك يارب، عملتوا ايه في التحاليل اللي طلبها منك الدكتور ياهيام؟

توقفت هيام قائلة بحنق: لسة رياض معملهمش، آه. ماهو مش فاضيلنا. هو فاضي غير للهانم طليقته، مين معجب بيها ومين عايز يتجوزها ومين ماشي وراها، آه ياناري. هموت ياماما بحسرتي. الباشا لسة بيحبها وبيغير عليها وعايزها. أنا كان ممكن استحمل منه كل حاجة إلا دي.

ياما قلتلك ياما حذرتك منه قلتيلي بحبه ياماما وهو بيحبني، البطران سكته قطران يابنتي. قالوهالنا جدودنا من زمان وانت اتبطرتي علي الأمير الطيب وآدي نتيجة عمايلك السودا.
يووووه بقي ياماما، انت هتفضلي كل أما اشتكيلك منه تسمعيني الكلمتين دول، أقولك. أنا هاخد مروان وماشية.
مدت يدها لتأخذ طفلها فأبعدته إلهام قائلة: بطلي هبل يابت انت واقعدي بدل ماانت موتراني كدة بوقفتك دي واسمعيني.

جلست هيام جوارها علي مضض فأردفت والدتها قائلة: بصي يابنتي جوزك صحيح واطي بس لأجل خاطر ابنك هتستحمليه، أما بقي بخصوص طليقته فبعد الكلمتين اللي أمه قالتهمله معتقدش هيفكر فيها تاني وان عملها هطلع الورق والفيديو اللي معايا وأقرصله ودانه بيهم. المهم دلوقتي تستعبطي ولا كأنك سمعتي حاجة من كلامه مع الست قمر ولازم يعمل التحاليل وتاخدوا مروان للدكتور، الواد وشه كل مرة بيصفر أكتر من المرة اللي قبليها ونفسه بيضيق زي خلقه. متخليش مشاكلك مع أبوه تنسيكي مرضه، خدي بالك منه يابنتي، ده أمانة بين ايديكي.

مدت يدها تسحب طفلها الباكي تمسح دموعه بحنان وهي تضمه إلى صدرها تربت علي ظهره، تنوي أن تأخذه للطبيب اليوم مع رياض وان اضطرت لجره إلى هناك جرا.

طالع الأوراق التي يمسكها باهتمام قبل أن يتطلع إلى الأمام ويواجه العيون المترقبة قائلا بحماس: انتوا جبتوا الورق ده منين؟
أشار مالك إلى غادة التي قالت بابتسامة: دي مصادري السرية ومش مستعدة أكشف عنها.

ترك مكتبه متجها إليهما وهو يقول بملامح مشرقة: مش مهم، المهم ان الورق ده هيفيدنا جدا في القضية وهيساعدنا نستخرج أمر بتفتيش شركة أبو دهب ونثبت انها شركة وهمية و مخزن للأغذية الفاسدة اللي بيهربها من الجمارك.
والأمر ده محتاج قد ايه؟
مش أقل من يومين يامالك.
قالت غادة باستنكار: يومين. لأ طبعا مش هينفع، انت عارف ان الحيطان ليها ودان وأكيد أبو الدهب هيوصله دلوقتي ان احنا عرفنا مكان مخزنه و هيفضيه.

ظهر التفكير علي وجه ممدوح قبل أن يقول: يبقي نتحرك بسرعة ونستغل معارفنا عشان نسرع الاجراءات وده طبعا ضد مبادئنا ولكن الضرورات تبيح المحظورات، ولا إيه يامالك؟
هز مالك كتفيه قائلا: ولو اني مبحبش المثل ده لكني هوافق مضطر عشان الموضوع خطير ويمس حياة الناس.
يبقي هتصل فورا باللوا عاصم، ابنه صديق لينا يامالك وأكيد هيساعدنا لما يعرف ملابسات القضية، هناخد الأمر ونتوجه مع القوات علطول للشركة.

قالت غادة: وأنا معاكم طبعا.
مش هينفع.
لأ طبعا.

تداخلت الكلمات التي خرجت من الأفواه بنبرات قلقة فطالعتهما بحزم قائلة: مفيش مجال للرفض، القضية قضيتي والسبق الصحفي بتاعي ومستحيل هتراجع حتى لو فيه خطر بيهددني، مش هخاف لإني مع الجانب الصح، جانب الحق وكمان أنا هكون بينكم، بين أخويا وبينك يا حضرة الظابط، يبقي هخاف ازاي بس إلا اذا كان عندكم شك في قدراتكم وخايفين متقدروش تحموني وقتها ممكن أفكر أرجع في كلامي. ها قدها ولا مش قدها يارجالة؟

قالت جملتها الأخيرة بمزاح جعل كل من مالك وممدوح ينظران تجاه بعضهما ثم يطالعانها بابتسامة قائلين بنفس واحد: قدها وقدود.
ابتسمت ابتسامة واسعة فأخرج ممدوح هاتفه واتصل باللواء عاصم نور الدين.
عشان كدة كنت مصر نتقابل في النادي ومجتش البيت.
ماانت عارف ماما، من نظرة واحدة هتعرف ان فيه حاجة مش مظبوطة وهتبدأ تحريات المفتش كرومبو.

ضحك مالك قائلا: مفيش زيها في اكتشاف المستخبي، ماأنا واختك واخدين مواهبنا الصحفية منها. فاكر لما اكتشفت إنك بتدخن من آثار عقب سيجارة علي جزمتك ولما قفشتك وحلفت ميت يمين انك مشربتش وان صاحبك علاء هو اللي كان بيشرب ورمي عقب السيجارة جنبك وانت دوست عليه اتصلت بمامة علاء وكلمته فسلمك تسليم أهالي ومن يوميها وانت ماشي جنب الحيط.

ابتسم كرم قائلا: كانت المرة الوحيدة اللي عملت فيها منحرف بس قفشتني، ماما كانت لينا بالمرصاد لا عمرها أهملتنا ولا غمضت عينيها عننا والنتيجة استقامة في طريق الخير وسيرة حلوة ما بين الناس ماعدا...
قطع كلماته وقد كاد أن ينطق بإسم رياض فينكأ بحروفه جروح أخاه النازفة، أدرك من وجه مالك الذي اكفهر فجأة أنه فطن للإسم المحذوف فقال محاولا تغيير الموضوع: مقلتليش ايه رأيك في موضوعي؟

تراجع مالك في كرسيه وهو يحمل كأس العصير خاصته قائلا: أنا شايف ان عمها معاه حق في كل كلمة قالهالك، مفيش أب في الدنيا ممكن يقبل بجوازة في الضلمة لبنته وخصوصا لو مميزة زي ماحكيتلي عنها، لو بتحبها بجد مش هترضي تكسر فرحتها بالشكل ده ومادام مش هتقدر تبعد عن جيهان يبقي نصيحتي ليك تنساها لإن حتى لو عمها وافق هتفتح علي نفسك باب مليان أحاسيس بشعة من ذنب وكذب وخداع وخيانة، باب من جحيم هتنحرق فيه كل يوم ومش هيجيلك منه غير عذاب ملوش آخر.

بس أنا بحبها.
حب أناني قوي ياكرم.
كلامك زي كلام عمها.
لانه الكلام الصح. انت عايز كل حاجة ومفيش حد بياخد كل حاجة، ده كمان كلام ضميرك اللي بتحاول تسكته، انت لازم تتخلي عن واحدة فيهم مينفعش تتمسك بالاتنين، اختار ياكرم بس قبل ماتختار فكر كويس لان سعادتك مع واحدة فيهم بس.
تنهد كرم قائلا: ماهي دي المصيبة. اني مش عارف أختار.

مع اني شايف الموضوع بسيط جدا، انت بتقول انك بتحب مي يبقي بطلت تحب جيهان وأكيد من معرفتي بيها وبأطباعها كانت السبب في ضياع الحب ده، يبقي مفيش حاجة ممكن تجبرك تفضل معاها حتى احساسك بالامتنان ناحيتها وان ليها فضل عليك في حياتك المهنية مش مظبوط لإنها استفادت منك ومن ذكاءك وخبرتك وشركة باباها بقي ليها اسم كبير في عهدك، فأنا شايف انك تطلقها وتتجوز اللي قلبك حبها.
ياريت الموضوع بالبساطة دي.

احنا اللي بنعقد الدنيا مع انها أبسط مايكون.
رن هاتفه فتطلع كرم إلى ساعته قائلا: الوقت مر بسرعة مضطر أمشي دلوقتي عشان ورايا ميتنج مهم في الشركة، تحب أوصلك البيت.
قال مالك: معايا العربية وبعدين أنا مش هروح البيت، ورايا قضية مهمة النهاردة وزيك تمام مش هينفع أروح وأخضع للتحقيق وقلق ملوش لزوم، هقعد شوية وبعدين أمشي.
ابتسم كرم قائلا: ربنا يوفقك وخلي بالك من نفسك.

هيحصل. انت كمان خلي بالك من روحك ومتظلمهاش بعد ماعشمتها.
أيقصد روحه أم حبيبته مي؟ كليهما نفسه التي يحبها من كل قلبه ولكنه رغم ذلك غير قادر علي اسعادها. تري هل سيستطيع يوما أم يظل أسيرا لقيود يخبره ضميره أنها بالية وسهلة الكسر والفكاك منها إن أراد. فقط إن أراد حقا.

كان الطبيب يفحص الطفل قائلا بحنق: انتوا ازاي سايبين الولد لحد ماوصل للحالة دي؟ أنا مش قايلك يامدام هيام لو حصله تغيير في لون الجلد أو ضيق تنفس تجيبهولي علطول؟
قالت هيام بعيون طفرت منهما الدموع: كنت مستنية باباه ييجي معايا عشان التحاليل...
تحاليل ايه؟ انتوا لسة بتفتكروا؟ ايه الاهمال ده؟ انتوا مستحيل تكونوا أهله.
ماتحترم نفسك ياجدع انت.

طالع الطبيب رياض بنظرة غاضبة وهو يقول: أنا مش هرد عليك لان واجبي دلوقتي انقاذ الطفل أما محاسبة أهله فمش مهمتي، التحاليل مش مهمة خلاص في المرحلة دي والولد لازم يتنقل المستشفي ويتحط تحت الملاحظة، مع الأسف الحالة اتدهورت بسرعة ولازم نتصرف. أنا هكتبلك ورقة يامدام هيام تروحي بيها مستشفي السلام اللي ورانا وأنا هكشف بس علي الحالات المهمة واعتذر للباقي وأحصلكم علي هناك.

نقلت هيام بصرها بقلة حيلة بين الصغير والطبيب قبل أن تنقل بصرها لرياض لتري عيونه لا تعكس أي اهتمام بما يحدث بل يكتفي بالتطلع إليهم بجمود، كذبت قلبها وهي ترجع حالته تلك إلى صدمته وخوفه علي الطفل لتناديه قائلة: رياض.
نظر إليها فقالت: يلا بينا علي المستشفي.
هز رأسه قائلا ببرود: هاتي الولد وحصليني علي العربية.

غادر فتابعته بصدمة قبل أن تتجه للطبيب تأخذ الورقة منه ثم تحمل الصبي وتتبعه ليضرب الطبيب كفا علي كف قائلا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
خرج من البيت للشغل علطول وبعدين رجع البيت. اممم. طيب وامبارح؟
زي ماقلت لحضرتك مكنش موجود في النادي.
أمال راح فين بس؟
مش عارف ياهانم.
خلاص روح دلوقت ومن بكرة الصبح تكون هنا.
هراقب البيه برضه؟
قالت بحنق: أكيد يعني هتفضل تراقبه كل يوم لحد ما أعرف بيروح فين من ورايا. مفهوم؟

هز رأسه باحترام قبل أن ينصرف لتخرج سيجارة من علبة سجائرها وتشعلها تنفث دخانها بعصبية وشعور بالقلق ينهش أحشائها ويخبرها أن هناك شيء يخفيه مراد عنها يجب أن تعرفه وإلا أصابها الجنون.

كانت تبكي كما لم تبكي قط بحياتها، تنعي قلبا ضاع منه عشقا يأتي المرء مرة واحدة في الحياة فلا يعشق بعده أبدا. فتحت درج مكتبها وأخرجت منه صورة جمعتها به في يوم من أجمل أيام حياتها، يوم عيد ميلاده. مررت أناملها بحب علي ملامحه، أن قلبها توقا وصرخت خفقاته...
فراقك يقتلني ويزهق أنفاسي أكاد أوقن أني سأصير يوما هباءا منثورا
أراك في كل شيء حولي
صورتك محفورة بين جفوني
عيناك تناديني بعشق صار مهدورا.

همساتك تدوي في أذني
لا تتركيني حبيبتي لا تستمعي إليهم حتى لا يصير القلب ممزقا مكسورا
فأعجز أن ألبي ندائك وأعصي من خفض لي جناح الذل من الرحمة دون أن يكون مجبورا.
وبين طاعة وعصيان أتعذب فحتي ذكر اسمك صار علي اللسان محظورا
أدرك أنك كنت اختيار قلب رأي فيك روح تستنجد. تبغي طوق نجاة. تعافر كي لا ترحل مغدورا.
فكنت هذا الطوق لك
ثم صرت أنت سندي أتمسك بك كي لا يصير القلب مشطورا.

يقولون ان الهوي أعماني. وأقول أنه أشرق براعمي و جلب لحياتي ضياءا و نورا
أشرقت بالحب جنباتها وصار لها لونا بعد أن كانت بلا لون والفرح مبتورا
عشت معك أجمل أيام عمري
أوقات حملت شغفا و شوقا وخفقات قلب متسارعة بعد ثبات ومشاعر كان بها القلب مبهورا
لا أستبدلها بكنوز الدنيا حتى ان كانت نهاية القلب أن يكون محطما مقهورا
حتي ان صارت خفقاته تذوي وعبراته دماء تسيل. حتى ان صار مفطورا.

لن أنساك حتى تنساني. ولن أتخلي عنك حتى تتخلي عن وطن عشق ضمنا تحت جناحيه لن أرحل عنه حتى ترحل ويصير مهجورا
ولكن قبل الرحيل بالله ساعدني كي أنساك
وأنسي مس أصاب القلب فصار مجنونا محسورا
ساعدني ان استطعت النسيان وصار اسمي في خيالك غير مذكورا
لا أحد غيرك قد يمنحني خلاصا من عذابي فالخلاص بين يديك محصورا
فمن يفتح الأبواب يغلقها
ومن يشعل النيران يخمدها
والمحتل قبل الرحيل يمنح تحريرا ثم يرحل غير مشكورا.

كان يخرج من بوابة النادي حين تناهي إلى مسامعه صوت صرخة أنثوية فأسرع تجاه الصوت ليراها هناك تقف متشبثة بطفلها بينما يسحبه منها أحد الرجال، أسرع إليها دون تردد يبعد الرجل عنها قائلا بغضب: بتعمل ايه ياحيوان انت؟
قال الرجل بملامح غاضبة: ملكش دعوة بينا ده خلاف عائلي. مراتي وبربيها.
قالت فيروز بحنق: مراتك ايه. انت اتجننت؟

ثم أردفت موجهة حديثها إلى مالك قائلة: ده كداب ياأستاذ مالك و كان عايز ياخد ابني مني بالعافية.
نقل الرجل بصره بينهما قائلا بسخرية: آه ده فيه معرفة بقي بينكم، البيه ده بقي اللي مقويكي ومخليكي سايقة فيها ومش راضية تديني ولاد أخويا مش كدة؟ مش هتتجوزيه طبعا عشان متروحش الوصاية منك وتخسري الثروة، يبقي ماشية معاه. مش كدة؟

أسرع مالك يمسكه من تلابيبه قائلا بصرامة: اخرس خالص مسمعش صوتك، مدام فيروز أشرف منك، انت بقي العم اللي عايز ياكل مال ولاد أخوه، نصيحة صغيرة مني خليك بعيد عنهم أحسنلك وإلا هتواجهني أنا. مالك عزيز السكري. إسأل عني عشان تعرف أنا ممكن أعمل إيه فيك وفي أمثالك مفهوم يا. ياخفيف؟
طالعه الرجل بحنق قبل أن ينفض عنه يدي مالك قائلا: أنا ماشي بس ورحمة أخويا ماهسيبك يافيروز ولا هسيب ولاده.

قال مالك بغضب: امشي من قدامي دلوقت أحسنلك.
أرسل ماجد نظرة حارقة صوب فيروز التي تمسكت بطفلها ثم صعد إلى سيارته يقودها بغضب مبتعدا بينما قال مالك: اتفضلي معايا يامدام فيروز هوصلك البيت انت وكريم وياريت متخرجيش اليومين دول مع ولادك لوحدكم، الراجل ده مش سهل وعيونه بتقول انه مش هيجيبها البر ولحد مانقدر نتقي شره لازم ناخد بالنا كويس.

هزت رأسها قائلة بجسد أدرك من رعشته خوفها: حاضر. مش هخرج تاني أبدا لا لوحدي ولا معاهم.
مش للدرجة دي. أنا مش عايزك تخافي، مهما كانت قوة الظالم فاحنا معانا ربنا واللي معاه ربنا مفيش مخلوق بيقدر عليه.
طالعته بامتنان تدرك مايحاول ايصاله لها من أمان لتقول بصوت توقف عن الارتجاف: أنا متشكرة قوي علي اللي عملته معايا.
سحرته نظراتها فأشاح بوجهه عنها قائلا: مفيش داعي للشكر ده واجبي، هات ايدك ياكريم متخافش.

منحه كريم يده فساروا تجاه سيارة مالك تدق قلوبهم بمشاعر عديدة يتخلل قلبين منهما اختلاجة عجزا عن منحها اسما. حتى الآن.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة