قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

رواية انشق قلب القمر للكاتبة شاهندة الفصل الثاني عشر

للمرة التي لا تدري عددها تجد هاتفه مغلقا، ألقته بحنق جوارها تتساءل متوجسة.
هل تخلي عنها بعدما اكتشف مالك فعلتهما الشعناء به؟
هل تركها تواجه كل من حولها وحدها؟
هل حبه لها ليس قويا كما اعتقدت ليواجه الجميع به ويتمسك بها؟
هل أخطأت حقا حين...
هزت رأسها نفيا بعنف تنفض هذه الأفكار المظلمة والتي أحاطت بها مؤخرا، تدرك انه يبتعد قليلا حتى تهدأ الأوضاع ثم يعود لجوارها يعلنها أمام الجميع.

هذه الفتاة التي طالما أحببت ينمو بداخلها بذرة عشق قدر له أن يكون بعد إستحالة.

انتفضت علي صوت والدتها وهي تقول بتذمر: يعني لا مالك جه عشان يصالحك ويرجعك البيت ولا مامته عبرتنا بتليفون حتى تعتذر عن اللي عمله مالك، إلا صحيح ياهيام. هو مالك عمل إيه خلاكي جيتيلي البيت بشنطة هدومك لوحدك في نص الليل؟ كل ماأسألك تقوليلي سيبيني أهدي الأول ياماما، وأديني سيبتك لما هديتي. قولي بقي وريحي قلبي، أوعي يكون ضربك؟ لأ مالك ميعملهاش ده واحد عارف ربنا ومستحيل يعملها. ماتنطقي ياهيام ساكتة كدة ليه؟

قالت هيام بارتباك: أنا بسمعك بس، مالك. أصله. لما جه البيت...
ما تنطقي يابنتي طوالي وتريحيني، مالك. أصله. فصله. عمل إيه يعني؟ أقولك انا هقوم أكلم الست قمر، هي اللي هتريحني أصلها حقانية ومترضاش بالظلم ولو ابنها غلطان ه...
قاطعتها هيام وهي تنهض قائلة بخوف: لا ياماما. أبوس ايديكي ماتكلميهاش.
قطبت والدتها حاجبيها قائلة بقلق: انت مالك اتفزعتي كدة ليه لما قلت هكلمها؟

أزاحت هيام شعرها المنسدل خلف أذنيها وهي تقول باضطراب: أبدا. انا بس، يعني، خايفة...

صمتت فازداد انعقاد حاجبي والدتها متوجسة تقترب منها وتمسك ذراعها قائلة: خايفة من إيه يابنت إلهام؟ أوعي تكوني انت اللي مزعلاه لأ وجاية غضبانة كمان؟ ماهو مستحيل يخرجك من بيته حتى لو غلطانة مش طبع مالك ولا أخلاقه وتربيته. انطقي وقولي عملتي ايه إلا ويمين الله هاخدك من إيدك وأروحلهم وأحط الجمل قصاد الجمال عشان أفهم فيه ايه؟

اغروقت عينا هيام بالدموع وهي تقول بانكسار: ملوش لزوم ياماما. أنا هحكيلك علي كل حاجة.
مش عارفة أشكرك إزاي ياكرم؟ لولا قابلتك هنا في السفارة بالصدفة كانوا هيطلعوا عيني ويلففوني مابين المكاتب و مكنتش هقدر أخلص أوراقي بالسرعة دي.
ابتسم كرم قائلا: دي حاجة بسيطة متكبريهاش، المصريين لبعضهم ولا الغربة خليتك تنسي.

تأملته بعيون شع منهما الإعجاب ساطعا في هذه اللحظة فلم تستطع أن تخفي شعورها وهي تقول: أنا فرحانة انها مخلتكش انت تنسي.
أربكته نظراتها وأسرعت من خفقاته قليلا فاهتزت إبتسامته وهو يقول بارتباك: لو حابة أوصلك في طريقي للجامعة أنا معنديش مانع.
ابتسمت قائلة: معنديش محاضرات النهاردة وهروح البيت علطول، انت كمان خلصت وهتروح مش كدة؟

كاد أن ينفي ويتظاهر بأنه منشغل بأمر آخر فلن يجازف بأن تراه زوجته مجددا وهو معها، فسيثير شياطينها بكل تأكيد ولكن نظرة الرجاء في عينيها أجبرته علي الإيماء موافقا لتتسع ابتسامتها وهي تتقدمه حين أشار إليها بينما ابتهل هو أن تتأخر زوجته بالخارج كعادتها فلا تكتشف أمره.

كانت إلهام تبكي وتخمش وجهها، تنوح بمرارة: يامصيبتك ياإلهام، ياخيبتك في بنتك. ياخسارة تربيتك فيها، أوري وشي للناس إزاي وأقولهم إيه؟ بنتي زعلت منها ربنا وعملت كبيرة من الكبائر ومع مين؟ مع رياض أخو جوزها، جوزها الملاك اللي كان بيبوس التراب اللي بتمشي عليه وعمره مازعلها. ضربته في ضهره بسكينة قاسية قوي ومبترحمش. بنتك وطت راسنا في الأرض ياكامل.

قالت هيام الراكعة بجوار أمها تبكي بقوة: خلاص بقي ياماما. أنا فيا اللي مكفيني.
نفضت يد ابنتها الموضوعة علي حجرها تقول بقسوة: اخرسي خالص انت ليكي عين تتكلمي بعد اللي عملتيه والله لولا الروح البريئة اللي في بطنك أنا كنت قتلتك وغسلت عارك بإيدي.
أطرقت هيام بإنكسار وقد زادت دموعها انهمارا: هو كمان قاللي كدة. كان هيموتني وأنقذني الطفل اللي في بطني.

قالت إلهام بمرارة: ياقلبي ياابني، أكيد هيموت بحسرته دلوقت، أنا مش عارفة جيبتي الجبروت و القسوة دول منين عشان تدبحيه بالشكل ده، لأ ومع أخوه. أخوه ياقادرة. رياض الفلاتي زير النسا اللي مراته مطاقتش تقعد معاه من قرفه واتطلقت قبل مايكملوا سنة.
ماهو مكنش بيحبها وهي ماعرفتش قيمة النعمة اللي كانت في ايديها.

اتسعت عينا الهام قائلة باستنكار: انت لسة بتدافعي عنه؟ بتقولي عليه نعمة ياهبلة. بكرة تعرفي انك انت اللي ضيعتي النعمة اللي كانت في ايديكي، هقول ايه؟ البني آدم اللي ربنا بيغضب عليه بتضيع حياته وحياتك ضاعت يابنت بطني.
ياماما أبوس ايدك ارحميني...
قاطعتها هادرة وهي تنهض: وانت مرحمتيناش ليه؟

شعرت بألم في صدرها فارتعشت أطرافها وشحب وجهها، جلست مجددا تمسك قلبها تأخذ أنفاسها بصعوبة فأسرعت هيام إلى حجرة والدتها وجلبت علبة دوائها ثم خرجت إليها بسرعة وناولتها حبة منه تناولتها إلهام بسرعة ليعود لونها تدريجيا بعد لحظات من السعال المتواصل، قالت هيام من بين دموعها: سامحيني ياأمي أبوس إيديكي، أنا آسفة والله متزعليش مني وتاخدي علي خاطرك، أنا مليش في الدنيا دي غيرك. لو جرالك حاجة أموت.

قالت إلهام بوهن: ياريت الموت ياخدني ويريحني، ياريت يخلصني من عارك.
حبت علي يدها قائلة بإنهيار: متقوليش كدة، ربنا يباركلي في عمرك. أنا غلط بس ورحمة بابا، وحياتك الغالية عندي هصلح غلطتي وهخليه يتجوزني.
يتجوزك ازاي ياموكوسة وانت متجوزة أخوه.
أطرقت هيام برأسها قائلة: لأ ماهو مالك طلقني وبعتلي ورقتي النهاردة الصبح.
لتتسع عينا إلهام باستنكار يعاودها ألم صدرها مجددا لتتمني لو كانت القاضية.

آسف ياأمي، اضطريت أسافر النهاردة الصبح، مقدرتش أودعك. مكسوف من لقانا آخر مرة، أكيد زعلتك مني مش كدة؟ لو ليا في ذكرياتك حاجة حلوة خليها تغفرلي وسامحيني علي البعد ماأنا كان لازم أبعد، مكنش ينفع أقعد والنار دي جوايا. كانت هتحرق كل اللي حواليا وأولهم انت، غالبا مش هرجع تاني مصر، هعيش في انجلترا جايز الغربة تنسيني وجعي. أول ماأستقر هبعتلك تجيني، يمكن ساعتها تلاقي ابنك اللي ربتيه وجايز أكون واحد تاني. مش عارف. حاسس بحاجة اتكسرت جوايا وغيرتني بحاول أتمسك بكل حاجة ربتيني عليها، بحاول ألاقي نفسي بس لغاية اللحظة دي مش قادر. ادعيلي وارضي عني. من غير دعاك ورضاك مش هلاقي طريق الرجوع وهتوه من نفسي أكتر. أشوفك علي خير. ابنك اللي بيحبك وعارف انك بتحبيه. مالك.

تركت قمر الهاتف من يدها وهي تضع يدها علي فمها تكتم شهقاتها الملتاعة، لقد سافر ابنها البكر إلى بلد أخري، هاجر من صراع مشاعره وماتربي عليه أم هاجر من قسوة قاتليه؟ هاجر من وطنه الأرض أم هاجر من حضنها هي المأوي والدفء والسكن؟ أسئلة تدور بخلدها الآن تطيح بثباتها وتؤلم قلبها، تنكئ بقسوتها جراح الماضي وتعيدها إلى خانة التعساء بعدما ظنت أنها وأخيرا أطلق سراحها من عذاب ظنته بلا نهاية فأضحي كذلك، أمسكت غادة بهاتف والدتها تقرأ هذه الرسالة التي جائتها للتو فأبكت الأخيرة قهرا وزادت سنون عمرها.

اغروقت عينا غادة بالدموع وهي تقرأ كلمات الرسالة بدورها، لقد تركهما وسافر دون وداع، دون أن يهتم بذكرها حتى في رسالته، ألا يهتم بها؟ ظنته يختلف عن باقي الرجال. ظنته صالحا بما يكفي ليظل حدها ويهتم بها. ماذا لو احتاجته؟ ماذا لو أرادت الحديث معه؟ ماذا عن كلماته التي لطالما أعادها علي مسامعها؟ ماذا عن البقاء سندا للأبد؟ هراء نعم هراء. كل الرجال سواء. أنانيون لايفكرون سوي في أنفسهم ومشاعرهم. حسنا ستعتمد علي نفسها منذ الآن وستكون لنفسها السند، سيعلو شأنها إن أرادت علوا، ستجتهد وستتفوق وفي النهاية لن تحتاج لأحد. تركت الهاتف واستقامت بملامح خالية باردة تتجه إلى حجرتها تغلق الباب خلفها بهدوء بينما ظلت قمر تبكي بصمت حتى شعرت بالاختناق لترفع يدها عن فمها وتترك شهقاتها الباكية تريح بعض من ألم قلب لا يحتمل.

أنا لحبيبي أنا لحبيبي وحبيبي إلى يا عصفورة بيضا لا بقى تسألي لا يعتب حدا ولا يزعل حدا أنا لحبيبي وحبيبي إلى حبيبي ندهلي قلي الشتي راح رجعت اليمامة زهر التفاح و أنا على بابي الندي والصباح و بعيونك ربيعي نور وحلي و ندهلي حبيبي جيت بلا سؤال من نومي سرقني من راحة البال أنا على دربو ودربو عالجمال يا شمس المحبة حكايتنا أغزلي.

كانت كلمات فيروز الشجية تتسلل إلى مسامعه فتنقله إلى طوف من الذكريات انسابت بهدوء في مخيلته، أغمض عيناه علي صورتها التي تمثلت أمامه الآن، يغلق أهدابه قبل أن تتسلل بعيدا عنه كما اعتادت أن تفعل في الآونة الأخيرة، يتساءل عن السبب. هل أضحت ذكرياته مع زوجته بعيدة حقا حتى صارت تتلاشي مؤخرأ؟ أم أصابه وهن الكبر فما عاد عقله يعمل بطاقته القصوي، تنهد وهو يفتح عيونه بعد أن غابت صورتها، يزفر بقوة. وحدته صارت أرقا بعدما علم بغياب ابنته وتأخر عودتها إليه. تري هل عليه أن يستمع لنصيحة صديقه ويبدأ في الخروج قليلا أو ربما يجلس علي المقهي مع زملائه القدامي؟ لا يدري حقا، حانت منه إلتفاتة إلى شرفتها. غائبة هي منذ يومان، لا يراها كلما خرج إلى الشرفة ليلا علي غير العادة. تري هل هناك خطب أصابها؟ أزعجته هذه الفكرة فنفضها علي الفور وقطرات من المطر تبدأ في السقوط تباعا علي سور شرفته، نهض يطالع هذا التتابع الجميل لهذه اللوحة الرائعة لفصله المفضل أو هكذا كان حتى فقد أحبته الذين كانوا يشاركونه احتساء شراب دافئ وهم يتطلعون إلى سقوط المطر علي أرصفة الشوارع الخالية إلا من بعض المارة المسارعين بالعودة إلى منازلهم، ربما سيرحل الشتاء ذات يوم ولكنه سيعود ومع عودته سيزداد الحنين لأحبة فارقونا ولكن ذكرياتنا تجسدهم أحياء في أذهاننا فيتعمق الشوق ويزداد لهيب الفراق حرقة فيصطدم ببرودة اللاوجود ويحدث وقتها هطولا من نوع آخر. إنه هطول العبرات.

انتبه من أفكاره علي مرآها تدلف إلى الشرفة، تتدثر بوشاحها الأزرق. لم تتجه إلى كرسيها كعادتها وإنما اتجهت إلى السور وتوقفت تطالع المطر بدورها مثله، رفعت أناملها تمسح عبراتها التي تدمي قلبه، تبكي كثيرا هذه السيدة حتى صار الدمع مرافقا ملازما لها. هل تفتقد زوجها؟ ربما.

رأته. تطلعت مباشرة إليه. لأول مرة تفعل. طالعته للحظة بملامح متجمدة لانت بعد لحظات وهي تبتسم ابتسامة خفيفة وتهز رأسها محيية، تسارعت خفقاته بقوة علي غير العادة وارتباك أصابه جعله يبتسم كالأبله يهز رأسه دون وعي، رغبة ملحة في صدره جعلته يرفع هاتفه ويقرر الاتصال بها. أراد أن يتحدث معها ربما ليخفف عنها هذا الحزن القابع بعينيها رغم ابتسامة زينت شفتيها، رأي فيها انعكاسا لروحه الوحيدة، ربما في رفقة بعضهما البعض وجدا الراحة لقلوبهما. أجابته علي الفور قائلة بصوتها العذب: مساء الخير.

مساء النور. أخبارك إيه؟
زي ماانت شايف كويسة، سمعت الشتا قلت أخرج أتفرج عليه، طفلة صغيرة مش كدة؟
العشق مش بالسن بيفضل جوانا مهما كبرنا، يطل من تصرفاتنا من غير وعي. والشتا عشق. ميفهموش غير روح بريئة لقت في برده دفا وفي مطره فرج وفي لياليه صحبة وراحة.
اكتفت بهزة من رأسها ثم قالت: انت بتسمع فيروز. اممم. بحب صوتها قوي.
صوتها بيدفي القلب.
قالاها سويا فابتسما ليقول مصطفي مبادرا: وراكي حاجة بكرة؟

هزت رأسها نفيا فأردف قائلا: إيه رأيك نتقابل الصبح في النادي نتمشي شوية في الجو الجميل ده ونشرب حاجة دافية ونتكلم شوية، احنا مش اتفقنا نبقي اصحاب ومن فترة للتانية نتقابل ونتكلم.

شعر بترددها فأردف بسرعة: انا حاسس انك متضايفة وزي ماقلتلك أوقات الفضفضة مع صديق بتريح القلب وتشيل الهم. أنا كمان محتاج أفضفض باللي جوايا وكنت لسة بفكر أنزل أقعد مع سعد صاحبي في الكافيه اللي ورانا ده بس بصراحة الراجل بيجوز بنته وأكيد من اللف مع مراته طول النهار حابب يرتاح، قلتي إيه. ينفع أفضفض معاكي؟

هزت رأسها بهدوء: أكيد ينفع بس للأسف مش هقدر أخرج وأقابلك قبل ماشهور العدة تخلص. أنا كنت بخرج مضطرة عشان خاطر ابني. مفكرتش وقتها في أي حاجة غير خوفي عليه. كنت خايفة يعمل في نفسه حاجة لكن دلوقت فقت ولازم مخرجش تاني لحد ماتخلص شهور العدة. عموما هانت ولحد ماتخلص تقدر تكلمني وأكلمك في أي وقت.
ابتسم قائلا: أنا مقدر طبعا ولحد مانقدر نتقابل هنتكلم.
هزت رأسها مجددا قبل ان تقول: تصبح علي خير.

أغلقت الهاتف بينما يقول هامسا: تلاقي الخير.
دلفت إلى شقتها وأغلقت باب الشرفة بينما وقف ينظر في إثرها لبضع لحظات قبل أن يغلق جهاز الاستيريو الخاص به ويدلف بدوره إلى شقته مغلقا باب الشرفة بهدوء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة