قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الحادي عشر

ماإن رأي وجهه المكدوم حتى هب من مكانه يقف قائلا بجزع: ايه اللي حصل لوشك ده؟ انت كويس؟ حاسس بحاجة بتوجعك؟
هز مالك رأسه نفيا بينما قال أحد الرجلان اللذان حضرا معه: يستاهل ياباشا، هو اللي بدأ واتهجم عليا وكان هيموتني من الضرب. شوف عورني ازاي بالمطواة اللي كانت معاه.

رفع الرجل تيشيرته ليظهر جرح سطحي دامي قبل ان يترك تيشرته يسقط فيواري الجرح وهو يردف: ده غير بقي الكدمات اللي في جسمي. أنا ضربته دفاع عن النفس.
طالع الضابط ممدوح مالك بصدمة فقال مالك بسرعة: كداب والله ياممدوح أنا صحيح ضربته بس بإيدي مش بمطواة، المطواة كانت مع صاحبه ده وهو اللي عوره بيها عشان يودوني في داهية زي ماقالوا.
همس الرجل لصاحبه بحنق: دول طلعوا معارف، شفت أفكارك وصلتنا لفين يافالح؟

صمت حين قال ممدوح بهدوء: اخرجوا برة دلوقتي مع صالح وسيبوني معاه شوية.
لكن ياباشا...
قاطعه ممدوح قائلا بصرامة: قلت اطلعوا برة.
نفذا أوامره علي الفور، يغادران الحجرة مع أمين الشرطة بينما طلب ممدوح من مالك الجلوس فجلس متأوها، بادره ممدوح قائلا: ايه اللي حصل بالظبط يامالك؟ وليه اتخانقت مع شوية العيال دول.
بيعاكسوا واحدة قدامي وبيضايقوها، اتدخلت.
نصحتهم يعني زي ماكنت بتعمل مع زمايلنا في ثانوي؟

أطرق مالك برأسه قائلا بخجل: لأ ضربت اللي عاكسها ومد ايده عليها.
اتسعت عينا ممدوح بحيرة قائلا: ضربته كدة علطول، ده مش طبعك يامالك، كنت دايما تقول لأخوك فكر وانصح قبل ماتضرب هترتاح. الضرب مش حل وتصرف الهمجي الضعيف.
قست ملامح مالك حتى صارت لا تشبهه وهو يقول بحدة: متجيبليش سيرته، أنا مش طايقه ولو طولت رقبته هقتله.

أدرك ممدوح من كلمات صديقه أن هناك خطب جلل جعل مالك ملاكهم الحارس كما كانوا يطلقون عليه يتصرف بهذا الشكل ثم يهدد بقتل أخيه هكذا، ليقول بهدوء: مهما كان اللي عملوا أخوك...

كاد مالك أن يقاطعه فأشار له بحزم مردفا: اسمعني بس لإني حاليا متقمص دورك ياصاحبي وبحاول أردلك بعض من جمايلك علينا، كنا بنقول إيه؟ آه. مهما كانت عملة أخوك اللي خليتك تفكر في قتله بشعة ومتتغفرش فده ميبررش رغبتك في قتله، كل اللي هقولهولك هو كلام ربنا اللي دايما كنت بتردده قدامنا، بسم الله الرحمن الرحيم من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا صدق الله العظيم، ليه بقي عايز تخرج من رحمة ربنا وتودي نفسك في داهية. عشان إيه يعني؟ ها. أخوك رياض طول عمره أناني ومبيفكرش غير في نفسه، ظلمك؟ استني ياسيدي عقاب ربنا اللي ذكره في القرآن، هو أنا اللي هقولك؟ بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا.
بلاش دي. فيه كمان الآية اللي بتقول بسم الله الرحمن الرحيم
“ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين ”
أو الآية دي كمان دي بسم الله الرحمن الرحيم
” ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ”.

تفتكر بعد عقاب ربنا فيه أي عقاب ممكن يرضيك؟

هل من الممكن أن يتبدل خوفك أمنا في ثوان؟ أن تشعر بيد تربت علي قلبك فتزيح عنها الغم والهم والحزن في لحظات؟ أن تشعر بالسكينة والرضا واليقين مابين الفينة والأخري؟ هكذا تفعل بك آيات الله ماإن تتلي عليك، وهكذا فعل القرآن بمالك، ذكره بما نسي وجعله يستفيق من شر عبث بأفكاره فكاد يفعل مانهي الله عنه، قتل النفس. نعم لديه كل الحق في ذلك ولكنه يدرك الآن أن هناك عدالة السماء هي أقوي من عدالة أرادها بيده فكاد يحطم حياته ويقتل أمه كمدا عليه، ليكون رفيقه سبب إنارة بصيرته، طالعه شاكرا ممتنا فقابلته عيون تخبره أن صاحبهما سيكون بجواره دائما ما ان يحتاجه، قال ممدوح: قوللي بقي بعيد عن أخوك وبلاويه، ناوي تعمل ايه دلوقت يامالك؟

ظهرت الحيرة بعض الشيء علي ملامح مالك ليبتسم ممدوح وهو يعود بظهره مستندا علي الكرسي خلفه قائلا: إيه رأيك تسافر برة؟ منها تشتغل ومنها تروق أعصابك شوية عشان لما ترجع ترجع مالك اللي كلنا عارفينه.
ازدادت حيرة مالك فشرع ممدوح يقص عليه التفاصيل.
يعني ايه؟ برضه مش هنخرج؟

قالت ميسون بتذمر فقال وليد: معلش ياحبيبتي، هعوضهالك والله، انت عارفة اني مبحبش أشوفك زعلانة بس غصب عني، ماما خايفة يحصل أي حاجة ونفقد الجنين وانت عارفة انها نفسها تشوف ليا طفل وتشيله بين ايديها.

كم أنت ساذج يازوجي العزيز، جل ما ترغبه أمك هو النكاية بي وإغاظتي، وربما عدم الكشف عن حملي أمام صديقاتها فتظهر كجدة وهذا لا يناسبها، تأمل ربما في أن أفقد طفلي حتى يسهل التخلص مني لاحقا ولكن هذا بعيد عن منالها، سأتمسك به بقوة وسأحارب ليوجد حتى لا تكون هناك قوة في الأرض قد تستطيع تفريقنا، آملة أن لا تعلم هذه العقربة شيء عن فعلة أخي قبل أن ألد طفلي وإلا طالبتك بالإنفصال عني، لذا سأظهر طائعة ملبية لأوامرها وسأبتعد عن الجميع حتى أهلي.

فقط حتى موعد ولادتي ووقتها لا شيء قد يبعدك عني ياحبيبي. تظاهرت بالإنصياع وهي تقول بخضوع: وعشان خاطره وخاطرك ياحبيبي أنا موافقة أبقي بالبيت طول فترة حملي، أهم حاجة عندي في الدنيا هو وجودكم في حياتي.
ظهرت السعادة جلية علي وجه وليد ليسرع بإحتضانها علي الفور لتضمه بدورها تغمض عيناها وهي تستكين بحضنه، تدرك أن حياتها لا تكتمل دونه، تخشي الفراق عنه والذي وقتها سيلقيها في غياهب الجحيم.

ايه رأيك في المقدمة والبداية دي؟
قال حسام بإعجاب: هايلة طبعا ياغادة، إيه الجمال ده يابنتي؟ خالي كان معاه حق لما كان بيتكلم عنك وعن شطارتك، صحيح أنا شفت اجتهادك وتفوقك في الصف لكن انك تعملي بحث بالأهمية دي وبالبداية والتشويق ده لدرجة اني مقدرتش أغمض عيني لحد ماخلصتي، بصراحة ده اللي متوقعتوش بجد.
ابتسمت بعملية قائلة: كويس قوي يبقي هتوكل علي الله وأكمل.

ماشاء الله لأ وبتاخدي الثناء وكأني بقولك مجاملة عادية مفيهاش أي انبهار من ناحيتي بيكي ولا احساسي بإن هيكون ليكي مستقبل عظيم في مجال الصحافة. بتعمليها ازاي دي طيب؟ علميني.

متزودهاش ياحسام، عادي يعني. أي صحفي بيختار فكرة ويركز عليها كويس ويعمل أبحاثه هيطلع بموضوع متكامل يهم ويجذب الناس وإنك تشوفني قدمته بشكل كويس ده يبسطني بس ميخلنيش واثقة إن رأي الكل هيكون زي رأيك، فمش هتنطط من الفرحة غير لما أقدم الموضوع قصاد لجنة الجامعة ويقولولي برافو ياغادة انت اللي هتمثلينا في المؤتمر، الاستعجال في الفرحة بيخلي الواحدة تهمل وتقصر وأنا في شغلي مش مستعدة أهمل أو أقصر ومش هرضي غير بالفول مارك.

أولا مش أي صحفي يقدر يقدم موضوعه بشكل احترافي مشوق زي ماعملتي، عايز أقولك اني أوقات بقرا مقالة وبنام من تاني سطر او بقلبها، ثانيا عدم استعجال الفرحة لانه هيأدي للتقصير شيء صحيح منطقي عند ناس كتير بس مش عندك لإنك زي ماقلتي إنسانة طموحة وحابة تجيبي الدرجات النهائية ده غير الروح التنافسية اللي لاحظتها فيكي، بس هقولك حاجة ياغادة ولازم تفهميها كويس، متأجليش الفرح، سيبي قلبك يفرح في وقت الفرح عشان الفرح اللي بيروح مبيرجعش تاني والطموحين اللي زينا أوقات فرحهم بتبقي قليلة قوي صدقيني.

طالعته للحظات تفكر في كلماته قبل أن تمط شفتيها وهي تشير إلى نقطة ببحثها قائلة: بس انت شايف اني هنا مذكرش الموضوع تحريم تحديد النسل ولا لازم نعمل فوكس علي النقطة دي لإن محدش اهتم بيها في كل الأبحاث اللي اتعملت عن الموضوع ده؟
ابتسم وهو يراها تعود لبحثها وعملها، يدرك أن العمل يشغل عقلها بالكامل وهذا ماميزها في عينيه عن باقي الفتيات.

اتفقنا يامالك؟
هز مالك رأسه قائلا بامتنان: اتفقنا ياممدوح، عرضك جه في وقته وأكيد مستحيل أرفضه، أنا مش عارف أشكرك إزاي بس.
تشكرني إيه ياابني؟ ده احنا اخوات. بلاش عبط، دلوقتي هنده للاتنين اللي برة دول نخلص موضوعهم وبعدين تروح تاخد حمام محترم وتقابلني بعد ساعتين عند كافيه الصحبة الحلوة، شكري عبد الحميد هيسبقنا علي هناك عشان تتفق معاه علي التفاصيل.

هز مالك رأسه بابتسامة اعتلت ثغره بينما يضغط ممدوح علي الزر المجاور له فدلف صالح أمين الشرطة إلى الحجرة ليقول ممدوح علي الفور: دخلي الاتنين اللي برا دول.
أومأ صالح برأسه وهو يغادر قبل أن يدلف الرجلين ليطالعهم الضابط ممدوح بعيون حادة كالصقر وهو يقول: قولتلي بقي ان الأستاذ مالك ضربك وعورك بمطواة مش كدة؟

نقل الرجل بصره بين مالك هادئ الملامح والضابط الذي يطالعه بنظرات أرسلت الرعب في أوصاله، قبل أن يقول بتردد: ها آه. حصل ياباشا.
مط الضابط شفتيه وهو ينهض مقتربا من الرجلين اللذين تصببا عرقا وهو يقول: بسبب ايه بالظبط؟
من غير سبب، لقيته بيهجم عليا زي الطور الهايج.
يعني انت مكنتش بتتحرش بواحدة وتطول ايدك عليها وصاحبك مكنش مساندك مش كدة؟
كداب ياباشا، ده هو...

قاطعه ممدوح قائلا: انت تخرس خالص، مالك باشا صحفي مشهور وإنسان محترم ومش ممكن يمد ايده علي واحد زيك من غير سبب.
آه قول كدة بقي، عشان هو صحفي ومشهور وأنا راجل غلبان هتستقوو...

أمسكه ممدوح من تلابيبه قائلا: أنا بقول تخرس بدل ماأبيتك انت وصاحبك في الحبس بسبب لسانك الطويل ده، وبعدين هنا مفيش فرق بين غني وفقير، لأ. فيه فرق بين مجرم ومحترم وأظن ان مشوار صغير عند محمد العطار نفرغ أفلام كاميرا المراقبة هناك هيبينلنا إيه اللي حصل بالظبط، وهنعرف مين المجرم ومين البطل. ها تحب نروح ونكبر الليلة ولا تاخدها من قاصرها وتروح بيتك لمراتك وعيالك ده لو فيه واحدة قبلت بيك أساسا.

هز الرجل رأسه بخوف قائلا: فيه يابيه والله فيه.
ليقول الرجل الآخر بسرعة: انا بقول المسامح كريم ياباشا، سيبنا نروح لعيالنا، ده احنا غلابة.
غلابة.
قالها ممدوح بتهكم قبل ان يترك قميص الرجل قائلا: غوروا من وشي قبل ماأغير رأيي.

أسرعا الرجلان بمغادرة الحجرة بخطوات سريعة يتخبطان في بعضهما البعض، بينما نهض مالك محييا ممدوح وشاكرا إياه علي معروفه وقبل أن يغادر استوقفه صوت ممدوح وهو يقول: آه بالحق نسيت أقولك تسلملي علي هيام.
استدار مالك إليه يقول بملامح اطلت منها سخرية مريرة: مش هينفع لإني طلقتها.

ثم أغلق الباب خلفه بهدوء بينما أثار عاصفة من التساؤل في نفس ممدوح، متي وكيف طلق مالك زوجته التي كان يهيم بها حبا؟ وهل يجب أن يسأله في المساء؟ أم يتجاهل الأمر حتى لا يؤذيه بالتذكر كما رأي علي ملامحه منذ ثوان؟ هو لا يدري حقا.

أسرعت الخطي نادمة علي خروجها من المنزل وقد شعرت بوجوده حولها، تكاد تشم رائحته التي كرهتها لانها تخصه كما كرهت كل مايمت له بصلة ويذكرها بأيامها التعيسة معه، اتخذت أول شارع جانبي في طريقها تبغي أن تهرب من متابعها ولكنها ماكادت تفعل حتى شعرت بالندم علي الفور فقد كان الشارع مسدودا وخاليا، استدارت تنوي الرجوع إلى طريقها بسرعة ولكنها توقفت متجمدة وهي تراه أمامها يطالعها بعيون امتزج فيهم الشوق بالانتصار، تطوف علي ملامحها نظراته بطريقة أثارت اشمئزازها حتى أنها شعرت برغبة قوية في التقيؤ ولكن صدمتها لوجودها معه وحدهما في هذا الشارع الخالي حالت دون ذلك، اقترب منها بينما تراجعت هي بخوف، أرادت الصراخ ولكن لم تجد صوتها لتفعل، انتفضت حين شعرت بالحائط خلفها بينما صار هو أمامها تماما يقول بحنين: والله زمان ياحنان، وحشتيني ياحبيبتي.

وجدت أخيرا صوتها لتقول بحنق: أنا مش حبيبتك ولو سمحت عديني وخليني أمشي أحسن ماأصوت وألم عليك الناس.
احتلت السخرية نظراته وهو يقول: والله والقطة الناعمة طلعلها صوت وبقت بتهدد كمان.
وتخربش لو حد قرب منها وإذاها. أنا مبقتش حنان بتاعة زمان ومبقتش أخاف منك، متستقواش ببدلتك ومنصبك، ربنا أقوي منك وطول مابقول يارب مش ممكن هتعرف تضرني ولا تإذيني يارياض.

أغمض عينيه لثانية يستشعر جمال اسمه من فمها، لقد اشتاق إليها حقا ويدرك أنها رغم كل شيء مازالت تحبه ولكن كبريائها يحول بينها وبينه لذا سيدع الأيام تريها كم يحبها حتى أن كبريائها الذي تتمسك به سيزول أمام قوة مشاعره.
فتح عيونه يقول بشوق وهو يمد أنامله ويلمس بهم وجنتها: ومين قالك بس اني عايز أأذيكي؟

أبعدت وجهها عنه بنفور فأردف بابتسامة وهو يمسك ذقنها بقوة يجبرها علي النظر إليه: أنا بحبك ياهبلة هأذيكي ازاي بس؟
كنت بتقول دايما انك بتحبني وكنت بتإذيني يارياض، الظاهر ان الحب عندي شيء وعندك شيء تاني خالص، أقولك لو بجد بتحبني يبقي ابعد عني لان اللي بيحب حد بيتمناله السعادة وانا سعادتي مستحيل هتكون معاك.

أمسكها من ذراعيها بقسوة وقد استشاط غضبا من كلماتها قائلا: سعادتك مش ممكن تكون مع حد غيري، انت ليا أنا وبس ياحنان. فاهمة ولا لأ؟
ابعد ايدك عني بتوجعني.
زي ماكلامك بيوجعني...
قاطع كلماته صوت رجل يقول باستنكار: انتوا بتعملوا ايه هنا؟
استنجدت حنان بالرجل قائلة: ابعد الراجل ده عني ياحاج أبوس ايديك وخليني أمشي.
تأمل الرجل المسن رياض الذي نظر إليه بسخرية يقول دون خوف من بذلته الرسمية: بيضايقك؟
وانت مالك انت؟

ده شارعي وده بيتي والبنت بتستنجد بيا ولو مسبتهاش تمشي هنادي شباب الشارع وهنمسكك ونقدمك للقسم اللي انت شغال فيه، الحكومة مش ممكن تقبل بالمهازل اللي أمثالكم من الفاسدين بيعملوها ويسيئوا لصورتها.
ترك رياض حنان واتجه للرجل قائلا بتهكم: لا والله، أمثالنا من الفاسدين. امم. انا بقي هوريك أمثالي من الفاسدين ممكن يعمل فيك ايه؟

أمسك رياض بخناق الرجل بينما ينادي الرجل علي شباب الشارع الذي لبوا النداء بسرعة فانتهزت حنان الفرصة للهرب من المكان وما ان ابتعدت قليلا حتى استدارت تطالع مايحدث بقلب قد شفي غليله قليلا رؤية رياض تكال له اللكمات من كل جانب فلا يستطيع ردا عليها قبل أن تستدير وتطلق لساقيها العنان عائدة للمنزل.

يعني ايه الكلام ده يافيروز؟
زي ماقلتلك يابابا، مش هينفع أنزل مصر قبل ماأتأكد ان ماجد عم الولاد خسر القضية اللي رافعها عليا عشان الحضانة، الحمد لله اني عرفت قبل ماأنزل مصر، ماانا مش مستعدة أنزل المطار من هنا ألاقي حكم ضم لولادي وياخدهم مني، مش هقدر أجازف ياوالدي.
القضية قدامها شوية في المحكمة بس الحكم مضمون لصالحنا والأستاذ عزت المحامي أكدلنا الكلام ده.

مفيش حاجة مضمونة في الزمن ده، ممكن ماجد بعلاقاته ونفوذه يعجل القضية ويخلي الحكم لصالحه عموما هانت كلها كام شهر ونشوف ايه اللي هيحصل، لو حكموا لصالحي تمام هنزل ولو محكموش...
قاطعها والدها قائلا بحزن: هتعملي ايه وقتها يابنتي؟ هتفضلي عايشة متغربة عني؟ انت في بلد وأنا في بلد؟

متزودهاش عليا يابابا؟ ربنا عالم واحشني حضنك قد ايه وقعدتي معاك نتكلم مع بعض، لكن الظروف أقوي مني. خايفة ومن حقي أخاف إنت ناسي ماجد عمل فيا وفي جوزي إيه؟
لأ مش ناسي لكن بقولك أهو ارجعي ومتخافيش انا معاكي وهحميكي وهحمي أحفادي ولو التمن كان حياتي.

وتفتكر حياتك بالنسبة لي سهل كدة أضحي بيها عشان خاطري؟ لأ يابابا. انت أغلي عندي من الدنيا دي كلها، صدقني اللي بعمله ده هو الصح، لغاية مايكون في ايدي حكم الضم ومحضر بعدم التعرض مش هرتاح ولغاية ده مايحصل أنا هنا وانت كمان تقدر تيجي وتكون جنبي.
تفتكري ان باباكي ممكن يبعد عن تراب مصر ويسافر ويتغرب، معملتهاش وانا لسة في عز شبابي، هعملها دلوقت؟
أيوة. بس...

قاطعها قائلا: من غير بس. ربنا هيفرجها وزي ماخلاني قدرت أتحمل اللي فات هتحمل اللي جاي، خلي بالك انت من نفسك ومن الولاد.
حاضر يابابا وانت كمان خلي بالك من نفسك. سلام.
سلام.

أغلق اللاب شاعرا بالإختناق، بالوحدة التي هزت وجدانه وصدعت روحه، بعد أن ظنها ملجأ له يسمع فيها أفكاره ويواجه مخاوفه ولكنه في الفترة الأخيرة بات يضيق بها، يبغي صحبة تؤنس روحه وتبعد عنه صمت موحش ظلل علي أركان حياته فكاد يصيبه بالصمم والخرس، خرج إلى الشرفة يبغي هواءا يوسع به صدره، أسند يديه علي السور يأخذ نفسا عميقا يسحب قدر مايستطيع من الهواء قبل ان يطلقه في زفير حار، وقعت عيناه علي السيدة قمر تجلس في مقعدها المعتاد، ملامحها خالية من التعبير ولكن علي الأقل ليست حزينة كما كانت في الصباح، سحبت شالها إليها تتدثر به من البرد ربما رغم أن الجو في هذه الليلة معتدل ليس هناك أكثر من نسمة عابرة، أم تراها تشعر بالبرد الداخلي الناتج عن الحزن و تلقي الصدمات كحاله الآن وقد تلقي للتو صدمة تأجيل إبنته عودتها إلى القاهرة لأجل غير مسمي؟ كاد أن يمسك هاتفه ويتصل بها بعد ان تشاركا أرقامهما في نهاية لقائهما ربما حين يتحدثان عن حزنهما ينفرج همهما، ولكنه تراجع وظل فقط يطالعها بصمت بينما إنساب صوت فيروز جواره...

أنا لحبيبي وحبيبي إلي
يا عصفورة بيضا لا بقى تسألي
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
حبيبي ندهلي قاللي الشتي راح
رجعت اليمامة، زهر التفاح
وأنا على بابي الندي والصباح
وبعيونك ربيعي نور وحلي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة