قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل العاشر

قلتلك انها قابلتني صدفة قدام البيت وعزيتني في موت والدي، هو ده كل اللي اتكلمنا فيه.
قالت جيهان بسخرية: لا والله فيها الخير.
لتتجهم ملامحها وهي تردف: وانت تقف معاها لوحدك وترد عليها ليه؟ لأ وكمان بتبتسم لها. حاجة تحرق الدم صحيح.

واحدة بتقوللي البقاء لله، مردش عليها وأمشي ولا كأني شايفها. طب إزاي ياجيهان؟ حاجة عجيبة والله. وبعدين اشمعني يعني البنت دي اللي عاملة عشانها كل ده؟ ماانا بتعامل مع بنات غيرها في الشركة وبرة الشركة.
اقتربت منه بخطوات عصبية وهي تقول: بتبقي قصاد عيني. قدامي. مفيش واحدة فيهم وقتها ممكن تبتسم لك الابتسامة السخيفة بتاعة اللي اسمها مي دي ولا تبصلك زي مابتبصلك الزفتة دي.

قطب جبينه قائلا بحيرة: وهي بتبصلي ازاي يعني؟

طالعته بعيون تتفحص ملامحه عن كثب لتدرك انه لا يعلم شيئا عما تكنه هذه الفتاة له من مشاعر تظهر جلية لعيون امرأة مثلها، هي لا تخشاها تراها أقل منها في كل شيء ولكنها تخشي أن يري أكرم الشيئ الوحيد الذي تملكه هذه الفتاة بينما لم تملكه جيهان قط، هذه الهالة من الطهر والبراءة التي تحيط بها، تخشي أن تجذب بها أكرم فتفقده للأبد، تخشي وقتها أن يراها علي حقيقتها حين يعقد مقارنة بين الاثنين فيتخلي عنها وهي لن تجد رجل قط مثله، وسيم. حنون. محب. طيع وملك يمينها.

بتبصلي إزاي ياجيهان؟
أفاقت من أفكارها فآثرت أن لا تلفت انتباهه لمشاعر جارتها، لتقول بهدوء متجاهلة سؤاله: بص ياأكرم أنا هقولك كلمتين وبس عشان أنا بجد تعبانة ومش متحملة نقاش وحرق دم، البنت دي تبعد عنها خالص ومتكلمهاش ولا ترد عليها حتى سلام، ده لو كنت بجد بتحبني.
لتجول بأناملها علي بشرته العارية من خلال فتحة قميصه، تفك الزر العلوي ثم تتابع حلها لباقي الأزرار تباعا وهي تردف بغنج: انت لسة بتحبني مش كدة؟

ابتلع ريقه بصعوبة وأناملها تتسلل إلى صدره تداعب مشاعره الظمآنة لها فقد مر وقت طويل منذ أن اقتربت منه هكذا، لتهمس مجددا قرب وجهه تلفحه أنفاسها الساخنة التي أثارته وسارعت من خفقاته: بتحبني. دقات قلبك بتقولهالي. بحبك ياجيهان. بحبك يا...

قاطعها بقبلة التقط فيها شفتيها برغبة أثارتها بالكامل فسمحت له أن يأخذها في جولة من العشق، كان فيها الطرف العاشق بينما كانت هي الطرف الذي يشعر فقط بالرغبة والسعادة بالفوز في جولتها.

كانت تعد لها فنجان من القهوة قبل أن تجلس بمكانها المعتاد تستمع إلى السيدة فيروز وهي تراجع أبحاثها، حين استمعت إلى شجار قوي وأصوات عالية تأتي من حجرة طفليها، أسرعت بإتجاه هذه الأصوات، لتجد ان صغيريها يتشاجران مجددا، يطلب كريم من أخته شيء فترفض مخبأة إياه خلف ظهرها، يحاول أن يأخذه بالقوة فيتعالي صوت صراخها واحتجاجها، اقتربت منهما علي الفور تفصل بينهما بسرعة، قائلة: بس ياكريم، فيه حد يتعامل كدة مع بنوتة رقيقة زي كرملة؟

قال كريم بارتباك: خدت مني التليفون ياماما. وهخسر الجيم.
كداب ياماما، ده كان بيكلم عمي ماجد ومش عايزني أقولك ولا أوريكي التليفون.
انت اللي كدابة.
بس مسمعش كلمة واحدة زيادة، هاتي التليفون.
ده تليفوني ياماما ومش من حق...
لأ حقي ياكريم. أنا أمك ولا نسيت؟

قاطعته فيروز قائلة بملامح متجهمة، قبل أن تمسك الهاتف وتفتحه تري رسائل ماجد لطفلها وردوده عليه، شعرت بأنفاسها تضيق وروحها تختنق، قد تبدو رسائله عادية لأي شخص ولكنها تدرك ماورائها، في الرسائل العم يسأل عن ابن أخيه، يتمني لو كان حده ليمنحه كل الحنان والعطف والألعاب غالية الثمن التي تعجز هي عن توفيرها لطفلها، تعرفه جيدا لتدرك أنها محاولته العقيمة لاستمالة طفلها تجاهه فتفقده كما فقدت أباه من قبل ولكنها لن تسمح بذلك. شعرت بأنفاسها تضيق حد الاختناق وبأنها لا تقوي علي الوقوف فأسندتها كرملة بسرعة وساعدها كريم لتجلس قبل ان يسرع إلى الخارج ويأخذ جهاز الاستنشاق خاصة والدته من علي الطاولة ثم يعود إليها و يمنحها إياه لتضغطه بسرعة فأعاد لها انتظام أنفاسها، قال كريم بحنق يوجه حديثه لأخته: عاجبك كدة؟

عاجبك انت؟ مكنش ينفع تكلم عمي وماما منبهة علينا يافالح.
اسكتوا.
قالتها فيروز بوهن، قبل أن تتجه بحديثها إلى طفلها قائلة: عمك ماجد حرمني من باباك قبل كدة ياكريم وعايز يحرمني منك ومن أختك، خايف أرفع عليه قضية وآخد حقكم في ميراث أبوكم، عايز ياخدكم وبعدين يسرق حقكم وميراثكم، كل اللي بيهمه الفلوس، الفلوس وبس، لو عايز بجد تريحني، متتكلمش معاه تاني، صدقني هيبعدك عني ووقتها هموت بجد.
بعيد الشر عنك ياماما.

اوعدني ياكريم. اوعدني ياحبيبي.
أوعدك ياماما.
فتحت لهما زراعيها فاندسا في حضنها لتتمسك بهما بقوة، تدرك ان قربهما حياة وفراقهما موت محتم.

كبح فرامل سيارته بسرعة حين ظهرت هذه السيدة من لامكان فجأة أمامه، هبط بسرعة يطمأن عليها فواجهته المرأة بوجه شاحب، اتسعت عيناه بصدمة وهو يري انه كاد يصدم جارته السيدة قمر وجد عيونها قد غشيتها الدموع فقال بسرعة: ست قمر! انت كويسة؟ جرالك حاجة؟
هزت رأسها بضعف واللون يعود إلى وجنتيها، تمسح دموعها بكفها قائلة: أنا كويسة ياأستاذ...
لم تستطع تذكر اسمه فأسرع يعرفها عن نفسه قائلا: مصطفي اسمي مصطفي.

هزت رأسها مجددا قائلة من بين أنفاسها الضيقة: حصل خير ياأستاذ مصطفي، عن اذنك.
كادت ان تغادر فأصابها دوار فجأة ليسندها مصطفي بسرعة قائلا بقلق: لأ انت مش كويسة، انا لازم آخدك المستشفي عشان أطمن عليك.
مستشفي ايه بس؟ مش مستاهلة، الدوخة دي أكيد من الصدمة، ثواني وهتروح لحالها. سيبني انت وروح ومتشغلش بالك.

قال مصطفي باهتمام: ياست قمر خديني علي قد عقلي، وتعالي هوديكي المستشفي نطمن ولو كله تمام ياستي هوصلك البيت.
لكن...
قاطعها قائلا بحزم: من غير لكن، انا مش ممكن هسيبك وانت في الحالة دي، وبعدين متستهونيش بالدوخة ياست قمر افرضي رجعتلك تاني لا قدر الله ووقعتي من طولك في الشارع. أسيبك! بذمتك ده اسمه كلام انت مش عارفة غلاوتك عندنا ولا ايه؟ ده انت نوارة شارعنا ياام مالك.

طالعته بتردد قبل أن تهز رأسها موافقة ليتقدم ويفتح لها الباب المجاور لمقعد السائق فجلست في مقعدها، ليتجه هو إلى مكانه خلف المقود، تتابعه بعينيها وبداخلها تدرك أنه من هؤلاء الرجال الذين يمتلكون شهامة ومروءة قليلون في هذا الزمان من يمتلكون من الرجال هذه الصفات لتعود رغما عنها بالذاكرة إلى أيام كانت لا تقوي علي الوقوف من إعيائها فلا ينتبه لها زوجها بل يزيد من أعبائها بطلباته وحين تتأخر عن تلبية أوامره، كانت تلقي منه سبابا وتقريعا يجعلانها تبكي ألما طوال الليل ليس من تعب أصاب جسدها بل من قهر أصاب روحها.

كان الضابط ممدوح يشعر بألم في الرأس، يفتقد عمله في قسم مكافحة المخدرات بينما هو هنا في هذا القسم قد ضاق بالقضايا السخيفة التي تقع من نصيبه، لقد كان اليوم مزدحما علي غير العادة بالبلاغات والشكاوي، حتى أنه لم يتناول لقمة منذ الصباح، وها هو يشرب كوبا من الشاي حتى يزيل بعض هذا الألم، والأولي به أن يرسل في طلب الطعام، كاد أن يفعل وقد هدأت الأوضاع قليلا ولكن جلبة بالخارج جذبت انتباهه فأجل طلبه للطعام حتى يري ماالأمر، دلف إلى حجرته بعد طرقه الباب أمين الشرطة صالح يقدم التحية العسكرية فبادره ممدوح قائلا: خير ياصالح. الدوشة اللي برة دي ليه؟

قال صالح بوجل: خناقة ياباشا، اتنين ماسكين في واحد وعايزين يقدموا فيه بلاغ لإنه اتعدي بالضرب علي الكبير فيهم علي حد قولهم من غير سبب.
ليه مجنون مثلا؟ عموما خلي الظابط علاء يشوفهم وابعت هاتلي...
قاطعه صالح قائلا: مش هينفع ياباشا. انت عارف الظابط علاء مبيطيقش رياض باشا.
قطب ممدوح جبينه قائلا: وايه علاقة رياض باللي بيحصل ده؟
ما هو اللي جايين يشتكوه يبقي أخو حضرة الظابط رياض.

ازداد انعقاد حاجبي ممدوح قائلا بصدمة: مالك.
يوووووه بقي ياوليد، أنا زهقت ياأخي، كل ماأقول عايزة أخرج تقولي ماما مش هترضي، وأنا مالي ومال مامتك بس؟ هو أنا متجوزاك ولا متجوزة مامتك؟
قال وليد بعتاب: متجوزاني طبعا ياميسون بس انت عارفة ماما وعارفة طبعها، بتحب كل حاجة تمشي زي ماهي عايزة، وهي شايفة ان خروجك دلوقتي وانت لسة في الشهور الأولي من حملك هيضرك وبصراحة أنا شايف ان معاها حق.

طالعته بحنق قائلة: والله لا أنا ولا حملي نهم الست الوالدة في حاجة وكل الموضوع تحكمات فاضية عشان تثبتلي إنها قادرة تتحكم فيا وفي حياتي.
ميسون عيب الكلام اللي انت بتقوليه ده.
ومش عيب اللي بيحصل ده؟ ياوليد افهمني انا حامل وخلقي في مناخيري، اعتبرها اضطراب هرمونات ياسيدي، بس بجد مخنوقة ومحتاجة أخرج شوية، عشان خاطري خرجني.
طالعها وليد للحظات بتردد قبل أن يقول: طيب بلاش النهاردة وبكرة هكلمها ونخرج. اتفقنا؟

قالت ميسون باستنكار: انت لسة هتكلمها؟
يوووه ياميسون، انت التعامل معاكي بقي صعب جدا، أنا هخرج اقعد مع بابا شوية وياريت لما أرجع تكوني هديتي.
تركها وغادر الحجرة فنظرت إثره بحنق قبل أن تجلس علي السرير وقد ضاق صدرها تمسك هاتفها وتتصل بأختها غادة.

تطلعت إلى النيل بشرود، لا تتذكر متي جاءت آخر مرة وجلست أمامه كما تفعل الآن، ربما منذ ولادة مالك، تنهدت وهي تتذكر ذهابها لشقته اليوم فلم تجده ليخبرها البواب أنه خرج منذ برهة في حالة لا يرثي لها، يسألها عما أصابه وأين ذهبت زوجته السيدة هيام؟ فضولي هذا الرجل لم تجبه وهي تمشي شاردة بأحزانها تلعن ابنا ارتكب اثما وجرما في حقهم جميعا ثم فر هاربا وتشفق علي ابن تعرض لضربة غدر تقتل بقسوة من هم مثلها ومثل مالك من الطيبين، كانت تبكي فلم تري هذه السيارة وهي تعبر الطريق فكادت تلقي حتفها وكم تمنت لو فعلت ولم تعش لتتعذب هكذا لا تدري ماالذي يجب عليها فعله وكيف ستتصرف مع أولادها؟ أفاقت من أفكارها علي صوت مصطفي يقول بشفقة: طب ماتحكيلي ايه اللي تاعبك، مش يمكن أساعدك؟

هل قرأ للتو أفكارها؟ حتى ان فعل. ماالذي قد تقوله له دون أن تعري أولادها أمامه وتعري نفسها، تهربت من نظراته الفاحصة وهي تشيح بعينيها عنه قائلة وهي تنهض: أنا مش عارفة سمعت كلامك ازاي وجيت هنا بعد المستشفي؟ من فضلك أنا عايزة أمشي.

تفتكري لما تحطي بينك وبين الناس حواجز وتبعديهم عنك هترتاحي، بالعكس انت محتاجة تكوني بينهم، تنسي حزنك ووجعك وانت وياهم، صدقيني. خدي الكلام من راجل كان مكانك، قفل علي نفسه وبعد كل الناس عنه لما كان هيضيع ويضيع بنته معاه بس الحمد لله لقي ايد اتمدتله وخرجته من الضلمة اللي كانت محاوطاه وخلته يشوف انه لازم يكون بين الناس عشان يعيش واللي حواليه كمان يعيشوا، الايد دي كانت ايد والدتي الله يرحمها، اعتبريني الايد دي وامسكي فيها، خليها صداقة تخرجك من وجعك أو ودن غريبة تفضفضيلها باللي جواكي وساعتها ياتلاقي المشورة ياأقل حاجة هترتاحي.

وانت هتستفيد ايه؟
مش لازم المساعدة تكون لغرض أو هدف، أوقات كتير بتكون لوجه الله، بنشوف أرواح تشبه أرواحنا ضعيفة لوحدها لكن مع غيرها بتقوي، اقعدي ياست قمر، اقعدي وفضفضي باللي جواكي لو حاسة للحظة واحدة بصدق نيتي وكلامي.
طالعت عيناه للحظات قبل أن تحسم رأيها وقد رأت في صدق عينيه ماجعلها لا تجلس فقط بل وتتجاذب معه أطراف الحديث دون التعرض لوجعها ويالدهشتها، ما إن فعلت حتى شعرت بالراحة تغمرها.

انت بتقولي ايه؟ اتجننتي ياغادة؟ رياض أخويا عمل العملة السودة دي؟! مستحيل أصدق. انت أكيد جرا لعقلك حاجة؟
ياريت. ماما بنفسها اللي قالتلي الكلام ده، كانت مخبية عني بس لما قلتلها اني رايحة لمالك والزفتة هيام اضطرت تحكيلي، دمي اتحرق بشكل. وقلتلها انه كان لازم يقتلها ويقتله، بس بصراحة لما قعدت وفكرت بعقل شفت انه حرام يدخل السجن في كلبين زي دول.

خيانة وقتل وسجن، يادي المصيبة. يادي الفضايح. ياشماتة طنط ناهد فيا.
قالت غادة متهكمة: طنط ناهد. هو ده اللي بتفكري فيه؟ طب إسألي عن ماما ولا مالك واللي هم فيه، دي ماما مبتبطلش بكا من ساعة ما عرفت ولا بقت تاكل ولا تشرب وحاسة ان هيجرالها حاجة ولا مالك قافل علي نفسه شقته ولا بيرد عليا ولا حتى فتحلي باب لما روحتله النهاردة.
أنا كنت فين وكل ده بيحصل؟
في غيبوبة ياهانم، مشغولة بسي وليد والست ناهد.

أووووف متفكرنيش، الهانم مانعاني من الخروج والأستاذ مطاوعها.
وانت ساكتالهم ليه؟ ماتصممي علي رأيك وتخرجي.
انت لسة متجوزتيش ومش فاهمة ان أمرك كله في ايد جوزك وان في حياتكم الزوجية بيكون هو الآمر الناهي وكأنه سلطان واتجوز جارية.
سلطان وجارية. آه. لأ. شكرا. آسفة. مش مستعدة أخوض تجربة فاشلة سميتوها جواز، أنا هعيش حرة.
قولتيلي حرة، أما نشوف ياست غادة، المهم. فين ماما دلوقت؟

مش عارفة، أنا جيت من الكلية ملقيتهاش، وبكلمها مبتردش، غالبا راحت لمالك هي كمان أو جايز خرجت تفك عن نفسها شوية.
ماما تخرج تفك عن نفسها؟ معتقدش. غالبا راحت لمالك، طب وفين الحيوان رياض؟
هربان.
والحيوانة هيام؟
رجعت بيت أهلها، مالك طلقها طبعا.
ربنا يستر وطنط ناهد متشمش خبر عن الموضوع ده.
طنط ناهد تاني. روحي ياميسون، اقفلي وروحي لجوزك هتجيبيلي الضغط. كفاية عليا الجامعة. سلام.

أغلقت غادة الهاتف فتركت ميسون الهاتف من يدها وهي تزفر بضيق قبل أن تستلقي علي السرير.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة